تحميلات المصحف بكل صيغه

تحميلات

صفة صلاة النبي{ص}تحقيق الشيخ الألباني

صفة صلاة النبي{ص}تحقيق الشيخ الألباني

https://alnukhbhtattalak.blogspot.com/ صفة صلاة النبي{ص}

الجمعة، 22 أبريل 2022

المنتقى من صيد الخاطر لابن الجوزي جمع فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

المنتقى من صيد الخاطر لابن الجوزي  جمع  فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ  

حقوق الطبع والنشر لكل مسلم 

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فقد اشتهر الحافظ ابن الجوزي رحمه الله بالوعظ, وتاب على يديه الكثيرون, وله مصنفات كثيرة, من أشهرها: كتابه  " صيد الخاطر " وهو كتاب مفيد, لا يخلو من ملاحظات, قال الشيخ عمر بن عبدالله المقبل:* قال العلامة عبدالرحمن السعدي : كلامه في الفصول التي في أول صيد الخاطر...يجب الحذر منها, والتحذير, ولولا أن هذه الكتب موجودة بين الناس لكان للإنسان مندوحة عن الكلام فيه, لأنه من أكابر العلم وأفاضلهم, وهو معروف بالدين والورع والنفع, ولكن لكل جواد كبوة, نرجو الله أن يعفو عنا وعنه, وفي صيد الخاطر أيضاً أشياء تُنتقد عليه, ولكنها دون كلامه في الصفات مثل كلامه عن أهل النار, وفي الخوض في بعض مسائل القدر.

فيوجد في كتابه أشياء مفيدة, وأشياء منتقدة, وقد انتقيت من كتابه كل مفيد, بعد حذف الموضوعات المتكررة, فهو رحمه الله يعيد في كتابه موضوعات سبق أن تكلم عنها, معللاً ذلك لكي لا يغفل عنها, يقول:  كثيراً ما أعيد هذا المعنى في هذا الكتاب بعبارات شتى, قد تكرر معناه في هذا الكتاب...إلا أن إعادته على النفوس مهمة لئلا يُغفل عنه.

كما قمتُ بعد انتقاء الموضوعات بضم كل موضوع إلى نظيره, وجعلته في فصل مستقل, يندرج تحته مباحث فرعية, أسأل الله الكريم أن ينفع بعملي هذا, ويبارك فيه.

ــــ(3)

فصل: الغفلة

أكثر الناس في غفلة:

قال الشاعر:

الناس في غفلة والموت يوقظهم        وما يفيقون حتى ينفذ  العمـر

يشيعون أهالـيهم   بجمعهـم        وينظرون إلى ما فيه قد   قبروا

ويرجون إلى أحلام  غفلتـهم         كأنهم ما رأوا شيئاً ولا نظروا

وهذه حال أكثر حال الناس...لا يعتبر برفيقه, ولا يتعظ بصديقه, ولا يتزود لطريقه.

وأكثر الناس ما يرون الأشياء بعينها, فإنهم يرون الفاني كأنه باق, ولا يكادون يتخايلون زوال ما هم فيه وإن علموا ذلك

فنسأل الله عز وجل أن ينبهنا من رقدات الغافلين.

إفاقة المحتضر عند موته:

من أظرف الأشياء إفاقة المحتضر عند موته, فإنه ينتبه انتباها لا يوصف, ويقلق قلقاً لا يحد, ويتلهف على زمانه الماضي.

ويود لو ترك كي يتدارك ما فاته ويصدق في توبته على مقدار يقينه بالموت, ويكاد يقتل نفسه قبل موتها بالأسف.

فالعاقل من مثل تلك الساعة وعمل بمقتضى ذلك.

 

 

 

ــــ(4)

الاستيقاظ من الغفلة والاستعداد للموت:

يجب على من لا يدري متى يبغته الموت أن يكون مستعداً.

ولا يغترر بالشباب والصحة.

ومن الاغترار طول الأمل, وما من آفة أعظم منه.

فإنه لولا طول الأمل ما وقع إهمال أصلاً.

ولا تمس حتى تنظر فيما مضى من يومك, فإن رأيت زلة فامحها بتوبة, أو خرقاً فارقعه باستغفار, وإذا أصبحت فتأمل ما مضى من ليلك, وإياك والتسويف فإنه أكبر جند إبليس.

وتمثل ساعة الموت, وانظر إلى مرارة الحسرات على التفريط,...فما أبله من لا يعلم متى يأتيه الموت, وهو لا يستعد للقائه.

وأشدُّ الناس بلهاً وتغفيلاً من عبر الستين وقارب السبعين, فإن ما بينهما هو معترك المنايا, ومن نازل المعترك استعد, وهو مع ذك غافل عن الاستعداد.

هل بقي لابن ستين منزل ؟

فإن طمع في السبعين فإنما يرتقى إليها بعناء شديد, إن قام دفع الأرض, وإن مشى لهث, وإن قعد تنفس.

فإن طمع في الثمانين فهو يزحف إليها زحف الصغير.

فالعاقل من فهم مقادير الزمان,...فينبغي له عند تمام الأربعين أن يجعل جل همته التزود للآخرة, ويأخذ في الاستعداد للرحيل...وكلما علت سنه فينبغي أن يزيد في اجتهاده,..خصوصاً إذا قوي عليه الضعف وزاد, نسأل الله عز وجل يقظة تامة تصرف عنا رقاد الغفلات وعملاً صالحاً نأمن معه من الندم يوم الانتقال والله الموفق

ــــ(5)

همة المؤمن متعلقة بالآخرة:

همة المؤمن متعلقة بالآخرة, فكل ما في الدنيا يحركه إلى ذكر الآخرة, وكل من شغله شيء فهمته شغله.

والمؤمن إذا رأى ظلمة ذكر ظلمة القبر.

 وإن رأى مؤلماً ذكر العقاب.

وإن سمع صوتاً فظيعاً ذكر نفخة الصور.

وإن رأى الناس نياماً ذكر الموتى في القبور.

وإن رأى لذة ذكر الجنة...

وأعظم ما عنده أنه يتخايل دوام البقاء في الجنة, وأن بقاءه لا ينقطع ولا يزول, ولا يعتريه منغص, فيكاد إذا تخايل نفسه متقلباً في تلك اللذات الدائمة التي لا تفنى يطيش فرحاً, ويسهل عليه ما في الطريق إليها من ألم ومرض وابتلاء وفقد محبوب, وهجوم الموت, ومعالجة غصصه....

نسأل الله عز وجل يقظة تامة تحركنا إلى طلب الفضائل, وتمنعنا من اختيار الرذائل.

العاقل من استيقظ من غفلته وتأهب لسفره:

من تفكر في عواقب الدنيا أخذ الحذر.

ومن أيقن بطول السفر تأهب للسفر.

فالواجب على العاقل أخذ العُدة لرحيله, فإنه لا يعلم متى يفجؤه أمر ربه, فمن أعطى كل لحظة حقها من الواجب عليه, فإن بغته الموت رؤى مستعداً, وإن نال الأمل ازداد خيراً.

 

ــــ(6)

فصل: العقوبات

أعظم العقوبة:

أعظم المعاقبة أن لا يحس المعاقبُ بالعقوبة, وأشدَّ من ذلك أن يقع السرور بما هو عقوبة, كالفرح بالمال الحرام, والتمكن من الذنوب, ومن هذه حاله لا يفوز بطاعة

وربما رأى العاصي سلامة بدنه وماله فظن أن لا عقوبة وغفلته عما عوقب به عقوبة

وقد قال الحكماء: المعصية بعد المعصية عقاب المعصية.

الحذر من عقوبة المعاصي والذنوب:

ينبغي لكل ذي لب وفطنة أن يحذر عواقب المعاصي, فإنه ليس بين الآدمي وبين الله تعالى قرابة ولا رحم, وإنما قائم بالقسط حاكم بالعدل.

وإن كان حلمه يسع الذنوب, إلا أنه إذا شاء عفا, فعفا كل كثيف من الذنوب, وإذا شاء أخذ, وأخذ باليسير, فالحذر الحذر.

ولقد رأيت أقواماً من المترفين كانوا يتقلبون في الظلم, والمعاصي الباطنة والظاهرة, فتعبوا من حيث لم يحتسبوا, فقلعت أصولهم, ونُقِضَ  ما بنوا من قواعد أحكموها لذراريهم.

ورأيت أقواماً من المنتسبين  إلى العلم أهملوا نظر الحق عز وجل إليهم في الخلوات فمحا محاسن ذكرهم في الجلوات, فكانوا موجودين كالمعدومين, لا حلاوة لرؤيتهم, ولا قلب يحن إلى لقائهم...فالله الله في مراقبة الحق عز وجل..فإن عليكم من الله عينا ناظرة, وإياكم والاغترار بحلمه وكرمه فكم استدرج, وكونوا على مراقبة الخطايا مجتهدين في محوها, وما شيء ينفع كالتضرع مع الحمية من الخطايا.

فالله الله, اسمعوا ممن قد جرب, كونوا على مراقبة, وانظروا في العواقب.

ــــ(7)

من عقوبات الذنوب المعنوية:

وربما كان العقاب معنوياً, كما قال بعض أحبار بني إسرائيل: يا رب كم أعصيك ولا تعاقبني ؟ فقيل له: كم أعاقبك ولا تدري, أليس قد حرمتك حلاوة مناجاتي ؟

قال وهب بن الود وقد سئل: أيجد لذة الطاعة من يعصي؟ قال: ولا من همَّ.

فرب شخص أطلق بصره فحرم اعتبار بصيرته, أو لسانه فحرم صفاء قلبه, أو آثر شبهة في مطعمه...فحرم قيام الليل وحلاوة المناجاة إلى غير ذلك.

من عقوبات الذنوب الحسية:

من تأمل عواقب المعاصي وجدها قبيحة,...فأف للذنوب ما أقبح آثارها, وما أسوأ أخبارها, فمتى رأيت تكديراً في حالٍ فاذكر نعمة ما شكرت أو زلة قد فعلت.

كان الفيضل بن عياض يقول: إني لأعصى الله, فأعرف ذلك في خلق دابتي وجاريتي, قال بعض المعتبرين: أطلقت  نظري فيما لا يحل لي, ثم كنت أنتظر العقوبة, فألجئت إلى سفر طويل لا نية لي فيه, فلقيت المشاق, ثم أعقب ذلك موت أعز الخلق عندي, وذهاب أشياء كان لها وقع عظيم عندي, ثم تلاقيت أمري بالتوبة فصلح حالي, ثم عاد الهوى فحملتي على إطلاق بصري مرة أخرى, فطمس قلبي.

وأنا أقول عن نفسي: ما نزلت بي آفة أو غم أو ضيق صدر إلا بزلل أعرفه حتى يمكنني أن أقول: هذا بالشيء الفلاني, وربما تأولت فيه بعد, فأرى العقوبة, فينبغي للإنسان أن يترقب جزاء الذنوب فقلَّ أن يسلم منه.

فها أنا أنادي من على الساحل: إخواني احذروا لجة هذا البحر, ولا تغتروا بسكونه, وعليكم بالساحل...فالعقوبة مرة, فأفيقوا من سكركم وتوبوا من زللكم واستقيموا على الجادة: ] أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله [

ــــ(8)

العقوبة قد تتأخر فلا تغتر:

الواجب على العاقل أن يحذر مغبة المعاصي, فإن نارها تحت الرماد, وربما تأخرت العقوبة ثم فجأت.

فمن الاغترار أن تسيء فترى إحساناً, فتظن أنك قد سومحت, وتنسى: ] من يعمل سوءاً يجزى به [

واعلم أنه من أعظم المحن الاغترار بالسلامة بعد الذنب, فإن العقوبة قد تتأخر.

قال ابن سيرين: عيرت رجلاً, فقلتُ: يا مفلس, فأفلست بعد أربعين سنة.

وقد تتأخر العقوبة وتأتي في أخر العمر, فيهان الشيخ في كبره حتى ترحمه القلوب, ولا يدري أن ذلك لإهماله حق الله تعالى في شبابه, فمتى رأيت مُعاقباً فاعلم أنه لذنوب.

فبادر بإطفاء ما أوقدت من نيران الذنوب, ولا ماء يطفئ تلك النار إلا ما كان من عين العين.

العقوبة ربما امتدت إلى زمن الموت:

أيها المذنب: إذا أحسست نفحات الجزاء فلا تكثرن الضجيج, ولا تقولن قد تبت وندمت, فهلا زال عني..الجزاء..فلعل توبتك ما تحققت.

وإن للمجازة زمانا يمتد امتداد المرض الطويل, فلا تنجع فيه الحيل حتى ينقضي أوانه.....فاصبر أيها الخاطئ...فرب عقوبة امتدت إلى زمن الموت.

فاللازم  لك أن تلازم محراب الإنابة, وتجلس جلسة المستجدي..

وإن متّ في سجنك فربما ناب حزن الدنيا عن حزن الآخرة, وفي ذلك ربح عظيم.

 

ــــ(9)

فصل: الذنوب والمعاصي

الذنوب ولو أخفيت قد توقع صاحبها في آفة تفضحه بين الخلق

نظرت في الأدلة....فرأيت من أعجبها أن الإنسان قد يُخفي ما لا يرضاه الله عز وجل فيُظهره الله سبحانه عليه ولو بعد حين ويُنطقُ الألسنة به وإن لم يشاهده الناس  

وربما أوقع صاحبه في آفة يفضحه بها بين الخلق, فيكون جواباً لكل ما أخفى من الذنوب, وذلك ليعلم الناس أن هناك من يجازي على الزلل, ولا ينفع من قدره وقدرته حجاب ولا استتار, ولا يضاع لديه عمل.

ذنوب الخلوات تجعل القلوب تبغض فاعلها وتمقته:

من هاب الخلق, ولم يحترم خلوته بالحق, فإنه على قدر مبارزته بالذنوب وعلى مقادير تلك الذنوب, يفوح منه ريح الكراهية فتمقته القلوب

فإن قلَّ ما جنى قلَّ ذكر الألسن له بالخير, وبقي مجرد تعظيمه.

وإن كثر كان قصارى الأمر سكوت الناس عنه لا يمدحونه ولا يذمونه.

ورب خال بذنب كان سبب وقوعه في هوة شقوة في عيش الدنيا والآخرة, وكأنه قيل له: إبق بما آثرت فيبقى أبداً في التخبيط.

فانظروا إخواني إلى المعاصي أثرت وعثرت.

قال أبو الدرداء رضي الله عنه: إن العبد ليخلو بمعصية الله تعالى فيلقى الله بغضه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر.

فتلمحوا ما سطرته, واعرفوا ما ذكرته, ولا تهملوا خلواتكم وسرائركم.

 

 

ــــ(10)

للذنوب تأثيرات قبيحة:

أجهل الجهال من آثر عاجلاً على آجلٍ لا يأمن سوء مغبته.

فكم قد سمعنا عن..من أطلق نفسه في شهواتها, ولم ينظر في حلال وحرام, فنزل به من الندم وقت الموت أضعاف ما التذ, ولقي من مرير الحسرات ما لا يقاومه ولا ذرة من كل لذة, ولو كان هذا فحسب لكفى حزنا كيف والجزاء الدائم بين يديه.

فلا خير في لذة من بعدها النار, وهل عُدَّ في العقلاء قط من قيل له: اجلس في المملكة سنة ثم نقتلك, هيهات بل الأمر بالعكس, وهو أن العاقل من صابر مرارة الجهد سنة بل سنتين ليستريح في عاقبته, فاعلموا إخواني ومن يقبل نصيحتي أن للذنوب تأثيرات قبيحة, مرارتها تزيد على حلاوتها أضعافاً مضاعفة.

الخوف والخجل من الذنوب بعد التوبة منها:

ينبغي للعاقل أن يكون على خوف من ذنوبه وإن تاب منها, وبكى عليها, وإني رأيت أكثر الناس قد  سكنوا إلى قبول التوبة, وكأنهم قد قطعوا على ذلك, وهذا أمر غائب, ثم لو غفرت بقي الخجل منها, وهذا أمر قلّ أن ينظر فيه تائب لأنه يرى أن العفو قد غفر الذنب بالتوبة الصادقة.وما ذكرته يوجب دوام الحذر والخجل.

المعاصي في ضمنها الأكدار:

تفكرت في سبب دخول جهنم فإذا هو المعاصي, فنظرت في المعاصي, فإذا هي حاصلة من طلب اللذات, فنظرت في اللذات فرأيتها خدعاً ليست بشيء, وفي ضمنها من الأكدار ما يصيرها نغصاً, فتخرج عن كونها لذات.

فكيف يتبع العاقل نفسه ويرضى بجهنم لأجل هذه الأكدار؟ وأما الجاهل يرى لذته في بلوغ ذلك الغرض, وينسى ما جني مما يكدر عيش الدنيا والآخرة

ــــ(11)

فصل: العلم

فضل العلم:

سبحان من خص فريقاً بخصائص شرفوا بها على جنسهم. ولا خصيصة أشرف من العلم...فأقرب الخلق من الله العلماء.

وليس العلم بمجرد صورته هو النافع, بل معناه, وإنما ينال معناه من تعلمه للعمل به, فكلما دله على فضل اجتهد في نيله, وكلما نهاه عن نقص بالغ في تجنبه.

الحذر من تزهيد الشيطان في طلب العلم:

ليس في الوجود شيء أشرف من العلم كيف لا وهو الدليل فإذا عدم وقع الضلال

وإن من خفي مكائد الشيطان أن يُزين في نفس الإنسان التعبد ليشغله عن أفضل التعبد وهو العلم, وهذا من خفي حيل إبليس...وإنما فعل ذلك وزينه...لسببين:

أحدهما: أنه أرادهم يمشون في الظلمة.

والثاني: أن تصفح العلم كل يوم يزيد في علم العالم, ويكشف له ما كان خفي عنه, ويقوي إيمانه ومعرفته, ويريه عيب كثير من مسالكه خصوصاً إذا تصفح منهاج الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة.

فأراد إبليس سدَّ تلك الطرق بأخفى حيلة, فأظهر أن المقصود العمل, لا العلم لنفسه, وخفي على المخدوع أن العلم عمل وأي عمل.

فاحذر من هذه الخديعة الخفية, فإن العلم هو الأصل الأعظم, والنور الأكبر.

وكم من معرض عن العلم يخوض في عذاب من الهوى في تعبده, ويضيع كثيراً من الفرض بالنفل, ويشغله بما يزعمه الأفضل عن الواجب...ولو كانت عنده شعلة من نور العلم لاهتدى فتأمل ما ذكرت لك ترشد إن شاء الله تعالى.

ــــ(12)

التزيد من العلم:

أفضل الأشياء التزيد في العلم, فإنه من اقتصر على ما يعلمه فظنه كافياً استبد برأيه, وصار تعظيمه لنفسه مانعاً له من الاستفادة, والمذاكرة تبين له خطأه, وربما كان معظماً في النفوس فلم يُتجاسر على الرد عليه, ولو أنه أظهر الاستفادة لأهديت إليه مساوئه فعاد عنها.

الحرص على العلماء العاملين بعلمهم:

لقيت مشايخ أحوالهم مختلفة, يتفاوتون في مقاديرهم في العلم, وكان أنفعهم لي في صحبته: العامل منهم بعلمه, وإن كان غيره أعلم منه.

لقيت عبدالوهاب الأنماطي فكان على قانون السلف, لم يسمع في مجلسه غيبة, ولا كان يطلب أجراً على سماع الحديث, وكنتُ إذا قرأتُ عليه أحاديث الرقائق بكى واتصل بكاؤه, فكان – وأنا صغير السن حينئذ – يعمل بكاؤه في قلبي.

ولقيت الشيخ أبا منصور الجواليقي فكان كثير الصمت, شديد التحري فيما يقول, متقناً محققاً, وربما سئل المسألة الظاهرة التي يبادر بجوابها بعض غلمانه فيتوقف فيها حتى يتيقن, وكان كثير الصوم والصمت, فانتفعت برؤية هذين الرجلين أكثر من انتفاعي بغيرهما.

ففهمت من هذه الحالة أن الدليل بالفعل أرشد من الدليل بالقول.

ورأيت مشايخ كانت لهم خلوات في انبساط ومزاح, فراحوا عن القلوب, وبدد تفريطهم ما جمعوا من العلم, فقل الانتفاع بهم في حياتهم, ونُسُوا بعد مماتهم, فلا يكاد أحد أن يلتفت إلى مصنفاتهم.

فالله الله في العلم بالعمل فإنه الأصل الأكبر.

ــــ(13)

حلاوة طلب العلم ولذة تحصيله وثماره النافعة:

لقد تأملت نفسي بالإضافة إلى عشيرتي الذين أنفقوا أعمارهم في اكتساب الدنيا, وأنفقت زمن الصبوة والشباب في طلب العلم, فرأيتني لم يفتني مما نالوه إلا لو حصل لي ندمت عليه.

ثم تأملت حالي فإذا عيشي في الدنيا أجود من عيشهم, وجاهي بين الناس أعلى من جاههم, وما نلته من معرفة العلم لا يقاوم.

لقد كنت في حلاوة طلبي العلم ألقى من الشدائد ما هو عندي أحلى من العسل لأجل ما طلب وأرجو.

كنت في زمان الصبا آخذ معي أرغفة يابسة فأخرج في طلب الحديث, وأقعد على نهر عيسى فلا أقدر على أكلها إلا عند الماء, فكلما أكلت لقمة شربت عليها, وعين همتي لا ترى إلا لذة تحصيل العلم, فأثمر ذلك عندي أني عرفت بكثرة سماعي لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم وأحواله وآدابه, وأحوال أصحابه وتابعيهم.

وأثمر ذلك عندي من المعاملة ما لا يدرى بالعلم, حتى أنني أذكر في زمان الصبوة ووقت الغلمة والعزبة قدرتي على أشياء كانت النفوس تتوق إليها توقان العطشان إلى الماء الزلال, ولم يمنعني عنها إلا ما أثمر عندي العلم من خوف الله عز وجل.

لقد تاب على يدي في مجالس الذكر أكثر من مأتي ألف, وأسلم على يدي أكثر من مأتى نفس.

وكم سالت عين متحجر بوعظي لم تكن تسيل.

ولقد جلست يوماً فرأيت حولي أكثر من عشرة آلاف ما فيهم إلا من قد رق قلبه, أو دمعت عينه...ويحق لمن تلمح هذا الإنعام أن يرجو التمام.

  ــــ(14)

فصل: الدعاء

تأخر استجابة الدعاء بلاء يحتاج إلى صبر:

رأيت من البلاء العجاب أن المؤمن يدعو فلا يجاب, فيكرر الدعاء وتطول المدة, ولا يرى أثراً للإجابة, فينبغي له أن يعلم أن هذا من البلاء الذي يحتاج إلى الصبر.

وما يعرض للنفس من الوسواس في تأخير الجواب مرض يحتاج إلى طب.

ولقد عَرَض لي من هذا الجنس, فإنه نزلت بي نازلة فدعوتُ وبالغتُ فلم أر الإجابة, فأخذ إبليس يجول في حلبات كيده.

فقلت له: إخسأ, يا لعين,...ثم عدت إلى نفسي فقلت: إياك...ووسوسته, فإنه لو لم يكن في تأخير الإجابة إلا أن يبلوك..في محاربة العدو لكفى في الحكمة.

أسباب تأخر إجابة الدعاء:

لقد ثبت بالبرهان أن الله عز وجل مالك, والمالك يتصرف بالمنع والعطاء, فلا وجه للاعتراض عليه.

والثاني: أنه ثبتت حكمته بالأدلة القاطعة, فربما رأيت الشيء مصلحة, والحق أن الحكمة لا تقتضيه, وقد يخفى وجه الحكمة فيما يفعله الطبيب من أشياء تؤذي في الظاهر يقصد بها المصلحة فلعل هذا من ذاك.

والثالث: أنه قد يكون في التأخير مصلحة, والاستعجال مضرة, وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يزال العبد في خير ما استعجل, يقول: دعوت فلم يستجب لي.

الرابع: قد يكون امتناع الإجابة لآفة فيك, فربما يكون في مأكولك شبهة, أو قلبك وقت الدعاء غفلة أو تزداد عقوبتك في منع حاجتك لذنب ما صدقت في التوبة منه

ــــ(15)

والخامس: أنه ينبغي أن يقع البحث عن مقصودك بهذا المطلوب, فربما كان في حصوله زيادة إثم, أو تأخير مرتبة خير, فكان المنع أصلح.

والسادس: أنه ربما كان فقد ما تفقدينه سبباً للوقوف على الباب واللجأ, وحصوله سبباً للاشتغال به عن المسئول, وهذا الظاهر بدليل أنه لولا هذه النازلة ما رأيناك على باب اللجأ, فإياك أن تستطيل مدة الإجابة, وكن ناظراً أنه المالك, وإلى أنه الحكيم في التدبير والعالم بالمصالح, وإلى أنه يريد اختبارك ليبلو أسرارك, وإلى أنه يريد أن يرى تضرعك, وإلى أنه يريد أن يأجرك بصبرك إلى غير ذلك, وإلى أنه يبتليك بالتأخير لتحارب وسوسة إبليس.

وكل واحدة من هذه الأشياء تقوى الظن في فضله وتوجب الشكر له, إذ أهلك بالبلاء الالتفات إلى سؤاله, وفقر المضطر إلى اللجأ إليه غنى كله.

الدعاء والذنوب:

لقد رأيت من نفسي عجباً تسأل الله عز وجل حاجاتها وتنسى جنايتها

فقلتُ: يا نفسُ السوء أو مثلك ينطق ؟

فقالت: فمن أطلب مراداتي ؟ قلتُ: ما أمنعك من طلب المراد, إنما أقول حققي التوبة, وانطقي...ونظفي طرق الإجابة من أوساخ المعاصي.

فالله الله من جراءة على طلب الأغراض مع نسيان ما تقدم من الذنوب التي توجب تنكيس الرأس, ولئن تشاغلت بإصلاح ما مضى والندم عليه جاءتك مراداتك.

الحرص على الدعاء بصلاح الدين والدنيا:

العجب من سؤالاتك فإنك لا تكادُ تسأل مُهماً من الدنيا بل فضول العيش, ولا تسأل صلاح القلب والدين مثل ما تسأل صلاح الدنيا.

ــــ(16)

فصل: التقوى

من اتقى الله في الخلوة ظهر أثر ذلك في الجلوة:

إن للخلوة تأثيرات تبين في الجلوة, كم من مؤمن بالله عز وجل يحترمه عند الخلوات فيترك ما يشتهي حذراً من عقابه, أو رجاء لثوابه, أو إجلالا له, فيكون بذلك الفعل كأنه طرح عوداً هندياً على مجمر فيفوح طيبه, فيستنشقه الخلائق ولا يدرون أين هو, وعلى قدر المجاهدة في ترك ما يهوى تقوى محبته...فترى عيون الخلق تعظم هذا الشخص وألسنتهم تمدحه ولا يعرفون لِم,...وقد تمتد هذه الأرابيح بعد الموت على قدرها, فمنهم من يُذكرُ بالخير مدة مديدة ثم ينسى, ومنهم من يذكر مائة سنة ثم يخفى ذكره..ومنهم أعلام يبقى ذكرهم أبداً.

والإنسان قد يخفي..الطاعة فتظهر عليه, ويتحدث الناس بها, وبأكثر منها, حتى إنهم لا يعرفون له ذنباً, ولا يذكرونه إلا بالمحاسن ليعلم أن هناك رباً لا يضيعُ عمل عامل

وإن قلوب الناس لتعرف حال الشخص وتحبه أو تأباه, وتذمه أو تمدحه, وفق ما يتحقق بينه وبين الله تعالى فإنه يكفيه كل هم, ويدفع عنه كل شر.

عاجل حسن الجزاء للمتقي:

لو أن شخصاً ترك معصية الله لأجل الله تعالى لرأى ثمرة ذلك...فيجد من يتقى الله تعالى...حسن الجزاء على التقوى عاجلاً, كما في حديث إمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى: ( النظر إلى المرأة سهم مسموم من سهام إبليس من تركه ابتغاء مرضاتي آتيته إيماناً يجد حلاوته في قلبه )

 

 

ــــ(17)

التقوى ودوام السلامة والعافية:

من  أراد دوام العافية والسلامة فليتق الله عز وجل.

فالملازم لطريق التقوى لا آفة تطرقه, ولا بلية تنزل به, هذا هو الأغلب, فإن وجد من تطرقه البلايا مع التقوى, فذاك في الأغلب لتقدم ذنب يجازى عليه.

من فضائل التقوى:

اعلم أن الزمان لا يثبت على حال, كما قال عز وجل: ] وتلك الأيام نداولها بين الناس [ فتارة فقر, وتارة غنى, وتارة عز, وتارة ذل, وتارة يفرح الموالي, وتارة يشمت الأعادي, فالسيد من لازم أصلاً واحداً كل حال, وهو تقوى الله عز وجل, فإنه إن استغنى زانته, وإن افتقر فتحت له أبواب الصبر, وإن عوفي تمت النعمة له, وإن ابتلي جملته, ولا يضره إن نزل به الزمان أو صعد, أو أعراه, أو أشبعه, أو أجاعه, لأن جميع تلك الأشياء تزول وتتغير, والتقوى أصل السلامة حارس لا ينام, يأخذ باليد عند العثرة...فلازم لتقوى في كل حال فإنك لا ترى في الضيق إلا السعة, وفي المرض إلا العافية, هذا نقدها العاجل, والآجل معلوم.

بالله عليك تذوق حلاوة الكف عن المنهي, فإنها شجرة تثمر عز الدنيا وشرف الآخرة.

التقوى طريق للخلاص من الغموم والهموم:

ضاق بي أمر أوجب غماً لازماً دائماً, وأخذت أبالغ في الفكر في الخلاص من هذه الهموم بكل حيلة وبكل وجه, فما رأيت طريقاً للخلاص, فعرضت لي هذه الآية: ]ومن يتق الله يجعل له مخرجاً [ فعلمت أن التقوى سبب للمخرج من كل غم, فما كان إلا أن هممت بتحقيق التقوى فوجدت المخرج.

ــــ(18)

فصل: من صور الجزاء في الدنيا

من عجائب الجزاء في الدنيا:

من عجائب الجزاء في الدنيا أنه لما امتدت أيدي الظلم من إخوة يوسف وشروه بثمن بخسٍ امتدت أكفهم بين يديه بالطلب, يقولون: ] وتصدق علينا [

ولما صبر هو...لما بغت عليه بدعواها: ]  ما جزاء من أراد بأهلك سُوءاً [ أنطقها الحق بقوله: ] أنا راودتُهُ [

حسن الجزاء لمن خاف مقام ربه:

قدرت في بعض الأيام على شهوة للنفس هي عندها أحلى من الماء الزلال في فم الصادي....وقال التأويل: ما ههنا مانع ولا معوق إلا نوع ورع, وكان ظاهر الأمر امتناع الجواز, فترددت بين الأمرين, فمنعت النفس من ذلك, وها أنا ذا أنتظر من الله عز وجل حسن الجزاء على هذا الفعل...أرجو أن أرى حسن الجزاء على الصبر فأسطره فيه إن شاء الله تعالى, فإنه قد يعجل جزاء الصبر وقد يؤخره, فإن عجل سطرته, وإن أخر فما أشك في حسن الجزاء لمن خاف مقام ربه, فإنه من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه, وكان هذا في سنة إحدى وستين وخمسمائة, فلما دخلت سنة خمس وستين, عوضت خيراً من ذلك بما لا يقارب مما لا يمنع منه ورع, فقلت: هذا جزاء الترك لأجل الله سبحانه في الدنيا, ولأجر الآخرة خير والحمد لله.

جزاء من حلف اليمين الغموس وهو كاذب:

حضر عندي رجل...فاشتريت منه دكاناً, وعقدت معه العقد, فلما افترقنا غدر بعد أيام, فطلبت منه الحضور عند الحاكم فأبى, فأحضرته فحلف باليمين الغموس أنه ما بعته, فقلت: ما تدور عليه السنة...ودارت السنة فمات الشيخ على قُلّ.

ــــ(19)

 

فصل: البلاء

مما يهون البلاء:

من نزلت به بلية فأراد تمحيقها فليتصورها أكثر مما هي تهن.

وليتوهم نزول أعظم منها ير الربح في الاقتصار عليها.

وليتخيل ثوابها....العوض في الدنيا..وتلمح الأجر في الآخرة.

وليتلمح سرعة زوالها فإنه لولا كرب الشدة ما رجيت ساعات الراحة.

الصبر على البلاء

للبلايا نهايات معلومة الوقت عند الله عز وجل.

فلا بد للمبتلى من الصبر إلى أن ينقضي أوان البلاء.

فإن تقلقلت قبل الوقت لم ينفع التقلقل...فلا بد من الصبر.

فاستعجال زوال البلاء مع تقدير مدته لا ينفع.

والجزع لا يفيد, بل يفضح صاحبه.

الإيمان القوي يظهر أثره عند الابتلاء:

المؤمن...كلما اشتد البلاء عليه زاد إيمانه وقوي تسليمه, وقد يدعو فلا يرى للإجابة أثراً, وسيره لا يتغير, لأنه يعلم أنه مملوك, وله مالك يتصرف بمقتضى إرادته

فإن اختلج في قلبه اعتراض خرج من مقام العبودية إلى مقام المناظرة, كما جرى لإبليس.

والإيمان القوي يبين أثره عند قوة الابتلاء...فهناك يبين معنى قوله: ]ورضوا عنه [

قال الحسن البصري: استوى الناس في العافية, فإذا نزل البلاء تباينوا.

ــــ(20)

فصل: التعامل مع الناس

الحذر من الخلطة التي تؤدي إلى غفلة النفس وظلمة القلب:

كنتُ في بداية الصبوة, قد ألهمت طريق الزهاد, بإدامة الصوم والصلاة, وحببت إلى الخلوة, فكنتُ أجدُ قلباً طيباً, وكانت عين بصيرتي قوية الحدة, تتأسف على لحظة تمضي في غير طاعة, وتبادر الوقت في اغتنام الطاعات, ولي نوع أنس وحلاوة ومناجاة, فانتهى الأمر بي أن صار بعض ولاة الأمور يستحسن كلامي, فأمالني إليه, فمال الطبع, ففقدت تلك الحلاوة. 

ثم استمالني آخر فكنت اتقي مخالطته ومطاعمه, لخوف الشبهات....ثم جاء التأويل فانبسطت فيما يباح, فانعدم ما كنت أجد من استنارة وسكينة, وصارت المخالطة توجب ظلمة في القلب إلى أن عدم النور كله.

وكثر ضجيجي من مرضي, وعجزت عن طب نفسي...فاجتذبني لطف مولاي إلى الخلوة على كراهة مني, وردَّ قلبي عليَّ على بعد نفور عني...فأفقت من مرض غفلتي وقلت في مناجاة خلوتي:

 سيدي كيف أقدر على شكرك ؟ وبأي لسان أنطق بمدحك ؟ إذ لم تؤاخذني على غفلتي, ونبهتني من رقدتي, وأصلحت حالي على كره من طبعي.

فما أربحني فيما سلب مني إذ كانت ثمرته اللجأ إليك.

وما أوفر جمعي إذ ثمرته إقبالي على الخلوة بك.

وما أغناني إذ أفقرتني إليك, وما آنسني إذ أوحشتني من خلقك.

آه على زمان ضاع في غير خدمتك أسفاً لوقت مضى في غير طاعتك.

الآن قد هبت نسائم العافية...فيا عظيم الإنعام تمم لي العافية.

ـــ(21)

لا تظاهر بالعداوة أحداً:

مما أفادتني تجارب الزمان أنه لا ينبغي لأحد أن يظاهر بالعداوة أحداً ما استطاع, فإنه ربما يحتاج إليه مهما كانت منزلته...فكم من محتقر احتيج إليه, فإذا لم تقع الحاجة إلى ذلك الشخص في جلب نفع وقعت الحاجة في دفع ضر, وقد احتجت في عمري إلى ملاطفة أقوام ما خطر لي قط وقوع الحاجة إلى التلطف بهم

 واعلم أن المظاهرة بالعداوة قد تجلب أذى من حيث لا يعلم, لأن المظاهر بالعداوة كشاهر السيف ينتظر مضرباً,...وهذا فصل مفيد تبين فائدته للإنسان مع تقلب الزمان.

التعامل بحلم مع الغضبان:

متى رأيت صاحبك قد غضب وأخذ يتكلم بما لا يصلح, فلا ينبغي أن تعقد على ما يقوله خنصراً, ولا أن تؤاخذه به.

فإن حاله حال السكران, لا يدري ما يجري.

بل اصبر لفورته, ولا تعول عليها, فإن الشيطان قد غلبه, والطبع قد هاج, والعقل قد استتر.

ومتى أخذت في نفسك عليه, أو أجبته بمقتضى فعله كنت كعاقل واجه مجنوناً, أو كمفيق عاتب مغمى عليه, فالذنب لك.

بل انظر بعين الرحمة, وتلمح تصريف القدر له, وتفرج في لعب الطبع به, واعلم أنه إذا انتبه ندم على ما جرى, وعرف لك فضل الصبر.

وهذه الحالة ينبغي أن يتلمحها الولد عند غضب الوالد, والزوجة عند غضب الزوج, فتتركه يتشفى بما يقول, ولا تعول على ذلك, فسيعود نادماً معتذراً.

ـــ(22)

فصل: متفرقات

استغلال الوقت بما ينفع حاضراً وآجلاً.

رأيت عموم الخلائق يدفعون الزمان دفعاً عجيباً.

إن طال الليل فبحديث لا ينفع...وإن طال النهار فبالنوم.

فعلمت أن الله تعالى لم يطلع على شرف العمر ومعرفة قد أوقات العافية إلا من وفقه وألهمه اغتنام ذلك ] وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم [

قال الفيضل: أعرف من يعدُّ كلامه من الجمعة إلى الجمعة.

ودخلوا على رجل من السلف, فقالوا: لعلنا شغلناك, فقال: أصدقكم كنتُ أقرأ, فتركتُ القراءة لأجلكم.

ومتى لان المزور طمع فيه الزائر, فأطال الجلوس فلم يسلم من أذى.

وقد كان جماعة قعوداً عند معروف, فأطالوا, فقال: إن ملك الشمس لا يفتر في سوقها, أفما تريدون القيام.

 ووصى بعض السلف أصحابه, فقال: إذا خرجتم من عندي فتفرقوا, لعل أحدكم يقرأ القرآن في طريقه, ومتى اجتمعتم تحدثتم.

فكم يُضيع الآدمي من ساعات يفوته فيها الثواب الجزيل, قال صلى الله عليه وسلم: ( من قال سبحان الله العظيم وبحمده, غرست له بها نخلة في الجنة )

فينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه, وقدر وقته, فلا يضيع منه لحظة في غير قربة

ويقدم الأفضل فالأفضل من القول والعمل, ولتكن نيته في الخير قائمة.

فإذا علم الإنسان..بأن الموت يقطعه عن العمل, عمل في حياته ما يدوم له أجره بعد موته...فذلك الذي لم يمت* قد مات قوم وهم في الناس أحياء.

ــــ(23)

النظر في العواقب:

تدبرت أحوال الأخيار والأشرار فرأيت سبب صلاح الأخيار النظر, وسبب فساد الأشرار إهمال النظر.

وذالك أن العاقل...إذا رأى مشتهى تأمل عاقبته فعلم أن اللذة تفني, والعار والإثم يبقيان, فيسهل عليه الترك.

وإذا اشتهى الانتقام ممن يؤذيه ذكر ثواب الصبر, وندم الغضبان على أفعاله في حالة الغضب.

ثم لا يزال يتأمل سرعة ممر العمر فيغتنمه بتحصيل أفضل الفضائل فينال مناه.

وأما الغافل فإنه لا يرى إلا الشيء الحاضر.

نسأل الله عز وجل يقظة ترينا العواقب, وتكشف لنا الفضائل والمعائب.

بقدر إجلالكم لله عز وجل يجلكم:

إخواني: اسمعوا نصيحة من قد جرب وخبر.

إنه بقدر إجلالكم لله عز وجل يجلكم, وبمقدار تعظيم قدره واحترامه يعظم أقداركم وحرمتكم.

ولقد رأيت والله من أنفق عمره في العلم إلى أن كبرت سنه, ثم تعدى الحدود فهان عند الخلق, وكانوا لا يلتفتون إليه مع غزارة علمه وقوة مجاهدته.

ولقد رأيت من كان يراقب الله عز وجل في صبوته – مع قصوره بالإضافة إلى ذلك العالم – فعظم الله قدره في القلوب حتى علقته النفوس, ووصفته بما يزيد على ما فيه من الخير.

 

ــــ(24)

النظر في سير السلف الصالح تجلب رقة القلب:

رأيت الاشتغال بالفقه وسماع الحديث لا يكاد يكفي في صلاح القلب, إلا أن يمزج بالرقائق والنظر في سير السلف الصالحين.

وقد كان جماعة من السلف يقصدون العبد الصالح للنظر إلى سمته وهديه, لا لاقتباس علمه.

وذلك أن ثمرة علمه: هديه وسمته, فافهم هذا وامزج طلب الفقه والحديث بمطالعة سير السلف والزهاد في الدنيا ليكون ذلك سبباً لرقة قلبك.

التصنيف المفيد:

رأيت من الرأي القويم أن نفع التصانيف أكثر من نفع التعليم بالمشافهة, لأني أشافه في عمري عدداً من المتعلمين, وأشافه بتصنيفي خلقاً لا تحصى ما خلقوا بعد, ودليل هذا انتفاع الناس بتصانيف المتقدمين أكثر من انتفاعهم بما يستفيدونه من مشايخهم,

فتصنيف كتاب,..بذر يكثر ريعه, ويمتد زمان نفعه.

 فينبغي للعالم أن يتوفر على التصنيف, إن وفق للتصنيف المفيد, فإنه ليس كل من صنف صنف, وليس المقصود جمع شيء كيف كان, وإنما هي أسرار يطلع الله عز وجل عليها من شاء من عباده ويوفقه لكشفها, فيجمع ما فرق, أو يرتب ما شتت, أو يشرح ما أهمل, هذا هو التصنيف المفيد.

إذا رأى العبد في الآخرة جزاء دعائه تمنى أن الله لم يجب له دعوة في دنياه:

في الحديث: ما من مسلم دعا الله تعالى إلا أجابه, فإما أن يعجلها, وإما أن يؤخرها, وأما أن يدخرها له في الآخرة, فإذا رأى يوم القيامة أن ما أجيب فيه قد ذهب, وما لم يجب فيه قد بقي ثوابه, قال: ليتك لم تجب لي دعوة قط.

ــــ(25)

العزلة التي يُنتفعُ بها:

ما أعرف نفعاً كالعزلة عن الخلق, خصوصاً للعالم والزاهد.

فيا للعزلة ما ألذها, سلمت من كدر غيبة, وآفات تصنع.... وتضيع الوقت.

خلا فيها القلب بالفكر, بعد ما كان مشغولاً عنه بالمخالطة, فدبر أمر دنياه وآخرته

فلو لم في العزلة إلا التفكير في زاد الرحيل, والسلامة من شر المخالطة كفى.

ثم لا عزلة في الحقيقة إلا للعالم والزاهد, فإنهما يعلمان مقصود العزلة ويحسنان الإفادة منها.

أما العالم فعلمه مؤنسه, وكتبه محدثه, والنظر في سير السلف مقومه, والتفكر في حوادث الزمان السابق فرجته.

وكذلك الزاهد تعبده أنيسه.

فهذان رجلان قد سلما من شر الخلق وسلم الخلق من شرورهما.

بل هما قدوة للمتعبدين, وعلم للسالكين, ينتفع بكلامهما السامع, وتجري موعظتهما المدامع, وتنتشر هيبتهما في المجامع.

ألجأ إلى الله:

نازعتني نفسي إلى أمر مكروه في الشرع, وجعلت تنصب لي التأويلات وتدفع الكراهة, وكانت تأويلاتها فاسدة, والحجة ظاهرة على الكراهة, فلجأت إلى الله في دفع ذلك عن قلبي, وأقبلت على قراءة القرآن, وكان درسي قد يلغ سورة يوسف فافتتحتها, وذلك الخاطر قد شغل قلبي حتى لا أدري ما أقرأ, فلما بلغت إلى قوله تعالى: ] قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي [ انتبهت لها وكأني خوطبت بها.

فأفقت من تلك السكرة, فقلت: يا نفس أفهمت ؟

ــــ(26)

دروس من سيرة الرسول علية الصلاة والسلام:

من أراد أن يعلم حقيقة الرضى عن الله عز وجل في أفعاله, وأن يدري من أين ينشأ الرضى, فليفكر في أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فإنه لما تكاملت معرفته بالخالق سبحانه, رأى أن الخالق مالك, وللمالك التصرف في مملوكه, ورآه حكيماً لا يصنع شيئاً عبثاً, فسلم تسليم مملوك لحكيم, فكانت العجائب تجري عليه, ولا يوجد منه تغير, ولا من الطبع تأفف.

ولا يقول بلسان الحال: لو كان كذا, بل يثبت للأقدار ثبوت الجبل لعواصف الرياح.

قال عمر رضي الله عنه يوم صلح الحديبية: ألسنا على الحق ؟ فلم نعطى الدنية في ديننا ؟ فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إني عبد الله, ولن يضيعني ) فجمعت الكلمتين الأصلين اللذين ذكرناهما.

فقوله: إني عبدالله, إقرار بالملك وكأنه قال: أنا مملوك يفعل بي ما يشاء.

وقوله: لن يضيعني, بيان حكمته, وأنه لا يفعل شيئاً عبثاً.

ثم يبتلى بالجوع فيشد الحجر, ولله خزائن السموات والأرض.

وتقتل أصحابه, ويشج وجهه, وتكسر رباعيته, ويمثل بعمه وهو ساكت.

ثم يرزق ابنا ويسلب منه فيتعلل بالحسن والحسين فيخبر يما سيجري عليهما.

ويسكن إلى عائشة رضي الله عنها, فينغص عيشه بقذفها.

ويقيم ناموس الأمانة والصدق, فيقال: كذاب ساحر.

ثم يعلقه المرض كما يوعك رجلان, وهو ساكن ساكت.

يشدد عليه الموت فيسلب روحه الشريفة وهو مضطجع في كساء ملبد وإزار غليظ

ــــ(27)

مما يخفف الحزن على من يموت من الأهل والولد:

ما زلت على عادة الخلق في الحزن على من يموت من الأهل والأولاد, ولا أتخايل إلا بلى الأبدان في القبور, فأحزن لذلك, فمرت بي أحاديث كانت تمر بي ولا أتفكر فيها.

منها: قول النبي صلى الله عليه وسلم:  ( إنما نفس المؤمن طائر تعلق في شجر الجنة, حتى يرده الله عز وجل إلى جسده يوم يبعثه )

فرأيت إن الرحيل إلى الراحة, وأن هذا البدن ليس بشيء, لأنه مركب تفكك وفسد, وسيبنى جديداً يوم البعث فلا ينبغي أن يفكر في بلاه.

ولتسكن النفس إلى أن الأرواح انتقلت إلى راحة فلا يبقى كبير حزن, وأن اللقاء للأحباب عن قرب.

العزلة مع النظر في سير السلف حمية للقلب:

وقد جربت على نفسي مراراً أن أحصرها في بيت العزلة, فتجتمع هي ويضاف إلى ذلك النظر في سير السلف, فأرى العزلة حمية, والنظر في سير القوم دواء, واستعمال الدواء مع الحمية عن التخليط نافع.

فإذا فسحت لنفسي في مجالسة الناس ولقائهم تشتت القلب المجتمع.

الاعتبار بالنفس وضعف قواها:

من...أوغل في السن,..فإن شهوته ضعفت, وقواه قلَّت, والحواس كلّت, والنشاط فتر, والشعر أبيض.

فليعتبر بما فقد.

 

ــــ(28)

عدم الإعجاب بالعمل:

إذا تم عمل الإنسان لم ير لنفسه عملا, وإنما يرى إنعام الموفق لذلك العمل, ويجب على العاقل ألا يرى لنفسه عملاً أو يعجب به, وذلك بأشياء:

منها: أنه وفق لذلك العمل: ] حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم [

ومنها: أنه إذا قيس بالنعم لم يف بمعشار عشرها.

ومنها: أنه إذا لوحظت عظمة المخدوم احتقر كل عمل وتعبد.

هذا إذا سلم من شائبة, وخلص من غفلة, فأما والغفلات تحيط به, فينبغي أن يغلب الحذر من رده, ويخاف العتاب على التقصير فيه, فيشتغل عن النظر إليه.

الإخلاص وإصلاح النيات: 

الله الله في إصلاح النيات,...قال مالك بن دينار: قولوا لمن لم يكن صادقاً لا يتعنى.

وليعلم المرائي أن الذي يقصده يفوته, وهو التفات القلوب إليه, فإنه متى لم يخلص حرم محبة القلوب, ولم يلتفت إليه أحد, والمخلص محبوب, فلم علم المرائي أن قلوب الذين يرائيهم بيد من يعصيه لما فعل.

نسأل الله عز وجل إخلاصاً يخلصنا, ونستعيذ به من رياء يبطل أعمالنا إنه قادر. 

السعيد:

- السعيد من اقتنع بالبلغة, فإن الزمان أشرف أن يضيع في طلب الدنيا

- السعيد من ذلّ لله, وسأل العافية.

- السعيد من وفق لاغتنام العافية ثم يختار تحصيل الأفضل فالأفضل في زمن الاغتنام

- السعيد إذا حصلت له امرأة علم دينها ومال إليها..عقد الخنصر على صحبتها.

- السعيد من اهتم لحفظ دينه, وأخذ من ذلك[لذات الدنيا] بمقدار الحاجة.

ــــ(29)

أمثلة للاعتبار:

إن الله عز وجل جعل لأحوال الآدمي أمثلة ليعتبر بها,فمن أمثلة أحواله: القمر, الذي يبتدئ صغيراً ثم يتكامل بدراً, ثم يتناقص بانمحاق, وقد يطرأ عليه ما يفسده كالكسوف, فكذلك الآدمي أوله نطفة, ثم يترقى من الفساد إلى الصلاح, فإذا تمَّ كان بمنزلة البدر الكامل, ثم تتناقص أحواله بالضعف, فربما هجم الموت قبل ذلك, كهجوم الكسوف على القمر.

جهاد النفس:

تأملت جهاد النفس فرأيته أعظم الجهاد.

فإن رآها تتكبر, قال لها: هل أنت إلا قطرة من ماء مهين, تقتلك شرقة, وتؤلمك بقة

وإن رأى تقصيرها عرفها حق الموالي على العبيد, وإن ونت عن العمل حدثها بجزيل الأجر, وإن مالت إلى الهوى خوفها عظيم الوزر, ثم يحذرها عظيم العقوبة الحسية, كقوله تعالى: ] قُل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم [ والمعنوية كقوله تعالى: ]سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق [

والجهاد لها كجهاد المريض العاقل يحملها على مكروهها في تناول ما ترجو به العافية, ويذوب في المرارة قليلاً من الحلاوة.

تلمح أحوال الدنيا:

من تلمح أحوال الدنيا علم أن مراد الحق سبحانه اجتنابها, فمن مال إلى مباحها ليلتذ وجد مع فرحة ترحة, وإلى جانب كل راحة تعباً.وما رفع شيء من الدنيا إلا وضع...فيعلم العاقل أن مراد الحق بهذا التكدير التنفير من الدنيا, فيبقى أخذ البلغة منها ضرورة, وترك الشواغل, فيجتمع الهم في خدمة الحق ومن عدل عن ذلك ندم

ــــ(30)

العاقل:

* العاقل من يحفظ جانب الله عز وجل وإن غضب الخلق.

* العاقل من حفظ دينه ومروءته بترك الحرام, وحفظ قوته في الحلال.

* العاقل من تأمل العواقب, وتصور كل ما يجوز أن يقع فعمل بمقتضى الحزم

* من علامات كمال العقل علو الهمة, والراضي بالدون دنيء.

* الواجب على العاقل أخذ العُدة لرحيله, فإنه لا يعلم متى يفجؤه أمرُ ربه.

* ينبغي للعاقل أن يترصد وقوع الجزاء..وإن طالت المدة..فميزان العدل لا يحابي.

* الواجب على العاقل أن يحذر مغبة المعاصي, فإن نارها تحت الرماد.

* لو ميز العاقل بين قضاء وطره لحظه وانقضاء باقي عمره في حسرة لما قرب منه.

* العاقل...يستر ما في قلبه من البغض والود, ويداري من يكنون له الغيظ والحقد.

* العاقل من إذا فعل خطيئة بادرها بالتوبة, فكم مغرور بإمهال العصاة لم يمهل.

* العاقل لا يدخل في شيء حتى يهيئ الخروج منه.

* ينبغي للعاقل أن يتنبه...في دفع كل ما يحذره من شر.

* العاقل من كانت عينه مراقبة للعواقب, محترزة مما يجوز وقوعه, عاملة بالاحتياط.

* المؤمن العاقل لا يلتفت إلى حاسده..إذ.ذلك يحسده على الدنيا وهذا همته الآخرة

* لا ينبغي للعاقل أن يظهر سراً حتى يعلم أنه إذا ظهر لا يتأذى بظهوره.

* العاقل يدبر بعقله عيشته في الدنيا...والتدبير حفظ المال, والتوسط في الإنفاق.

جمل مفيدة فيها فوائد عظيمة:

- الله جل جلاله, ما عرفه إلا من خاف منه, فأما المطمئن فليس من أهل المعرفة.

- من أصلح سريرته فاح عبير فضله, وعبقت القلوب بنشر طيبه.

ــــ(31)

- الله الله في السرائر, فإنه ما ينفع مع فسادها صلاح ظاهر.

- لا تقلد دينك من قلّ علمه وإن قوي زهده.

- العزلة عن الشر حمية, والحمية سبب العافية.

- رأيت سبب الهموم والغموم الإعراض عن الله عز وجل والإقبال على الدنيا.

- من دعا فلم ير أثر الإجابة لم يختلج قلبه اعتراض لأنه مملوك مدبر.

- ما أقلّ من يعمل لله تعالى خالصاً لأن أكثر الناس يحبون ظهور عباداتهم.

- متى جرى أمر لا تعرف علته فانسب ذلك إلى قصور علمك.

- قلَّ أن يجرى لأحد آفة إلا وهو يستحقها غير أنها..غائبة عنا ورأينا الجزاء وحده.

- ما تتمكن الرياسات حتى تتمكن من القلب الغفلة, ورؤية الخلق, ونسيان الحق.

- عليكم بملاحظة سيرة السلف ومطالعة تصانيفهم....فمطالعة كتبهم رؤية لهم

- ما يتناهي في طلب العلم إلا عاشق العلم, والعاشق ينبغي أن يصبر على المكاره.

- أحسن إلى من أساء إليك, واستعن على أمورك بالكتمان.

- قال المأمون لبعض أصحابه: لا تعصي الله بطاعتي فيسلطني عليك.

- أحق الأشياء بالضبط والقهر: اللسان والعين.

- عاقبة الصبر الجميل جميلة.

- من صفا نظره وتهذب لفظه, نفع وعظه, ومن كدر كُدِّر عليه.

- متى استقام باطنك استقامت لك الأمور.

- ليس في سياط التأديب أجود من سوط عزم.

- أنفع ما للعامي مجلس الوعظ, يرده عن ذنب, ويحركه إلى توبة.

- رب كلمة جرى بها اللسان هلك بها الإنسان.

ــــ(32)

- لا ينال لذة المعاصي إلا سكران بالغفلة.

- العقل ينمو بالتعلم والتحصيل والدربة والمران.

- أعظم دليل على فضيلة الشيء النظر إلى ثمرته.

- اللذات كلها بين حسي وعقلي, وغاية اللذات العقلية: العلم.

- أجهل الجهال من آثر عاجلاً على آجل لا يأمن سوء مغبته.

- من أراد دوام العافية والسلامة فليتق الله عز وجل.

- من أعظم المحن الاغترار بالسلامة بعد الذنب, فإن العقوبة تتأخر.

- للباطل جولة, وللحق صولة, والدجالون كثير.

- غموم القلب لا تواريها لذة مال ولذة مطعم, هذا في الدنيا قبل الآخرة.

-مخالطة السلاطين بعيد أن يسلم معه الدين فإن وقعت سلامته ظاهرا فالعاقبة خطرة

- للذنوب تأثيرات قبيحة, مرارتها تزيد على حلاوتها أضعاف مضاعفة.

- من أصلح سريرته فاح عبير فضله, وعبقت القلوب بنشر طيبة.

- متى كان الصبي ذا أنفة – حيياً – رجي خيره.

- ستر المصائب من جملة كتمان السر, لأن إظهارها يسر الشامت ويؤلم المحب.

- نيل الشرف بالكرم والجود يفتقر إلى جهاد النفس في بذل المحبوب.

- يا فرحة المغموم ويا سرور المحزون متى تخايل دوام اللذة في الجنة من غير منغص.

- ما يكاد يحب الاجتماع بالناس إلا فارغ لأن المشغول القلب بالحق يفرُّ من الخلق

- تأملت نيل الدر من البحر فرأيته بعد معاناة شديدة.

- الكمال عزيز, والكامل قليل الوجود.

- الاستخارة من حسن المشاورة.

ــــ(33)

- من رزق قلباً طيباً ولذة ومناجاة فليراع حاله..وإنما تدوم له حاله بدوام التقوى 

- ليس في الدنيا أطيب عيشاً من منفرد عن العالم بالعلم, فهو أنيسه وجليسه.

- كم من غضب فقتل وضرب ثم ما سكن غضبه بقي طول دهره في الحزن والندم

** بعض هذه الجمل سبق ذكرها في بعض فصول الكتاب, ولأهميتها تم إفرادها بالذكر.


ــــ(34)
فهرس الموضوعات
الموضوع
الصفحة
المقدمة
3
فصل: الغفلة
4
فصل: العقوبات
7
فصل: الذنوب والمعاصي
10
فصل: العلم
12
فصل: الدعاء
15
فصل: التقوى
17
فصل: من صور الجزاء في الدنيا
19
فصل: البلاء
20
فصل: التعامل مع الناس
21
فصل: متفرقات
23
استغلال الوقت بما ينفع حاضراً وآجلاً
23
النظر في العواقب
24
بقدر إجلالكم لله عز وجل يجلكم
24
النظر في سير السلف الصالح تجلب رقة القلب
25
التصنيف المفيد
25
إذا رأى العبد في الآخرة جزاء دعائه تمنى أن الله لم يجب له دعوة
25
ــــ(35)
العزلة التي يُنتفعُ بها
26
ألجأ إلى الله
26
دروس من سيرة الرسول علية الصلاة والسلام
27
مما يخفف الحزن على من يموت من الأهل والولد
28
العزلة مع النظر في سير السلف حمية للقلب
28
الاعتبار بالنفس وضعف قواها
28
عدم الإعجاب بالعمل
29
الإخلاص وإصلاح النيات
29
السعيد
29
أمثلة للاعتبار
30
جهاد النفس
30
تلمح أحوال الدنيا
30
العاقل
31
جمل مفيدة فيها فوائد عظيمة
31
الفهرس
35
ــــ(36)
=========

المنتقى من كتاب ذم الهوى لابن الجوزي جمع فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

 

المنتقى من كتاب ذم الهوى لابن الجوزي جمع فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ 
حقوق الطبع والنشر لكل مسلم

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فإن الهوى ميل النفس إلى ما تحبه وتهواه, فإن كان موافقاً للشرع فهو هوى محمود, وإن كان مخالفاً له فهو هوى مذموم, قال الله سبحانه وتعالى: ]  أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـهَهُ هَوَاهُ  [[الجاثية:23] قال العلامة السعدي رحمه الله: فما هواه سلكه, سواء كان يرضى الله, أم يسخطه.

والهوى المذموم ينبغي التنبه له والوقاية منه قبل الوقوع فيه, ومن ثم المبادرة بالعلاج إذا استزل الشيطان الإنسان فوقع في مرض من أمراضه, وأمراض الهوى المذموم قد تكون في الشبهات, وقد تكون في الشهوات.

وقد وقع رجل في عصر الإمام ابن الجوزي رحمه الله, في مرضٍ من أمراض هذا الهوى المذموم, فطلب النصيحة من ابن الجوزي, فصنف رحمه الله كتاباً في ذلك, سماه " ذم الهوى "

وقد جاء الكتاب في خمسين باباً, وقد يسّر الله الكريم لي فانتقيتُ منه بعض الفوائد, التي أسأل أن ينفع بها, ويبارك فيها. 

ــــ(3)

العقل والهوى:

اعلم أن مطلق الهوى يدعو إلى اللذة الحاضرة من غير فكر في عاقبة, ويحثّ على نيل الشهوات عاجلاً, وإن كنت سبباً للألم والأذى في العاجل, ومنع لذات في الآجل, فأما العقل فإنه ينهى نفسه عن لذةٍ تُعقب ألماً, وشهوةٍ تورث ندماً, وكفى بهذا القدر مدحاً للعقل, وذماً للهوى.

مدمن الشهوات شقي من حيث قدر السعادة, واغتم من حيث ظن الفرح:

ليعلم العاقل أن مدمني الشهوات يصيرون إلى حالة لا يلتذونها, وهم مع ذلك لا يستطيعون تركها, لأنها قد صارت عندهم كالعيش الاضطراري, ولهذا ترى مدمن الخمر والجماع لا يلتذ بذلك عشر التذاذ من لم يدمن, غير أن العادة تقتضيه ذلك, فيلقى نفسه في المهالك لنيل ما يقتضيه تعوده, ولو زال رين الهوى عن بصر بصيرته, لرأى أنه قد شقى من حيث قدر السعادة, واغتمّ من حيث ظن الفرح, وألِمَ من حيث أراد اللذة, فهو كالحيوان المخدوع بحبِّ الفخ, لا هو نال ما خُدِعَ به, ولا أطاق التخلص مما وقع فيه.

مجاهدة النفس في مخالفة الهوى:

فإن قال قائل: فكيف يتخلص من هذا من قد نشب فيه ؟ قيل له: بالعزم القوي في هجران مايؤذي, والتدرج في ترك ما لا يؤمن أذاه, وهذا يفتقر إلى صبر ومجاهدة.

...فالنفس مجبولة على حبِّ الهوى, وقد سبق بيان أذاه, فافتقرت لذلك إلى المجاهدة والمخالفة, ومتى لم تُزجر عن الهوى هجم عليها الفكر في طلب ما شغفت به, فاستأنست بالأراء الفاسدة, والأطماع الكاذبة, والأماني العجيبة, خصوصاً إن ساعد الشباب الذي هو شعبة من الجنون, وامتد ساعد القدرة إلى نيل المطلوب.

ــــ(4)

ما يصدأ به القلب:

قال يحي بن معاذ: سقم الجسد بالأوجاع, وسقم القلوب بالذنوب, فكما لا يجد الجسد لذة الطعام عند سقمه, فكذلك القلب لا يجد حلاوة العبادة مع الذنوب. 

ما ينقي عن القلوب صدأها:

قال رجل للحسن, يا أبا سعيد أشكو إليك قسوة قلبي! قال: أذبه بالذكر.

روى أن رجلاً سأل عائشة: ما دواء قسوة القلب ؟ فأمرته بعيادة المرضى, وتشيع الجنائز, وتوقع الموت.

 وسئل ابن المبارك: ما دواء قسوة القلب؟ قال: قلة الملاقاة

وشكا ذلك رجل إلى مالك بن دينار, فقال: أدمِن الصيام, فإن وجدت قسوة فأطل القيام, فإن وجدت قسوة فأقلّ الطعام.

وقال إبراهيم الخواص: دواء القلب خمسة أشياء:

قراءة القرآن بالتدبر, وخلاء البطن, وقيام الليل,

والتضرع عند السحر, ومجالسة الصالحين.

الواعظ من القلب:

عن خالد بن معدان قال: ما من عبد إلا وله عينان في وجهه, يبصر بهما أمر الدنيا, وعينان في قلبه, يبصر بهما أمر الآخرة, فإذا أراد الله بعبد خيراً فتح عينيه اللتين في قلبه, فأبصر بهما ما وعد الله بالغيب, وإذا أراد الله به غير ذلك تركه على ما فيه, ثم قرأ: ] أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [ [محمد:24] 

ــــ(5)

الأمر بغض البصر:

لما كان إطلاق البصر سبباً لوقوع الهوى في القلب, أمر الشارع بغض البصر عما يُخاف عواقبه, فإذا تعرضت بالتخليط وقد أُمرت بالحمية فوقعت إذاً في أذى فلم تضجُّ من أليم الألم, قال الله عز وجل: ] قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [ [النور:30] ] وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ [ [النور:31]

وعن أبي هريرة رضي الله عنه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( العينان تزنيان وزناهما النظر) أخرجه البخاري ومسلم.

خرج حسان بن أبي سنان يوم العيد, فلما رجع قالت له امرأته: كم من امرأة حسنة قد نظرت اليوم ؟ فلما أكثرت.قال: ويحك ! ما نظرت إلا في إبهامي منذ خرجت من عندك حتى رجعت إليك.

النهي عن النظر إلى المردان ومجالستهم:

اعلم وفقك الله, أن هذا الباب من أعظم أبواب الفتن...فإن الشيطان إنما يدخل على العبد من حيث يمكنه الدخول, إلى أن يُدرجه إلى غاية ما يمكنه من الفتن, فإنه لا يأتي إلى العابد فيحسن له الزنا في الأول, وإنما يزين له النظر, والعابد والعالم قد أغلقا على أنفسهما باب النظر إلى النساء الأجانب, لبعد مصاحبتهن وامتناع مخالطتهن, والصبي مخالط لهما, فليحذر من فتنته.

نظر...إلى غلام في بعض الأسواق, فبلي به...وطال به البلاء...ولما سئل عن قصته, قال: رب ذنب استصغره الإنسان هو أعظم عند الله من ثبير, وحقيق لمن تعرض للنظر الحرام أن تطول به الأسقام ثم بكى وقال: أخاف أن يطول في النار شقائي. 

ــــ(6)

معالجة الهم والفكر المتولد عن النظر:

فتفهم يا أخي ما أوصيك به, إنما بصرك نعمة من الله عليك, فلا تعصيه بنعمه, وعامله بغضه عن الحرام تربح, واحذر أن تكون العقوبة سلب تلك النعمة, وكل زمن الجهاد في الغضِّ لحظة, فإن فعلت ذلك نلت الخير الجزيل, وسلمت من الشر الطويل...واعلم وفقك الله, أنك إذا امتثلت المأمور به, من غض البصر عند أول نظرة, سلمت من آفات لا تحصى, فإذا كررت النظر لم تأمن أن تزرع في قلبك زرعاً يصعب قلعه, فإن كان قد حصل ذلك فعلاجه الحِمية بالغضِّ فيما بعد, وقطع مراد الفكر بسد باب النظر, فحينئذ يسهل علاج الحاصل في القلب, لأنه إذا اجتمع سيل فسُدَّ مجراه, سهُل نزف الحاصل, ولا علاج للحاصل في القلب أقوى من قطع أسبابه, ثم زجر الاهتمام به خوفاً من عقوبة الله عز وجل, فمتى شرعت في استعمال هذا الدواء رجي لك قرب السلامة, وإن ساكنت الهم ترقى إلى درجة العزم, ثم حرك الجوارح.

قيل لبعض الحكماء: ما سبب الذنب ؟

قال: الخطرة, فإن تداركت الخطرة بالرجوع إلى الله ذهبت, وإن لم تفعل تولدت عنها الفكرة, فإن تدراكتها بالرجوع إلى بطلت, وإلا فعند ذلك تخالط الوسوسة الفكرة, فتولد عنها الشهوة, وكل ذلك بعد باطن في القلب لم يظهر على الجوارح, فإن استدركت الشهوة, وإلا تولد منها الطلب, فإن تداركت الطلب وإلا تولد منه الفعل. 

ــــ(7)

التحذير من المعاصي وقبح أثرها

يا صاحب الذنب لا تأمنن سوء عاقبته     ولما يتبع الذنب من الذنب إذا  علمته

ضحكك وأنت لا تدري ما الله صانع بك أعظم من الذنب

وفرحك بالذنب إذا ظفرت به أعظم من الذنب

وخوفك من الريح إذا حركت ستر بابك وأنت على الذنب, ولا يضطرب فؤادك من نظر الله إليك, أعظم من الذنب إذا عملته.

كتبت عائشة إلى معاوية: أما بعد: فإن العبد إذا عمل بمعصية الله عاد حامده من الناس ذاماً.

قال المحارب بن ديثار: أن الرجل ليذنب الذنب فيجد له في قلبه وهناً.

قال بشر: إن العبد ليذنب الذنب فيحرم به قيام الليل

قيل لوهب بن الورد: أيجد طعم العبادة من يعصي ؟ قال: لا, ولا من يهم.

اعلم وفقك الله, أن المعاصي قبيحة العواقب سيئة المنتهى, وهي وإن سرّ عاجلها ضرَّ آجلها, ولربما تعجل ضرها, فمن أراد أن طيب عيشه فليزم التقوى

فمتى رأيت وفقك الله تكديراً في حال, فتذكر ذنباً قد وقع, قال الفيضل بن عياض: إني لأعصى الله فأعرف ذلك في خلق دابتي وجاريتي.

وقال أبو سليمان الدارني: من صفّى صُفيّ له, ومن كدّر كُدِّر عليه, ومن أحسن في ليله كُوفئ في نهاره, ومن أحسن في نهاره كوفئ في ليله.

فتفكر وفقك الله, في أن الذنوب تنقضى لذتها وتبقى تبعتها

تفنى اللذاذة ممن نال  صفوتها          من الحرام ويبقى الإثم  والعار

تبقى عواقب سوء في  مغبتها           لا خير في لذة من بعدها النار

ــــ(8)

 

التحذير من العقوبات

اعلم أن العقوبة تختلف, فتارة تتعجل, وتارة تتأخر, وتارة يظهر أثرها, وتارة يخفى.

وأطرف العقوبات ما لا يحس بها المعاقب, وأشدها العقوبة بسلب الإيمان...ودون ذلك موت القلوب, ومحو لذة المناجاة منه, وقوة الحرص على الذنب, ونسيان القرآن, وإهمال الاستغفار, ونحوه مما ضرره في الدِّين.

 وربما دبّت العقوبة في الباطن دبيب الظلمة, إلى أن يمتلئ أفق القلب فتعمى البصيرة

وأهون العقوبة ما كان واقعاً بالبدن في الدنيا.

قال أبو علي الروذباري: من الاغترار أن تسيء فيحسن إليك, فتترك الإنابة والتوبة توهماً أنك تسامح في الهفوات

الصبر على المعصية:

الطاعة مفتقرة إلى الصبر عليها, والمعصية مفتقرة إلى الصبر عليها, ولما كانت النفس مجبولة على حب الهوى..افتقرت إلى حبسها عما تؤذى عاقبته, ولا يقدر على استعمال الصبر إلا من عرف عيب الهوى, وتلمح عقبى الصبر, فحينئذ يهون عليه ما صبر عليه وعنه.

وبيان ذلك بمثل: وهو أن امرأة مستحسنة مرت على رجلين, فلما عرضت لهما اشتهيا النظر إليها, فجاهد أحدهما نفسه وغض بصره, فما كانت إلا لحظة ونسى ما كان, وأوغل الآخر في النظر فعلقت بقلبه, فكان ذلك سبب فتنته, وذهاب دينه

 

 

ــــ(9)

محاسبة النفس:

قال عمر بن الخطاب: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا, وزينوا أنفسكم قبل أن توزنوا, فإنه أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم يوم القيامة.

وقال الحسن: أيسر الناس حساباً يوم القيامة الذين يحاسبون أنفسهم لله عز وجل في الدنيا, فوقفوا عند همومهم وأعمالهم, فإن كان الذي هموا به لله عز وجل مضوا فيه, وإن كان عليهم أمسكوا.

وقال ميمون بن مهران: لا يكون الرجل تقياً حتى يكون لنفسه أشدَّ محاسبة من الشريك لشريكه. 

فضل من ذكر ربه فترك ذنبه:

قال الله عز وجل: ] وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ  [ [الرحمن:46] قال مجاهد: هو الذي إذا هم بمعصية الله ذكر مقام الله عليه فيها فانتهى.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( سبعة يظلمهم الله عز وجل في ظله, يوم لا ظل إلا ظله,....ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال  إلى نفسها, فقال: إني أخاف الله عز وجل ) أخرجاه في الصحيحين.

وقال علية الصلاة والسلام: بينما ثلاثة نفر يتماشون أخذهم المطر, فمالوا إلى غار في الجبل, فانحطت على فم الغار صخرة على الجبل فأطبقت عليهم, فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالاً عملتموها لله صالحة فادعوا الله بها لعله يفرجه.فقال أحدهم: اللهم إنه كانت لي ابنة عم أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء فطلبت إليها نفسها فأبت حتى آتيها بمائة دينار, فسعيت حتى جمعت مائة دينار فلقيتها بها, فلما قعدت بين رجليها قالت: يا عبدالله اتق الله ولا تفتح الخاتم إلا بحقه, فقمت عنها.

ــــ(10)

أسباب العشق:

من أسباب العشق:

سماع الغزل والغناء...وإدامة النظر

ويتأكد بكثرة اللقاء, وطول الحديث.

ضرر العشق في الدين:

العشق بيّن الضرر في الدين والدنيا, أما في الدين فإن العشق أولاً يشغل القلب عن الفكر فيما خلق له, من معرفة الإله والخوف منه والقرب إليه, ثم بقدر ما ينال من موافقة غرضه المحرم يكون خسران آخرته, وتعرضه لعقوبة خالقه, فكلما قرُبَ من هواه بَعُدَ من مولاه, ولا يكاد يقع العشق في الحلال المقدور عليه, فإن وقع, فيا سرعان زواله. قال الحكماء: كل مملوك مملول.

ضرر العشق في الدنيا:

وأما ضرر العشق في الدنيا فإنه يورث الهمَّ الدائم, والفكر اللازم, والواسواس, والأرق, وقلة المطعم, وكثرة السهر, ثم يتسلط على الجوارح, فتنشأ الصفرة في البدن, والرعدة في الأطراف, واللجلجة في اللسان, والتحول في الجسد, فالرأي عاطل, والقلب غائب عن تدبير مصلحته, والدموع هواطل, والحسرات تتابع, والزفرات تتوالى, والأحشاء تضطرم, فإذا غشي على القلب إغشاء تاماً أخرجت إلى الجنون, وما أقربه حينئذ من التلف, هذا وكم يجني من جناية على العرض.

 

 

 

ــــ(11)

أدوية العشق:

الحِمية اللازمة في زمان الصحة لا ينبغي أن تُترك, ومتى علمت أسباب مرض وجب اجتنابها, ومعلوم أن الطباع تتساوى في الميل إلى الهوى, فينبغي للحازم اجتناب أسبابه. فمتى أصابه شيء من ذلك المرض وجب عليه أن يبادر إلى الطيب, قبل أن يصعب التلافي أو يحل التلف.

وأمراض العشق تختلف..وإنما يعالج من هذا المرض من لم يرتقِ إلى غايته, فإنه إذا بلغ الغاية أحدث الجنون والذهول, وتلك حالة لا تقبل العلاج.

اعلم أن بداية العشق في الأغلب تكون عند النظر إلى المحاسن...والواجب على من وقع بصره على مستحسن, فوجد لذة تلك النظرة في قلبه أن يصرف بصره, فمتى تثبت تلك النظرة, أو عاود وقع في اللوم شرعاً وعقلاً. 

فإن جرى تفريط بإتباع نظرة لنظرة, فإن الثانية هي التي تُخاف وتُحذر, فلا ينبغي أن تحقر هذه النظرة, فربما أورثت صبابة صبّت دمَ الصِّبّ.

وعلاج هذه النظرة,..بغضِّ البصر,..وخوف العقوبة من الله سبحانه عاجلاً وآجلاً, والحذر من سوء عاقبتها وما تجرُّ وتجني.

فإن كان تكرار النظر قد نقش صورة المحبوب في القلب نقشاً متمكناً,..فعلاج هذا المرض: العزم القوي على البعد عن المحبوب, والقطع الجازم على غضِّ البصر عنه, وهجران الطمع فيه, وتوطين النفس على اليأس منه,..والفكر في خوف العواقب في الدنيا, والعقوبة في الأخرى...وكرر على النفس ما سبق من ذم الهوى, وما فعل بأربابه فأضناهم وأمرضهم, وأذهب دينهم ودنياهم, وجاههم بين الناس, فاستغاثوا بعد الفوت.

ــــ(12)

وتفكر في خطواتك إلى لقاء محبوبك, فاعلم...أنها مكتوبة عليك وأنت مطالب بها

وتفكر في مكالمتك محبوبك, فإنك مسؤول عما تقول, مع إلهاب الكلام نار الحب.

فإن قويت أسباب الهوى فحملتك على الخلوة بحبيبك, فقد تعرضت بالأسد في خيسه, وبعيد سلامة مثلك, فالهرب الهرب, فلا نجاة في غيره.

فإن أمسك الهوى فاجتذب نفسك من يده, بخوف من يراك حيت تقوم, واستحيي من نظره إليك, وأدِر في تلذذك ذكر مرارة الموت الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هادم اللذات) وتذكر شدة النزع وتفكر في الموتى الذين حبسوا على أعمالهم ليُجازوا بها, فليس فيهم من يقدر على محو خطيئة, ولا على زيادة حسنة, فلا تعِث يا مُطلق.

وصور لنفسك حين اعتراض الهوى عرضك على ربك, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه تبارك وتعالى ليس بينه وبينه ترجمان) أخرجاه في الصحيحين.

وتخايل شهادة المكان الذي تعصي فيه عليك يوم القيامة.

ومثّل في نفسك عند بعض زللك, كيف يؤمر بك إلى النار, التي لا طاقة لمخلوق بها, وتصور نفاد اللذة وبقاء النار والعذاب.عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ناركم هذه مما يوقد بنو آدم, جزء واحد من سبعين جزءاً من حرِّ جنهم ) قالوا: والله إن كانت لكافية, قال: ( إنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً)

ومن المعالجات السفر, فإنه بالسفر يتحقق البعد عن المحبوب, وكل بعيد عن البدن يؤثر بعده في القلب, فليصبر على مضض الشوق في بداية السفر صبر المصاب في بداية مصيبته, ثم إن مَرََ الأيام يهوّن الأمر.

ــــ(13)

وكذلك كل ما يشغل القلب من المعاش والصناعة, فإنه يسلي, لأن العشق شغل الفارغ...فإذا تشاغل بما يوجب اشتغال القلب بغير المحبوب دَرَس الحبُّ, ودثر العشقُ, وحصل التناسي.

ومن ذلك استعراض النساء للتزويج, والجواري للتسري, وليطلب الفائق فإنه يسلي.

ومن الأدوية: عيادة المرضى, وتشييع الجنائز, وزيارة القبور, والنظر إلى الموتى, والتفكر في الموت وما بعده, فإن ذلك يطفئ نيران الهوى, كما أن سماع الغناء واللهو يقويه, فما هو كالضد يضعفه, وكذلك مواصلة مجالس الذكر, وسماع أخبار الصالحين والمواعظ.

ومن ذلك زجر الهمة الأبية عن مواقف الذل, واكتساب الرذائل, وحرمان الفضائل, فمن لم تكن له همة أبية لم يكد يتخلص من هذه البلية, فإن ذا الهمة يأنفُ أن يملك رقه شيء, وما زال الهوى يذل أهل العزِّ.

ومما يُداوى به الباطن أن تفكر, فتعلم أن محبوبك ليس كما في نفسك, فاعمل فكرك في عيوبه...فإن الآدمي محشو بالأنجاس والأقذار, وإنما يرى العاشق معشوقه في حال الكمال, ولا يصور له الهوى عيباً, لأن الحقائق لا تنكشف إلا مع الاعتدال, وسلطان الهوى حاكم جائر يغطي المعايب, فيرى العاشقُ القبيح من معشوقه حَسَناً.

ومما يداوى به الباطن تصوير فقد المحبوب, إما بموته أو بفراق يحدث عن غير اختيار, أو بنوع ملل, أو بتغير حليته...ومتى صوّر الإنسان مثل هذه الأشياء وتلمح عواقبها بفكره سهل عليه علاج ما في قلبه.

ــــ(14)

متفرقات:

* قال معاوية: المروة ترك اللذة وعصيان الهوى.

* قال عمر بن عبدالعزيز لميمون بن مهران: يا ميمون لا تخلُ بامرأة لا تحلُّ لك, وإن أقرأتها القرآن.

* قال مالك بن دينار: من غلب شهوات الدنيا, فذلك الذي يَفرَقُ الشيطان من ظله...بئس العبد عبد همه هواه وبطنه.

* قال يحي بن معاذ: من أرضى الجوارح في اللذات, فقد غرس لنفسه شجر الندامات.

* قال بشر بن الحارث: لا تجد حلاوة العبادة حتى تجعل بينك وبين الشهوات حائطاً من حديد.

* قال ميمون بن مهران: لا تصغين سمعك لذي هوى, فإنك لا تدري ما يعلق بقلبك منه.

* قال بعض الحكماء: ظاهر التقوى شرف الدنيا, وباطنها شرف الآخرة.
==================

ــــ(15)
الفهرس
الموضوع
الصفحة
المقدمة
3
العقل والهوى
4
مدمن الشهوات شقي من حيث قدر السعادة, واغتم من حيث ظن الفرح
4
مجاهدة النفس في مخالفة الهوى
4
ما يصدأ به القلب
5
ما ينقي عن القلوب صدأها
5
الواعظ من القلب
5
الأمر بغض البصر
6
النهي عن النظر إلى المردان ومجالستهم
6
معالجة الهم والفكر المتولد عن النظر
7
التحذير من المعاصي وقبح أثرها
8
التحذير من العقوبات
9
الصبر على المعصية
9
محاسبة النفس
10
فضل من ذكر ربه فترك ذنبه
10
أسباب العشق
11
ـــ(16)
ضرر العشق في الدين
11
ضرر العشق في الدنيا
11
أدوية العشق
12
متفرقات
15
الفهرس
16
ـــ(17)

تعَرَّف على الإســلام د. منقذ بن محمود السقار

هدية إلى كل باحث عن الحق من غير المسلمين تعَرَّف على الإســلام د. منقذ بن محمود السقار مقدمة الحمد لله والصلاة والسلام على رسل ا...