تحميلات المصحف بكل صيغه

تحميلات

صفة صلاة النبي{ص}تحقيق الشيخ الألباني

صفة صلاة النبي{ص}تحقيق الشيخ الألباني

https://alnukhbhtattalak.blogspot.com/ صفة صلاة النبي{ص}

الجمعة، 22 أبريل 2022

المنتقى من كتاب "روضة المحبين ونزهة المشتاقين" لابن القيم جمع فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

 

المنتقى من كتاب "روضة المحبين ونزهة المشتاقين"

للعلامة ابن القيم جمع فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ 

حقوق الطبع والنشر لكل مسلم 

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين....أما بعد:

فمن مصنفات العلامة ابن القيم رحمه الله كتابه المسمى " روضة المحبين ونزهة المشتاقين " وهو من أفضل الكتب التي ألفت في موضوعه, وقد زخر الكتاب بنفائس من الفوائد المتنوعة, وقد انتقيتُ ما يسّر الله الكريم من هذه الفوائد التي جاءت في مواضيع متعددة, منها: فضيلة العقل, فوائد غضَّ البصر, أقسام اللذات, الجمال الظاهر والباطن, أقسام النفوس ومحابها, محبة الله جل جلاله, علامات المحبة التي يستدل بها عليها, علامات معرفة العبد ربه, أضرار ومفاسد ارتكاب الحرام, العقوبات العاجلة والآجلة, أمثلة لمن ترك شيئاً لله فعوضه الله خيراً منه, ذم الهوى والأسباب المعينة على تركه, وفوائد أخرى متفرقة.

أسأل الله الكريم أن ينفع بتلك الفوائد, ويبارك فيها.

 

 

 

 

 

 

 

ــــ(3)

فضيلة العقل:

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ليس العاقلُ الذي يعرفُ الخيرَ من الشر, ولكنه الذي يعرف خيرَ الشرَّين.

 وقالت عائشة رضي الله عنها: قد أفلحَ من جعل اللهُ له عقلاً.

 وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه: لو أن العاقل أصبح وأمسى وله ذنوب بعدد الرمل كان وشيكاً بالنجاة والتخلص منها, ولو أن الجاهل أصبح وأمسى وله من الحسنات وأعمال البرَ عددُ الرمل لكان وشيكاً أن لا يسلم له منها مثقالُ ذرَّةٍ. قيل: وكيف ذلك ؟ قال: لأن العاقل إذا زلّ تدارك ذلك بالتوبة والعقل الذي رُزِقَه, والجاهل بمنزِلة الذي يبنى ويهدِم, فيأتيه من جهله ما يُفسد صالح عمله.

وقال وهب بن منبِّه: قرأتُ في بعض ما أنزل الله تعالى: إن الشيطان لم يكابد شيئاً أشدَّ عليه من مُؤمنٍ عاقل, وإنه ليسوقُ مئة جاهلٍ, فيستجرهم حتى يركب رقابهم, فينقادون له حيث شاء, ويُكابد المؤمن العاقل, فيصعُب عليه حتى ينال منه شيئاً من حاجته.

قال: وإزالة الجبل صخرةً صخرةً أهون على الشيطان من مكابدة المؤمن العاقل, وقال الحسن: لا يتمُّ دينُ الرجل حتى يتمَّ عقلهُ, وما أودع الله امرأً عقلاً إلا استنقذه به يوماً.

وقال بعض الحكماء: من لم يكن عقلُه أغلبَ الأشياء عليه كان حتفُه في أحبَّ الأشياء إليه.

 

 

ــــ(4)

النفوسُ الشريفة الزكَّيةُ العلوية تعشقُ صفات الكمال: 

النفوسُ الشريفة الزكَّيةُ العلوية تعشقُ صفات الكمال بالذَّات, فأحبُّ شيء إليها العلمُ, والشَّجاعةُ, والعفَّةُ, والجودُ, والإحسانُ, والصبر, والثبات, لمناسبة هذه الأوصاف لجوهرها, بخلاف النفوس اللئيمة الدنيَّة فإنها بمعزل عن محبة هذه الصفات, وكثير من الناس يحمله على الجود والإحسان فرطُ عشقه ومحبَّته له, والَّلَّذة التي يجدها في بذله, كما قال المأمون: لقد حُبب إلى العفو حتى خشيت ألاَّ أُؤجر عليه.

وقيل للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى: تعلمت هذا العلم لله ؟ فقال: أما لله فعزيز, ولكن شيء حُببَّ إلي, ففعلته.

وقال آخر : إني لأفرحُ بالعطاء, وألتذُّ به أعظم مما يفرحُ الآخذ بما يأخذه مني.

قال شاعر الحماسة:

تراهُ إذا   ما جئتـهُ مـتهللاً            كأنك تُعطيه الذي أنت سائلُه

وكثير من الأجود يعشق الجود أعظم عِشق, فلا يصبر عنه مع حاجته إلى ما يجود به, ولا يقبلُ فيه عذل عاذلٍ, ولا تأخذه لومة لائم, وأما عشّاق العلم فأعظمُ شغفاً به وعشقاً له من كل عاشقٍ بمعشوقه, وكثير منهم لا يشغلُهُ عنه أجمل صورة من البشر.

قيل لامرأة الزبير بن بكار – أو غيره – هنيئاً لك, إذ ليست لك ضرَّة, فقالت: والله لهذه الكتبُ أضرُّ عليَّ من عدَّة ضرائر.

فعشقُ صفاتِ الكمال من أنفع العشق وأعلاه وإنما يكون بالمناسبة التي بين الروح وتلك الصفات.

ــــ(5)

فوائد غضّ البصر:

قد جعل الله سبحانه العين مرآة القلب, فإذا غضَّ العبدُ بصره غضَّ القلبُ شهوته وإرادته, وإذا أطلق بصره أطلق القلبُ شهوته.

وفي غض البصر عدَّة فوائد:

أحدُها: تخليص القلب من ألم الحسرة, فإن من أطلق نظره دامت حسرته, فأضرُّ شيءٍ على القلب إرسال البصر, فإنه يُريه ما يشتدُّ طلبُه, ولا صبر له عنه, ولا وصول له إليه, وذلك غاية ألمه وعذابه.

وكنت متى أرسلت طرفك رائداً

                      لقبـك يـوماً  أتعبتك المنـاظرُ

رأيت الذي لا كلُّه أنت قـادر

                     عليه ولا عن بعضه أنت  صـابرُ

والنظرة تفعلُ في القلب ما يفعلُ السهم في الرميّة, فإن لم تقتله جرحته, وهي بمنزلة الشَّرارة من النار تُرمى في الحشيش اليابس, فإن لم تحرقه كله, أحرقت بعضه, كما قيل:

كلُّ الحوادث مبداها من النَّـظر       

                   ومُعظم النار من مُستصغر الشررِ

كم نظرة فتكت في قلب صاحبها      

                    فتك السهام بلا قوسِ ولا وتـرِ

والمرءُ مت دام ذا عـين يُقلبُهـا      

                  في أعين الغيد موقوف على الخطر

ــــ(6)

يسُرُّ مقلتـه ما ضـرَّ  مهجـته        

                     لا مرحباً بسرورٍ عاد   بالضـررِ

والناظر يرمي من نظره بسهام غرضها قلبه وهو لا يشعر, فهو إنما يرمي قلبه.

الفائدة الثانية: أنه يورث القلب نوراً, وإشراقاً في العين, وفي الوجه والجوارح.

الفائدة الثالثة: أنَّه يُورث صحة الفراسة, فإنها من النور وثمراته, وإذا استنار القلب صحت الفراسة, لأنه يصيرُ بمنزلة المرآة التي تظهرُ فيها المعلوماتُ كما هي.

الفائدة الرابعة: أن يفتح له طرق العلم وأبوابه, ويسهل عليه أسبابه, وذلك بسبب نور القلب.

الفائدة الخامسة: أنَّه يُورث قُوَّة القلب, وثباته, وشجاعته.

الفائدة السادسة: أنه يُورث القلب سروراً, وفرحةً, وانشراحاً أعظم من اللذَّة والسرور الحاصل بالنظر, وذلك لقهره عدوه بمخالفته, ومخالفة نفسه وهواه.

الفائدة السابعة: أنه يخُلِّصُ القلبَ من أسر الشَّهوة, فإن الأسير هو أسيرُ شهوته وهواه.

الفائدة الثامنة: أنَّه يسدُّ عنه باباً من أبواب جهنم, فإن النظر بابُ الشهوة الحاملة على مواقعة الفعل.  

الفائدة التاسعة: أنه يقوِّي عقله, ويزيده, ويثبته.

الفائدة العاشرة: أنه يخُلِّص القلب من سُكر الشّهوة, ورقدة الغفلة, فإن إطلاق البصر يُوجب استحكام الغفلة عن الله, والدار الآخرة, ويوقع في سكر العشق.

وفوائد غضِّ البصر وآفات إرساله أضعافُ أضعاف ما ذكرنا, وإنما نبهنا عليها تنبيهناً.

ــــ(7)

أقسام اللذات:

أقسام اللذات ثلاثة: لذة جثمانية, ولذة خيالية وهمية, ولذة عقلية روحانية.

فاللذة الجثمانيةُ: لذة الأكل, والشُّرب, والجماع, وهذه اللذة يشترك فيها مع الإنسان الحيوانُ البهيمُ, فليس كمالُ الإنسان بهذه اللذة, لمشاركة أنقص الحيوانات له فيها, ولأنها لو كانت كمالاً لكان أفضل الإنسان, وأشرفهم, وأكملهم أكثرهم أكلاً, وشرباً, وجماعاً, وأيضاً: لو كانت كمالاً, لكان نصيب رُسُل الله وأنبيائه وأوليائه منها في هذه الدار أكمل من نصيب أعدائه. فلمَّا كان الأمرُ بالضد, تبين أنها ليست في نفسها كمالاً.

وأمَّا اللذة الوهميَّةُ الخيالية: فلَّذة الرئاسة, والتعاظم على الخلق, والفخر, والاستطالة عليهم, وهذه وإن كان طُلابها أشرف نفوساً من طلاب اللذة الأولى, فإن آلامها وما توجبه من المفاسد والمضار أعظم من التذاذ النفس بها, فإن صاحبها منتصب لمعاداة كلِّ من تعاظم وترأس عليه.

وأما اللذة العقلية الروحانية: فهي كلذة المعرفة والعلم والاتصاف بصفات الكمال, من: الكرم والجود والعفة والشجاعة والصبر والحلم, فإن الالتذاذ بذلك من أعظم اللذات وهو لذة النفس الفاضلة العلوية الشريفة, فإذا انضمت اللذة بذلك إلى لذة معرفة الله تعالى ومحبته وعبادته وحده لا شريك له والرضا به عوضاً من كلِّ شيءٍ-ولا يُتعوض بغيره عنه – فصاحبُ هذه اللذة في جنةٍ عاجلةٍ نسبتها إلى لذات الدنيا كنسبة لذة الجنة إلى لذة الدنيا فإنه ليس للقلب والرُّوح ألذ ولا أطيبً ولا أحلى ولا أنعم من محبة الله والإقبال عليه وعبادته وحده وقرة العين به...والشوق إلى لقائه ورؤيته وإن مثقال ذرة من هذه اللذة لا يُعدل بأمثال الجبال من لذات الدنيا.    

ــــ(8)

الجمال المحبوب لذاته:

 الجمال ينقسم قسمين: ظاهر, وباطن.

والجمال..المحبوب لذاته..جمال العلم, والعقل, والجود, والعفة, والشجاعة, وهذا الجمال الباطن هو محل نظر الله من عبده وموضع محبته, كما في الحديث الصحيح: ( إن الله لا ينظر إلى صوركم, وأموالكم, ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم )

وهذا الجمال الباطن يُزيِّن الصورة الظاهرة, وإن لم تكن ذات جمالٍ, فيكسو صاحبه من الجمال, والمهابة, والحلاوة بحسب ما اكتسبت روحه من تلك الصفات, فإن المؤمن يُعطى مهابة, وحلاوة بحسب إيمانه, فمن رآه هابه ومن خالطه أحبه, وهذا أمر مشهود بالعيان, فإنك ترى الرجل الصالح, الحسن, ذا الأخلاق الجميلة من أحلى الناس صورة, وإن كان..غير جميل, ولاسيما إذا رُزق حظّاً من صلاة الليل, فإنها تُنور الوجه, وتحسنه.

وقد كان بعض النساء تكثرُ من صلاة الليل, فقيل لها في ذلك, فقالت: إنها تحسِّنُ الوجه, وأنا أحبُّ أن يحسن وجهي.

ومما يدلُّ على أن الجمال الباطن أحسن من الظاهر أن القلوب لا تنفكُ عن تعظيم صاحبه, ومحبته, والميل إليه.

 

 

 

 

 

ــــ(9)

الجمال الظاهر نعمة من الله على عبده إن شكرها بتقواه ازداد جمالاً

الجمال الظاهر زينة خصَّ الله بها بعض الصور عن بعض, وهي من زيادة الخلق, التي قال الله تعالى فيها: ] يزيدُ في الخلق ما يشاء [ [فاطر:1] قالوا: هو الصوت الحسن والصورة الحسنة, والقلوب كالمطبوعة على محبته كما هي مفطورة على استحسانه.

وكما أن الجمال الباطن من أعظم نعم الله على عبده, فالجمالُ الظاهر نعمة منه أيضاً على عبده, يُوجب شكراً, فإن شكراه بتقواه وصيانته, ازداد جمالاً على جماله, وإن استعمل جماله في معاصيه سبحانه, قلبه له شيناً ظاهراً في الدنيا قبل الآخرة, فتعود تلك المحاسنُ وحشةً, وقبحاً, وشيناً, وينفر عنه كل من رآه, فكلُّ من لم يتق الله في حسنه وجماله, انقلب قبحاً وشيناً يشينه به بين الناس, فحسن الباطن يعلو قبح الظاهر ويستره, وقبحُ الباطن يعلو جمال الظاهر ويستره.

وقال بعض الحكماء: ينبغي للعبد أن ينظر كلَّ يوم في المرآة, فإن رأى صورته حسنةً, لم يشينها بقبيح فعله, وإن رآها قبيحةً, لم يجمع بين قُبح الصورة وقُبح الفعل.

 

 

 

 

 

 

ــــ(10)

أقسام النفوس ومحابِّها:

النفوس ثلاثة: نفس سماوية عُلوية, فمحبتها منصرفة إلى المعارف, واكتساب الفضائل, والكمالات الممكنة للإنسان, واجتناب الرذائل, وهي مشغوفة بما يقربها من الرفيق الأعلى, وذلك قُوتُها, وغذاؤُها, ودواؤًها, واشتغالها بغيره هو داؤُها.

ونفس سبعية غضبية, فمحبتها منصرفة إلى القهر, والغي, والعلو في الأرض, والتكبر, والرئاسة على الناس بالباطل, فلذتها في ذلك, وشغفُها به.

ونفس حيوانية شهوانية, فمحبتها منصرفة إلى المأكل, والمشرب, والمنكح, وربما جمعت بين الأمرين, فانصرفت محبَّتُها إلى العلو في الأرض, والفساد.

الملائكة أولياء لأصحاب النفس السماوية العلوية:

الملائكة أولياء هذا النوع في الدنيا والآخرة, قال تعالى: ] إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم تُوعدون * نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون * نُزلاً من غفور رحيم [ [فصلت:30-32] فالملك يتولى من يناسبه بالنصح له والإرشاد....وإلقاء الصواب على لسانه, ودفع عدوه عنه, والاستغفار له إذا زلَّ, وتذكيره إذا نسى, وتسليته إذا حزن, وإلقاء السكينة في قلبه إذا خاف, وإيقاظه للصلاة إذا نام عنها, وإيعاد صاحبه بالخير, وحضَّه على التصديق بالوعد, وتحذيره من الركون إلى الدنيا, وتقصير أمله, وترغيبه فيما عند الله, فهو أنيسه في الوحدة, ووليه, ومعلِّمه, ومثبتُه, ومسكِّن جأشِه, ومرغبِّه في الخير ومحُذرة من الشرَّ, يستغفر له إن أساء, ويدعو له بالثبات إن أحسن, وإن بات طاهراً يذكر الله بات معه في شعاره, فإن قصده عدو له بسوءٍ وهو نائم, دفعه عنه.

ــــ(11)

الشياطين أولياء لأصحاب النفوس السبعية الغضبية:

الشياطين أولياء النوع الثاني قال تعالى ] تالله لقد أرسلنا إلى أُمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم اليوم [[النحل:63] وقال تعالى: ] وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذُريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلاً[ [الكهف:50]

فهذا النوع بين نفوسهم وبين الشياطين مناسبة طبعية, بها مالت أوصافهم, وأخلاقهم, وأعمالهم, فالشياطين تتولاهم بضدِّ ما تتولى به الملائكة من ناسبهم, فتؤزُّهم إلى المعاصي أزّاً, وتزعجهم إليها إزعاجاً, ويزينون لهم القبائح, ويخففونها على قلوبهم, ويحلونهم في نفوسهم, ويثقلون عليهم الطاعات ويُثبطونهم عنها, ويقبحُونها في أعينهم, ويلقون على ألسنتهم أنواع القبيح من الكلام, وما لا يفيد, ويزينونه في أسماع من يسمعه منهم, يبيتون معهم حيث باتوا, ويقليون مهم حيث قالوا, ويشاركونهم في أموالهم وأولادهم ونسائهم, يأكلون معهم ويشربون معهم وينامون معهم.قال تعالى: ] ومن يكن الشيطان له قريناً فساء قريناً [ [النساء:38]

 

 

 

 

 

 

ــــ(12)

من علامات المحبة التي يستدل بها عليها:

منها: كثرة ذكر المحبوب, واللهجُ بذكره وحديثه, فمن أحبَّ شيئاً أكثر من ذكره بقلبه ولسانه, ولهذا أمر الله سبحانه عباده بذكره على جميع الأحوال, وأمرهم بذكره أخوف ما يكونون, فقال تعالى: ] يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون [ [الأنفال:45]

ومن علامتها: الانقياد لأمر المحبوب وإيثارُه على مراد المحبوب..قال الله تعالى: ]قُل إن كنتم تُحبونُ الله فاتبعوني يُحببكم الله [ [آل عمران:31] فجعل سبحانه متابعة رسوله سبباً لمحبتهم له, وكونُ العبد محبوباً لله أعلى من كونه محبّاً له, فليس الشأنُ أن تحبُّ الله, ولكن الشأن أن يُحبك الله, فالطاعة للمحبوب عنوان محبته.

ومنها: قلةُ صبر المحب عن المحبوب, بل ينصرف صبره إلى الصبر على طاعته, والصبر عن معصيته, والصبر على أحكامه, فهذا صبرُ المحب.

ومنها: الإقبالُ على حديثه, وإلقاءُ سمعه كله إليه,...وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اجتمعوا أمروا قارئاً يقرأ وهم يستمعون, وكان عمر بن الخطاب إذا دخل عليه أبو موسى, يقول: يا أبا موسى, ذكِّرنا ربنا, فيقرأ أبو موسى, وربما بكي عمر.

ومنها: محبة دار المحبوب وبيته,...وهذا هو السرُّ الذي لأجله عكفت القلوب على محبة الكعبة البيت الحرام, حتى استطاب المحبون في الوصول إليها هجر الأوطان 

ومنها: محبة أحباب المحبوب...وكان أنس بن مالك يحبُّ الدباء كثيراً, لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتتبعها من جوانب الصحفة.

 

ــــ(13)

ومنها: غيرتهُ لمحبوبه وعلى محبوبه, فالغيرة له: أن يكره ما يكره, ويغار إذا عصي محبوبه, وانتهك حقه, وضُيع أمرُه, فهذه غيرة المحب حقاً.

والدين كلُّه تحت هذه الغيرة, فأقوى الناس ديناً أعظمهم غيرةً, وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ( أتعجبون من غيرة سعدٍ, لأنا أغير منه, والله أغير مني ) فمحبُّ الله ورسوله يغار لله ورسوله على قدر محبته وإجلاله, وإذا خلا قلبه من الغيرة لله ورسوله فهو من المحبة أخلى, وإن زعم أنه من المحبين, فكذب من ادعى محبة محبوبٍ من الناس, وهو يرى غيره ينتهك حُرمة محبوبه, ويسعى في أذاه ومساخطه, ويستهين بحقه, ويستخف بأمره, وهو لا يغار لذلك, بل قلبه بارد, فكيف يصحُّ لعبدٍ أن يدَّعى محبة الله, وهو لا يغار لمحارمه إذا انتهكت ولا لحقوقه إذا ضيعت,..وإذا ترحلت هذه الغيرة من القلب ترحلت منه المحبة, بل ترحل منه الدين, وإن بقيت فيه آثاره.

أُمِرَ النساء بستر وجوههن عن الرجال الأجانب دراً للفتنة بهن:

أُمِرَ النساءُ بستر وجوههن عن الرجال, فإن ظهور الوجه يُسفرُ عن كمال المحاسن, فيقع الافتتنان, ولهذا شُرِع للخاطب أن ينظر إلى المخطوبة, فإنه إذا شاهد حسنها وجمالها, كان ذلك أدعى حصول المحبة والأُلفة بينهما, كما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: ( إذا أراد أحدُكم خطبة امرأةٍ فلينظُر إلى ما يدعوه إلى نكاحها, فإنَّه أحرى أن يؤدم بينهما)

 

 

 

ــــ(14)

مفاسد وأضرار والآم ارتكاب الحرام:

فأما سبيل الزنى, فأسوأُ سبيل, ومقيلُ أهلها في الجحيم شرُّ مقيل, ومستقر أرواحهم في البرزح في تنور من نار يأتيهم لهيبها من تحتهم, فإذا أتاهم اللهب, ضجوا, وارتفعوا, ثم يعودون إلى موضعهم, فهم هكذا إلى يوم القيامة, كما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم في منامه, ورؤيا الأنبياء وحي لا شكَّ فيه.

والزنى يجمع خلال الشر كلها, من: قلة الدين, وذهاب الورع, وفساد المروءة, وقلة الغيرة, فلا تجد زانياً معه ورع, ولا وفاء بعهدٍ, ولا صدق في الحديث, ولا محافظة على صديق, ولا غيرة تامة على أهله, فالغدر, والكذب, والخيانة, وقلة الحياء, وعدم المراقبة, وعدم الأنفة للحرم, وذهاب الغيرة من القلب من شعبه وموجباته.

ومنها: أن الناس ينظرونه بعين الخيانة, ولا يأمنه أحد على حرمته, ولا على ولده.

ومنها: سواد الوجه, وظلمته وما يعلوه من الكآبة والمقت الذي يبدو عليه للناظرين

ومنها: الوحشة التي يضعها الله في قلب الزاني, وهي نظير الوحشة التي تعلو وجهه, فالعفيف على وجهه حلاوة, وفي قلبه أنس, ومن جالسه استنأنس به, والزاني تعلو وجهه الوحشة, ومن جالسه استوحش به. 

ومنها: ظلمة القلب, وطمس نوره.ومنها: الفقر اللازم.

ومنها: أنه يفارقه الطيب الذي وصف الله به أهل العفاف, ويستبدل به الخبيث الذي وصف الله به الزناة.

ومنها: قلة الهيبة التي تنزع من صدور أهله وأصحابه, وغيرهم له, وهو أحقر شيء في نفوسهم, وعيونهم, بخلاف العفيف, فإنه يرزق المهابة, والحلاوة.

ــــ(15)

ومنها: الرائحة التي تفوح عليه, يشمها كل ذي قلب سليم, تفوح من فيه وجسده

ومنها: ضيق الصدر وحرجه, فإن الزناة يُقابلون بضد مقصودهم, فإن من طلب لذة العيش وطِيبه بما حرمه الله عليه, عاقبه الله بنقيض قصده, فإن ما عند الله لا يُنال إلا بطاعته ولم يجعل الله معصيته سبباً إلى خير قط ولو علم الفاجر ما في العفاف من اللذة والسرور, وانشراح الصدر, وطيب العيش لرأى أن الذي فاته من اللذة أضعاف أضعاف ما حصل له, دع ربح العاقبة, والفوز بثواب الله وكرامته.

ومنها: أنه يعرض نفسه لفوات الاستمتاع بالحور العين في المساكن الطيبة في جنات عدن.

ومنها: أن الزنى يجُرِّئه على قطيعة الرحم, وعقوق الوالدين, وكسب الحرام, وظلم الخلق, وإضاعة أهله وعياله...فهذه المعصية لا تتم إلا بأنواع من المعاصي قبلها ومعها, ويتولد عنها أنواع أخرُ من المعاصي بعدها...وهي أجلب لشرِّ الدنيا والآخرة, وأمنع شيء لخير الدنيا والآخرة.

فهذا بعض ما في هذه السبيل من الضرر, وأما سبيل الأمة اللُّوطية, فتلك سبيل الهالكين, المفضية بسالكها إلى منازل المعذبين, الذين جمع الله عليهم من أنواع العقوبات ما لم يجمعه على أمةٍ من الأمم, لا من تأخر عنهم ولا من تقدم, وجعل ديارهم وآثارهم عبرةً للمعُتبرين, وموعظة للمتقين.

والصحابة اتفقوا على قتل اللوطي, وإنما اختلفوا في كيفية قتله,...وعقوبته أغلظ من عقوبة الزاني, لإجماع الصحابة على ذلك, ولغلظ حرمته, وانتشار فساده, ولأن الله سبحانه لم يعاقب أُمّةً ما عاقب اللوطية.

تذهب اللذات, وتعقب الحسرات, وتفنى الشهوة, وتبقى الشقوة.

ــــ(16)

محبة الله جل جلاله:

المحبة شجرة في القلب, عروقها الذل للمحبوب, وساقها معرفته, وأغصانها خشيته, وورقها الحياء منه, وثمرها طاعته, ومادتها التي تسقيها ذكره, فمتى خلا القلب عن شيءٍ من ذلك كان ناقصاً.ولو لم يكن في محبة الله إلا أنها تنجي مُحبَّهُ من عذابه, لكان ينبغي للعبد ألا يتعوَّض عنها بشيءٍ أبداً.

وسئل بعض العلماء: أين تجد في القرآن: أن الحبيب لا يعذب حبيبه؟ فقال في قوله تعالى: ]وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قُل فلم يُعذبكم بذُنُبكم [ [المائدة:18]

وإذا كانت القلوب مجبولة على حُبِّ من أحسن إليها, وكل إحسان وصل إلى العبد فمن الله عز وجل, كما قال تعالى: ] وما بِكُم من نعمةٍ فمن الله [ [النحل:53] فلا ألأمَ ممَّن شغل قلبه بحب غيره دونه.

ومن أفضل ما سئل الله عز وجل: حبُّه, وحبُّ من يحبُّه, وحبُّ عمل يقرب إلى حبِّه

والله سبحانه تعرف إلى عباده من أسمائه, وصفاته, وأفعاله بما يوجب محبتهم له, فإن القلوب مفطورة على محبة الكمال ومن قام به,والله سبحانه وتعالى له الكمال المطلق من كل وجهٍ, والذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه, وهو سبحانه الجميل الذي لا أجمل منه,...ومن أحق بالجمال ممن كل جمالٍ في الوجود فهو من آثار صنعته, فله جمال الذات, وجمال الأوصاف, وجمال الأفعال, وجمال الأسماء,...لا يستطيع بشر النظر إلى جلاله وجماله في هذه الدار, فإذا رأوه سبحانه في جنات عدن أنستهُم رؤيته ما هم فيه من النعيم, فلا يلتفتون إلى شيءٍ غيره, ولولا حجاب النور على وجهه لأحرقت سُبُحاتُ وجهه تبارك وتعالى ما انتهى إليه بصرُه من خلقه.

ــــ(17)

وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ( أسالك لذة النظر إلى وجهك, والشوق إلى لقائك )

الخوف يبعدك عن معصيته, والرجاء يحركك إلى طاعته, والحبُّ يشوقك إليه شوقاً.

المحبُّ الصادق كلما قرب من محبوبه, زاد شوقاً إليه.

الشوق يحمل المحبَّ على العجلة في رضا محبوبه, والمبادرة إليها على الفور, ولو كان فيها تلفُه. ] وما أعجلك عن قومك يا موسى * قال هم أًولاء على أثري وعجلتُ إليك رب لترضى [ [طه:83-84] قال بعضهم: أراد شوقاً إليك, فستره بلفظ الرضا.

من علامات معرفة العبد بربه:

من علامات المعرفة: الهيبة, فكلما ازدادت معرفة العبد بربه, ازدادت هيبته له, وخشيته إياه, كما قال الله تعالى: ] إنما يخشى الله من عباده العلماء [ [فاطر:28] أي: العلماء به, وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنا أعرفكم بالله, وأشدكم له خشية ) ومن عرف الله, صفا له العيش, وطابت له الحياة, وهابه كلُّ شيءٍ, وذهب عنه خوف المخلوقين, وأنِسَ بالله, واستوحش من الناس, وأورثته المعرفة الحياء من الله, والتعظيم له, والإجلال, والمراقبة, والمحبة, والتوكل عليه, والإنابة إليه, والرضا به, والتسليم لأمره.

 

 

 

 

ــــ(18)

كن من عقوبته العاجلة والآجلة على حذر:

كن من عقوبته العاجلة والآجلة على حذر, واعلم أن العقوبات تختلف, فتارةً تُعجَّل, وتارةً تؤخَّر, وتارةً يجمعُ الله على العاصي بينهما.

وأشد العقوبات العقوبة بسلب الإيمان, ودونها العقوبة بموت القلب, ومحو لذة الذكر, والقراءة, والدعاء, والمناجاة منه, وربما دبَّت عقوبة القلب فيه دبيب الظلمة إلى أن يمتلئ القلب بها, فتعمى البصيرة, وأهون العقوبة ما كان واقعاً بالبدن في الدنيا, وأهون منها ما وقع بالمال.

قال الحسن: ما عصى الله عبد إلا أذله. وقال المعتمر بن سليمان: إن الرجل ليصيب الذنب في السرِّ, فيصبح وعليه مذلَّته.

قال أبو سليمان الدارني: من ترك لله شهوةً من قلبه, فالله أكرمُ أن يُعذِّب بها قلبه.

وكتبت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها إلى معاوية: أما بعد, فإن العامل إذا عمل بمعصية الله, عاد حامده من الناس ذاماً.  

واعلم أن الجزاء من جنس العمل, والقلب المعلق بالحرام كلما همَّ أن يفارقه, ويخرج منه, عاد إليه, ولهذا يكون جزاؤه في البرزخ وفي الآخرة هكذا,...فالكفر والمعاصي, والفسوق كله غموم,وكلما عزم العبد أن يخرج منه, أبت عليه نفسه وشيطانه ومألفُه, فلا يزالُ في غمٍّ ذلك حتى يموت, فإن لم يخرج من غمِّ ذلك في الدنيا, بقي في غمه في البرزخ وفي القيامة, وإن خرج من غمه هاهنا خرج منه هناك.

 

 

ــــ(19)

من ترك لله شيئاً, عوضه الله خيراً منه:

من ترك لله شيئاً, عوضه الله خيراً منه, كما ترك يوسف الصديق عليه السلام, امرأة العزيز لله, واختار السجن على الفاحشة, فعوضه الله أن مكنه في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء,...وتأمل كيف جزاه الله سبحانه على ضيق السجن أن مكنه في الأرض ينزل منها حيث يشاء, وأذلَّ له العزيز, وامرأته, وأقرت المرأة والنسوة ببراءته, وهذه سُنته تعالى في عباده قديماً وحديثاً إلى يوم القيامة.

ولما عقر سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام الخيل التي شغلته عن صلاة العصر حتى غابت الشمس غضباً لله, أعاضه الله عنها الريح يركب هو وعسكره على متنها حيث أراد.

ولما ترك المهاجرون ديارهم لله, وأوطانهم التي هي أحبُّ شيءٍ إليهم أعاضهم الله أن فتح عليهم الدنيا, وملكهم شرق الأرض وغربها.

ولو اتقى الله السارقُ, وترك سرقة المال المعصوم لله, لآتاه الله مثله حلالاً, قال تعالى: ] ومن يتق الله يجعل له مخرجاً * ويرزقه من حيث لا يحتسب [ [الطلاق:2-3] فأخبر سبحانه وتعالى أنه إذا اتقاه بترك ما لا يحل له, رزقه من حيث لا يحتسب, وكذلك الزاني لو ترك ركوب ذلك الفرج حراماً لله, لأثابه الله بركوبه, و ركوب ما هو خير منه حلالاً.

 

 

 

 

ــــ(20)

ذم الهوى وما في مخالفته من نيل المنى:

الهوى: ميل الطبع إلى ما يلائمه, وهذا الميل خلق في الإنسان لضرورة بقائه, فإنه لولا ميله إلى المطعم والمشرب والمنكح ما أكل ولا شرب ولا نكح,...فلا ينبغي ذم الهوى مطلقاً, ولا مدحه مطلقاً,...وإنما يُذمُّ المفرط...وهو ما زاد على جلب المصالح, ودفع المضار.

ولما كان الغالب ممن يطيع هواه..أنه لا يقف فيه على حد المنتفع به, أُطلق ذم الهوى, لعموم غلبة الضرر,..فلذلك لم يذكر الله الهوى في كتابه إلا ذمه, وكذلك في السنة لم يجئ إلا مذموماً, إلا ما جاء منه مقيداً كقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به)

وقد قيل: الهوى كمين لا يُؤمن, قال الشعبي: وسُمى هوى لأنه يهوى بصاحبه, ومطلقه يدعو إلى اللذة الحاضرة من غير فكر في العاقبة, ويحثُّ على نيل الشهوات عاجلاً, وإن كانت سبباً لأعظم الآلام عاجلاً وآجلاً, فللدنيا عاقبة مثل عاقبة الآخرة, والهوى يعمى صاحبه عن ملاحظتها.

وليعلم اللبيب أن مدمني الشهوات يصيرون إلى حالة لا يلتذون بها, وهم مع ذلك لا يستطيعون تركها, لأنها قد صارت عندهم بمنزلة العيش الذي لا بد منه, ولهذا ترى مدمن الخمر والجماع لا يلتذ به عشر معشار التذاذ من يفعله نادراً, غير أن العادة مقتضية ذلك,...ولو زال عنه رين الهوى لعلم أنه قد شقي من حيث قدَّر السعادة, واغتمَّ من حيث ظنَّ الفرح, وألم من حيث أراد اللذة, فهو كالطائر المخدوع بحبة الفخ, لا هو يأكل الحبة, ولا هو يخلص مما وقع فيه.

فإن قيل: فكيف يتخلص من هذا من وقع فيه.

ــــ(21)

قيل: يمكنه التخلُّص بعون الله وتوفيقه له بأمور:

أحدها: بعزيمة حرٍّ يغار لنفسه وعليها.

الثاني: جرعة صبر تصبر نفسه على مرارتها تلك الساعة.

الثالث: قوة نفس تشجعه على شرب تلك الجرعة.

الرابع: ملاحظته حسن موقع العاقبه, والشفاء بتك الجرعة.

الخامس: ملاحظته الألم الزائد على لذة طاعة هواه.

السادس: إبقاؤه على منزلته عند الله تعالى, وفي قلوب عباده, وهو خير وأنفع له من لذة مواقعة الهوى.

السابع: إيثاره لذة العفة, وعزتها, وحلاوتها على لذة المعصية.

الثامن: فرحه بغلبة عدوه, وقهره له, ورده خاسئاً بغيظه, وغمه, وهمه, حيث لم ينل منه أمنيته, والله تعالى يحبُّ من عبده أن يراغم عدوه, ويغيظه.

التاسع: التفكر في أنه لم يخلق للهوى, وإنَّما هُيئ لأمرٍ عظيم لا يناله إلا بمعصيته للهوى  

العاشر: أن يسير بفكره في عواقب الهوى, فيتأمل كم أفاتت طاعته من فضيلة, وكم أوقعت من رذيلة.

الحادي عشر: أن يوازن بين سلامة الدين, والعرض, والمال, والجاه, ونيل اللذة المطلوبة, فإنه لا يجد بينهما نسبة ألبتة.

الثاني عشر: أن يعلم أن الشيطان ليس له مدخل على ابن آدم إلا من باب هواه, فإنه يطيف عليه, من أين يدخل عليه, حتى يفسد عليه قلبه وأعماله.

الثالث عشر أن الله سبحانه وتعالى شبه اتباع الهوى بأخسِّ الحيوانات صورة ومعنى

ــــ(22)

الرابع عشر: أن متبع الهوى ليس أهلاً أن يطاع, ولا يكون إماماً, ولا متبوعاً.

الخامس عشر: أن اتباع الهوى من المهلكات, قال صلى الله عليه وسلم: ( ثلاث منجيات, وثلاث مهلكات,...وأما المهلكات: فهوى متبع....الحديث)

السادس عشر: أن مخالفة الهوى تورث العبد قوة في بدنه, وقلبه, ولسانه.

السابع عشر: أن أغزر الناس مروءةً أشدُّهم مخالفةً لهواه.

الثامن عشر: أن الله سبحانه وتعالى جعل الخطأ, واتباع الهوى قرينين, وجعل الصواب, ومخالفة الهوى قرينين.

التاسع عشر: أن الهوى داء, ودواؤه مخالفته.

العشرون: أن جهاد الهوى إن لم يكن أعظم من جهاد الكفار فليس بدونه.

الحادى والعشرون: أن اتباع الهوى يغلق عن العبد أبواب التوفيق, ويفتح له أبواب الخذلان, فتراه يلهج بأن الله لو وفق لكان كذا وكذا, وقد سدَّ على نفسه طُرق التوفيق باتباع هواه.

الثاني والعشرون: أن من نصر هواه فسد عليه رأيه وعقله, لأنه قد خان الله في عقله فأفسده عليه.

الثالث والعشرون: أن اتباع الهوى يحلُّ العزائم, ويوهنها, ومخالفته تشدُّها وتقويها.

الرابع والعشرون: أم مخالفة الهوى مطردة للداء عن القلب والبدن, ومتابعته مجلبة لداء القلب والبدن, فأمراض القلوب كلها من متابعة الهوى.

الخامس والعشرون: أن أصل العداوة والشَّرَّ والحسد الواقع بين الناس من اتباع الهوى, فمن خالف هواه, أراح قلبه, وبدنه, وجوارحه, فاستراح, وأراح.

 

ــــ(23)

السادس والعشرون: أن لكل عبد بداية ونهاية, فمن كانت بدايته اتباع الهوى, كانت نهايته الذُّل والصغار, والحرمان, والبلاء المتنوع بحسب ما اتبع من هواه,...وقد جعل الله سبحانه وتعالى الجنة نهاية من خالف هواه, والنار نهاية من اتبع هواه.

السابع والعشرون: أن مخالفته توجب شرف الدنيا, وشرف الآخرة, وعزَّ الظاهر, وعزَّ الباطن, ومتابعته تضع العبد في الدنيا والآخرة, وتذله في الظاهر والباطن.

الثامن والعشرون: أنك إذا تأملت السبعة الذين يظلهم الله عز وجل في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله, وجدتهم إنما نالوا ذلك الظلَّ بمخالفة الهوى.

الهموم لا تزول بالسكر ولكنها تتوارى ثم تعود أعظم مما كانت:

السُّكر...صاحبها يحصل له لذة وسرور بها, يحمله على تناولها, لأنها تغيب عنه عقله, فتغيب عنه الهموم والغموم والأحزان تلك الساعة, ولكن يغلطُ في ذلك, فإنها لا تزولُ, ولكن تتوارى, فإذا صحا عادت أعظم ما كانت, فيدعوه عودُها إلى العود, كما قال الشاعر:

وكأسٍ شربتُ على  لذةٍ         وأُخرى تداويتُ منها بها

واللذة الحاصلة بذكر الله والصلاة عاجلاً وآجلاً أعظمُ, وأبقى, وأدفع للهموم والغموم والأحزان.

وتلك اللذة أجلبُ شيءٍ للهموم والغموم عاجلاً وآجلاً, ففي لذة ذكر الله, والإقبال عليه, والصلاة بالقلب والبدن من المنفعة الشريفة العظيمة, السالمة عن المفاسد الدافعة للمضار غنىّ وعِوض للإنسان – الذي هو إنسان – عن تلك اللذة الناقصة القاصرة المانعة لما هو أكمل منها, الجالبة لألم أعظم منها.

ــــ(24)

فوائد متفرقة:

* من أحبك لأمرٍ ولىَّ عند انقضائه...وإن كان صفةً لازمةً له فمحبتُه باقية ببقاء داعيها ما لم يُعارضه معارض يُوجب زوالها, وهو إما تغيُّرُ حالٍ في المحبِّ, أو أذى من المحبوب, فإن الأذى إما أن يُضعف المحبَّة, أو يزيلها.

* الألمُ, والحزنُ والهمُّ, والغمُّ ينشأ من عدم العلم بالمحبوب النافع, أو عدم إرادته وإيثاره مع العلم به, أو من عدم إدراكه والظفر به مع محبته, وإرادته, وهذا من أعظم الألم.

*كل لذةٍ أعقبت ألماً أو منعت لذةً أكمل منها فليست بلذةٍ في الحقيقة, وإن غالطت النفس في الالتذاذ بها فأيُّ لذة لآكل طعامٍ شهيٍّ مسموم يُقطِّع أمعاءه عن قرب

* قال بعض السلف:ما من عبدٍ إلا وله عينان في وجهه يُبصر بهما أمر الدنيا وعينان في قلبه يبصر بهما أمر الآخرة, فإذا أراد الله بعبدٍ خيراً, فتح عينيه اللتين في قلبه, فأبصر بهما من اللذة والنعيم ما لا خطر له, مما وعد به من لا أصدق منه حديثاً, وإذا أراد به غير ذلك, تركه على ما هو عليه, ثم قرأ: ] أم على قلوبٍ أقفالها [

* عدو الله..يسعى في التفريق بين المتحابين في الله, المحبة التي يُحبُّها الله, ويؤلف بين الاثنين في المحبة التي يُبغضها الله ويسخطها, وأكثر العُشاق من جنده وعسكره, ويرتقى بهم الحال حتى يصير هو من جندهم وعسكرهم, يقودهم لهم, ويزيِّن لهم الفواحش, ويؤلف بينهم عليها.

* تجد الكسالى أكثر الناس همّاً, وغمّاً, وحزناً, ليس لهم فرح, ولا سرور, بخلاف أرباب النشاط, والجدِّ في العمل أيِّ عمل, فإن كان النشاط في عمل هم عالمون بحسن عواقبه, وحلاوة غايته, كان التذاذُهم بحبِّه, ونشاطهم فيه أقوى.

ــــ(25)

* غيرةُ العبد على محبوبه نوعان: غيرة ممدوحة, يحبُّها الله, وغيرة مذمومة, يكرهها الله, فالتي يحبُّها الله: أن يغار عند قيام الريبة, والتي يكرهها: أن يغار من غير ريبة, بل مجرد سوء الظن, وهذه الغيرة تُفسدُ المحبة, وتوقع العداوة بين المحبِّ ومحبوبه,..ومنها: غيرة تحمله على عقوبة المحب بأكثر مما يستحقه.

* ترك المحبين أدنى المحبوبين رغبة في أعلاهما هذا باب لا يدخل فيه إلا النفوس الفاضلة الشريفة الأبية, التي لا تقنع بالدون, ولا تبيع الأعلى بالأدنى بيع العاجز المغبون, ولا يملكها لطخ جمال مُغشًّى على أنواع من القبائح,...ومِلاك الأمر كله: الرغبة في الله وإرادة وجهه والتقرب إليه بأنواع الوسائل والشوق إلى الوصول إليه ولقائه, فإن لم يكن للعبد همَّة إلى ذلك, فالرغبة في الجنة ونعيمها, وما أعدَّ الله فيها لأوليائه فإن لم تكن همة عالية تطالبه بذلك فخشية النار وما أعدَّ الله فيها لمن عصاه.

* مخالفة الهوى لم يجعل الله للجنة طريقاً غير مخالفته, ولم يجعل للنار طريقاً غير متابعته, قال تعالى: ] فأما من طغى * وأثر الحياة الدنيا * فإن الجحيم هي المأوى * وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى * فإن الجنة هي المأوى [ [النازعات:37-41] وقال تعالى: ] ولمن خاف مقام ربه جنتان [ [الرحمن:46] قيل: هو العبد يهوى المعصية, فيذكر مقام الله عليه في الدنيا, ومقامه بين يديه في الآخرة, فيتركها لله.

* قد جرت سنة الله تعالى في خلقه: ن من آثر الألم العاجل على الوصال الحرام, أعقبه الله ذلك في الدنيا المسرة التامة, وإن هلك فالفوز العظيم, والله تعالى لا يضيع ما يتحمل عبدها من لأجله.

* حُبَّك الشيء يُعمى ويُصمُّ, فلا يرى المحبُّ أحداً أحسن من محبوبه.

ــــ(26)

* عفاف المُحبِّين مع أحبابهم...هذه الطائفة لعفتهم أسباب, أقواها: إجلال الجبار, ثُمَّ الرغبة في الحور الحسان في دار القرار.

* الاكتئاب: فهو افتعال من الكآبة, وهي سوء الحال, والانكسار من الحزن,...والكآبة تتولد من حصول الحبِّ وفوات المحبوب, فتحدث بينهما حالة سيئة تسمى الكآبة.

* الهمُّ والحزن قرينان, فإن ورود المكروه على القلب إن كان لما مضى فهو الحزن, وإن كان لما يستقبل فهم الهمُّ.

* نفي الله سبحانه عن أهل الجنة الخوف والحزن, فلا يحزنون على ما مضى, ولا يخافون مما يأتي, ولا يطيبُ العيش إلا بذلك, والحبَّ يلزمه الخوف الحزن.

* الودُّ: فهو خالص الحبّ وألطفه وأرقه.

* الودود من صفات الله سبحانه وتعالى, أصله من المودَّة, واختلف فيه على قولين:

فقيل: هو ودود بمعنى وادٍّ...وقيل: بل هو بمعنى مودود وهو الحبيب, وبذلك فسره البخاري في صحيحه, فقال: الودود: الحبيبُ.

والأول أظهرُ, لاقترانه بالغفور في قوله: } وهو الغفور الودود [ [البروج:14] وبالرحيم في قوله: } إني ربي رحيم ودود [ [هود:90] وفيه سر لطيف, وهو: أنه يحبُّ عبده بعد المغفرة, فيغفر له ويحبُّه, كما قال: } إن الله يحبُّ التوابين [ [البقرة:2222] فالتائب حبيب الله, فالود: أصفى الحبِّ وألطفُه.

* التناسب الذي بين الأرواح من أقوى أسباب المحبة.

* يجتمع في القلب بغضُ أذى الحبيب وكراهته, ومحبُّته من وجه آخر, فيحبُّه ويُبغض أذاه, وهذا هو الواقع, والغالب منهما يوازي المغلوب ويبقى الحكم له.

ــــ(27)

* ذُكر لبقراط رجل من أهل النقص يحبُّه, فاغتمَّ لذلك, وقال: ما أحبني إلا وقد وافقته في بعض أخلاقه, وأخذ المتنبي هذا المعنى فقلبه, وأجاد فقال:

وإذا أتتك مذمتي من ناقصٍ      فهي الشهادة لي بأني فاضلُ

* داعي الحبِّ من المحبوب جماله, إما الظاهر أو الباطن, أو هما معاً, فمتى كان جميل الصورة, جميل الأخلاق والشِّيم والأوصاف, كان الداعي منه أقوى.

* سكرُ العشق أعظمُ من سكر الخمر, فإن سكران الخمر يُفيقُ منه, وسكران العشق قلَّما يفيق إلا في وهو في عسكر الأموات.

* من سرَّح ناظره أتعب خاطره, ومن كثرت لحظاته دامت حسراته, وضاعت عليه أوقاته.

* من الغيرة: الغيرة على دقيق العلم, وما لا يدركه فهم السامع أن يُذكر له, ولهذا الغيرة قال على بن أبي طالب: حدِّثوا الناس بما يعرفون, أتحبون أن يُكذب الله ورسوله ؟ وقال ابن مسعود: ما أنت بمحدثٍ قوماً حديثاً لا تبلغهُ عقولهم إلا كان لبعضهم فتنةً. فالعالم يغار على علمه أن يبذله لغير أهله, أو يضعه في غير محله.
===================


ــــ(28)
فهرس الموضوعات
الموضوع
الصفحة
المقدمة
3
فضيلة العقل
4
النفوس الشريفية الزكية العلوية تعشق صفات الكمال
5
فوائد غضّ البصر
6
أقسام اللذات
8
اللذة الجثمانية
8
اللذة الوهمية الخيالية
8
اللذة العقلية الخيالية
8
الجمال المحبوب لذاته
9
الجمال الظاهر نعمة من الله على عبده إن شكرها بتقواه ازداد جمالاً
10
أقسام النفوس ومحابها
11
الملائكة أولياء لأصحاب النفوس السماوية العلوية
11
الشياطين أولياء لأصحاب النفوس السبعية الغضبية
12
من علامات المحبة التي يستدل بها عليها
13
أُمِرَ النساء بستر وجوههن عن الرجال الأجانب دراً للفتنة بهن
14
مفاسد وأضرار والآم ارتكاب الحرام
15
ــــ(29)
محبة الله جل جلاله
17
من علامات معرفة العبد ربه
18
كن من عقوبته العاجلة والآجلة على حذر
19
من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه
20
ذم الهوى وما في مخالفته من نيل المنى
21
الهموم لا تزول بالسكر ولكنها تتوارى ثم تعود أعظم مما كانت
24
فوائد متفرقة
25
الفهرس
29
ــــ(30) 

=============

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تعَرَّف على الإســلام د. منقذ بن محمود السقار

هدية إلى كل باحث عن الحق من غير المسلمين تعَرَّف على الإســلام د. منقذ بن محمود السقار مقدمة الحمد لله والصلاة والسلام على رسل ا...