تحميلات المصحف بكل صيغه

تحميلات

صفة صلاة النبي{ص}تحقيق الشيخ الألباني

صفة صلاة النبي{ص}تحقيق الشيخ الألباني

https://alnukhbhtattalak.blogspot.com/ صفة صلاة النبي{ص}

السبت، 29 أكتوبر 2022

ج3.وج4. كتاب الأصول في النحو أبي بكر محمد بن سهل بن السراج النحوي البغدادي

 

ج3.ج4.
ج3. كتاب الأصول في النحو أبي بكر محمد بن سهل بن السراج النحوي البغدادي
قولك : أزيدٌ في الدار أم عمروٌ وأنت تريد : أيهما في الدار لأن ( أَمْ ) عديلة الألف ولا تقع ( هَلْ ) موقع الألف مع ( أَمْ ) وقد تدخل ( أَمْ ) على ( هلْ )
قال الشاعر :
( أمْ هَلْ كَبيرٌ بكى ... . . . )
العاشر حتى : تقول ضربتُ القومَ حتىَّ زيداً وقد ذكرتها كيف تكون عاطفة فيما تقدم حين ذكرناها مع حروف الخفض وأفردنا لها باباً واعلم أن قوماً يُدخلون ليس في حروف العطف ويجعلونها كلا وهذا شاذ في كلامهم وقد حكى سيبويه أن قوماً يجعلونها ( كَما ) فيقولون : لَيس الطيبُ إلا المسكَ
واعلم : أن حروف العطف لا يدخل بعضها على بعض فإن وجدت ذلك في كلام فقد أُخرج أحدهما من حروف النسق وذلك مثل قولهم : لم يقم عمروٌ ولا زيدٌ الواو نَسقٌ ( ولا ) توكيد للنفي وكذلك قولك : والله لا فعلتُ ثم والله لا فعلتُ ثم نَسق والواو قَسمٌ وحروف العطف لا يفرق

بنيها وبين المعطوف بشيء مما يعترض بين العامل والمعمول فيه والأشياء التي يعترض بها : الأيمانُ والشكوكُ والشروطُ
وقد يجوز ذلك في ( ثم وأو ولا ) لأنها تنفصل وتقوم بأنفسها وقد يجوز الوقوف عليها فتقول : قامَ زيدٌ ثم والله عمروٌ وثم أظن عمروٌ و ( لا ) التي للعطف يصح أن تلي الماضي لأنه قد غلب عليه الدعاء وقد يجوز أن يكون مع الماضي بمنزلة ( لَم ) وذلك قولك : زيدٌ قامَ لا قعد فيلتبس بالدعاء فإن لم يلتبس جاز عندي وقد جاءت ( لا ) نافية مع الماضي في غير خبر كما جاءت ( لَم ) وذلك قوله تعالى : ( فلا صَدَّقَ ولا صَلَّى ) وتقول : لم يقمْ زيدٌ ولم يقعد ولا يجوز : ولا يقعدُ إلا أن ترفعه وكذلك : لن يقومَ زيدٌ ولا يقعدُ بواوٍ وغير واوٍ


باب العطف على الموضع الأشياء التي يقال أن لها موضعاً غير لفظها على ضربين : أحدهما اسمٌ مفرد مبني والضرب الآخر اسم قد عمل فيه عامل أو جعل مع غيره بمنزلة اسم فيقال : إن الموضع للجميع فإن كان الإسم معرباً مفرداً فلا يجوز أن يكون له موضع لأنا إنما نعترف بالموضع إذا لم يظهر في اللفظ الإِعراب فإذا ظهر الإِعراب فلا مطلوب
الضرب الأول :
وهو الإسم المضمر والمبني وذلك نحو : هذا تقول : إن هذا أخوكَ فموضع ( هذَا ) نصب لأنك لو جعلت موضع هذا اسماً معرباً قلت : إن زيداً أخوكَ فمن أجل هذا جاز أن تقول : إن هذا وزيداً قائمان ولهذا جاز أن تقول : يا زيدُ العاقلَ فتنصب على الموضع وإنما جاز الرفع على اللفظ لأنه مبني يشبه المعرب لاطراده في الرفع وقد بينت هذا في باب النداء وليس في قولك ( هذا ) حركة تشبه الإِعراب فإذا قلت : يا زيد وعمروُ فحكم الثاني حكم الأول لأنه منادى فهو مضموم وقد قالوا على

ذلك : يا زيدُ والحارثُ كما دخلت الألف واللام و ( يا ) لا تدخل عليهما ومن قال : إن موضع الإسم الذي عملت فيه ( إنَّ ) رفعٌ فقد غلط من قبل أن المعرب لا موضع له ومن أجل أنه يلزمه أن يكون لهذا موضعان في قولك : إن هذا وزيداً أخواكَ لأن موضع زيدٍ عنده إذا قال : إن زيداً رفعٌ فيلزمه أن يكون موضُع ( هذا ) نصباً ورفعاً
الضرب الثاني :
ينقسم أربعة أقسام : جملة قد عمل بعضها في بعضٍ أو اسم عمل فيه حرف أو اسمٌ بني مع غيره بناء أو اسم موصول لا يتمُّ إلا بصلته
الأول جملة قد عمل بعضها في بعض : اعلم أن الجمل على ضربين ضربٍ لا موضع له وضرب له موضعٌ
فأما الجملة التي لا موضع لها فكل جملة ابتدأتها فلا موضع لها نحو قولك : مبتدئاً : زيدٌ في الدار وعمروٌ عندكَ فهذه لا موضع لها
الضرب الثاني : الجملة موقع اسم مفرد نحو قولك : زيدٌ أبوهُ قائمٌ فأبوه قائم جملة موضعها رفع لأنك لو جعلت موضعها اسماً مفرداً نحو : منطلق لصلح وكنت تقول : زيدٌ منطلقٌ فتقول على هذا هندٌ منطلقةٌ وأبوها قائمٌ فيكون موضع أبوها ( قائمٌ ) رفعاً لأنك لو وضعت موضع هذه الجملة ( قائمةً ) لكان رفعاً فإن قلت : هندٌ أبوها قائمٌ ومنطلقةٌ جاز والأحسن عندي أن تقدم ( منطلقةً ) لأن الأصل للمفرد والجملة فرع ولا ينبغي أن تقدم الفرع على الأصل إلا في ضرورة شعرهم وكذلك : مررت بامرأةٍ أبوها شريفٌ وكريمةٌ حقه أن يقول : بامرأةٍ كريمةٍ وأبوها شريفٌ لأن الأصل للمفرد وإنَّ وصفه مثله مفرداً وتقديم الجملة في الصفة عندي على المفرد أقبح منه في الخبر إذا قلت : هندٌ أبوها كريمٌ وشريفةٌ لأن أصل الصفة أن تكون مساوية للموصوف تابعة له في لفظها ومعرفتها ونكرتها وليس الخبر من

المبتدأ بهذه المنزلة فإذا قلت : زيدٌ أبوه قائمٌ وكريم لزيدٍ لم يحسنْ لأنه ملبس يصلح أن يكون لزيدٍ وللأبِ والأولى أن يكون معطوفاً على ( قائمٍ ) لما خبرتك فإن لم يلبس صلُحَ وكذلك حق حروف العطف أن تعطف على ما قرب منها أولى
القسم الثاني اسم عمل فيه حرف :
هذا القسم على ضربين :
ضرب يكون العامل فيه حرفاً زائداً للتوكيد سقوطه لا يخل بالكلام بل يكون الإِعراب على حقه والكلام مستعمل
والضرب الآخر أن يكون الحرف العامل غير زائد ومتى أسقط لم يتصل الكلام بعضه ببعض
فالضرب الأول : نحو قولك : لستَ بقائمٍ ولا قاعدٍ الباء زائدة لتأكيد النفي
ولو أسقطتها لم يخل بالكلام واتصل بعضه ببعضٍ فموضع ( بقائمٍ ) نصب لأن الكلام المستعمل قبل دخولها ( لستَ قائماً ) فهذا لك أن تعطف على موضعه فتقول لستَ بقائمٍ ولا قاعداً ومن ذلك : هل من رجلٍ عندك وما من أحد في الدار فهذا لك أن تعطف على الموضع لأن موضع ( من رجلٍ ) رفعٌ وكذلك : خَشَّنتُ بصدره وصدر زيدٍ ولو اسقطت الباء كان جيداً فقلت خَشنت صدره وصدرُ زيدٍ وكذلك : كفى

بالله إنما هو : كفى الله فعلى ذا تقول : كفى بزيدٍ وعمروٍ ومن ذلكَ : إن زيداً في الدار وعمراً ولو أسقطت ( إنّ ) لكان : زيدٌ في الدار وعمروٌ فإن مع ما عملت فيه في موضع رفعٍ وينبغي أن تعلم أنه ليس لك أن تعطف على الموضع الذي فيه حرف عامل إلا بعد تمام الكلام من قبل أن العطف نظير التثنية والجمع ألا ترى أن معنى قولك : قامَ الزيدانِ إنما هو : قامَ زيدٌ وزيدٌ فلما كان العاملان مشتركين في الإسم ثُنيا ولو اختلفا لم يصلح فيهما إلا الواو فكنت تقول : قامَ زيدٌ وعمروٌ فالواو نظير التثنية وإنما تدخل إذا لم تكن التثنية فلما لم يكن يجوز أن يجتمع في التثنية الرفع والنصب ولا الرفع والخفض ولا أن يعمل في المثنى عاملان كذلك لم يجز في المعطوف والمعطوف عليه
فإذا تم الكلام عطفت على العامل الأول وكنت مقدراً إعادته وإن كنت لا تقيده في اللفظ لأنك مستغنٍ عنه ألا ترى أنه لا يجوز أن تقول : إن زيداً وعمروٌ منطلقان لما خبرتك به ولأن قولك ( منطلقانِ ) يصير خبراً لمرفوع ومنصوب وهذا مستحيل فإذا قلت : ( إن زيداً منطلق وعمروٌ ) صَلُح لأن الكلام قد تم ورفعت لأن الموضع للإبتداء وإن زائدةٌ فعطفت على موضع ( إنّ ) وأعملت الإبتداء وأضمرت الخبر وحذفته اجتراءً بأن الأول يدل عليه فإن أختلف الخبران لم يكن بدٌ من ذكره ولم يجز حذفهُ نحو قولك : إن زيداً ذاهبٌ وعمروٌ جالسٌ لأن ( ذاهباً ) لا يدل على ( جالس ) فإذا تم الكلام فلك العطف على اللفظ والموضع جميعاً وإذا لم يتم لم يجز إلا اللفظ فقط وكذلك لو قلت : ( هَلْ من رجلٍ وحمارٍ موجودان ) فإن قلت : وحمارٌ جاز كما تقول : إن عمراً وزيداً منطلقان وكذلك إذا قلت : خشنت بصدره وصدر زيدٍ عطفت على ( خشنت ) ولم يعرج على الباء وجاز لأن الكلام قد تم فكأنك قد أعدت : خشنت

ثانية فالفرق بين العطف على الموضع والعطف على اللفظ أن المعطوف على اللفظ كالشيء يعمل فيهما عامل واحد لأنهما كاسم واحد والمعطوف على المعنى يعمل فيها عاملان والتقدير تكرير العامل في الثاني إذا لم يظهر عمله في الأول وتصير كأنها جملة معطوفة على جملة وكل جملتين يحذف من أحدهما شيء ويقتصر بدلالة الجملة الأخرى على ما حذف فهي كالجملة الواحدة ونظير هذا قولهم : ضربتُ وضربني زيدٌ اكتفوا بذكر زيد عن أن يذكروا أولاً إلا أن هذا حذف منه المعمول فيه وكان الثاني دليلاً على الأول وذاك حذف العامل منه إلا أن حذف العامل إذا دل عليه الأول أحسن مع العطف لأن الواو تقوم مقام العامل في كل الكلام
الضرب الآخر : أن يكون الحرف العامل غير زائد وذلك نحو قولك : مررتُ بزيدٍ وذهبتُ إلى عمروٍ ومُرَّ بزيدٍ وذهب إلى عمرو فتقول : إن موضع ( بزيدٍ ) في : ( مررتُ بزيدٍ ) منصوب وموضع إلى عمرو في ذهبت إلى عمرو نصب وموضع بزيد في مر بزيدٍ رفع وإنما كان ذلك لأنك لو جعلت موضع : ( مررتُ ) ما يقارب معناه من الأفعال المتعدية لكان زيد منصوباً نحو : أتيتُ زيداً ولو أسقطت الباء في قولك : مررت بزيدٍ لم يجز لأن الأفعال التي هي غير متعدية في الأصل لا تتعدى إلا بحرف جر وقد بينت فيما تقدم صفة الأفعال المتعدية والأفعال التي لا تتعدى فتقول على هذا إذا عطفت على الموضع : مررتُ بزيدٍ وعمراً وذهبتُ إلى بكرٍ وخالداً ومُرَّ بزيدٍ وعمروٍ كأنك قلت : وأتى عمروٌ وأتيتُ عمراً ودل ( مررتُ ) على ( أتيتُ ) فاستغنيت بها وحذفت قال الشاعر :
( جِئْنِي بِمِثْلِ بَنِي بَدْرٍ لِقَوْمِهم ... أو مِثْلَ أسرةِ مَنظورِ بن سيارِ )

كأنه قال : أو هاتِ مثل أسرة منظور لأنّ جئني بمثل بني بدرٍ يدل على : هاتِ أو أعطني وما أشبه هذا
القسم الثاني اسم بني مع غيره :
وذلك نحو : خمسةَ عشرَ وتسعةَ عشرَ فحكم هذا حكم المبني المفرد تقول : إن خمسةَ عشرَ درهماً ويكفيك خمسةَ دنانيرٍ وخمسةُ دنانير النصب على ( إنَّ ) والرفع على موضع ( إنَّ ) وقولك : لا رجل في الدار بمنزلةِ : خمسة عشر في البناء إلا أن ( رجل ) مبني يضارع المعرفة فجاز لك أن تقول : لا رجلَ وغلاماً لكَ فتعطف عليه لأن ( لا ) تعمل في النكرة عمل ( إنّ ) فبنيت مع ( لا ) على الفتح الذي عملته ( لا ) ومنعت التنوين ليدل منع التنوين على البناء لأنه اسم نكرة منصوبٌ متمكنُ ودل على ذلك قولهم : لا ماءَ ماءَ بارداً لك ألا تراهم بنوا ماء مع ماءٍ فعلمت بذلك أن هذا الفتح قد ضارعوا به المبني وأشبه خمسة عشر وكان هو الدليل على أن ( لا ) مبنية مع النكرة المفردة إذا قلت : لا ماءَ لك وقد بينت هذا في باب النفي فلهذا جاز أن تقول لا رجل وغلاماً لك على اللفظ ولا رجل وغلامٌ لك على موضع ( لا ) ويدل على بناء رجل في قولك : لا رجلَ أنه لا يجوز أن تقول : لا رجلَ وغلامُ لكَ فلو لم يعدلوا فتحة النصب إلى فتحة البناء لما جاز لأنّ الواو تدخل الثاني فيما دخل فيه الأول ولو وجدنا في كلامهم اسماً نكرة

متمكناً ينصب بغير تنوين لقلنا أنه منصوب غير مبني فكما تقول أن المنادى المفرد بني على الضم كالمعرب المرفوع تقول في هذا أنه معرب كالمبني المفتوح ولهذا لا يجوز أن ينعت الرجل على الموضع فيرفع لأن موضع ( رجلٍ ) نصبٌ لأن لو كان موضعه مضافاً ما كان إلا نصباً فلهذا قلنا أنه بني على التقدير الذي كان له وموضع ( لا ) مع رجلٍ رفعٌ موضعُ ابتداءٍ كما كانت إن مع ما عملت فيه إلا أن النحويين أجازوا : لا رجلَ ظريفٌ وقالوا : رفعناه على موضع : لا رجل وإنما جاز هذا مع ( لا ) ولم يجز مع ( أن ) لأن ( لا ) مع رجلٍ بمنزلة اسم واحد وليست ( إنَّ ) مع ما عملت فيه بمنزلة شيء واحد لو قلت : إن زيداً العاقلُ منطلقٌ لم يجز وقد ذكرت هذا في باب إنّ ويدلك أيضاً على أن ( لا ) مع ما عملت فيه بمنزلة اسم واحد أنه لا يجوز لك أن تفصل بين ( لا ) والإسم ومتى فعلت ذلك لم يكن إلا الرفع وذلك قولك : لا لك مالٌ ولا تقول : لا لكَ مالَ لأن ( لكَ ) قد منع البناء وقد حكي عن بعضهم : لا رجلَ وغلامَ لك فحذف التنوين من الثاني وشبهه بالعطف على النداء وهذا شاذٌ لا يعرج عليه وإنما حكمنا على ( لا ) أنها نصبت في قولك : لا رجلَ لقولهم : لا رجلَ وغلاماً لكَ وأنه يجوز أن تقول لا رجل وغلاماً منطلقان فلو لم تكن ( لا ) نصبت لم يجز أن تعطف على رجل منصوباً فهذا الفرق بين ( لا ) رجلَ وخمسة عشَر
وقد عرفتك من أين تشابها ومن أين افترقا وأما عطف المفرد على المفرد في النداء فلا يجوز أن تعطفه على الموضع لو قلت : يا زيدُ وعمراً لم يجز من قبل أن زيداً إنما بني لأنه منادى مخاطب باسمه
والصلة التي أوجبت البناء في زيدٍ هي التي أوجبت البناء في عمروٍ وهُما في ذلك سواءٌ ألا ترى أنهم يقولون : يا عبد الله وزيدٌ فيضمون الثاني والأول منصوب لهذه العلة ولولا ذلك لما جاز وليس مثل هذا في سائر ما يعطف عليه

القسم الرابع وهو ما عطف على شيء موصول لا يتم إلا بصلته :
وذلك قولك : ضربت الذي في الدارِ وزيداً عطفت على الذي مع صلتها ولو عطفت على الذي مفرداً لم يجز ولم يكن اسماً معلوماً وكذلك ( مَن ) إذا كانت بمعنى الذي تقول ضربتُ مَن في الدار وزيداً ومثل ذلك ( مَا ) إذا كانت بمعنى ( الذي ) تقول : أخرجتُ ما في الدار وزيداً فالذي ومَنْ وما مبهماتْ لا تتم في الإِخبار إلا بصلات وما يوصل فيكون كالشيء الواحد ( أن ) مع صلتها تكون كالمصدر نحو قولك : يعجبني أن تقوم فموضع أن تقوم رفع لأن المعنى : يعجبني قيامُك وكذلك إن قلت : كرهتُ أن تقومَ فموضع أن تقوم نصب وعجبت مِنْ أن تقومَ خَفضٌ فتقولُ على هذا : عجبتُ من أن يقومَ زيدٌ وقعودِكَ تريد : من قيامِ زيدٍ وقعودِك


باب العطف على عاملين اعلم : أن العطف على عاملين لا يجوز من قبل أن حرف العطف إنما وضع لينوب عن العامل ويغني عن إعادته فإن قلت : قامَ زيدٌ وعمروٌ فالواو أغنت عن إعادة ( قام ) فقد صارت ترفع كما يرفع قامَ وكذلك إذا عطفت بها على منصوب نحو قولك : إن زيداً منطلقٌ وعمراً فالواو نصبت كما نصبت ( إنَّ ) وكذلك في الخفض إذا قلت : مررت بزيدٍ وعمروٍ فالواو جرت كما جرت الباء فلو عطفت على عاملين أحدهما يرفع والآخر ينصب لكنت قد أحلت لأنها كان تكون رافعةً ناصبة في حال قد أجمعوا على أنه لا يجوز أن تقول : مَرَّ زيدٌ بعمروٍ وبكرٌ خالدٍ فتعطف على الفعل والباء ولو جاز العطف على عاملين لجاز هذا واختلفوا إذا جعلوا المخفوض يلي الواو فأجاز الأخفش ومن ذهب مذهبه : مَرَّ زيدٌ بعمروٍ وخالدٌ بكرٍ واحتجوا بأشياء منها قول الشاعر :
( هَوِّنْ عَلَيْكَ فإنَّ الأُمورَ ... بِكَفِّ الإِلهِ مَقَادِيرُهَا )
( فَلَيْسَ بآتِيكَ مَنْهِيُّهَا ... ولاَ قَاصِرٍ عَنْكَ مأمورُهَا )

وقال النابغة :
( فَلَيْسَ بِمَعْرُوفٍ لَنَا أنْ نَرُدَّها ... صِحَاحاً ولا مستنكراً أن تُعقَّرا )
وما يحتجون به :
ما كلُ سوداءَ تمرةً ولا بيضاءَ شحمةً فعطف على كُلِ وما ومن ذلك :
( أَكُلَّ امرِيءٍ تَحْسَبِينَ امرأاً ... ونَارٍ تَوَقَّدُ بالليلِ نَارَا )

ومذهب سيبويه في جميع هذه أن لا يعطف على عاملين ويذكر أن في جميعها تأويلاً يرده إلى عمل واحد ونحن نذكر ما قاله سيبويه في باب ( ما ) تقول : ما أبو زينب ذاهباً ولا مقيمةٌ أُمها ترفع لأنك لو قلت : ما أبو زينبَ مقيمةً أمها لم يجز لأنها ليست من سببه ومثل ذلك قول : الأعور الشني هَوّنْ عليكَ فأنشد البيتين ورفَع ولا قاصر عنك مأمورها وقال : لأنه جعل المأمور من سبب الأمور ولم يجعله من سبب المذكر وهو المنهي ومعنى كلامه أنه لو كان موضع ليس ( ما ) لكان الخبر إذا تقدم في ( ما ) على الإسم لم يجز إلا الرفع لا يجوز أن تقول : ما زيدٌ منطلقاً ولا خارجاً معنٌ فإن جعلت في ( خارجٍ معن ) شيئاً من سبب زيدٍ جاز النصب وكان عطفاً على الخبر لأنه يصير خبراً لزيدٍ لأنه معلق بسبب له فكذلك لو قلت : فما يأتيكَ منهيها ولا قاصرٌ عنك مأمورها غير قولك منهيها ثم قال : وجَرهُ قومٌ فجعلوا المأمور للمنهي والمنهي هو الأمور لأنه من الأمور وهو بعضُها فأجراه وأنثه كما قال جرير
( إذا بَعْضُ السِّنينِ تَعرَّقتْنا ... كَفَى الأيتامَ فَقْدَ أَبى اليتيمِ )

فصار تأويل الخبر ليس : بآتيك الأمور ولا قاصرٌ بعضها فجعل : بعض الأمور أموراً وكذلك احتج لقول النابغة في الجر فقال : يجوز أن تجر وتحمله على الرد لأنه من الخيل يعني في قوله : أن تردَها لأن ( أن تردهَا ) في موضع ردَها كما قال ذو الرمة :
( مَشَيْنَ كَمَا اهتزَّتْ رِمَاحٌ تَسَفَّهْتْ ... أَعَاليها مَرَّ الرِّياحِ النَّواسِمِ )
كأنه قال : تسفهتها الرياح فهذا بناء الكلام على الخيل وذلك ردَّ إلى الأمور وقال : كأنه قال : ليس بآتيكَ منهيها وليست بمعروفة ردها حين كان من الخيلِ والخيلُ مؤنثةٌ فأنثَ وهذا مثل قوله : ( بَلى مَن أسلمَ وجهه لله وهوَ مُحسنٌ فَلُه أجرهُ عند رَبهِ ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون ) أجرى الأول على لفظ الواحد والآخر على المعنى هذا مثله في أنه تكلم به مذكراً ثم أنث كما جمع وهو في قوله : ليس بآتيتكَ منهيها كأنه قال : ليس بآتيتكَ الأمور وفي ليس بمعروف ردَها وكأنه قال : ليست بمعروفةٍ خيلنا صحاصاً قال : وإن شئت نصبت فقلت : ولا مستنكراً ولا قاصراً

قال أبو العباس : قال الأخفش : وليس هذان البيتان على ما زعم سيبويه يعني في الجر لأنه يجوز عند العطف وأن يكون الثاني من سبب الأول وأنكر ذلك سيبويه لأنه عطف على عاملين على السين والباء فزعم أبو الحسن : أنها غلط منهُ وأن العطف على عاملين جائز نحو قول الله عز و جل في قراءة بعض الناس ( وفي خلقِكم وما بث من دابةٍ آياتٍ ) فجر الآيات وهي في موضع نصب ومثل قوله ( لعَلى هدىً أو في ضلالٍ مبينٍ ) عطف على خبر ( إنّ ) وعلى ( الكل )
قال أبو العباس : وغلطَ أبو الحسن في الآيتين جميعاً ولكن قوله : ( واختلاف الليل والنهار وما أنزل اللّهُ من السماء من رزقٍ فأحيا به الأرضَ بعدَ موتهِا وتصريف الرياح آياتٍ لقومٍ يعقلون ) وابتدأ الكلام : ( إن في السمواتِ والأرضِ لآياتٍ للمؤمنين ) ( وفي خلقكم وما يبثُّ من دابةٍ آياتٍ لقوم يوقنون واختلاف الليلِ والنهارِ وما أنزلَ اللّهُ من السماء من رزقٍ فأحيا بهِ الأرضَ بعد موتِها وتصريفِ الرياحِ آياتٍ )
بعد هذه الآية وإن جرَّ آيات فقد عطف على عاملين وهي قراءة عطف على ( إن ) و ( في ) قال وهذا عندنا غير جائز لأن الذي تأوله سيبويه بعيدٌ وقال : لأن الرد غير الخيل والعقرُ راجع إلى الخيل فليس بمتصل بشيء من الخيل ولا داخل في المعنى
وقال : أما قوله : فليس بآتيكَ منهيها ولا قاصرٌ عنكَ مأمورها فهو أقرب قليلاً وليس

منه لأن المأمورَ بعضها والمنهي بعضها وقربه أنهما قد أحاطا بالأمور وقال : وليس يجوزُ الخفض عندنا إلا على العطف على عاملين فيمن أجازه
وأما قولُهم : ما كلُّ سوداءَ تمرةٌ ولا بيضاءَ شحمة فقال سيبويه : كأنكَ أظهرت كُلَّ مضمرٍ فقلت : ولا كُلَّ بيضاء فمذهب سيبويه أنَّ ( كُلَّ ) مضمرة هنا محذوفة وكذلك :
أُكَلَّ امْرِىءٍ تَحْسَبِينَ أمرأاً ... ونَارٍ تَوقَّدُ بالليلِ نَارا )
يذهب إلى أنه حذف ( كُلُّ ) بعد أن لفظ بها ثانية وقال : استغنيت عن تثنيةِ ( كلِّ ) لذكرك إياه في أول الكلام ولقلة التباسه على المخاطب قال : وجاز كما جازَ في قوله : ما مثلُ عبد اللَّهِ يقول ذاكَ ولا أخيهِ وإن شئت قلت : ولا مثلَ أخيهِ فكما جاز في جمع الخبر كذلك يجوز في تفريقه وتفريقُه أن تقول : ما مثلُ عبد الله يقولُ ذاك ولا أخيه يكرهُ ذاكَ قال : ومثلُ ذلك : ما مثلُ أخيكَ ولا أبيكَ يقولانِ ذلكَ فلما جاز في هذا جاز في ذاك
وأبو العباس رحمه الله لا يجيزُ : ما مثلُ عبد الله يقولُ ذاكَ ولا أخيهِ يكرهُ ذاكَ والذي بدأ به سيبويه الرفعُ في قولكَ : ما كُلُّ سوداءَ تمرةٌ ولا بيضاءَ شحمةٌ والنصب في ( وناراً ) هو الوجه وهذه الحروف شواذْ فأما من ظنَّ أن من جَر آياتٍ في الآية فقد عطف على عاملين فغلطٌ منهُ وإنما نظير ذلك قولك : إنَّ في الدار علامةً للمسلمين والبيتِ عَلاّمةً للمؤمنينِ فإعادة علامة تأكيد وإنما حسنت الإِعادة للتأكيد لما طال الكلام كما تعاد ( إن ) إذا طال الكلام وقد ذكرنا هذا في باب إنَّ وأنَّ ولولا أنا ذكرنا التأكيد

وأحكامه فيما تقدم لذكرنا ها هنا منه طرفاً كما أنك لو قلت : إنَّ في الدار الخيرَ والسوق والمسجدَ والبلدَ الخير كان إعادته تأكيداً وحسُن لما طال الكلام فآياتٌ الأخيرةُ هي الأولى وإنما كانت تكون فيه حجة لو كان الثاني غير الأول حتى يصيرا خبرين وأما من رفع وليست ( آيات ) عنده مكررة للتأكيد فقد عطف أيضاً على عاملين نصب أو رفع لأنه إذا قال : ( إنَّ في السّمَوات والأرضِ لآيَاتٍ لْلُمؤمنِينَ وَفي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٍ لقَوْمٍ يُوقِنونَ وَاخْتِلاَفِ اللّيلِ والنَّهارِ وَمَا أَنْزَلَ اللّهُ مِنْ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعدَ مَوْتِها وتَصْريفِ الرِّياحِ آيَاتٍ لقومٍ يَعْقِلُونَ ) فإذا رفع فقد عطف ( آياتٍ ) على الإبتداء وإختلافاً على ( في ) وذلك عاملان ولكنه إذا قصد التكرير رفع أو نصب فقد زال العطف على عاملين فالعطف على عاملين خطأ في القياس غير مسموعٍ من العرب ولو جاز العطف على عاملين لجاز على ثلاثة وأكثر من ذلك ولو كان الذي أجاز العطف على عاملين أي شاهد عليه بلفظ غير مكرر نحو : ( إنَّ في الدار زيداً والمسجدَ عمراً ) وعمرٌو غيرُ زيدٍ لكان ذلك له شاهداً على أنه إنْ حكى مثله حاكٍ ولم يوجد في كلام العرب شائعاً فلا ينبغي أن تقبله وتحمل كتاب الله عز و جل عليه


باب مسائل العطف نقول : مررتُ بزيدٍ أنيسِكَ وصاحبِكَ فإن قلت : مررت بزيدٍ أخيك فصاحبِك والصاحب زيدٌ لم يجز وتقول : اختصم زيدٌ وعمروٌ ولا يجوز أن تقتصر في هذا الفعل وما أشبهه على اسم واحد لأنه لا يكون إلا من اثنين ولا يجوز أن يقع هنا من حروف العطف إلا الواو لا يجوز أن تقول : اختصم زيدق فعمروٌ لأنك إذا أدخلت الفاء وثم اقتصرت على الإسم الأول لأن الفاء توجب المهلة بين الأول والثاني وهذا الفعل إنما يقع من اثنين معاً وكذلك قولك جمعت زيداً وعمراً ولا يجوز أن تقول جمعت زيداً فعمراً وكذلك المال بين زيدٍ وعمروٍ ولا يجوز : بين زيدٍ فعمروٍ وتقول : زيدٌ راغبٌ فيك وعمروٌ تعطف ( عمراً ) على الإبتداء فإن عطفت على ( زيدٍ ) لم يكن بُد من أن تقول : زيدٌ وعمروٌ راغبانِ فيكَ فإن عطفت عمراً على الضمير الذي في ( راغبٍ ) قلت : ( زيدٌ راغبٌ هو وعمرو فيكَ ) فإن عطفت على ابتداء والمبتدأ لم يجز أن تقول : زيد راغبٌ وعمرو فيك لأن ( فيك ) معلقة براغب فلا يجوز أن تفصل بينهما وقد أجازوا تقديم حرف النسق في الشعر فتقول على ذاك : قامَ وزيدٌ عمروٌ وقامَ ثُمَّ زيدٌ وعمرو وتقول : زيدٌ وعمرو قاما ويجوز : زيد وعمرو قامَ فحذف ( قامَ ) من الأول اجتزاءً بالثاني وتقول : زيدٌ ثم عمرو قامَ وزيد فعمروٌ قامَ وقد أجازوا التثنية

فتقول : زيدٌ فعمرو قاما وزيد ثم عمرو قاما ولا يجيزون مع ( أو ولا ) إلا التوحيد لا غير نحو : زيدٍ لا عمروٍ قامَ وزيد أو عمرو قامَ لا يجوز أن تقول : زيدٌ لا عمروٌ قاما لأنك تخلط من قام بمن لم يقم وكذلك لو قلت قَاما لجعلت القيام لهما إنما هو لأحدهما ومن أجاز : لقيتُ وزيداً عمراً لم يجز ذلك في المخفوض لا تقول : مررت وزيدٍ بعمروٍ تريد : مررت بعمروٍ وزيد لأنه قد قدم المعطوف على العامل وإنما أجازوا للضرورة أن يقدم معمولٌ فيه على معمولٍ فيه والعامل قبلهما وذا ليس كذلك وقد حلت بينه وبين ما نسقته عليه بغيره وهو الباء
وأجاز قوم : قام ثم زيد عمروٌ ولا يجيزون : إن وزيداً عمراً قائمانِ لأن ( إنَّ ) أداة
ويجيزون : ( كيف وزيدٌ عمروٌ ) ويقولون : كلُّ شيءٍ لم يكن يرفع لم يجز أن يليه الواو نحو : ( هل وزيد عمرو قائمانِ ) محال وإنما صار العطف إذا لم يكن قبله ما يرفع أقبح لأنه يصير مبتدأً وفي موضع مبتدأ وليس أحد يجيز مبتدأً : وزيدٌ عمروٌ قائمانِ يريد : عمرو وزيد قائمان وإن بمنزلة الإبتداء فلذلك قبح أيضاً فيها وتقول : زيدٌ رغبَ فيكَ وعمروٌ وزيد فيكَ رغبَ وعمروٌ فإن أخرجت ( رغب ) على هذا لم يجز : أن تقول : زيدٌ فيكَ وعمروٌ رغبَ لأنك قد فصلت بين المبتدأ وخبره بالمعطوف وقدمت ما هو متصل بالفعل وفرقت بينهما بالمعطوف أيضاً وتقول : أنت غير قائمٍ ولا قاعدٍ تريد : وغير قاعد لما في ( غير ) من معنى النفي وتقول : أنت غير القائم ولا القاعد تريد : غير القاعد كما قال الله عز و جل : ( غير المعضوبِ عليهم ولا الضالينَ ) ولم يجىء هذا في المعرفة لا يستعملون ( لا ) مع المعرفة العلم في مذهب ( غير ) لا يجوز : أنت غيرُ زيدٍ ولا

عمروٍ تقول : زيدٌ قام أمس ولم يقعدْ ولا يجوز : زيد قامَ ويقعدُ وإنما جاز مع ( لم ) لأنها مع عملت فيه في معنى الماضي ولا يجوز أن تنسق على ( لن ولم ) بلا مع الأفعال لا تقول : لم يقم عبد الله لا يقعد وكذلك : لن يقوم عبد الله لا يقعدُ يا هذا لأن ( لا ) إنما تجيء في العطف لتنفي عن الثاني ما وجب للأول وتقول : ضربتُ عمراً وأخاهُ وزيدٌ ضربتُ عمراً ثم أخاه وزيدٌ ضربت عمراً أو أخاهُ وقوم لا يجيزون من هذه الحروف إلا الواو فقط ويقولون : لأن الواو بمعنى الإجتماع فلا يجيزون ذلك مع ثم وأو لأن مع ( ثم وأو ) عندهم فعلاً مضمراً فإن قلت : ( زيدٌ ضربت عمراً وضربتُ أخاهُ ) لم يجز : لأن الفعل الأول والجملة الأولى قد تمت ولا وصلةٌ لها بزيد وعطفت بفعل آخر هو المتصل لسببه وليس لأخيه في ( ضربتُ ) الأولى وصلةٌ فإن أردت بقولك : وضربتُ إعادة للفعل الأول على التأكيد جازَ ومن أجاز العطف على عاملين قال : زيدٌ في الدار والبيت أخوهُ وأمرتُ لعبد الله بدرهمٍ وأخيه بدينارٍ لأن ديناراً ليس إلى جانب ما عملت فيه الباء وحرف النسق مع الأخِ ولا يجوز أيضاً أمرتُ لعبد الله بدرهمٍ ودينارٍ أخيهِ لأن أخاهُ ليس إلى جانب ما عملت فيه اللام وحرف النسق مع دينارٍ وتقول : ضربتُ زيدٌ وعمراً ويجوز أن ترفع عمراً وهو مضروب فتقول : ضربتُ زيداً وعمرٌ تريد : وعمرو كذلك وإنما يجوز هذا إذا علم المحذوف ولم يلبس وتقول : هذان ضاربٌ زيداً وتاركهُ لأن الفعل لا يصلح هنا لو قلت : هذانِ يضربُ زيداً ويتركهُ لم يجز وإنما جاز هذا في ( فاعلٍ ) لأنه اسم فإذا قلت : هذانِ زيدٌ وعمروٌ لم يجز إلا بالواو لأن الواو تقوم مقام التثنية والجمع
واعلم : أنه لا يجوز عطف الظاهر على المكني المتصل المرفوع حتى تؤكده نحو : قمتُ أنا وزيدٌ وقامَ هُو وعمروٌ قال الله عز و جل : ( اذهبْ أنت

وربك فقاتلا ) فإن فصلت بين الضمير وبين المعطوف بشيءٍ حسنَ نحو : ما قمتُ ولا عمروٌ ويجوز أن تعطف بغير تأكيد ولا يجوز عطفُ الظاهر على المكنى المخفوض نحو : مررت به وعمروٍ إلا أن يضطر الشاعر وتقول : أقْبَل إن قيلَ لك الحقُّ والباطل إذا أمرت بالحقِّ : أردت : أقْبَل الحقَّ إن قيلَ لك هُو والباطلُ
قد ذكرنا جميع هذه الأسماء المرفوعة والمنصوبة والمجرورة وما يتبعها في إعرابها وكنت قلت في أول الكتاب أن الأسماء تنقسم قسمين : معربٍ ومبنيٍ فإن المعرب ينقسم قسمين : منصرفٍ وغير منصرفٍ وقد وجب أن يذكر من الأسماء ما ينصرفُ وما لا ينصرف ثم نتبعهُ المبنياتِ
ذكر ما ينصرف من الأسماء وما لا ينصرف اعلم : أن معنى قولهم اسم منصرف أنه يراد بذلك إعرابه بالحركات الثلاث والتنوين والذي لا ينصرف لا يدخله جرٌ ولا تنوينٌ لأنه مضارعٌ عندهم للفعل والفعل لا جرَّ فيه ولا تنوين وجر ما لا ينصرف كنصبه كما أن نصب الفعل كجزمه والجر في الأسماء نظير الجزم في الفعل لأن الجر يخص الأسماء والجزم يخص الأفعال وإنما منع ما لا ينصرف الصرف لشبهه بالفعل كما أعرب من الأفعال ما أشبه الإسم فجميعُ ما لا ينصرف إذا أُدخلت عليه الألف واللام أو أُضيف جُرَّ في موضع الجَرِّ وإنما فُعل به ذلك لأنه دخل عليه ما لا يدخل على الأفعال وما يؤمن معه التنوين ألا ترى أن الألف واللام لا يدخلان على الفعل وكذلك الأفعال لا تضاف إلى شيءٍ وأن التنوين لا يجتمع مع الألف واللام والإِضافة وأصول الأسماء كلها الصرف وإنما في بعضها ترك الصرف وللشاعر إذا اضطر أن يصرف جميع ما لا ينصرف ونحن نذكر ما لا ينصرف منها ليعلم ما عداها منصرفٌ


الأسباب التي تمنع الصرف تسعة متى كان في الإسم اثنان منها أو تكرر واحد في شيء منها منع الصرف وذلك وزن الفعل الذي يغلب على الفعل والصفة والتأنيث الذي يكون لغير فرق والألف والنون المضارعة لألفي التأنيث والتعريف والعدل والجمع والعجمة وبناء الإسم مع الإسم كالشيء الواحد
الأول : وزن الفعل :
فما جاء من الأسماء على أفعل أو يفعلُ أو تَفعل أو نَفعل أو فَعل ويفعلُ وانضم معه سبب من الأسباب التي ذكرنا لم ينصرف فأفعل نحو أحمرَ وأصفرَ وأخضرَ لا ينصرف لأنه على وزن أَذَهَبُ وأعلمُ وهي صفات فقد اجتمع فيها علتان وأحمدُ اسم رجل لا ينصرف لأنه على وزن أذْهبُ فهو معرفةٌ ففيه علتان فإنْ نكرته صرفته تقول : مررتُ بأحمدَ يا هذا وبأحمدٍ آخر وأعصرُ اسم رجلٍ لا ينصرف لأنه مثل أقَتل وكذلك إن سميته بتنضب وترتب وتألبَ فأما تولبُ إذا سميت به فمصروف لأنه مثل جعفر فإن سميت على هذا رجلاً بيضربَ قلت : هذا يضربُ قد جاءَ ومررت بيضربَ ورأيت يضرب وكذلك : تضربُ ونضربْ واضربُ وإن سميته بفَعَلَ قلت : هذا ضَربَ قَد جاءَ ورأيتُ ضربَ وإن سميته بضربَ صرفته لأنه مثل حَجرٍ وجَملٍ وليس بناؤه بناء يخص الأفعال ولا هي أولى به من الأسماء بل الأسماء والأفعال فيه مشتركة وهو

كثير فيهما جميعاً وإن سميتَ رجلاً بنرجس لم تصرفهُ لأنه على مثال نَصربُ وليس في الأسماء شيء على مثال فَعْلِلَ ولو كان فيها فَعْلِلٌ لصرفنا نرجسَ إذا سمينا به
أما نهشل اسم رجل فمصروفٌ لأنه على مثال ( جعَفْرَ ) وليس هو تفعلُ إنما هو فَعْلَلٌ ولكن لو سميت رجلاً بتذهبُ لتركت صرفه فقلت : هذا تذهبُ ورأيتُ تذهبَ ومررتُ بتذهبَ وجميع هذه إذا نكرتها صرفتها تقول : مرتُ بتغلبَ وتغلبٍ آخر لأنه قد زالت إحدى العلتين
وهي التعريف فإن سميت بقام عمروُ حكيت فقلت : هذا قامَ عمروٌ ورأيت قامَ عمرو وكذلك كل جملة يسمى بها نحو : تأبَّط شراً تقول هذا تأبَّط شراً وكذلك إذا سميته ( بقاما ) قلت : هذا قاما ورأيت قاما ومررت بقاما وهذا قاموا ورأيتُ قاموا ومررت بقاموا وإن سميت ( بقام ) وفي قام ضمير الفاعل حكيته فقلت : هذا قام قد جاء ومررتُ بقام يا هذا تدعه على لفظه لأنك لم تنقله من فعل إلى اسم إنما سميت بالفعل مع الفاعل جميعاً رجلاً فوجب أن تحكيه فأما إن سميت ( بقام ) ولا ضمير فيه فهو مصروفٌ لأنه مثل بابٍ ودارٍ وقد نقلته من الفعل إلى الإسم ولو كان فعلاً لكان معه فاعلٌ ظاهر أو مضمرٌ وكذلك لو سميت بقولك : زيدٌ أخوكَ لقلت هذا زيد أخوكَ قد جاءَ ورأيت أخوكَ ومررت بزيدٌ أخوكَ تحكي الكلام كما كان فإن سميت رجلاً ( بضربتُ ) ولا ضمير فيه قلت : هذا ضَربه فتقف عليه بهاءٍ لأن الأسماء المؤنثة من هذا الضرب إذا وقفت عليها أبدلت التاء هاءً تقول : هذا سلمةُ قد جاءَ فإذا وقفت قلت : سلمهْ وكذلك ( ضربتُ ) إذا سميت بها خرجت عن لفظ الأفعال ولزمها ما يلزم الأسماء وليست التاء في ( ضربت ) اسماً ولو كانت اسماً لحكى وقد ذكرنا فيما تقدم أن هذه التاء إنما تدخل في فعل المؤنث لتفرق بينه وبين فعل المذكر وإذا سميت ( بضربتُ ) وفيها ضمير الفاعلة حكيت فقلت : هذا ضربتُ قد جاءَ ورأيت ضربتُ ومررت بضربت لأن فيه ضميراً ولو

أظهرت لقلت ضَرَبَت هِي وكل اسم صار علماً لشيءٍ وهو على مثال الأفعال في أوله زياداتها لا تصرفه فإن سميت بأضرب أو أقبل قطعت الألف ولم تصرفه فقلت : هذا أضرب قد جاء وأذهب وأقبل قد جاء لأن ألف الوصل إنما حقها الدخول على الأفعال وعلى الأسماء الجارية على تلك الأفعال نحو : استضرب استضراباً وانطلق انطلاقاً فأما الأسماء التي ليست بمصادر جاريةٍ على أفعالها فألف الوصل غير داخلة عليها وإنما دخلت في أسماء قليلة نحو : ابنٍ وامرىءٍ واستٍ وليس هذا بابُها وإن سميت رجلاً ( بتضاربَ ) صرفته لأنه ليس على مثال الفعل فتقول : هذا تضاربُ قد جاءَ ومررت بتضاربٍ فإن صغرته وهو معرفة قلت : تُضَيرِبُ فلم تصرفه لأنه قد ساوى تصغير ( تَضرِب ) وأنت لو سميت رجلاً ( بتضربَ ) ثم صغرته وأنت تريد المعرفة لم تصرفه
وأفعل منك لا يصرف نحو : أفضل منك وأظرفَ منكَ لأنه على وزن الفعل وهو صفة فإن زال وزن الفعل انصرف ألا ترى أن العرب تقول : هو خيرٌ منك وشرٌ منكَ لما زال بناء ( أَفعلَ ) صرفوه فإن سميت بأفعلَ مفرداً أو معها ( منكَ ) لم تصرفها على حال وأما أجمعُ وأكتعُ فلا ينصرفان لأنهما على وزن الفعل وهما معرفتان لأنهما لا يوصف بهما إلا معرفة فإن ذكرتهما صرفتهما وإن سميت رجلاً ضربوا فيمن قال : أكلوني البراغيثُ قلت : هذا ضربونَ قد جاءَ من قبل أن هذه الواو ليست بضمير فلما صار اسماً صار مثل ( مسلمونَ ) والإسم لا يجمع بواو ولا نونٍ معها ومن قال مسلمين قالت : ضَربينَ وكذلك لو سميت ( بضَربا ) قلت : ضربانِ قد جاءَ فيمن قال : أكلوني البراغيثُ ومن قال : مسلمينَ وعشرينَ لم يقل في مسلمات ملسمينَ لأن ذاك لما صار اسماً لواحدٍ شبه بعشرينَ ويبرينَ
الثاني : الصفة التي تتصرف :
وذلك نحو : أفعلَ الذي لَهُ فَعْلاءُ نحو أحمرَ وحمراءَ وأصفرَ وصفراءَ وأعمى وعمياءَ وأحمرُ لا ينصرف لأنه على وزن الفعل وهو

صفةٌ وحمراءُ لا تتصرفُ لأن فيها ألف التأنيث وهي مع ذلك صفة ولو كان ألف التأنيث وحدها في غير صفةٍ لم تنصرف ونحن نذكر ذلك في باب التأنيث والصفة لا تكون معرفة إلا بالألف واللام وكل بناء دخلته الألف واللام فهو منصرفٌ ومتى صارت الصفة اسماً فقد زال عنها الصفة فأما قائمةٌ وقاعدةٌ وما أشبه ذلك إذا وصفت بها فهو منصرفٌ لأن هذه الهاء إنما دخلت فرقاً بين المذكر والمؤنث وهي غير لازمةٍ فهي مثل التاء في الفعل إذا قلت : ضربتُ وضربتَ وإنما يعتد بالتأنيث الذي لم يذكر للفرق وأجازوا مثنىً وثلاثَ ورباعَ غير مصروفٍ وذكر سيبويه أنه نكرةٌ وهو معدولٌ فقد اجتمع فيه علتان وإذا حقرت ثُناء وأحادَ صرفته لأنك تقول أحُيَدٌ وثُنيٌ فيصير مثل حُمَيرٍ فيخرج إلى مثال ما ينصرف
الثالث التأنيث :
والمؤنث على ضربين : ضرب بعلامةٍ وضرب بغير علامة فأما المؤنث الذي بالعلامة فالعلامةُ للتأنيث علامتان : الهاءُ والألفُ فالأسماء التي لا تنصرف مما فيها علامة فنحو : حَمْدَة اسم امرأة وطلحةَ اسم رجل لا ينصرفان لأنهما معرفتان وفيهما علامة التأنيث فإن نكرتهما صرفتهما تقول : مررت بحمدَة وحَمْدةٍ أخرى وبطلحةَ وطلحةٍ آخرَ وكل اسم معرفة فيه هاء التأنيث فهو غير مصروف فأما ألف التأنيث فتجيء على ضربين : ألف مفردة نحو بُشرى وخبلَى وسكرى وألف قبلها ألف زائدة نحو : صحراء وحمراءَ وخُنْفَساءَ وكل اسم فيه ألف التأنيث ممدودةً أو مقصورة فهو غير مصروف معرفة كان أو نكرة فإن قال قائل فما العلتان اللتان أوجبتا ترك صرف بُشرى وإنما فيه ألف للتأنيث فقط قيل : هذه التي تدخلها الألف

يبنى الإسم لها وهي لازمة وليست كالهاء التي تدخل بعد التذكير فصارت للملازمة والبناء كأنه تأنيث آخر وتضارع هذه الألفُ الألفَ التي تجيء زائدةً للإِلحاق إذا سميت بما يكون فيه وذلك نحو : ألف ذِفْرَى وعَلْقَى فيمن قال : عَلْقاةٌ وحَبنَطى فإن سميت بشيءٍ منها لم تصرفه لأنها ألفٌ زائدةٌ كما إن ألف التأنيث زائدة وقد امتنع دخول الهاء عليها في المعرفة وأشبهت ألف التأنيث لذلك
وحق كل ألف تجيء زائدةً رابعةً فما زاد أن يحكم عليها بالتأنيث حتى تقوم الحجة بأنها ملحقة لأن بابها إذا جاءت زائدةً رابعةً فما زاد فللتأنيث لكثرة ذلك واتساعه والإِلحاق يحتاج إلى دليل لقلته والدليل الذي تعلم به الألف الملحقة أن تنون وتدخل عليها هاءٌ نحو من جعل عَلقىً ملحقةً فنون وألحق الهاء فقال : عَلقاةٌ ولهذا موضع يبين فيه وإنما شبهت ألفُ حبَنَطْىَ بألف التأنيث كما يثبت الألف والنون في عثمان بالألف والنون في غَضبْانَ لما تعرف عثمان وصار لا يدخله التأنيث فإن صغرت عَلْقَى اسم رجل صرفته وإن سميت رجلاً بمعزَى لم تصرفه وإن صغرته لم تصرفه أيضاً لأنه اسمٌ لمؤنثٍ فأما من ذكر معزى فهو يصرفه وتَترى فيها لغتان كعَلْقَى فأما أرَطْى ومعْزى فليس فيه إلا لغة واحدة الإِلحاق والتنوين فإن سميت بهما لم تصرفهما كما ذكرت لك وإن سميت بعِلبَاء صرفته لأنه ملحقٌ بسرداحُ تقول عُليبى كما تقول : سُرَيْديحٌ ولو كانت للتأنيث لقلت عُلَبياءٌ
وأما التأنيث بغير علامةٍ فنحو : زينب وسعادَ لا ينصرفان لأنهما اسمان لمؤنث وإن سميت امرأة باسمٍ على أربعة أحرف أصلية أو فيها زائدةٌ فما زاد لم يصرف لأن الحرف الرابع بمنزلة الهاء لأن الهاء لا تكون إلا رابعةً فصاعداً إلا في اسم منقوص نحو : ثُبَةٍ وكذلك إن سميت مذكراً باسم مؤنث لا علامة فيه ولم تصرفه نحو رجل سميته بعناق وسعادَ وقالوا : إنّ أسماءَ اسم رجلٍ إنما لم يصرف وهو جمع

اسم على أفعال وحق هذا الجمع الصرفُ لأنه من أسماء النساء فلما سمي به الرجلُ لم يصرف ولو قال قائل : إنما هو فعلاءُ أرادوا أسماء وأبدلوا الواوَ همزةً كما قال في وسادةٍ إسادةٍ لكان مذهباً فإن سميت مؤنثا باسم ثلاثي متحرك الأوسط فهو غير مصروف نحو : امرأة سميتَها بقدَمٍ فإن كان الثلاثي ساكن الأوسط نحو : هنْدٍ ودَعْدٍ وجُمْلِ فمن العرب من يصرف لخفة الإسمِ وأنه أقل ما تكون عليه الأسماء من العدد والحركة ومنهم من يلزم القياس فلا يصرف فإن سميت امرأة باسم مذكرٍ وإن كان ساكن الأوسط لم تصرفه نحو زيدٍ وعمروٍ لأن هذه من الأخف وهو المذكر إلى الأثقل وهو المؤنث فهذا مذهب أصحابنا وهو في هذا الموضع نظير رجلٍ سميته بسعادَ وزينبَ وجيَأَلَ فلم تصرفه لأنها أسماءٌ اختص بها المؤنث وهو على أربعةِ أحرف والرابع كحرف التأنيث وإن سموا رجلاً بقَدَمٍ وخَشلٍ صرفوه وحقروهُ فقالوا : قُدَيمٌ
الرابع : الألف والنون اللتان يضارعان ألفي التأنيث :
اعلم : أنهما لا يضارعان ألفي التأنيث إلا إذا كانتا زائدتين زيدا معاً كما زيدت ألفا التأنيث معاً وإذا كانتا لا يدخل عليهما حرف تأنيث كما لا يدخل على ألفي التأنيث تأنيثٌ وذلك نحو : سكرانَ وغضبانَ لأنك لا تقول : سكَرانة ولا غضبانةٌ إنما تقول : غَضْبَى وسَكَرى فلما امتنع دخول

حرف التأنيث عليهما ضارعا التأنيث وكذلك كل اسمٍ معرفةٍ في آخره ألفٌ ونونٌ زائدتان زيدا معاً فهو غير مصروفٍ وذلك نحو : عثمانَ اسم رجلٍ لا تصرفه لأنه معرفة وفي آخره ألفٌ ونونٌ وهما في موضع لا يدخل عليهما التأنيث لأن التسمية قد حظرت ذلك فهذا مثل حَبَنْطَى وذِفْرى إذا سميت بهما لما حظرت التسمية دخول الهاء اشبهت الألفُ ألفَ التأنيث فلم تصرف في المعرفة وصرف في النكرة وكذلك عثمان غير مصروف في المعرفة فإن نكرته صرفته لأنه في نكرته كعطشانَ الذي له عطشى وكذلك إذا سميته بِعُريانَ وسرحانَ وضُبعانَ لم تصرفه فإن نكرته صرفته وإن حقرت سرحان اسم رجلٍ صرفته فقلت : سُريحينٌ لأنه ملحقٌ بسرداحَ في نكرته ولكنك إن حقرت عثمانَ فقلت : عُثيمانُ لم تصرفه وتركت الألف والنون على حالهما كما فعلت بألفي التأنيث إذا قلت : حُمَيراءُ فعثمانُ مخالفٌ كسرحانَ كأنه إنما بني هذا البناء في حال معرفته وهذا يبين في التصغير وإن سميت بطحَان من الطحنِ وسمانَ من السمنِ وتبانَ من التبن صرفت جميع ذلك وإن سميت بدهقانَ من الدهقِ لم تصرفه وإن سميته من التدهقن صرفته
وكذلك شيطان إن كان من التشيطنِ صرفته وإن كان من شَيَّطَ لم تصرفه وقال سيبويه : سألتُ الخليل عن رُمّانَ فقال : لا أصرفه وأحمله على الأكثر إذا لم يكن له معنى يعرف يعني أنه إذا سمي لم يصرفه في المعرفة لأنه لا يدري من أي شيءٍ اشتقاقه فحمله على الأكثر والأكثر زيادة الألف والنون قال : وسألته عن سَعْدانَ ومَرْجانَ

فقال : لا أشكُّ في أن هذه النونَ زائدةٌ لأنه ليس في الكلام مثل : سِرداحَ ولا فَعْلالٍ إلا مضعفاً ولو جاء شيء على مثال جَنْجَانَ لكانت النون عندنا بمنزلة نون مُرّان إلا أن يجيء أمرٌ يبين أو يكثر في كلامهم فيدعوا صرفه قال أبو العباس : صُرف جَنْجانُ لأن المضاعف من نفس الحرف بمنزلة خَضْخَاضٍ ونحوه فأما عَوْغَاء فيختلف فيها فمنهم من يجعلها كخَضْخاضٍ فيصرف ومنهم من يجعلها بمنزلة عوراءُ فلا يصرف
الخامس : التعريف :
متى ما اجتمع مع التعريف التأنيث أو وزن الفعل أو العجمة أو العدل أو الألف والنون لم يصرف فالتأنيث نحو : طلحةَ وحَمْزة وزينبَ اجتمع في هذه الأسماء أنها مؤنثات وأنها معارفٌ والألف والنون مثل عثمان والعدل مثل عُمَر وسَحَر ووزن الفعل مثل أحَمَد ويشكَر والعجمة نحو : إبراهيم وإسماعيل ويعقوبَ فجميع هذه لا تصرف لإجتماع العلتين فيها فإن سميت بيعقوب وأنتَ تريد ذكر القبح صرفته لأنه مثل يربوعَ فأما الصفة والجمع فإنهما لا يجتمعان مع التعريف بالتسمية لأن الصفة إذا سمي بها زال عنها معنى الصفة والجمع لا يكون معرفة أبداً إلا بالألف واللام فإن سميت بالجمع الذي لا ينصرف رجلاً نحو : مساجد لم تصرفه وقلت : هذا مساجدُ قد جاءَ إنما لم يصرف لأنه معرفة وإنه مثالٌ لا يكون في الواحد فأشبه الأعجمي المعرفة فإن صغرته صرفته فقلت : مُسَيجِدٌ لأنه قد عاد

البناء إلى ما يكون في الواحد مثله وصار مثل مُييسِرٍ وقال سيبويه : سَراويلُ واحدٌ أعرب وهو أعجمي وأشبه من كلامهم ما لا ينصرف في معرفة ولا نكرةٍ فهو مصروفٌ في النكرة
وإن سميت به لم تصرفه وإن حقرته اسم رجلٍ لم تصرفه لأنه مؤنث مثل عَنَاق وعَنَاق إذا سميت به مذكراً لم تصرفه وأما شراحيلٌ فمصروفٌ في التحقير لأنه لا يكون إلا جمعاً وهو عربيٌّ وقال الأخفش : الجمعُ الذي لا ينصرفُ إذا سميتَ بِه إنْ نكّرتهُ بعد ذل لك لم تصرفه أيضاً
السادس : العدل :
ومعنى العَدْلِ أن يشتق من الإسم النكرة الشائع اسمٌ ويغير بناؤه إما لإِزالة معنى إلى معنى وإما لأن يسمى به فأما الذي عُدل لإِزالة معنى إلى معنى فمثنى وثلاث ورباع وآحادَ فهذا عُدِلَ لفظه ومعناه عُدِلَ عن معنى اثنين إلى معنى اثنين اثنين وعن لفظ اثنين إلى لفظ مثنى وكذلك أحاد عُدِلَ عن لفظ واحد إلى لفظ أحاد وعن معنى واحد إلى معنى واحد واحد وسيبويه يذكر أنه لم ينصرف لأنه معدول وأنه صفةٌ ولو قال قائلٌ : إنه لم ينصرف لأنه عُدل في اللفظ والمعنى جميعاً وجعل ذلك لكان قولاً : فأما ما عُدل في حال لتعريف فنحو : عُمَرَ وزُفرَ وقثم عُدلنَ عن عامرٍ وزافرٍ وقاَئَمَ أما قولهم : يا فسقُ فإنما أرادوا : يا فاسقُ وقد ذكر في باب النداء وسحرُ إذا أردت سحر ليلتك فهو معدول عن الألف واللام فهو لا يصرف تقول : لقيتُهُ سَحَر ياهذا فاجتمع فيه التعريف

والعدل عن الألف واللام فإن أردت سحراً من الأسحار صرفته وإن ذكرته بالألف واللام أيضاً صرفته فأما ما عُدِلَ للمؤنث فحقه عند أهل الحجاز البناء لأنه عُدل مما لا ينصرف فلم يكن بعد ترك الصرف إلا البناء
ويجيء على ( فَعالِ ) مكسور اللام نحو : حَذامِ وقَطامِ وكذلك في النداء نحو : يا فساقِ ويا غَدارِ ويا لكاعِ ويا خباثِ فهذا اسم الخبيث واللكعاء والفاسقة وفَعالِ في المؤنث نظيرُ فَعَلٍ في المذكر وقد جاء هذا البناء اسماً للمصدر فقالوا : فَجارِ يريدونَ : فَجْرةَ وبَدادِ يريدون : بدداً ولا مَساسِ يريدون : المسَّ ويجيء اسماً للفعل نحو : مَناعَها أي امنَعْهَا وحَذارِ اسم احذر ومما عُدل عن الأربعة : قَرْقَارِ يريدون : قَرقِرْ وعرعَارِ وهي لعبة ونظيرها من الثلاثة : خراجِ أي أخرجوا وهي لعبة أيضاً وجميع ما ذكر إذا سمي به امرأة فبنو تميم ترفعه وتنصبه وتجريه مجرى اسمٍ لا ينصرفُ فأما ما كان آخره راء فإن بني تميم وأهل الحجاز يتفقون على الحجازية وذلك : سَفارِ وهو اسم ماءٍ وحضارِ اسم كوكبٍ قال سيبويه : يجوزُ الرفع والنصب قال الأعشى :
( ومَرَّ دهرٌ عَلى وبَارِ ... فهَلكتْ جَهْرَةً وَبارُ )

وجمع هذا إذا سمي به المذكر لم ينصرف لأن هذا بناءٌ بني للتأنيث وحرك بالكسر لذلك لأن الكسرة من الياء والياءُ يؤنثُ بها وهو متصرف في النكرة ومنهم من يصرف رقاش وعَلابِ إذا سمي به كأنهُ سمي بصباح وإذا كان اسماً على فعال لا يدري ما أصله بالقياس صرفه لأنه لم يعلم له علةٌ توجبُ إخراجُه عن أصله وأصل الأسماء الصرف وكل ( فَعال ) جائزٌ متى كانت من ( فَعَل أو فعُلَ أو فعِلَ ولا يجوز من أفعْلتُ ) لأنه لم يسمع من بنات الأربعة إلا قَرْقَار وعَرْعَارِ وفَعالِ إذا كان أمراً نصب بعده وليس يطرد ( فَعالِ ) إلا في النداء وفي الأمر
السابع : الجمع الذي لا ينصرف :
وهو الذي ينتهي إليه الجموع ولا يجوز أن يجمع وإنما مُنع الصرف لأنه جمعُ جمعِ لا جمع بعده ألا ترى أن أكلبُاً جمع كَلْبٍ فإن جمع أَكلُباً قلت : أكالبُ فهذا قد جمع مرتين فكل ما كان من هذا النوع من الجموع التي تشبه التصغير وثالثهُ ألفٌ زائدةٌ كما أن ثالث التصغير ياءٌ زائدة وما بعده مكسور كما أن ما بعد ثالث التصغير مكسور فهو غير منصرف وذلك نحو : دراهم ودنانير فدراهم في الجمع نظير دُريهم في التصغير ودنانير نظير دُنينير فليس بين هذا الجمع وبين التصغير إلا ضمة الأول في التصغير وفتحةً في الجمع وإن ثالث التصغير ياءٌ وثالثُ هذا ألفٌ فهذا الجمع الذي لا ينصرف
فإن أدخلت الهاء على هذا الجمع انصرف وذلك نحو : صياقلةٍ لأن الهاء قد شبهته بالواحد فصار كمدائني لما نسبت إلى مدائن

انصرف وكان قبل التسمية لا ينصرف الإِعراب على الباء كما وقع على ياء النسب فإن كان هذا الجمع فيما لامهُ ياء
مثل جَوارٍ نونت في الجر والرفع لأن هذه الياء تحذف في الوقت في الجر والرفع فعوضت النون من ذلك وإذا وقعت موضع النصب بنيت الياء ولم تصرف وقلت : رأيت جواري يا هذا
وقال أبو العباس رحمه الله : قال أبو عثمان : كان يونس وعيسى وأبو زيد والكسائي ينظرون إلى جوار وبابه أجمع فكل ما كان نظيره من غير المعتل مصروفاً صرفوه وإلا لم يصرفوه وفتحوه في موضع الجر كما يفعلون بغير المعتل يسكنونه في الرفع خاصةً وهو قول أهل بغداد والصرف الذي نحن عليه في الجر والرفع هو قول الخليل وأبي عمرو بن العلاء وابن أبي اسحاق وجميع البصريين قال أبو بكر : فأما الياء في ( ثمانٍ ) فهي ( ياءُ نسبٍ ) وكان الأصل ثمني مثل يمني فحذفت إحدى اليائين وأبدلت منها الألف كما فُعَل ذلك بيمني حين قالوا : يَمانٍ يا هذا وقد جعل بعض الشعراء ثماني لا ينصرف
قال الشاعر :
( يَحْدو ثَماني مولعاً بلقاحِها ... )
وأما بخاتي فلا ينصرف لأن الياء لغير النسب وهي التي كانت في بُختية وكذلك كُرسي وكَراسي وقُمْري وقَماري

الثامن : العجمة :
الأسماء الأعجمية الأعلام غير مصروفة إذا كانت العرب إنما أعربتها في حال تعريفها نحو : إسحاق وإبراهيم ويعقوب لأن العرب لم تنطق بهذه إلا معارف ولم تنقلها من تنكير إلى تعريف فأما ما أعربته العرب من النكرات من كلام العجم وأدخلت عليه الألف واللام فقد أجروه مجرى ما أصل بنائه له وذلك نحو : ديباجٍ وإبريسم ونيروزَ وفِرْنِد وزنجبيلَ وشهريزَ وآجر فهذا كله قد أعربته العرب في نكرته وأدخلت عليه الألف واللام فقالوا : الديباج والشهريزُ والنيروزُ والفِرنِدُ فجميع هذا إذا سميت به مذكراً صرفته لأن حكمه حكم العربي فإن كان الإسم العلمُ ثلاثياً صرفوه لخفته نحو : نُوحٍ ولُوطٍ ينصرفانِ على كل حالٍ
التاسع : الإسمان اللذان يجعلان اسماً واحداً :
والأول منهما مفتوح والثاني بمنزلة ما لا ينصرف في المعرفة ويتصرف في النكرة وهو مشبه بما فيه الهاء لأن ما قبله مفتوحٌ كما أن ما قبل الياء مفتوح وهو مضموم إلى ما قبله كما ضمت الهاء إلى ما قبلها وذلك نحو : حضرموت وبعلبكَ ورامُ هُرمز ومارسَرْجِس ومنهم من يضيف ويصرف ومنهم من يضيف ولا يصرف ويجعل
كَرِبَ في ( معدي كرب ) مؤنثاً ومنهم من يقول : معد يكرَب يجعله اسماً واحداً إلا أنهم لا يفتحون الياء

ويتركونها ساكنةً يجعلونها بمنزلة الياء في دردبيس وكذلك إذا أضافوا يقولون : رأيت معدي كرب يلزمون الياء الإسكان استثقالاً للحركةِ فيها
مسائل من هذا الباب قال أبو العباس : قال سيبويه تصرفُ رجلاً سميته قيل أوردَ اللتين تقديرهما فُعِل فقيل له : لم صرفتهما وفعِلَ لا ينصرف في المعرفة لأنه مثال لا تكون عليه الأسماء فقال : لما سكنت عيناهما ذهب ذلك البناءُ وصارا بمنزلة فُعْلٍ وفَعْلٍ قيل له : فكيف تزعم أنك إذا قلت لَقَضْوُ الرجلُ ثم أسكنت على قول من قال في عَضُدٍ عَضْدٌ قلت : لَقَضْو الرجل ولم ترد الياء وإن كانت الضمة قد ذهبت لأنك زعمت تنويها وأنك لم تبنها على ( فعلٍ ) ولكنك أسكنتها من ( فَعْلٍ ) فذلك البناء في نيتك وكذلك تقول في ( ضوءٍ ) كما ترى إذا خففت الهمزة ( ضَوٌ ) فأثبت واواً طرفاً وقبلها حركةٌ ومثل هذا لا يكون في الكلام فقلت : إنما جاز هذا لأن حركتها إنما هي حركة الهمز لأنها الأصل فهي في النية واشباه هذا كثير فَلمَ لَم تترك الصرف في قيل وَردَّ اللتين هُما فَعلَ لأن الإِسكان عارض والحركات في النية قال : فالجواب في ذلك أنه حين قال لَقَضْوَ الرجلُ فأسكن الضاد إنما سكنها من شيءٍ مستعمل يتكلم به فالإِسكان فيه عارضٌ لأن قولهم المستعمل إنما هو لَقَضُوَ ثم يسكنون وكذلك الهمزة المخففة إنما المستعمل إثباتها ثم تخفف استثقالاً فيقولون : ضَوٌ وقَضْو استخفافاً وأما قيلَ وَردَّ فلا يستعملُ الأصلُ منهما البتة لا يقال : قَولَ ثم يخففُ ولا رَدُدَ فهذا يجري مجرى ما لا أصل له إلا ما يستعمل ولذلك قالوا في تصغير سماءٍ سُمَيةٌ

لأن هذه الياء لا يستعمل إلا حذفها فلذلك دخلت الهاء وصارت بمنزلة ما أصله الثلاثة وقياس هذا القول أنك إذا سميت رجلاً : ( ضَرَبَ ) ثم أسكنت فقلت ضَرْب لم تصرفه لأن الأصل يستعمل وإن أسكنت فقلت ( ضَرْبُ ) التي هي فَعْلٌ ثم سميت بها مسكنة وجب أن تصرف لأن الأصل لم يقع في الإسم قط وأنه لم يُسمَ به إلا مسكناً والدليل على ذلك أنهم إذا سموا رجلاً جيأَلَ ثم خففوا الهمزة قالوا : جمل ولم يصرفوه وقال : سُئل التوزي وروي عن أبي عبيدة أنه يقال للفرس الذكرِ لُكَعُ والأنثى لُكَعةُ فهل ينصرف لُكَع على هذا القول فالجواب في ذلك : أن لُكَعاً هذه تنصرف في المعرفة لأنه ليس ذلك المعدول الذي يقالُ للمؤنث منه ( لكاعِ ) ولكنه بمنزلة : حُطَمٍ وإن كان حَطْمٌ صفةً لأنه اسم ذكره من باب صُرَدٍ ونَغْرٍ فلم يؤخذ من مثال عامرٍ فيعدلُ في حالة التعريف إلى عُمَر ونحوه وقال : الأسماء الأعجمية التي أعربتها العرب لا يجيءُ شيءٌ منها على هيئته وأنت إذا تفقدت ذلك وجدته في إبراهيم وإسحاق ويعقوبُ وكذلك فرعونُ وهامانُ و ما أشبهها لأنها في كلام العجم بغير هذه الألفاظ فمن ذلك أن إبراهيم بلغة اليهود منقوص الياء ذاهب الميم وأن سارة لما أعربها نقصت نقصاً كبيراً وكذلك إسحق والأسماء العربية ليس فيها تغييرٌ ويبين ذلك أن الإشتقاق فيها غير موجودٍ ولا يكون في العربية نعتٌ إلا باشتقاقٍ من لفظه أو من معناه ولو قال قائل : هل يجوز أن يصرف إسحاق كنت مشتركاً إن كان مصدر إسحاق السفرُ إسحاقاً تريد : أبَعَدَه إبعاداً فهو مصروفٌ لأنه لم يغير والسحيقُ : البعيدُ قال الله عز و جل : ( أو تهوي به

الريحُ في مكانٍ سحيقٍ ) وإن سميته إسحاق اسم النبي تصرفه لأنه قد غير عن جهته فوقع في كلام العرب غير معروف المذهب وكذلك يعقوب الذي لم يغير وإنما هو اسم طائر معروف قال الشاعر :
( عَالٍ يُقَصّرُ دونَهُ اليعقوبُ ... )
فإذا سمينا بهذا صرفناه وإن سميناه يعقوب اسم النبي لم تصرفه لأنه قد غير عن جهته فوقع غير معروف المذهب وإنما جاء في القرآن في مواضع من صرف عاد وثمود وسبأ فالقول فيها : أنها أسماء عربية وأن القوم عرب في أنفسهم فقولُه عز و جل : ( وعادا وثمودا وأصحاب الرس ) وإنما هم آباء القبائل كقولك : جاءتني تميم وعامر إنما هو قبيلة تميم وقبيلة عامر فحذف قبيلة كقولك : واسأل القرية فأما عاد فمنصرف اسم رجل على كل حال لأن كل عجمي لا علامة للتأنيث فيه على ثلاثة أحرف فهو مصروف وأما ثمودُ فهو فعول من الثَّمَدِ وهو الماء القليل فمن صرفه جعله أباً للحي والحي نفسه وأما سبأ فهو جد بني

قحطان والقول فيه كالقول في ثمود وعاد والأغلب فيه أنه الأب والأكثر في القراءة : ( لقد كان لسبأ في مسكنهم آية ) و ( وجئتك من سباءٍ ببنأ يقين ) وتقول : هو اسم امرأة وهي أمهم وليس هذا بالبعيد قال النابغة الجعدي :
( مِنْ سبأَ الحاضرينَ مأَرب إذْ ... يبنونَ من دونِ سيلهِ العَرِما )
مأرب : موضع والعرمُ : هذا الذي يسمى السكر والسكر فهو من قولك : سميته سكراً
والسِّكْرُ : اسم الموضع وتقول : كل أفعل يكون وصفاً وكل أفعل يكون اسماً وكل أفعل أردت به الفعل نصب أبداً لأنَّ ( كل ) لا يليها اسم علم إلا أن تريد كل أجزائه فأما إذا وليها اسم مفرد يقوم مقام الجمع فلا يكون إلا نكرة وقد بنيتُ ذا فيما تقدم وتقول : أفعل إذا كان وصفاً فقصته كذا فتترك صرفه كما تترك صرف أفعل إذا كان معرفة وإنما صار معرفة لأنك إذا أردت هذا البناء فقط وهذا الوزن فصار مثل زيد الذي يدل على شيء بعينه ألا ترى أنه لا يجوز أن تقول الأفعل وإذا كان كذا فقضيته كذا لأنه لا ثاني له

فإن قلت : هذا رجلُ أفعلٌ فلا تصرفه لأنه موضع حكاية حكيت بها رجلاً أحمر كقولك : كلُّ أفعلَ زيدٌ نصب أبداً إذا مثلت به الفعل خاصة وتقولُ : هذا رجل فعلان فتصرف لأنه قد يكون هذا البناء منصرفاً إذا لم يكن له فعلى فإن قلتُ فعلان إذا كان من قصته كذا فجئت به اسما لا يشركه غيره لم تصرف وتقول : كل فَعْلَى أو فِعْلَى كانت ألفها لغير التأنيث انصرفت وإن كانت الألف جاءت للتأنيث لم تنصرف لأن ما فيه ألف التأنيث لا ينصرف في معرفة ولا نكرة وقال الأخفش : لو سميت رجلاً بخمسة عشر لقلت : هذا خمسةَ عشرَ قد جاء وهذا خمسةَ عشر آخرَ ومررت بخمسة عشر مقبلاً وتقول : بلال اباذ : ومثل ذلك مائة دينار يعني إذا جعلت مائة مع دينار اسماً واحداً قال أبو بكر : وما استعملته العرب مضافاً وعرف ذلك في كلامها فلا يجوز عندي أن يجعل المضاف والمضاف إليه بمنزلة خمسة عشر من قبل أنهم قد فرقوا بين مائة دينار وخمسة عشر لأن خمسة عشر عددان فجعلا اسماً واحداً للمعنى وهما بمنزلة عشرة لإختلاط العدد بعضه ببعض ومائة دينار ليس كذلك لأن ديناراً هو مفسر المعدود والذي ذهب إليه الأخفش : أن مائة دينار إضافته غير إضافة حقيقية لأنه مميز وليس كإضافة صاحب دينار ولا إضافة عبد الله واعلم أن من أضاف معدي كرب وحضر موت يقول : هذا رامهرمز يا فتى فترفع ( رام ) ولا تصرف هرمز لأنه أعجمي معرفة
واعلم : أنه لا يصلح أن يجعل مثل : مدائن محاريب ولا مثل : مساجد محاريب ولا مثل : جلاجل سلاسل اسماً واحداً مثل حضرموت لأنه لم يجيء شيء من هذه الأمثلة اسمان يكون منهما اسماً واحداً فإن جاء فالقياس فيه أن يجعل كحضرموت وأن ينصرف في النكرة وقال الأخفش : إنما صرفته لأني قد حولته إلى باب ما ينصرف في النكرة وخرج من حد

البناء الذي لا ينصرف لأني إنما كنت لا أصرفه لأنه على مثال لا يجيء في الواحد مثله وأنت الآن لا يمنعك البناء
ألا ترى أنك حين أدخلت في الجمع الهاء صرفته في النكرة نحو : صياقلة وجحاجحة لما دخل في غير بابه قال : فإن قلت : ما بالي إذا سميت رجلاً بمساجد لم أصرفه في النكرة قلت على بناء منعه من الصرف ولم يزل لذلك البناء حيث سميت به وإذا سميته بمساجد محاريب وجعلته اسماً واحداً فقد صغته غير الذي كان وبنيته بناء آخر وكذلك لو سميت رجلاً بواحد حمراء وواحدة بشرى أو رجل بيضاء وأنت تريد أن تجعله اسماً واحداً مثل حضرموت انصرف في النكرة لأن الألف ليست للتأنيث في هذه الحال ألا ترى أنك لو رخّمته حذفت الإسم الآخر ولم تكن تحذف الهاء وينبغي في القياس إن بنيته أن تهمز فتقول واحدة حمران ورجل بيضان لأن الألف ليست للتأنيث عنده في هذه الحال ولو أسميت امرأة ببنت وأخت لوجب أن يجريهما مجرى من أجرى جملاً وهنداً لأن هذه التاء بدل من واو وأخت في التقدير كقفل وبنت كَعِدْلٍ ولو كانت التاء تاء التأنيث لكان ما قبلها مفتوحاً وكانت في الوقف هاء وقوم لا يجرونها في المعرفة فإن سميت رجلاً بهنة وقد كانت في هَنْتٍ ياء هذا قلت : هِنَه يا فتى فلم تصرف وصارت هاء في الوقف وتقول : ما في يدك إلا ثلاثة إذا أردت المعرفة والعدد فقط لأنه اسم لا ثاني له وهذا كما عرفتك في ( أفعل ) البناء الذي تريد به المعرفة فإذا أردت ثلاثة من الدراهم وغير ذلك تنكر وصرفته فأما إذا قلت : ثلاثة أكثر من اثنين وأقل من أربعة تريد هذا العدد فهو معرفة غير مصروف ولا يجوز : رُب ثلاثة أكثر

من اثنين ولو سميت امرأة بغلام زيدٍ لصرفت زيداً لأن الإسم إنما هو غلام زيدٍ جميعاً والمقصود هو الأول كما كان قبل التسمية وكذلك : ذات عرق لأن الإسم ( ذات ) دون عرق وكذلك أم بكر وعمرو تجر بكراً وعمراً وكذلك أم أناس وقوم لا يصرفون أم أناس لأنه ليس بابن لها معروف فصار اسماً وينشدون :
( وإلى ابن أُمِّ أُناسَ تَعمدُ ناقتي ... )
واعلم : أن أسماء البلدان والمواضع ما جاء منها لا ينصرف فإنما يراد به أنه اسم للبلدة والبقعة وما أشبه ذلك وما جاء منها مصروفاً فإنما يراد به البلد والمكان ووقع هذا في المواضع لأن تأنيثه ليس بحقيقي وإنما المؤنث في الحقيقة هو الذي له فرج من الحيوان فمن ذلك : واسط وهو اسم قصر ودابق وهو نهر وهجر ذكر ومنى ذكر والشام ذكر والعراق

ذكر وأما ما يذكر ويؤنث فنحو : مصر واضاخ وقباء وحراء وحجر وحنين وبدر ماء وحمص وجور وماه : لا ينصرف لأن المؤنث من الثلاثة الأحرف الخفيفة إن كان أعجمياً لم ينصرف لأن العجمة قد زادته ثقلاً وإنما صرفته ومن صرفه فلأنه معرفة مؤنث فقط لخفته في الوزن : فعادل في خفة أحد الثقلين فلما حدث ثقل ثالث قاوم الخفة وتقولُ : قرأت هوداً إذا أردت سورة هود فحذفت سورة وإن جعلته اسماً للسورة لم تصرف لأنك سميت مؤنثا بمذكر وإن سميت امرأة بأم صبيان لم تصرف ( صبيان ) لأنك لو سميت به وحده لم تصرفه لأن الألف والنون فيه زائدتان وقد صار معرفة وهو وإن كان لم تتقدم التسمية به فتحكمه حكم ذلك وإن سميت رجلاً بملح وربح صرفتهما كما تصرف رجلاً سميته بهند كأنك قد نقلته من الأثقل إلى الأخف وهو على ثلاثة أحرف وقد بيَّنا هذا فيما تقدم وكذلك إذا سميت رجلاً بخمس وست فاصرفه وإن سميت رجلاً بطالق وطامث فالقياس صرفه لأنك قد نقلته عن الصفة وهو في الأصل مذكر وصفت به مؤنثاً وحَمّارُ جمع حَمَّارةِ القيظ مصروف إذا أردت الجمع الذي بينه وبين واحدة الهاء
قال أبو العباس : سألت أبا عثمان عنه فصرفه فقلت : : لم صرفته هلاّ كان بمنزلة دوابٍ قال : لأن الأصل الباء الأولى في دواب الحركة والراء في ( حمارٍ ) ساكنة على أصلها تجري مجرى الواحد لأنه ليس بين الجمع والواحد إلا الهاء بمنزلة تمرةٍ وتمرٍ وأما إذا

أردت جمع التكسير فهو غير مصروف لأن التقدير حمار وكذلك في جبنة جبّان يا هذا وإن سميت رجلاً بأفضل وأعلم بغير منك لم تصرفه في المعرفة وصرفته في النكرة فإن سميته بأفعل منك كله لم تصرفه على حال لأنك تحتاج إلى أن تحكي ما كان عليه وإذا سميت بأجمع وأكتع لم تصرفه في المعرفة وصرفته في النكرة وهما قبل التسمية إذا كانا تأكيداً لا ينصرفان لأنهما يوصف بهما المعرفة
فأما أسماء الأحياء فمعد وقريش وثقيف وكل شيء لا يجوز لك أن تقول فيه من بني فلان وإذا قالوا : هذه ثقيف فإنما أرادوا جماعة ثقيفٍ
وقد يكون تميم اسماً للحي فإن جعلت قريش وأخواتها أسماء للقبائل جاز وتقولُ : هؤلاء ثقيف بن قسي فتجعله اسم الحي وابن صفة فما جعلته اسماً للقبيلة لم تصرفه وأما مجوس ويهود فلم تقع إلا اسماً للقبيلة ولو سميت رجلاً بمجوس لم تصرفه وأما قولهم : اليهود والمجوس فإنما أرادوا المجوسيين واليهوديين ولكنهم حذفوا يائي الإِضافة كما قالوا : زنجيٌ وزنجٌ ونصارى نكرة وهو جمع نصران ونصرانةٍ كندمان وندامى ولكن لم يستعمل نصران إلا بياء النسب
وقال أبو العباس : إذا سميت رجلاً بنساء صرفته في المعرفة والنكرة لأن نساء اسم للجماعة وليس لها تأنيث لفظ وإنما تأنيثها من جهة الجماعة فهي بمنزلة قولك كلاب إذا قلت : بني كلاب لأن تأنيث كلاب إنما هو تأنيث جماعة وإنما أنثت كل جماعة كانت لغير الآدميين لأنهم قد نقصوا عن الآدميين فالحيوان الذي لا يعقل والموات متفقان في جمع التكسير وإنما خص من يعقل بجمع السلامة لأن له أسماء أعلاما يعرف

بها وكان جمع السلامة يؤدي الإسم المعروف وبعده علامة الجمع فكان به أولى ولو أنك لا تخص الموات وما لا يعقل بالواو والنون وخصصت ما يعقل بالتكسير لكان السؤال واحدا وإنما قصدنا أن نفضله بمنزلة ليست لغيره وإنما قلت : هي الرجال لأن الرجال جماعة فكان هذا التأنيث تأنيث الجماعة وهو مشارك للموات في هذا الموضع إذا وافقه في جمع التكسير
والتأنيث تأنيثان : تأنيث حقيقي فهو لازم وتأنيث غير حقيقي فهو غير لازم فللتأنيث اللازم مثل امرأة وما أشبه ذلك والتأنيث الذي هو غير لازم مثل دار وذراع فإنما هذا تأنيث لفظ فلهذا كان تذكير أفعال المؤنث في غير الآداميين أحسن منه في الآداميين قال محمد بن يزيد : ناظرت ثعلباً في هذا بحضرة محمد بن عبد الله فلم يفهمه فقلت له : أخبرني عن قولنا : دار أليس هو مؤنث اللفظ قال : نعم قلت : فإذا قلنا : منزل هل زال معنى الدار أفلا ترى التأنيث إنما هو اللفظ فلما زال اللفظ زال ذلك المعنى وكذلك قولنا : ساعد وذراع ورمح وقناة أفتراه في نفسه مؤنثاً مذكراً في حال فقال له محمد بن عبد الله هذا بين جداً وليس كذلك ما كان تأنيثه لازماً ألا ترى أنا لو سمينا امرأة بجعفر أو بزيد لصغرنا زبيدة فلما كان مؤنث الحقيقة لم يغير عن تأنيثه تعليقنا عليه أسماء مذكرة في اللفظ وإنما قلت : قالت النساء بمنزلة جاءت الإِبل والكلاب وما أشبه ذلك وليس تأنيث النساء تأنيثاً حقيقياً وإنما هو اسم للجماعة تقولُ : قال النساء إذا أردت الجمع وقالت النساء إذا أردت معنى الجماعة لأن قولك النساء وما أشبهه إنما هو اسم حملته للجمع وكذلك قوله عز و جل : ( قالت الأعراب آمنا ) إنما أنث لأنه أراد الجماعة وتقول : في أسماء السور هذه هود إذا أردت سورة هود وإن جعلت هودا اسم السورة لم تصرفه لأنها بمنزلة امرأة سميتها

بعمر وكذا حكم نوح ونون وإذا جعلت اقتربت اسماً قطعت الألف نحو : اصبع وإن سميت بحاميم لم ينصرف لأنه أعجمي نحو : هابيل وإنما جعلته أعجمياً لأنه ليس من أسماء العرب وكذلك : طس وحسن وإن أردت الحكاية تركته وقفاً وقد قرأ بعضهم : ( يس والقرآن ) و ( ق والقرآن ) جعله أعجمياً ونصب ( باذكر ) وأما صاد فلا تجعله أعجمياً لأن هذا البناء والوزن في كلامهم فإن جعلت اسماً للسورة لم تصرفه ويجوز أن يكون ( يس ) و ( ص ) مبنيين على الفتح لإلتقاء الساكنين فإن جعلت ( طسم ) اسماً واحداً حركت الميم بالفتح فصار مثل دراب جرد وبعل بك وإن حكيت تركت السواكن على حالها قال سيبويه : فأما : ( كهيعص ) و ( ألم ) فلا تكونان إلا حكاية وإنما أفرد باباً للحكاية إن شاء الله
وقال سيبويه : أبو جاد وهَوَّار وحُطّيٌ كعمرو وهي أسماء عربية وأما كَلَمَنْ وسَعْفَص وقُريشيات فأنهن أعجمية لا ينصرفن ولكنهن يقعن مواقع عمرو فيما ذكرنا إلاّ أن قريشيات بمنزلة عرفات وأذرعات


باب ما يحكى من الكلم إذا سمي به وما لا يجوز أن يحكى اعلم : أن ما يُحكى من الكلم إذا سمي به على ثلاث جهات : إحداها : أن تكون جملة والثاني أن يشبه الجملة وهو بعض لها وذلك البعض ليس باسم مفرد ولا مضاف ولا فيه ألف ولا مبني مع اسم ولا حرف معنى مفرد والثالث : أن يكون اسماً مثنى أو مجموعاً على حد التثنية
الأول : نحو : تأبّط شراً وبرق نحره وذَرَّى حياً تقول : هذا تأبّط شراً ورأيت تأبّط شراً ومررت بتأبّط شراً وهذه الأسماء المحكية لا تثنى ولا تجمع إلا أنْ تقول : كلهم تأبّط شراً أو كلاهما تأبّط شراً ولا تحقره ولا ترخمه فجميع هذه الجمل التي قد عمل بعضها في بعض وتمت كلاماً لا يجوز إلا حكايتها وكذلك كل ما أشبه ما ذكرت من مبتدأ وخبره وفعل وفاعل وإن أدخلت عليها إنَّ وأخواتها وكان وأخواتها فجميعه يحكى بلفظه قبل التسمية وإن سميت رجلاً بو زيد أو وزيداً أو وزيدٌ حكيت لأن الواو عاملة تقوم مقام ما عطفت عليه
الضرب الثاني : الذي يشبه الجملة :
وهو على خمسة أضرب : اسم موصول واسم موصوف وحرف مع اسم وحرف مع حرفٍ وفعل مع حرف فجميع هذا تدعه على حاله قبل التسمية من الصرف وغير الصرف لأنك لم تسم بالموصول دون الصلة ولا بشيء من هذه دون صاحبه

الأول الإسم الموصول : نحو رجل سميته : خبراً منك ومأخوذاً بك أو ضارب رجلاً فتقول رأيت خيراً منك وهذا خير منك ومررت بخير منك فإن سميت به امرأة لم تدع التنوين وحكيته كما كان قبل التسمية من قبل أنه ليس منتهى الإسم كما أن بعض الجملة ليس بمنتهى الإسم
الثاني الموصوف : إن سميت رجلاً : زيدُ العاقلُ قلت : هذا زيدُ العاقلُ ورأيت زيداً العاقلَ وكذلك لو سميت امرأة لكان على هذا اللفظ وإن سميت رجلاً ( بعاقلة ) لبيبةٍ قلت : هذا عاقلة لبيبة ورأيت عاقلةً لبيبةً فصرفته لأنك تحكيه ولو كان الإسم عاقلةً وحدها لم تصرف فحكاية الشيء أن تدعه على حكمه ما لم يكن معه عاقل فإن كان معه عاقل أعملت العامل ونقلته بحاله
الثالث الحرف مع الإسم : وذلك إذا سميت إنساناً كزيدٍ وبزيدٍ وإن زيداً حكيته وحيثما وأنت تحكيهما لأن ( حيثما ) اسم وحرف وأنت التاء للخطاب والألف والنون هما الإسم وكذلك أمَا التي في الإستفهام حكاية لأنها مع ( ما ) دخلت عليهما الف الإستفهام ومما يحكى : كذا وكأي و ( ذلك ) يحكى لأن الكاف للخطاب وهذا وهؤلاء يحكيان لأن ها دخلت على ذا وأولاء
وإن سميت ( زيد وعمرو ) رجلاً قلت في النداء : يا زيداً وعمراً فنصبت ونونت لطول الإسم
الرابع الحرف مع الحرف : وذلك نحو : إنما وكأنما وأما وإن لا في الجزاء ولعل لأن اللام عندهم زائدة وكأن لأنها كاف التشبيه دخلت على ( أن ) فجميع هذا وما أشبهه يحكى
لخامس الفعل مع الحرف : وذلك هلم : إذا سميت به حكيته وإن أخليته من الفاعل وإن مسيت بالذي رأيت لم تغيره عما كان عليه قبل أن

يكون اسماً ولو جاز أن تناديه بعد التسمية لجاز أن تناديه قبلها ولكن لو سميته : الرجل منطلق بهذه الجملة لناديتها لأن كل واحد منهما اسم تام وذلك غير تام وإنما يتم بصلته وهو يقوم مقام اسم مفرد ولو سميته الرجل والرجلان لم يجز فيه النداء
الضرب الثالث :
من القسمة الأولى وهو التسمية بالتثنية والجمع الذي على حد التثنية وذلك إذا سميت رجلاً بسلمانِ وزيدانِ حكيت التثنية فقلت : هو زيدان ومررت بزيدين ورأيت زيدين فتحكي التثنية ولفظها وإن أردت الواحد وقد أجازوا أن تقول : هذا زيدان وتجعله كفعلان وإن سميت بجميع على هذا الحد حكيت فقلت : هذا زيدونَ ورأيت زيدين ومررت بزيدين ومنهم من يجعله كقنسرين فيقول : هذا زيدون ومسلمون وقد ذكرت ذا فيما تقدم وإن بجمع مؤنث قلت : هذا مسلمات ورأيت مسلماتٍ ومررت بمسلماتٍ تحكي : تقول العرب : هذه عرفات مباركاً فيها فعرفات بمنزلة آبانين ومثل ذلك أذرعات قال امرؤ القيس :
( تَنَوَّرْتُها مِنْ أَذْرِعَاتٍ وأهلُها ... بِيَثْرِبَ أَدْنى دَارِهَا نَظَرٌ عالي )

ومن العرب من لا ينون أذرعات ويقول : هذه قريشياتُ كما ترى شبهوها بهاء التأنيث في المعرفة لأنها لا تلحق بنات الثلاثة بالأربعة ولا الأربعة بالخمسة
قال أبو العباس أنشدني أبو عثمان للأعشى :
( تَخَيَّرَهَا أخو عَانَاتِ شَهرا ... )
فلم يصرف ذلك قال أبو بكر قد ذكرت ما ينصرف وبقي ذكر المبني المضارع للمعرف ونحن نتبع ذلك الأسماء المبنيات إن شاء الله تعالى


باب ما لا يجوز أن يحكى هذا الباب ينقسم ثلاثة أقسام : وهو كل اسم مبني أو مضاف ملازم للإِضافة وأفردته أو فعل فارغ أو حرف قصدت التسمية به فقط فجميع هذه إذا سميت بشيء منها أعربته إعراب الأسماء الأول وإن نقص عما كانت عليه الأسماء
الأول : إن سميت بكم أو بمن قلت : هذا كم قد جاء لأن في الأسماء مثل دم ويد وإن سميت بهو قلت : هذا هو فاعلم وإن سميت به مؤنثاً لم تصرفه لأنه ضمير مذكر وإنما ثقلت ( هو ) لأنه ليس في كلامهم اسم على حرفين أحدهما ياء أو واو أو ألف وسمع منهم إذا أعربوا شيئاً من هذا الضرب التثقيل فإن سميت بذو قلت ذوّاً لأنك تقول : هاتان ذواتا مال فلما علمت الأصل رددته إلى أصله كما تكلموا به ولو لم يقولوا : ذوا ثم سمينا بذو لَما قلت إلا ذو وكان الخليل يقول : ذو أصل الذال على كل قول الفتح وإن سميت ( بفو ) قلت : فم ولو لم يكن قبل فم لقلت فوه مؤنثان وأين ومتى وثم وهنا وحيث وإذا وعند وعن فيمن

قال من عن يمينه ومنذ في لغة من رفع تصرف الجميع تحمله على التذكير حتى يتبين غيره وإن سميت كلمة بتحت أو خلف أو فوق لم تصرفها لأنها مذكرات يدل على تذكيرها تحت وخليف ذاك ودوين ولو كان مؤنثاً دخلت الهاء كما دخلت في قديديمةٍ ووريئةٍ
الثاني : التسمية بالفعل الفارغ من الفاعل والمفعول : إن سميت رجلاً بضرب أو ضُرِبَ أو يضرِب أعربته وقد عرفتك ما ينصرف من ذلك وما لا ينصرف وحكم نعم وبئس حكم الفعل إذا سميت به تقولُ هذا نعم وبئس وإن سميته أزمة قلت أزمٍ ورأيت أزمى وبيغزو قلت : يغزٍ ورأيت يغزى وإن سميته بعِهْ قلت : وعٍ وإن سميت برَه : قلت إرْأً


باب التسمية بالحروف وذلك نحو إن إذا سميت بها قلت : هذا إن وكذلك أن وكذلك ليت وإن سميت بأن المفتوحة لم تكسر وإن سميت بلو واو زدت واواً فقلت لو واو وكان بعض العرب يهمز فيقول : لؤ وإن سميت ( بلا ) زدت ألفاً ثم همزت فقلتَ : لاء لأن الألف ساكنة ولا يجتمع ساكنان وإذا سميت بحرف التهجي نحو : باء وتاءٍ وثاء وحاء مددت فقلت : هذه باء وتاء وإذا تهجيت قصرت ووقفت ولم تعرب وفي ( زاي ) لغتان : منهم من يجعلها ( ككي ) ومنهم من يقول : زاي فإن سميته بزي على لغة من يجعلها ككي قلت : زي فاعلم وإن سميت بها على لغة من يقول : زايٌ قلت : زاءٌ وكذا واوٌ وآءٌ وسنبين هذا في التصريف وجميع هذه الحروف إذا أردت بالواحد منها معنى حرف فهو مذكر أردت به معنى كلمةٍ فهو مؤنث وإن سميت بحرف متحرك أشبعت الحركة إن كانت فتحةً جعلتها ألفاً وضممت إليها ألفاً أخرى وإن كانت كسرة أشبعتها حتى تصير باء وتضم إليها أخرى وكذلك المضموم إذا وجدته كذلك وذلك أن تسمي رجلاً بالكاف

من قولك كزيدٍ تقول : هذا ( كا ) وإن سميته بالباء من بزيد : قلت : بيٌ فإن سميته بحرف ساكن فإن الحرف الساكن لا يجوز من غير كلمة فترده إلى ما أخذ منه
واعلم : أن كل اسم مفرد لا تجوز حكايته وكذلك كل مضاف وإن سميت رجلاً عم فأردت أن تحكي به في الإستفهام تركته على حاله وإن جعلته اسماً قلت : عن ما تمد ( ما ) لأنك جعلته اسماً كما تركت تنوين سبعة إذا سميت فقلت : سبعةُ
والمضاف بمنزلة الألف واللام لا يجعلان الإسم حكاية قال أبو بكر : قد ذكرنا ما لا ينصرف وقد مضى ذكر المبني المضارع للمعرب ونحن نتبع ذلك الأسماء المبنيات إن شاء الله
ذكر الأسماء المبنية التي تضارع المعرب هذه الأسماء على ضربين : مفرد ومركب فنبدأ بذكر المفرد إذ كان هو الأصل لأن التركيب إنما هو ضم مفرد إلى مفرد ولنبين أولاً المعرب ما هو لنبين به المبني فنقول : إن الإسم المفرد المتمكن في الإِعراب على أربعة أضرب : اسم الجنس الذي تعليله من جنس آخر والواحد من الجنس وما اشتق من الجنس ولقب الواحد من الجنس
شرح الأول من المعرب :
الجنس : الإسم الدال على كل ما له ذلك الإسم ويتساوى الجميع في المعنى نحو : الرجل والإِنسان والمرأة والجمل والحمار والدينار والدرهم والضرب والأكل والنوم والحمرة والصفرة والحسن والقبح وجميع ما أردت به العموم لما يتفق في المعنى بأي لفظ كان فهو جنس وإذا قلت : ما هذا فقيل لك : إنسان فإنما يراد به الجنس فإذا قال : الإِنسان فالألف واللام لعهد الجنس وليست لتعريف الإِنسان بعينه وإنما هي فرق

بين إنسان موضوع للجنس وبين إنسان هو من الجنس إذا قلت إنسان قال الله عز و جل : ( إن الإنسان لفي خُسرٍ إلا الذين آمنوا ) فدل بهذا أن الإِنسان يراد به الجنس ومعنى قول النحويين : الألف واللام لعهد الجنس أنك تشير بالألف واللام إلى ما في النفس من معرفة الجنس لأنه شيء لا يدرك بالعيان والحس وكذلك إذا قلت : فضةٌ والفضةُ وأرضٌ والأرضُ وأسماء الأجناس إنما قيلت ليفرق بين بعضها وبعض مثل الجماد والإِنسان وهذه الأسماء تكون أسماء لما له شخص ولغير شخص فالذي له شخص نحو : ما ذكرنا من الإِنسان والحمار والفضة وما لا شخص له مثل الحمرة والضرب والعلم والظن
شرح الثاني من المعرب :
وهو الواحد من الجنس نحو : رجل وفرس ودينار ودرهم وضربةٍ وأكلةٍ فتقول : إذا كان واحد من هذه معهوداً بينك وبين المخاطب الرجل والفرس والدينار والضرب أي الفرس الذي تعرف والضرب الذي تعلم والفرق بين قولك : رجل وبين فضة أن رجلاً يتضمن معنى جنس له صورة فمتى زالت تلك الصورة زال الإسم وفضة ليس يتضمن هذا الإسم صورة فأما درهم فهو مثل رجل في أنه يتضمن معنى الفضة بصورة من الصور
الثالث ما اشتق للوصف من جنس من الأجناس التي لا أشخاص لها :
نحو : ضارب مشتق من الضرب وحَسَنٌ مشتق من الحُسْنِ وقبيحٌ مشتق من القُبحِ وآكلٌ مشتق من الأكل وأسودٌ من السواد وهذه كلها صفات تجري على الموصوفين فإن كان الموصوف جنساً فهي أجناس وإن

كان واحد منكوراً من الجنس فهو واحد منكور نحو : القائمِ وقائمٍ والحَسِنُ وحَسَنٌ وإن كان معهوداً فهو معهودٌ وحكم الصفة حكم الموصوف في إعرابه
الرابع ما يلقب به شيء بعينه ليعرف من سائر أمته :
نحو : زيد وعمرو وبكر وخالد وما أشبه ذلك من الأسماء الأعلام التي تكون للآدميين وغيرهم
فجميع هذه الأسماء المتمكنة إلا الجنس يجوز أن تعرف النكرة منها بدخول الألف واللام عليها ويجوز أن تنكر المعرفة منها ألا ترى أنك تقولُ : الرجل إذا كان معهوداً ثم تقول : رجلٌ إذا لم يكن معهوداً والمعنى واحد وكذلك ضرب والضربُ وحَسُنَ والحسنُ وضاربٌ والضَاربَ وقبيحٌ والقبيحُ وتقول : زيدُ عمروٍ فإذا تنكرا بأن يتشاركا في الإسم قلت : الزيدان والعمران تدخل الألف واللام مع التثنية لأنه لا يكون نكرة إلا ما يثنى ويجمع والأسماء المبنية بخلاف هذه الصفة لا يجوز أن تنكر المعرفة منها ولا تعرف النكرة ألا ترى أنه لا يجوز أن يتنكر ( هذا ) فتقول : الهذان ولا يتنكر أنا ولا أنت ولا هو فهذا من المعارف المبنيات التي لا يجوز أن يتنكر ما كان منها فيه الألف واللام فلا يجوز أن يخرج منها الألف واللام نحو : الذي والآن وأما النكرة التي لا يجوز أن تعرف نحو قولك : كيف وكم فجميع ما امتنع أن يعرف بالألف واللام وامتنع من نزع الألف واللام منه لتنكير فهو مبني ولا يلزم من هذا القول البناء في اسم الله عز و جل إذ كانت الألف واللام لا تفارقانه فإن الألف واللام وإن كانا غير مفارقتين فالأصل فيهما أنهما دخلتا على إله قال سيبويه : أصل هذا الإسم أن يكون إلها وتقديره ( فعال ) والألف واللام

عوض من الهمزة التي في ( إله ) وهو على هذا علم قال أبو العباس : لأنك تذكر الآلهة الباطلة فتكون نكرات تعرف بالألف واللام وتجمع كما قال الله عز و جل ( أأتخذ من دونه آلهة ) وتعالى الله أن يعتور اسمه تعريف بعد تنكير أو إضافة بعد أن كان علماً وقال سيبويه في موضع آخر : ويقولون : لاه أبوك يريدون لله أبوك فيقدمون اللام ويؤخرون العين والإسم كامل وهو علم وحق الألف واللام إذا كانت في الإسم ألا ينادي إلا الله عز و جل فإنك تقول : يا لله وتقطع الألف فتفارق سائر ألفات الوصل والشاعر إذا اضطر فقال : ( يا التي ) لم تقطع الألف فهذا الإسم مفارق لجميع الأسماء عز الله وجل
أقسام الأسماء المبنيات المفردات ستة اسم كنى به عن اسمٍ واسم أشير به إلى مسمى وفيه معنى فِعْلٍ واسم سمي به فعل واسم قام مقام الحرف وظرف لم يتمكن وأصوات تحكي


باب الكنايات وهي علامات المضمرين الكنايات على ضربين : متصل بالفعل ومنفصل منه فالمتصل غير مفارق للفعل والفعل غير خال منه وعلامة المرفوع فيه خلاف علامة المنصوب والمخفوض فالتاء للفاعل المتكلم مذكراً كان أو مؤنثاً فعلتُ : وصنعت وعلامة المخاطب المذكر فعلتَ والمؤنث فعلتِ وعلامة المضمر النائب في النية تقول : فعل وصنع فاستغنى عن إظهاره والعلامة فيه بأن كل واحد من المتكلمين والمخاطبين له علامة فصار علامة الغائب أن لا علامة له هذا في الفعل الماضي فأما الفعل المضارع فليس يظهر في فعل الواحد ضمير البتة متكلماً كان أو مخاطباً إلا في فعل المؤنث المخاطب وذلك أنه استغنى بحروف المضارعة عن إظهار الضمير يقولُ المتكلمُ : أنا أفعل ذكراً كان أو أنثى فالمتكلم لا يحتاج إلى علامة لأنه لا يختلط بغيره وإنما أظهرت العلامة في ( فعلتُ ) للمتكلم لأنه لو أسقطها لالتبس بالغائب فصار فعل فلا يعلم لمن هو فإن خاطبت ذكراً قلت : أنت تفعل والغائب هو يفعل فإن خاطبت مؤنثاً قلت : تفعلين فظهرت العلامة وهي الياء وإن كانت غائبة قلت : هي تفعل فيصير لفظ الغائبة كلفظ المخاطب ويفصل بينهما الخطاب وما جرى في الكلام من ذكر ومؤنث وتقول للمؤنث في الغيبة فعلتْ وصنعتْ فالتاء علامة فقط وليست باسم يدلك على ذلك قولهم : فعلت هند فأما التاء التي هي اسم فيسكن لام الفعل لها نحو فَعلْتُ وصنَعْتُ وإنما أسكن لها لام الفعل لأن ضمير الفاعل والفعل

كالشيء الواحد فلو لم يسكنوا لقالوا : ضَرَبتُ فجمعوا بين أربعة متحركات وهم يستثقلون ذلك فإن ثنيت وجمعت الضمير الذي في الفعل قال الفاعل : فعلنا في التثنية والجمع والمذكر والمؤنث في هذا اللفظ سواء وتقولُ في الخطاب : فعلتما للمذكر والمؤنث ولجمع المذكرين فعلتم وللمؤنث فعلتن فإن ثنيت الغائب قلت : قاما فظهرت العلامة وهي الألف وفي الجمع قاموا وفي المضارع يقومان ويقومون تثبت النون في الفعل المعرب وتسقط من الفعل المبني وقد ذكرناه فيما تقدم وتقول في المؤنث : قامتا وقمن ويقومان ويقمن هذه علامات المضمر المتصل المرفوع فأما علامة المخفوض والمنصوب المتصل فهي واحدة فعلامة المتكلم ياء قبلها نون نحو : ضربني وجيء بالنون لتسلم الفتحة ولئلا يدخل الفعل جر وللمجرور علامته ياء بغير نون نحو : مررت بي وغلامي وهذه الياء تفتح وتسكن فمن فتح جعلها كالكاف أختها ومن أسكن فلاستثقال الحركة في الياء في أنها تكسر ما قبلها وكلهم إذا جاء بها بعد ألف فتحها نحو : عصايَ ورحايَ
وإذا تكلم منه ومن غيره قال : ضربنا زيد والمؤنث في ذا كالمذكر وكذلك هو في الجر تقول : ضربنا وغلامنا فإذا خاطبت فعلامة المخاطب المذكر كاف مفتوحة والمؤنث كاف مكسورة نحو : ضربتك وكذلك المجرور تقول : مررت بكَ يا رجل وبكِ يا امرأة وإذا ثنيت قلت في المذكر والمؤنث : ضربتكما وللجميع المذكرين : ضربتكم وكذلك تقول : مررت بكما في التذكير والتأنيث ومررت بكم في المذكرين ومررت بكن للمؤنث
الضرب الثاني وهو علامات المضمرين المتصلة :
أما علامة المرفوعين فللمتكلم أنا فالإسم الألف والنون وإنما تأتي بهذه الألف الأخيرة في الوقف فإن وصلت سقطت فقلت : أن فعلتُ ذاكَ وإن حدث عن نفسه وعن آخر قال : نحو وكذلك إن تحدث عن نفسه وعن

جماعة قال : نحن ولا يقع ( أنا ) في موضع التاء والموضع الذي يصلح فيه المتصل لا يصلح فيه المنفصل لا تقول فعل أنا وعلامة المخاطب إن كان واحداً أنت وإن خاطبت اثنين فعلامتها أنتما والجميع أنتم فالإسم هو الألف والنون في ( أنت ) والتاء علامة المخاطب والمضمر الغائب علامته ( هو ) وإن كان مؤنثاً فعلامته ( هي ) والإثنين والإثنتين هما والجميع هم وإن كان الجمع جمع مؤنث فعلامته هن وأما علامة المضمر المنصوب ( فأيا ) فإن كان غائباً قلت إياه وإن كان متكلماً قلت : إياي ويانا في التثنية والجمع وللمخاطب المذكر : إياكَ وللمؤنث إياكِ وإياكما إذا ثنيت المؤنث والمذكر وإياكم للمذكرين وإياكن في التأنيث وللغائب المذكر إياه وللمؤنث إياها وإياهما للمذكر والمؤنث وأياهم للمذكرين وإياهن للجميع المؤنث وقد قالوا : إن ( أيا ) مضاف إلى الهاء والكاف والقياس أن يكون ( أيا ) مثل الألف والنون التي في أنت فيكون ( أيا ) الإسم وما بعدها للخطاب ويقوي ذلك أن الأسماء المبهمة وسائر المكنيات لا تضاف و ( أيا ) مع ما يتصل بها كالشيء الواحد نحو : أنت فأما المجرور فليست له علامة منفصلة لأنه لا يفارق الجار ولا يتقدم عليه وجميع المواضع التي يقع فيها المنفصل لا يقع المتصل والموضع الذي يقع فيه لا يقع المنفصل لأن المنفصل كالظاهر تقول : إني وزيداً منطلقانِ ولا تقول : إن إياي وزيداً منطلقانِ وتقول : ما قام إلا أنت ولا تقول : إلاتَ وتقول : إن زيداً وإياك منطلقانِ ولا يقول : إن زيداً إلاك منطلقان ومما يدل على ( إن وأخواتها ) مشبهة بالفعل أن المكنى معها كالمكنى مع الفعل تقول : إنني كما تقول : ضربني وأما قولهم : عجبتُ من ضريبكَ وضريبه فالأصل من ضربي إياك وضربي إياه وأقل العرب من يقول : ضَريبهُ وإنما وقع هذا مع المصدر لأنه لم تستحكم علامات الإِضمار معه ألا ترى أنهم لا يقولون :

عجبت من ضربكني إذا بدأت بالمخاطب قبل المتكلم ولا من ضربهيك إذا بدأت بالبعيد قبل القريب وقالوا : عجبت من ضريبك وضربكه ولو كان هذا موضعاً يصلح فيه المتصل لجاز فيه جميع هذا ألا ترى أنك تقول : ضَريبكَ إذا جئت بالفعل ضربته وموضع ضربكه ضربته وكان الذين قالوا : ضريبه قالوا : ذلك إختصاراً لأن المصدر اسم فإذا أضفته إلى مضمر فحقه إن عديته لمعنى الفعل أن تعديه إلى ظاهر أو ما أشبه الظاهر من المضمر المتصل وكان حق المضمر المتصل أن لا يصلح أن يقع موقع المنفصل والأصل في هذا : عجبتُ من ضربي إياك كما تقول : من ضربي زيداً ومن ضربك إياه كما تقول من ضربك عمراً والكسائي يصل جميع المؤنث فيقول : أعطيتهنه والضارباناه لأنه لم يتفق حرفان ولا أعلم بين الواحد والجمع فرقاً ومن ذلك قولهم : كان إياه لأن ( كانَهُ ) قليلة ولا تقول : كانني وليسني ولا كانَكَ لأن موضعه موضع ابتداء وخبر فالمنفصل أحق به قال الشاعر :
( لَيْتَ هَذَا اللَّيْلَ شَهْرٌ ... لا نَرى فيهِ عَريبا )
( لَيس إيايَ وإيَاكَ ... ولا نخشَى رَقيبا )

وقد حكوا : ليسني وكأنني واعلم أنك إذا أكدت المرفوع المتصل والمنصوب والمخفوض المتصلين أكدته بما كان علامة المضمر المرفوع المنفصل وذلك قولك : قمت أنتَ وضربتُك أنت وإنما جاز ذلك لأن الخطاب جنس واحد وليس بأسماء معربة والأصل في كل مبني أن يكون المرفوع والمنصوب والمخفوض على صيغة واحدة وإنما فرق في هذا للبيان فإذا أمنوا اللبس رجع المبني إلى أصله ومع ذلك فلو أكد المرفوع والمنصوب المتصلان بالمنفصلين اللذين لهما لبقي المجرور بغير شيء يؤكده ولا يحسن أن يعطف الإسم الظاهر على المرفوع المتصل لا يحسن أن تقول : قمتُ وزيدٌ حتى تؤكد فتقول : أنا وزيدٌ ولا تقول : قام وزيدٌ حتى تقول : قام هو وزيدٌ وقال عز و جل : ( اذهب أنت وأخوك ) ربما جاء على قبحه غير مؤكد ويحتمل لضرورة الشاعر
وإنما قَبُحَ أن تقول : قمت وزيد لأن التاء قد صارت كأنها جزء من الفعل إذ كانت لا تقوم بنفسها وقد غير الفعل لها فإن عوضت من التأكيد شيئاً يفصل به بين المعطوف والمعطوف عليه نحو : ما قمتُ ولا عمرو وقعدتُ اليومَ وزيدْ : حسن فأما ضمير المنصوب فيجوز أن يعطف عليه الظاهر : تقول : ضربتُك وزيداً وضربت زيداً وإياكَ فيجوز يتقدم وتأخيره وأما المخفوض فلا يجوز أن يعطف عليه الظاهر لا يجوز أن تقول : مررت بكِ وزيدٍ لأن المجرور ليس له اسم منفصل يقتدم ويتأخر كما للمنصوب وكل اسم معطوف عليه فهو يجوز أن يؤخر ويقدم الآخر عليه فلما خالف المجرور سائر الأسماء لم يجزْ أن يعطف عليه وقد حكي أنه قد جاء في الشعر :
( فَاذْهَب فَمَا بِكَ والأيَّامِ مِنْ عَجَبِ ... )

وتقول : عجبت من ضربِ زيدٍ أنت إذا جعلت زيداً مفعولاً ومن ضربكه إذا جعلت الكاف مفعولاً وتقول فيما يجري من الأسماء مجرى الفعل : عليكهُ ورويدهُ وعليكني ولا تقول : عليك إيايَ ومنهم من لا يستعمل ( ني ) ولا ( نا ) استغناء بعليك ( بي ) و ( بنا ) وهو القياس ولو قلت : عليك إياه كان جائزاً لأنه ليس بفعل والشاعر إن اضطر جعل المنفصل موضع المتصل قال حميد الأرقط :
( إليك حَتىَّ بَلَغتْ إياكا ... )
يريد : حتى بلغتَكَ فإن ذكرتَ الفعل الذي يتعدى إلى مفعولين فحق هذا الباب إذا جئت بالمتصل أن تبتدأ بالأقرب قبل الأبعد وأعني بالأقرب المتكلم قبل المخاطب والمخاطب قبل الغائب وتعرف القوي من غيره فإن الفعلين إذا اجتمعا إلى القوي فتقول : قمت وأنت ثم تقول : قمنا وقام وأنتَ ثم تقول : قمتما فتغلب المخاطب على الغائب وتقول : أعطانيه وأعطانيك ويجوز : أعطاكني فإن بدأ بالغائب قال : أعطاهوني وقال سيبويه : هو قبيح لا تكلم به العرب وقال أبو العباس : هذا كلام جيدّ ليس بقبيحٍ وقال الله عز و جل : ( أنلزُمُكموها وأنتم لها كارهون ) فتقول

على هذا أعطاه إياك وهو أحسن من أعطاهوكَ فإذا ذكرت مفعولين كلاهما غائب قلت : لمعطاهوه وليس بالكثير في كلامهم والأكثر المعطاه إياه والمنفصل بمنزلة الظاهر فأما المفعولان في ظننت وأخواتها فأصلها الإبتداء الخبر كما جاء في ( كان ) فالأحسن أن نقول ظننتك إياه كما تقول : كان إياهُ وكنت إياهُ
واعلم : أنه لا يجوز أن يجتمع ضمير الفاعل والمفعول إذا كان المفعول هو الفاعل في الأفعال المتعدية والمؤثرة لا يجوز أن تقول : ضربتني ولا أضربك إذا أمرت فإن أردت هذا قلت : ضربت نفسي واضرب نفسك وكذلك الغائب لا يجوز أن تقول : ضربه إذا أردت ضرب نفسه ويجوز في باب ظننت وحسبت أن يتعدى المضمر إلى المضمر ولا يجوز أن يتعدى المضمر إلى الظاهر تقول : ظننتي قائماً وخلتني منطلقاً لأنها أفعال غير مؤثرة ولا نافذة منك إلى غيرك فتقول على هذا : زيد ظنه منطلقاً فتعدى فعل المضمر في ظن إلى الهاء ولا يجوز زيداً ظن منطلقاً فتعدى فعل المضمر الذي في ظن إلى زيدٍ فتكون قد عديت في هذا الباب فعل المضمر إلى الظاهر وإنما حقه أن يتعدى فعل المضمر إلى المضمر وتكون أيضاً قد جعلت المفعول الذي هو فضلة في الكلام لا بد منه وإلا بطل الكلامُ فهذه جميع علامات المضمر المرفوع والمنصوب قد بينتها في المنفصل والمتصل وقد خبرتك أن المجرور لا علامة له منفصلة وإن علامته في الإتصال كعلامة المنصوب لا فرق بينها في الكاف والهاء تقول : رأيتك كما تقول : مررت بك وتقول : ضربته كما تقول : مررت به فهذا مطرد لا زيادة فيه فإذا جاءوا إلى الياء التي هي ضمير المتكلم زادوا في الفعل نونا قبل الياء لئلا يكسروا لام الفعل والفعل لا جرّ فيه فقالوا : ضربني فسلمت الفتحة بالنون ووقع الكسر على النون وكذلك : يضربني فإذا جاءوا بالإسم لم يحتاجوا إلى النون فقالوا : الضاربي في النصب واستحسنوا

الكسرة في الباء موضع لأنه يدخله الجر ولم يستحسنوا ذلك في لام الفعل لأنه موضع لا يدخله الجر وقالوا : إنني ولعلني ولكنني لأن هذه حروف مشبهة بالفعل
قال سيبويه : قلت له : يعني الخليل ما بال العرب قالت : إني وكأني ولعلي ولكني فزعم : أن هذه الحروف اجتمع فيها أنها كثيرة من كلامهم وأنهم يستثقلون في كلامهم التضعيف فلما كثر استعمالهم إياها مع تضعيف الحروف حذفوا النون التي تلي الياء قال : فإن قلت : ( لعلي ) ليس فيها تضعيف فإنه زعم : أن اللام قريبة من النون يعني في مخرجها من الفم وقد قال الشعراء في الضرورة : ليتي
وقال : سألته عن قولهم : عني وقطني ولدني : ما بالهم جعلوا علامة المجرور ها هنا كعلامة المنصوب فقال : إنه ليس من حرف تلحقه ياء الإِضافة إلا كان متحركاً مكسوراً ولم يريدوا أن يحركوا الطاء التي في ( قط ) ولا النون التي في ( من ) فجاءوا بالنون ليسلم السكون وقدني بهذه المنزلة وهذه النون لا ينبغي أن نذكرها في غير ما سمع من العرب لا يجوز أن تقول : قدي كما قلت مني وقد جاء في الشعر ( قدي ) قال الشاعر :
( قدْنِيَ مِنْ نصر الخُبيْبَيْن قَدِي ... )

فقال : قدي لما اضطر شبهه بحسبي كما قال : ليتي حيث اضطر وقال سيبويه : لو أضفت إلى الياء الكاف تجر بها لقلت : ما أنت كِي لأنها متحركة قال الشاعر لما اضطر :
( وأمّ أو عالٍ كها أو أقربا ... )
وقال آخر لما اضطر :
( فلا تَرى بَعْلاً ولا حَلائِلاً ... كَهُ ولا كَهُنَّ إلاّ حَاظِلا )
فهذا قاله سيبويه قياساً وهو غير معروف في الكلام واستغنى عن ( كي ) بمثلي
ولام الإِضافة تفتح مع المضمر إلا مع الياء لأن الياء تكسر ما قبلها تقول : لَهُ ولَكَ ثم تقول : لِي فتكسر لأن هذه الياء لا يكون ما

قبلها حرف متحرك إلا مكسوراً وهي مفارقة لأخواتها في هذا ألا ترى أنك تقول : هذا غلامُه فتصرف فإذا أضفت غلاماً إلى نفسك قلت : هذا غلامي فذهب الإِعراب وإنما فعلوا ذلك لأن الضم قبلها لا يصلح فلما غير لها الرفع وهو أول غير لها النصب إذا كان ثانياً وألزمت حالاً واحداً فقلت : رأيت غلامي
واعلم أن الذي حكي من قولهم : لولاي ولولا شيء شذ عن القياس كان عند شيخنا يجري مجرى الغلط والكلام الفصيح ما جاء به القرآن : لولا أنت
كما قال عز و جل : ( لولا أنتم لكنّا مؤمنين ) والذين قالوا : لولاك ولولاي قالوا : لأنها أسماء مبنية يؤكد المرفوع منها المخفوض فكأنهم إنما يقتصرون العبارة عن المتكلم والمخاطب والغائب لا بأي لفظ كان لأنه غير ملبس ولكنهم لا يجعلون غائباً مكان مخاطب لا يقولون : لولاه مكان لولاك فأما قولهم : عساك فالكاف منصوبة لأنك تقول : عساني فعساك مثل رماك وعساني مثل رماني
واعلم : أن علامة الإِضمار قد ترد أشياء إلى أصولها فمن ذلك قولك : لعبد الله مال ثم تقول : لك وله إنما كسرت مع الظاهر في قولك
لزيدٍ مالٌ كيلا يلتبس بلام الإبتداء إذا قلت : لهذا أفضل منك ألا تراهم قالوا : يا لبَكر حين أمنوا الإلتباس فمن ذلك : أعطيكموه في قول من قال : أعطيتكم ذاك فأسكن ردوه بالإِضمار إلى أصله كما ردوا بالألف واللام حين قالوا : أعطيتكموه اليوم فكان الذين وقفوا بإسكان الميم كرهوا الوقف على الواو

فلما وصلوا زال ما كرهوا فردوا وزعم يونس أنه يقول : أعطيتُكُمْه بإسكان الميم كما قال في الظاهر أعطيتكم زيداً
واعلم : أنَّ أنت وأنا ونحن وأخواتهن يكن فصلاً ومعنى الفصل أنهن يدخلن زوائد على المبتدأ المعرفة وخبره وما كان بمنزلة الإبتداء والخبر ليؤذن بأن الخبر معرفة أو بمنزلة المعرفة ولا يكون الفصل إلا ما يصلح أن يكون كناية عن الإسم المذكور فأما ما الخبر فيه معرفة واضحة فنحو قولك : زيد هو العاقلُ وكان زيد هو العاقل وأما ما الخبر فيه يقرب من المعرفة إذا أردت المعرفة وكان على لفظه فنحو قولك حسبت زيداً هو خيراً منك وكان زيد هو خيراً منك وتقول : إن زيداً هو الظريف فيكون فصل وإن زيداً هو الظريف وتقول : إن كان زيدٌ لهو الظريفُ وإن كنا لنحن هي ( نا ) في كنا ولو قلت كان زيدٌ أنت خيرا منه لم يجز أن تجعل أنت فصلاً لأن أنت غير زيد فإن قلت : كنت أنت خيراً من زيدٍ جاز أن يكون فصلاً وأن يكون تأكيداً فجميع هذه لمسائل الإسم فيها معرفة والخبر معرفة أو قريب منها مما لا يجوز أن يدخل عليه الألف واللام ولو قلت : ما أظن أحداً هو خير منك لم يجز أن تجعل ( هو ) فصلاً لأن واحداً نكرة ولكن تقول : ما أظن أحداً هو خير منك فجعل : هو مبتدأ و ( خير منك ) خبره وهذا الباب يسميه الكوفيون العماد وقال الفراء : ادخلوا العمادَ ليفرقوا بين الفعل والنعت لأنك لو قلت : زيدٌ العاقل لأشبه النعت فإذا قلت : زيدٌ هو العاقل قطعت ( هو ) عن توهم النعتِ فهذا الذي يسميه البصريون فصلاً ويسميه الكوفيون عِماداً وهو ملغى من الإِعراب فلا يؤكد ولا ينسق عليه ولا يحال بينه وبين الألف واللام وما قاربهما ولا يقدم قبل الإسم المبتدأ ولا قبل ( كان ) ولا يجوز كان هو القائم زيدٌ ولا هو القائم كان زيدْ وقد حكي هذا عن الكسائي لأنه كان يجعل العماد بمنزلة الألف

واللام في كل موضع يجوز وضعه معهما فإذا قلت : كنت أنت القائم جاز أن يكون أنت فصلاً وجاز أن يكون تأكيداً ويجوز أن يبتدأ به فترفع القائم
ولك أن تثني الفعل وتجمعه وتؤنثه فتقول : كان الزيدان هما القائمينِ وكان الزيدونَ هم القائمين وكانت هندٌ هي القائمة والظن وإنّ وجميع ما يدخل على المبتدأ والخبر يجوز الفصل فيه تقول : ظننتُ زيداً هو العاقلَ وإن زيداً هو العاقلُ فإذا قلت كان زيدٌ قائمةً جاريته فأدخلت الألف واللام على ( قائمةٍ ) وجعلتها لزيدٍ قلت : كان زيدق القائمةُ جاريتهُ فإن كانت الألف واللام للجارية صار المعنى : كان زيد التي قامت جاريتهُ فقلت : كان زيدُ القائمة جاريتُه حينئذٍ وهذا لا يجوز عندي ولا عند الفراء من قبل أنه ينبغي أن يكون الألف واللام هي الفصل بعينه وأن يصلح أن يكون ضميراً للأول

الباب الثالث من المبنيات : وهو الإسم الذي يشار به إلى المسمى
وفيه من أجل ذلك معنى الفعل وهي : ذَا وذه وتثنى ذا وذه فتقول : ذانِ في الرفع وذينِ في النصب والجر وتثنية ( تا ) تان وتجمع ذا وذه وتا أُولى وأولاءِ والمذكر والمؤنث فيه وسواء فذا اسم تشير به إلى المخاطب إلى كل ما حضر كما يدخلون عليه هاء التنبيه فيقولون : هذا زيدٌ وهذي أمةُ الله فإذا وقفوا على الياء أبدلوا منها هاءً في الوقف فإذا وصلوا أسقطوا الهاء وردوا الياء ويبدلون من الياء فيقولون : هذهِ أمةُ الله فإذا وصلوا قالوا : هذي أمةُ اللِه فإذا وقفوا حذفوا الهاء وردوا الياء ومنهم من يقول : هذه أمةُ اللِه
وهؤلاءِ تُمد وتقصرُ وإذا مدوا بنوه على الكسر لإلتقاء الساكنين فإن أدخلوا كاف المخاطبة فأول كلامهم لما يشار إليه وآخره للمخاطب والكاف ها هنا حرف جيء به للخطاب وليس باسمٍ لأن إضافة المبهمة محال من قبل أنها معارفٌ فلا يجوز تنكيرها وكل مضافٍ فهو نكرةٌ قبل إضافته فإذا أُضيف إلى معرفة صار بالإِضافة معرفةٌ وهو قولك : ذاكَ وذلكَ واللام في ( ذلكَ ) زائدة والأصل ( ذَا ) والكاف للخطاب فقط ومحالٌ أن تكون هنا اسماً لما بينت لك فإنما زدت الكاف على ( ذَا ) وكانت ( ذَا ) لما يومي إليه بالقرب
فإذا قلت ذلك دلت على أن الذي يومي إليه بعيدٌ وكذلك جميع الأسماء المبهمة إذا أردت المتراخي زدت كافاً للمخاطبة لحاجتك أن تنبه بالكاف المخاطب ونظير هذا هنا وها هنا وهناكَ وهنالكَ إذا أشرت إلى مكان فإن سألت رجلاً عن رجلٍ قلت : كيف ذاكَ الرجلُ

فتحت الكاف
فإن سألت امرأة عن رجلٍ قلت : كيفَ ذاكِ الرجلُ فكسرت الكاف قال الله عز و جل : ( كذلكِ الله يخلقُ ما يشاءُ ) فإن سألت رجلاً عن امرأةٍ قلت : كيفَ تلكَ المرأةُ فإن سألت المرأة عن امرأةٍ قلت : كيف تلكِ المرأةُ تكسر الكاف فإن سالت رجلاً عن رجلينِ قلت : كيف ذانكَ الرجلانِ ومن قال في الرجلِ ذلكَ : قال في الإِثنينِ : ذانّكَ بتشديد النون أبدلوا من اللام نوناً وأدغمت إحدى النونين في الأخرى كما قال عز و جل : ( فَذانِكَ بُرهَانانِ ) فإن سألت عن جماعةٍ رجلاً قلت : كيف أولئك الرجالُ وأولاكَ الرجالُ فإن سألت رجلاً عن امرأتين قلت : كيفَ تانك المرأتانِ وإن سألت امرأة عن رجلين قلت : كيف ذانِك الرجلانِ يا امرأةُ وإن سألتها عن جماعةٍ قلت : كيف أولئكِ الرجالُ يا امرأةَ فإن سألت رجلينِ عن رجلينِ قلت : كيف ذانكما الرجلانِ يا رجلانِ وإن سألتهما عن جماعةٍ قلت : كيف أولئكما الرجالُ يا رجلانِ وإن سألتهما عن امرأةٍ قلت : كيف تيكما وتلكما المرأةُ يا رجلانِ وإن سألتهما عن امرأتين قلت : كيفَ تانكما المرأتان يا رجلانِ وإن سألت جماعةٍ عن واحدٍ قلت : كيف ذاكم الرجلُ يا رجالُ وإن سألتهم عن رجلين قلت : كيف ذانكم الرجلانِ يا رجالُ وإن سألتهم عن جماعة قلت : كيف أُولئكَ الرجالُ يا رجالُ وإن سألتهم عن امرأةٍ قلت : كيف تلكم المرأة يا رجال وإن سألتهم عن امرأتين قلت : كيف تانكم المرأتانِ يا رجالُ وإن سألت امرأتين فعلامة المرأتينِ والرجلين في الخطاب سواءٌ فإن سألت نساء عن رجلٍ قلت : كيف ذاكنَّ الرجلُ يا نساءُ وباللام : كيف ذلكن الرجلُ يا نساءُ قال الله عز و جل : ( فذلكنَّ الذي لُمتْنُنَّيِ فيهِ ) فإن سألتهن عن رجلين قلت : كيف تيكن وإن سألتهن عن جماعةٍ قلت : كيفَ أُولئكنَّ النساءُ مثل المذكرِ

واعلم : أنه يجوز لك أن تجعل مخاطب الجماعة على لفظ الجنس أو تخاطبُ واحداً عن الجماعة فيكون الكلام له والمعنى يرجع إليهم كما قال الله تعالى : ( ذلكَ أَدنى ألاّ تَعُولوا ) ولم يقل : ذلكمُ لأن المخاطب النبي والدليل على أن في هذا معنى فعلٍ قولهم : هذا زيدٌ منطلقاً لأن منطلقاً انتصب على الحالِ والحال لا بد من أن يكون العامل فيها فعلٌ أو معنى فعلٍ


باب الأسماء المبنية المفردة التي سمي بها الفعل وذلك قولهم : صه ومه ورويدَ وإيه وما جاء على فَعالٍ نحو : حَذارِ ونزالِ وشتانَ فمعنى صه : اسكت ومعنى مه : أكفف فهذانِ حرفانِ مبنيانِ على السكون سمى الفعلَ بهما فأما رويدَ : فمعناه : المهلةُ وهو مبني على الفتح ولم يسكن آخره لأن قبله ساكناً فاختير له الفتح للياء قبله تقول : رويدَ زيداً فتعديهِ فأما قولك : رويدَك زيداً فإن الكاف زائدةٌ للمخاطبة وليست باسم وإنما هي بمنزلة قولك : التجاءَك يا فتى وأرأيتُك زيداً ما فعلَ ويدلك على أن الكاف ليست باسمٍ في التجاءَكَ دخول الألف واللام والألف واللام والإِضافة لا يجتمعان وكذلك الكاف في : أرأيتُكَ زيداً زائدةٌ للخطاب وتأكيده ألا ترى أن الفعل إنما عمل في زيد فإن قلت : إرودّ كان المصدر إرواداً وتصرف جميع المصادر فإن حذفت الزوائد على هذه الشريطة صرفت : رويدَ فقلت : رويداً يا فتى وإن نعت به قلت : ضعهُ وضعاً رويداً وتضيفه لأنه كسائر المصادر تقول : رويدَ زيدٍ كما قال الله عز و جل : ( فَضرب الرقاب ) ورويداً زيداً كما تقول ضرباً زيداً في الأمر فأما إيه وآه فمعنى إيه الأمر بأن : يزيدكُ من الحديث المعهودِ بينمكا فإذا نونت قلت : إيهٍ والتنوين للتنكير كأنك قلت : هات حديثاً وذاك كأنه قال : هات الحديثَ قال ذو الرمةِ :

( وقَفْنَا فَقُلْنَا إيهِ عَنْ أمِّ سَالِمٍ ... وَمَا بَالُ تَكْلِيمِ الدِّيَارِ البَلاقِعِ )
فإذا فتحت فهي زجرٌ ونهي كقولك : إيه يا رجلُ إني جئتُكَ فإذا لم ينون فالتصويت يريد الزجر عن شيءٍ معروفٍ وإذا نونت فإنما تريد الزجر عن شيءٍ منكورٍ قال حاتم :
( إيهاً فِدَىً لَكُمْ أُمّي وَمَا وَلَدَتْ ... حَامُوا على مَجْدِكُم واكْفُوا مَنِ اتَّكَلاَ )
ومن ينون إذا فتح فكثير والقليل من يفتح ولا ينون وجميع التنوين الذي يدخل في هذه الأصوات إنما يفرق بين التعريف والتنكير تقول : صه يا رجلُ هذا الأصل في جميع هذه المبنيات ومنها ما يستعمل بغير تنوين البتة فما دخله التنوين لأنه نكرةٌ قولهم : فدىً لكَ يريدون به الدعاء والدعاء حقه أن يكون على لفظ الأمر فمن العرب من يبني هذه اللفظة على الكسر وينونها لأنها نكرةٌ يريدُ بها معنى الدعاء
ومن هذا الباب قولهم : هاء يا فتى ويثنى فيقول هائِماً وهائم

للجميع كما قال : ( هاؤم اقرؤواْ كتابيه ) وللمؤنث هاءِ بلا ياءٍ مثل هاكَ والتثنية هاؤما مثل المذكرين وهاؤن تقوم الهمزة في جميع ذا مقام الكاف ولك أن تقول : هاءَ يا قوم كما قال عز و جل : ( ذلكَ خيرٌ لَّكُمْ ) وأصل الكلام ( ذلكم ) هذا في الخطاب يجوز لأن كل واحدٍ منهم يخاطب وقال : هاكَ وهاكما وهاكم والمؤنث هاكِ وأما ما كان على مثالِ فَعالِ مكسورِ الآخر فهو على أربعةِ أضربٍ والأصل واحدٌ
واعلم : أنه لا يبني شيءٌ من هذا الباب على الكسر إلا وهو مؤنثٌ معرفة ومعدولٌ عن جهته وإنما يبنى على الكسر لأن الكسر مما يؤنث به تقول للمرأة : أنتِ فعلتِ وإنكِ فاعلة وكان أصل هذا إذا أردت به الأمر السكون فحركت لإلتقاء الساكنين فجعلت الحركة الكسر للتأنيث وذلك قولك : نَزالِ وتَراكِ ومعناه : أنزلْ واتركْ فهما معدولان عن المتاركة والمنازلة قال الشاعر :
( وَلِنعْمَ حَشْوُ الدِّرْعِ أنْتَ إذَا ... دُعِيتْ نَزالِ وَلُجَّ في الذُّعْرِ )

فقال : دُعيت لما ذكر ذلك في التأنيث
وقالوا : تراكَها وحَذارِ ونَظارِ فهذا ما سمي الفعل به باسم مؤنثٍ ويكون ( فَعالِ ) صفةً غالبةً تحل محل الإسم نحو قولهم : للضبعِ جَعارِ يا فتى وللمنية : حَلاقِ ويكون في التأنيث نحو يا فَساقِ
والثالث : أن تسمي امرأةً أو شيئاً مؤنثاً باسم مصوغ على هذا المثال نحو : حَذامِ ورَقاشِ
والرابع : ما عَدَلَ مِن المصدر نحو قوله :
( جَمَادِ لَهَا جَمَادِ ولا تَقولِي ... طَوَالَ الدَّهْرِ ما ذُكِرَتْ حَمَادٍ )
قال سيبويه : يريد : قولي لَها جمودُ ولا تقولي لَها حَمْداً ومن ذلك فَجارِ يريدون : الفَجْرَةَ ومَسارِ يريدون : المَسرةَ وبَداوِ يريدون : البَدوَ وقد جاء من بَنات الأربعة معدولاً مبني قَرْ قارِ وعَرْ عَارِ وهي لُغيةٌ وشتان : مبني على الفتح لأنه غير مؤنثٍ فهو اسم للفعل إلا أن الفعل هنا غير أمر وهو خبر ومعناه : البعدُ المفرط وذلك قولك : شتانَ زيدق وعمروٌ فمعناه : بَعُد ما بين زيدٍ وعَمروٍ جداً وهو مأخوذ من شَتَّ والتشتتُ التبعيد ما بين الشيئين أو الأشياء فتقدير : شتانَ زيدٌ وعمروٌ تباعدَ زيدٌ وعمروٌ ولأنه اسم لفعلٍ ما تم به كلام قال الشاعر :

( شَتَّانَ هَذَا والعِناقُ والنَّوم ... والمَشْربُ البَارِدُ في ظِلِّ الدَّوْمْ )
فجميع هذه الأسماء التي سمي بها الفعل إنما أُريد بها المبالغة ولولا ذلك لكانت الأفعال قد كَفَتْ عنها


باب الإسم الذي قام مقام الحرف وذلك كَمْ ومَنْ وما وكيفَ ومتى وأينَ فأما ( كَمْ ) فبنيت لأنها وقعت موقع حرف الإستفهام وهو الألف وأصل الإستفهام بحروف المعاني لأنها آلة إذا دخلت في الكلام أعلمت أن الخبر استخبارٌ : و ( كَمْ ) اسم لعدد مبهم
فقالوا : كَم مالكَ فأوقعوا ( كَمْ ) موقف الألف لما في ذلك من الحكمة والإختصار إذ كان قد أغناهم عن أن يقولوا أعشرونَ مالَكَ أثلاثونَ مالكَ أخمسونَ والعدد بلا نهايةٍ فأتوا باسم ينتظم العدد كلَّهُ
وأما ( مَنْ ) فجعلون سؤالاً عن منْ يعقلُ نحو قولك : مَنْ هذا ومَن عمروٌ فاستغني بمن عن قولك : أزيدٌ هذا أعمروٌ هذا أبكرٌ هذا والأسماء لا تحصى فانتظم بِمَنْ جميع ذلك ووقعت أيضاً موقع حرف الجزاء وهو ( إنْ ) في قولك : مَنْ يأتني آتِه
وأما ( ما ) فيسأل بها عن الأجناس والنعوت تقول : ما هذا الشيء فيقال : إنسانٌ أو حمارٌ أو ذهَبٌ أو فِضَّةٌ ففيها من الإختصار مثل ما كان في ( مَنْ ) وتسأل بها عن الصفات فتقول : ما زيدٌ فيقال : الطويلُ والقصيرُ وما أشبه ذلك ولا يكون جوابها زيدٌ ولا عمروٌ فإن جعلت الصفة في موضع الموصوف على العموم جاز أن تقع على مَن يعقلُ
ومن كلام العرب : سبحانَ ما سبحَ الرعدُ بحمدهِ وسبحانَ ما سخركنَ لنا وقال الله عز و جل :

( والسماء وما بناها ) فقال قوم : معناه : ومنْ بَناها وقال آخرون : إنما والسماءَ وبنائها كما تقول : بلغني ما صنعتَ : أي صنيعُكَ لأن ( ما ) إذا وصلت بالفعل كانت بمعنى المصدرِ
وأما ( كيفَ ) فسؤال عن حال ينتظم جميع الأحوال يقالُ : كيف أنتَ فتقول : صالحٌ وصحيح وآكلٌ وشارب ونائمٌ وجالس وقاعدٌ والأحوال أكثر من أن يحاط بها فإذا قلت : ( كيفَ ) فقد أغنى عن ذكر ذلك كلهِ وهي مبنيةٌ على الفتح لأن قبل الياءِ فاءٌ فاستثقلوا الكسر مع الياء وأصل تحريك التقاء الساكنين الكسر فمتى حركوا بغير ذلك فإنما هو للإستثقالِ أو لإتباع اللفظِ اللفظَ
فأما ( متى ) فسؤالٌ عن زمانٍ وهو اسمٌ مبنيٌّ والقصة فيه كقصةِ ( مَنْ وكيف ) في أنه مغنٍ عن جميع أسماء الزمان أيوم الجمعةِ القتال أمْ يوم السبتِ أم يوم الأحدِ أم سنة كذا أم شهر كذا فمتى يغني عَنْ هذا كله وكذا ( أيانَ ) في معناها : كما قال الله عز و جل : ( أيانَ يومُ القيامةِ ) وقال : ( يسألونَك عن الساعةِ أيَان مُرساها ) وبنيت على الفتح لأن قبلها ألفاً فأتبعوا الفتحَ الفتحَ
وأما ( أينَ ) فسؤالٌ عن مكانٍ وهي كمَتى في السؤال عن الزمان إذا قلت : أينَ زيد قيل لك : في بغدادَ أو البصرة أو السوقِ فلا يمتنع مكانُ من أن يكون جواباً وإنما الجواب من جنس السؤال فإذا سئلت عن مكان لم يجز أن تخبر بزمان وإذا سئلت عن عددٍ لم يجز أن تخَبرَ بحالٍ وإذا سئلت عن معرفةٍ لم يجز أن تخبر بنكرةٍ وإذا سئلتَ عن نكرةٍ لم يجز أن تخبر بمعرفةٍ فهذه المبنيات المبهمات إنما تعرف بأخواتها وتعلم مواضعها من الإِعراب بذلك


باب الظرف الذي يتمكن وهو الخامس من المبنيات وذلك نحو الآنَ ومُذْ ومنذُ فأما الآن فقال أبو العباس رحمه الله : إنما بني لأنه وقع معرفةً وهو مما وقعت معرفته قبل نكرته لأنك إذا قلت : الآنَ فإنما تعني به الوقت الذي أنت فيه من الزمان فليس له ما يشركه ليس هو آنٌ وآنٌ فتدخل عليه الألف واللام للمعرفة وإنما وقع معرفةً لِما أنت فيه من الوقت
وأما ( مُنذ ) فإذا استعملت اسماً أن يقع ما بعدها مرفوع أو جملة نحو : ما رأيته منذ يومان وإن المعنى : بيني وبينَ رؤيته يومانِ وقد فسرت ذلك فيما تقدم وهي مبنيةٌ على الضم وإنما حركت لذلك لأن قبلها ساكناً وبنيت على الضم لأنها غاية عند سيبويه واتبعوا الضَّم الضَّم وقد يستعمل حرفاً يجر وأما ( مذ ) فمحذوفةٌ من ( مُنْذُ ) والأغلب على ( مُذْ ) أن تستعمل اسماً ولو سميت إنساناً بمذ لقلت مُنيذُ إذا صغرته فرددت ما ذهب وصار ( مُذْ ) أغلب على الأسماءِ لأنها منقوصة ولَدن ومِنْ عَلُ
كما قال الشاعر :
( وهي تَنُوشُ الحَوْضَ نَوْشاً مِن علا ... )

وأما الأفعال فنحو : خذْ وكُلْ وع كلامي وشِ ثَوباً وأما الحروف فلا يلحقها ذلك وكانت مذ ومنذ أغلب على الحروف فكل واحدٍ منهما يصلحُ في مكانِ أُختِها وإنما ذكرنا منذُ ومذْ في الظروف لأنهما مستعملان في الزمان


الباب السادس من المبنيات المفردة وهو الصوت المحكى وذلك نحو : غاق وهي حكاية صوت الغراب وماء وهو حكاية صوت الشاةِ وعاءٍ وحاءٍ زجرٌ ومن ذلك حروف الهجاء نحو ألفٍ باء تاء ثاء وجميع حروف المعجم إذا تهيجت مقصورة موقوفة وكذلك كاف ميم موقوفة في التهجي أما زاي فيقال : زاي وزي والعدد مثله إذا أردت العدد فقط وقال سيبويه تقول : واحد اثنانِ فتشم الواحد لأنه اسمٌ ليس كالصوتِ ومنهم من يقول : ثلاثة أربعة فيطرحُ حركة الهمزة على الهاء ويفتحها ولم يحولها تاءً لأنه جعلها ساكنة والساكن لا يغير في الإِدراج فإذا لم ترد التهجي بهذه الحروف ولم تردْ أن تعد بأسماء العدد فررت منها جرت مجرى الأسماء ومددت المقصور في الهجاء فقلت : هذه الباء أحسن من هذه الباءِ وتقول : هذه الميم أحسن من هذه الميمِ وكذلك إذا عطفت بعضها على بعضٍ أعربت لأنها قد خرجت من باب الحكاية وذلك نحو قولك : ميمٌ وباءٌ وثلاثةٌ وأربعةٌ إنما مددت المقصور من حروف الهجاء إذا جعلته اسماً وأعربته لأن الأسماء لا يكون منها شيءٌ على حرفين أحدهما حرف علةٍ
ذكر الضرب الثاني من المبنيات وهو الكلم المركب :
هذه الأسماء على ضربين : فضربٌ منها يبنى فيه الإسم مع غيره وكان الأصل أن يكون كل واحدٍ منهما منفرداً من صاحبه والضرب الثاني : أن يكون أصلُ الإسم الإِضافة فيحذف المضافُ إليه وهو في النية

فالضرب الأول على ستة أقسم : اسمٌ مبني مع اسمٍ واسمٌ مبني مع فعلٍ واسم مبني مع حرفٍ واسم مع صوتٍ وحرف بنيَ مع فعلٍ وصوت مع صوتٍ فأما الإسم الذي بني مع الإسم فخمسةَ عشر وستَة عشَر
وكل كلمتين من هذا الضرب من العدد فهما مبنيان على الفتح
وكان الأصلُ خمسةٌ وعشرةٌ
فحذفت الواو وبني أحدهما مع الآخر اختصاراً وجعُلا كاسمٍ واحدٍ وكذلك حادي عشَرَ وثالث عشر إلى تاسعَ عشَر والعرب تدع خمسة عشر في الإِضافة والألف واللام على حالها ومنهم من يقول : خمسةَ عشَركَ وهي رديئة ومن ذلك : حيصَ بيص بنيا على الفتح وهي تقال عند اختلاط الأمر وذهب شغَرَ بغَرَ وأيادي سبأ ومعناه الإفتراق وقَالى قَلا بمنزلة خمسَةَ عشَر ولكنهم كرهوا الفتح في الياء والألف لا يمكن تحريكها
ومن ذلك : خَازِ بَازَ وهو ذباب عند بعضهم وعند بعضهم داءٌ ومنهم من يكسر فيقول خاز باز وبعضُ يقول : الخازَ بازَ كحضرموتَ ومنهم من يقول : خاز بازٍ فيضيفُ وينون ومن ذلك قولهم : بيتَ بيتَ وبينَ بينَ ومنهم من يبني هذا ومنهم من يضيف ويبني صباحَ مساءَ ويومَ يومٍ ومنهم من يضيف جميع هذا ومن ذلك لقيته كفةَ كفةَ وكفةً كفةً
واعلم : أنهم لا يجعلون شيئاً من هذه الأسماء بمنزلة اسم واحدٍ إلا إذا أرادا الحالَ والظرفَ والأصل والقياسُ الإِضافة فإذا سميت بشيءٍ من ذا أضفته فإذا قلت : أنت تأتينا في كل صباح ومساءٍ أضفت لا غير لأنه قد زال الظرف وصار اسماً خالصاً فمعنى قولهم : هُوَ جاري بيتَ بيتَ أي ملاصقاً ووقع بينَ بينَ أي وسطاً وأما قَالى قَلا فبمنزلة : حضرموتَ لأنه اسم بلدٍ وليسَ بظرفٍ ولا حالٍ
وأسماء الزمان إذا أضيفت إلى اسمٍ مبني جاز أن تعربَها وجاز أن تبنيَها وذاك نحو : ( يومئذ ) تقول : سيرَ عليهِ يومئْذٍ ويومئذِ والتنوين ها هنا مقتطع ليعلم أنه ليس يراد به الإِضافة والكسر في الذال من أجل سكون النون فتقرأ على هذا إن شئت : من

عذابٍ يومئذِ ومن عذابٍ يومئذٍ ومذهب أبي العباس رحمه الله في دخول التنوين هنا أنه عوض من حذف المضاف إليه
الثاني اسم بني مع فعل : وهو قولهم : حبذا هندٌ وحبذا زيدٌ بنيَ حَبَّ وهو فعلٌ مع ذا وهو اسم
ومن العرب من يقول في أحبَّ حَبَّ وقولهم : محبوب إنما جاء على حَبَّ ولو كان على أحبَّ لكان محبُ فإذا بنوا أحَبَّ مع ذا اجتمعوا على طرح الألف والدليل على أن حبذا بمنزلة اسم أنك لا تقول حبذهِ وأنه لا يجوز أن تقول حبذا وتقف حتى تقول : زيدٌ أو هندٌ فتأتي بخبرٍ فحبَذا مبتدأٌ وهند وزيد خبرٌ ومما يدل على أن حَبَّ مع ذَا بمنزلة اسم أنه لا يجوز لك أن تقول : حَبَّ في الدار ذَا زيدٌ فلا يجوز أن تفصل بينهما وبين ( ذَا ) كما تفصل في باب نِعْمَ
الثالث اسم بني مع حرف : وذلك قولك : لا رجل ولا غلامَ ويدلك على أن ( لا ) مع رجلٍ بمنزلة اسم واحدٍ أنه لا يجوز لك أن تفصل رجلاً من ( لا ) لا تقول : لا فيها رحلٌ لكَ يجوز القول : لا ماءَ ماءَ بارداً ولا رجلَ رجل صالحاً عندكَ فبني ( ماءٌ مع ماءٍ ورجلاً مع رجلٍ ) قال أبو بكر : وقد استقصيتُ ذكر ذَا في بابه ومن ذلك قولهم : يا زيداه ويا أيها الرجلُ فأي اسمٌ وهاءُ حرفٌ وهو غير مفارقٍ لأيٍّ في النداء وقد بينا ذَا في باب النداء
الرابع اسم بني مع صوت : وذلك نحو سيبويه وعمرويه تقول : هذا سيبويه يا هذا وهذا عمرويهِ يا فلانُ وهو مبنيٌ على الكسرِ وإن قلت : مررتُ بعمرويهِ وعمرويهٍ آخر نونت الثاني لأنه نكرةٌ
الخامس : الحرف الذي بني مع الفعل : وذلك : هَلمَّ مبنياً على الفتح وهو اسمٌ للفعل ومعناه : تعالَ ويدل على أنه حرفٌ بني مع فعلٍ قول من

قال من العرب : هلما للإثنينِ وهلموا للجماعة وصرفوه تصريف لَمَّ بكذا والمعنى يدلُّ على ذلكَ
السادس الصوت الذي بني مع الصوت : وذلك قولهم : حَيَّ هَلَ الثريدَ ومعناه : إيتوا الثريدَ وحكى سيبويه : عن أبي الخطاب أّن بعض العرب يقول : حَيَّهلَ الصلاةَ
الضرب الثاني : من القسمة الأولى وهو ما أصله الإِضافة إلى اسم فحذف المضاف إليه :
فهذه المضافات على قسمين : قسم حذف المضاف إليه البتة وضربٌ منع الإِضافة إلى الواحد وأُضيف إلى جملة فأما ما حذف المضاف إليه فيجيء على ضربين : منهما ما بني على الضمة وهي التي يسميها النحويون الغاياتِ فمصروفة عن وجهها قبلُ وغيرُ وحسبُ فجميع هذه كانَ أصلها الإِضافة تقول : جئت من قبل هذا ومن بعد هذا وكنت أول هذا أو فوقَ وغيرَ هذا وهذا حسبُك أي كافيكَ فلما حذف ما أُضيفت إليه بنيت وإنما بنيت على الحركة ولم تبنَ على السكون وفي بعضها ما قبل لامه متحرك لأنها أسماءٌ أصلها التمكن وتكون نكراتٍ معرباتٍ فلما بنيتْ تجنب إسكانها وزادوها فضيلة على ما لا أصل له في التمكن فهذه علة بنائها على الحركة وأما بناؤها على الضم خاصةً فلأنَّ أكثر أحوالِ هذه الظروف أن تكون منصوبةً وذلك الغالب عليها فأخرجت إلى الضم ولم تخرج إلى الكسر لأن الكسر أخو النصب وجعلوا ذلك علامة للغاية لأن الكسر حقه أن يكون لإلتقاء الساكنين فتجنبوه ها هنا لأنه موضع تحرك لغير التقاء الساكنين
الثاني : ما بني وليس بغاية من ذلك أمس مبنية على الكسر وكسرت

لإلتقاء الساكنين وإنما بني لأنه يقال لليوم الذي قبل يومك الذي أنت فيه وهو ملازم لكل يوم من أيام الجمعة ووقع في أول أحواله معرفة فمعرفته قبل نكرته فمتى نكرته أعربته وغدٌ ليس كذلك لأنه غير معلوم لأنه مستقبلٌ لا تعرفه فإذا أضفت أمسِ نكرته ثم أضفته فيصير معرفة بالإِضافة كما تقول : زيدكَ إذا جعلتَهُ من أمةٍ كُلها زيدٌ وعرفته بالإِضافة وزالت المعرفة الأولى
وقال أبو العباس رحمه الله في قول الشاعر :
( طَلبُوا صُلْحَنَا وَلاَتَ أَوَانٍ ... فَأَجَبْنَا أنْ لَيْسَ حِينَ بقاءِ )
كان ( أوان ) مما لا يستعمل إلا مضافاً فلما حذف ما يضاف إليه بنوه على الكسر لإلتقاء الساكنين كما فُعِلَ بأمسِ وأُدخل التنوين عوضاً لحذف ما يُضاف إليه ( أوانَ ) ألا ترى أنهم لا يكادون يقولون : أوان صدقٍ كما يقولون في الوقت والزمن
ولكن يدخلون الألف واللام فيقولون : كانَ ذلكَ في هذا الأوانِ فيكونان عوضاً
الضرب الثاني ما منع الإِضافة إلى الواحد وأُضيف إلى جملة :
وذلك : حيثُ وإذْ وإذا فأما ( حيثُ ) فإن من العرب من يبنيها على الضم ومنهم من يبنيها على الفتح ولم تجىء إلا مضافةً إلى جملةٍ نحو

قولك : أقومُ حيثُ يقوم زيدٌ وأصلي حيثُ يصلي فالحركة التي في الثاء لإلتقاء الساكنين فَمنْ فتح فَمِنْ أجل الياء التي قبلها وفتح استثقالاً للكسر ومن ضمَّ فلشبهها بالغايات إذ كانت لا تضاف إلى واحدٍ ومعناها الإِضافةُ وكان الأصل فيها أن تقول : قمتُ حيثُ زيدٌ كما تقولُ : قمتُ مكانَ زيدٍ وأما إذْ فمبنية على السكون
وتضاف إلى الجمل أيضاً نحو قولك : إذْ قامَ زيدٌ وهي تدل على ما مضى من الزمان ويستقبحون جئتُكَ إذْ زيدٌ قامَ إذا كان الفعلُ ماضياً لم يحسن أن نفرق بينه وبين إذْ لأن معناهما في المضي واحدٌ
وتقول : جئتُكَ إذْ زيدٌ قام وإذ زيدٌ يقوم فحقها أن تجيء مضافة إلى جملة فإذا لم تضف نونته قال أبو ذؤيب :
( نَهيتُك عِنْ طِلابِكَ أُمَّ عَمْروٍ ... بِعَاقِبةٍ وأَنْتَ إذٍ صَحِيح )
وأما ( إذا ) فقلما تأتي من الزمان وهي مضافة إلى الجملة تقول : أجيئُكَ إذا أحمَر البسرُ وإذا قدَم فلانٌ ويدلك على أنها اسم أنها تقع موقع قولك : آتيكَ يوم الجمعةِ وآتيكَ زمَن كَذا ووقتَ كذا وهي لما يستأنف من الزمان ولم تستعمل إلا مضافةً إلى جملة
فأما ( لَدُنْ ) فجاءت مضافةً ومن العرب من يحذف النون فيقول : لدُ كذا وقد جعل حذف النون بعضهم أن قال : لَدُن غدوةً فنصب غدوةً لأنه توهم أن هذه النون زائدةٌ تقوم مقام التنوين فنصب كما تقول : قائمٌ غدوةً ولم يعملوا ( لَدن ) إلا في غدوةً خاصةً قال أبو بكر : قد ذكرنا الأسماء المعربة والأسماء المبنية وقد كنا قلنا : أن الكلام اسم وفعلٌ وحرفٌ ونحن نتبع الأسماء والأفعال ونذكر إعرابها وبناءها إن شاء الله


باب إعراب الأفعال وبنائها الأفعال تقسم قسمين : مبنيٌ ومعرب
فالمبني ينقسم قسمين : مبنيٌ على حركةٍ ومبنيٌ على سكونٍ فأما المبني على حركةٍ فالفعل الماضي بجميع أبنيته نحو : قام واستقام وضربَ واضطربَ ودحرجَ وتدحرجَ وأحمرَ واحمارَّ وما أشبه ذلك وإنما بني على الحركة لأنه ضارعَ الفعل المضارع في بعض المواضع نحو قولك : إنْ قامَ قمتُ فوقع في موضعٍ : إنْ تَقم ويقولون مررتَ برجلٍ ضَرَبَ كما تقول : مررتُ برجلٍ يضربُ فبنيَ على الحركة كما بني ( أولُ وعلُ ) في بابه على الحركة وجعل له فضيلة على ما ليس بمضارع المضارعِ عما حصل ( لأول وعل ) أو من قبل ومن بعد فضيلة على المبنيات وأما المبني على السكون فما أمرت به وليس فيه حرف من حروف المضارعة وحروف المضارعة الألف والتاءُ والنون والياءُ وذلك نحو قولك : قُم واقعدْ واضربْ فلما لم يكن مضارعاً للإسم ولا مضارعاً للمضارع ترك على سكونه لأن أصل الأفعال السكونُ والبناءُ وإنما أعربوا منها ما أشبه الأسماء وضارعها وبنوا منها على الحركة ما ضارع المضارع وما خلا من ذلك أسكنوهُ وهذه الألف في قولك : اقعد ألفُ وصلٍ إنما تنطق بها إذا ابتدأت لأنه لا يجوز أن تبتدىء بساكنٍ وما بعد حروف المضارعة ساكن فلما خلا الفعل منها واحتيج إلى النطق به أدخلت ألف الوصل وحق ألف الوصل أن تدخل على الأفعال المبنية فقط ولا تدخل على الأفعال المضارعة لأنها لا تدخل على الأسماء إلا

على ابنٍ وأخواته وهو قليل العدد وإنما بني فعلُ التعجب الذي يجيء على لفظ الأمر بنيَ على السكونِ نحو قولك : أكرمْ بزيدٍ وأسمعْ بهم وأبصرْ
وقد مضى ذكر ذا في باب التعجب
وأما الفعل المعرب فقد بينا أنه الذي يكون في أوله الحروف الزوائد التي تسمى حروف المضارعة وهذا الفعل إنما أُعرب لمضارعته الأسماءَ وشبهه بها والإِعراب في الأصل للأسماء وما أشبهها من الأفعال أُعرب كما أنه إنما أعرب من أسماء الفاعلين ما جرى على الأفعال المضارعة وأشباهها ألا ترى أنك إنما تُعمِلُ ( ضارباً ) إذا كان بمعنى يفعلُ فتقول : هذا ضاربٌ زيداً فإن كان بمعنى ( ضرب ) لم تعمله فمنعت هذا العمل كما منعت ذلك الإِعراب واعلم أنه إنما يدخله من الإِعراب الذي يكون في الأسماء : الرفعُ والنصب ولا جرَّ فيه وفيه الجزم وهو نظير الخفض في الأسماء لأن الجَرَّ يخص الأسماء والجزم يخص الأفعال ونحن نذكرها نوعاً نوعاً بعونِ الله
الأفعال المرفوعة :
الفعل يرتفع بموقعهِ موقَع الأسماءِ كانت تلك الأسماء مرفوعةً أو مخفوضةً أو منصوبةً فمتى كان الفعل لا يجوز أن يقع موقعه اسمٌ لم يجزْ رفعه وذلك نحو قولك : يقومُ زيدٌ ويقعدُ عمروٌ وكذلك عمروٌ يقولُ وبكرٌ ينظرُ ومررتُ برجلٍ يقومُ ورأيت رجلاً يقولُ ذاكَ ألا تَرى أنك إذا قلت : يقومُ زيدٌ جاز أن تجعل زيداً موضع ( يقومُ ) فتقول : زيدٌ يفعلُ كَذا وكذلك إذا قلت : عمروٌ ينطلق فإنما ارتفع ( ينطلقُ ) لأنه وقع موقع ( أخوكَ ) إذا قلت : زيدٌ أخوكَ فمتى وقع الفعل المضارع في موضع لا تقع فيه الأسماء فلا يجوزُ رفعه
وذلك نحو قولك : لم يقمْ زيدٌ لا يجوز أن ترفعه لأنه لا يجوز أن تقول : لم زيدٌ فافهَم هذا
واعلم : أن الفعل إنما أعُرب ما أُعرب منه لمشابهته الأسماء فأما الرفع

خاصةً فإنما هو لموقعه موقع الأسماء فالمعنى الذي رفعت به غير المعنى الذي أعربتَ بهِ
الأفعال المنصوبة :
وهي تنقسم على ثلاثة أقسام : فعلٌ ينصبُ بحرفٍ ظاهرٍ ولا يجوز إضمارهُ وفعلٌ ينتصبُ بحرفٍ يجوز أن يُضمَر وفعلٌ ينتصب بحرفٍ لا يجوزُ إظهارهُ والحروفُ التي تنصبُ : أنْ ولَن وكي وإذن
الأول : ما انتصب بحرف ظاهر لا يجوز إضماره وذلك ما انتصب بلن وكي تقول : لن يقومَ زيدٌ ولن يجلسَ فقولك : لن يفعلَ يعني : سَيفعلُ يقول القائل : سيقومُ عمروٌ فتقول : لَن يقومَ عمروٌ وكان الخليل يقول : أصلها لا أَنْ فألزمه سيبويه : أن يكون يقدم ما في صلة ( أن ) في قوله : زيداً لَنْ أضربَ وليس يمتنع أحد من نصب هذا وتقديمه فإن كان على تقديره فقد قدم ما في الصلة على الموصول
وأما ( كي ) فجواب لقولك : لِمه إذا قال القائل : لِمَ فعلت كذا فتقول : كي يكون كذا ولِمَ جئتني فتقول : كي تعطيَني فهو مقارب لمعنى اللام إذا قلت : فعلتُ ذلك لِكذا فأما قول من قال : كيمه في الإستفهام فإنه جعلها مثل لِمَه فقياس ذلك أن يُضمر ( أنْ ) بعد ( كي ) إذا قال : كي يفعل لأنه قد أدخلها على الأسماء
وكذا قول سيبويه : والذي عندي أنه إنما قيل : كيمه لَما تشبيهاً
وقد يشبهون الشيء بالشيءِ وإن كان بعيداً منه

وأما إذِنٍ فتعمل إذا كانت جواباً وكانت مبتدأة ولم يكن الفعل الذي بعدها معتمداً على ما قبلها وكان فعلاً مستقبلاً فإنما يعمل بجميع هذه الشرائط وذلك أن يقول القائل : أنا أكرمكَ فتقول : إذن أجيئَك إذن أحسنَ إليكَ إذن آتيَكَ
فإن اعتمدت بالفعل على شيءٍ قبل ( إذنْ ) نحو قولك : أنا إذنْ آتيكَ رفعت وألغيتَ كما تلغى ظننتُ وحسبتُ وليس بشيءٍ من أخواتها التي تعمل في الفعل يُلغى غيرها فهي في الحروف نظير أرى في الأفعال ومن ذلك إن تأتني إذن آتك لأن الفعل جواب : إنْ تأتني فإن تم الكلام دونها جاز أن تستأنف بها وتنصب ويكون جواباً وذلك نحو قول ابن عَنَمة :
( أرْدُدْ حِمَارَكَ لا تُنْزَع سَوِيَّتُهُ ... إذنْ يُردَّ وقَيْدُ العَيْرِ مَكْرُوبُ )
فهذا نصبٌ لأن ما قبله من الكلام قد استغنى وتمَّ ألا ترى أنَّ قوله : اردد حمارَك لا تُنزعْ سويَتُه كلام قد تمَّ ثم استأنف كأنه أجاب من قال : لا أفعلُ ذاكَ فقال :
( إذنْ يُردَّ وقَيْدُ العيرِ مكروبُ ... )
فإن كان الفعل الذي دخلت عليه ( إذنْ ) فعلاً حاضراً لم يجز أن تعمل فيه لأن أخواتها لا يدخلن إلا على المستقبل وذلك إذا حدثت بحديثٍ فقلت : إذنْ أظنه فاعلاً وإذن أخالكَ كاذباً وذلك لأنك تخبر عن الحال

التي أنت فيها في وقت كلامك فلا تعمل ( إذن ) لأنه موضع لا تعمل فيه أخواتها فإذا وقعت ( إذن ) بين الفاء والواو وبين الفعل المستقبل فإنك فيها بالخيار : إن شئتَ أعملتها كإعمالك أرى وحسبت إذا كانت واحدةٌ منها بين اسمين وإن شئت ألغيت فأما الإِعمال فقولك : فإذنْ آتيكَ فإذنْ أكرمَكَ قال سيبويه : وبلغنا أن هذا الحرف في بعض المصاحف : ( وإذن لا يلبثوا خلفك إلا قليلا ) وأما الإِلغاء فقولك : فإذن أجيئُكَ وقال عز و جل : ( وإذنْ لا يؤتون الناس نقيرا )
واعلم : أنه لا يجوز أن تفصل بين الفعل وبين ما ينصبه بسوى إذن وهي تُلغى وتقدم وتؤخر تقول : إذنْ والله أجيئكَ فتفصل والإِلغاء قد عرفتك إياهُ وتقول : أنا أفعلُ كذا إذنْ فتؤخرها وهي ملغاة أيضاً وإذا قلت : إذنْ عبدُ اللّه يقولُ ذلكَ فالرفع لا غير لأنه قد وليها المبتدأ فصارت بمنزلة ( هَلْ ) وزعم عيسى : أن ناساً يقولون : إذن أفعلُ في الجواب
الثاني ما انتصب بحرف يجوز إظهاره وإضماره :
وهذا يقع على ضربين : أحدهما أن تعطف بالفعل على الإسم والآخر أن تدخل لامَ الجر على الفعل فأما الضرب الأول من هذا وهو أن تعطف الفعل على المصدر فنحو قولك : يعجبني ضربُ زيدٍ وتغضبَ
تريد : وأنْ

تغضَب فهذا إظهار ( أنْ ) فيه أحسنُ
ويجوز إضمارها فأنْ مع الفعل بمنزلة المصدر فإذا نصبت فقد عطفت اسماً على أسمٍ ولولا أنك أضمرت ( أنْ ) ما جاز أن تعطف الفعل على الإسم لأن الأسماء لا تُعطف على الأفعالِ ولا تُعطفُ الأفعالُ على الأسماءِ لأن العطف نظير التثنية فكما لا يجتمع الفعل والإسم في التثنية كذلك لا يجتمعان في العطف فمما نصب من الأفعال المضارعة لما عطف على اسمٍ قول الشاعر :
( لَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وتَقَرَّ عيني ... أَحَبُّ إليَّ مِنْ لُبْسِ الشُّفُوفِ )
كأنه قال : للبسُ عباءةٍ وأنْ تقرَّ عيني
وأما الضرب الآخر فما دخلت عليه لامَ الجر وذلك نحو قولك : جئتُكَ لتعطيني ولتقومَ ولتذهبَ وتأويل هذا : جئتُك لأنْ تقومَ جئتُكَ لأنْ تعطيني ولأن تذهبَ وإنْ شئتَ أظهرتَ فقلت ( لأنَّ ) في جميعِ ذلك وإن شئت حذفت ( أنْ ) وأضمرتها ويدلك على أنه لا بدّ من إضمار ( أنْ ) هنا إذا لم تذكرها أن لام الجر لا تدخل على الأفعال وأن جميع الحروف العوامل في الأسماء لا تدخل على الأفعالِ وكذلك عوامل الأفعال لاتدخل على الأسماء وليس لك أن تفعل هذا مع غير اللام لو قلت : هذا لك بتقوم تريد بأن تقوم لم يجز وإنما شاع هذا مع اللام من بين حروف الجر فقط للمقاربة التي بين كي واللام في المعنى

الثالث وهو الفعل الذي ينتصب بحرف لا يجوز إظهاره :
وذلك الحرف ( أنْ ) والحروفُ التي تضمر معها ولا يجوز إظهارها أربعة أحرفٍ ( حتى ) إذا كانت بمعنى إلى أنْ والفاء إذا عطفت على معنى الفعل لا على لفظه والواو إذا كانت بمعنى الإجتماع فقط وأو إذا كانت بمعنى إلى ( أنْ )
شرح الأول من ذلك وهو حتى :
اعلم : أن ( حتىَ ) إذا وقعت الموقع الذي تخفض فيه الأسماء ووليها فعلٌ مضارع أضمر بعدها ( أنْ ) ونصب الفعلَ وهي تجيء على ضربين : بمعنى ( إلى ) وبمعنى ( كي ) فالضرب الأول قولك : أنا أسيرٌ حتى أدخلَها والمعنى : أسير إلى أن أدخلَها وسرت حتى أدخلهَا كأنه قال : سرت إلى دخولِها فالدخول غايةٌ للسير وليسَ بعلةٍ للسيرٍ وكذلك : أنا أقف حتى تطلعَ الشمسُ وسرتُ حتى تطلَع الشمسُ والضربُ الآخر أن يكون الدخول علة للسيرِ فتكون بمعنى ( كي ) كأنه قال : ( سرتُ كي أدخلَها ) فهذا الوجه يكون السير فيه كان والدخول لم يكن كما تقول : أسلمت حتى أدخلَ الجنةَ وكلمته كي يأمر لي بشيءٍ ( فَحتىَّ ) متى كانت من هذين القسمين اللذين أحدهما يكون غاية الفعل وهي متعلقة به وهي من الجملة التي قبلها فهي ناصبة وإن جاءت بمعنى العطف فقد تقع ما بعدها جملة وارتفاع الفعل بعدها على وجهين : على أن يكون الفعل الذي بعدها متصلاً بالفعل الذي قبلها أو يكون منقطعاً منه ولا بدّ في الجميع من أن يكون الفعلُ الثاني يؤديه الفعل الأول فأما الوجه الأول فنحو قولك : سرتُ حتى أدخلَها ذكرت أن الدخول اتصل بالسير بلا مهلة بينهما كمعنى الفاء إذاعطفت بها فقلت : سرت فأنا أدخلَها
وصلت الدخول بالسير كما قال الشاعر :
( تُرادى عَلَى دِمْنِ الحِيَاضِ فإنْ تَعَفْ ... فإنَّ المُنَدَّى رِحْلَةٌ فَرُكُوبُ )

وينشدُ تراد لم يجعل بين الرحلة والركوب مهلةُ ولم يرد أنَّ رحلته فيما مضى وركوبه الآن ولكنه وصل الثاني بالأول ومعنى قولي : إنَّكَ إذا رفعتَ ما بعد حتى فلا بدّ من أن يكون الفعلُ الذي قبلها هو الذي أدى الفعلَ الذي بعدها أن السير به كان الدخول إذا قلت : سرتُ حتى أدخلَها
ولو لمْ يسرْ لَم يدخلْها ولو قلت : سرتُ حتى يدخلُ زيدٌ فرفعت ( يدخلُ ) لمِ تَجر لأن سيرك لا يؤدي زيداً إلى الدخول فإن نصبت وجعلتَها غايةً جازَ فقلت : سرتُ حتى يدخلَ زيدٌ تريدُ إلى أن يدخل زيدٌ وكذلك : سرتُ حتى تطلعَ الشمسُ ولا يجوز أن ترفع ( تَطلعُ ) لأنَّ سيركَ ليس بسببٍ لطلوع الشمسِ وجاز النصب لأن طلوع الشمسِ قد يكون غايةً لسيرك
وأما الوجه الثاني من الرفع : فأن يكون الفعلُ الذي بعد ( حتىَّ ) حاضراً ولا يراد به اتصاله بما قبله ويجوز أن يكون ما قبله منقطعاً ومن ذلك قولك : لقد سرت حتى أدخلها وما أمنع حتى أني أدخلُها الآن أدخلُها كيفَ شئت ومثل قول الرجل : لقد رأى مني عاماً أول شيئاً حتى لا أستطيع أن أكلَمه العامَ بشيءٍ
ولقد مَرِض حتى لا يرجونه إنما يراد أنه الآن لا يرجونه وأن هذه حاله وقت كلامه ( فحتى ) ها هنا كحرفٍ من حروف الإبتداء والرفع

في الوجهين جميعاً كالرفع في الإسم لأن حتى ينبغي أن يكون الفعل الأول هو الذي أدى إلى الثاني لأنه لولا سيره لم يدخل ولولا ما رأى منه في العام الأول ما كان لا يستطيع أن يكلمه العام ولولا المرضُ ما كان لا يُرجى وهذا مسألة تبين لك فيما فرق ما بين النصب والرفع تقول : كان سيري حتَى أدخلُها فإذا نصبت كان المعنى : إلى أن أدخلَها فتكون ( حتى ) وما عملت فيه خبرَ كان فإن رفعت ما بعد ( حتى ) لم يجز أن تقول : كان سيري حتَّى أدخلَها لأنك قد تركت ( كانَ ) بغير خبرٍ لأن معنى ( حتى ) معنى الفاء فكأنك قلت : كان سيري فأدخلها فإن زدت في المسألة ما يكون خبراً ( لكانَ ) جاز فقلت : كان سيري سيراً متعباً حتى أدخلَها وعلى ذلك قرىء : ( حتى يقولُ الرسول ) وحتى يقولُ : مَنْ نصبَ جعلَهُ غايةً ومَن رفَع جعلَه حالاً
شرح الثاني : وهو الفاء :
اعلم : أن الفاء عاطفة في الفعل كما يعطف في الإسم كما بينت لك فيما تقدم فإذا قلت : زيدٌ يقومُ فيتحدث فقد عطفت فعلاً موجباً على فعلٍ موجبٍ وإذا قلت : ما يقومُ فيتحدث فقد عطفت فعلاً منفياً على منفيّ فمتى جئت بالفاء وخالف ما بعدها ما قبلها لم يجز أن تحمل عليه فحينئذٍ تحمل الأول على معناه وينصب الثاني بإضمار ( أنْ ) وذلك قولك : ما تأتني فتكرمني وما أزورك فتحدثني لَم ترد : ما أزورك وما تحدثني ولو أردت

ذلك لرفعت ولكنك لما خالفت في المعنى فصار : ما أزوركَ فكيف تحدثني وما أزوركَ إلاّ لم تحدثني حمل الثاني على مصدر الفعل الأول وأضمر ( أنْ ) كي يعطف اسماً على اسمٍ فصار المعنى ما يكون زيارةٌ مني فحديثٌ منكَ
وكذا كلما كان غير واجب نحو الأمر والنهي والإستفهام فالأمرُ نحو قولك : إئتني فأكرِمَكَ والنهي مثل : لا تأتني فأكرمَكَ والإستفهام مثل : أتأتني فأعطيَك لأنه إنما يستفهم عن الإِتيان ولم يستفهم عن الإِعطاء وإنما تضمر ( أنْ ) إذا خالف الأول الثاني فمتى أشركت الفاء الفعلَ الثاني بالأول فلا تضمر ( أنْ ) وكذلك إذا وقعت موقع الإبتداء أو مبنيٌّ على الإبتداء
شرح الثاني : وهو الواو :
الواو تنصب ما بعدها في غير الواجب من حيث انتصب ما بعد الفاء وإنما تكون كذلك إذا لم ترد الإِشراك بين الفعلِ والفعلِ وأردت عطفَ الفعلِ على مصدر الفعلِ الذي قبلَها كما كان في الفاء وأضمرت ( أنْ ) وتكون الواو في جميع هذا بمعنى ( مَع ) فقط وذلك قولك : لا تأكلِ السمكَ وتشربَ اللبنَ أي لا تجمعْ بين أكلِ السمكِ وشربِ اللبنِ فإنْ نهاه عن كل واحدٍ منهما على حالٍ قال : ولاَ تشربِ اللبنَ على حالٍ وتقول : لا يسعني شيءٌ ويعجز عنكَ فتنصبُ ولا معنى للرفع في ( يعجزُ ) لأنه ليس يخبر أن الأشياء كلها لا تسعه وأن الأشياء كلها لا تعجز عنه إنما يعني لا يجتمع أن يسعني شيءٌ ويعجز عنك كما قال :
( لاتَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وتَأْتِيَ مِثْلَهُ ... عَارٌ عَلَيْكَ إذا فَعَلْتَ عَظِيمُ )

أي لا يجتمع أن تنهي وتأتي ولو جزم كان المعنى فاسداً
ولو قلت بالفاء : لا يسعني شيءٌ فيعجزَ عنكَ كان جيداً لأن معناه : لا يسعني شيءٌ إلا لم يعجزْ عنكَ ولا يسعني شيءٌ عاجزاً عنكَ
فهذا تمثيلٌ كما تمثلُ : ما تأتيني فتحدثني إذا نصبت بما تأتيني إلاّ لم تحدثني وبما تأتيني محدثاً وتنصب مع الواو في كل موضع تنصب فيه مع الفاء وكذلك إذا قلت : زرني فأزوركَ تريدُ ليجتمعَ هذان قال الشاعر :
( أَلم أَكُ جَاَركُمْ ويَكُونَ بَيْنِي ... وَبَيْنَكُم المَوَدَّةُ والإِخَاءُ )
أراد : ألم يجتمعْ هذانِ ولو أراد الإِفراد فيهما لم يكن إلا مجزوماً والآية تقرأ على وجهين ( ولما يعلمِ الله الذينَ جاهدوا منكم ويعلم الصابرينَ ) وإنما وقع النصب في باب الواو والفاء في غير الواجب لأنه لو كان الفعلُ المعطوف عليه واجباً لم يبنِ الخلاف فيصلحُ إضمارُ ( أنْ )
شرح الرابع وهو ( أو ) :
اعلم : أن الفعل ينتصب بعدها إذا كان المعنى معنى إلا أن تفعلَ تقول : لألزمنَّكَ أو تعطيني كأنه قال : ليكوننَّ اللزومُ والعطيةُ وفي مصحف أُبي ( تقاتلونهم أو يسلموا ) على معنى : إلا أن يُسلموا أو حتى يسلموا وقال امرؤ القيس :

( فَقُلْتُ لَهُ : لا تَبْكِ عَينُكَ إنَّما ... نُحَاوِلُ مُلْكاً أو نَمُوتَ فَنُعْذَرَا )
أي : إلا أن نموت فنعذَرا فكلُ موضعٍ وقعتْ فيهِ أو يصلح فيه إلا أنْ وحتى فالفعل منصوب فإن جاء فعلٌ لا يصلحُ هذا فيهِ رفعت وذلك نحو قولك أتجلس أو تقومُ يا فَتى والمعنى : أيكونَ منكَ أحدُ هذينِ وهل تكلمنا أو تنبسطُ إلينا لا معنى للنصبِ هنا وقال الله عز و جل : ( هل يسمعونكم إذْ تدعونَ أو ينفعونكم أو يضُرُّونَ ) فهذا مرفوع لا يجوز فيه النصب لأن هذا موضع لا يصلحُ فيه ( إلاّ أنْ )
الأفعال المجزومة :
الحروف التي تجزم خمسةٌ : لَمْ ولَمّا ولا في النهي واللام في الأمر وإنْ التي للجزاء وهذه الحروفُ تنقسم قسمين : فأربعة منها لا يقع موقعَها غيرُها ولا تحذف من الكلام إذا أريدت وهي لَمْ وَلمَّا ولا في النهي ولامُ الأمر والقسم الآخر حرف الجزاء قد يحذف ويقعَ موقعه غيره من الأسماء وحذف حرف الجزاء على ضربين : ضربٌ يقومُ مقامه اسمٌ يجازى بهِ وضربٌ يحذفُ البتةَ ويكونُ في الكلامِ دليلٌ عليه والأسماء التي يجازى بها على ضربين : اسمٌ غيرُ ظرفٍ واسم ظرفُ وهو نحو : مَا ومَنْ وأي وأينَ ومَتى وحيثَما ومتهما وإذْ ما

شرح القسم الأول وهو الأحرف الأربعة :
لم ولمَّا ولا في النهي ولام الأمر أما لَمْ فتدخلُ على الأفعال المضارعة واللفظُ لفظُ المضارع والمعنى معنى الماضي تقولُ : لَمْ يقمْ زيدٌ أمسِ ولَم يقعدْ خالدٌ وأما ( لَمَّا ) لَمْ ضمتْ إليها ( مَا ) وبنيتْ معها فغيرت حالها كما غيرت لو ( ما ) ونحوها ألا تَرى أنكَ تقول : لمّا ولا يتبعها شيءٌ ولا تقول ذلك في ( لَمْ ) وجوابُ ( لمّا ) قد فَعلَ يقول القائل : لمَّا يفعلْ فيقول : قد فعَلَ ويقول أيضاً للأمر الذي قد وقع لوقوع غيره وتقول : لما جئتَ جئتُ فيصيرُ ظرفاً وأما ( لا في النهي ) فنحو قولِكَ : لا تقمْ ولا تقعدْ ولفظ الدعاء لفظُ النهي كما كان كلفظِ الأمر تقول : لا يقطع اللهُ يدكَ ولا يتعس اللهُ جدك ولا يبعدُ الله غيرَك ولا في النهي بمعنى واحدٍ لأنك إنَّما تأمره أن يكون ذلك الشيء الموجب منفياً ألا ترى أنَّكَ إذا قلت : قُمْ إنّما تأمره بأن يكون منه قيامُ فإذا نهيت فقلت : لا تَقم فقد أردت منه نفي ذلكَ فكما أنَّ الأمر يراد به الإِيجاب فكذلك النهي يراد به النفي وأما لام الأمر فنحو قولك : ليقم زيدٌ وليقعدْ عمروٌ ولتقم يا فلانُ تأمر بها المخاطب كما تأمرُ الغائب وقال عز و جل ( فبذلكَ فلتفرحوا ) ويجوز حذف هذه اللام في الشعر وتعمل مضمرة قال متمم بن نويرة :
( علَى مِثْلِ أَصْحَابِ البَعُوضَةِ فَاخْمِشِي ... لَكِ الوَيْلُ حُرَّ الوَجْهِ أو يَبْكِ مَنْ بَكَى )
أراد : ليبكِ ولا يجوزُ أن تضمر لَمْ وَلا في ضرورة شاعرٍ
ولو أضمرا لالتبس الأمر بالإِيجاب

شرح القسم الثاني وهو حرف الجزاء :
اعلَمْ : أنَّ لحرف الجزاء ثلاثة أحوال حالٍ يظهر فيها وحالٍ يقع موقعه اسم يقوم مقامه ولا يجو أن يظهر معه والثالث أن يحذف مع ما عمل فيه ويكون في الكلام دليل عليه
فأما الأول الذي هو حرف الجزاء : فإن الخفيفة ويقال لها : أم الجزاء وذلك قولك : إن تأتني آتِكَ وإنْ تقمْ أقم فقولك : إن تأتني شرط وآتِكَ جوابهُ ولا بُدَّ للشرطِ من جوابٍ وإلا لم يتم الكلام وهو نظيرُ المبتدأ الذي لا بُدَّ له من خبر ألا ترى أنَّك لو قلت : ( زيدٌ ) لم يكن كلاماً يقال فيه صدقٌ ولا كذبٌ فإذا قلت : منطلقٌ تَمَّ الكلام فكذلك إذا قلت : إنْ تأتني لم يكن كلاماً حتى تقولَ : آتِكَ وما أشبه وحَقُّ ( إن ) في الجزاء أن يليها المستقبل من الفعل لأنك إنما تشترط فيما يأتي أنْ يقعَ شيءٌ لوقوع غيره وإنْ وليها فعل ماضٍ أحالت معناه إلى الإستقبال وذلك قولك : إنْ قمتَ قمتُ إنما المعنى : إنْ تَقمْ أقم ( فإنْ ) تجعل الماضي مستقبلاً كما أنَّ ( لَمْ ) إذا وليها المستقبل جعلته ماضياً تقول : لم يقمْ زيدٌ أمسِ والمعنى : ما قام فعلى هذا يجوز أن تقول : إنْ لَم أَقمْ لَم أَقمْ فلا بد لشرط الجزاء من جواب والجواب يكون على ضربين : بالفعل ويكون بالفاء فالفعل ما خبرتُكَ به فأما الفاء فنحو قولك : إنْ تأتني فأنا أكرمُكَ وإنْ تأتِ زيداً فأخوه يحسن إليكَ وإنْ تتّقِ الله فأنتَ كريمٌ فحق الفاء إذا جاءت للجواب أن يُبتدأ بعدها اللام ولا يجوز أن

تعمل فيما بعدها شيءٌ مما قبلها وكذلك قولك : إنْ تأتني فلكَ درهمٌ وما أشبه هذا وقد أجازوا للشاعر إذا اضطر أن يحذف الفاء
وأما الثاني : فأن يقع موقع حرف الجزاء اسم والأسماء التي تقع موقعه على ضربين : اسمٌ غير ظرفٍ واسمٌ ظرفٌ
فالأسماء التي هي غير الظروف : مَنْ ومَا وأيّهم تقول : مَنْ تكرمْ أكرمْ وكان الأصل : إنْ تكرمْ زيداً وأشباهَ زيدٍ أكرم فوقعت ( مَنْ ) لما يعقل كما وقعت ( مَنْ ) في الإستفهام مبهمةً لما في ذلك من الحكمة وكذلك : ما تصنعُ أَصنعْ وأّيَّهم تضرب أَضربْ تنصب أيهم بتضرب لأن المعنى : إنْ تضربْ أياً ما منهم أَضربْ ولكن لا يجوز أن تقدم ( تضربْ ) على ( أي ) لأن هذه الأسماء إذا كانت جزاءً أو استفهاماً فلها صدور الكلام كما كان للحروف التي وقعت مواقعها فكذلك مَنْ وما إذا قلت : مَنْ تكرمْ أكرمْ وما تصنعْ أَصنعْ
وموضعها نصب وإذا أردت أن تبين مواضعها من الإِعراب فضع موضعها ( إن ) حتى يتبين لك وإذا قلت : مَنْ يقمْ أَقم إليه فموضع ( مَنْ ) رفعٌ لأنها غير معقولة وكذا ايهم يضرب زيداً أضربه وأيهم يأتني أحسن إليه وأما ( مَهما ) فقال الخليل : هي ( مَا ) أدخلت معها ( ما ) لغواً وأبدلوا الالفَ هاء
قال سيبويه : ويجوز أن تكون كإِذْ ضُمتْ إليها ( مَا ) وأما الظروف التي يجازى بها : فمتى وأينَ وأنَّى وأي حين وحيثُما وإذْ ما لا يجازى بحيثُ وإذْ حتى يُضم إليهما ( مَا ) تصير مع كل واحد منهما بمنزلة حرف واحد
فتقول إذا جازيت بهن : متى تأتني آتِكَ وأينْ تقمْ أَقمْ وأَنى تذهبْ أَذهبْ وأي حين تصلْ أَصلْ ( فأيُّ ) إلى أي شيء أضفتها كانت منه إن أضفتها إلى الزمان فهي زمانٌ
وإن أضفتها إلى المكان فهي مكانٌ وتقول : حيثُما تذهبْ أذهبْ وإذ ما تفعلُ أفعلْ قال الشاعر :

( إِذْ مَا تَرَيْنِي اليَوْمَ مُزْجى ظعينتي ... أُصَعِّدُ سيراً في البلادِ وأَفرَعُ )
( فإِنِّيَ مِنْ قَوْمٍ سِواكُم وإِنَّما ... رِجالي فَهْمٌ بالحِجَازِ وأشجعُ )
قال سيبويه : والمعنى : إما
وإذا لا يجازى بها إلا في الشعر ضرورةً وهي توصل بالفعل كما توصل ( حيثُ ) ويقع بعدها مبتدأٌ وكل الحروف والأسماء التي يجازى بها فلك أن تزيد عليها ( ما ) ملغاةً فإن زدتَ ( مَا ) على ( مَا ) لم يحسن حتى تقول : مهما فيتغيرُ فأمَّا ( حيثما وإذ ما ) لا يجازى بهما إلاّ و ( مَا ) لازمةٌ لهما
واعلم : أن الفعل في الجزاء ليس بعلةٍ لما قبله كما أنه في حروف الإستفهام ليس بعلة لِمَا قبله
واعلم : أن الفعل إذا كان مجزوماً في الجزاء وغيره فإنه يعمل عمله إذا كان مرفوعاً أو منصوباً تقول إنْ تأتني ماشياً أمشِ معكَ وإن جعلت ( تمشي ) موضع ( ماشياً ) جاز فقلت : إنْ تأتني تمشي أمشِ معكَ وإن تأتني تضحكُ أَذهبْ معكَ تريد ( ضاحكاً ) فإن جئتَ بفعلٍ يجوزُ أن يبدل من فعلٍ ولم ترد الحال جزمت فقلت : إنْ تأتني تمشِ أَمشِ معكَ وإنَّما جاز البدل لأن المشيَ ضرب من الإِتيان ولو لَمْ يكن ضرباً منه لم يجز لا يصلح أن تقول : إنْ تأتني تضحكُ أَمشي معكَ فتجزم ( تضحكُ ) وتجعله بدلاً وقد كنت عرفتك أنَّ جميع جواب الجزاء لا يكون إلا بالفعل أو بالفاء وحكى الخليل : أنَّ ( إذا ) تكون جواباً بمنزلة الفاء لأنها في معناها لأن الفاء تصحب الثاني

الأول وتتبعه إياه وإذا وقعت لشيءٍ يصحبه وذلك قوله عز و جل : ( وإنْ تُصبهم سيئةٌ بما قدمتْ أَيديهم إذا هُم يقنطون )
والمعنى : إنْ أصابتهُم سيئةٌ قَنطوا ونظيره : ( سواءٌ عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون ) بمنزلة : أم صمتم ولا يجوز : إنْ تأتني لأفعلنّ
ويجوز : إنْ أتيتني لأكرمنَّك وإنْ لَم تأتني لأغمنك لأنَّ المعنى : لئن أتيتني لأكرمنَّك فما حسن أن تدخل اللام على الشرط فيه حسنُ أن يكون الجواب لأَفعلنَّ وما لم يحسن في الشرط اللام لم يحسنْ في الجواب لأنَّ الجواب تابعٌ فحقه أن يكون على شكل المتبوع ولا يحسن أن تقول : لإِنْ تأتني لأَفعلنَّ فلما قبح دخول اللام في الشرط قَبح في الجواب ولو قلت ذاك أيضاً لكنت قد جزمت ( بإنْ ) الشرط وأتيت بجوابها غير مجزومٍ ويجوز أن تقول : ( آتيكَ إنْ تأتني ) فتستغني عن جواب الجزاء بما تقدم ولا يجوز : إن تأتني آتيكَ إلاّ في ضرورة شاعرٍ على إضمار الفاء وأما ما كان سوى ( إن ) منها فلا يحسن أن يحذف الجواب وسيبويه يجيز : إنْ أتيتني آتِكَ وإنْ لم تأتني أَجزكَ لأنه في موضع الفعل المجزومِ وينبغي أن تعلم أنَّ المواضع التي لا يصلح فيها ( إنْ ) لا يجوز أن يجازى فيها بشيءٍ من هذه الأسماء البتةَ لأن الجزاء في الحقيقة إنما هو بها إذا دخل حرف الجر على الأسماء التي يجازى بها لم يغيرها عن الجزاء تقول : على أي دابةٍ أحمل أَركبه وبِمَنْ تؤخذْ أوْ خذ به وإنما قدم حرف الجرِّ للضرورة لأنه لا يكون متعلقاً بالمفعول
فإن قلت : بمَنْ تَمرُّ بهِ أمرُّ وعلى أيهم تنزل عليه انزلُ رفعت وصارت بمعنى الذي
وصارت الباء الداخلة في ( مَنْ ) لأمرَّ والباء في ( بهِ ) لتَمرَّ وقد يجوز أن تجزم بمَنْ تَمررْ

أَمررْ وأنت تريد ( بهِ ) وهو ضعيفٌ وتقول على ذلك : غلامَ مَنْ تضربْ أضربه قدمت الغلام للإِضافة كما قدمت الباء وهو منصوب بالفعل ولكن لا سبيل إلى تقديم الفعل على ( مَنْ ) في الجزاء والإستفهام
وأما الثالث : الذي يحذف فيه حرف الجزاء مع ما عمل فيه وفيما بقي من الكلام دليل عليه وذلك إذا كان الفعل جواباً للأمر والنهي أو الإستفهام أو التمني أو العرض تقول : آتني آتِكَ فالتأويل : ائتني فإِنَّك إنْ تأتني آتِكَ هذا أمرٌ ولا تفعلْ يكنْ خيراً لكَ وهذا نهيٌ والتأويل لا تفعلْ فإِنَّكَ إن لا تفعلْ يكن خيراً لكَ وإلا تأتني أُحدثك وأينَ تكون أزرك وألا ماءَ أشربهُ وليته عندنا يحدثْنَا فهذا تمنٍّ ألا تنزل تُصب خيراً وهذا عرضٌ ففي هذا كلِّه معنى ( إنْ تفعلْ ) فإن كان للإستفهام وجه من التقدير لم تجزم جوابهُ
ولا يجوز : لا تدنُ من الأسدِ فإنَّكَ إن تدنُ مِنَ الأسدِ يأكلكَ فتجعل التباعد من الأسد سبباً لأكلكَ فإذا أدخلت الفاء ونصبت جاز فقلت : لا تدنُ منَ الأسد فيأكلَكَ لأنَّ المعنى لا يكونُ دنوٌ ولا أَكلٌ وتقول : مُرْهُ يحفْرها وقل له : يقل ذاك فتجزم ويجوز أن تقول : مُرْهُ يحفرُها فترفعُ على الإبتداءِ وقال سيبويه : وإن شئتَ على حذف ( أنْ ) كقوله :
( ألا أيُّهَا الزَّاجري احْضرُ الوَغى ... )

وعسينا نفعلُ كذا وهو قليل وقد جاءت أشياءٌ أنزلوها بمنزلة الأمرِ والنهي وذلك قولهم : حسبُكَ ينمُ الناسُ واتقى الله امرؤٌ وفعلَ خيراً يُثَبْ عليهِ


باب إعراب الفعل المعتل اللام اعلم : أن إعراب الفعل المعتل الذي لامهُ ياءٌ أو واوٌ أو ألفٌ مخالفٌ للفعل الصحيح والفرق بينهما أن الفعل الذي آخره واوٌ أو ياءٌ نحو : يغزو أو يرمي تقول فيهما : هذا يغزو ويرمي فيستوي هو والفعل الصحيح في الرفع في الوقت كما تقول : هو يقتلُ ويضرب فإن وصلت خالف يقتل ويضرب فقلت : هو يغزوْ عمراً ويرمي بكراً فتسكن الياء والواو ولا يجوز ضمها إلا في ضرورةٍ شَاعرٍ فإن نصبت كان كالصحيح فقلت : لنْ يغزوَ ولَنْ يرميَ وإنما امتنع من ضم الياء والواو لأنها تثقل فيهما فإن دخل الجزم اختلفا في الوقف والوصل فقلت : لم يغزُ ولَم يرمِ فحذفت الياء والواو وكذلك في الوصل تقول : لم يغزُ عمراً ولم يرمِ بكراً وإنما حذفت الياء والواو في الجزم إذا لم تصادف الجازم حركة يحذفها فحذفت الياء والواو لأن الحركة منهما وليكون للجزم دليل . والأمر كالجزم
تقول : ارمِ خالداً واغزُ بكراً فتحذف في الوقف والوصل إلا أنكَ تضم الزايَ من ( يغزو ) وتكسر الميم من ( يرمِي ) إذا وصلتَ
فيدلان على ما ذهبَ للجزمِ والوقفِ وإنما تساوي الوقف في الأمر للجزم لأنهما استويا في اللفظ الصحيح فلما كان ذلك في الصحيح على لفظٍ واحدٍ جعلوا المعتل مثل الصحيح فقالوا : ارمِ واغزُ كما قالوا لم يرمِ ولَم يغزُ وقالوا : اضربا واضربوا كما قالوا : لم يضربا ولم يضربوا


مسائل من سائر أبواب إعراب الفعل تقول : انتظرْ حتى إن يقسمْ شيءٌ تأخذْ تجزم ( تأخذْ ) لأنه جوابُ لقولك : إنْ يقسمْ وانتظرْ حتى إن قسَم شيءٌ تأخذْ تنصبُ ( تأخذ ) إن شئت على حتَّى تأخذَ إن قسمَ وإنْ شئتَ جزمت ( تأخذ ) فجعلته جواباً لقولك : إنْ قسَم هذا قول الأخفش وقبيح أن تفصل بين حتى وبينَ المنصوب قال : ومما يدلُّكَ على أنه يكون جواباً ولا يحمل على ( حتى ) أنك تقول : حتى إنْ قسَم شيءٌ أخذتُه يعني أنه معلقٌ بالجواب فلا يرجعُ إلى ( حتى ) ألا ترى أنك لا تقول : حتى أخذت إنْ قُسِمَ شيءٌ وتقول : اجلسْ حتى إنْ يقلْ شيئاً فتسمعه تجبْنَا جزمٌ كله ولا يجوز أن تنصب ( تُجبنا ) على حتى لأن قولك : إن تفعلُ مجزومٌ في اللفظ فلا بد من أن يكون جوابه مجزوماً في اللفظ وتقو ل : أَقم حتّى تأكلْ معَنا وأَقم حتى أيانا يخرجْ تخرجْ معَهُ فأيُّ مبتدأٌ لأنها للمجازاة وحتى معلقةٌ وكذلك اجلسْ حتى إنْ يخرجْ تخرجْ معَهُ وانتظر حتى مَن يذهبْ تذهبْ معهُ ( فَمن ) في موضعِ رفعٍ واجلس حتى ( أَياً ) يأخذْ تأخذْ معهُ ( أياً ) منصوبة ( بتأخذ ) وتقولُ : أقم حتى أي القومِ تعط يعطْكَ تعمل في ( أي ) ما بعدها ولا تعمل فيها ما قبلها وتقول : اجلس حتى غلامَ مَنْ تَلقّ تُكرَّمْ تنصب الغلام ( بتعلق ) واجلس حتى غلامُ مَنْ تلقه تكرمْ ترفع الغلام على الإبتداء ولو أن ( حَتَّى ) تكون معلقة في شيءٍ ما جاز دخولُها هَا هُنا لأن حرف الجزاء إذا دخل عليه عاملٌ أزالهُ عن حرف الجزاء ألا ترى أنك تقول : مَنْ يزرنا نزرْهُ فيكون مرفوعاً بالإبتداء وتكون للجزاء وذلك لأنَّ حال الإبتداء كحالِ ( إنْ ) التي للجزاء والشرط نظيرُ المبتدأِ والجوابُ نظيرُ الخبر
قال الأخفش : ومما يقوي ( مَنْ ) إذا كانت مبتدأة على الجزاء أنْ ( إنْ ) التي للجزاء تقع موقعها ولو أدخلت إنَّ المشددة على ( مَنْ ) لقلت : إنَّ مَنْ

يزرونا نزورهُ لأنَّ المجازاة لا تقع ها هنا فإن قلت : فَلِمَ لا تعملُ إنَّ في ( مَنْ ) وتدعها للمجازاة كما أعملت إنَّ الإبتداء فلأن ( إنْ ) التي للمجازة لا تقع ها هنا لأن إنَّ المشددة توجب بها والمجازاة أمرٌ مبهمٌ يعني أنه لا تقع ( إنْ ) التي للمجازاة بعد ( أنَّ ) الناصبة والمجازاة ليسَ بشيءٍ مخصوص إنما هو للعامة وإن الناصبة للإِيجاب وكذلك : ليت مَنْ يزورنا نزورُه ولعلَ وكانَ وليسَ لأنك إذا قلت مَنْ يزورُنا نزوره ولعلَ وكانَ وليسَ لأنك إذا قلت مَنْ يزورُنا نزورثه وما تعطي تأخذْ فأنتَ تبهمُ ولا توضحُ وهكذا يجيءُ الجزاءُ بمَنْ وأخواته فإن أوضحت منه شيئاً بصلةٍ ذهبَ عنه هذا العملُ وجرى مجرى ( الذي ) وتقول : سكتَ حتى أردنا أن نقومَ تقول : افعلوا كذا وكَذا فترده على جواب ( إذا ) ولو رددته على حتى جاز على قبحه وحقُّ ( حَتى ) أن لا تفصل بينها وبين ما تعمل فيه وتقول : لا واللهِ حتى إذا أمرتُك بأَمرٍ تطيعني ترفع جواب ( إذا ) وإن شئتَ نصبت على ( حتى ) على قبحٍ عندي إلا أن الفصل بالظرف أحسن من الفصل بغيره
وتقول : لا والله حتى إنْ أَقلْ لكَ لا تشتمْ أَحداً لا تشتمه
ولا تشتمهُ جوابُ ( إنْ أَقلْ لك ) فلا يكون فيه النصبُ لأنه لا يرجع إلى : حتى لا والله وإذا قلت لكَ اركبْ تركب يا هذا تنصبُ ( تركبُ ) على أو وفصلت بالظرف والفصل بالظرف أحسنُ من الفصل بغيره أردت : ولا واللَّه أو تركب إذا قلت لكَ اركبْ ومَنْ رفع ما بعد ( أوْ ) في هذا المعنى رفع هذه المسألة وتقول : تسكت حتى إذا قلنا ارتحلوا لا يذهب الليلُ تخالفْنا فلا تَذهبْ ( تذهبُ ) معطوفٌ على ( تخالفنا ) وحتى إن نقل إيتِ فلاناً تصبْ منهُ خيراً لا تأتهِ فتصب خيراً جزمٌ على جواب إيتِ ولا تأته جواب ( إنْ نقلْ )
وتقول : لئن جئتني لأكرمنّكَ الأولى توكيدٌ والثانية لليمين ولا يجوز بغير النون ولئن جئتني لإِليكَ أقصدْ ولإِيّاك أَكرمْ ولا تنون أكرمْ لأن اللام لم تقع عليه ولو وقعت عليه فقلتَ أكرمنّكَ وكذلكَ : لئن جئتني لأكفلن بكَ وفي كتابِ اللِه عز و جل : ( ولئن مُتم أو قُتلتم لإلى اللِه تحشرون ) لما وقعت اللام

على كلام مع الفعل لم تدخله النون وكذلك : ( ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرةٌ من الله ورحمةٌ خيُر مِمَا يجمعونَ ) وكذلك لئن جئتني لأهلٌ وكذلك : ولئن وصلتك للصلاة أنفعُ لك
قالَ الأخفش : المعنى : والله للصلة أنفعُ وإنْ وصلتكَ كما أن قولك : لئن جئتني لأكرمنكَ إنما هي : والله لأكرمنك إنْ جئتني قال : واللام التي في ( لئن جئتني ) زائدة وقوله عز و جل ( ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبةٌ مِن عندِ الله ) على معنى اليمين كأنه قال والله أعلَم واللِه لمثوبةٌ مِن عندِ اللِه خيرٌ لَهم ولو آمنوا وقال لا تقول : إنَّ زيداً لقامَ وتقولُ : إنَّ زيداً إليكَ كفيلٌ وإن زيداً لهُ ولك منزلٌ لأنَّ اللام لا تقع على فعلٍ فإذا كان قبلَها كلامٌ ضمتهُ معها جاز دخول اللام وتقول : سرت حتى أدخلُ أو أكادُ ترفعهما جميعاً لأنك تقول : حتى أكادُ والكيدودة كائنةٌ وكذلكَ سرت حتى أدخلَها أو أقرب منها لأنه قد كان القرب أو الدخول وكذلك : سرتُ حتى أكاد أو أدخلُ وأشكلَ عليَّ كُلُّ شيءٍ حتى أظن أني ذاهبُ العقلِ فجميع هذا مرفوع لأنه فِعلٌ وهو فيه قال الجعدي :
( ونُنْكِرُ يَوْمَ الرَّوْعِ أَلْوانَ خَيْلِنَا ... مِنَ الطَّعنِ حَتى تحسبَ الجونَ أشقرا )
قال : يجوز في ( تحسب ) الرفع والنصب والرفع على الحال والنصب على الغاية وكأنكَ أردت إلى أن تحسب وحكى الأخفش إن النحويين ينصبون إذا قالوا : سرتُ أكادَ أو أدخل يا هذا ينصبون الدخول ويقولون :

الفعلُ لم يجبْ . والكيدودة قد وجَبَتْ
قال : وهذا عندي يجوز فيه الرفع يعني الدخول لأنه في حال فعل إذا قلت : حتى أكاد يعني إذا كنت في حال مقاربة و ( حتى ) لا تعملُ في هذا المعنى إنما تعمل في كل فعل لم يقع بعد والكيدودةُ قد وقعتْ وأنت فيها وتقول : الذي يأتيني فَلهُ درهمْ والذي في الدارِ فلَهُ درهمْ فدخولُ الفاء لمعنى المجازاة ولا يجوزُ : ظننتَ الذي في الدار فيأتيك
تريد : ظننتُ الذي في الدار يأتيك والأخفش يجيزه على أن تكون الفاء زائدة وقال : قول الله عز و جل : ( قُل إنَّ الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ) ولكن زدت ( إن ) توكيداً وقالَ : لو قلت : إن هذا لا يجوز أن يكون في معنى المجازاة كان صالحاً لأنك إذا قلت : إن الذي يأتينا فلهُ درهمْ فمعناه : الذي يأتينا فله درهمْ ولا يحسن ليتَ الذي يأتينا فلَهُ درهمْ ولا لعل الذي يأتينا فنكرمُه لأنَّ هذا لا يحوز أن يكون في معنى المجازاة ولا يحسنُ ( كأنَّ الذي يأتينا فلَهُ درهمْ ) لأن معنى الجزاء إنما يكون على ما يأتي لا على ما كان فإن قدرت فيه زيادة الفاء جاز على مذهب الأخفشِ
فصل يذكر فيه قَلَّ وأقلّ
اعلم : أنَّ قَلَّ : فعلُ ماضٍ وأقلَّ : اسمْ إلاّ أن أقلّ رجلِ قد أَجروه مجرى قَلَّ رجلْ فلا تدخل عليه العوامل وقد وضعته العرب موضع ( ما ) لأنه أقرب شيءٍ إلى المنفى القليل كما أن أبعد شيءٌ منه الكثير وجعلت ( أقلَّ ) مبتدأةً صدراً إذا جُعلتْ تنوبُ عن النفي كما أن النفيَ صدرٌ فلا يبنونَ أقلَّ على شيءٍ فتقول : أقلّ رجلٍ يقول ذاك ولا تقولُ : لَيتَ أقلَّ رجلٍ يقول ذاك ولا لعل ولا إنَّ إلا أن تضمر في ( إنَّ ) وترفع أقلُّ بالإبتداء قال الأخفش : هو أيضاً قبيحٌ لأن أقلَّ رجلٍ يجري مجرى :

قَلَّ رجلٍ وربُّ رجلٍ لو قلت : كان أقلُّ رجلٍ يقولُ ذاكَ فرفعت ( أقلّ ) على ( كانَ ) لم يجز ولكن تضمر في ( كانَ ) وترفع أقلَّ على الإبتداء وأقلُّ رجلٍ وقلَّ رجلٌ قد أجروه مجرى النفي فقالوا : أقلُّ رجلٍ يقولُ ذاكَ إلا زيدٌ وقال سيبويه : لأنه صار في معنى : ما أحَدٌ فيهما إلا زيد وقال : وتقولُ : قلَّ رجلٌ يقولُ ذاك إلا زيدٌ فليس زيدٌ بدلاً من الرجل في ( قَلَّ ) ولكن : قَلَّ رجلٌ في موضعِ أقلّ رجلٍ ومعناه كمعناه وأقل رجل مبتدأ مبني عليه والمستثنى بدل منه لأنك تدخله في شيءٍ يخرج من سواه
قال : وكذلك : أقلُّ مَنْ وقَلُّ مَنْ إذا جعلت ( مَنْ ) بمنزلة رجلٍ
حدثنا بذلك يونس عِنِ العرب يجعلونه نكرةً كما قال :
( رُبَّما تَجْزَعُ النُّفُوسُ مِنَ الأمرِ لهُ فَرْجَةٌ كَحَلِّ العِقَالِ ... )
يريد أنَّ ( رُبَّ ) دخلت على ( مَا ) وهي لا تدخلُ إلا على نكرةٍ فتنكيرُ ( مَا ) كتنكير ( مَنْ ) قالَ : وتقولُ : قَلَّ ما سرتُ حتى أدخلُها مِنْ قبل أنَّ قَلَّما نفي لقوله كَثُرَ مَا كما أنَّ ما سرتُ نفي لقوله : سرتُ ألا ترى أنه قبيحُ أن تقول : قلما سرتُ فأدخلها كما يقبح في ما سرت إذا أردت معنى فإذا أنا أدخل إنما قبحُه لأنه إذا لَمْ يكن سيرٌ لم يكن دخولٌ فكذلك قلّما لَمّا أُريدَ بها النفي كان حكمُها حكمُ قالَ وتقولُ : قلَّما سرت فأدخلها فاتنصب بالغاءها هنا كما تنصبُ فيما قال
وتقول : قلّما سرت إذا عنيت سيراً واحداً

أو عنيت غير سيرٍ كأنك قد تنفي كثيرَ من السير الواحدِ كما تنفيه من غير سيرٍ يريدُ بقولِه : من غير سيرٍ أي سيراً بعد سيرٍ قالَ الأخفش : الدليلُ على أن أقلَّ رجلٍ يجري مجرى رُبَّ وما أشبهها أنَّك تقول : أقلَّ امرأةٍ تقولُ ذاك فتجعلُ اللفظَ على امرأة وأقلَّ امرأتين يقولان ذاكَ فينفي أقلَّ كأنه ليس له خبر ولا تحمله إلا على الآخر يعني : لا تحمل الفعلَ إلا على الذي أضفت إليه أقلَّ فهذا يدل على أنه لا يشبه الأسماء يعني إذا كان الخبر يجيء على الثاني وكذلك : أقلُّ رجالِ يقولون ذاك ولا يحسن كذلك لو قلت : أقَلُّ رجلينِ صالحانِ لم يُحسنْ ولا يحسنُ من خبره إلا الفعل والظرف أقلُّ رجلين صالحين في الدار وأقلُّ امرأةٍ ذاتُ جمةٍ في الدار وأقلُّ رجلٍ ذي جمةٍ في الدار كان جيداً ولو ألغيت الخبر كان مذهبه كمذهب ( رُبَّ ) فإنْ قلت : فمالي إذا قُلت : قلَّ رجلٌ يقولُ ذاك وقَلّ رجلٌ قائلٌ ذاكَ وهو صفة لا يجوز حذفه فلأنك إنما قللتَ الموصوفين ولم تقللِ الرجال مفردين في الوصف ألا ترى أنك لا تقول : قَلِّ رجلٌ قائلٌ ذاك إلا وأنت تريد القائلين ولست تريد أن تقلل الرجال كلهم
فصل من مسائل الدعاء والأمر والنهي اعلم : أن أصل الدعاء أن يكون على لفظ الأمر وإنما استعظم أن يقال أمرٌ والأمر لمن دونَك والدعاء لمن فوقك وإذا قلت : اللهم اغفر لي فهو كلفظك إذا أمرت فقلت : يا زيدُ أكرم عمراً وكذلك إذا عرضت فقلت : انزل فهو على لفظ اضربْ وقد يجيء الأمر والنهي والدعاء على لفظ الخبر إذا لم يلبس تقول : أطالَ الله بقاءهُ فاللفظُ لفظ الخبر والمعنى دعاءٌ ولم يلبسْ لأنك لا تعلم أنّ الله قد أطالَ بقاءهُ لا محالة فمتى أُلبسَ شيءٌ مِنْ ذَا بالخبر لم يجز حتى يبينَ فتقول على ذا : لا يغفر الله لَهُ ولا يرحمهُ فإن قلت : لا يغفرُ الله لَهُ ويقطعُ يدهُ لم يجز أن تجزم ( يقطعُ ) لأنهُ لا يشاكل الأول لأنَّ الأول دعاءٌ عليه وإذا جزمتَ ( يقطعُ ) فقد أردت : ولا يقطعُ الله فهذا دعاء له فلا يتفق المعنى
وإذا لم يتفق لم يجز النسق

وكذلك إذا قلت : ليغفر الله لزيدٍ ويقطعُ يَدهُ لم يجز جزم ( يقطعُ ) لإختلاف المعنى ولكن يجوز في جميع ذا الرفع فيكون لفظه لفظ الخبر والمعنى الدعاءُ وإذا أسقطت اللام ولا رفعت الفعلَ المضارع فقلت : يغفرُ الله لكَ وغفَر الله لكَ وقال الله عز و جل : ( اليومَ يغفرُ الله لكم ) وقال : ( فلا يؤمنوا ) وقال الله تبارك وتعالى : ( ليضلوا عن سبيلك ) باللام
وقال : قومْ يجوزُ الدعاءُ بلَنْ مثل قوله : ( فَلَن أكونَ ظهيراً للمجرمينَ )
وقال الشاعر :
( لن تَزالوا كذلكم ثُمَ لا زلتَ لهم ... خالداً خُلُود الجبال )
والدعاء ( بلَنْ ) غير معروف إنما الأصلُ ما ذكرنا أن يجيء على لفظ الأمر والنهي ولكنه قد تجيء أخبار يقصدُ بها الدعاءُ إذا دلت الحالُ على ذلكَ الا ترى أنك إذا قلت : ( اللهم افعلْ بنَا ) لَم يحسنْ أن تأتي إلا بلفظ الأمر وقد حكى قوم : اللهم قطعت يده وفقئت عينهُ قال الشاعر :
( لا هم ربَّ الناس إن كذبت ليلى ... . . . )
وإن قدمتَ الأسماءَ فقلتَ : زيدٌ قطعتْ يده كانَ قبيحاً لأنه يشبهُ الخبرِ وهو جائزٌ إذا لم يشكل وإذا قلت : زيدٌ ليقطع الله يده كانَ أمثلَ لأنهُ غيرُ

ملبسٍ وهو على ذلك اتساعٌ في الكلام لأن المبتدأ ينبغي أن يكون خبره يجوزُ فيه الصدق والكذب والأمر والنهي ليسا بخبرين والدعاء كالأمر وإنما قالوا : زيدٌ قم إليه وعمروٌ اضربْهُ اتساعاً كما قالوا : زيدٌ هَلْ ضربَتهُ فسدّ الإستفهام مسد الخبرِ وليس بخبر على الحقيقة وقال : إذا اجزت افعلْ ولا تفعل أمروا ولم ينهُوا وذلك في المصادر والأسماء والأدوات فتقول : ضرباً ضرباً والله تريد : اضربْ ضربا واتقِ الله
وهلمَّ وهاؤم إنما لم يجز في النهي لأنه لا يجوز أن يضمر شيئان لا والفعل ولو جاءوا ( بلا ) وحدها لم يجز أيضاً أن يحال بين ( لا ) والفعلِ لأنها عاملةٌ وتقولُ : ليضرب زيدٌ وليضرب عمروٌ وتقولُ : زيداً اضربْ تنصبُ زيداً ( باضربْ ) وقال قوم : تنصبُ زيداً بفعل مضمرٌ ودليلهم على ذلك أنك تدخلُ فيه الفاء فتقول : زيداً فاضربْ وقالوا : إنَّ الأمر والنهي لا يتقدمها منصوبهما لأن لهما الإستصدارَ والذين يجيزونَ التقديم يحتجون بقول العربِ بزيد امرر ويقولون : إن الباءَ متعلقة بامرر ولأنه لا يكون الفعل فارغاً وقد تقدمه مفعوله ويضمرون إذا شغلوا نحو قولهم : زيداً اضربْه ولهذا موضع يذكر فيه إن شاء الله
وتقول : ضرباً زيداً تريد : اضربْ زيداً
وقوم يجيزون ضرب زيد وأنت تريدُ : ضرباً زيداً ثم تضيف وهذا عندي قبيحٌ لأن ضرباً قامَ مقامَ اضربْ واضربْ لا يضاف والألفُ في الأمر تذهب إذا اتصلت بكلام نحو قولك : اضربْ اضربْ واذهبْ اذهبْ ويقولون : ادخلْ ادخلْ واذهبْ ادخلْ ويختارون الضم إذا كانت بعد مضمومٍ والكسر جائزٌ تقول : اذهبْ ادخلْ
وقد حكوا : ادخلِ الدارِ للواحدِ على الإِتباع وهو رديءٌ لأنه ملبسٌ وقالوا : يجوز الإِتباع في المفتوح مثل قولك : اصنع الخير
وقالوا : لا نجيزهُ ولم نسمعْهُ لأنّا قد سمعناهُ إذا حرك نحو قول الشاعر :
( يَحسَبُهُ الجَاهِلُ مَا لَمْ يَعْلَما ... )

وقوله :
( أَجِّرهِ الرُّمْحَ ولا تُهالَهْ ... )
لما كان قبله فتحٌ اتبع
فأما قول القائل : ما لَمْ يعلَما فقد قيلَ فيه أنهُ يريدُ النونَ الخفيفة وأما قولُه لا تُهالِه فإنه حركَ اللام لإلتقاء الساكنين لأنه قد علم أنه لا بد من حذفٍ أو تحريكٍ وكان الباب هُنا الحذف وأن تقولَ لا تهل ولكن فعلَ ذلك من أجل القافية لأن الالف لازمةٌ لحرف الروي فرده إلى أصله فالتقى ساكنان الألف واللام التي أسكنت للجزم فحرك اللام بالفتح لفتحة ما قبلها ولما منه الفتح وهي الألف وأدخل الهاءَ لبيان الحركة وتقولُ : زرني ولأزركَ فتدخل اللام لأن الأمر لكَ فإذا كان المأمور مخاطباً

ففعلهُ مبنيٌ غير مجزومٍ وقد بينا هذا فيما تقدم وقوم من النحويين يزعمون أنَّ هذا مجزومٌ وأن أصلِ الأمرِ أن يكونَ باللامِ في المخاطب إلا أنه كثر فأسقطوا التاءَ واللامَ يعنونَ أن أصلَ اضربْ لتضربْ فأسقطوا اللامَ والتاء قال محمد بن يزيد وهذا خطأٌ فاحش وذلك لأن الإِعراب لا يدخل من الأفعال إلا فيما كان مضارعاً للأسماء وقولُكَ : اضربْ وقم ليسَ فيه شيءٌ من حروف المضارعة ولو كانت فيه لم يكن جزمهُ إلا بحرفٍ يدخل عليه
ويروى عن رسولِ الله أنه قرأ : ( فبذلك فلتفرحوا ) فإذا لم يكن الأمرُ للحاضرِ فلا بد من إدخال اللامِ تقول : ليقمْ زيدٌ وتقول : زرْ زيداً وليزرْكَ إذا كان الأمرُ لهما جميعاً لأن زيداً غائبٌ فلا يكون الأمر له إلا بإدخال اللام وكذلكَ إذا قلتَ : ضُرِبَ زيدٌ فأردتَ الأمرَ من هذا قلتَ : ليُضرَبْ زيداً لأنَّ المأمور ليس بمواجه والنحويون يجيزونَ إضمارَ هذه اللام للشاعر إذا اضطر وينشدون لمتمم بن نويرة :
( على مِثْلِ أصْحَابِ البَعُوضَةِ فاخْمِشِي ... لكِ الوَيْلَ حُرَّ الوَجْهِ أو يَبْكِ مَنْ بَكَى )

أراد : ليبكِ وقولُ الآخر :
( مُحَمَّدُ تَفْدِ نَفْسُكَ كُلَّ نَفْسٍ ... إذا مَا خِفْتَ مِنْ شيءٍ تَبَالا )
قال أبو العباس : ولا أرى ذا على ما قالوا : لأنَّ عوامل الأفعالِ لا تضمرُ وأضعفها الجازمة لأن الجزم في الأفعال نظيرُ الخفض في الأسماء ولكن بيت متمم يُحملُ على المعنى لأنه إذا قال : فاخمشي فهو في موضع فلتَخْمشي فعطَف الثاني على المعنى
وأما هذا البيت الأخيرُ فليس بمعروف على أنه في كتاب سيبويه على ما ذكرت لكَ وتقول : ليقمْ زيدٌ ويقعدْ خالدُ وينطلقْ عبدُ اللِه لأنك عطفت على اللام
ولو قلت : قُمْ ويقعدْ زيدٌ لم يجزْ الجزم في الكلام
ولكنْ لو اضطر إليه الشاعر فحمله على موضع الأول لأنه مما كان حقهُ اللام جازَ وتقول : لا يقمْ زيدٌ ولا يقعدْ عبد الله لأنك عطفت نهياً على نهيٍ فإن شئتَ قلتَ : لا يقمْ زيدٌ ويقعْد عبد اللِه وهو بإعادتِكَ ( لا ) أوضحَ لأنك إذا قلت : لا يقمْ زيدٌ ولا يقعدْ عبد اللِه تبين أنكَ قد نهيتَ كل واحدٍ منهما على حياله فإذا قلت : لا يقمْ زيدٌ ويقعدْ عبدُ اللِه بغير ( لا ) ففيه أوجهٍ : قَد يجوزُ أن يقع عند السامع أنك أردتَ لا يجتمع هذان فإن قَعد عبدُ اللِه ولم يقمْ زيدٌ لم يكن المأمور مخالفاً وكذلك إن لَم يقمْ زيدٌ وقعدَ عبدُ الله
ووجه الإجتماع إذا قصدته أن تقول : لا يقمْ زيدٌ ويقصدْ عبدُ الله أي لا يجتمع قيام عبد الله

وأنْ يقعدْ زيدٌ ( فلا ) المؤكدة تدخل في النفي لمعنى تقول : ما جاءني زيدٌ ولا عمرٌو إذا أردت أنه لم يأتِكَ واحد منهما على الإنفرادِ ولا مع صاحبه لأنك لو قلت : لم يأتني زيدٌ وعمروٌ وقد أتاك أحدُهما لم تكن كاذباً ( فلا ) في قولك : لا يقمْ زيدٌ ولا يقعدْ عمروٌ يجوزُ أن تكون التي للنهي وتكون المؤكدة التي تقعُ لما ذكرت لكَ في كل نفيٍ
واعلم : أن الطلب من النهي بمنزلته من الأمر يجري على لفظه وتقول ائتني أكرمْكَ وأينَ بيتُك أزرك وهل تأتيني أعطك وأحسن إليكَ لأنَّ المعنى : فإنَّكَ إنْ تفعلْ أفعلْ فأما قول الله عز و جل : ( يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارةٍ تنجيكم من عذابٍ أليمٍ ) ثم قَال : ( تؤمنونَ بالله ) فإن أبا العباس رحمه الله يقول : ليسَ هذا الجواب ولكنه شرح ما دعوا إليه
والجواب : ( يغفرْ لكم ذنوبكم ويدخلكم ) فإن قال قائلٌ : فَهلا كان الشرح ( أن تؤمنوا ) لأنه بدلٌ من تجارةٍ
فالجواب في ذلك : أن الفعل يكون دليلاً على مصدره فإذا ذكرت ما يدل على الشيء فهو كذكرِكَ إياهُ ألا ترى أنهم يقولون : منْ كذبَ كانَ شَراً لَهُ يريدون : كانَ الكذبُ
وقال الله عز و جل : ( ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم ) لأن المعنى البخل خير لهم فدل عليه بقوله ( يبخلون ) وقال الشاعر :
( أَلا أيُّهذا الزَّاجِرِي أحْضُرُ الوَغَى ... )
المعنى : عن أن أحضر الوَغَى فأنْ والفعل كقولك : عن حضور الوغى فلما ذكر ( أَحضرُ ) دل على الحضور وقد نصبُه قومٌ على إضمار ( أنْ ) وقدموا الرفع
فأما الرفع فلأن الفعلَ لا يضمرُ عامله فإذا حذف رفع

الفعل وكان دالاً على مصدره بمنزلة الآية
وهي : ( هل أدلكم على تجارةٍ تنجيكم مِنْ عَذاب أليم ) ثم قال : ( تؤمنون بالله ) وذلك لو قالَ قائلٌ : ما يصنع زيدٌ فقلت : يأكلُ أو يصلي لأغناك عن أن تقول : الأكلُ والصلاةُ
ألا ترى أنَّ الفعل إنَّما مفعوله اللازم له إنما هو مصدرهُ لأن قولك : قد قامَ زيدٌ بمنزلة قولك : قد كان منه قيامٌ
فأما الذين نصبوا فلمْ يأبوا الرفعَ ولكنهم أجازوا معه النصب لأن المعنى ( بأنْ ) وقَد أبانَ ذلك بقوله فيما بعده
( وأنْ أَشهد ) فجعله بمنزلة الأسماء التي تجيءُ بعضها محذوفاً للدليل عليه وفي كتاب الله عز و جل : ( يسألُه مَنْ في السمواتِ والأرضِ ) قال : والقولُ عندنا أنَّ ( مَنْ ) مشتملةٌ على الجميعِ لأنها تقعُ للجميعِ على لفظها للواحد
وقد ذهب هؤلاء إلى أن المعنى : ومَنْ في الأرضِ وليسَ القولُ عندي كما قالوا
وقالوا في بيت حسان بن ثابت :
( فَمَنْ يَهْجُو رَسُول الله مِنْكُمْ ... ويَمْدَحهُ ويَنْصُره سَوَاءُ )
إنما المعنى : ومن يمدحهُ وينصرهُ وليس الأمر عند أهلِ النظر كذلك ولكنه جعل ( مَنْ ) نكرةً وجعل الفعلَ وصفاً لها ثم أقام في الثانية الوصف مقامَ الموصوف فكأنه قال : وواحدٌ يمدحهُ وينصرهُ لأن الوصف يقعُ موضع

الموصوفِ إذا كان دالاً عليه
وعلى هذا قول الله عز و جل : ( وإنْ مِنْ أهلِ الكتَاب إلاَّ ليَؤُمنن بهِ ) وقال الشاعر :
( كأنَّك مِنْ جَمالِ بني أُقَيْشٍ ... يُقَعْقَعُ خَلْفَ رِجْلَيْهِ بِشَنِّ )
يريدُ : كأنَكَ جَملٌ ولذلك قال : يقعقعُ خلفَ رجليهِ . وقالَ في أشدِ مِن ذا :
( مَا لَك عِنْدِي غَيْرُ سَهْم وحَجَرْ ... وغَيْر كَبْدَاءَ شَدِيدَةِ الوَتَرْ )
( جَادَت بِكفِّيْ كانَ مِنْ أرمى البَشَرْ ... )

قال أبو بكر : وهذا كله قولُ أبي العباس ومذهبهُ
فصل من مسائل الجواب بالفاء يَقول : هَلْ يقوم زيدٌ فتكرمُهُ يجوزُ الرفع والنصب النصب على الجواب والرفعُ على العطف وقال الله عز و جل : ( منَ ذا الذي يقرضُ الله قرضاً حسناً فيضاعفُهُ ) يقرأ بالرفع والنصب وتقول : ما أنَتَ الذي تقومُ فتقومَ إليهِ الرفع والنصب فالرفعُ على النسق والنصبُ على الجواب وتقول : مَنْ ذا الذي يقومَ فيقومُ إليهِ زيدٌ الرفع والنصب وقوم يجيزون توسط الفاء في الجزاء فيقولون : هَلْ تضربْ فيأتيكَ زيدٌ وهو عندي في الجزاء كما قالوا : لأنَّ ما بعد الفاء إذا نُصِبَ فهو مع ما قبله من جملةٍ واحدةٍ والجزاء وجوابه جملتان تنفصلُ كلُّ واحدة منهما عن صاحبتها
فلا يجوز أن يختلطا فإن قالَ قائلٌ : ينبغي أن يكون غيرَ جائز علىمذهبكم من قبل أن التقدير عندكم : هَلْ يقع ضَربٌ زيداً فإتيانك فلو أجزت ( زيداً ) في هذه المسألة لم يجزْ لأنه في صلة ( ضَربٌ ) فلا يجوز أن تفصل بين الصلة والموصول بشيءٍ فالجواب في ذلك أنك إذا قلت : هل تضربُ فيأتيكَ زيداً فإنما العطفُ على مصدرٍ يدلُ عليه ( يضربُ ) فأغنى عنه وعلى ذلك فينبغي أن لا يجري على التقديم والتأخير في مثل هذا إلا أن يسمع نحوه من العرب لأنه قد خولفَ به الكلام للمعنى الحادث وإذا أزيلَ الكلام عن جهته لمعنىً فحقه أن لا يزال بضده ولا يتصرف فيه التصرف الذي له في الأصل إلا أن يقول العرب شيئاً فتقوله والفراء يقول : إنما نصبوا الجواب بالفاء لأن المعنى كان جواباً بالجواب
فلما لم يؤتِ بالجزاء فينسقَ على غير شكله فنصب مثل قولكَ : هل تقومَ فأقومَ ومَا قمتُ فأقوم إنما التأويلُ لو قمت لقمتُ وشبههُ بقولهم : لو تركت والأسدَ لأكلك
وتقول : لا يسعني شيء ويضيقَ عنكَ لم

يحسن التكريرُ فنصبتَ وقال بعضهم : إنما نصب الجواب بالفاء وإنْ لا تلي إلا المستقبلَ فشبه ( بأنْ ) والفاء في الجزاء تلي كل شيءٍ فبطلتْ والذي يجيزون توسط الجواب يقولون : ما زيدٌ فنأتيَهُ بمذنبٍ يجيزونَ النصب ولا يجيزون الرفع ولا يجوز أن تقول : ما زيدٌ نأتيهِ إلا أن تريد الإستفهامَ
وأعلم : أنه لا يجوز أن تلي الفاء ( ما ) ولا شيءٌ مما يكون جواباً وفي كتاب سيبويه في هذا الباب مسألةٌ مشكلةٌ وأنا ذاكرٌ لفظَهُ وما يجب فيها من السؤال والجواب عنه
قال سبيويه : لا تدنُ من الأسدِ يأكُلكَ قبيحٌ إن جزمت وليس وجه كلام الناس لأنك لا تريد أن تجعل تباعدهُ مِنَ الأسد سبباً لأكله فإن رفعت فالكلام حسنٌ فإن أدخلت الفاء فحسنٌ وذلك قولك : لا تدنُ منهُ فيأكلُكَ وليس كل موضعٍ تدخل فيه الفاءُ يحسنُ فيه الجزاء ألا ترى أنه يقول : ما أتيتنا فتحدثنا والجزاء ها هنا محال وإنما قَبُحَ الجزم في هذا لأنه لا يجىء فيه المعنى الذي يجيء إذا أدخلت الفاء فمما يسأل عنه في هذا أن يقال : لِمَ حَسُنَ مع الفاءِ النصبُ وقبح في الجزم ولمْ يفصل بينهما سيبويه بشيءٍ قَبحه فالجواب في ذلك أن الفرق بين المنصوب والمجرور أنك إذا جزمت إنما تقدر مع حرف الجزاء الفعل الذي ظهر وإن كان أمراً قدرت فِعلاً موجباً وإن كان نهياً قدرت فِعلاً منفياً ألا ترى أنك إذا قلت : قُم أعطكَ فالتأويلُ : إنْ تَقم أعطِكَ وإذا قلتَ لا تقمْ أعطكَ
فالتأويل : إلاّ تقمْ أعطكَ فالإِيجابُ نظيرُ الأمرِ والنفي نظيرُ النهي لأنَّ النهيَ نفيٌ فهذا الجزاء على أنه لم ينقل فيه فِعلٌ إلى اسمٍ ولا يستدلُ فيه بفعل على اسم ثم عطف عليه وإن قال : ما تأتيني فتحدثني فما بعد الفاء في تقدير اسم قد عطف على اسم دل عليه ( تأتيني ) لأن الأفعال تدل على مصادرها وكذلك إذا قال : لا تفعلْ فأضربكَ فالتأويل على ما قال سيبويه : أن المنصوب معطوفٌ على اسم كأنه إذا قال : ليس تأتيني

فتحدثَني قال : ليسَ إتيانٌ فحديثٌ وإذا قال : لا تفعلْ فتضربْ قد قال : لا يكنْ فِعلٌ فتضربَ وهذا تمثيلٌ وقد فَسرهُ وقواهُ ودل على أن الثاني المنصوب من الجملة الأولى : وإن كانت الأولى مسألة
قال : اعلم : أن ما ينتصب على باب الفاء ينتصب على غير معنى واحدٍ وكل ذلك على إضمار ( أنْ ) إلا أن المعاني مختلفة كما أن قولك : ( يعلمُ اللَّهُ ) يرتفع كما يرتفعُ : يذهبُ زيدٌ وعَلِمَ اللَّهُ يُفتحُ كما يُفتح : ذَهَب زيدٌ وفيها معنى اليمينِ قال : فالنصب هنا كأنك قلت : لم يكنْ إتيانٌ فإن تحدثَ والمعنى غير ذلك كما أن معنى : عَلِمَ اللَّهُ لأفعلن غير معنى : رَزقَ اللَّهُ فإن ( تحدث ) في اللفظ فمرفوعة بيكن لأن المعنى لم يكن إتيانٌ فيكون حديثٌ فقوله مرفوعةٌ يدل على أن الفاءَ عاطفةٌ عطفت اسماً على اسمٍ والكلامُ جملةٌ واحدةٌ ومن شأن العرب إذا أزالوا الكلام عن أصله إلى شيءٍ آخر غيروا لفظه وحذفوا منه شيئاً وألزموه موضعاً واحداً إذا لم يأتوا بحرف يدلُّ على ذلك المعنى ولم يصرفوه وجعلوه كالمثل ليكون ذلك دليلاً لهم على أنهم خالفوا به أصل الكلام فقد دل ما قال سيبويه : على أن النفي والنهي إنما وقعا على المصدرين اللذين دل عليهما الفعلان ويقوى أن الفاء للعطف إذا نصبت ما بعدها الواو إن قصتها في النصب وهما للعطف فإن قال قائلٌ : فَلِمَ جاءوا بالفعلِ بعدَ الفاء وهم يريدون الأسمَ قيل : لأن الظاهر الذي عُطِفَ عليهِ فعلٌ
فكانَ الأحسن أن يعطفَ فعلٌ على فعل ويغير اللفظُ فيكون ذلكَ التغيير دليلاً على المصدرين ألا تراهم في النفي كما قالوا : لا أبالكَ فأضافوا إلى المعرفِة أقحموا اللام ليشبه النكرة والمعطوف بالفاء والواو وغيرهما على ما قبله يجوز أن يكون ما قبله سبباً لَهُ ويجوز أن لا يكون سبباً لهُ إذا كان لفظهُ كلفظهِ نحو قولك : يقومُ زيدٌ فيضربُ ويقومُ ويضربُ وزيدٌ يقوم فيقعد عمروٌ

فيجوز أن يكون القيامُ سبباً للضرب ويجوز أن لا يكونَ إلا أن الفاء معناه اتباعُ الثاني الأولَ بلا مهلةٍ فإذا أرادوا أن يجعلوا الفعل سبباً للثاني جاءوا به في الجزاء وفيما ضارعَ الجزاء وجميع هذه المواضع يصلح فيها المعنى الذي فيها من الإتباع ألا ترى أن الشاعر إذا اضطر فعطف على الفعل الواجب الذي على غير شرطٍ بالفاءِ وكان الأول سبباً للثاني نصب كما قال :
( سَأَتْرُكُ مَنْزِلي لِبَني تَمِيمٍ ... وألْحَقَ بالحِجَازِ فأَسْتَرِيَحا )
جعل لحاقَهُ بالحجاز سبباً لأستراحته فتقديرهُ لما نصب كأنه قال : يكونُ لحاقٌ فاستراحةٌ وقد جاء مثله في الشعر أبياتٌ لقوم فصحاءَ إلاّ أنهُ قبيحٌ أن تنصب وتعطف على الواجبِ الذي على غير شِعْرٍ وأَلحق بالحجاز فإذا لحقتَ استرحتَ وإنْ أَلحقْ أسترح ومع ذلك فإن الإِيحاب على غير الشرط أصلُ الكلامِ وإزالةُ اللفظ عن جهتهِ في الفروعِ أحسنُ منها في الأَصولِ لأنها أَدَلُّ على المعاني ألا ترى أنهم جازوا بحرف الإستفهامِ والإستفهام وإنما جازوا بالأخبارِ لأفعالِ المستفهمِ عنها فقالَ أَينَ بيتُكَ يُرادُ به أعلمني
والعطفُ بالفاء مضارعٌ للجزاءِ لأنَّ الأولَ سببٌ للثاني وهو مخالف له من قبل عقدَهُ عَقدَ جملةٍ واحدةٍ ألا ترى أنهم مثلوا
ما تأتينا فتحدثَنا في بعض وجوهها بما يأتينا محدثنا فإن قلت : لا تعصِ فتدخل النار فالنهي هُو النفي كما عرفتُكَ فصارَ بمنزلةِ قولك : ما تعصي فتدخلُ النارَ فقد نفيتَ العصيانَ الذي يتبعُه دخولُ النارِ

وكذلك قد نهيتَ عنه
فالنهي قد اشتمل على الجميع إلا أن فيه من المعنى في النصب ما ذكرنا فإن قلت : قُمْ فاعطيكَ فالمعنى ليكن منكَ قيامٌ يوجبُ عَطيتي وكذلك اقعدْ فتستريحُ أي : ليكن منكَ قعودٌ تتبعهُ راحةٌ فيقرب معناه من الجزاء إذا قلتَ : قم أعطكَ أي إن تقم أعطك وإذا دخلت الفاء في جواب الجزاء فهي غيرُ عاطفةٍ إلاّ أنَّ معناها الذاتي يخصها تفارقهُ إنها تتبع ما بعدها ما قبلها في كُلِّ موضعٍ وقالَ الشاعرُ في جواب الأمر :
( يَا نَاقُ سِيرِي عَنقاً فَسِيحَا ... إلى سُلَيْمَانَ فَنَسْتَريحَا )
فقد جعل سير ناقته سبباً لراحتِه فكأنه قال : ليكن منك سيرٌ يوجبُ راحتَنا وهذا مضارعٌ لقولهِ : إنْ تسيري نستريحْ ولذلكَ سمى النحويون ما عُطفَ بالفاء ونُصِبَ جواباً لشبهه بجواب الجزاءِ وكذلك إذا قالَ : أدنُ مِنَ الأسدِ يأكلُكَ فهو مضارعٌ لقولهِ : ادنُ مِنَ الأسد فيأكلُكَ لأن معنى ذاكَ إنْ تدنُ مِنَ الأسدِ يأكلُكَ ومعنى هذا : ليكن مِنك دنوٌ مِنَ الأسدِ يوجبُ أكَلكَ أو يتبعهُ أَكَلُكَ إلاّ أنّ هذا مما لا يؤمر بهِ لأنَّ مِنْ شأنِ الناس النهيُ عَن مثلِ ذلكَ لا الأمرُ به فإنْ أردتَ ذاك جازَ فإذا قلت : لا تدن مِنَ الأسد يأكلْكَ لَم يجزْ لأن المعنى : أنكَ تدنُ مِنَ الأسدِ يأكلُكَ لم يكنْ إلاّ على المجازِ وإن السامعَ يعلمُ ما تعني لأنَّ المعنى : إلاّ تدنِ مِن الأسدِ يأكلْكَ وهذا محالٌ لأن البعدَ لا يوجبُ الأكلَ فإذا قلتَ : لا تدنِ من الأسدِ فيأكلُكَ جاز لأنَّ النهي مشتملٌ في المعنى على الجميع كأنه قال : لا يكنْ منكَ دنوٌ مِنَ الأسدِ

يوجبُ أكَلكَ أو يتبعه أكلُكَ وكذلك قوله : ما تدنو من الأسدِ فيأكلُكَ هو مثل لا تدنِ لا فرقَ بينهما
وفي الجزاء قد جعل نفي الدنِّو موجباً للأكلِ
واعلَمْ : أنَّ كل نفيٍ معنى تحقيق للإِيجاب بالفاء نحو : ما زال ولَم يزْل لا تقول : ما زالَ زيدٌ قائماً فأعطيكَ وإنما صار النفي في معنى الإِيجاب من أجلِ أنَّ قولهم زالَ بغير ذكر ما في معنى النفي لأنك تريدُ عدم الخَبرِ فكأنَكَ لو قلت : زالَ زيدٌ قائماً لكان المعنى زالَ قيامُه فهو ضد كان زيدٌ قائماً وكانَ وأَخواتُها إنما الفائدة في أخبارها والإِيجابُ والنفي يقع على الأخبار فلما كان زالَ بمعنى : ما كانَ ثم أدخلتْ ( ما ) صار إيجاباً لأنَّ نفيَ النفي إيجابٌ فلذلك لم يجزْ أن يجابَ بالفاءِ وقوم يجيزونَ أنت غيرُ قائمٍ فَتأتيكَ قال أبو بكر : وهذا عندي لا يجوز لأنَّا إنما نَعطف المنصوب على مصدر يدلُّ عليه الفعلُ فيكون حرف النفي منفصلاً وغير اسمٍ مضافٍ وليست بحرفٍ فتقول : ما قامَ زيدٌ فيحسَنْ إلاّ حُمِدَ وما قامَ فيأكل إلا طعامَهُ قال الشاعر :
( ومَا قَام مِنَّا قَائمٌ في نَدِيِّنَا ... فَيَنْطِقَ إلا بالَّتِي هِىَ أَعْرَفُ )
تقول : ألا سيفٌ فأكونَ أَوَلَ مقاتلٍ وليتَ لي مالاً فأعينَك
وقوله : ( يا ليتنا نُردُ ولا نكذب ) كانَ حمزةُ ينصبُ لأنه اعتبر قراءة ابن مسعود

الذي كانَ يقرأُ بالفاء وينصبُ
والفراءُ يختار في الواو والفاء الرفع لأن المعنى : يا ليتنا نرد ولسنا نكذبُ استأنفَ ومن مسائلهم لعلِّي سأَحجُّ فأزورَكَ ولعلكَ تشتمنا فأقومَ إليكَ ويقولون ( لعل ) تُجاب إذا كانت استفهاماً أو شكاً وأصحابنا لا يعرفون الإستفهامَ بلعلَ وتقول : إنَّما هي ضربةٌ مِنَ الأسدِ فتحطم ظهرهُ كأنه قال : إنَّما هي ضربةٌ فحطمهُ فأضمر ( أنْ ) ليعطفَ مصدراً على مصدر وقالوا : الأمرُ مَنْ ينصبُ الجوابُ فيه والنهي يُجابُ بالفاءِ لأنهُ بمنزلةِ النفي ويجوزُ النسق
وقالوا : العَربُ تذهبُ بالأمر إلى الإستهزاء والنهي فتنصب الجواب فيقولون : استأذنْ فيؤذنَ لكَ أي لا تستأذنْ وتحركْ فأصبنَكَ قالوا : والعربُ تحذفُ الفعلَ الأول مع الإستفهام للجواب ومعرفة الكلام فيقولون : متى فأَسيرُ معكَ وأجازوا : متى فآتيكَ تخرجْ ولَم فأسيرَ تسرْ وقالوا : كأنَّ ينصب الجواب معها وليس بالوجه وذاك إذا كانت في غير معنى التشبيه نحو قولك
كأنَّكَ والٍ علينَا فتشتمنَا والمعنى لست والياً علينا فتشتمنا وتقول أريد أن آتيك فأستشيرك لأنك تريد إتيانه ومشورته جميعاً
فلذلك عطفت على ( أن ) فإن قلت أريد أن آتيك فيمنعني الشغل رفعت لأنك لا تريد منع الشغلِ فإنْ أردت ذلك نصبت وقالوا : ( لولا ) إذا وليتْ فعلاً فهي بمنزلةِ هَلاّ ولَوما تكون استفهاماً وتجاب بالفاء وإذا وليت الأسماء لم ينسق عليها بلا ولَم تجب بالفاء وكانت خبراً نحو قوله : ( ولولا أنتم لكنا مؤمنين ) و ( لولا أخرتني إلى أَجلٍ قَريبٍ فأصدقَ ) وقالوا : الإختيارُ في الواجبِ منها الرفعُ وقد نصبَ منها الجوابُ قال الشاعر :
( ولَو نُبِشَ المَقَابِرُ عَن كُلَيْبٍ ... فَيَعْلَمَ بالذَّنائبِ أَيُّ زِيرِ )

ذهب بِه مذهب ( ليتَ ) والكلام الرفع في قولهِ عز و جل : ( ودوُّا لَو تُدْهِنُ فيُدهنونَ )
واعلم أن الأسماء التي سمى بها الأمر وسائر الألفاظ التي أقيمت مقام فعلِ الأمر وليست بفعل لا يجوز أن تجاب بالفاء نحو قولك : تراكَها ونَزالِ ودونَك زيداً وعليك زيداً لا يجابُ لأنه لا ينهى به
وكذلك إليك لا يجابُ بالفاءِ لأنه لم يظهر فعلٌ ومَه وصه كذلك
قالوا : الدعاءُ أيضاً لا يجابُ نحو قولك : ليغفرُ اللَّهُ وغفرَ اللَّهُ لَك والكسائي يجيزُ الجواب في ذلك كله وأما الفراء فقال في الدعاء : إنَّما يكون مع الشروط : غَفر الله لكَ إنْ اسلمتَ وإنْ قلتَ : غَفَر اللَّهُ لكَ فيدخلُك الجنةَ جازَ وهو عندي في الدعاء جائزٌ إذا كان في لفظ الأمر لا فرق بينهما ولا يكونُ للفاء جواب ثانٍ ولا لشيءٍ جَوابانِ وأما قولهُ عزَ وجلَ : ( ولا تَطْرُدِ الَّذِينَ يدعونَ ربَّهم بالغَدَاةِ والعشي يريدونَ وجهُه ما عليكَ مِنْ حسابهم مِن شيءِ ومَا مِن حسابِكَ عليهم من شيءٍ فتطردَهم فتكونَ من الظالمين )
إنما هُوَ : ولا تطردِ الذين يدعونَ ربهم فتكون من الظالمينَ ما عليك من حسابهم من شيءٍ فتطردَهم فتكونَ جَوابُ ( لا ) وقولهُ : فتطردهم جَوابُ ( مَا ) وتقول : ما قاَم أَحدٌ إلا زيدٌ فتحسنَ إليهِ إنْ كانتِ الهاءُ لأحدٍ فجائز لأن التقدير ما قام أَحدٌ فيحسنَ إليه وإنْ كانت الفاءُ لزيدٍ فَخطأٌ لأن الموجبَ لا يكون له جوابٌ والإستثناء إذا جاء بعد النفي فالمستثنى موجبٌ
وكذلك إنْ قلت : ما قامَ إلاّ زيدٌ فتحسنَ إليه محالٌ لأن التحقيق لا جوابَ لَهُ


فصل من مسائل المجازاة إذا شغلت حروف المجازاة بحرف سواها لم تجزم نحو : إنْ وكان وإذا عَمِلَ في حرف المجازاة الشيءُ الذي عمل فيه الحرف لم يغيره نحو قولك مَنْ تَضربْ يَضربْ
وأياً تَضربْ يَضربْ فَمَن وأي قد عملت في الفعل وعمل الفعلُ فِيهما
واعلم أنه لا يجوز الجواب بالواو ولو قلت : مَنْ يخرجُ الدلو لَهُ درهمانِ رفعت ( يخرجُ ) وصار استفهاما وإن جزمت لم يجز إلا بالفاء وتقول : مَنْ كانَ يأتينا وأيٌّ كانَ يأتينا نأتيهِ أذَهبتَ المجازاة لأنكَ قد شغلت ( أياً ومَنْ ) عن ( يأتينا )
وحكى الأخفش : ( كنتُ ومَنْ يأتني آته ) يجعلون الواو زائدة في ( بابِ كانَ ) خاصةً وإن توصل ( بما ) فتقولَ : أمَّا تقمْ أقمْ تدغم النون في الميم وتوصل ( بلا ) تقول : ألا تقمْ أقمْ إلا أن ( ما ) زائدة للتوكيد فقط و ( لا ) دخلت للنفي والكوفيون يقولونَ : إذا وليت أنَّ الأسماءَ فُتحت يقولون أما زيدٌ قائماً تقمْ وإنْ شرطٌ للفعلِ وقالَ الكسائي : إنْ شرطٌ والجزاء الفعل الثاني وهذا الذي ذكره الفراء مخالف لمعنى الكلام وما يجب من ترتيبه وللإستعمال وذلكَ أنَّ كُل شيءٍ يكون سبباً لشيءٍ أو علةً لهُ فينبغي أن تقدم فيه العلةُ على المعلولِ فإذا قلت : إن تأتني أعطكَ درهماً فالإِتيانُ سببٌ للعطيةِ بهِ يستوجبها فينبغي أن يتقدم وكذلك إذا قلت : إنْ تعصِ اللَّهَ تدخلْ النَّارَ فالعصيان سبب لدخول النار فينبغي أن يتقدم فأما قولهم : أَجيئكَ إنْ جئتَني وإنك إنْ تأتني فالذي عندنَا أن هذا الجواب محذوف كفى عنه الفعل المقدم وإنَّما يستعملُ هذا على جهتين : إما أنْ يضطر إليه الشاعر فيقدم الجزاء للضرورة وحقه التأخير وإما أن تذكر الجزاء بغير شرط ولا نية فيه فتقول : أَجيئكَ فيعدُكَ بذلَكَ على كل حال ثم يبدو له ألا يجيئك بسبب فتقول : إنْ جئتني ويستغنى عن الجواب بما قدم فيشبه الإستثناء وتقول : اضربْ إنْ تضربْ زيداً تنصبُ زيداً بأي الفعلين شئت ما لم يلبسْ فإذا قدمت فقلتَ : اضربْ زيداً إنْ تضربْ فإنما

تنصب زيداً بالأول ولا تنصب بالثاني لأن الذي ينتصبُ بما بعد الشروط لا يتقدم وكذلك يقول الفراءُ ولا يجوزُ عنده إذا قلت : أَقوم كي تضربَ زيداً أنْ تقول : أقومَ زيداً كي تضرب والكسائي يجيزهُ وينشد :
( وشِفَاءُ غَيِّكَ خابراً أنْ تسألي ... )
وقال الفراء : ( خَابراً ) حال من النفي : قمتُ كي تقومَ وأقومُ كَيْ تقومَ فهذا خلاف الجزاء لأن الأول وإن كان سبباً للثاني فقد يكون واقعاً ماضياً والجزاء ليس كذلك وهم يخلطونَ بالجزاء كل فعل يكونُ سبباً لفعلٍ والبصريونَ يقتصرون باسم الجزاء على ما كانَ لهُ شرطٌ وكان جوابه مجزوماً وكان لِما يستقبلُ
وتقول : إنْ لم تقمْ قمتُ فلم في الأصل تقلب المستقبل إلى الماضي لأنها تنفي ما مضى فإذا أدخلت عليها إنْ أحالت الماضي إلى المستقبل وأما ( لا ) فتدع الكلام بحا إلا ما تحدثه مِنَ النفي تقول : إنْ لا تقمْ أقَمْ وإنْ لا تقمْ وتحسنُ آتكَ وقوم يجيزون : إنْ لا تقمْ وأَحسنت آتكَ ويقولون : إذا أردتُ الإِتيانَ بالنسقِ جاز فيه الماضي فإذا قلت : إنْ لَم تقمْ وتحسنُ آتكَ جاز معه الماضي إذا كان الأول بتأويلِ الماضي تقولُ : إنْ لم تقمْ ورغبتَ فينا نأتكَ وتقول : إنْ تقمْ فأقومُ فترفعُ إذا أدخلت الفاءَ لأن ما بعد الفاءِ استئنافٌ يقع فيه كل الكلام فالجوابُ حقهُ أنْ يكونَ على قدر الأول إنْ كان ماضياً فالجوابُ ماضٍ وإنْ كانَ مستقبلاً فكذلك
وتقول : إنْ تقمْ وتحسنُ آتكَ تريد : إنْ تجمعُ مع قيامِكَ إحساناً آتك وكذلك : إنْ تقمْ تحسنُ آتكَ تريد : إنْ تقمْ محسناً ولم ترد :

إنْ تقمْ وإن تحسنْ آتكَ وهذا النصب يسميهِ الكوفيونَ الصرف لأنَّهم صرفوه علىالنسقِ إلى معنى غيره وكذلك في الجواب تقول : إنْ تقمْ آتِكَ وأحسنَ إليك وإنْ تقم أنك فأحسنَ إليكَ وإذا قلتَ : أَقومُ إن تقمْ فنسقت بفعل عليها فإن كان من شكل الأول رفعته وإن كان من شكل الثاني ففيه ثلاثة أوجه : الجزم على النسقِ على ( إنْ ) والنصب على الصرف والرفع على الإستئناف فأمَّا ما شاكلَ الأول فقولك : تُحمدُ إنْ تأمرْ بالمعروفِ وتؤجر لأنَه من شكل تُحمدُ فهذا الرفع فيه لا غير وأما ما يكون للثاني فقولُك تُحمد إنْ تأمر بالمعروفِ وتنهَ عن المنكرِ فيكون فيه ثلاثة أوجهِ : فإنْ نَسقت بفعلٍ يصلح للأول ففيه أربعة أوجهٍ : الرفع من جهتين : نسقاً على الأول وعلى الإستئنافِ والجزمُ والنصبُ على الصرفِ وقال قوم : يردُ بعد الجزاءِ فَعلَ على يفعلُ ويفعلُ على فَعَلَ نحو قولك : آتيكَ إنْ تأتني وأحسنتَ وإنْ أحسنتَ وتأتني والوجهُ الإتفاقُ وإذا جئتَ بفعلينِ لا نسق معهما فلك أنْ تجعل الثاني حالاً أو بدلاً والكوفيون يقولون موضع بدل مترجماً أو تكريراً فإن كررتَ جزمتَ وإنْ كانَ حالاً رفعتَهُ وهو موضعُ نصبٍ إذا ردَّ إلى اسم الفاعلِ نصب فأما الحال فقولك : إنْ تأتني تطلب ما عندي أحسنُ إليكَ تريد : طالباً والتكرير مثل قولك : إنْ تأتني تأتني تريدُ الخيرَ أعطكَ والبدل مثل قوله : ( وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثَاماً ) ثم فسر فقال : ( يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ ) وكذلك إنْ تَبْرر أباكَ تصل رحمك

تفعلْ ذاكَ للَّهِ تؤجرْ إذا ترجمت عن ا لأفعال بفعلٍ ولا يجوز البدل في الفعل إلا أن يكون الثاني من معنى الأول نحو قولك : إن تأتني تمشي أَمشِ معكَ لأن المشي ضرب من الإِتيان ولو قلت : إنْ تأتني تضحكُ معي آتكَ فجزمتَ تضحكْ لَمْ يجز قال سيبويه : سألت الخليل عن قوله عز و جل : ( ولئن أَرسلنا ريحاً فرأوهُ مُصْفراً لظلوا ) فقال المعنى : ليَظلُّنَّ وكذلك ( وَلَئِن أتيْتَ الَّذِينَ أُتوا الكِتَابَ بِكُلِّ آيةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ ) وإنما يقعُ ما بعدها من الماضي في معنى المستقبل
لأنها مجازاة نظير ذلك : ( ولئن زالتا إن أمسكهما ) أي : لا يمسكهما وقال محمد بن يزيد رحمه الله : وأما قوله : والله لا فعلتُ ذاك أبداً فإنه لو أراد الماضي لقال : ما فعلتُ فإنما قلبت لأنها لِمَا يقعُ ألا ترى أنها نفي سيفعل تقول : زيدٌ لا يأكلُ فيكون في معنى ما يستقبل فإنْ قلت : ما يأكلُ نفيتَ ما في الحال
والحروف تغلب الأفعال ألا ترى أنكَ تدخلُ ( لَم ) على المستقبل فيصير في معنى الماضي تقول : لم يقمْ زيدٌ : فكذلك حروف الجزاء تقلب الماضي إلى المستقبل تقول : إنْ أَتيتني أَتيتك قال أبو العباس رحمه الله : مما يسأل عنه في هذا الباب قولك : إنْ كنتَ زرتني أَمسِ أكرمتُكَ اليومَ فقد صار ما بعد ( إنْ ) يقع في معنى الماضي فيقال للسائل عن هذا
ليس هذا من قبل ( إن ) ولكن لقوة كانَ
وأنها أصل الأفعال وعبارتها جازَ أن تقلب ( إنْ ) فتقول : إنْ كنتَ أعطيتني فسوفَ أكافيكَ فلا يكون ذلك إلا ماضياً كقول الله عز و جل : ( إنْ كنت قلتهُ فَقَدْ علمته ) والدليل على أنه كما قلت وإن هذا لقوة ( كانَ ) أنه ليس شيءٌ من الأفعال يقع بعد ( إنْ ) غير ( كانَ ) إلا ومعناه الإستقبال لا تقول : إن جئتني أمسِ أكرمتُكَ اليومَ قال أبو بكر :

وهذا الذي قاله أبو العباس رحمه الله لست أقوله ولا يجوز أن تكون ( إن ) تخلو من الفعلِ المستقبل لأن الجزاء لا يكون إلا بالمستقبل وهذا الذي قال عندي نقض لأصول الكلام
فالتأويل عندي لقوله : إنْ كنتَ زرتني أمسِ أكرمتُك اليومَ إنْ تكن كنتَ ممن زارني أمسِ أكرمتُكَ اليوم وإن كنت زرتني أمس زرتُكَ اليومَ فدلتْ ( كنت ) على ( تكن ) وكذلك قوله عز و جل : ( إنْ كُنْت قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ) أي إنْ أكنْ كنت ( أو ) إنْ أقل كنت قلته أو أقر بهذا الكلامِ وقد حكي عن المازني ما يقاربُ هذا ورأيت في كتاب أبي العباس بخطهِ موقعاً عند الجواب في هذه المسألة ينظرُ فيه وأحسبه ترك هذا القولَ وقال : قال سيبويه في قوله عز و جل : ( قل إنَّ الموتَ الذي تفّرونَ منهُ فإنَّه مُلاَقِيكُم ) : إنما دخلت الفاء لذكره تفرون ونحن نعلمُ أنَّ الموتَ ليس يلاقيكم من أجل أنهم فروا كقولكَ : الذي يأتينا فلَهُ درهمانِ فإنما وجب لَهُ الدرهمانِ من أجل الإِتيان ولكن القول فيه والله أَعلم : إنما هو مخاطبة لِمَنْ يهرب من الموت ولَم يتمنَّه قال الله عز و جل : ( فتمنَّوا الموتَ إنْ كنتم صادقين )
فالمعنى : أي أنتم إنْ فررتم منهُ فإنه ملاقيكم ودخلت الفاء لإعتلالهم من الموت عن أنفسهم بالفرار نحو قول زهير :
( ومَنْ هَابَ أَسْبَابَ المَنِيَّةَ يَلْقَها ... وإنْ رَامَ أَسْبَابَ السَّمَاءِ بِسُلَّمِ )

ومن يهبها أيضاً يلقَها ولكنه قالَ هذا لِمَنْ يهابُ لينجو ومثل ذلك : إنْ شتمتني لم اشتمكَ وهو يعلم أنه إنْ لم يشتمني لم اشتمُه ولكنهُ قيل هذا لأنه كان في التقدير أنه إنْ شتَم شُتِمَ كما كان في تقدير الفارِّ من الموت : أن فراره ينجيه
وقال : قال سيبويه : إنَّ حروف الجزاء إذا لم تجزم جاز أن يتقدمها أخبارها نحو : أنت ظالمٌ إن فعلت ثم أجرى حروفَ الجزاء كلها مجرىً واحداً وهذه حكاية قول سيبويه وقد تقول : إنْ أتيتني آتيكَ أي : آتيك إنْ أَتيتني قال زهير :
( وإنْ أَتَاهُ خَلِيلٌ يَوْمَ مَسْأَلَةٍ ... يَقُولُ لا غَائِبٌ مالِي ولا حَرِمُ )
ولا يحسن : إنْ تأتني آتيكَ مِنْ قبل أنَّ ( إنْ ) هي العاملة
وقد جاء في الشعر قال :
( يَا أَقْرَعُ بنُ حَابِسٍ يا أَقْرَعُ ... إنَّكَ إنْ يُصْرَعْ أَخُوكَ تُصْرَعُ )

أي : أنَّكَ تصرعُ إنْ يصرعْ أخوكَ
ومثلَ ذلكَ قوله :
( هَذَا سُرَاقَةُ لِلقُرآنِ يَدْرُسُهُ ... والمَرْء عِنْدَ الرُّشا إن يَلْقَها ذِيبُ )
أي : المرء ذيب إنْ يلقَ الرُّشا فجاز هذا في الشعر
وشبهوه فالجزاء إذا كان جوابه منجزماً لأنَّ المعنى واحدٌ قال : ثم قال في الباب الذي بعده
فإذا قلتَ : آتي مَن أتاني فأنتَ بالخيار إنْ شئت كانت بمنزلتِها في ( إنْ ) وقد يجوز في الشعر : آتي مَنْ يأتيني قال الشاعر :
( فَقُلتَ تَحَمَّلْ فَوْقَ طَوْقِكَ إنَّها ... مُطَبَّعَةٌ مَنْ يأتِها لا يَضِيرُهَا )
كأنه قال : لا يضيرها من يأتها ولو أريد أنه حذف الفاء جازَ وأنشد في بابِ بعده :

( وَمَا ذَاكَ أَنْ كَانَ ابنَ عمِّي ولا أَخِي ... وَلكِنْ مَتَى مَا أَملكُ الضُّرَّ أَنْفَعُ )
كأنه قال : ولكن أنفع متى ما أَملكِ الضرَّ قال أبو العباس رحمه الله : أما قوله : آتيك إنْ أتيتني فغير منكرٍ ولا مرفوع استغنى عن الجواب بما تقدم
ولم تجزم ( إنْ ) شيئاً فيحتاج إلى جواب مجزوم أو شيءٍ في مكانه
وأما قولُهم : وإن أتاه خليلٌ يومَ مسألةٍ تقول على القلب فهو محال وذلك كان الجواب حقه أن يكون بعد ( إنْ ) وفعلها الأول وإنما يعني بالشيء موضعه إذا كان في غير موضعه نحو : ضَربَ غلامُهُ زيدٌ لأن حد الكلام أن يكون بعد زيدٍ وهذا قد وقع في موضعه من الجزاء فلو جاز أن يعني به التقديم لجاز أن تقول : ضربُ غلامُهُ زيداً تريد : ضربَ زيداً غلامُه وأما ما ذكره من ( مَنْ ومَتى ) وسائر الحروف فإنه يستحيل في الأسماء منها والظروف
من وجوه في التقديم والتأخير لأنكَ إذا قلت : آتي مَنْ أتاني وجب أن تكون ( مَنْ ) منصوبة بقولكَ : أَتى ونحوهُ وحروف الجزاء لا يعمل فيها ما قبلها فليس يجوز هذا إلا أن تريد بها معنى الذي
و ( متى ) إذا قلت : آتيك متى أتيتني فمتى للجزاء وهي ظرف ( لأَتيتني ) لأنَّ حروف الجزاء لا يعمل فيها ما قبلها ولكن الفعل الذي قبل متى قد أغنى عن الجواب كما قلت في الجواب : أَنتَ ظالمٌ إنْ فَعَلتَ
فأنتَ ظالمٌ منقطع مِنْ ( إنْ ) وقَد سَدَّ مسدَّ جواب ( متى ) و ( إنْ ) لم تكن منها في شيءٍ لأنَّ ( مَتى ) منصوبة ( بيأتيني ) لأنَّ حروف الجزاء من الظروف والأسماء إنما يعملُ فيها ما بعدها وهو الجزاء الذي يعملُ فيه الجزم
والباب كله على هذا لا يجوز غيره ولو وضع الكلام في موضعه لكانَ تقديره : متى أتيتني فآتيكَ أي : فأنا

آتيكَ وإنما قوله ( مَنْ ) يأتها فمحالٌ أَنْ يرتفع ( مَنْ ) بقولكَ : لا يضيرها ومَنْ مبتدأٌ كما لا تقول : زيدٌ يقومُ فترفعه ( بيقوم ) وكل ما كان مثله فهذا قياسه وهذه الأبيات التي أُنشدت كلها لا تصلح إلا على إرادة الفاء في الجواب
كقوله : ( الله يشكرها ) لا يجوز إلا ذلك
وتقولُ : إن الله أمكنني من فلانٍ فعلتُ : فتلى ( إنْ ) الإسم إلا أنكَ تضمر فعلاً يليها يفسرهُ ( أمكنني ) كما تفعل بألف الإستفهام
وزعم سيبويه أنه جاز فيها ما امتنع في غيرها لأنها أصل الجزاء
قال : والدليل على ذلك أنها حرفه الذي لا يزولُ عنه لأنها لا تكون أبداً إلا للجزاء ومَنْ تكون استفهاماً وتكون في معنى الذي وكذلكَ ما وأيُّ وأينَ ومتىَ تكون استفهاماً وجميعُ الحروف تنقل غيرها
قال أبو العباس رحمه الله : فيقال له : ( إنْ ) قد تكون في معنى ( مَا ) نحو : ( إن الكافرونَ إلا في غرورٍ ) وتكون مخففة من الثقيلة وتكون زائدةً نحو قوله :

( وما إنْ طبنَا جُبنٌ ... )
ثم قال : والدليل على ما قال سيبويه : أنَّ هذا السؤال لا يلزمُ أنَّ ( مَنْ ) تكونُ لِما يعقل في الجزاء والإستفهام ومعنى الذي فهي حيث تصرفتْ واحدة و ( ما ) واقعة على كل شيء غير الناس وعلى صفات الناس وغيرهم حيث وقعت فهي واحدة وكذلك هذه الحروف و ( إنْ ) للجزاء لا تخرجُ عنه وتلك الحروف التي هي ( إنْ ) للنفي ومخففة من الثقيلة وزائدة ليسَ على معنى ( إنْ ) الجزاءُ ولا منها في شيءٍ وإنْ وقع اللفظان سواء فإنهما حرفانِ بمنزلةِ الإسم والفعل إذا وقعا في لفظ وليس أحدهما مشتقاً من الآخر : نحو قولِكَ : هذا ذهبٌ وأنت تعني التِّبْر وذهب من الذهاب ونحو قولِكَ : زيدٌ على الجبَلِ وعلا الجبلَ فهذا فعلٌ والأول حرفٌ قال : وسألت أبا عثمان عن ( ما ) و ( مَنْ ) في الإستفهام والجزاء أمعرفة هما أم نكرةٌ فقال : يجوز أن يكونا معرفة وأن يكونا نكرة فقلت : فأيُّ : ما تقول فيها قال : أنا أقول : إنَّها مضافة معرفة ومفردة نكرة والدليل على ذلك أنك تقول : أيةُ صاحبتُكَ ولو كانت معرفةً لم تتصرفْ
قال : وكان الأخفش يقول : هي معرفة ولكن أَنونُ لأن التنوينَ وقع وسط الإسم فهو بمنزلة امرأةٍ سميتَها خيراً منكَ وكانَ غيرهُ لا يصرفها ويقول : أيّةَ صاحبتُك لأنّها معرفةٌ
وشرح أبو العباس ذلك فقالَ : إن مَنْ وما وأيُّ مفردة نكراتٍ وذلك أنَّ أيا منونةٌ في التأنيث إذا قلت : أيّةٌ جاريتُكَ وقول الأخفش : التنوينُ وقعَ وسطاً غَلَط وذاك لأنَّ ( أَيَّ ) في الجزاء والإستفهام لا صلة لها ( ومَنْ وما ) إذا كانتا خبراً فإنهما يعرفانِ بصلتهما
فقد حذفَ ما كان يعرفهما فهما بمنزلة ( أي ) مفردةً ومن الدليل على أنهن نكراتٌ أنك

تسأل بمنْ سؤالاً شائعاً ولو كنتَ تعرف ما تسأل عنه لم يكنْ للسؤال عنه وجه فالتقدير فيها على ما ذكرنا إذا قلت : ما زيدٌ وأيُّ زيدٍ وما عندك وأيُّ رجلٍ وأي شيءٍ فإذا قلت : أَيهم وأيُّ القومِ زيدٌ فقد اختصصتَه من قوم فأضفته إليهم والتقدير : أهذا زيدٌ منَ القومِ أم هذا للإختصاصِ
فلذلك كانت بالإِضافة معرفةً وفي الإِفراد نكرةً
وقال سيبويه : سألتُ الخليلَ عن ( كيفَ ) : لِمَ لَمْ يجازوا بها فقالَ : هي فيه مستكرهةٌ وأصلها من الجزاء ذلك لأنَّ معناها على أي حالٍ تكن أكن
وقال محمد بن يزيد : والقول عندي في ذلك : إنَّ علة الجزاءِ موجودةٌ في معناها فما صَحَّ فيهِ معنى الجزاء جوزيَ بهِ وما امتنعَ فلا جزاءَ فيهِ وإنما امتنعت ( كيفَ ) من المجازاة لأن حروف الجزاء التي يستفهم بها كانت استفهاماً قبل أن تكون جزاءً والدليلُ على تقديم الإستفهام وتمكنه أنَّ الإستفهام يدخل على الجزاء كدخوله على سائر الأخبارِ فتقول : أَإِنْ تأتني آتِكَ ونحوه ولا يدخلُ الجزاء على الإستفهام ثم رأيتَ أنه ما كان من حروف الإستفهام متمكناً يقعُ على المعرفة والنكرة جوزيَ به : لأنَّ حروفَ الجزاء الخالصة تقع على المعرفة والنكرة تقول إنْ تأتني زيدٌ آتِه وإن يأتني رجلٌ أَعطهِ فكذلك من وما وأيَ وأينَ ومتَى وأنّى
وذلك إذا قلت في الإستفهام : من عندك جاز أن تقول : زيدٌ أو رجل أم امرأةٌ وكذلك كلما ذكرنا من هذه الحروف
وأما كيف فحقٌّ جوابها النكرة وذلك قولك كيف زيدٌ فيقالُ صالحٌ أو فاسدٌ ولا يقالُ الصالح ولا أخوكَ لأنَّها حالٌ والحالُ نكرةٌ وكذلك كم لم يجازوا بها لأنَّ جوابها لا يكون نكرةً إذا قام كمْ مالُكَ فالجواب : مائةٌ أو ألفٌ أو نحو ذلك والكوفيون يدخلون ( كيف وكيفما ) في حروف الجزاء ولو جازت العرب بها

لأتبعناها وتقول : إنْ تأمر أن آتيك تريد إنَّك إنْ تأمرْ بأنْ آتيكَ وإنْ أسقطت ( إنْ ) قلت : إنْ تأمر آتيكَ آتكَ ولا يجوز عندي إن تأمر لا أقم لا أقم إلا على بعدٍ وقومٌ يجيزونهُ وتقول : إنْ تقمْ إنَّ زيداً قائمٌ تضمرُ الفاء تريدُ : فإنَّ زيداً قائمٌ وإنْ تقمْ لا تضرب زيداً
يريد : فلا تضربْ زيداً : وإنْ تقمْ أطرفْ بكَ أي فأطرِفْ بكَ وتقول : إنْ تَقمْ يعلم الله أزَركَ تعترضُ باليمينِ ويكون بمنزلة ما لم يذكر أعني قولك : يعلمُ اللَّهُ وإنْ جَعلتَ الجواب للقسم أَتيتَ باللام فقلت : إنْ تقمْ يعلمُ الله : لأزورنَّكَ وتضمر الفاءَ وكذلكَ : إنْ تقم يعلم الله لآتينك تريد : فيعلمُ الله لأزورنك ويعلم اللَّهُ لآتينكَ


باب الأفعال المبنية الأفعال التي تبنى على ضربين : فعلٌ أصله البناء فهو على بنائه لا يزول عنه وفعلٌ أصله الإِعراب فأدخلَ عليه حرف للتأكيد فبنيَ معَهُ
فأما الضرب الأول فقد تقدم ذكره وهو الفعل الماضي وفعل الأمر وأما الضربُ الثاني فهو الفعلُ الذي أصله الإِعراب فإذا دخلت عليه النون الثقيلة والخفيفة بني معها
ذكر النون الثقيلة هذه النونُ تلحقُ الفعلْ غيرَ الماضي إذا كانَ واجباً للتأكيدِ فيبنى معها وهي تجيءُ على ضربين : فموضعٌ لا بد منها فيه وموضعٌ يصلحُ أنْ تخلو منه فأمَّا الموضع الذي لا تخلو منه فإذا كانت مع القسم وذلك قولُكَ : والله لأفْعَلنَّ وأقسم لأفعلنَّ وأشهد لأفعلنَّ وأقسمت عليك بالله لتفعلنَّ فهذه النون ملازمةٌ للامِ وهي تفتح لام الفعل الذي كان معرباً وتبنى معهُ وهي إذا كانت مشددةً مفتوحةً قال سيبويه : سألتُ الخليلَ عن قوله : لتفعلنَّ مبتدأة لا يمينٌ قبلها فقال : جاءت على نية اليمين
وإذا حكيت عن غيرك

قلتَ : أقسم لتفعلنَّ واستحلفتهُ لتفعلنَّ
وزعم : أنَّ النونَ أُلحقت ( في لتفعلنَّ ) لئلا يشبه أنه ليفعل
فإذا أقسمتَ على ماضٍ دخلت اللامُ وحدها بغير نون نحو قولكَ : والله لقد قامَ ولقامَ وحكى سيبويه والله أنْ لو فعلتَ لفعلت وتقول : والله لا فعلتَ ذاكَ أبداً تريد : لا أَفعلُ وقال الله عز و جل ( ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا ) على معنى : ( ليظلّن ) وتقول : لئن فعلت ما فَعلَ تريد : ما هو فاعلٌ وتقول : : والله أفعلُ تريد لا أفعلُ وإن شئت أظهرت ( لا ) وإنما جاز حذف ( لا ) لأنهُ موضع لا يلبس ألا ترى أنك لو أردت الإِيحاب ولم ترد النفي قلت : لأفعلن فلما لم تأت باللام والنون علم أنك تريد النفي وأما الموضع الذي تقع فيه النون وتخلو منه فالأمر والنهي وما جرت مجراهما من الأفعال غير الواجبة وذلك قولك : أفعلنَّ ذاكَ ولا تفعلنَّ وهَل تقولنَّ وأتقولنَّ لأن معنى الإستفهام معنى أخبرني
وكذلك جميع حروف الإستفهام وزعم يونس أنك تقول : هلا تفعلنَّ وألا تقولَنَّ لأنك تعرض ومعناه أفعلُ ومثل ذلك : لولا تقولنَّ لأنه عَرض
ومن مواضعها حروف الجزاء إذا أوقعت بينها وبين الفعل ( مَا ) للتوكيد تقول : إمّا تأتني آتكَ وأيُّهم ما يقولنَّ ذاكَ نجزهِ وقد تدخل بغير ( ما ) في الجزاء في الشعر
وقد أدخلت في المجزوم تشبيهاً به للجزم ولا يجوز إلا في ضرورة قال الشاعر :
( يَحْسَبُهُ الجَاهِلُ مَا لَمْ يَعْلَما ... شَيْخَاً على كُرْسِيَّه مُعمَّمَا )
والخفيفة والثقيلة سواء ويقولون : أَقسمتُ لمَّا لم تفعلن لأن ذا طلبٌ

وزعم يونس : أنَّهم يقولونَ رُبَّما تقولنَّ ذاك وكثر ماتقولنَّ ذاك لأنه فِعْل غير واجبٍ ولا يقعُ بعد هذه الحروف إلا و ( ما ) له لازمة وإن شئت لم تدخل النون فهو أجودُ فهذه النون تفتح ما قبلها مرفوعاً كان أو مجزوماً
فإذا أدخلت النون الشديدة على ( يفعلانِ ) حذفت النون التي هي علامة الرفع لإجتماع النونات ولأن حقه البناء فينبغي أن تطرح الذي هو علامة الرفع وكذلك النون في ( يفعلون ) تقول : ليفعلنَ ذاكَ وقد حذفت النون فيما هو أشد من هذا لإجتماع النونات قرأ بعض القراء : ( أتحاجونِّي ) و ( فَبِمَ تُبشرونِّ ) وسقطت الواو لإلتقاء الساكنين فصار ليفعلنّ فإن أدخلتها على ( تَضربينَ ) حذفت أيضاً النون لإجتماع النونات لأنها تكون علماً للرفع وحذفت الياء لإلتقاء الساكنين فقلت : هل تضربينَ وتقول : اضربنَ زيداً وأكرمن عمراً وكان الأصل اضربي وأكرمي وتقول لجماعة المذكرينَ : اضربُنَّ زيداً كانَ الأصلُ : اضربوا وأكرموا فسقطتِ الواو لإلتقاء الساكنين وتقول في التثنية : اضربانِ يا رجلانِ بكسر النونِ تشبيهاً بالنون التي تقعُ بعدَ الألف وهي فيما سوى هذا مفتوحة ومتى دخلت النون بعد حرف إضمارٍ تحرك إذا لقيته لام المعرفة حرك لها تقول : ارضونَّ زيداً واخشونَّ عمراً وارضينَّ يا امرأةُ لأنك تقول : اخشُو فتضم وتقول : ارضي الرجلَ فتكسر فلذلك ضممتَ وكسرتَ مع النونِ فإنْ أدخلت النون على : تضربنَ الذي هو لجماعةِ المؤنث قلت : هَل تضربنانِ يا نسوةُ واضربنانِ لم تسقطْ هذه النون لأنها اسمٌ للجماعة وفصلت بين النونات بالألف لئلا تجتمعَ النوناتُ

واعلم : أن ما يحذف من اللامات في الجزم والأمر إذا أدخلت النون لم يحذفن تقول : ارمين زيداً وكان اللفظ : ارمِ زيداً لأن الياء والواو تحذفان في المواضع التي أصلها الإِعراب فإذا أدخلت النون عادت لأنها تبنى مع ما قبلها ولا سبيل للجزم
ذكر النون الخفيفة كل شيء تدخله النون الثقيلة تدخله الخفيفة إلا أن النون الخفيفة في الفعل نظير التونين في الإسم فلا يجوز الوقف عليها كما لا يجوز الوقف على التنوين تقول اضربْن زيداً إذا وصلت فإذا وقفت قلت اضربا كما تقول : ضربتُ زيداً في الوقف وقد فرقوا بين التنوين والنون الخفيفة بشيءٍ آخر بأن الخفيفة لا تحرك لإلتقاء الساكنين والتنوين يحرك لإلتقاء الساكنين فمتى لقي النون الخفيفة ساكن سقطت لأنهم فضلوا ما يدخل الإسم على ما يدخل الفعل وتقول : إذا أمرتَ امرأةً : اضربن يا هذه فإذا وقفت قلت : اضربي ولَم يجز أن تقول : اضربنْ في الوقف لأنها بمنزلة التنوين وأَنتَ تحذفُ التنوين إذا انكسر ما قبلهُ فحذفت التنوين ها هنا فلما حذفتها عادت الياء لأن سقوطها كان لإلتقاء الساكنين وتقول للجماعة : اضربُنْ يا قومُ فإذا وقفت قلت : اضربوا : أعدت الواو لأنها إنما سقطت لإلتقاء الساكنين ولم يجز أن تقول : اضربنْ في الوقف كما لم يجز أن تقول : زيدْ في الوقف فقد يقفون وهم ينوونَ النونَ كما ينوون التنونَ في الرفع والجزم في الوقف
وتقول في الوقف : اخشى وللرجال اخشوا وحكى سيبويه : أن يونس يقول : اخْشَي واخْشَوُوا وقال الخليل : لا أرى ذلك إلا على قول مَنْ قال : هذا عمروُ ومررتُ بعمري قول العرب على قول الخليل وإذا أدخلت النون بعد حرف إضمار تحرك إذا لقيتْهُ لام المعرفة حرك من النون

وتقول : هَلْ تضربِنْ يا امرأةُ وكان الأصل : تضربينَ فسقطت النون التي كانت علامةٌ للرفع كما تسقط الضمة في : هَل تضربنْ وتثبت النون الخفيفة أو الثقيلة إنْ شئتَ وتسقط الياء لإلتقاء الساكنين فيصير : هل تضربِنْ في الوصل وكان في الأصل تضربينَ وإذا وقفت قلت : هل تضربين
فأعدت النون التي كانت للرفع لأنك لا تقفُ على النون الخفيفة ولا يجوز أن تسقطها لأنك لم تأت بما تسقط من أجله وكذلك هل تضربونَ وهل تضربانِ فأما الثقيلة فلا تتغير في الوقف وإذا كان بعد الخفيفة ألف ولام ذهبت لإلتقاء الساكنين . تقول : اضربا الرجل
وإذا أردت فِعلَ الإثنين في الخفيفة كان بمنزلته إذا لم ترد الخفيفة في فعلِ الإثنين في الوصل والوقف لأنك لو أتيت بها لاحتجت إلى تحريكها لأنها بعد ألفٍ وهي لا تحرك وذلك قولك : اضربا وأنت تنوي النونَ وإذا أردت الخفيفة في فعلِ جمعِ النساء قلت في الوقف والوصل : اضربِنْ زيداً فيكون بمنزلته إذا لم ترد الخفيفة ولو أتيت بها للزمكَ أن تقول : اضربنانِ زيداً فتاتي بالألف لتفصلَ بين النونين وتكسر النون لالتقاء الساكنين فتحركها وهي لا تحركُ قال سيبويه وأما يونس وناسٌ من النحويين فيقولون : اضربانْ زيداً واضربنانْ زيداً
ويقولون في الوقف : اضربا واضربْنَا فيمدونَ
فإذا وقع بعدها ألف ولامْ أو ألفُ وصلٍ جعلوها همزة مخففة وهذا لم تفعلْهُ العرب والقياس أن يقولوا في : اضربنْ اضربِ الرجلَ فيحذفون لإلتقاءِ الساكنين
مسائل من باب النون تقول في المضاعف من الفعل : رُدّن يا هذا وردّانِ ورُدُّن وكان قبل النون ردّوا فسقطت الواو لإلتقاء الساكنين وتقول في المؤنث رُدّن وكان قبل النون : ردي فسقطت الياء لإلتقاء الساكنين وتثنية المؤنث كتثنية

المذكر
تقول : رُدّانِ يا امرأتانِ وتقول لجماعة النساء : ارددنانِ وكان قبل النون : اردَدنَ
فجئت بالألف لتفصل بين النونات
وتقولُ : قولنْ وقولانِ وقولّنَّ والمؤنث قولِنَّ : وقولانِ يا امرأتانِ وقُلنانِ يا نسوةُ وقس على هذا جميع ما اعتلتْ عينه وكذلك ما عتلتْ لامه اقضين زيداً واقضيانِ واقضين تسقط الواو لسكون النون الأولى اقضينَ يا امرأةُ تسقط ياءين التي هي لام الفعل وياء التأنيث أما لام الفعل فتسقط كما تسقط في ( تقضينَ ) لإلتقاء الساكنين لأنها ساكنة وياء التأنيث ساكنة
وتسقط ياء التأنيث من أجل سكون النون الأولى فإن جمعت قلت : اقضينانِ والكوفيونَ يحكون إذا أمرت رجلاً : اقضِنَّ يا هذا بكسر الضاد وإسقاط الياء كأنهم أسقطوا الياءَ لسكونها وسكون النون هكذا اعتلوا
وعندي أنا : الذي فَعلَ هذا إنما أدخلَ النون على ( اقضِ ) ولم يجد ياءً فترك الكلام على ما كان عليه وهذا شاذٌ وتقول : مِنْ دعوتُ : ادعون زيداً أو ادعوان وادعنْ للجماعة سقطت الواوان في ( ادَعن ) الواو التي هي لام الفعل سقطتْ لدخول واو الجمع وسقطت واو الجمع لدخول النون الأولى وهي ساكنة
وتقول للواحدة : ادعَنْ سقطتْ واواٌ وياءٌ فالواو لام الفعل سقطت لدخول الياء التي هي للمؤنث حين قلت : ادعي
وسقطت الياء للنون فصار ادعن وتقول : للإثنين : ادعوان مثل المذكرين وللجماعة ادعونانِ لأنكَ تقول : قبل النون : ادعون زيداً مثل اقضينْ زيداً تأتي بالألف إذا أردت النون الشديدة فتفصلُ بين النوناتِ لئلا تجتمع كما تقول : اقضنانِ زيداً وتقول : من خَشيتَ : اخشَينَ زيداً يا هذا واخشينانِ زيدً يا هذان واخشُون زيداً يا نسوةُ . تحرك الواو بالضم
وحكمُ هذا الباب أَنَّ كل واوٍ وياءٍ تحركت فيه إذا لقيتها لامُ المعرفة تحركت هنا وإنْ كانت تسقط هناك لإلتقاء الساكنين سقطت هنا فلهذا قلت : اخشُون زيداً ضممتَ الواو كما تَضمُّها إذا قلت : اخشُوا الرجلَ وتقول للمرأة : اخشين زيداً كما تقول : اخشى الرجلَ وتثنية المؤنث كتثنية المذكر وتقول لجماعة النساء : اخشين زيداً والكوفيون يحكون : اخشَن يا رجلُ بإسقاط الياء من ( اخشين ) وهذا

نظيرُ ( اقضِن ) وحكوا : لا يخفن عليكَ : يريدون لا يخفين عليكَ وقال الفراء : هذه لغة طيءٍ لأنهم يسكنون الياء في النصب ولا ينصبونَ
والنونُ لا تشبه ذلك
وتقول : لا تضربني ولا تضربننا ومنهم من يخفضُ لكثرة النونات فيقول : لا تضربني ولا تضربنَا والكوفيون يحكون : اضربن يا رجلُ ينوون الجزم قد ذكرنا جميع أصناف الأسماء المعربة والمبنية والأفعال المبنية وبقيَ ذكر الحروف مفردةً


باب الحروف التي جاءت للمعاني قد ذكرنا أول الكتاب ما يعرفُ به الحرف والفرق بينه وبين الإسم والفعل وإنما هي أدوات قليلة تدخل في الأسماء والأفعال وتحفظ لقلتها وسنذكرها بجميع أنواعها وكلها مبني وحقها البناء على السكون وما بنيَ منها على حركة فإنما حرك لسكون ما قبله أو لأنه حرف واحد فلا يمكن أن يبتدأ به إلا متحركاً وهي تنقسم أربعة أقسامٍ : ساكنٍ يقال لهُ موقوفٌ ومضمومٌ ومكسور ومفتوح الأولِ
الموقوف : ويبدأ بما كان منه على حرفين وذلكَ أَمْ وأَوْ وهَلْ وتكون بمعنى : ( قَدْ ) ولَم نفيُ فَعَلٍ ولَنْ نفيُ سيفعلُ فإنْ للجزاء ووجوب الثاني لوجوب الأول وتكون لغواً في ( ما إنْ يفعلُ ) وتكون ( كما ) في معنى ( ليسَ ) قال الشاعر :
( وَرجِّ الفتى لِلخَيْرِ ما إنْ رأَيتَهُ ... )

ومن ذلك ( أنْ ) المفتوحة يكون وما بعدها بمنزلة المصدر وتكون بمنزلة ( أَي ) وتكون مخففة من الثقيلة وتكون لغواً نحو قولك : لمَّا أَنْ جَاءَ
وأما واللِه أَنْ فَعَلْتَ فأما كونها بمنزلة المصدر فقولك : أَنْ تأتيني خيرٌ لَك واللام تحذف من أَنْ كقوله : أَنْ تقتلَ أحدهما وأنْ كانَ ذَا مالٍ ويجوز أن تضيف إلى ( أَنْ ) الأسماء تقول : إنهُ أَهلٌ أَن يفعلَ ومخافة أَن يفعلَ وإنْ شئت قلت : إنَّهُ أهلٌ أنْ يفعلَ ومخافةُ أنْ يفعلَ وإنَّهُ خليقٌ لأَنْ يفعلَ وإنَّهُ خليقٌ أنْ يفعلَ وعسيتَ أَنْ تفعلَ وقاربتَ أَنْ تفعلَ ودنوتَ أَنْ تفعلَ ولا تقول : عسيتَ الفعل ولا للفعلِ وتقول : عسى أَنْ يفعلَ وعسى أَن يفعلا وعسى أَن يفعلوا وتكون عسى للواحد والإثنين وللجميع والمذكر والمؤنث ومن العرب من يقول : عَسى وعَسيا وعسوا وعسيتُ وعسيتِ وعسينَ فمن قال ذاك كانت ( أَنْ ) فيهن منصوبةً ومن العرب من يقول : عسى يفعلُ فشبهها بكادَ يفعلُ فيفعلُ في موضعِ الإسمِ المنصوب في قوله : عسَى الغويرُ أَبؤساً
فأما ( كادَ ) فلا يذكرونَ فيها ( أَنْ ) وكذلك كربَ يفعلُ ومعناهما واحدٌ وجعلَ وأَخذَ فالفعلُ هنا بمنزلة الفعلِ في ( كانَ ) إذا قلت : كانَ يقولُ
وهو في موضع اسم منصوب بمنزلته ثَم وقد جاء في الشعر : كادَ أن يفعلَ ويجوزُ في الشعر : لعلِّي أَن أفعلَ بمنزلة عسيتُ أَنْ أفعلَ وتقول : يوشكُ أَنْ تجيءَ فيكون موضعُ ( أَن ) رفعاً ويجوز أن يكون نصباً وقد يجوز : ( يُوشكُ ) تجيء بمنزلة ( عسَى ) قال أمية بن أبي الصلتِ :

( يُوشكُ مَنْ فُرَّ مِنْ منيتهِ ... في بعضِ غراتهِ يُوافقُها )
قال سيبويه : وسألتهُ . يعني الخليل عن معنى : أريدُ لأَنْ تفعلَ فقال : المعنى إرادتي لهذا كما قال تعالى : ( وأمرتُ لأَن أكونَ أولَ المسلمين )
وأما ( إنْ ) التي بمعنى ( أيْ ) فنحو قوله ( وانطلقَ الملأُ منهم أَنْ امشوا ) ومثله : ( ما قلتُ لهم إلا ما أمرتني بهِ أنِ اعبدوا الله ) فأما كتبت إليه أنْ افعل وأمرتهُ أَنْ قُمْ فتكون على وجهينِ : على التي تنصب الأفعالَ وعلى ( أَي ) ووصلك لها بالأمرِ كوصلِكَ للذي يفعلُ إذا خاطبتَ والدليل على أّنَّها يجوز أن تكون الناصبة قولُكَ : أَوعز إليهِ بأَنْ افعلْ وقولُهم : أرسل إليه أنْ ما أَنتَ وذَا فهي على أي والتي بمعنى أَنْ لا تجيء إلا بعد استغناء الكلام لأنها تفسيرٌ وأما مخففةٌ من الثقيلة فنحو قوله : ( وآخر دَعواهم أنِ الحمدُ لله رب العالمين ) يريدُ ( أَنهُ ) ويجوز الإِضمار بعد أَنْ هذه وقولُكَ و ( كأنَّ ) هي أنَّ دخلت عليها الكاف كما دخلت على ما خففت منه وقال سيبويه :

لو أنَّهم جعلوا أنْ المخففة بمنزلة إنَّما كان قوياً وفي هذا البابِ شيءٌ مشكلٌ أنا أبينهُ
اعلم : أن الأفعال على ضروب ثلاثة : فضرب منها يقين وهو عَلِمتُ وضَرب هو لتوقعِ الشيءِ نحو : رجوتُ وخفتُ وضربٍ هو بينهما يحمل على ذا وعلى ذَا نحو : ظننتُ وحسبتُ
واعلم : أن ( أنّ ) إنما هي لما تتيقنه ويستقر عندك وأَنْ الخفيفة إنما هي لما لَم يقعْ نحو قولك : أُريد أَنْ تذهبَ فإذا كانت أن الخفيفة بعد ( علمتُ ) فهي مخففةٌ من الثقيلة وإذا خففت أتى بلا والسين وسوف عوضاً مما حذف
وجعلوا حذفها دليلاً على الإِضمار وقد ذكروا فيما تقدم و ( أَنْ ) التي تنصب بها الأفعال تقع بعد رجوت وخفتُ . تقول : خفتُ أَنْ لا تفعلَ
فأما بعد حسبت وظننت فإنها تكون على ضربين : إنْ كان حسبانكَ قد استقر كانت مخففة من الثقيلة وإن حملته على الشك كانت خفيفة كقوله ( وحسبوا أنْ لا تكونَ فتنةٌ ) . تقرأ بالرفع والنصب
فمن رفع فكأنه أرادَ وحسبوا أَنْ لا تكون لما استقر تقديرهم فصار عندهم بمنزلة اليقين وهذا مذهب مشايخنا
وقد حكي عن المازني نحوٍ منه ثم يتسعون فيحملون ( رجوتُ ) على علمتُ إذا استقر عندهم الرجاء وهذا أبعدها
وحكي عن أبي العباس ولستُ أحفظهُ من قوله : إنه إن سُئلَ عن أَنْ الخفيفة المفتوحة ومواضعها فقال : أنْ الخفيفة المفتوحة أصلها أَنَّ المفتوحة الثقيلة في جميع أحوالها وأنها مفتوحة كما انفتحت أَنَّ المعمول فيها كأنما خففت أنَّ فصارت أنْ مخففة فلها في الكلام موضعان : أحدهما تقع فيه على

الأسماء والأخبار . والآخر : تقع فيه على الأفعال المضارعة للأسماء
فأما كون وقوعها على الأسماء والأخبار : فإن ذلك لها إذا دخلت محل ( أَنَّ ) الثقيلة أعني في التأكيد للإبتداء والخبر فإذا كانت بهذه المنزلة لم يقع عليها إلا فعل واجب وكانت مؤكدة لما تدخل عليه وأما كون وقوعها على الأفعال المضارعة فلأنَّ العامل فيها غير واجب ولا واقع وإنما يترجى كونه ووقوعه فإذا وجدت العامل فيها واجباً على ( أن ) ففتحتها وأوقعتها على المضمر وجعلته اسماً لها
وأما قولهم : أما أَن جزاكَ الله خيراً أو أما أنْ يغفر اللُه لكَ
قال سيبويه : إنما جاز لأنه دعاءٌ وقال : سمعناهم يحذفونَ إنَّ المكسورة في هذا الموضع ولا يجوز حذفها في غيره
يقولون : أما إنْ جزاكَ الله خيراً وهذا على إضمار الهاء في المحذوفة وقال : يجوزُ ما علمتُ إلا أنْ تأتيهُ إذا أردت معنى الإِشارة لا أنكَ علمتَ ذلك وتيقنتهُ
والمبتدأ وخبره بعد ( أَن ) يحسنُ بلا تعويض تقول : قَد علمتُ أَن عمرو ذاهبٌ وأَنت تريدُ ( أَنهُ ) ويجوز : كتبتُ إليه أن لا تقلْ ذاكَ وأَن ترفعَ ( تقولُ ) وأنْ تنصب
فالجزم على النهي والنصبُ على ( لئلا ) والرفعُ على ( لأنَكَ لا تقول ) أو بأنَّكَ لا تقول وقد تكون أَنْ بمنزلة لام القسم في قول الله : ( أنْ لَو فعلَ ) وتوكيداً في قوله : لَما أَن فَعَلَ
ومن الحروف ( مَا ) وهي تكونُ نفيُ هو يفعلُ إذا كان في الحال وتكونُ كلَيْسَ في لغة أهل الحجاز
وتكون توكيداً لغواً تغيرُ الحرفَ عن عمله نحو : إنما وكأَنما ولعلما جعلتهنَّ بمنزلة حروف الإبتداء ومن ذلك حيثما

صارت بمجيء ( ما ) بمنزلة إنْ التي للجزاء وما في ( لمَّا ) مغيرة عن حال لم كما غيرت ( لو ما ) ألا ترى أنك تقول : ( لمَّا ) ولا تتبعها شيئاً ومنها ( لا ) وهي نفي لقوله يَفْعل ولم يقع الفعلُ وتكون ( كما ) في التوكيد واللغو في قوله ( لِئلا يَعْلَمَ أَهْلُ الكِتَابِ ) وهو لأن يعلم ولا تكون توكيداً إلا في الموضع الذي لا يلتبس فيه الإِيجاب بالنفي من أجل المعنى
وقد تغير الشيء عن حاله كما تفعلُ ( مَا ) وذلك قولك : ( لولا ) غيرت معنى لَو وستبين إذا ذكرنا معنى ( لو ) وكذلك هَلا صيرتْ ( لا ) هل في معنى آخر وتكون ضداً لنَعَمْ وَبَلى ومنها ( لوْ ) وهو كان التي للجزاء لأَنَّ إنْ توقع الثاني مِنْ أجل وقوع الأول ولم تمنع الثاني من أجل إمتناع الأول تقول : إنْ جئتني أكرمتَك فالإِكرامُ إنما يكون متى إذا كان منك مجيءٌ وتقول : لو جئتني لأكرمتُكَ والمعنى : أنه امتنع إكرامي من أجل امتناع مجيئك
وقال سيبويه : ( لو ) لما كان سيقع لوقوع غيره وهو يرجع إلى هذا المعنى لأنه لم يقع الأول لَمْ يقع الثاني فتقدير إنْ قبل ( لَو ) تقول : إنْ أتيتني أَتيتكَ
يريد فيما يستقبل فإذا لم تفعلْ وطالبتكَ بالإِتيان قلت : لو أتيتني أَتيتُكَ
ومنها ( لَولا ) وهي مركبة مِنْ معنى إنْ ولَو وتبتدأ بعدها الأسماء وذلك أنها تمنع الثاني لوجود الأول تقول : لَولا زيدٌ لهَلكنا تريدُ : لولا زيدٌ في هذا المكان لهلكنا وإنما امتنع الهلاك لوجود زيدٍ في المكان وقال عز و جل : ( لولا أنتم لكنا مؤمنينَ ) وقد يستعملونها بمعنى هَلا يولونها الفعل ومنها ( كي ) وهي جواب لقوله : كيمه كما تقول : لِمه
ومنها ( بَلْ ) وهي لترك شيءٍ من الكلام وأخذٍ في غيره
ومنها ( قَدْ ) وهي جوابٌ لقوله : لمَّا يفعلْ
وزعم الخليل : أَنَّ هذا لقومٍ

ينتظرونَ الخبرَ . وقد تكونُ ( قَدْ ) بمنزلة رُبَّما
ومنها ( يَا ) وهي تنبيهٌ وقد ذكرناها في بابِ النداء ومنها ( مِنْ ) وهي لإبتداء الغايةِ وتكون للتبعيض وتدخل توكيداً بمنزلة ( مَا ) إلا أنها تجرُّ وذلك قوله : ما أتاني من رجلٍ وويحَهُ من رجلٍ أكدتهما بمنْ
وقد ذكرناها فيما تقدمَ
ومنها ( مَذْ ) وهي في قول مَن جَرَّ بَها حرفٌ فهي لإبتداء غاية الأيام والأحيان وحقُّ ( مذ ) أن لا تدخل على ما تدخلُ عليهِ ( مِن ) وكذلك ( مِنْ ) لا تدخلُ على ما تدخل عليه ( مذ ) ومنها ( عن )
وهي لِمَا عدا الشيء وقد استعملت اسماً . وقد ذكرتها في الظروف
وذكرها سيبويه في الحروف وفي الأسماء
فقال : ( عن ) اسم إذا قلتَ : مِنْ عَن يمينِ كذا
وأما ( مَع ) فهي اسمٌ ويدلك على أَنها اسمٌ أنها متحركة ولو كانت حرفاً لَمَا جاز أَن تحرك العينُ لأنَّ الحروفَ لا تحرك إذا كان قبلها متحركٌ


باب أم وأو والفصل بينهما اعلم : أنَّ ( أَمْ ) لا تكون إلا استفهاماً وهي على وجهين : على معنى أيهما وأيهم وعلى أن تكون منقطعة من الأول
فإذا كان الكلام بهما بمنزلة أيهما وأيَّهم فهو نحو قولك : أزَيدٌ عندكَ أمْ عمروٌ وأزيداً لقيت أم بشراً . تقديم الإسم أحسن . لأَنكَ عنه تسألُ ويجوزُ تقديم الفعل
وإذا قلت : أضَربتَ زيداً أمْ قتلتَهُ كان البدء بالفعلِ أحَسنُ لأنك عنهُ تسأل وتقول : ما أبالي أزَيداً لقيتُ أمْ عمراً وسواءٌ عليَّ أزَيداً كلمتُ أمْ عمراً وما أدَري أزيدٌ ثُمَّ عمروٌ أدخلت حرف الاستفهام للتسوية وعلى ذا ما أدري أقامَ أمْ قعدَ على التسوية
وأما المنقطعة فنحو قولك : أعَمروٌ عندكَ أمْ عندكَ زيدٌ وأنَّها لإِبلٌ أَمْ شاءٌ ويجوز حذف ألف الإستفهام في الضرورة
فأما ( أو ) فقد ذكرناها مع حروف العطف كما ذكرنا أمْ
وقد تختلطُ مسائلهما لإشتراك بينهما بعض المعاني
واعلم : أنَّ ( أَوْ ) إنما تثبت أحد الشيئين أو الأشياء وأنَّ أَمْ مرتبتها أنْ تأتي بعد أو
ويقول القائل : لقيَ زيدٌ عمراً أوْ خالداً
فيثبت عندك أنه قد لقيَ أحدهما إلا أنكَ لا تدري أيَّهما هو فتقول : حَسبَ أعَمراً لقيَ زيدٌ أَمْ خالداً
وكذلك إذا قال لك القائل : قد وهبَ لكَ أبوك غلاماً أوْ جاريةً
فقد ثبت عندك أن أحدهما قد وهب لك إلا أنك لا تدري أَغلامٌ أم جاريةٌ فإذا سألتَ أباكَ عنْ ذلك قلتَ : أَغلاماً وهبتَ لي أمْ جاريةً وتقو ل : أَيَّهم تضربُ أو تقتلُ ومن يأتيكَ أو يحدثُكَ لأن ( أَمْ ) قد استقر على أَي ومَنْ وكأنَّكَ قلتَ : زيداً أمْ عمراً تضربُ أوَ تقتلُ ثم أَتيت بأَي موضع زيدٍ وعمروٍ

فقلت أيهما تضربُ أوْ تقتلُ
وعلى هذا يجري ( مَا ومَتى وكيفَ واينَ ) لأن جميع هذه الأسماء إذا كانت استفهاماً فقد قامت مقام الألف وأمْ جميعاً
واعلم : أن جواب أوْ نَعَمْ أو لا وجواب ( أَم ) الشيء بعينه إن سأل سائلٌ عن اسم أجبت بالإسم وإن سأل عن الفعل أجبتَ بالفعل إذا قال : أَزيدٌ في الدارِ أَوْ عمروٌ فالجوابُ نَعَمْ أو لا لأن المعنى : أأَحدهُما في الدار وجوابُ أَأَحدهما في الدار : نَعَمْ أو لا وكذلك إذا قال : أَتقعدُ أو تقومُ فالجوابُ : نَعمْ أو لا فإن قال أزيدٌ أم عمرو في الدار فالجواب : أن تقولَ : زيدٌ إذا كانَ هو الذي في الدار
وكذلك إذا قال : أَتقومُ أمَ تقعدُ قلت : أَقعدُ ( فأَوْ ) تثبتُ أَحدَ الشيئين أَو الأشياء مبهماً وأم تقتضي وتطلب إيضاح ذلك المبهم و ( أَوْ ) تقوم مقامَ ( أَمْ ) مع هل وذلك لأنكَ لم تذكر الالف وأو لاتعادلُ الألفَ وذلك قولُهم : هَلْ عندكَ شعيرٌ أو برٌ أو تَمرٌ وهل تأتينا أو تحدثنا لا يجوز أن تدخلَ ( أَمْ ) في ( هَلْ ) إلا على كلامين وكذلك سائر حروف الإستفهام وتقول : ما أدري هَل تأتينا أو تحدثنا يكون في التسوية كما هو في الإستفهام وإذا قلت : أَزيدٌ أفضل أَمْ عمروٌ لا يجوز إلا ( بأَمْ ) لأنك تسأل عن أيهما أفضلُ ولو قلت : ( أَو ) لم يصلح لأن المعنى يصير أحدهما أفضل فليسَ هذا بكلام ولكنك لو قلت : أَزيدٌ أو عمروٌ أَفضلُ أم خالدٌ جاز لأنَّ المعنى أحد ذَينِ أفضلٌ أمْ خالدٌ وجواب هذه المسألة أن تقول خالدٌ إنْ كان هو الأفضل أو أحدهما إنْ كان هو الأفضلُ ويوضح هذه المسألة أن يقول القائل : الحسنُ أو الحسينُ أَشرفُ أمْ ابن الحنفيةِ فالجواب في هذه المسألة أن تقول : أحدهما بهذا اللفظ ولا يجوز أن تقول : الحسنُ دونَ الحسينِ أو الحسينُ دونَ الحسنِ لأنه إنما سألك أأَحدهما أَشرفُ أَمْ ابن الحنفيةِ وكذَاكَ الدرُّ أو الياقوتُ أَفضلُ أمْ الزجاج فالجواب أحدهما فإن كان قال : الزُّجاجُ أو الخزفُ أفضلْ أم الياقوت قلت : الياقوتُ
وتقول : ما أدري أقامَ أو أَقعدَ إذا لم يطل القيام ولم يبن من سرعته وكان بمنزلة ما لم يكن كما تقول : تكلمتُ ولَم أَتكلمَ فيجوز أن يكونَ ثُمَّ كلامٌ ولكنه لقلّته جعلهُ بمنزلة مَنْ لم يتكلمْ ويجوز أن يكون لَم يبلغْ

به المرادُ فصار بمنزلة مَنْ لم يتكلم وهذا في الحكم بمنزلة قولك : صليتَ ولَمْ تصلِّ فإذا قال : ما أَدري أقام أو قعدَ وهو يريد ذا المعنى فهو قد عَلمَ منه قيامه ولكنه لم يعتد به وليس ( لأمْ ) هنا معنى لأنهُ إذا قال : ما أَدري أَقامَ أمْ قعدَ فقد استوى جهلهُ في القيام والقعود وها هنا قيام قد علم إلا أنه جعل بمنزلة ما يشك فيه لما خبرتك فعلى هذا تقول : ما أدري أَقامَ أو قعدَ إذا كان لم يبن قيامهُ حتى قعدَ فهذا الباب كله إنما جعل بأَوْ
وكذلك أَأَذنَ أو أقامَ إذا كان ساعة إذنٍ أقامَ وما أدري أَبكى أو سكتَ لأنهُ لم يعد بكاؤهُ بكاءً ولا سكوته سكوتاً فإن كان لا يدري أَأَذنَ أم أَقامَ قال : ما أدري أَأذنَ أم أقامَ كما تقول : ما أدري أَزيدٌ في الدار أو عمروٌ إذا كنت تستيقنْ أن أحدهما في الدار ولا تدري أيهما هو


باب ما جاء من ذلك على ثلاثة أحرف فمن ذلك ( عَلَى ) ذكر محمد بن يزيد : أنها تكون حرفاً واسماً وفعلاً وإنّ جميع ذلك مأخوذٌ من الإستعلاء وقد ذكرتها فيما تقدم
وقال سيبويه : ( عَلى ) معناها استعلاءُ الشيءِ ويكون أَن تطوى مستعلياً كقولك : أمررت يدي عليه ومررتُ على فلانٍ كالمثل
وكذلك علينا أميرٌ وعليه دينٌ لأنهُ شيءٌ اعتلاهُ . ويكونُ مررتُ عليه : مررت على مكانه
ويجيءُ كالمثل وهو اسم لا يكونُ إلا ظرفاً قال : ويدل على أنه اسمٌ قول بعضهم : غَدَتْ مِنْ عَليهِ ومن ذلكَ ( إلى ) وهي منتهىً لإبتداءِ الغايةِ ومنها ( سَوفَ ) وهي

تنفيسٌ فيما لم يكن بعد
ألا تراه يقول : سوفتَهُ وهذا لفظُ سيبويه ومنها ( إنَّ ) وهي توكيد لقوله زيدٌ منطلقٌ وإذا خففت فهي كذلك غير أنَّ لامَ التوكيد تلزمها إذا خفضت عوضاً لما ذهب منها لئلا تلتبس بأن التي للنفي ومنها ( ليت ) وهي تَمنٍّ ومنها بَلى وهي توجبُ بها بعد النفي ومنها نعم وهي عدةٌ وتصديقٌ قال سيبويه : ولَيس بَلى ونَعَمْ اسمين وإذا استفهمتَ فأجبتَ بنَعمْ قال أبو بكر : والدليلُ على أنَّ ( نعَم ) حرفٌ : أنها نقيضةُ ( لاَ ) ومنها ( إذن ) وهي جوابٌ وجزاءٌ . ومنها إلا وهي تنبيهٌ


باب ما جاء منها على أربعة حروف من ذلك حتى : هي كإلى وقد بَيَّن أَمرها في بابها ولها نحو ليس ( لإِلى ) يقول : الرجلُ إنما أَنا إليكَ أي أنتَ غايتي ولا تكون ( حتىَ ) ها هُنا وهي أَعم في الكلام من حتى
تقول : قمتُ إليه فتجعلَهُ منتهىً لهُ مِنْ مكانِكَ ولا تقولُ : حتاهُ ومنها ( لكنْ ) خفيفةٌ وثقيلةٌ توجبُ بها بعد النفي وقد ذكرناها فيما تقدمَ لَعَلَّ قال سيبويه : لعلَّ وعسى طَمعٌ وإشفاق


باب ما جاء منها على حرف واحد كل هذه التي جاءت على حرف واحد متحركات إلا لام المعرفة فإنها ساكنة فإذا أرادوا أن يبدأوا أيضاً أتوا بألف الوصل قبلها وأما لام الأمر فهي مكسورة ويجوز أن تسكن ولا تسكن إلا أن يكون قبلها شيءٌ نحو قولك : فليقمْ زيدٌ فالحرف على ثلاثة أضربٍ : مبنيٌ على السكون وعلى الفتح وعلى الكسر فأما المبني على الفتح فواو العطف وليس فيه دليل أن أحد المعطوفين قبل الآخر والفاء كالواو غير أنها تجعل ذلك بعضه في أثر بعض
وكاف الجر للتشبيه ولام الإِضافة مع المضمر وفي الإستغاثة وواو القسم وتاء القسم بمنزلتها والسين في ( سيفعلُ ) وزعم الخليل أنها جواب لَن
وألف الإستفهام ولام اليمين في لأفعلنَّ ولام الإبتداء في قولك : لزيدٌ منطلقٌ وأما المبني على الكسر فباء الجر
وهي للإِلزاق والإختلاط ولام الإِضافة مع الظاهر ومعناها المُلْك واستحقاقُ الشيءِ
فجميع هذه جاءت قبل الحرف الذي جيء بها لها فأَما ما جاء بَعْدُ
فالكاف التي تكون للخطاب فقط في قولك : ذاكَ والتاء في أنَتَ


باب الحرف المبني مع حرف من الحروف ما يبنى مع غيره ويصير كالحرف الواحد ويغير المعنى
فمن ذلك لولا غيرت ( لاَ ) معنى لَو
وكذلك لما غيرت ( مَا ) معنى لَمْ و ( مهما ) زعموا : أنها ( ما ) ضُمت إليها ( مَا ) وأبدلوا الألف الأولى هاء ولما فعلوا ذلك صار فيها معنى المبالغة والتأكيد فكأنَّ القائل إذا قال : مهما تفعلْ أَفعلْ فقد قال لا أصغر عن كبير من فعلكَ ولا أكبر عن صغيرٍ أو ما أشبه هذا المعنى
ومن ذلك ( إنَّما ) إذا رفعت ما بعدها يصير فيها معنى التقليل : تقول ( إنَّما أنَا بشرٌ ) إذا أردت التواضع وقال أَصحابنا : إنَّ اللام في ( لعل ) زائدة لأنهم يقولون عَلَّ والذي عندي أنهما لغتان وأن الذي يقول لَعلَّ لا يقولُ عَلَّ إلا مستعيراً لغةَ غيره لأَني لَم أَرَ زائداً لغير معنىً
فإنْ قيل : إنها زيدت توكيداً فهو قولٌ
ومن ذلكَ كأَنَّ بنيتَ الكافَ للتشبيه مع إنَّ

وجعلت صدراً ولولا بناؤها معها لم يجز أن تبتدىء بها إلا وأنتَ تريد التأخير ومنها : هلاّ بنيت ( لا ) مع ( هَلْ ) فصار فيها معنى التحضيض وما لم أذكره فهذا مجراه فيما بنى له حرفٌ مع حرفٍ قال أبو بكر : قد أَتينا على ذكر الإسم والفعل والحرف وإعرابها وبنائها ونحنُ نتبعُ ذلك ما يعرض في الكلام من التقديم والتأخير والإِضمار والإِظهار إن شاء الله


باب التقديم والتأخير الأشياء التي لا يجوز تقديمها ثلاثة عشر سنذكرها وأما ما يجوز تقديمه فكل ما عمل فيه فعلٌ متصرفٌ أو كان خبراً لمبتدأ سوى ما استثنيناه فالثلاثةُ عشر التي لا يجوز تقديمها : الصلة على الموصول والمضمر على الظاهر في اللفظ والمعنى إلا ما جاء على شريطة التفسير والصفة وما اتصل بها على الموصوف وجميع توابع الإسم حكمها كحكم الصفة والمضافُ إليه وما اتصل به على المضاف وما عمل فيه حرف أو اتصل به حرفٌ زائدٌ لا يقدم على الحرف وما شبه من هذه الحروف بالفعل فنصب ورفع فلا يقدم مرفوعه على منصوبه والفاعل لا يقدم على الفعل والأفعال التي لا تتصرف لا يقدم عليها ما بعدها والصفات المشبهة بأسماءِ الفاعلين والصفات التي لا تشبه أسماء الفاعلين لا يقدم عليها ما عملت فيه والحروف التي لها صدور الكلام لا يقدم ما بعدها على ما قبلها وما عمل فيه معنى الفعل فلا

يقدم المنصوب عليه ولا يقدم التمييز وما عمل فيه معنى الفعل وما بعد إلا وحروف الإستثناء لا تعمل فيما قبلها ولا يقدم مرفوعه على منصوبه ولا يفرق بين الفعل العامل والمعمول فيه بشيءٍ لم يعمل فيه الفعل
شرح الأول من ذلك : وهو الصلة :
لا يجوز أن تقدم على الموصول لأنها كبعضه وذلك نحو صلة ( الذي ) وأَنْ فالذي توصل بأربعة أشياءٍ بالفعل والفاعل والمبتدأ والخبر وجوابه والظرف ولا بدّ من أن تكون في صلتها ما يرجع إليها والألفُ واللام إذا كانت بمنزلة ( الذي ) فصلتها كصلة ( الذي ) إلا أنكَ تنقل الفعلَ إلى اسم الفاعلِ في ( الذي ) فتقول في ( الذي قامَ ) : القائمُ وتقول في ( الذي ضَربَ زيداً ) : الضاربُ زيداً فتصير الألف واللام اسماً يحتاج إلى صلة وأنْ تكون في صلته ما يرجع إلى الألف واللام فلو قلتَ : ( الذي ضَربَ زيداً عمروٌ ) فأردت أن تقدم زيداً على ( الذي ) لم يجزْ ولا يصلح أن تقدم شيئاً في الصلة ظرفاً كان أو غيره على ( الذي ) البتة فأما قوله ( وكانوا فيه من الزاهدين ) فلا يجوز أن تجعلَ ( فيه ) في الصلة
وقد كان بعضُ مشايخ البصريين يقول : إنَّ الألف واللام ها هنا ليستا في معنى ( الذي ) وأنَّهما دخلتا كما تدخلُ على الأسماء للتعريف وأَجاز أن يقدم عليها إذا كانت بهذا المعنى ومتى كانت بهذا المعنى لم يجزْ أن يعمل ما دخلت عليه في شيءٍ فيحتاج فيه إلى عامل فيها قال أبو بكر وأنا أظن أنهُ مذهبُ أَبي العباسِ يعني أنَّ

الألفَ واللامَ للتعريفِ والذي عندي فيه أنَّ التأويل ( وكانوا فيه زاهدين من الزاهدين ) فحذف ( زاهدينَ ) وبينَهُ بقولِه : ( مِنَ الزاهدينَ ) وهو قول الكسائي ولكنه لم يفسر هذا التفسيرَ وكان هو والفراءُ لا يجيزانِه إلا في صفتين في ( مِن وفي ) فيقولان : ( أَنتَ فينا مِنَ الراغبينَ وما أَنت فينا من الزاهدينَ ) وأما ( أَنْ ) فنحو قولكَ : ( أَن تقيمَ الصلاةَ خيرٌ لكَ ) لا يجوز أن تقول : ( الصلاةُ أنْ تقيمَ خيرٌ لكَ ) ولا تقدمُ ( تقيمُ ) على ( أَنْ ) وكذلك لو قلت : ( أنْ تقيمَ الصلاةَ الساعةَ خيرٌ لكَ ) لم يجزْ تقديمُ ( الساعةَ ) على ( أَنْ ) وكذلك إذا قلت : ( أَأَنْ تلد ناقتكم ذكراً أَحبُّ إليكم أَمْ أُنثى ) لم يجز أن تقول : أَذكراً أَأنْ تلدُ ناقتكُم أَحبُّ إليكم أم أُنثى لأن ( ذكراً ) العاملُ فيهِ ( تلدُ ) وتلدُ في صلة ( أَنْ ) وكذلك المصادر التي في معنى ( أَن نفعلَ ) لا يجوز أن يتقدم ما في صلتها عليها لو قلت : أَولادةُ ناقتكم ذكراً أَحبُّ إليكم أم ولادتُها أُنثى ما جاز أَن تقدم ( ذكراً ) على ( ولادةٍ ) وكل ما كان في صلة شيءٍ من اسمٍ أو فعلٍ مما لا يتمُّ إلا به فلا يجوز أن نفصلَ بينَهُ وبين صلته بشيءٍ غريب منه لو قلت : ( زيدٌ

نفسهُ راغبٌ فيكم ) لم يجزْ أن تؤخر ( نفسَهُ ) فتجعلهُ بين ( راغبٍ ) و ( فيكم ) فتقول : زيدٌ راغبٌ نفسهُ فيكم فإن جعلتَ ( نفسَهُ ) تأكيداً لما في ( راغبٍ ) جاز
شرح الثاني : توابع الأسماء :
وهي الصفة والبدل والعطفُ لا يجوز أن تقدم الصفة على الموصوف ولا أن تُعملَ الصفة فيما قبل الموصوف ولا تقدم شيئاً بصيغة المجهول مما يتصل بالصفة على الموصوف وكذلك البدل إذا قلت : مررتُ برجلٍ ضاربٍ ( زيداً ) لم يجز أن تقدم ( زيداً ) على ( رجل ) وكذلك إذا قلت : ( هذا رجلٌ يضربُ زيداً ) لم يجز أن تقول ( هذا زيداً رجلٌ يضربُ ) لأن الصفة مع الإسم بمنزلة الشيء الواحد وكذلك كل ما اتصل بها فإذا قلت : ( عبد الله رجلٌ يأكلُ طعامَكَ ) لم يجز أن تقدم ( طعامَك ) قبل ( عبد الله ) ولا قبل ( رجل )
والكوفيون يجيزون إلغاء ( رجلٍ ) فيجعلونه بمنزلة ما ليس في الكلام فيقولون : ( طعامَكَ عبد اللِه رجلٌ يأكلُ ) لا يعتدون برجلٍ وتقديره عندهم ( طعامكَ عبد الله يأكلُ وإلغاء هذا غيرُ معروف وللإِلغاء حقوق سنذكرها إن شاءَ الله ولكن هذه المسألة تجوز على غير ما قدروا وهو أنْ تجعل ( رجلاً ) بدلاً من ( عبد الله ) ترفعهُ بالإبتداء وتجعلُ ( يأكلُ ) خبراً فحينئذٍ يصلحُ تقديم ( طعامَك ) وأما البدلُ فلا يتقدم على البدلِ منه وكذلك ما اتصل به لا يتقدم على الإسم المبدلِ منه
وأما العطفُ فهو كذلك

لا يجوز أن يتقدم ما بعد حرف العطف عليه وكذلك ما اتصل به والذين أجازوا من ذلك شيئاً أجازوه في الشعر ولو جعلنا ما جاء في ضرورات الشعر أصولاً لزال الكلام عن جهته فقدموا حرف النسق مع المنسوق به على ما نُسقَ به عليه وقالوا : إذا لم يكن شيءٌ يرفعُ لم يجزْ تقديم الواو والبيتُ الذي أنشدوه :
( عليكِ ورحمةُ اللِه السلامُ ... )
فإنما جاز عندهم لأن الرافع في مذهبهم ( عليكَ ) وقد تقدم ولا يجيزونَ للشاعر إذا اضطر أن يقول : ( إنَّ وزيداً عمراً قائمانٍ ) لأن ( إنّ ) أداةٌ وكل شيءٍ لم يكن يرفع لم يجز أن تليه الواو عندهم على كل حالٍ فهذا شاذٌ لا يقاسُ عليه وليس شيءٌ منصوب مما بعد حرف النسق يجوز تقديمه إلا شيءٌ أجازهُ الكوفيونَ فقط وذلك قولهم : زيداً قمتُ فَضَربتُ وزيداً أَقبلَ عبد اللِه فشتمَ . وقالوا : الإِقبالُ والقيام هُنا لغوٌ
شرح الثالث : وهو المضاف إليه :
لا يجوز أن تقدم على المضاف ولا ما اتصل به ولا يجوز أن تقدم عليه نفسه ما اتصل به فتفصل به بين المضاف والمضاف إليه إذا قلت : ( هذا يومُ تضربُ زيداً ) لَمْ يجزْ أن تقول : ( هذا زيداً يومُ تضربُ ) ولا هذا يومُ زيداً ( تضربُ ) وكذلك : هذا يومُ ضربِكَ زيداً لا يجوز أن تقدم ( زيداً ) على ( يومٍ ) ولا على ( ضربِكَ ) وأما قولُ الشاعر :

( للِه دَرُّ اليومَ مَنْ لاَمَهَا ... )
وقوله :
( كَما خُطَّ الكِتَابُ بِكَفِّ يوماً ... يهوديٍ يُقارِبُ أو يُزِيلُ )
فزعموا : أن هذا لما اضطر فصل بالظرف لأنَّ الظروف تقع مواقعَ لا تكون فيها غيرها وأجازوا : ( أَنا طعامَكَ غيرُ آكلٍ ) وكان شيخنا يقول : حملته على ( لا ) إذ كانت ( لا ) تقعُ موقعَ ( غير )
قال أبو بكر :

والحق في ذا عندي أنْ يكون طعامُكَ منصوباً بغيرِ ( آكلٍ ) هذا ولكن تقدر ناصباً يفسره ( هذا ) كأنك قلت : أنا لا آكلُ طعامَك واستغنيت ( بغيرِ آكلٍ ) ومثل هذا في العربية كثيرٌ مما يضمرُ إذا أتى بما يدل عليه
شرح الرابع : الفاعل :
لا يجوزُ أن يقدم على الفعل إذا قلت : ( قامَ زيدٌ ) لا يجوز أن تقدم الفاعل فتقول : زيدٌ قامَ فترفع ( زيداً ) بقامَ ويكون ( قامَ ) فارغاً ولو جاز هذا لجاز أن تقول : ( الزيدانِ قامَ والزيدونَ قامَ ) تريد : ( قام الزيدانِ وقامَ الزيدونَ ) وما قام مقام الفاعل مما لم يُسمَ فاعلهُ
فحكمه حكم الفاعل إذا قلت : ( ضُرِبَ زيدٌ ) لم يجز أن تقدم ( زيداً ) فتقول : ( زيدٌ ضُرِبَ ) وترفع زيداً ( بضُرِبَ ) ولو جاز ذلك لجاز : ( الزيدانِ ضُرِبَ والزيدونَ ضُرِبَ ) فأما تقديم المفعول على الفاعل وعلى الفعل إذا كان الفعل متصرفاً فجائزٌ وأعنيِ بمتصرفٍ أن يقال : منه فَعَلَ يفعَلُ فهو فاعلٌ كضَرَبَ يضربُ وهو ضاربٌ وذلك اسم الفاعل الذي يعملُ عملَ الفعل حكمهُ حكمُ الفعلِ
الخامس : الأفعال التي لا تتصرف :
لا يجوز أن يقدم عليها شيءٌ مما عملتْ فيه وهي نحو : نِعْمَ وبِئْسَ وفِعلُ التعجب ( وليسَ ) تجري عندي ذلك المجرى لأنها غير متصرفةٍ ومَه وصَه وعليكَ وما أشبهَ هذا أبعد في التقديم والتأخير

السادس : ما أعمل من الصفات تشبيهاً بأسماء الفاعلين وعمل عمل الفعل :
وذلك نحو ( حَسَنٌ وشديدٌ وكريمٌ ) إذا قلتَ : هو كريمٌ حَسبَ الأبِ
وهو حَسَنُ وجهاً لم يجز أن تقول : هُوَ وجهًا حَسَنٌ ولا هُوَ حَسَب الأبِ كريمٌ وما كان من الصفات لا يشبه أسماء الفاعلين فهو أَبعدُ لهُ من العمل والتقديم وكل ما كان فيه معنى فعل وليسَ بفعلٍ ولا اسم فاعلٍ فلا يجوزُ أن يتقدم ما عَمِلَ فيهِ عليهِ
السابع : التمييز :
اعلم : أن الأسماء التي تنتصب انتصاب التمييز لا يجوز أن تقدم على ما عمل فيها وذلك قولك : ( عشرونَ درهماً ) لا يجوزُ : ( درهماً عشرونَ ) وكذلك له عندي رطلٌ زيتاً لا يجوز : ( زيتاً رطلٌ ) وكذلك إذا قلت : ( هو خيرٌ عبداً ) لا يجوز : ( هُو عبداً خَيرٌ ) فإن كان العامل في التمييز فعلاً فالناس على ترك إجازة تقديمه سوى المازني ومن قال بقوله وذلكَ قولكَ : ( تفقأتُ سمناً ) فالمازني يجيز : ( سمناً تفقأتُ ) وقياس بابه أن لا يجوز لأنه فاعل في الحقيقة وهو مخالف للمفعولات ألا ترى أنهُ إذا قال : ( تفقأتُ شحماً ) فالشحمُ هو المفقىء كما أنه إذا قال : ( هو خيرٌ عبداً ) فالعبدُ هو خيرٌ ولا يجوز تعريفهُ فبابه أولى به وإن كان العاملُ فيه فعلاً وفي الجملة أن المفسر إنَّما ( ينبغي أن ) يكون بعد المفسر واختلف النحويون في : بطرتِ القريةُ

معيشتَها وسفَه زيدٌ رأَيه فقال بعضهم : نصبُه كنصبِ التفسير والمعنى : ( سَفِهَ رأَي زيد ) ثم حول السفهُ إلى زيدٍ فخرج الرأي مفسراً فكأنَ حكمه أن يكون : ( سفَه زيدٌ رأياً ) فترك على إضافته ونُصبَ كنصبِ النكرة قالوا : وكما لا يجوز تقديم ما نصب على التفسير لا يجوز تقديم هذا وأجاز بعض التقديم وهو عندي القياس لأن المفسر لا يكون إلا نكرةً وإنما يجري هذا والله أعلم على : جَهِلَ زيدٌ رأيهُ وضيّعَ زيدٌ رأيهُ
وما أشبه هذا وكذلك : بطرتْ معيشَتها
كأنه : كرهت معيشتها وأحسبُ البطر أنه كراهيةُ الشيءِ من غير أنْ يستحقَ أن يكره وكان شيخنا رحمه الله لا يجيز : ( وجعَ عبد اللِه رأسَهُ ) في تقديمٍ ولا تأخيرٍ لأن ( وجعَ ) لا يكون متعدية وهي جائزةٌ في قول الكسائي والفراء
الثامن : العوامل في الأسماء والحروف التي تدخل على الأفعال :
الأول من ذلك : ما يدخلُ على الأسماء ويعمل فيها فمن ذلك : حروف الجر لا يجوز أن يقدم عليها ما عملت فيه ولا يجوز أن يفرق بينها وبين ما تعملُ فيه ولا يجوز أن يفصل بين الجار والمجرور حشوٍ إلا ما جاء في ضرورة الشعر لا يجوز أن تقول : ( زيدٌ في اليوم الدارِ ) تريدُ : ( في الدار اليومَ ) ولا ما أشبه ذلك وقد أجاز قومٌ : ( لستَ زيداً بضاربٍ ) لأن الباء تسقط والقياس يوجب أن تضمر فعلاً ينصب ( زيداً ) تفسرهُ

( بضاربٍ ) ومن ذلك ( إنَّ وأخواتها ) لا يجوز أن يقدم عليهنَ ما عَملنَّ فيه ولا يجوز أن تفرقَ بينهن وبين ما عَملنَّ فيه بفعلٍ ولا تقدمُ أخبارهن على أسمائِهن إلا أن تكون الأخبارُ ظروفاً فإن كان الخبرُ ظرفاً قلت : إنَّ في الدار زيداً وإنَّ خلفكَ عمراً والظروف يتسع فيهن خاصة ولكن لا يجوز أن تقدم الظرف على ( إنَّ ) ومن الحروف التي لا يقدم عليها ما يليها : ( إلا ) وجميع ما يستثنى به لأنَّ ما بعد حرف الإستثناء نظيرُ ما بعد ( لا ) إذا كانت عاطفةً وقد فسرنا هذا فيما تقدم
وأما الحروف التي تدخلُ على الأفعال فلا تتقدم فيها الأسماء وهي على ضربين : حروفٌ عواملُ وحروفٌ غيرَ عواملَ فالحروفُ العوامل في الأفعالِ الناصبةِ نحو : ( جئتكَ كي زيدٌ يقولَ ذاكَ ) لا يجوز : ( ولا خفتُ أن زيدٌ يقول ذاكَ ) ومنها الحروف الجوازم وهي : لَمْ ولمَّا ولا التي تجزمُ في النهي واللام التي تجزم في الأمر لا يجوزُ أن تقولَ : ( لَمْ زيد يأتِكَ ) لأن الجزمَ نظير الجر ولا يجوز لك أن تفصل بينها وبين الفعلِ بحشو كما لا يجوز لك أن تفصل بين الجار والمجرور بحشوٍ إلا في ضرورة شعرٍ ولا يجوز ذلك في التي تعمل في الأفعال فتنصب كراهية أن تشبه بما يعمل في الأسماء لأن الإسم ليس كالفعل كذلك ( ما يشبههُ ) ألا

ترى كثرة ما يعمل في الإسم وقلة ما يعملُ في الفعلِ وحروف الجزاء يقبحُ أن يقدم الإسمُ معها على الأفعال شبهوها بالجوازم التي لا تخلو من الجزم إلا أنَّ حروف الجزاءِ ( فقط ) جاز ذلك فيها في الشعر لأن حروف الجزاء يدخلها ( فَعَلَ ويفعلُ ) ويكون فيها الإستفهام ويجوز في الكلام أن تلي ( إن ) الإسم إذا لم يجزم نحو قوله :
( عَاودْ هراةَ وإنْ معمورُها خرِبا ... )
وإن جزمت فلا يجوز إلا في الشعر لأنها تشبهُ ( بلَم ) وإنما جازَ هذا في ( إنْ ) لأنها أم الجزاء لا تفارقه كما جاز إضمار الفعل فيها حين قالوا : ( إنْ خيراً فخيرٌ وإنْ شراً فشرٌ ) وهي على كل حالٍ : إنْ لَم يلها فِعلٌ في اللفظ فهو مقدر في الضمير
وأما سائر حروف الجزاء فهذا فيها ضعيفٌ ومما جاء في الشعر مجزوماً في غير ( إنْ ) قول عَديٍ بن زيدٍ :
( فَمَتَى وَاغِلٌ يَنُبْهُم يُحيُّوهُ ... وتُعْطَفْ عليهِ كَأْسُ السَّاقي )

وقال الحسامُ :
( صَعْدَةٌ نَابِتَةٌ في حَائِرٍ ... أيْنَمَا الرِّيحُ تُمَيِّلْهَا تَمِلْ )
وإذا قالوا في الشعر : ( إنْ زيدٌ يأتكَ يكن كَذا ) إنما ارتفع على فعل هذا تفسيره وهذا يبين في باب ما يضمر من الفعل ويظهر إن شاء الله
الضرب الثاني منه الحروف التي لا تعمل فمنها :
( قَدْ ) وهي جواب لقوله : ( أَفعلُ ) كما كانت ( ما فعلَ ) جواباً لِهَلْ ( فَعَلَ ) إذا أخبرت أنه لم يقع ولما يفعلْ وقد فَعلَ إنما هُما لقومٍ ينتظرون شيئاً فمن ثم أشبهت ( قَد ) لما في أنها لا يفصل بينها وبين الفعلِ ومن هذه الحروف ( سوفَ يفعلُ ) لا يجوز أن تفصل بين ( سوفَ ) وبين ( يفعلُ ) لأنها بمنزلة ( السين ) في ( سيفعلُ ) وهي إثبات لقوله : ( لَنْ يفعلَ ) ومما شبُهَ بهذه

الحروف ( رُبَّمَا وقَلما وأشباهما ) جعلوا ( رُبَّ ) مع ( مَا ) بمنزلة كلمة واحدة ليذكر بعدها الفعلُ ومثل ذلك ( هَلاَّ ولولا وألا ألزموهن لا ) وجعلوا كل واحدة مع ( لا ) بمنزلة حرف واحد وأخلصوهن للفعلِ حيثُ دخل فيهنَ معنى التحضيض وقد يجوز في الشعر تقديمُ الإسم قال الشاعر :
( صَدَدْتِ فأَطْوَلْتِ الصُّدُودَ وقَلَّما ... وِصَالٌ على طُولِ الصُّدودِ يَدُومُ )
وهذا لفظُ سيبويه
التاسع : الحروف التي تكون صدور الكلام :
هذه الحروف عاملة كانت أو غير عاملةٍ فلا يجوز أن يقدم ما بعدها على ما قبلها وذلك نحو ألف الإستفهام و ( ما ) التي للنفي ولامُ الإبتداء لا يجوز أن تقول : ( طعامَكَ أَزيد آكلٌ ) ولا ( طعامَكَ لزيدٌ آكلٌ ) وإنَّما أَجزنا : إنَّ زيداً طعامَك لآكلٌ لأن تقدير اللام أنْ يكون قبل ( إنَّ ) وقد بينا هذا فيما تقدم هذه اللام التي تكسر ( إنَّ ) هي لام الإبتداء وإنما فُرقَ بينهما لأن معناهما في التأكيد واحدٌ فلما أُزيلت عن المبتدأِ وقعت على خبره وهي

لا يجوز أن تقع إلا على اسم ( إنَّ ) أو يكونُ بعدها خبره فالإسم نحو قولك : ( إنَّ خلفَك لزيداً ) والخبرُ نحو : ( إنَّ زيداً لآكلٌ طعامَكَ ) فإن قلت : ( إنَّ زيداً آكلٌ لطعامَكَ ) لم يجز لأنها لم تقع على الإسم ولا الخبر
ومن ذلك ( ما ) النافية تقول : ( ما زيدٌ آكلاً طعامَك ) ولا يجوزُ أن تقدم ( طعامَكَ ) فتقول : ( طعامَكَ ما زيدٌ آكلاً ) ولا يجوز عندي تقديمهُ وإن رفعت الخبر وأما الكوفيون فيجيزون : ( طعامَكَ ما زيدُ آكلاً ) يشبهونها ( بلَم ) و ( لنْ ) وأَباهُ البصريون وحجة البصريين أنهم لا يوقعون المفعول إلا حيثُ يصلحُ لناصبه أن يقعه فلما لم يجزْ أن يتقدم الفعلُ على ما لم يجز أن يتقدم ما عَمِلَ فيه الفعل والفرق بين ( مَا ) وبين ( لَمْ ولَنْ ) : أنَّ ( لَنْ ولَمْ لا يليهما إلا الفعلُ فصارتا مع الفعلِ بمنزلة حروف الفعل )
وأجازَ البصريون : ( ما طعامَكَ آكلٌ إلاّ زيدٌ ) وأحالها الكوفيونَ إلا أحمد بن يحيى
ومن ذلك ( لا ) التي تعمل في النكرة النصب وتُبنى معها لا تكون إلا صدراً ولا يجوز أن تقدم ما بعدها على ما قبلها وهي مشبهة ( بإنَّ ) وإنما يقع بعدها المبتدأُ والخبرُ فكما لا يجوز أن تقدم ما بعد ( إنَّ ) عليها كذلك

هي والتقديم فيما أَبعدُ لأن ( إنَّ ) أشبهُ بالفعل منها فأما ( لا ) إذا كانت تلي الأسماء والأفعال وتصرفت في ذلك ولم تُشبه ( بليسَ ) فلك التقديم والتأخير تقول : ( أَنتَ زيداً لا ضاربٌ ولا مكرمٌ ) وما أشبه ذلك ومن ذلك ( إنْ ) التي للجزاء لا تكون إلا صدراً ولا بُدَّ من شرط وجوابٍ فالجزاء مشبه بالمبتدأ والخبر إذ كان لا يستغنى أحدهما عن الآخر ولا يتم الكلام إلا بالجميع فلا يجوز أن تقدم ما بعدها على ما قبلها لا يجوز أن تقول : ( زيداً إنْ تضربْ أَضربْ ) بأي الفعلين نصبته فهو غير جائزٍ لأنه إذا لم يجز أن يتقدم العاملُ لم يجز أن يتقدم المعمولُ عليه وأجاز الكسائي أن تنصبهُ بالفعل الأول ولم يجزها أحدٌ من النحويين وأجاز هو والفراءُ أن يكون منصوباً بالفعل الثاني
قال الفراء : إنما أَجزتُ أن يكونَ منصوباً بالفعل الثاني وإنْ كان مجزوماً لأنهُ يصلحُ فيه الرفعُ وأن يكون مقدماً فإذا قلت : ( إنْ زيداً تضربْ آتِكَ ) فليس بينهم خلاف ( وتضربْ جَزمٌ ) إلا أنهم يختلفون في نصب ( زيدٍ ) فأَهل البصرة يضمرونَ فعلاً ينصبُ وبعضهم ينصبه بالذي بعدهُ وهو قولُ الكوفيينَ وأجازوا : ( إنْ تأتني زيداً أضربْ ) إلا أنَّ البصريينَ يقولونَ بجزمِ الفعلِ بعد ( زيدٍ ) وأبى الكوفيونَ جزمَهُ وكان الكسائي يجيزُ الجزِمَ إذا فرق بين الفعلين بصفةٍ نحو قولك : ( إنْ تأتني إليك أَقصدْ )

فإذا فرق بينهما بشيءٍ من سبب الفعل الأول فكلهم يجزم الفعل الثاني
العاشر : أن يفرق بين العامل والمعمول فيه بما ليس للعامل فيه سبب وهو غريب منه :
وقد بينا أنَّ العوامل على ضربين : فعل وحرف وقد شرحنا أمر الحرف فأما الفعل الذي لا يجوز أن يفرق بينُه وبينَ ما عَمِلَ فيه فنحو قولك : ( كانت زيداً الحمى تأخذ ) هذا لا يجوز لأنك فرقتَ بين ( كانَ ) واسمها بما هو غريبٌ منها لأن ( زيداً ) ليس بخبرٍ لها ولا اسم ولا يجوز : ( زيدٌ فيكَ وعمروٌ رغبَ ) إذا أرددت : ( زيدٌ فيكَ رَغِبَ وعمروٌ ) لأنك فرقتَ بين ( فيكَ ) ورغب بما ليس منهُ
وإذا قلت : ( زيدٌ راغبٌ نفسه فيكَ ) فجعلتَ ( نفسَهُ ) تأكيداً ( لزيدٍ ) لم يجزْ لأنك فرقت بينَ ( راغبٍ وفيكَ ) بما هو غريب منه فإنْ جعلتَ ( نفسَهُ ) تأكيداً لما في ( راغبٍ ) جازَ وكذلك الموصولاتُ لا يجوز أن يفرقَ بين بعض صلاتها وبعضٍ بشيءٍ غريب منها تقول : ( ضربي زيداً قائماً ) تريد : إذا كان قائماً ( فقائماً ) حالٌ لزيدٍ وقد سدت مسدَّ الخبر لأن ( ضربي ) مبتدأ فإن

قدمت ( قائماً ) على زيدٍ لم يجزْ لأن ( زيداً ) في صلة ( ضربي ) و ( قائماً ) بمنزلة الخبر فكما لا يجوزُ : ( ضَرْبي حَسَنٌ زيداً ) تريد : ( ضربي زيداً حَسَن ) كذاك لا يجوز هذا وكذلك جميع الصلات
الحادي عشر : تقديم المضمر على الظاهر في اللفظ والمعنى :
أما تقديم المضمر على الظاهر الذي يجوز في اللفظ فهو أن يكون مقدماً في اللفظ مؤخراً في معناهُ ومرتبته وذلك نحو قولك : ( ضَربَ غلامَه زيدٌ ) كان الأصل : ضَرَبَ زيدٌ غلامَهُ فقدمتَ ونيتُكَ التأخير ومرتبةُ المفعول أن يكون بعد الفاعل فإذا قلت : ( ضَربَ زيداً غلامُه ) كان الأصل : ( ضَرَبَ غلامُ زيدِ زيداً ) فلما قدمتَ ( زيداً ) المفعول فقلت : ضَربَ زيداً قلت : غلامهُ وكان الأصل : ( غلامُ زيدٍ ) فاستغنيت عن إظهارهِ لتقدمِه قال الله عز و جل : ( وإذْ ابتلى إبراهيم ربهُ بكلماتٍ ) وهذه المسألة في جميع أحوالها لم تقدم فيها مضمراً على مظهرٍ
إنما جئتَ بالمضمر بعدَ المظهرِ إذا استغنيتَ عن إعادته فلو قدمتَ فقلت : ( ضَرِبَ غلامَهُ زيداً ) تريدُ : ضربَ زيداً غلامهُ لم يجزْ لأنك قدمتَ المضمرَ على الظاهر في اللفظ والمرتبةِ لأن حق الفاعل أن يكون قبل المفعول فإذا كان في موضعه وعلى معناه فليس لك أن تنوي به غير موضعه إنما تنوي بما كان في غير موضعهِ موضعَه فافهم هذا فإنَّ هذا الباب عليه يدور
فإذا قلت :

( في بيتهِ يؤتى الحكمُ ) جازَ لأن التقدير ( يؤتى الحكمُ في بيتهِ ) فالذي قامَ مقامَ الفاعلِ ظاهرٌ وهو ( الحكمُ ) ولم تقدم ضميراً على ظاهرٍ مرتبتُه أنْ يكون قبل الظاهر فإن قلت : ( في بيتِ الحكمِ يؤتى الحكمُ ) جاز أن تقول : ( يؤتى ) وتضمر استغناءً عن إظهاره إذ كان قد ذكره كما تقول : إذا ذكر إنسانٌ زيداً قامَ وفعلَ وكذلك إذا ذكر اثنين قلت : ( قاماَ وفَعلا ) فتضمر اسم من لم تذكر استغناءً بأنَّ ذاكراً قد ذكره فإنْ لم تقدره هذا التقدير لم يجز فإن قدمت فقلت : ( يؤتيانِ في بيتِ الحكمينِ ) تريد : ( في بيتِ الحكمينِ يؤتيانِ ) لم يجز ومن هذا : زيداً أبوهُ ضَربَ أو يضربُ أو ضاربٌ فحقهُ أن تقول : ( زيداً أبو زيدٍ ضَرَبَ ) واختلفوا في قولهم : ( ما أَرادَ أَخَذ زيدٌ ) فأجازهُ البصريون
ورفعوا زيداً ( بأَخذَ ) وفي ( أَرادَ ) ذكرٌ من زيدٍ وأبى ذلك الكوفيون ففرقوا بينهُ وبين ( غلامَهُ ضَربَ زيدٌ ) بأن الهاءَ من نفس الإسم بمنزلة التنوين فصار بمنزلة : غلاماً ضَربَ زيدٌ ويقولُ قومٌ من النحويين : إذا كان المخفوض ليس في نية نصب فلا يقدم مكنيهُ تقول ( في داره ضربتُ زيداً ) ولا يجوز عندهم : ( في داره قيامُ زيدٍ ) وهذا الذي لم يجيزوهُ هو كما قالوا مِنْ قبل أَني إذا قلت قيامُ زيدٍ فقيام مبتدأ ويجوز أن يسقط ( زيدٌ ) فيتم الإسم فهو بمنزلة ما ليس في الكلام لأنَّهُ من حشو الإسم وليسَ بالإسم وإنما أجزت : ( قيامَ زيدٍ في دارهِ ) استغناءً بذكرِ ( زيدٍ ) ولو قلت : قيام زيدٍ في دارٍ تمَّ الكلام ولم يُضطرْ فيه إلى إضمار فإذا جاءَ الضمير والكلام غير مضطر إليه كان بمنزلة ما لم يذكر فإذا كان الضمير مؤخراً بهذه الصفة فهو في التقديم أَبعدُ
واختلفوا في قولهم : ( لبستُ مِنَ الثياب أَلينَها ) فمنهم من يجيزها كما يجيز درهَمهُ أَعطيتُ زيداً ومن أَباهُ قال :

الفعلُ واقعٌ على ( أَلينَ ) دون الثيابِ وأَجازوا جميعاً : ( أَخذَ ما أرَادَ زيدٌ ) ( وأحبَّ ما أَعجبَهُ زيدٌ ) ( وخَرجَ راكباً زيدٌ ) لم يختلفوا إذا قدموا الفعلَ وأهل البصرة أجازوا ( راكباً خَرجَ زيدٌ ) ولم يجزها الفراءُ والكسائي وقالا : فيها ذكر من الإسم فلا يقدم على الظاهرِ ولو كان لا يقدمُ ضمير البتةَ على ظاهرٍ لوجبَ ما قالا ولكن المضمر يقدمُ على الظاهر إذا كان في غير موضعه بالصفة التي ذكرت لك وأجمعوا على قولهم : ( أَحرز زيداً أَجلُه ) وفي القرآن : ( لا ينفعُ نفساً إيمانَها ) لأنه ليس في ذا تقديمُ مضمرٍ على ظاهرٍ وأجمعوا على : ( أَحرزَ زيداً أَجلُه ) وعلى : ( زيداً أحرزَ أَجلهُ ) فإن قالوا : ( زيداً أَجلهُ أَحرزَ ) فأكثر النحويين المتقدمين وغيرهم يحيلُها إلاّ هِشاماً وهي تجوز لأن المعنى : ( أَجلُ زيدٍ أحرزَ زيداً ) فلما قلت : ( زيداً أَجلُ زيدٍ أحرزَ ) لم تحتج إلى إظهار زيدٍ مع الأجلِ واختلفوا في ( ثوبِ أَخويكَ يلبسانِ ) وهي عندي جائزةٌ لأن المعنى : ( ثوبُ أَخويكَ يلبسُ أَخواكَ ) فاستغنى عن إعادة الأخوين بذكرهما فأُضمرا
وأجاز الفراء : دارُ قومِكَ يهدمُ هُم ( ويهدمونَ هُم ) وتقول : ( حينَ يقومُ زيدٌ يغضبُ ) لأنكَ تريد : ( حينَ يقومُ زيدٌ يغضبُ زيدٌ ) فلو أظهرتهُ لجاز واستغنى عن إضماره بذكرِ زيدٍ ولو أظهرتهُ لظن أنه زيدٌ آخرُ وهو على إلباسه يجوزُ ولَيس هذا مثل : ( زيداً ضَربَ ) إذا أردتَ : ( ضَربَ نفسهُ )

لأن هذا إنما امتنع لأنه فاعل مفعولٍ وقد جعلت المفعولَ لا بدّ منهُ وحقُّ الفاعل أن يكون غير المفعول إلا في الظن وأخواته فإذا أردت هذا المعنى قلت : ( ضَربَ زيداً نفسُهُ ) ( وضَربَ زيدٌ نفسَهُ ) وقالوا : فإن لم تجيء بالنفس فلا بدّ من إظهار المكنى ليقوم مقامَ ما هو منفصلٌ من الفعل لأن الضميرَ المنفصل بمنزلة الأجنبي فتقول : ( ضَربَ زيداً هُوَ ) ( وضَربَ زيدٌ إيَّاهُ ) واحتجوا بقوله عز و جل : ( وما يَعلمُ جنودَ ربِّكَ إلا هُو ) كأنه في التقدير : ( وما يَعلمُ جنودَ ربِكَ إلاّ ربُّكَ ) ولو جاز أن تقولَ : ضربتني وضربتُكَ فأوقعتَ فعلَكَ على نفسِكَ ومَنْ تخاطِبهُ للزمكَ أن تقول : ( ضَربهُ ) للغائَبِ فتوقع فِعْلَ الغائب على نفسه بالكناية فلا يعلم لَمْن الهاء فإذا قلت : ( ضَربَ نفسَهُ ) بأنَّ لكَ ذلكَ وما الذي يجوز فيه تعدى فعلِ الفاعل إلى نفسهِ فقولك : ( ظننتي قائماً وخلتني جالساً ) فإنَّ هذا وما أشبههُ يتعدى فيه فعلُ المضمر إلى المضمر ولا يتعدى فَعلُ المضمر إلى الظاهر لأنَّهُ يصيرُ في المفعولُ الذي هو فضلةٌ لا بدَّ منهُ وإلا بطلَ الكلام
وهذه مسألةٌ شرحها أبو العباس وذكر قول أصحابه ثم قولهُ قالَ : قال سيبويه : ( أزيداً ضربَهُ أبوهُ ) لأن ما كانَ من سببهِ موقعٌ به الفِعلَ كما يوقعه ما ليس من سببه ولا أقول : ( أزيداً ضربَ ) فيكون الضمير في ( ضربَ ) هو الفاعلُ وزيدٌ مفعولٌ فيكون هو الضاربُ نفسَهُ وأضع الضمير في موضع أبيه حيث كان فاعلاً قيلَ لهُ : لِمَ لا يجوزُ هذا وما الفصلُ بينَهُ

وبينَ أبيه وقد رأينا ما كانَ من سببه يحلُّ محلَهُ في أَبوابٍ فالجوابُ في ذلك : أنَ المفعولَ منفصلٌ مستغنٍ عنهُ بمنزلةِ ما ليس في الكلامِ وإنما ينبغي أن يصححَ الكلامُ بغير مفعولٍ ثم يؤتي بالمفعول فضلةً وأنت إذا قلت : ( أزيداً ضَربَ ) فَلو حذفتَ المفعول بطلَ الكلامُ فصار المفعولُ لا يستغنى عنه وإنما الذي لا بدّ منه مع الفعلِ الفاعلُ
وكذلك لا تقول : ( أَزيداً ظنهُ منطلقاً ) لأن الفاعلَ إذا مَثُلَ بطلَ فصرتَ إنْ قدمتهُ لتضعهُ في موضعه صار ( ظَنَّ زيداً منطلقاً ) فأضمرتَ قبلَ الذكرِ ولكن لو قلت : ( ظنهُ زيدٌ قائماً ) وإياهُ ظُن زيدٌ أَخاً كان أجودُ كلامٍ لأنَّ فِعلَ زيدٍ يتعدى إليه في باب ( ظننتُ وعلمتُ وأَخواتهما ) و لا يتعدى إليه في ( ضَربَ ) ونحوه ألا ترى أنكَ تقول : غلامُ هندٍ ضَربَها فترد الضمير إليها لأنها مستغنٍ عنها لأنكِ لو قلت ( غلامُ هندٍ ضَربَ ) لم تحتج إلى المفعول فلما كانت في ذكرك رددتَ إليها وحلتْ محلَ الأجنبي ولو قلتَ : ( غلامُ هندٍ ضربتَ ) تجعل ضمير هندٍ الفاعل لكان غلطاً عند بعضهم لأن هنداً من تمام الغلام والغلامُ مفعولٌ فقد جعلت المفعول الذي هو فضلة لا بدّ منه ليرجع الضمير الذي هو الفاعلُ إليه فإن قلت : فما بالي أقول : ( غلامُ هندٍ ضاربتهُ هي ) فيجوز واجعل هِيَ إنْ شئت إظهارَ الفاعل وهو ( لهند ) وإنْ شئت ابتداءً وخبراً فالجواب فيه أنه إنما جازَ هنا لأن الغلام مبتدأٌ و ( ضاربتهُ ) على هذا التقدير مبتدأٌ والفاعلُ يسدُّ مسدَّ الخبرِ فهو منفصلٌ بمنزلةِ الأجنبي ألا ترى أنَّكَ لو وضعتَ مكانَ ( هي ) جاريتَكَ أو غيرها استقامَ والفاعلُ المتصلُ لا يحلُ محلَّهُ غيرهُ فإن قلت أَفتجيزُ : ( غلامُ هندٍ ضاربتُه هي ) تجعلُ ( هي ) إن شئتَ ابتداءً مؤخراً وإن شئتَ جعلت ( ضاربتُه ) ابتداءً و ( هي ) فاعلٌ يسدُّ مسدَ

الخبر فكل هذا جيد لأن ( هي ) منفصلٌ بمنزلة الأجنبي ولو قلت : ( غلامَ هندٍ ضربتْ أمُّها ) كان جيداً لأن الأم منفصلة وإنَّما أضفتها إلى هند لما تقدم من ذكرها فهندٌ ها هنا وغيرها سواءٌ ألا ترى أني لو قلتُ : غلامُ هندٍ ضربتْ أمُّ هندٍ كانَ بتلك المنزلةِ إلا أن الإِضمار أحسن لما تقدم الذكر والضمير المتصل لا يقع موقعه المنفصل المذكور إلا على معناه وتقديره وإنما هذا كقولك : ( زيداً ضَربَ أَبُوه ) لأنَّ الأب ظاهرٌ ولو حذفت ما أضفت إليه صَلُحَ فقلت : أبٌ وغلامٌ ونحوهما والأول بمنزلة : ( زيداً ضَربَ ) الذي لا يحل محله ظاهرٌ فلذلك استحالَ
قال أبو العباس : وأنا أرى أنه يجوز : ( غُلامَ هندٍ ضَرَبتْ ) وباب جوازه أنَّك اضمرتَ ( هنداً ) لذكركَ إياها وكان التقدير غُلامَ هندٍ ( ضَربَتْ هِندٌ ) فلم تحتج إلى إظهارها لتقدم ذكرها وكان الوجه ( غلامَها ضَربَتْ هندٌ ) ويجوز الإِظهار على قولك : ( ضَربَ أبَا زيدٍ زيدٌ ) ولو قلت : ( أَباهُ ) كان أحسن فإنما أَضمرتَها في موضع ذكرها الظاهر ولكن لا يجوز بوجهٍ من الوجوه : ( زيداً ضَربَ ) إذا جعلت ضمير زيدٍ ناصباً لظاهره لعلتين : إحداهما : أنَّ فعلَهُ لا يتعدى إليه في هذا الباب لا تقول : ( زيدٌ ضربَهُ ) إذا رددتَ الضمير إلى ( زيدٍ ) ولا تقول : ضربتني إذا كنتَ الفاعلَ والمفعولَ وقد بينَ هذا والعلة الأخرى : ما تقدم ذكره من أن المفعول الذي فضلةٌ يصيرُ لازماً لأنَّ الفاعل الذي لا بدّ منه معلق به ولهذا لم يجز : زيداً ظَنَّ منطلقاً إذا أضمرتَ ( زيداً ) في ( ظَنَّ ) وإن كان فعله في هذا الباب يتعدى إليه نحو : ( ظننتي أَخاكَ ) ولكن لم يتعد المضمر إلى الظاهر لما ذكرتُ لكَ وأما ( غُلامَ هندٍ ضَرَبَتْ ) فجاز لأن هنداً غيرُ الغلامِ وإن كانت بالإِضافة قد صارت من تمامه ألا ترى أنك تقول : ( غلامُ هندٍ ضَربهَا ) ولا تقول : ( زيدٌ ضربهُ )

فهذا بَينٌ جداً واختلفوا في : ( ضربني وضربت زيداً ) فرواهُ سيبويه وذكر : أنهم أضمروا الفاعلَ قبلَ ذكره على شريطة التفسير وزعم الفراء : أنه لا يجيزُ نصبَ ( زيدٍ ) وأجاز الكسائي على أن ( ضربَ ) لا شيء فيها وحذفَ ( زيداً ) وقال بعضُ علمائنا ( رحمه الله ) : والذي قال الفراء : لولا السماعُ لكانَ قياساً
وأما ( عبد اللِه زيدٌ ضاربٌ أباهُ ) فالبصريونَ يجيزون : ( أَباهُ عبد اللِه زيدٌ ضاربٌ ) وغيرهم لا يجيزها وهو عندي : قبيحٌ لبعدِ العاملِ من الذي عَمِلَ فيه
وطعامَكَ زيدٌ يأكلُ أبوه لا يجيزها الفراء ولا يجيزُ : ( آكلٌ ) أيضاً ويجيزها الكسائي إذا قال : ( طعامَكَ زيدٌ آكلٌ أبوهُ ) لأن زيداً ارتفع عنده ( بآكلٍ ) فأجاز تقديم الطعام ولما كان يرتفع بما عاد عليه من الذكر لم يجزه وقال الفراء : هو في الدائم غيرُ جائزٍ لأنه لا يخلو من أن أقدرَهُ تقديرَ الأفعال فيكون بمنزلة الماضي والمستقبل إذا قَدَرهُ تقديرَ الأسماءِ فلا يجوزُ أنْ أُقدم مفعول الأسماء ولكني أجيزهُ في الصفات ويعني بالصفات ( الظروف ) وهذه المسألةُ لم يقدم فيها مضمرٌ على ظاهرٍ

والمضمرُ في موضعه إلا أن ( أَبوهُ ) فاعلٌ ( يأكلُ ) وطعامكَ مفعولٌ وقد بعد ما بينهما وفرقت بين الفاعل والمفعول بهِ ( بزيدٍ ) وليسَ لهُ في الفعل نصيبٌ ولكن يجوز أن تقولهُ من حيث قلت : ( طعامَكَ زيدٌ يأكلُ ) فالفاعلُ مضمرٌ فقامَ ( أَبوهُ ) مقامَ ذلك المضمرِ
الثاني عشر : التقديم إذا ألبس على السامع أنه مقدم :
وذلك نحو قولكَ : ( ضربَ عيسى موسى ) إذا كان ( عيسى ) الفاعل لم يجز أن يقدم ( موسى ) عليه لأنه ملبس لا يبين فيه إعرابٌ وكذلك : ( ضرَبَ العَصا الرحى ) لا يجوز التقديم والتأخير فإن قلت : ( كسر الرحى العصا ) وكانت الرحى هي الفاعل وقد عُلِمَ أنَّ العَصا لا تكسرُ الرحى جاز التقديم والتأخير ومن ذلك قولك : ( ضربتُ زيداً قائماً ) إذا كان السامع لا يعلم من القائم الفاعلُ أمْ المفعولُ لم يجز أن تكون الحال مِن صاحبها إلا في وضع الصفة ولم يجز أن تقدم على صاحبها فإن كنت أنتَ القائم قلت : ( ضربتُ قائماً زيداً ) وإن كان زيدٌ القائمَ قلت : ضربتُ زيداً قائماً فإن لم يُلبس جاز التقديمُ والتأخير وكذلك إذا قلت : ( لقيتُ مصعداً زيداً منحدراً ) لا يجوز أن يكون المصعدُ إلا أنتَ والمنحدرُ إلا ( زيدٌ ) لأنك إن

قدمت وأخرتَ التبسَ ولو قلت : ( ضربَ هَذا هَذا ) تريدُ تقديماً وتأخيراً لم يجز فإذا قلت : ( ضربَ هَذا هذهِ ) جازَ التقديمُ والتأخيرُ فقلت : ( ضربتَ هَذه هَذا ) لأنه غيرُ ملبسٍ ولو قلتَ : ( ضَرَب الذي في الدار الذي في البيت ) لم يجز التقديمُ والتأخيرُ لإِلباسه ومن ذلك إذا قلت : ( أعطيتُ زيداً عمراً ) لم يجز أن تقدم ( عمراً ) على ( زيدٍ ) وعمروٌ هو المأخوذ لأنه ملبس إذا كان كل واحدٍ منهما يجوز أن يكون الآخذَ فإذا قلت : ( أعطيتُ زيداً درهماً ) جازَ التقديم والتأخير فقلت : ( أعطيتُ درهماً زيداً ) لأنه غير ملبسٍ والدرهم لا يكون إلا مأخوذاً
الثالث عشر : إذا كان العامل معنى الفعل ولم يكن فعلاً :
لا يجوز أن يقدم ما عمل فيه عليه إلا أن يكون ظرفاً وذلك قولك : ( فيها زيد قائماً ) لا يجوز أن تقدم ( قائماً ) على فيها لأنه ليس هنا فعلٌ وإنما أعملتَ ( فيها ) في الحال لما تدل عليه من الإستقرار وكذلك إذا قلت : ( هذا زيدٌ منطلقاً ) لا يجوز أن تقدم ( منطلقاً ) على ( هذا ) لأن العامل هنا دلَّ على ما دل عليه ( هذا ) وهو التنبيه وليس بفعلٍ ظاهر ومن ذلك : ( هُو عبد الله حقاً ) لا يجوز أن تقدم ( حقاً ) على ( هُوَ ) لأن العامل هو المعنى وإنما نصبت ( حقاً ) لأنك لما قلت : هُو عبد الله دَلَّكَ على ( أحقَ

دَلكَ ) فقلت ( حقاً ) فأما الظرف الذي يقدم إذا كان العامل فيه معنى فنحو قولك : ( أكلُّ يومٍ لَكَ ثوبٌ ) العامل في ( كُلِّ ) معنى ( لَكَ ) وهو الملك
ذكر ما يعرض من الإِضمار والإِظهار
اعلم أنَّ الكلام يجيءَ على ثلاثة أضربٍ : ظاهرٌ لا يحسنُ إضمارهُ ومضمرٌ مستعملٌ إظهارهُ ومضمرٌ متروكٌ إظهاره
الأول : الذي لا يحسنُ إضمارهُ : ما ليس عليه دليل من لفظٍ ولا حال مشاهدةٍ لو قلت : زيداً وأنت تريدُ : كَلِمْ زيداً فأضمرت ولم يتقدم ما يدل على ( كَلِمْ ) ولم يكن إنسان مستعداً للكلام لم يجز وكذلك غيره من جميع الأفعال
الثاني : المضمرُ المستعملُ إظهارهُ : هذا الباب إنما يجوز إذا علمت أنَّ الرجل مستغنٍ عن لفظكَ بما تضمره فمن ذلك ما يجري في الأمر والنهي وهو أن يكون الرجل في حال ضربٍ فتقول : زيداً ورأسَهُ وما أشبه ذلك تريد : اضربْ رأسَهُ وتقول في النهي : الأسدَ الأسدَ نهيتهُ أنْ يقربَ الأسد وهذا الإِضمار أجمع في الأمر والنهي وإنما يجوز مع المخاطب ولا يجوز مع الغائب ولا يجوز إضمار حرف الجر ومن ذلك أن ترى رجلاً يسدد سهماً فتقول : ( القرطاس واللِه ) أي يصيبُ القرطاسَ أو رأيتهُ في حال رجلٍ قد أوقعَ فِعْلاً أو أخبرت عنهُ بفعلٍ فقلتَ : ( القرطاسَ واللِه ) أي : أصاب القرطاسُ وجاز أن تَضمر الفعلَ للغائبِ لأنه غير مأمورٍ ولا منهيٍّ وإنما الكلامُ

خبرٌ فلا لُبّسَ فيه كما يقع في الأمر وقالوا : ( الناسُ مجزيونَ بأعمالهم ) إنْ خيراً فخيرٌ وإنْ شراً فشرٌ يراد إن كانَ خيراً
ومن العرب من يقول : ( إنْ خيراً فخيراً ) كأنه قال : ( إنْ كان ما فَعلَ خيراً جُزي خيراً ) والرفع في الآخر أكثر لأن ما بعد الفاء حقه الإستئناف ويجوز : ( إن خيرٌ فخيرٌ ) على أن تضمر ( كانَ ) التي لها خبر وتضمر خبرها وإن شئت أضمرت ( كانَ ) التي بمعنى ( وقَع ) ومثل ذلك قد مررتُ برجلٍ إنْ طويلاً وإنْ قصيراً ولا يجوز في هذا إلا النصب وزعم يونس : أنَّ من العرب من يقول : ( إنْ لا صالحٌ فطالحٌ ) على إنْ : لا أكن مررتُ بصالحٍ فطالحٍ وقال سيبويه : هذا ضعيفٌ قبيحٌ قال : ولا يجوزُ أن تقول عبد الله المقتولُ وأنت تريد ( كن عبد اللِه ) لأنه ليس فعلاً يصلُ من الشيء إلى الشيء ومن ذلك : أو فرقاً خيراً مِنْ حُبٍّ ) ولو رفع جاز كأنه قال : ( أو امرىءٍ فرقٌ ) وألا طعامَ ولو تمراً أي : ( ولو كانَ الطعامُ تمراً ) ويجوز : ( ولو تمرٌ ) أي : ولو كان تمرٌ ومن هذا الباب : ( خيرَ مقدمٍ )

أي قدمتَ وإن شئتَ قلتَ : ( خيرُ مقدمٍ ) فجميع ما يرفع إنما تضمرُ في نفسك ما تظهرُ وجميع ما ينصبُ إنما تضمر في نفسكَ غير ما تظهرُ فافْهم هذا فإنَّ عليه يجري هذا البابُ ألا ترى أنكَ إذا قلت : خيرَ مقدمٍ فالمعنى : قدمتَ فقدمتَ فعْلٌ وخيرَ مقدم اسمٌ والإسمُ غيرُ الفعلِ فانتصبَ بالفعل فإذا رفعتَ فكأنَّك قلت : قدومُكَ خيرُ مقدم فإنما تضمر قدومك خيرُ مقدمٍ فقدومكَ ( هو خيرُ مقدمٍ ) وخبرُ المبتدأ هو المبتدأُ وإذا قلت : ( خير مقدمٍ ) فالذي أضمرت ( قدمت ) وهو فعلُ وفاعلٌ والفعل والفاعل غير المفعول فافهم هذا فإن عليه يجري هذا الباب ومن هذا الباب قولهم : ( ضربت وضربني زيدٌ ) تريد : ( ضربتُ زيداً وضربني ) إلا أن هذا الباب أضمرت ما عَمِلَ فيه الفعلُ وذلك أضمرت الفعل نفسهُ وكذلك كلُّ فعلين يعطفُ أحدهما على الآخر فيكون الفاعل فيهما هو المفعول فلك أن تضمره مع الفعل وتعمل المجاور له فتقول على هذا متى ظننتُ أو قلتُ : زيدٌ منطلقٌ لأنَّ ما بعد القولَ محكيٌ وتقول : ( متى قلتَ أو ظننتَ زيداً منطلقاً ) فإذا قلت : ( ضربني وضربتُ زيداً ) ثنيت فقلت : ( ضرباني وضربتُ الزيدينِ ) فأضمرت قبل الذكر لأنَّ الفعلَ لا بد لهُ من فاعل ولولا أنَّ هذا مسموعٌ من العرب لم يجز وإنما حَسُنَ هذا لأنكَ إذا قلت : ( ضربتُ وضربني زيدٌ ) وضربني وضربتُ زيداً فالتأويل : تضاربنا فكل واحدٍ فاعلٌ مفعولٌ في المعنى فسومح في اللفظ لذلك
ومن ذلك : ( ما منهم يقومُ ) فحذفَ المبتدأُ كأنهُ قال : ( أحدٌ منهم يقومُ ) ومن ذلك قوله عز و جل : ( فَصبرٌ جميلٌ )
أي : ( أَمرى صبرٌ جميلٌ )
الثالث : المضمرُ المتروك إظهارهُ : المستولي على هذا الباب الأمر وما جرى مجراه وقد يجوز فيه غيره فمن ذلك ما جرى على الأمر والتحذير نحو قولهم : ( إياكَ ) إذا حذرته والمعنى : ( باعدْ إياكَ ) ولكن لا يجوز إظهاره

وإياك والأسدَ وإياك الشرَّ كأنه قال : إيايَ لأتقينَّ وإياكَ فأتَقينَّ فصارت ( إياكَ ) بدلاً من اللفظ بالفعلِ ومن ذلك : ( رأسَهُ والحائطَ وشأنك والحجَّ وامرأً ونفسَهُ ) فجميع هذا المعطوفِ إنما يكون بمنزلة ( إياكَ ) لا يظهر فيه الفعلُ ما دام معطوفاً فإن أفردتَ جازَ الإِظهار والواو ها هنا بمعنى ( مَع ) ومما جُعلَ بدلاً من الفعل : ( الحذرَ الحذرَ والنجاءَ النجاءَ وضرباً ضرباً ) انتصب على ( الزم ) ولكنهم حذفوا لأنه صار بمعنى ( افعلِ ) ودخولُ ( إلزم ) على ( افعلْ ) محالٌ وتقول : ( إياكَ أنت نفسُكَ أنْ تفعلَ ) ونفسك إنْ وصفتَ المضمر الفاعل رفعت وإنْ أضفتَ إياكَ نصبتَ وذلك لأنَّ ( إياكَ ) بدلٌ من فِعْلٍ وذلك الفعلُ لا بُدَّ لَهُ من ضمير الفاعل المأمور وإنْ وصفت ( إياكَ ) نصبتَ وتقول : ( إياكَ أنتَ وزيدٌ وزيداً ) بحسب ما تقدر ولا يجوز : ( إياكَ زيداً ) بغير واوٍ وكذلك : ( إياكَ أن تفعلَ ) إن أردتَ : ( إياك والفعلَ ) وإنْ أردت : إياكَ أعِظُ مخافةَ أَنْ تفعلَ جازَ وزعموا أن ابن أبي اسحق أجازَ :

( إيَّاكَ إيَّاكَ المِرَاءَ فإنَّهُ ... إلى الشَّرِّ دعاءٌ ولِلَخيْرِ زِاجِرٌ )
كأنهُ قال : ( إياكَ ) ثم أضمر بعد ( إياك ) فعلاً آخر فقال : اتقِ المراءَ
وقال الخليل : لو أنَّ رجلاً قالَ : إياكَ نفسَكَ لم أُعنفْهُ يريدُ أن ( الكافَ ) اسمٌ وموضعها خفضٌ قال سيبويه : وحدثني منْ لا أتهم عن الخليلِ أنهُ سمعَ أعرابياً يقول : ( إذا بلغَ الستينَ فإيَّاهُ وإياّ الشوابِ ) ومن ذلك : ( ما شأنُكَ وزيداً ) كأنَهُ قال : ( وما شأنكَ وملابسَةَ زيداً ) وإنما فعلوا ذلك فراراً من العطف على المضمر المخفوض وحكوا ما أنتَ وزيداً وما شأنُ عبد الله وزيداً كأنه قال ما كان : فأما : ويلَهُ وأَخاهُ فانتصب بالفعل الذي نصبَ ويلَهُ كأنَّكَ قلت ألزمهُ اللُه ويلَهُ
وإن قلت : ويلٌ لَهُ وأَخاهُ نصبت لأنَّ فيه ذلك المعنى ومن ذلك سقياً ورعياً وخيبةً ودفراً

وجدعاً وعَقْراً وبؤساً وأفُةً وتفةً لهُ وبُعداً وسحقاً وتعْساً وتَبّاً وبَهْراً وجميع هذا بدل من الفعلِ كأنه قال : سقاكَ الله ورعاكَ وأما ذكرهم ( لَكَ ) بعد ( سقياً ) فليبينوا المعنى بالدعاء وليس بمبني على الأول ومنه : ( تُرباً ) وجَنْدَلاً أي : ألزمكَ الله وقالوا : فاهاً لفيك يريدون : الداهية ومنه هنيئاً مَرِياً ومنها ويْلَكَ وويْحَكَ وويْسكَ وويُبَكَ وعَوْلكَ لا يتكلمُ به مفرداً ولا يكون إلا بعد ( ويلكَ ) ومن ذلك سبحان الله ومعاذَ الله وريحانهُ وعمْرِكَ الله إلا فعلتَ وقعدك الله إلا فعلت بمنزلة : نشدتُكَ اللَه وزعمَ الخليلُ : أنهُ تمثيلٌ لا يتكلمُ به ومنه قولهم : كَرَماً وصَلَفَاً وفيه معنى التعجب كأنه قال : ( أَلزمكَ الله ) وصار بدلاً من أكرمْ به وأصْلِفْ بهِ ومنه : لبيكَ وسعديكَ وحنانيكَ وهذا مثنى وجميعُ ذا الباب إنما يعرف بالسماع ولا يقاسُ وفيما ذكرنا ما يدلُّكَ على الشيءِ المحذوف إذا سمعته ومن ذلك قولهم . ( مررتُ به فإذا لَهُ صوتٌ صوتَ حمارٍ ) لأنَّ معنى : ( لَهُ صوتٌ ) هو يصوتُ فصار لهُ صوتٌ بدلاً منهُ ومن هذا : ( أَزيداً ضربتَهُ ) تريد : أضَرَبْتَ زيداً ضربتَهُ فاستغنى ( بضربتَهُ ) وأُضمر فِعْلٌ يلي حرف الإستفهام وكذلك يحسنُ في كل موضعٍ هو بالفعل أولى كالأمر والنهي والجزاء تقول : ( زيداً اضربهُ ) وعمراً لا يقطع الله يدهُ وبكراً لا تضربْهُ

وإنْ زيداً ترهُ تضربهُ وكذلك إذا عطفت جملةً على جملةٍ فكانت الجملة الأولى فيها الإسم مبنيٌ على الفعل كان الأحسنُ في الجملة الثانية أن تشاكلَ الأولى وذلك نحو : ( ضربتُ زيداً وعمراً كلمتهُ ) والتقدير : ضربتُ زيداً وكلمتُ عمراً فأضمرت فعلاً يفسرهُ ( كلمتهُ ) وكذلك إنْ اتصلَ الفعل بشيءٍ من سبب الأول تقول : ( لقيتُ زيداً وعمراً ضربتُ أَبَاهُ ) كأنك قلت ( لقيتُ زيداً وأهنتُ عمراً وضربتُ أبَاهُ ) فتضمر ما يليق بما ظهر فإن كان في الكلام الأول المعطوف عليه جملتان متداخلتان كنت بالخيار وذلك نحو قولك : ( زيدٌ ضربتُه وعمروٌ كلمتهُ ) إن عطفت على الجملة الأولى التي هي الإبتداءُ والخبرُ رفعتَ وإنْ عطفت على الثانية التي هي فِعْلٌ وفاعلٌ وذلك قولك : ضربتُه نصبتَ ومن ذلك قولهم : أمَّا سميناً فسمينٌ وأما عالِماً فعالمٌ ومنه قولهم : ( لكَ الشاءُ شاةً بدرهمٍ ) ومنه قولهم : ( هذا ولا زعَماتِكَ ) أي لا أتوهم زَعماتِكَ وكِليهما وتمراً
ومن العرب من يقول : ( كِلاهما وتمراً كأنه قال ( كِلاهما لي ثابتانِ وزدني تمراً ) ومن ذلك : ( انتهوا خيراً لكم ووراءكَ أوسع لك وحسبك خيراً لك ) لأنَّك تخرجهُ منْ أمرٍ وتدخله في آخر ولا يجوزُ ينتهي خيراً لي لأنَّكَ إذا نهيتَهُ فأنتَ ترجيه إلى أمرٍ وإذا أخبرتَ فلستَ تريد شيئاً من ذلك ومن ذلك : ( أخذتُه فصاعداً وبدرهمٍ فزائداً )
أخبرت بأدنى الثمن فجعلتَهُ أولاً ثم قررت

شيئاً بعد شيءٍ لأثمانٍ شتى ولا يجوز دخولُ الواو هنا ويجوز دخول ( ثُمَّ ) وممَّا انتصب على الفعل المتروك إظهارهُ المنادى في قولِكَ : ( يا عبد الله ) وقد ذكرت ذلك في بابِ النداءِ
قال سيبويه : ومما يدلُّكَ على أنهُ انتصبَ على الفعل قولُكَ : ( يا إياَّكَ ) إنما قلت : يا إياكَ أَعني ولكنهم حذفوا وذكر أَمَّا أنت منطلقاً انطلقتُ معكَ فقال : إنها ( إن ) ضمت إليها ( مَا ) وجعلت عوضاً من اللفظ بالفعل تريد : إن كنتَ منطلقاً قال : ومثل ذلك : ( إمّا لا ) كأنَّهُ قال : ( افعلْ هذا إنْ كنتَ لا تفعلُ غيرهُ ) وإنما هي ( لا ) أميلت في هذا الموضع لأنَّها جعلت مع ما قبلها كالشيء الواحد فصارت كأنها ألفٌ رابعةٌ فأميلتْ لِذاكَ ومن ذلك : مرحباً وأهلاً زعم الخليل أنه بدلٌ من : رحبتْ بلادَكَ ومنهم من يرفع فيجعل ما يضمر هو ما يظهر
واعلم أن جميع ما يحذف فإنهم لا يحذفون شيئاً إلا وفيما أبَقوا دليلٌ على ما ألقوا


الإتساع اعلم : أن الإتساع ضربٌ من الحذف إلا أن الفرقَ بين هذا الباب والباب الذي قبلهُ أن هذا تقيمه مقام المحذوف وتعربهُ بإعرابه وذلك الباب تحذف العاملَ فيه وتدعُ ما عَمِلَ فيه على حالهِ في الإِعراب وهذا البابُ العاملُ فيه بحاله وإنما تقيم فيه المضاف إليه مقام المضاف أو تجعل الظرف يقوم مقامَ الاسم فأمَّا الاتساع في إقامة المضاف إليه مقام المضاف فنحو قولِه : ( سَلِ القريةَ ) تريد : أهل القرية وقول العرب : بنو فلانٍ يطؤهم الطريقُ : يريدون : أهل الطريقِ وقولهُ : ( ولكنَّ البرَّ مَنْ آمن بالله ) إنما هو برٌ مَنْ آمنَ بالله
وأما اتساعهم في الظروف فنحو قولهم : ( صيدَ عليه يومانِ ) وإنما المعنى : صيدَ عليه الوحش في يومين
( وولدَ لَهُ الولدَ ستونَ عاماً ) والتأويل : ( ولدَ لَهُ في ستين عاماً ) ومن ذلك قولهُ عز و جل : ( بل مكر الليل والنهار ) وقولهم : ( نَهاركَ صائمٌ وليلُكَ قائمٌ ) وإنما المعنى : ( أنَّكَ صائمٌ في النهار وقائمٌ في الليل ) وكذلك :
( يا ساَرِقَ اللَّيلِة أهلَ الدَّارْ ... )
وإنما سرق في الليلة وهذا الإتساع أكثر في كلامهم من أن يحاط به وتقول : ( سرتُ فرسخينِ يومينِ ) إن شئت نصبتَ انتصابَ الظروف وإن

شئت جعلت نصبهما بأنهما مفعولان على السعة وعلى ذلك قولك : ( سِيرَ بزيدٍ فرسخانِ يومينِ ) إذا جعلت الفرسخينَ يقومان مقامَ الفاعل ولك أن تقول : سِيرَ بزيدٍ فرسخينِ يومانِ فتقوم اليومين مقامَ الفاعل

اعلم : أن الإِلغاء إنما هو أن تأتي الكلمة لا موضع لها من الإِعراب إنْ كانت مما تعرب وإنها متى أسقطت من الكلام لم يختل لكلام وإنما يأتي ما يلغى من الكلام تأكيداً أو تبييناً والجملُ التي تأتي مؤكدةً ملغاة أيضاً وقد عَمِلَ بعضُها في بعضٍ فلا موضعَ لها من الإِعراب والتي تلغى تنقسم أربعة أقسام : اسمٌ وفعلٌ وحرفٌ وجملةٌ
الأول : الإسمُ : وذلك نحو : ( هو ) إذا كان الكلام فصلاً فإنه لا موضع له من الإِعراب لو كان له موضع لوجبَ أن يكون له خبرٌ إن كان مبتدأً أو يكون له مبتدأٌ إنْ كان هو خبراً وقيل في قوله : ( ولبِاسُ التقوى ذلك خير ) ( ذلك ) زائدةٌ

الثاني : الفِعْلُ : ولا يجوز عندنا أن يُلغى فعلٌ ينفذ منك إلى غيركَ ولكن الملغى نحو : ( كانَ ) في قولك : ( ما كانَ أحسنَ زيداً ) الكلامُ ما أحسنَ زيداً و ( كانَ ) إنما جِيءَ بها لتبيّن أنَّ ذلك كان فيما مضى
الثالث : الحرفُ : وذلك نحو : ما في قوله عز و جل : ( فبما نقضهم ميثاقهم ) لو كان ( لِمَا ) موضع من الإِعراب ما عملت الباء في ( نقضِهم ) وإنما جِيءَ بها زائدةً للتأكيد ومن ذلك ( إنْ ) الخفيفة تدخل مع ( ما ) للنفي في نحو قوله : وما إنْ طُبنا جُبنْ وكذلك ( إنْ ) في قولك : ( لَما إنْ جَاء قمتُ إليه ) المعنى : ( لَما جاءَ قمتَ ) وكذلك ( مَا ) إذا كانت كافةً فلا موضع لها من الإِعراب في نحو قولك : ( إنَّما زيدٌ منطلقٌ ) كفت ( مَا ) ( إنْ ) عن الإِعراب كما منعت إنْ ( مَا ) مِنَ الإِعراب وكذلك ( رُبَّما ) تقول : ( رُبَّما يقومُ زيدٌ ) لولا ( ما ) لما جاز أن يلي ( رُبَّ ) فِعلٌ ومن ذلك ( بعدَ ما ) قال الشاعر :
( أَعلاقَةً أُمَّ الوُلَيِّدِ بَعْدَمَا ... أَفنانُ رأسِكَ كالشِّهَابِ المُخْلِس )

فجميع هذه لا موضع لها من الإِعراب وقد جاءت حروفٌ خافضةٌ وذكروا أنها زوائد إلا أنها تدخل لمعانٍ فمن ذلك : ( ليس زيدٌ بقائمٍ ) أصل الكلام : ( ليسَ زيدٌ قائماً ) ودخلت الباء لتؤكد النفي وخُص النفي بها دون الإِيجاب ومن ذلك : ( مَا مِنْ رجلٍ في الدارِ ) دخلت ( مِنْ ) لتبين أن الجنس كلُه منفي وأنه لم يرد القائلُ أن ينفي رجلاً واحداً
قال أبو بكر : وحقُّ الملغى عندي أنْ لا يكونَ عاملاً ولا معمولاً فيه حتى يلغى من الجميع وأنْ يكون دخوله كخروجه لا يحدث معنى غير التأكيد وهذه الحروف التي خُفضَ بها قد دخلت لمعانٍ غير التأكيد من الحروف الملغاة ( لا ) شبهوها ( بمَا ) فمن ذلك قولك : ( ما قامَ زيدٌ ولا عمروٌ ) والواو العاطفةُ ولا لَغْوٌ و ( لا ) إنما دخلت تأكيداً للنفي وليزولَ بها اللبسُ إذا كانَ منفياً لأنَّهُ قد يجوزُ أنْ تقول : ما قامَ زيدٌ وعمروٌ ما قاما معاً وقالوا في قوله : ( لا أقسمُ بيومِ القيامة ) إنّ ( لا ) زائدةٌ ( ولئلاِ يعلَم أهلُ الكتابِ ) إنما هو : لأَنْ يعلَم وجملةُ الأمر أنها لا تزادُ إلا في موضع غير مُلبسٍ كما لا تزاد ( مَا ) وأما

قولك : ( حسبُكَ بِه ) كلامٌ صحيحٌ كما تقول : كفايتُك بهِ وفيه معنى الأمر أو التعجب وقولهم : ( كفى بالله ) قال سيبويه : إنما هو ( كفى الله ) والباء زائدة والقياس يوجب أنْ يكون التأويل : ( كفى كفايتي بالله ) فحذفَ المصدر لدلالة الفعل عليه وهذا في العربية موجود
الرابع : الجملةُ : وذلك نحو قولك : ( زيدٌ ظننتُ منطلقٌ ) بنيتَ ( منطلقاً ) على ( زيد ) ولم تعمل ( ظننتُ ) وألغيته وصار المعنى زيدٌ منطلقٌ في ظني فإنْ قدمت ( ظننتُ ) قَبُحَ الإِلغاءَ ومن هذا الباب الإعتراضات وذلك نحو قولك : زيدٌ أشهدٌ بالله منطلقٌ وإنَّ زيداً فافهمْ ما أقولُ رجلُ صدْقٍ وإنَّ عمراً والله ظالمٌ وإنَّ زيداً هو المسكينُ مرجومٌ وعلى ذلك يتأول قوله عز و جل : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا أولئك لهم جنات عدن ) فأُولئكَ هو الخبر وإنَّا لا نضيعُ أَجرَ مَنْ أَحسنَ عملاً ( اعتراض ) ومنه قول الشاعر :
( إنِّي لأَمنَحُكَ الصُّدُودَ وإنَّني ... قسماً إلَيكَ معَ الصُّدودِ لأَميَلُ )

قوله ( قسماً ) اعتراضُ
وجملةٌ هذا الذي يجيء معترضاً إنما يكون توكيداً للشيء أو لدفعه لأنَّهُ بمنزلة الصفة في الفائدة يوضحُ عن الشيء ويؤكدهُ
واعلم أنهُ لا يجوز أن يعترض بين واو العطف وبين المعطوف بشيءٍ لا يجوز أن تقول : ( قامَ زيدٌ فأفْهَم عرموٌ ولا قام زيدٌ ووالله عمروٌ )
وقد أجاز قوم الإعتراض في ( ثُمَّ وأوْ ولا ) لأنَّ أوْ ولا وثُمَّ ( يقمنَ بأنفسهنَّ ) فيقولون : ( قامَ زيدٌ ثم والله محمدٌ )
ومما يلغيه الكوفيون ولا يعرفه البصريون : ( زيداً قمتُ فضربتُ ) يلغون القيام كأنهم قالوا : ( زيداً ضربتُ ) وهذا رديءٌ في الإِلغاء لأن ما يلغى ليس حقه أن يكون بعد فاءٍ تعلقُ ما بعدها به
قال أبو بكر : قد انتهينا إلى الموضع الذي يتساوى فيه كتابُ الأصول وكتاب الجُمل بعد ذكر ( الذي ) والألف واللام ثُمَّ لا فرق بينهما إلا أنَّ بعد التصريف زيادة المسائل فيه والجملُ ليسَ فيه ذلك
ذكر الذي والألف واللام :
الإِخبار بالذي والألف واللام التي في معناهُ : ضربٌ من المبتدأ والخبر وموضع ( الذي ) من الكلام أن يكون مع صلته صفةً لشيءٍ وإنما اضطر إلى الصفة ( بالذي ) للمعرفة لأن وصف النكرة على ضربين : مفردٌ وجملةٌ فالمفرد نحو قولك : مررتُ برجلٍ عاقلٍ وقائمٍ وما أشبه ذلك والجملة التي توصفُ بها النكرة تنقسم قسمين : مبتدأٌ وخبرٌ نحو قولهم : مررتُ برجلٍ ( أبوهُ منطلقٌ ) وفِعْلٌ وفاعلٌ نحو قولك
مررتُ برجلٍ قامَ أبوهُ فلما كانت النكرات قد توصف بالحديث والكلام التام احتيج في المعرفة إلى مثل ذلك فلم يجز أن توصف المعرفة بما توصفُ به النكرة لأن

صفة النكرةِ نكرةٌ مثلها وصفةُ المعرفةِ معرفةٌ مثلها فجاز وصف النكرة بالجمل لأن كُلَّ جملةٍ فهي نكرةٌ ولولا أنها نكرة ما كان للمخاطب فيها فائدة لأن ما يعرف لا يستفاد فلما كان الأمر كذلك وأريد مثلهُ في المعرفة جاءوا باسمٍ مبهمٍ معرفةٍ لا يصح معناه إلا بصلتهِ وهو ( الذي ) فوصلوهُ بالجمل التي أرادوا أن يضعوا المعرفة بها لتكونَ صفةُ المعرفةِ معرفةَ كما أن صفةَ النكرةِ نكرةٌ ( فالذي ) عند البصريين أصلُه ( لذي ) مثل ( عمى ) ولزمته الألف واللام فلا يفارقانه ويثنى فيقال ( اللذانِ ) في الرفع ( واللذينِ ) في الخفض والنصبِ ويجمع فيقال : ( الذينَ ) في الرفع وغيره ومنهم من يقول : ( اللذونَ ) في الرفع ( واللذينَ ) في الخفض والنصب والمؤنث ( التي واللتان واللاتي واللواتي ) وقد حكى في ( الذي ) ( الذي ) بإثبات الياء ( والذِ ) بكسر الذال بغير ياء والذْ باسكان الذال ( والذيّ ) بتشديد الياء وفي التثنية ( اللذان ) بتشديد النون ( واللّذا ) بحذف النون وفي الجمع ( الذينَ والذونَ واللاؤنَ وفي النصب والخفض اللائينَ واللاءِ بلا نونٍ واللاي ) بإثبات الياء في كل حالٍ والأولى وللمؤنث التي واللاءِ بالكسر ولا ياءَ والتي والتِ بالكسر بغير ياءٍ والتْ بإسكان التاء واللتانِ واللتا بغير نونٍ واللتانَّ بتشديد النون وجمعُ ( التي ) اللاتي واللاتِ بغير ياءٍ واللواتي واللواتِ بالكسر بغير ياء واللواء واللاءِ بهمزةٍ مكسورةٍ واللااتِ مثل اللغات مسدودٌ مكسور التاءِ وطيء تقول : ( هذا ذو قالَ ذاكَ ) يريدون : الذي قالَ ذلكَ

و ( مررت بذو قال ذاك ) في كل وجهٍ في الجمع وحكى : أنه يجوز ذواتِ قلت ذاكَ ورأيتُ ذو قالَ ذاكَ وللأنثى : ذاتَ قالتْ ذاكَ قُلتِ ذاكَ ( فذوُ ) يكون في كل حالٍ رفعاً ويكون موحداً في التثنية والجمع من المذكر والمؤنث قالوا : ويجوز في المؤنث أن تقول : ( هذه ذاتُ قالتْ ذاكَ ) في الرفع والنصب والخفض فأما التثنية في ( ذو وذاتِ ) فلا يجوز فيه إلا الإِعراب في كل الوجوه وحكى : أنه قد سمع في ( ذاتِ ) و ( ذواتِ ) الرفع في كل حالٍ
وقال غير البصريين : إن أصل ( الذي ) هَذا وهَذا عندهم أصلهُ ذال واحدةٌ وما قالوه : بعيد جداً لأنه لا يجوز أن يكون اسمٌ على حرفٍ في كلام العرب إلا المضمر المتصل ولو كان أيضاً الأصلُ حرفاً واحداً ما جاز أن يصغر والتصغير لا يدخلُ إلا على اسمٍ ثلاثي وقد صغرت العربُ ( ذَا ) والموجودُ والمسموعُ مع ردنا له إلى الأصول من ( الذي ) ثلاثة أحرفٍ لامٌ وذالٌ وياءٌ وليس لنا أن ندفع الموجود إلا بالدليل الواضح والحجة البينة على أني لا لا أدفع أنَّ ( ذَا ) يجوز أن يستعمل في موضع ( الذي ) فيشار به إلى الغائب ويوضح بالصلة لأنه نقل من الإِشارة إلى الحاضر إلى الإِشارة إلى الغائب فاحتاج إلى ما يوضحه لما ذكرنا
وقال سيبويه : إن ( ذَا ) تجري بمنزلة ( الذي ) وحدها وتجري مع ( مَا ) بمنزلة اسم واحد فأما إجراؤهم ( ذَا ) بمنزلة ( الذي ) فهو قولهم : ماذا رأيت فيقول : متاعٌ حَسَنٌ وقال لبيد : ====================
ج4. كتاب : الأصول في النحو أبي بكر محمد بن سهل بن السراج النحوي البغدادي


( أَلا تَسْأَلاَنِ المَرْءَ مَاذَا يُحَاوِلُ ... أَنَحْبٌ فيُقْضَى أَمْ ضَلالٌ وبَاطِلٌ )
وأما إجراؤهم إياه مع ( مَا ) بمنزلة اسم واحد فهو قولك : ماذا رأيتَ فتقولُ : خيراً كأنك قلت : مَا رأيتَ ومثل ذلكَ قولهم : ماذا تَرى : فتقول : خيراً وقال الله : ( ماذا أنزلَ ربكمُ قالوا : خيراً ) كأنه قال : ما أنزلَ ربكم قالوا : خيراً أي أَنزل خيراً فلو كان ( ذَا ) لغواً لَمَا قالت العربُ : عما ذا تسألُ ولَقالوا : عَمَّ ذَا تسألُ ولكنهم جعلوا ( مَا وذَا ) اسماً واحداَ كما جَعلوا ( مَا وإنَّ ) حرفاً واحداً حين قالوا : ( إنَّما ) ومثل ذلكَ كأنَّما و ( حيثُما ) في الجزاء ولو كان ( ذَا ) بمنزلة ( الذي ) في هذا الموضع البتة لكان الوجه في ( ماذا رأيتُ ) إذا أراد الجواب أن تقول : خيرٌ فهذا الذي ذكر سيبويه بَيّنٌ واضح من استعمالهم ( ذَا ) بمنزلة ( الذي ) فأما أنْ تكون ( الذي ) هي ( ذَا ) فبعيدٌ جداً ألا ترى أنَّهم حين استعملوا ( ذَا ) بمنزلة ( الذي ) استعملوها بلفظها ولم يغيروها والتغيير لا يبلغ هذا الذي ادعوه والله أعلم ولا يعرف له نظير في كلامهم ومَنْ

ومَا وأي يستعملن بمعنى ( الذي ) فيوصلن كما توصل ولكن لا يجوز أن ( يوصفَ بهن ) كما وصف ( بالذي ) لأنها أسماءٌ لمعانٍ تلزمها ولهن تصرفٌ غير تصرفٍ ( الذي ) لأنهن يكنَّ استفهاماً وجزاءَ وقد ذكرنا ذلك فيما تقدم والألفُ واللام تستعمل في موضع ( الذي ) في الوصف ولكنها لا تدخل إلا على اسم فلما كان ذلك من شأنها وأرادوا أن يصلوها بالفعل نقلوا الفعْلَ إلى اسم الفاعل والفعلَ يريدون فيقولون في موضع ( الذي قامَ ) القائم فالألفُ واللام قد صار اسماً وزال المعنى الذي كان له واسمُ الفاعلِ ها هنا فِعلٌ وذاكَ يرادُ بهِ أَلاَ تَرى أنهُ لا يجوز أن تقول : ( هذا ضَاربٌ زيداً أَمسِ ) حتى تضيف ويجوز أن تقولِ : ( هَذا الضاربُ زيداً أمسِ ) لأنك تنوي ( بالضاربِ ) الذي ضربَ ومتى لم تنو بالألف واللام ( الذي ) لم يجز أن تعمل ما دخلت عليه وصار بمنزلة سائر الأسماء إلا أن الفاعل هنا إعرابُه إعراب ( الذي ) بغير صلةٍ لأنه لا يمكن فيه غير ذلكَ وكان الأخفش يقول : ( إنَّ زيداً ) في قولك : ( الضارب زيداً أَمسِ ) منصوبٌ انتصابَ : الحسَنِ وجهاً وأنه إنما نصب لأنه جاء بعد تمام الإسم
وقال أبو بكر : ليس عندي كَما قَالَ لأن الأسماءَ التي تنتصبُ عن تمام الإسم إنما يكنَّ نكراتٍ والحَسَنُ وما أشبههُ قد قال سيبويه : إنه مشبهُ باسم الفاعلِ وقد ذكرنا ذَا فيما تقدَم

ذكر ما يوصل به الذي :
اعلمْ : أنَّ ( الذي ) لا تتم صلتها إلا بكلامٍ تامٍ وهي توصل بأربعة أشياءٍ : بالفعل والمبتدأ والظرف والجزاء بشرطه وجوابهِ ولا بد من أن يكون في صلته ما يرجع إليه فإن لم يكن كذلك فليس بصلة لهُ والفعل الذي يوصل به ( الذي ) ينقسم انقسامه أربعة أقسام قبل أن يكون صلةً : فِعْلٌ غيُر متعدٍ وفِعٌل متعدٍ لى مفعولٍ واحدٍ وفِعلٌ متعدٍ إلى مفعولين وفِعْلٌ متعدٍ إلى ثلاثة مفاعيل وفِعْلٌ غيرُ حقيقي نحو ( كانَ ) و ( ليسَ ) فهذه الأفعالُ كلها يوصل بها ( الذي ) مع جميع ما عملت فيه وذلك قولك : الذي قامَ والذي ضَربَ زيداً والذي ظَنَّ زيداً منطلقاً والذي أعطى زيداً درهماً والذي أعلمَ زيداً عمراً أبَا فلانٍ ( والذي كانَ قائماً والذي ليسَ منطلقاً ) ففي هذه كلها ضمير ( الذي ) وهو يرجع إليه وهو في المعنى فاعلٌ فاستتر في الفعل ضمير الفاعل لأنه قد جرى على من هو لهُ فإن كان الفعل لغيره لم يستتر الضمير وقلت : ( الذي قامَ أبوهُ أَخوك ) والذي ضربَ أخوهُ زيداً صاحبكَ وأما وصله بالمبتدأ فنحو ( الذي هُوَ زيدٌ أخوك ) والذي زيدٌ أبوهُ غلامُكَ والذي غلامُه في الدار عبد الله
وأما صلته بالظرف فنحو قولك : ( الذي خلفَكَ زيدٌ ) كأنَّك

قلت : ( الذي استقرَّ خلفَكَ زيدٌ ) والذي عندَك والذي أمامَكَ وما أشبه ذلك وأما وصلُه بالجزاء فنحو قولك : ( الذي إنْ تأتِه يأتِك عمروٌ ) و ( الذي إنْ جئتَهُ فهو يُحسنُ إليكَ ) ولا يجوز أن تصلَ ( الذي ) إلا بما يوضحهُ ويبينهُ من الأخبار فأما الإستخبار فلا يجوز أنْ يوصل به ( الذي ) وأَخواتُها لا يجوز أن تقول : ( الذي أَزيدٌ أَبوهُ قائمٌ ) وكذلك النداءُ والأمر والنهي وجملة هذا أن كل ما تمكن في باب الأخبار ولم يزد فيه معنى على جملة الأخبار وصَلُحَ أن يقال فيه صدقٌ وكذبٌ وجازَ أن توصف به النكرة فجائزٌ أن يوصل به ( الذي ) ويجوز أن تصل بالنفي فتقول : ( الذي ما قامَ عمروٌ ) لأنه خبرٌ يجوز في الصدقُ والكذبُ ولأنك قد تصفُ به النكرة فتقول : ( مررتُ برجلٍ ما صَلى )
وكل فعلٍ تصلُ به ( الذي ) أو تصفُ به النكرة لا يجوز أن يتضمن ضمير الموصول أو الموصوف فغير جائزٍ أن تصل به ( الذي ) لو قلت : ( مررتُ برجلٍ نِعَم الرجلُ ) لَما جاز إلا أن تريد : ( هُوَ نِعْمَ الرجلُ ) فتضمر المبتدأ على جهةِ الحكاية
ومن ذلك فِعْلُ التعجبِ لا يجوز أن تصل به ولا تصف لا تقول : ( مررتُ برجلٍ أكرمْ به من رجلٍ ) لأنَّ الصفةَ موضعها من الكلام أن تفصل بين الموصوفات وتبين بعضها من بعض وإنما تكون كذلك إذا كانت الصفة محدودةً متحصلة فأما إذا كانت مبهمة غير متحصلةٍ فلا يجوز ألا ترى أنك

إذا قلت : ( أكرم بزيد وما أكرمه ) فقد فضلتهُ في الكرم على غيره إلا أنكَ لم تذكر المفضول إذ كان أبلغ في المدح أن يظن به كل ضربٍ من الكرم فإذا قلت : أكرم من فلانٍ فَقَدْ تَحصّلَ وزالَ معنى التعجب وجاز أن تصفَ به وتصل به فنعم وبئس من هذا الباب فإن أضمرت مع جميع هذه القولَ جازَ فيهنَّ أن يكُنَّ صفاتٍ وصلاتٍ لأن الكلام يصير خبراً فتقول : مررتُ برجلٍ يقالُ لَهُ : ما أحسنه ويقالُ : أَحسنْ به وبرجلٍ تقولُ لَهُ : اضربْ زيداً وبالذي يقالُ لهُ : اضربْ زيداً وبالذي يقول اضربْ زيداً
ومررتُ برجلٍ نِعْمَ الرجل هُوَ أي : تقولُ نِعْمَ الرجلُ هُوَ وبالذي نِعْمَ الرجلُ هُوَ أي : بالذي يقول : نِعْمَ الرجلُ هُوَ
واعلم أنَّ الصلةَ والصفة حقهما أن تكونا موجودتينِ في حال الفعل الذي تتذكرهُ لأنَّ الشيءَ إنما يوصفُ بما فيه فإذا وصفتهُ بفعلٍ أو وصلتهُ فالأولى به أن يكون حاضراً كالإسم ألا ترى أنكَ إذا قلت : مررتُ برجلٍ ( قائمٍ ) فهو في وقت مروركَ في حال قيامٍ وإذا قلت : ( هذا رجلٌ قامَ أمسِ ) فكأنكَ قلتَ : ( هذا رجلٌ معلومٌ ) أي : ( أعلمه ) الساعة أنهُ قامَ أمسِ ولأنكَ محققٌ ومخبرٌ عما تعلمه في وقتَ حديثكَ وكذلكَ إذا قلت : ( هذا رجل يقومُ غداً ) فإنما المعنى : ( هذا رجلٌ معلومٌ الساعةَ أنَّهُ يقومُ غداً ) وعلى هذا أجازوا : مررتُ برجلٍ معه صقْرٌ صائداً به غداً فنصبوا ( صائداً ) على الحال لأنَّ التأويل ( مقدراً الصيد بهِ غداً ) فإن لم يتأولْ ذلك فالكلام محالٌ وكل موصوفٍ فإنما ينفصلُ من غيره بصفةٍ لزمته في وقته وكذلك الصلة إذا قلت : ( الذي قامَ أمسِ والذي يقومُ غداً ) فإن وصلت ( الذي ) بالفعل المقسم عليه نحو قولك : ( ليقومنَّ ) لم تحتج إليه

لأن القسمَ إنما يدخلُ على ما يؤكد إذا خِيفَ ضَعفُ علم المخاطب بما يقسم عليه والصفة إنما يراعى فيها من الكلام مقدار البيان وبابها : أن يكون خبراً خالصاً لا يخلطه معنى قسم ولا غيره فإن وصل به فهو عندي جائز لأن التأكيد لا يبعده من أن يكون خبراً وأما إنَّ وأخواتها فحكم ( إنَّ ) من بين أخواتها حكم الفعل المقسم عليه إن لم تذكرها في الصلة فالكلام غير محتاج إليها وإن ذكرتها جاز فقلت : ( الذي إنَّ أباهُ منطلقٌ أخوكَ ) وفي ( إنَّ ) ما ليس في الفعل المقسم عليه لأن خبر ( إنَّ ) قد يكون حاضراً وهو بابها وفعلُ القسمِ ليس كذلك إنما يكون ماضياً أو مستقبلاً فحكمه حكم الفعلِ الماضي والمستقبل إذا وصف به و ( ليت ولعلَّ ) لا يجوز أن يوصلَ بهما لأنهما غيرُ أخبارٍ ولا يجوز أن يقال فيهما صدقٌ ولا كذبٌ و ( لكنَّ ) لا يجوز أن يوصل بها ولا يوصفُ لأنهما لا تكون إلا بعد كلام
وأما ( كأَنَّ ) فجائزٌ أن يوصل بها ويوصفُ بها وهي أحسنُ من ( إنَّ ) من أجل كافِ التشبيه تقول : ( الذي كأنَّهُ الأسدُ أَخوكَ ومررت بالذي كأنَّهُ الأسدُ ) لأنه في معنى قولك : مثلُ الأسَدِ واعْلَم أنَّهُ لا يجوز أن تقدَم الصلة على الموصولِ ولا تفرقَ بين الصلة والموصول بالخبر ولا بتوابع الموصول بعد تمامه كالصفة والبدلِ وما أشبه ذلك
ذكر الإِخبار عن الذي :
اعلم : أنَّ ( الذي ) إذا تمت بصلتها كان حكمها حكم سائر الأسماء التامة فجاز أن تقع فاعلةً ومفعولةً ومجرورةً ومبتدأةً وخبراً لمبتدأ فتقول : ( قامَ الذي في الدارِ ورأيت الذي في الدار ومررتُ بالذي في الدار وزيدٌ الذي في الدار ) فيكون خبراً والذي في الدار زيدٌ فتكون

( الذي ) مبتدأةً وزيدٌ خبر المبتدأ وإذا جعلت مبتدأةً فحينئذٍ تكثر المسائلُ وهو الباب الذي أفرده النحويون وجعلوه كحدٍّ من الحدودِ فيقولون إذا قلتَ : ( قامَ زيدٌ ) كيف تخبر عن زيدٍ بالذي وبالألفَ واللام فيكون الجواب : ( الذي قامَ زيدٌ والقائمُ زيدٌ ( فتكون ) الذي مبتدأٌ وقامَ صلتهُ وفيه ضمير يرجع إليه وبه تمَّ
وهو في المعنى : ( زيدٌ ) لأنَّ الضمير هو الذي والذي هو زيدٌ فهو في المعنى : الفاعلُ كما كان حين قلتَ : ( قامَ زيدٌ ) وكذلك إذا دخلت الألف واللامُ بدلاً من الذي قلت : ( القائمُ زيدْ ) فالألف واللامُ قد قامتا مقامَ الذي و ( قائم ) قَدْ حَلَّ مقامَ ( قامَ ) وفي ( قائمٍ ) ضمير يرجع إلى الألف واللام والألفُ واللام هما زيدٌ إلا أنكَ أعربت ( القائمَ ) بتمامه بالإِعراب الذي يجبُ ( للذي ) وحدها إذ لم يكن سبيلٌ إلى غير ذلك وكل اسم قيل لك أخبر عنه فحقه أن تنتزعه من الكلام الذي كانَ فيه وتضع موضعه ضميراً يقومُ مقامهُ ويكون ذلك الضمير راجعاً إلى الذي أو الألف واللام وإنما كان كذلك لأن كل مبتدأٍ فخبره إذا كان اسماً مفرداً في المعنى هُوَ هُوَ فإذا ابتدأتَ ( بالذي ) وجعلت اسماً من الأسماء خبره فالخبر هو ( الذي ) والذي هو الخبر وهذا شرط المبتدأ والخبر وإنما الأخبار عن ( الذي والألف واللامِ ) ضربٌ من المبتدأ والخبر وقد كنت عرفتك أن الصلة كالصفة للنكرة فإذا أشكل عليك شيءٌ من ذلك فاجعل الصلة صفة ليبين لك إنْ قالَ قائلٌ إذا قلت : ( ضربتُ زيداً ) كيف تخبر عن زيد قلت : ( الذي ضربتهُ زيدٌ ) فجعلت موضع ( زيدٍ ) الهاء وهي مفعولةٌ كما كان ( زيدٌ وهو ) ( الذي والذي هو زيد ) فإن جعلته صفةً قلت : ( رجلٌ ضربتهُ زيدٌ ) إلا أنَّ حذف الهاء في

صلة ( الذي ) حَسَنٌ لأنهم استثقلوا اجتماع ثلاثة أشياء في الصلة ( فِعْلٌ وفاعلٌ ومفعولٌ ) فصرن مع ( الذي ) أربعة أشياء تقوم مقامَ اسمٍ واحدٍ فيحذفون الهاءَ لطول الإسم ولك أن تثبتها على الأصلِ فإن أخبرت عن المفعولِ بالألف واللام قلت : ( الضاربُهُ أنا زيدٌ ) وكان حذفُها قبيحاً وقد أجازوهُ على قبحه
وقال المازني : لا يكادُ يسمع من العرب وحذفُ الهاء من الصفة قبيحٌ إلا أنه قد جاء في الشعر
والفرق بينهُ وبين الألف واللامِ أنَّ الهاء ثَمَّة تحذفُ من اسمٍ وهي في هذا تحذف من فعلٍ وإن قيلَ لكَ : أخبرْ عن ( زيدٍ ) من قولك : ( زيدٌ أَخوكَ ) قلت : ( الذي هو أَخوك زيدٌ ) أخذت زيداً من الجملة وجعلت بدله ضميرهُ وهو مبتدأٌ كما كانَ زيدٌ مبتدأً وأخوك خبره كما كان وقولك : هو وأخوك جميعاً صلة ( الذي ) وهي راجعة إلى ( الذي ) والذي هو ( زيدٌ ) وإن أردتَ أن تجعلهُ صفةً فتعتبره بهاء قلت : ( رجلٌ هُو أخوكَ زيدٌ ) فقولك : هو أخوكَ جملةٌ وهي صفةٌ لرجلٍ وزيدٌ الخبرُ فإن أردت أن تخبر عن ( أخوكَ ) قلت : ( الذي زيدٌ هُوَ أخوكَ ) فجعلت الضميرَ موضعَ ( الذي ) انتزعتهُ من الكلام وجعلتهُ خبراً وإنما قال النحويونَ أخبر عنهُ وهو في اللفظ خبر لأنه في المعنى محدثٌ عنهُ ولأنه قد يكون خبراً ولا يجوز أن يحدث عنه نحو الفعل والألف واللام لا مدخل لهما في المبتدأ والخبر كما عرفتك وهذه المسائل تجيءُ في أبوابها مستقصاةً إن شاء الله فإن كان خبر المبتدأ فعلاً أو ظرفاً غير متمكنٍ لم يجز الإِخبارُ عنه إذا قال لكَ : ( زيدٌ قامَ ) كيفَ تخبرُ عن ( قامَ ) لم يجز لأن الفعل لا يضمر وكذا لو قال : ( زيدٌ في الدار ) أخبرْ عن ( في الدار )
لم يجز لأن هذا مما لا يضمر وقد بينا أن معنى قولهم : أخبر

عنهُ أي انتزعهُ من الكلام واجعل موضعهُ ضميراً ثم اجعله خبراً فهذا لا يسوغُ في الأفعال ولا الحروف
واعلم أنهُ إذا كان صلةُ ( الذي ) فعلاً جاز أن يدخل الفاء في الخبر نحو ( قامَ فلَهُ درهمٌ ) والذي جاءني فأنا أكرمهُ شبهَ هذا بالجزاء لأن قولك : فلَهُ درهمٌ تبع المجيء وكذلك هو في الصفة تقول : ( كُلُّ رجلٍ جاءني فلَهُ درهمٌ وكلُّ رجلٍ قام فإني أكرمهُ ) والأصل في جميع هذا طرح الفاء وأنت في ذكرها مخيرٌ إلا أنها إذا دخلت ضارع الكلام الجزاء ويبين أن الخبر من أجل الفعل ولذلك لم يجزْ أن تدخل الفاءُ في كل حالٍ وبأن لو قلت : ( الذي إنْ قمتُ قام فلَهُ درهمٌ ) لم يجزْ لأن معنى لجزاء قد تمَّ في الصلة ولكن لو قلت : ( الذي إنْ قمتُ قامَ فلَهُ درهمٌ إنْ أعطاني أعطيتهُ ) جاز لأنه بمنزلة قولك : ( زيدق إن أعطاني أعطيتهُ ) وكذلك إذا قلت : ( الذي إنْ أَتاني فلَهُ درهمٌ لَهُ دينارٌ ) لا يجوز أن تدخل الفاء على ( لَهُ دينارٌ ) فالفاء إذا دخلت في خبر ( الذي ) أشبه الجزاء من أجل أنه يقعُ الثاني بالأول ألا ترى أنكَ إذا قلت : الذي يأتيني لهُ درهمٌ قد يجوز أن يكون لهُ درهمٌ لا من أجل إتيانهِ ويجوز أن يكونَ لهُ درهمٌ من أجلِ إتيانه فإذا قلت : الذي يأتيني فلهُ درهمٌ دلت الفاءُ على أنَّ الدرهمَ إنما يجب لهُ من أجلِ الإِتيان إلا أن الفرق بين الذي وبين الجزاء الخالص أنَّ الفِعلَ الذي في صلة ( الذي ) يجوز أن يكون ماضياً وحاضراً ومستقبلاً والجزاء لا يكون إلا مستقبلاً وإذا جاءت الفاء فحق الصلة أن تكون على اللفظ الذي يحسن في الجزاء في اللفظ

وإنْ اختلفَ المعنى
فمن أجل هذا يقبحُ أن تقول : ( الذي ما يأتني فلَهُ درهمٌ ) لأنه لا يجوز أن تقول : ( إنْ ما أتاني زيدٌ فلَهُ درهمٌ و ( لاَ ) كُلّ رجلٍ ما أتاني فلهُ درهمٌ ) إذا أردتَ هذا المعنى قلت : ( الذي لم يأتني فلَهُ درهمٌ وكُلُّ رجلٍ لم يأتني فلَهُ درهمٌ ) والقياسُ يوجبُ إجازتهُ للفرق الذي بين ( الذي وبين الجزاء ) لأنهُ إذا جازَ أن يلي الذي من الأفعال ما لا يلي ( إنْ ) وكان المعنى مفهوماً غير مستحيل فلا مانع يمنعُ من إجازته وإنما أجزنا دخولَ الفاء في هذا لأن الذي ما فَعَل قد يجبُ لهُ شيءٌ بتركه الفعل إذا كان ممن يقدر منه ذلك الفِعْلُ وإنما لم يجز ( ما ) مع ( إنْ ) في الجزاء لأن ( ما ) لا تكون إلا صدراً والجزاء لا يكون إلا صدراً فلم يجز لأن ( إن ) تعمل فيما بعد ( ما ) فلما أرادوا النفي أتوا ( بلَمْ ) وبنوها مع الفعل حتى صارت كأنها جزءٌ منه أو ( بلا ) فقالوا ( إنْ لَمْ تَقمْ قمتُ وإنْ لم تقمْ لا أقَمْ )
واعلم أن كل اسمٍ لا يجوز أن تضمره وترفعهُ من الكلام وتكني عنه فلا يجوز أن يكون خبراً في هذا الباب من أجل أنكَ متى انتزعته من الكلام وهو اسم ظاهرٌ أو مضمر فلا بد من أن تضمر في موضعه كما خبرتُكَ
ولك اسم مبنيٌ إلا المبهمات والمضمرات والذي وما كان في معناهُ فإنهن في أصول الكلام لا يجوز أن يكُنَّ خبراً ( للذي ) وكذلك كلُّ ظرفٍ غير متمكنٍ في الإِعراب ليس مما يرفع لا يجوز أن يكون خبراً للذي لأن جميع الأسماء إذا صارت أخباراً ( للذي ) والذي مبتدأٌ

لم يكن بد من رفعها فكلُّ ما لا يرتفع لا يجوز أن يكون خبراً لو قلت : الموضع الذي فيه زيدٌ عندك لم يجز لأنه كان يلزم أن يرفع ( عنه ) وهو لا يرتفع وكذلك ما أشبهه ولو قلتَ
الموضع الذي قمتَ فيه خلفكَ
جاز لأن ( خلفَ ) قد يرفعُ ويتسعُ فيه فيقالُ : ( خلفكَ واسعُ ) وأما ما يجوز من المبهمات والمضمرات فنحو قولك : ( الذي في الدار هَذا والذي في الدار الذي كانَ يُحبُّك والذي في الدار هُوَ ) وكذلك : ما كان في معنى ( الذي ) تقول : ( الذي في الدار مَنْ تُحبُّ والذي في الدار ما تحبُّ ) فيكون الخبر ( مَا ومنَ ) بصلتهما وتمامهما فإن كانتا مفردتين لم يجز أن يكونا خبراً ( للذي ) وكذلك الذي لا يجوز أن يكون خبراً وهو بغير صلة إلا على نحو ما جاء في الشعر مثل قوله
( بَعْدَ اللتيّا واللتيّا والتي ... )

فإن هذا حذف الصلات لعلم المخاطب بالقصة ولا يجوز أن تخبر عن النعت لأنك تحتاج أن تضمره فإذا أضمرته زال أن يكون نعتاً ولو قيل لك أخبر عن العاقل في قولك : ( زيدٌ العاقلُ أخوكَ ) فأخبرت لزمكَ أنْ تقول : ( الذي زيدٌ هوَ أخوكَ العاقلُ ) فتضع موضع ( العاقل ) هو فيصيرُ نعتاً لزيدٍ وهو لا يكون نعتاً ولا يجوز أن تخبر عن ( زيدٍ ) وحده في هذه المسألة
لأنه يلزمك أن تقول : ( الذي هو العاقلٌ أخوك زيدٌ فتصف ( هُوَ ) بالعاقل وهذا لا يجوز ولكن إذا قيل لك أخبر عن مثل هذا فانتزع زيداً وصفتهُ جميعاً من الكلام وقل : ( الذي هو أخوكَ زيدٌ العاقلُ ) ومما لا يجوز أن يكون خبراً المضافُ دون المضاف إليه لو قيل : ( هذا غلامُ زيدٍ ) أخبر عن ( غلامٍ ) ما جاز لأنه كان يلزم أن تضمرَ موضع غلامٍ وتضيفه إلى ( زيدٍ ) والمضمر لا يضاف فأما المضاف إليه فيجوز أن يكون خبراً لأنه يجوز أن يضمر وجميع ما قدمتُ سيزداد وضوحاً إذا ذكرت الأبواب التي أجازها النحويون


باب ما جاز أن يكون خبراً
اعلم : أن أصول الكلام جملتان : فعلٌ وفاعلٌ ومبتدأٌ وخبرٌ وقد عرفتُك كيفَ يكون الفاعل خبراً وأن الفعل لا يجوز أن يكون خبراً مخبراً عنه في هذا الباب وذكرت لك المبتدأ والخبر والإِخبار عن كُل واحدٍ منهما وأبواب هذا الكتاب تنقسم بعددِ أسماء الفاعلين والمفعولين وبحسب ما يتعدى من الأفعال وما لا يتعدى فكلُّ ما يتعدى إليه الفعلُ ويعمل فيه إلا ما استثنيناه مما تقدمَ فهو جائز أن تخبر عنه إلا أن يكون اسماً نكرةً لا يجوز أن يضمر فيعرف فإنه لا يجوز الإِخبار عنه نحو ما ينتصب بالتمييز فجميع الأبواب التي يجوز الإِخبار عن الأسماء التي فيها مميزٌ أربعة عشر باباً :
الأول : الفعل الذي لا يتعدى
والثاني : الفعلُ الذي يتعدى إلى مفعولٍ واحدٍ
والثالث : ما يتعدى إلى مفعولين ولكَ أن تقتصر على أحدهما

والرابع : ما يتعدى إلى مفعولين وليس لكَ أن تقتصر على أحدهما
والخامس : ما يتعدى إلى ثلاثة مفعولينَ
والسادس : الفعلُ الذي بنيَ للمفعول الذي لم يذكر مَنْ فعَلَ بهِ
والسابع : الذي تعداهُ فعلهُ إلى مفعول واسم الفاعل والمفعول لشيءٍ واحدٍ
والثامن : الظروف من الزمان والمكان
والتاسع : المصدرُ
والعاشر : المبتدأُ والخبرُ
والحادي عشر : المضافُ إليهِ
والثاني عشر : البدلُ
والثالث عشر : العطفُ
والرابع عشر : المضمرُ
وقد كان يجب أن يقدم باب ما يخبر فيه ( بالذي ) ولا يجوز أن يخبر عنه بالألف واللام ولكنا أخرناهُ ليزداد وضوحه بعد هذه الأبواب
فأما ما قاسه النحويون من المحذوفات في الكلام ومن إدخال ( الذي ) على ( الذي ) و ( التي ) وركبوه من ذلك فنحو نفرده بعد إن شاء الله
الأول : باب الفعل الذي لا يتعدى الفاعل إلى المفعول :
وهو ( ذهبَ زيدٌ وقعدَ خالدٌ ) وكذلك جميع ما أشبههُ من الأفعال التي

لا تتعدى إذا قيل لك أخبرْ عن ( زيدٍ ) بالذي قلت : ( الذي ذَهَبَ زيدٌ ) فالذي مبتدأٌ و ( ذهبَ ) صلته وفيه ضمير الفاعل وهو يرجع إلى ( الذي ) فقد تم ( الذي ) بصلته وخبرهُ زيدٌ فإن قيل لك أخبر عنه بالألف واللام قلت : ( الذاهبُ أَخوكَ ) فرفعت الذاهب لأنهُ اسمٌ ومعناه : ( الذي ذهبَ ) ولم يكن بدٌ من رفعه لأن اللام لا تنفصل من الصلة كإنفصال ( الذي ) وهي جزءٌ من الإسم ولكن المعنى معنى ( الذي ) فإن ثنيتَ ( الذي ) قلت : ( اللذان قاما أَخواكَ ) فإن جعلتَ ( موضعَ ) الذي الألف واللام قلت : ( القائمانِ أخواك ) ثنيتَ ( القائمَ ) إذ لم يكن سبيلٌ إلى ثنيةِ الألف واللام والتأويل : ( اللذان قاما ) ويرجع إلى الألف واللام الضميرُ الذي في ( القائمينِ ) وليست الألفُ بضميرٍ في ( قائمانِ ) وإنما هي ألفُ التثنية مثلها في سائر الأسماء التي ليس فيها معاني الأفعال كما تقول : الزيدان أخواكَ فإن جمعتَ قلتُ : ( الذينَ قاموا إخوتُكَ ) وبالألف واللام : ( القائمونَ إخوتُكَ ) وتفسيرُ الجمع كتفسير التثنية ومن استفهم قال القائمونَ إخوتُكَ و ( القائمانِ أخواكَ ) ولا يجوز أن تقول القائُم اخوتكَ على قول من قالَ أَقائمٌ أُخوتُكَ لأن قولهم : ( أقائمٌ أُخوتكَ ) تجري مجرى : أَيقومُ أُخوتُكَ وما كان فيه الألف واللام لا يجري هذا المجرى لأنه قد تكملُّ اسماً معرفة والمعارف لا تقومُ مقامَ الأفعالِ لأن الأفعالَ نكراتٌ ولكن لا يجوز أن تعمل ما في صلة الألف واللام وهو ( قائمٌ ) فتقول : ( القائمُ أَبوهُ وأَخوكَ والقائمُ أَبوهما أَخواكض ) ولا يجوز أن تقول : ( القائمانِ أَبواهما أَخواكَ ) من أجل

أنَّ ( قائمٌ ) قد عَمِلَ عَمَلَ الفعْلِ وما تمت الألف واللامُ بعد بصلتهما وما لم يتم فلا يجوز أن يُثنى فإذا أَعملت ( ما ) في صلة الألف واللام في ( فاعل ) امتنعت التثنية وإنّما جاز أن تقول : ( القائمانِ أَخواكَ ) لأن الإسم قد تم والضمير الذي في ( القائمِ ) لا يظهر فأشبه ما لا ضمير فيه وإنما احتمل الضمير الإسم إذا كان في صلة ما هو له وجارياً عليه استغناءً بعلم السامع وليس بابُ الأسماء أن تضمر فيها إنما ذلك للأفعال فإذا لم يكن اسمُ الفاعل فعلاً في الحقيقة للألف واللام أو لما يوصف به أو يكون خبراً لهُ لم يحتمل الضمير ألبتة وقد بينتُ ذا فيما تقدم
وتقول : ( القائمُ أخواهُ زيدٌ والقائمُ أخوتهُ عمروٌ ) لأن الفعلَ للأَخوينَ وللأخوة وهو مقدمٌ فالضمير أبداً عدته بحسب الألف واللام إن عنيت بهما واحداً كان واحداً وإن عنيتَ اثنين كانَ مُثنى وإن عنيتَ جميعاً كان جمعاً وكذلك الألف واللام والذي إنما هي بحسب من تضمر في العدة وإذا قلت : ( اللذانِ ذهبا أخواك ) قلت ( الذاهبان أخواك ) وإذا قلت ( الذين يذهبونَ قومَكَ ) قلت : ( الذاهبونَ قومُكَ ) تثنى اسمَ الفاعل في الموضع الذي تثنى فيه الفِعْلَ ألا ترى أنكَ تقولُ : ( الزيدانِ ذاهبانِ ) لما كنت تقول ( الزيدانِ يذهبانِ ) ولا يجوز أن تقول ( الزيدانِ ذاهبٌ ) وتضمرهما وتقول : ( الزيدانِ ذاهبٌ أبوهما ) كما كنت تقول : ( الزيدانِ يذهبُ أَبوهما ) إلا أنَّ تقدير الالف في ( ذاهبانِ ) غير تقديرها في ( يذهبان ) لأنَّ ألفَ ( يذهبانِ ) للتثنية والضمير وهي في ( ذاهبانِ ) تثنيةٌ وإنما الضميرُ في النية

الثاني : الفعل الذي يتعدى إلى مفعول واحد :
وذلك قولك : ( ضَربَ زيدٌ عمراً ) اعلم أن هذا الباب لا بد من أن يكون في جميع مسائله اسمانِ في كل مسألة فاعلٌ ومفعولٌ فإن قيل لك : ( أخبرْ عن الفاعلِ بالذي ) قلت : ( الذي ضَربَ عمراً زيدٌ ) فالذي رفع بالإبتداء ( وضَربَ عمراً ) صلتهُ وفي ( ضَرَبَ ) ضميرُ ( الذي ) هو راجع إليه وضَربَ وعمروٌ في صلة ( الذي ) وبهما تم اسماً والخبرُ زيدٌ وزيدٌ هو ( الذي )
فإن قيلَ لكَ : ثَنِّ واجمعْ قلتَ : ( اللذانِ ضربا عمراً الزيدانِ ) والذين ضربوا عمراً الزيدونَ لا بد من أن يكون الخبرُ بعدَ المبتدأ مساوياً لهُ وكذلك الضمير الذي في الصلة وهي كلها يشار بها إلى معنى واحدٍ الذي والضميرُ والخبرُ فإن قيل لك : أخبر بالألف واللام عن الفاعل في هذه المسألة قلت ( الضاربُ عمراً زيدٌ ) والتفسير كالتفسير في ( الذي ) فإن قيل لك : ثَنِّ واجمعْ
قلتَ : ( الضاربانِ عمراً الزيدانِ ) والضاربون عمراً الزيدون ولا يجوز أن تقول : ( الضاربُ عمراً الزيدانِ لأن المبتدأَ قد نقص عدده عن عدة الخَبِر والضاربُ عمراً واحدٌ وليسَ في الصلةِ دليلٌ على أن الألف واللام لجماعةٍ فإذا ثنيتَ وجمعتَ
قام الدليل وقد مضى تفسيرُ ذا وينبغي أنْ تراعي في التثنية والجمع ( اللذين ) في الألف واللام أن يكون الإسم الذي فيه الألف واللام بأسره نظيرُ ( الذي ) وحدها في إعرابه وتثنيته وجمعه فإن رفعتَ ( الذي ) رفعتهُ وإن نصبتهُ نصبتهُ وإن خفَضتَهُ خفضتهُ وإنْ ثنيتَه وجمعتَه ثنيتهُ وجمعتهُ وكذلك يكونان إذا قامَ

أحدهما مقامَ الآخر
ومن حيث أعرب الفاعل في هذا الباب نحو : ( الضاربُ ) كإعرابِ ( الذي ) كذلك ثُني وجُمع تثنيته وجمعَهُ ولو كانت الألف واللام تُثنى أو يكون فيها دليل إعرابٍ لأنفصلت كإنفصال ( الذي ) من الصلة فما فيه الألف واللام مما جاء على معنى الذي لفظهُ لفظ الإسم غير الموصول ومعناهُ معنى الموصول فإن قيل لكَ أخبرْ عن المفعول في قولك : ضَربَ زيدٌ عمراً قلت : ( الذي ضربَهُ زيدٌ عمروٌ ) وحذف الهاء حسنٌ كما خبرتك به وإنْ شئت قلتَ : الذي ضربه زيدٌ عمروٌ فالذي مبتدأٌ وضربَهُ زيدٌ صلتهُ والهاء ترجع إلى ( الذي ) وعمروٌ خبرَ المبتدأ والذي هو عمروٌ
فإن ثنيتَ وجمعتَ قلتَ : اللذانِ ضربهما زيدٌ العمرانِ والذينَ ضربهم زيدٌ العمرونَ فإن أخبرتَ بالألف واللام قلتَ : الضاربهُ زيدٌ عمروٌ جعلتَ : الضاربَهُ مبتدأً والهاء ترجع إلى الألف واللام ورفعت زيداً بأنه خبرُ الضاربِ وحذف الهاء في هذه المسألة قبيحٌ وهو يجوزُ على قبحه فإن ثنيتَ وجمعتَ قلتَ : الضاربهما زيدٌ العمرانِ والضاربهم زيدٌ العمرونَ فإذا قلتَ : ( ضربتُ زيداً ) فقيلَ لك : أَخبر عن ( التاءِ ) فهو كالإخبار عن الظاهر وتأتي بالمكنى المنفصل فتقول : ( الذي ضَربَ زيداً أنا ) فإن قيل لك : أَخبرْ عن زيدٍ قلتَ : ( الذي ضربتهُ زيدٌ ) لأنَ الضميرَ وقعَ موقعهُ من الفعل فلم يحتج إلى المنفصل فإن ثنيتَ أو جمعتَ

الأول في ذا كالفاعل في الذي قبله وقال المازني مثلُ ذلك قال أبو بكر والذي عندي أنَّ المفعولَ الأول يجوز أن يقتصر عليه كما ( كانَ ) يجوز أن يقتصر على الفاعل بغير مفعولٍ وليس في الأفعال الحقيقية فِعْلٌ لا يجوز أن تقتصر فيه على الفاعل بغير مفعولٍ
وكل فعلٍ لا يتعدى إذا نُقل إلى ( أَفعلَ ) تعدى فلما كانَ يجوز أن أقول : ( عَلمَ زيدٌ ) فاقتصر على الفاعل جاز أنْ أقول : ( أَعلمَ اللّهُ زيداً ) ولكن لا يجوز أن يقتصر على المفعول الثاني في هذا الباب لأنه المفعولُ الأولُ في الباب الذي قبله وإنما استحالَ هذا من جهة المعنى لأنَّكَ إذا قلت : ( ظننتُ زيداً منطلقاً ) فالشكُّ إنما وقعَ في الإنطلاق لا في زيدٍ فلذلك لا يجوز أن تقول : ( ظننتُ زيداً ) وتقطع الكلام ويجوز أن تقول : : ظننتُ وتسكت فلا تعديه إلى مفعولٍ وهذا لا خلاف فيه وإذا جازَ أن تقول : ( ظننتُ وتسكت فيساوي ( قمت ) في أنه لا يتعدى جاز أن تقول : ( أظننت زيداً ) إذا جعلته يظن بهِ كما تقول أَقمتُ زيداً لأنه لا فرق بين ( ظَنَّ زيدٌ ) إذا لم تعده وبين قامَ زيدٌ كما تقولُ : أَقمتُ زيداً وكل فِعْلٍ لا يتعدى إذا نقلته إلى ( أفعلَ ) تعدّى إلى واحدٍ فإن كان يتعدى إلى واحدٍ تعدّى إلى اثنين وإنْ كانَ يتعدى إلى اثنينِ تعدى إلى ثلاثةٍ فإن نقلتَ ( فَعَلَ ) إلى ( فُعِلَ ) كان بالعكس لأنه إنْ كان لا يتعدى لم يجز نقلهُ إلى ( فُعِلَ ) وإنْ كان يتعدى إلى

مفعولٍ واحدٍ أُقيمَ المفعولُ فيه مقامَ الفاعلِ ولم يتعدَ بعدهُ إلى مفعولٍ وإن كان يتعدى إلى مفعولين أقيمَ أحدهما مقام الفاعل فتعدى إلى مفعولٍ واحدٍ وكذلك إن كان يتعدى إلى ثلاثة مفعولين تعدى إلى مفعولين ( فَفُعِلَ ) ينقصُ مِنْ المفعولاتِ و ( أَفَعلُ ) يزيدُ فيها إذا كان منقولاً من ( فَعَلَ ) فإذا أخبرتَ عن الفاعل ( بالذي ) من قولكَ : أعلمَ اللّهُ زيداً عمراً خيرَ الناسِ قلت : ( الذي أَعلمَ زيداً عمراً خيرَ الناسِ اللّهُ ) وتفسيرهُ كتفسير ما قبله فإن قيلَ لكَ ثنِّ هذه المسألة بعينها فهو محالٌ كُفرٌ لأنَّ الله عز و جل لا سمي له ولا يجوز تثنيته ولا جمعه ولكن لو قلت : ( أعلمَ بكرٌ عمراً زيداً خيرَ الناسِ ) لجاز تثنية بكرٍ وجمعهُ عى ما تقدمَ من البيان وإن قلته : بالألف واللام وأردت الإِخبار عن الفاعل فهو كالإِخبار عنه في الباب الذي قبله وذلك قولك : ( المعلمُ زيداً عمراً خيرُ الناسِ اللّهُ ) والمنبىء زيداً عمراً أَخاكَ اللّهُ وإن أخبرت عن المفعول الأول قلت : ( المعلمهُ الله عمراً خيرَ الناسِ زيدٌ ) وإثباتُ الهاءِ ها هنا هو الوجه وحذفها جائز وهو ها هنا أسهل عندَ المازني وعندي لكثرة صلة هذا حتى قد أفرط طولهُ وإن أخبرت عن المفعول الثاني قلت : ( المعلمهُ الله زيداً خيرَ الناسِ عمروٌ ) وإن شئتَ قلت : ( المعلم الله زيداً إيَّاهُ خيرَ الناسِ عمروٌ ) وهو الوجهُ والقياسُ لأنَّ تقديمَ الضمير كأنهُ يدخلُ الكلام لِبْساً فلا يعلم عن أي مفعولٍ أخبرتَ : أَعن الأول أم الثاني وكذلك إذا أخبرتَ عن الثالث قدمتَ الضمير إنْ

شئتَ قلت : ( المعلمهُ الله زيداً عمراً خيرُ الناسِ ) وإنْ أخرت قلت : المعلمُ اللّهُ زيداً عمراً إيَّاهُ خيرُ الناسِ وهو القياسُ لِما يدخل من اللبسِ ولأنَّ حقَّ الضمير أن يقعَ موقعض الإسم الذي انتزع ليخبر عنه في موضعه
السادس : الفعل الذي بني للمفعول ولم يذكر من فعل به :
اعلم : أن المفعول الذي تقيمه مقامَ الفاعل حكمهُ حكم الفاعل تقول : ضُرِبَ زيدٌ كما تقول : ( ضَربَ زيدٌ ) فإذا أردت أن تخبر عن ( زيدٍ ) من قولك : ضُربَ زيدٌ بالذي قلت : ( الذي ضُرِبَ زيدٌ ) ففي ( ضَرِبَ ) ضميرُ ( الذي ) والذي مبتدأٌ وضرِبَ مع ما فيه من الضمير صلة لهُ وزيدٌ الخبر على ما فسرنا في الفاعل فإن ثنيتَ قلت : ( اللذانِ ضُرِبا الزيدانِ ) وإن جمعت قلت : ( الذينَ ضُرِبوا الزيدونَ ) فإنْ قلتَ ذلك بالألف واللام قلت : ( المضروب زيدٌ ) لأن مفعولاً في هذا الباب كفاعل في غيره أَلا ترى أنَّكَ إذا جعلتهُ صفة قلتَ : ( رجلٌ ضُرِبَ زيدٌ ) ورجلٌ مضروبٌ زيدٌ فإن ثنيتَ قلت : ( المضروبانِ الزيدانِ ) و ( المضروبونَ الزيدون ) وتفسيرُ المفعول كتفسير الفاعل فإن قلتَ : ( أُعطِي زيدٌ درهماً ) فأخبرتَ عن ( زيدٍ ) قلتَ : ( أُعطي درهماً زيدٌ ) وإن أخبرتَ عن الدرهم قلتَ : ( الذي أُعطِي زيدٌ درهمٌ ) وإن شئتَ قلتَ : ( الذي أُعطيهُ زيدٌ درهمٌ ) ولكَ أن تقولَ : ( أُعطيَ زيدٌ إيَّاهُ درهمٌ ) وهو القياسُ لأن الضمير في موضعه والتقديم في هذه المسألة جائزٌ لأنهُ غيرُ ملبس ولكن لو كان أصل المسألة : أُعطي زيدٌ عمراً
ما جاز هذا عندي فيه لأنه ملبس لا يعرف المأخوذ من الآخذ وليس الدرهم

كذلك لأنه لا يجوز أن يكون آخذاً وعلى هذا المثال : ( بابُ ظننتُ وأخواتُها ) تقول : ظُنَّ زيدٌ قائماً فإن أخبرتَ عن ( زيدٍ ) بالذي قلتَ : الذي ظُنَّ قائماً زيدٌ
وإن أخبرت عن ( قائمٍ ) قلت : ( الذي ظُنَّ قائماً زيدٌ ) وإن أخبرتَ عن ( قائمٍ ) قلت : ( الذي ظُنَّ زيدٌ قائمٌ ) وإن شئتَ قلتَ : الذي ظَنَّهُ زيدٌ قائمٌ ولكَ أن تقول : ( الذي ظُنَّ زيدٌ إياهُ قائمٌ ) وهو القياسُ وإن قلتهُ بالألف واللام وأخبرت عن ( زيدٍ ) قلتَ : ( المظنونُ قائماً ) وإن أخبرتَ عن ( قائمٍ ) قلتَ : ( المظنونهُ زيدق قائمٌ ) وإن شئتَ قلتَ : ( المظنونُ زيدٌ إياهُ قائمٌ ) فإن ثنيتَ قلتَ : ( المظنونانِ قائمين الزيدانِ ) وإن جمعتَ قلتَ : ( المظنونون قائمينَ الزيدونَ ) فإذا أخبرتَ عن ( قائمٍ ) قلتَ : ( المظنونهما الزيدانِ قائمانِ ) وإن شئت قلت : ( المظنونُ الزيدانِ إيّاهما قائمانِ ) وعلى هذا القياسُ في الفِعْلِ الذي يتعدى إلى ثلاثة مفعولينَ
السابع : الفاعل الذي تعداه فعله إلى مفعول واسم الفاعل والمفعول فيه لشيء واحد :
وذلك كانَ ويكونُ وما تصرف منهُ وليسَ وما دامَ وما زال وأصبحَ وأمسى وما كانَ نحوهنَّ تقول : ( كانَ عبدُ الله أَخاكَ وأَصبحَ زيدٌ أَباك )

فإن أخبرت عن الفاعل في هذا الباب بالذي قلت : ( الذي كانَ أخاكَ عبد اللِه ) ففي كانَ ضميرُ الذي وهو اسمُها وأخاك خبرها وهي اسمُها وخبرها صلة ( الذي ) و ( الذي ) مبتدأٌ وعبد اللِه خبرهُ والذي أصبحَ أباكَ زيدٌ مثله
فإن أخبرتَ بالألف واللامِ قلت : ( الكائنُ أَخاكَ زيدٌ ) وتقديرهُ تقديرُ : ( الضاربِ أخاكَ زيدٌ ) ولا خلافَ في الإِخبار عن اسم ( كانَ ) فأما خبرها ففيه اختلاف فمن الناس من يجيزُ الإِخبار عنه فيقول : الكائنهُ زيدٌ أَخوكَ والمصبحهُ عمروٌ أخوكَ وإن شئتَ جعلتَ المفعولَ منفصلاً فقلت : ( الكائنُ زيدٌ إياهُ أَخوكَ ) والمصبحُ زيدٌ إياهُ أَبوكَ وقال قوم : إن الإِخبار عن المفعول في هذا الباب محالٌ لأن معناهُ : ( كانَ زيدٌ مِن أَمرهِ كذا وكذا ) فكما لا يجوز أن تخبر عن ( كانَ من أمرهِ كذا وكذا ) كذلك لا يجوز أن تخبر عن المفعول إذا كان في معناه كذا حكى المازني جميع هذا
قال أبو بكر : والإِخبار عندي في هذا الباب عن المفعول قبيحٌ لأنه ليس بمفعولٍ على الحقيقة وليس إضمارهُ متصلاً إنما هو مجازٌ وعلامات الإِضمارِ ها هنا غيرُ محكمةٍ لأنَّ الموضع الذي تقعُ فيه الهاءُ لا يجوز أن تقع ( إياَّه ) ذلك الموقع فأجازتهم إيّاهُ ( في ) كانَ وأخواته دليلٌ على أن علامات الإِضمار لا تستحكم ها هنا قال الشاعر :
( ليتَ هذَا اللَّيْلَ شَهْراً ... لا تَرىا فيه عَريبا )
( لَيْسَ إيَّايَ وإيَّاكَ ... ولا نَخْشَى رَقِيبَا )
فقال : ( ليسَ ) إيَّاي ولم يقل : ليسني فقد فارقَ باب ( ضربني ) وقد

روى ( عليهِ رجلاً ليسني ) وإنما هذا كالمثل لأنهم لا يأمرون ( بعليكَ ) إلا المخاط بَ فقد شذ هذا من جهتين من قولهم : ( عليهِ ) فأمروا غائباً ومن قولهم : ( ليسني ) فأجروهُ مجرى ( ضربني ) فإذا قلت : ( ليسَ زيدٌ أخاكَ ) وأخبرتَ عن الفاعلِ والمفعول فإنَّهُ لا يجوز إلا ( بالذي ) ولا يجوز بالألف واللام لأن ( ليسَ ) لا تتصرف ولا يبنى منها فاعلٌ أَلا ترى أَنَّكَ لا تقول : ( يفعلُ ) منها ولا شيئاً من أمثلةِ الفِعْلِ وهي فِعْلٌ وأصلها ( لَيِسَ ) مثل ( صَيِدَ ) البعيرُ
وألزمتِ الإِسكانَ إذ كانت غير متصرفةٍ فتقول : إذا أَخبرتَ عنِ الفاعل من قولكَ : ( ليسَ زيدٌ أَخاكَ ) الذي ليسَ أَخاكَ زيدٌ وإن أخبرتَ عن المفعول قلت : الذي ليسَ زيدٌ إياهُ أَخوكَ ) وإن شئتَ قلتَ : ( الذي ليسهُ زيدٌ أَخوكَ ) على قياسِ الذين أجازوهُ في ( كانَ ) والذين أجازوا الإِخبارَ عن المفعول في بابِ ( كانَ ) وأخواتِها يحتجون بقول أبي الأَسود الدؤلي :
( فإنْ لا تَكُنْهَا أَوْ تَكُنْه فإنَّهُ ... أَخوها غَذَتْهُ أُمُّهُ بلبانِها )
فجعله كقولك : اضربها ويضربها ولو قلت : ( كانَ زيدٌ حسناً

وجههُ فأخبرت عن الوجه لم يجز لأنَّك كَنتَ تضع موضعهُ ( هُوَ ) فتقول : الذي كانَ زيدٌ حسناً هُو وجههُ إذا كانَ يلزمك أن تضعَ موضع الإسم الذي تخبر عنه ضميراً يرجعُ إلى ( الذي ) كما بينتَ فيما تقدمَ فإذا كان ( هو ) يرجع إلى ( الذي ) لم يرجع إلى زيدٍ شيءٌ وإن رجعَ إلى زيدٍ لم يرجعْ إلى الذي ولكن لو أخبرتَ عن قولكَ : ( حسناً وجههُ بأَسرهِ ) جازَ في قول من أجاز الإِخبار عن المفعول في هذا الباب فتقول : الكائنهُ زيدٌ حَسُنٌ وجههُ ولو أخبرتَ ( بالذي ) لقلت : ( الذي كانَ زيدٌ حَسنٌ وجههُ ) وحذفت ضميرَ المفعولِ من ( كانَ ) كما حذفتهُ من ( ضَرَبَتُ ) حينَ قلتَ : الذي ضَربَ زيدٌ ولو أَثبتَ الهاءَ لجازَ وإنْ أخبرت بالذي على قول من جعل المفعول ( إيَّاهُ ) لم يجز حذفهُ لأنه منفصلٌ وكنتَ تقول : الذي كانَ زيدٌ إياهُ حَسَنٌ وجهه
الثامن : الظروف من الزمان والمكان :
اعلم : أنَّ الظرف إذا أخبرتَ عنه فقد خَلُصَ اسماً وصار كسائر المفعولات إلا أنَّكَ إذا أضمرتهُ أدخلتَ حرف الجرِّ على ضميره ولم تعد الفعلَ إلا ضميره إلا بحرف الجر إلا أنْ تريد السعة فتقدر نصبُه كنصبِ سائر المفعولاتِ وهذه الظروف منها ما يكن اسماً وظرفاً ومنها ما يكونُ ظرفاً

ولا يكون اسماً وقد تقدم ذكرها في هذا الكتاب إلا أنَّا نعيدُ منه شيئاً ها هنا ليقومَ هذا الحدُّ بنفسه فالذي يكون منه ظرفاً واسماً ضمَّ اليومُ والليلةُ والشهرُ والسنةُ والعامُ والساعةُ ونحو ذلك
وأما ما يكون ظرفاً ولا يكون اسماً فنحو ( ذاتَ مرةٍ وبُعيداتَ بَينٍ وبكراً وسَحَراً ) إذا أردتَ ( سَحراً ) بعينه ولم تصرف ولَم تُردْ سحراً من الأسحارِ وكذلك ضَحيّاً إذا أردت ضُحَى يومِكَ وعشيةً وعتمةً إذا أردتَ عشيةَ يومكَ وعتمة ليلتِكَ لم يستعملنَ على هذا المعنى إلا ظروفاً وأما الأماكن وما يكون منها اسماً فنحو المكان والخَلْفِ والقدام والأمامِ والناحية وتكون هذه أيضاً ظروفاً والظروفُ كثيرةٌ وأما ما يكون ظرفاً ولا يكون اسماً فنحو : عندَ وسوى وسواءٌ إذا أردتَ بهنَّ معنى ( غير ) لم تستعملُ إلا ظروفاً ورُبَّما كان الظرفُ ظرفاً والعمل في بعضه لاَ في كلِه نحو : آتيكَ يومَ الجمعةِ وإنما تأتيهِ في بعضه لا كلهِ وكذلك آتيكَ شهرَ رمضانَ وكل ما كان في جواب ( مَتى ) فعلى هذا يجيء وأما ما كان جواباً ( لكم ) فلا يكون العمل إلا فيه

كله نحو : سرتُ فرسخينِ وفرسخاً وميلاً لا يجوز العمل في بعضه دون بعضٍ
وإذا قلت : صمتُ يوماً لم يجزْ أن يكون الصومَ في بعضه من أجل أنه وضع للإِمساكِ عن الطعام والشراب وغيره في اليوم كُلِه
فما كان من الظروف قد يستعمل اسماً فالإِخبار عنه جائزٌ وما كان مِنها لا يجوز إلا ظرفاً لم يجز الإِخبارُ عنه تقول : ( ذهبتُ اليومَ ) فإذا قيلَ لكَ : أَخبرْ عنِ اليومِ ( بالذي ) قلتَ : الذي ذهبتُ فيهِ اليوم ولَمْ يجز حذفُ ( فيهِ ) كما كان يجوز حذف الهاءِ لأن الضمير قد انفصل بحرف الجرِ وكذلك إذا قلتَ : ( قمتُ اليومَ يا هذا ) فجعلتَ اليومَ مبتدأ قلت : ( اليومُ قمتُ فيهِ ) لأنه قد صار اسماً والمضمر لا يكون ظرفاً وكل ما دخل عليه حرفُ الجر فهو اسمٌ وإنما الظرفُ هو الذي قد حُذفَ حرف الجر منه وذلك المعنى يُراد به فإن ثنيتَ قلتَ : اللذان ذهبتُ فيهما اليومانِ
فإن قلت ذلك بالالف واللامِ قلتَ : ( الذاهبُ فيهِ أَنا اليومُ ) والذاهبُ فيهما أَنا اليومانِ فالألفُ واللامُ قد قامَ مقامَ ( الذي ) وأفردت ( ذاهباً ) ولم تثنيهِ لأن فاعله غير مضمرٍ فيه وهو مذكور بعده وإنْ جمعتَ قلتَ الذاهبُ فيهنَ أَنا الأيامُ وكذلك الإِخبار عن المكان إذا قلت : ( جلستُ مكانكَ ) فإذا أردتَ الإِخبارَ عن ( مكانُك ) قلت : ( الذي جلستُ فيه مكانكَ ) واللذانِ جلستُ فيهما مكاناكَ وبالألف واللامِ : ( الجالسُ فيهِ أنا مكانُكَ ) والجالسُ فيهما أنا مكاناكَ فإن جعلتَ الزمان والمكان في هذه المسائل مفعولين على السعة أسقطت حرف الجر فصار حكمه حكم المفعول الذي تقدم ذكره فقلت : في ( ذهبتُ اليوم ) إذا أردت أن تخبر عن اليوم بالذي قلت : ( الذي ذهبتُ اليوم ) كما تخبرُ عن زيدٍ في

قولك : ( ضربتُ زيداً ) تريد : الذي ذهبتهُ اليوم وإن شئتَ أظهرتَ الهاءَ وهو الأصل وإثباتها عندي في هذا أَولى منهُ في ضربتُ : لأنَّ هنا حرف الجر محذوف الهاء معه إخلالٌ بالكلام وتقولهُ بالألف واللام : الجالسهُ أَنا مكانكَ وتقول : ( سرتُ بزيدٍ فرسخينِ يومين ) فالفرسخان ظرفٌ من المكان واليومان ظرفٌ من الزمان فإن أخبرت عن اليومين ( بالذي ) قلت : اللذان سرتُ بزيدٍ فرسخين فيهما يومانِ وبالألف واللام السائرُ أَنا بزيدٍ فرسخين ( فيهما يومان ) وإن أخبرت عنهما على السعة قلت : السائرهما أنا بزيدٍ فرسخينِ يومانِ وبالذي : اللذانِ سرتُ بزيدٍ فرسخين يومانِ وإن شئتَ قلت : سرتهما وهو أحبها إليَّ كي لا يكثر ما يحذفُ فإن بنيت الفعل للمفعول فقلت : ( سيرَ بزيدٍ فرسخانِ يومينِ ) فأنتَ بالخيار إن شئتَ نصبتَ الفرسخينِ ورفعت اليومينِ وإن شئتَ رفعتَ الفرسخينِ ونصبتَ اليومينِ إلا أنَّ الذي ترفعهُ تجعلهُ مفعولاً على السعة لأنه قد صار اسماً وخرج عن حد الظرف وتجعلُ الثاني ظرفاً إن شئت وإن شئتَ جعلتهُ مفعولاً على السعة أيضاً فإذا أخبرتَ عن الفرسخين فيمن رفعهما بالذي قلت : ( اللذانِ سيرا بزيدٍ يومينِ الفرسخانِ وإن قلتهُ بالألف واللام قلت ( المسيرانِ بزيدٍ يومينٍ ) فرسخانٍ ) وإن أخبرت عن ( اليومينِ ) في هذه المسألة وقد رفعت الفرسخينِ قلت ( المسيرُ بزيدٍ فرسخانِ فيهما يومانِ ) هذا إذا كان ( اليومانِ ) ظرفاً فإن جعلتهما مفعولين على السعة قلت : ( المسيرُ هما بزيدٍ فرسخانِ يومانِ ) وإذا قدمتَ الفرسخينَ من قولك : ( سير بزيدٍ فرسخانِ

يومينِ قلت : ( الفرسخانِ سيرا بزيدٍ يومينِ ) فجعلت ضمير الفرسخينِ في ( سِيرَ ) فقلت : سيرا وخَلف الضمير الفرسخين فقامَ مقامهما فإن قدمت اليومين قلت : ( اليومانِ سير بزيدٍ فيهما فرسخانِ ) فأظهرتَ حرفَ الجرِّ لمَّا احتجتَ إلى إضمار ( اليومينِ ) فإن جعلتهما مفعولين على السعة قلت : اليومانِ سيرهما بزيدٍ فرسخانِ فإن قدمت الفرسخينِ واليومين قلت : ( الفرسخانِ اليومانِ سيراهما بزيدٍ ) فالفرسخان : مبتدأٌ واليومانِ مبتداٌ ثانٍ وسيراهما بزيدٍ خبر اليومين والألف ضمير الفرسخين وهي ترجع إليهما وهما ضمير اليومين هذا إذا جعلتهما في أصل المسألة مفعولين على السعة فإن لم تجعلهما كذلك قلت : سيرا فيهما وكل ما قدمته فقد مقامَ مقامهُ ضميره فإن أدخلت ( اللذينِ ) في ( سيرَ ) وجعلتَ ( اللذينِ ) هما الفرسخانِ قلت : ( الفرسخانِ اليومانِ اللذانِ سيرا بزيدٍ فيهما هما ) فالفرسخان : مبتدأٌ أولُ واليومان مبتدأٌ ثانٍ واللذان مبتدأٌ ثالثٌ وصلته سيرا بزيدٍ فيهما والخبرُ ( هُما ) والألف في ( سيرا ) ترجع إلى اللذين و ( فيهما ) ترجعُ إلى اليومين واليومانِ مبتدأٌ وخبرهما اللذان وصلتهما مع خبرهما الجملة واليومان وما بعدهما خَبرَ الفرسخينِ وإن شئتَ قلت : ( اللذانِ سيراهما ) فإن أخبرت بالألف واللام قلت : ( الفرسخانِ اليومانِ المسيران بزيدٍ فيهما هما ) واعتبرْ صحةَ هذه المسائل بأنْ تجعل كل اسمٍ ابتدأتهُ موضعَ ضميره فإن استقام ذلك وإلا فالكلام خطأٌ ألا ترى أن قولك : ( هما ) ضمير الفرسخين و ( هُما ) التي في قولكَ : المسيراهُما ضمير اليومين فإذا جعلت كلَّ واحدٍ منهما موضع ضميره صار الكلام : ( المسيرانِ بزيدٍ يومين فرسخانِ ) فعلى هذا يقعُ التقديم والتأخير في كل هذه المسائل فإن جعلتَ ( اللذين ) في هذه المسألة لليومين قلت :

الفرسخانِ اليومان اللذان سيرا فيهما بزيدٍ فالفرسخان مبتدأٌ واليومانِ مبتدأٌ ثانٍ و ( اللذانِ ) خبرُ ( اليومينِ ) وهُما اليومانِ والألفُ في ( سيرا ) ضمير الفرسخين وفيهما ضميرُ ( اللذينِ ) فلو جعلتَ ( الفرسخين ) موضعَ ضميرهما لقلت : اليومانِ اللذان سير الفرسخان فيهما بزيدٍ هما فإن أخبرت بالألف واللام في هذه المسألة وجعلتهما ( لليومين ) أيضاً قلت : ( الفرسخانِ اليومانِ المسيرهما بزيدٍ هما ) فهما الأولى : مفعولةٌ على السعةِ والثانيةُ فاعلةٌ وإنما ظهر الفاعل ها هنا لأن كُلَّ اسمْ كان فيه ضمير الفاعل جرى على غير نفسه فإن الفاعل يظهر فيه وإنما جاز في ( اللذينِ سيرا ) لأنَّهُ فِعْلٌ فتثنيه وإن كان جارياً على غير مَنْ هُو لهُ ومعنى قولي : جَارٍ على غير مَنْ هو له أن اللذينِ لليومين والألف في ( سيرا ) للفرسخين فلما قلتهُ بالألف واللام لم يصلح أن تقول : المسيراهما كما قلت : ( اللذانِ سيراهما ) لأن مسيراً اسمٌ ولو ثنيتهُ لكان فيه ضمير الألف واللام ولا يجوز غير ذلك كما بينت فيما تقدم يجوز أن تقول القائمان وضمير الفاعل للألف واللام وكذلك المضروبان فالألف واللام في هذا بخلاف ( الذي ) وحدُه لأنها تتحد مع الإسم الذي بعدها فيثني تثنية ( الذي ) وحدهُ إذا كان الفعلُ لهُ فإن لم يكن الفعل للألف واللام يدخل على اسم الفاعل واسم الفاعل لا يحتملُ الضمير إذا جرى على غير من هو لهُ فإذا جرى اسمُ الفاعلِ على غير من هو له أفرد وذكر الفاعل بعده إما مظهراً وإما مكنياً فلذلك قلت الفرسخانِ اليومانِ المسيرهما بزيدٍ هُما لأنك لو جعلتَ الفرسخين في موضعهما

لقلت : اليومانِ المسيرهما بزيدٍ الفرسخانِ ويبينُ لكَ اسمُ الفاعلِ والمفعول إذا جرى على غير من هو لهُ في هذه المسألة تقول : الفرسخان اليومانِ مسيرهما بزيدٍ ( هما ) فتجعل الأولى مفعولةً والثانيةَ تقومُ مقامَ الفاعلِ لأن قولك : مسيرهما هُما الفرسخانِ فإذا جعلت : ( مسيرهما ) خبراً عن اليومين فقد أجريتهما على غير من هُما لهُ فلم يحتمل الإسم إذ جرى على غير نفسه أن يكون فيه ضميرٌ مرفوعُ ولو قلت : ( الفرسخان اليومانِ سيراهما بزيدٍ ) جازَ والألف للفرسخينِ ألا ترى أنك تقول : ( زيدٌ ضاربُه أَنا ) ولو قلت : ( زيدٌ اضربْهُ ) لم تحتجْ إلى ( أنا ) لأن الفعل مما يضمر فيه وإن جرى على غير صاحبه
التاسع : الإِخبار عن المصدر :
اعلَم : أن المصدر إذا كان منصوباً وجاء للتوكيد في الكلام فقط ولم يكن معرفة ولا موصوفاً فالإِخبار فنه قبيحٌ لأنهُ بمنزلة ما ليس في الكلام ألا ترى أنكَ إذا قلت : ( ضربتُ ضرباً ) فليس في ( ضرباً ) فائدةٌ لم تكن في ( ضربتُ ) وإنما تجيء تأكيداً فإذا قلت : ضربتُ ضرباً شديداً أو الضرب الذي تعلمُ فقد أفادكَ ذلك أمراً لم يكن في ( ضربتُ ) فهذا الذي يحسنُ الإِخبار عنه فإن أردتَ الإِخبار عن ذلك قلت : ( الذي ضربتُ ضربٌ شديدٌ ) تريد : ( الذي ضربتهُ ضربٌ شديدٌ ) وإن قلت سِيرَ بزيدٍ سيرٌ شديدٌ قلت الذي سِيرَ بزيدٍ سيرٌ شديدٌ والذي يجوز أن تخبر عنه من المصادر ما جاز أن يقومَ مقامَ الفاعل كما كانَ ذلك في الظروف قال الله تبارك وتعالى ( فإذا نُفخَ في الصورِ نفخةٌ واحدة )
وذكر المازني : أن الإخبار عن النكرة يجوزُ من هذا الباب وإن الأحسن أن يكون معرفةً أو

موصوفاً وهو عندي غيرُ جائزٍ إلا أنْ تريد بالمصدر نوعاً من الفعل فتقول على ذلك : ( ضُرِبَ ضَرْبٌ ) أي : نوعٌ من الضرب وفيه بعدٌ وتقول : ( ضربتُكَ ضرباً شديداَ ) فإذا أخبرتَ عنهُ بالألف واللام قلت : ( الضاربكَ أنا ضَرْبٌ شديدٌ ) أي : ( الذي ضربتكه ضربٌ شديدٌ ) فإن ثنيتَ المصدر أو أفردتَ المرة فيه حَسُنَ الإِخبار لأنك تقول : ضُرِبَ ضربتانِ فتكونُ فيه فائدة لأن قولك : ( ضُرِبَ ) لا يفصح عن ضربتين وكذلك لو قلت : ( ضُرِبَ ضربةٌ واحدةٌ ) أو ضربةٌ ولم تذكر واحدةً فإذا قلت : ( ضُرِبَ بزيدٍ ضربٌ شديدٌ ) قلت : ( المضروبُ بزيدٍ ضَرْبٌ شديدٌ ) و ( المنفوخُ في الصور نفخٌ شديدٌ ) وإذا قلت : ( شربتُ شربَ الإبلِ ) قلت : ( الشاربهُ أَنا شربُ الإِبلِ ) وإذا قلت : ( تبسمتُ وميضَ البرقِ ) قلت : المتبسمة أنا وميضُ البرقِ وقد قال قومٌ : إنَّ وميضَ البرقِ ينتصبُ على ( فعلٍ ) غير ( تبسمتُ ) كأنهم قالوا : ( ومضتُ وميضَ البرقِ ) فهؤلاءِ لا يجيزون الإِخبار عن هذه الجهة ومن نصب المصادر إذا كانت نكرةً على الحال لم يجز الإِخبار عنها كما لا يجوز الإِخبار عن الحال وإذا كانت المصادر وغيرها أيضاً حالاً فيها الألف واللام لم يجز أن تخبر عنها نحو : أَرسلها العِراكَ والقومُ فيها الجماءَ الغفيرَ ورجعَ عودَهُ على بدئهِ وما أشبه هذا مما جاء حالاً وهو معرفة وكل ما شذَّ عن بابه فليس لنا أن نتصرفَ فيه ولا نتجاوز ما تكلموا به وكل اسمٍ لا يكون إلا نكرةً فلا يجوز الإِخبار عنهُ وقد ذكرنا هذا فيما تقدم فقصة : رُبَّ رَجلٍ وأخيهِ وكُلُّ شاةٍ وسخلتَها وما أشبه هذا مما جاء معطوفاً نكرةً فهو كالحالِ لا يجوز الإِخبارُ عنهُ ولو أجزتهُ لوجبَ أن تكرر ( رُبُّ ) فتقول : ( الذي رُبّهُ )

ولا حجةَ في قول العربِ : رُبّهُ رجلاً ورُبّها امرأةً لأنَّ هذا ليس بقياسٍ ولا هو اسمٍ تقدم
قال المازني : وأما قول العرب : ( ويحَهُ رجلاً ) فإنَّما جاءت الهاءُ بعد مذكورٍ وقد يجوز الإِخبار عنها كما يجوز الإِخبارُ عن المضمر المذكور فتقول : ( الذي ويحهُ رجلاً هو ) وفيه قبحٌ لأنَّ ( ويح ) بمعنى الدعاءِ مثل الأمر والنهي والذي لا يوصل بالأمر والتي لأنَّهما لا يوضحانه والدعاءُ بتلكَ المنزلة قال : إلا أنَّ هذا أسهل لأن لفظه كلفظ الخير قال أبو بكر أنا أقولُ : ( وهو عندي غير جائزٍ لأن هذه أخبار جعلتْ بموضع الدعاء فلا يجوز أن تحالَ عن ذلك وأما ما جاء من المصادر مضمراً فعله مثل : إنما أنتَ ضرباً وأنتَ سيراً وضرباً ضرباً ) فلا يجوز عندي الإِخبار عنه لأنها مصادر استغنى بها عن ذكرِ الفعلِ فقامت مقامه فلا يجوز الإِخبار غعنها كما لا يجوز الإِخبار عن الفعل والمصدر يدل على فعله المحذوف فإذا أضمرتهُ لم يدل ضميره على الفعل
والمازني : يجيزُ الإِخبار عن هذا فيقولُ إذا أخبرتَ عن ( سير ) من قولك : إنَّما أَنتَ سيراً قلتَ : ( الذي انتَ إيّاهُ سيرٌ شديدٌ ) كأنَّكَ قلتَ : الذي أنتَ تسيرهُ سيرٌ شديدٌ
العاشر : الإبتداء والخبر :
اعلمْ : أنَّ هذا الباب لا يجوزُ الإٍخبار فيه إلا بالذي لأنه لا يكونُ منه فاعلُ
وذلك قولكَ : ( زيدٌ أخوكَ ) إن أخبرتَ عن ( زيد ) قلت : ( الذي

هو أخوكَ زيدٌ ) انتزعت زيداً من الصلة وجعلتَ موضعهُ ( هو ) فرجع إلى ( الذي ) والذي هُو زيدٌ على ما بينت فيما تقدم وإن أخبرت عن الأخ
قلت : ( الذي زيد هو أخوكَ ) جعلتَ ( هو ) مكان الخبر كما كان في أصل المسألة ولا يجوز هذا التقديم والتأخير لأنهُ ملبسٌ
وتقولُ : ( أنتَ منطلقٌ ) للذي تخاطبُ وإن أردتَ أن تخبر عن المخاطب قلت : ( الذي هو منطلق أنت ) وإن أخبرتَ عن منطلق قلت الذي أنت هو منطلقٌ وإنْ أخبرتَ عن المضمر في ( منطلقٍ ) لم يجز لأنكَ تجعل مكانهُ ضميراً يرجعُ إلى ( الذي ) ولا يرجع إلى المخاطب فيصيرُ المخاطب مبتدأً ليس في خبره ما يرجع إليه وإذا قلت : ( زيدٌ ضربته ) فأخبرت عن ( زيدٍ ) أقمت مقامه ( هو ) فقلت : ( الذي هو ضربتهُ زيدٌ ) فهو يرجع إلى ( الذي ) والهاءُ في ( ضربتهُ ) لم يجز لأنكَ تصيرُ إلى أن تقول : ( الذي زيدٌ ضربتهُ هو ) فإن جعلت الهاء التي في ( ضربتهُ ) ترجع إلى ( زيدٍ ) لم يرجع إلى ( الذي ) شيءٌ وإن رددته إلى ( الذي ) لم يرجع إلى ( زيدٍ ) شيءٌ
قال المازني : هل يجوز أن أحملَ هذا على المعنى لأنَّ زيداً هو الذي في المعنى فإن ذلك أيضاً غير جائز لأنك لا تفيدُ حينئذ بالخبر معنى ولا يجوز الإِخبار عن ( ضربتهُ ) في هذه المسألة لأنه فعلٌ وجملةٌ والأفعال والجملُ لا يخبر عنها لأنك إذا أخبرتَ احتجت أن تضمر ما تخبرُ عنهُ والفعلُ لا يضمرُ وكذلكَ الجملةُ لأن ذلك محالٌ وإذا قلت زيدٌ ذهب عمروٌ إليهِ جاز أن تخبر عن زيدٍ فتقول : ( الذي هو ذهبَ عمروٌ إليه زيدٌ ) لأنك تجعل الهاء التي في ( إليه ) يرجع إلى ( هو ) وتجعلُ ( هو ) يرجع إلى ( الذي ) وإن أخبرت عن ( عمروٍ ) فجائزٌ
فتقول : ( الذي زيدٌ ذهبَ إليه عمروٌ ) وتجعل للفاعل في ( ذهب ) ضميراً

يرجع إلى ( الذي ) وتجعل عمراً خبراً للمبتدأ وإن جعلت في موضع ( عمروٍ ) في هذه المسألة ( هنداً ) كان أبينُ إذا قلت : ( زيدٌ ذهبتْ هندٌ إليهِ ) فأخبرتَ عن ( هندٍ ) قلتُ : التي زيد ذهبتْ إليهِ هندٌ فإن ثنيتَ هنداً قلت : ( اللتانِ زيدٌ ذهبتا إليه الهندانِ ) فصار الكلام أوضحُ لما ظهر ضمير الفاعل وهو الراجع إلى ( اللتين ) فإن أخبرتَ عن ( الهاءِ ) في هذه المسألة لم يجز من حيث لم يجز الإِخبار عن الهاء في ( زيدٍ ضربتهُ ) فإن قلت : ( زيدٌ ذاهبٌ إليه عمروٌ ) فأخبرتَ عن ( عمروٍ ) قلت : الذي زيدٌ ذاهبٌ إليه هو ( عمروٌ ) جعلتَ ( هو ) فاعلاً وجعلتَ ( هو ) منفصلاً لأن ( ذاهباً ) اسمٌ إذا صار خبراً لغير من هو لهُ أو صفةً أو حالاً صار فاعلهُ منفصلاً والفعلُ ليس كذلك وقد مضى تفسير هذا وتقول : ( زيدٌ يضربهُ أبوهُ ) فإن أخبرت عن ( زيدٍ ) قلت : ( الذي هو يضربه أبوهُ زيدٌ ) جعلتَ ( هو ) موضعَ ( زيدٍ ) وهو الراجعُ إلى ( الذي ) والهاء في يضربهُ ترجع إلى ( هو ) وكذلك الهاء في ( أبيهِ ) كما كان في أصل المسألة وإن أخبرتَ عن الأبِ قلتَ : ( الذي زيدٌ يضربه أبوهُ ) فتجعل في ( يضربهُ ) فاعلاً وهو صلة ( الذي ) وجعلت الأب خبراً وهو ( الذي ) وهذه المسألة تلبس بقولك : ( زيدٌ يضربُ أبَاهُ ) لو قيلَ لك أخبر عن ( الأبِ ) لقلت : الذي زيدٌ يضربهُ أبوهُ ولو جعلتَ موضع أبيهِ أمهُ لارتفعَ اللبْسُ لو قيلَ لك كيفَ تخبرُ عن الأمِ من قولك : ( زيدٌ تضربهُ أمهُ ) لقلت : ( التي زيدٌ تضربهُ أمُهُ ) ولو قلت ( زيدٌ يضرب أمه ) فأخبرت عن الأمِ لقلتَ : ( التي زيدٌ يضربُها أمُهُ ) وهذه المسألة متى ما لم يخالف فيها بين

المبتدأ والفاعل أو المفعول ألبسَ فلم يعلم الفاعلُ من المفعول فإن خالفتَ بأن تجعلَ أحدهما مفرداً والآخر مثنىً أو مجموعاً أو تجعلَ أحدهما مذكراً والآخر مؤنثاً زال اللبسُ ألا ترى أن أصل المسألة إذا قلت : ( زيدٌ يضربهُ عمروٌ ) وعمروٌ فاعلٌ لو قيلَ لك : قدم عمراً لقلت : عمروٌ زيدٌ يضربهُ ففي ( يضربُه ) ضمير ( عمروٍ ) مرفوعٌ ولو قيلَ لك : قدم عمراً من قولك : ( زيدٌ يضربُ عمراً ) لقلت : ( عمروٌ زيدٌ يضربهُ ) ففي ( يضربهُ ) ضمير ( زيدٍ ) واللفظُ واحدٌ جعلتَ عمراً فاعلاً أو مفعولاً إذا قدمتهُ وابتدأتهُ فإن خالفتَ بين الإسمين حتى يقعَ ضميراهما متخالفين بأن المرادُ وذلك أن تجعلَ موضع عمروٍ العمرانِ فإذا قلتَ : زيدٌ يضربهُ العمرانِ فقدمتَ العمرينَ مبتدأينِ قلت : ( العمرانِ زيدٌ يضربانهِ ) وإن قلت : ( زيدٌ يضربُ العمرين ) فقدمتَ العمرينِ مبتدأينِ قلت : العمرانِ زيدٌ يضربهما فإن جعلت موضعَ ( يضربُ ) ضارباً من قولك : زيدٌ يضربهُ أبوهُ قلتَ : زيدٌ ضاربهُ أبوهُ فإن أخبرتَ عن الأب قلت : الذي زيدٌ ضاربهُ هو أبوهُ فأظهرتَ ( هو ) منفصلةً لما تقدم ذكره فإن أخبرتَ عن الأب من قولك : ( زيدٌ ضاربٌ أباهُ ) قلتَ : ( الذي زيدٌ ضاربهُ أبوهُ ) ولم تحتجْ إلى ( هو ) لأن ( ضاربَ ) إلى جانب زيدٍ وهو لهُ فأما قولهم : ( السمَنُ منوانِ بدرهمٍ ) فهذا مستعملٌ بالحذف يريدونَ : السمن منوانِ منهُ بدرهمٍ فإن أخبرتَ عن السمن قلت : ( والذي هو منوانِ بدرهمٍ السمنُ ) تريد : ( الذي هو منوانِ منه بدرهمٍ السمنُ ) نقلتهُ عما كانَ والحذفُ بحاله والهاءُ التي في ( منهُ ) ترجِعُ إلى

( هو ) كما كانت ترجعُ إلى السمن في أصل المسألة
وإن أخبرت عن ( المنوينِ ) قلت : ( اللذانِ السمنُ هما بدرهم منوانِ ) وإن أتممت الكلامَ قلت : ( اللذانِ السمنُ هُما بدرهمٍ منهُ منوانٍ ) والإِتمامُ هو أحبُّ إليَّ
لأن المحذوفَ لا ينبغي أن يُصرفَ تصرفَ غير المحذوف وحقه أن يترك على لفظه ليدلَ على ما حذف منه وهذه المسألة نظير قولك : ( زيدٌ عمروٌ قائمٌ إليه ) فزيدٌ : مبتدأٌ كالسمنِ ومنوان : مبتدأٌ ثانٍ كعمروٍ وقولكَ : ( بدرهمٍ منهُ ) خبر ( منوينِ ) والهاءُ في ( منهُ ) ترجعُ إلى ( السمنِ ) كرجوع الهاء في ( إليهِ ) فإن قيلَ لك : أخبر عن خبر السمنِ بأسره وهو قولك : ( منوانِ منهُ بدرهمٍ ) لم يجز لأن الجمل لا تضمر وكذلكَ لو قيلَ لك : أخبر في قولك : زيدٌ عمروٌ قائمٌ إليهِ عن خبر ( زيدٍ ) بأسرهِ لَمْ يَجزْ
الحادي عشر : المضاف إليه :
اعلم : أن المضاف إليه على ضربين : فضربٌ منه يكون الإسمانِ فيه كحروف زيدٍ وعمروٍ يرادُ بهما التسميةُ فقط كرجل اسمهُ عبد الله أو عبد الملك فهذا الضرب لا يجوز أن تخبر فيه عن المضاف إليه لأنه كبعض حروف الإسم وضربٌ ثانٍ من الإِضافة وهي التي يراد بها الملك نحو : ( دارُ عبد الله ) وغلامُ زيدٍ فهذانِ منفصلان جمع بينهما المُلكَ ومتى

زالَ الملكُ زالتِ الإِضافة فهذا الضرب الذي يجوز أن تخبر عن المضاف إليه أما المضاف الأول فلا يجوزُ أن تخبر عنه البتةَ أعني ( غلاماً وداراً ) إذا قلت : غلامُ زيدٍ ودارُ عمروٍ لأنكَ لو أخبرتَ عنهُ لوجبَ أن تضمره وتضيفهُ والمضمر لا يضاف فإذا قلت : ( هذا غلامُ زيدٍ ) فأردت الإِخبار عن ( زيدٍ ) قلت : ( الذي هذا غلامهُ زيدٌ ) جعلت الهاء موضع زيدٍ وهي الراجعة إلى الذي وكذلك إذا قلت قمتُ في دار زيدٍ قلت الذي قمتُ في داره زيدٌ فإن قلت : هذا ابن عرس وسامُ أبرصَ وحَمارُ قَبانَ وأبو الحرثِ وأنتَ تعني الأسدَ فأخبرت عن المضاف إليه في هذا الباب لم يجز لأن الثاني ليس هو شيءٌ يقصدُ إليه وإنما حُمارَ قيانَ اسم للدابةِ ليس أن قبانَ شيءٌ يقصدُ إليهِ كما كان زيد شيئاً يقصد إليه
وقال أبو العباس عن أبي عثمان : أنه قد جاء الإِخبار في مثل : حُمارَ قبانَ وأبي الحرثِ وما أشبههُ ولكنه في الشعر شاذٌ
الثاني عشر : البدل :
اختلف النحويون في الإِخبار في هذا الباب فمنهم من لا يجيز الإِخبار عن المبدل منهُ إلا والبدلُ معه كما يفعلُ في النصب
قال أبو بكر : وإلى هذا أذهبُ وهو الذي يختارهُ المازني ومنهم من يجيز الإِخبار عن المبدل منهُ دون البدلِ فإذا قلت : ( مررتُ برجلٍ أخيكَ ) فأخبرت عن ( رجلٍ ) قلت : الذي مررت بهِ رجلٌ أخوكَ والمار به أنا رجلٌ أخوكَ تجعلُ الرجل خبراً ثم تبدلُ الأخ منه كما كان في أصل المسألة وقومٌ يقولون : المارُ به أنا أخيك رجلٌ فيجعلون ( الأخ ) بدلاً من الإسم المضمر كما كان بدلاً من مظهرٍ
قال المازني : فإنْ أخبرت عن أخيك من قولك : ( مررتُ برجلٍ أخيكَ ) قلت :

المار أنا برجلٍ بهِ أخوكَ قال : وهذا قبيحٌ لأنَّكَ جئتَ بالبدلِ الذي لا يصح الكلام إلا به فجعلته بعد ما قدرت كلامكَ تقديراً فاسداً قال : ومن أجاز هذا أجازَ : ( زيدٌ ضربتُ أخاكَ أباهُ ) قال : وهو جائز على قبحه قال أبو بكر : ومعنى قول المازني : قدرت كلامكَ تقديراً فاسداً يعني : أنَّ حقَّ الكلامِ أن يستغني بنفسه قبل دخول البدل لأن حقَّ البدلِ أي يكون بمنزلة ما ليسَ في الكلام وأن يكون متى أسقط استغنى الكلامُ فلو قلت : ( المارُّ أنَا برجلٍ أخوكَ ) لم يجز لأنهُ لم يرجع إلى الألف واللام شيءٌ فكان الكلام فاسداً وكذلك لو قلت : ( زيدٌ ضربتَ أخاكَ ) لم يجز لأنهُ لم يرجع إلى ( زيدٍ ) شيءٌ وقولكَ ( أباهُ ) بعدُ بمنزلة ما ليس في الكلام قال المازني : وكِلا القولينِ مذهبٌ وليسا بقويين
الثالث عشر : العطف :
اعلم : أن العطف يشبهُ الصفة والبدل من وجهٍ ويفارقهما من وجهٍ أما الوجهُ الذي أشبههما فإنه تابعٌ لِما قبلهُ في إعرابه وأما الوجه الذي يفارقهما فيه فإن الثاني غير الأول والنعتُ والبدلُ هما الأول
ألا ترى أنكَ إذا قلت : ( زيدٌ العاقلٌ ) فالعاقل هو زيدٌ وإذا قلت : ( مررتُ بزيدٍ أخيكَ ) فأخوكَ هو زيدٌ وإذا قلت ( قامَ زيدٌ وأخوكَ ) فأخوك غيرُ زيدٍ فلذلك يجوز أن تخبر عن الإسم المعطوفِ عليهِ الأولِ ويجوز أن تخبر عن الإسم المعطوف الثاني التابع لما قبلهُ ولك أن تخبر عنهما جميعاً تقول : زيدٌ وعمروٌ في الدارِ فإن أخبرتَ عنهما جميعاً قلت : ( اللذانِ هما في الدار زيدٌ وعمروٌ )

وإن أخبرتَ عن زيدٍ قلت : ( الذي هو وعمروٌ في الدار زيدٌ ) وإن أخبرت عن زيدٍ قلت : ( الذي هو وعمروٌ في الدار زيدٌ ) وإن أخبرتَ عن ( عمروٍ ) قلت : ( الذي زيدٌ وهو في الدار عمروٌ ) وإن شئت قلتَ : ( الذي هو زيدٌ في الدار عمروٌ ) لأن المعنى واحدٌ فإن قلت : ( قامَ زيدٌ وعمروٌ ) فأخبرتَ عنهما جميعاً قلت : ( اللذانِ قاما زيدٌ وعمروٌ ) وإن أخبرت عن ( زيدٍ ) قلت : الذي قامَ هو وعمروٌ ( زيدٌ ) فأكدت الضمير في ( قامَ ) بهو لتعطف عليه الظاهر ويجوز أن لا تذكر ( هو ) فتقول : ( الذي قامَ وعمروٌ زيدٌ ) وفيه قبحٌ وإن أخبرت عن ( عمروٍ ) قلت : ( الذي قامَ زيدٌ وهو عمروٌ زيدٌ ) فإن قلت في هذه المسائل بالألف واللام فقياسهُ قياسُ ما تقدم وإن أخبرت عن المفعول من قولك : ضربتُ زيداً وعمراً فإن أردتَ أن تخبر عن ( زيدٍ ) قلت : الذي ضربتهُ وعمراً زيدٌ وإن أخبرتَ عن عمروٍ ) قلت : ( الذي ضربتُ زيداً وإياهُ عمروٌ ) فإن لم تردْ ترتيب الكلام على ما كان عليه قلت : الذي ضربتهُ وزيداً عمروٌ وجاز ذلك لأنَّ قولك : ( ضربتُ زيداً وعمراً وضربتُ عمراً وزيداً ) في الفائدة سواءٌ فإن قلت : ضربتُ زيداً وقامَ عمروٌ لم يجز الإِخبار عن واحدٍ منهما لأنهما من جملتين والعاملان يختلفان فلو أخبرت عن ( زيدٍ ) لكنت قائلاً : ( الذي ضربتهُ وقامَ عمروٌ زيدٌ ) فليس لقولكَ قامَ عمروٌ اتصالٌ بالصلة فإن زدتَ في الكلام فقلتَ وقامَ عمروٌ إليه أو من أجله جاز فإن قلت : ضربتُ زيداً أو عمراً فأخبرت عن ( زيدٍ ) فإن الأخفش يقولُ ( الضاربهُ أنا أو عمراً زيدٌ ) قال لأنَّ

عمراً قد صار كأنه من سببه إن وقع عليهما فِعْلٌ واحدٌ كما تقول : مررتُ برجلٍ ذاهبٍ أبوهُ أو عمروٌ ولو قلت : أو ذاهبٌ عمروٌ لم يجز لأنهما لم يجتمعا في فِعْلِ واحدٍ فيصير عمروٌ إذا جعلت لهُ فعلاً على حدته كأنك قلت : مررتُ برجلٍ ذاهبٌ عمروٌ وكذلك لا يجوز الضاربه أنا والضاربُ زيداً عمروٌ قال أبو بكر لأنه قد انفصل من العامل الذي في صلة الضاربِ وإذا قلت : ضربتُ أو شتمتُ عمراً فأخبرت عن ( عمروٍ ) قلت : ( الذي ضربتُ أو شتمتُ عمروٌ ) تريد : ( الذي ضربتهُ أو شتمتهُ عمروٌ ) فالفعلانِ داخلانِ في الصلة فإن قلتهُ بالألف واللام احتجتَ أن تقول : الضاربه أنا والشاتمه أنا عمروٌ فأخرجتَ ما كان في صلة ( الذي ) عنها لأنه لا بد من ألف ولامٍ أخرى حتى يصير فاعلٌ بمعنى الفعل وهذا لا يجوز ومعنى الكلام أيضاً يتغير لأنك إذا قلت : الذي ضربتُ أو شتمتُ عمروٌ فالشك واقع في الفعلين وإذا قلت ( الضاربهُ أنا أو الشاتمهُ أنا عمروٌ ) فالشك في الإسمين فإن قلت : ضربتُ زيداً أو شتمتُ عمراً لم يجز أن تخبر عن زيدٍ إلا أن تضمر في الجملة الثانية ما يرجعُ إلى ( زيدٍ ) فتقول : ( الذي ضربتُ أو شتمتُ عمراً من أجله أو لهُ زيدٌ )
واعلم : أنه قد جاء في العطف أشياءٌ مخالفةٌ للقياس فمن ذلك قولك : ( مررت برجلٍ قائمٍ أبواه لا قاعدين ) فقولك : ( لا قاعدينِ ) معطوفٌ على ( قائمٍ ) وليس في قولك : ( قاعدينِ ) شيءٌ يرجعُ إلى رجلٍ كما كان في قولك : قائمٌ أبواهُ ضميرٌ يرجع إلى ( رجل ) فجاز هذا في المعطوف على

غير قياسٍ وهذا لفظُ المازني وقول كلُّ من يرضى قوله وكان ينبغي أن تقول : مررتُ برجلٍ قائمٍ أبواه ولا قاعدٍ أبواه وأن لا يجيء الأبوان مضمرين ولكنه حكى عن العرب وكثر في كلامهم حتى صار قياساً مستقيماً ومما جاء في العطف لا يجوز في الأول قول العرب : ( كُلُّ شاةٍ وسخلتَها بدرهمٍ ) ولو جعلتَ السخلةَ تلي ( كُلَّ ) لم يستقمْ ومثلهُ : ( ربَّ رجلٍ وأخيهِ ) فلو كان الأخ يلي : ( رُبَّ ) لم يجز ومن كلام العرب : ( هذا الضاربُ الرجلِ وزيدٍ ) ولو كان زيدٌ يلي الضاربَ لم يكن جراً وينشدونَ هذا البيتَ جراً :
( الواهب المائةِ الهجانِ وعبدِها ... عوذاً تُزجَّى خلفَها أطفالها )
وكان أبو العباس رحمهُ الله يفرقُ بين عبدها وزيدٍ : ويقول : إن الضمير في ( عبدِها ) هو المائة فكأنه قال : وعبدُ المائة ولا يستحسنُ ذلك في ( زيدٍ ) ولا يجيزه وأجاز ذلك سيبويه والمازني ولا أعلمهم قاسوه إلا على هذا البيت
وقال المازني : إنه من كلام العرب والذي قال أبو العباس أولى وأحسن فإذا قلت : ( مررتُ بزيدٍ القائمِ أبواه لا القاعدينِ ) أجريتَ ( القاعدينِ ) على القائم أبواه عطفاً فصارا جميعا من صفة زيدٍ ولم يكن في القاعدينِ ما يرجع إلى الموصول في اللفظ ولكنه جاز في المعرفة كما جاز في النكرة وتقول على هذا القياس : مررتُ بهندِ القائمِ أبواها لا القاعدين فتجري ( القاعدينِ ) عليها

قال المازني : وقد قال قوم من أهل العلم : نجيزُ هذا في الألف واللام ولا نجيزهُ في ( الذي ) لأن الألف واللام ليستا على القياس و ( الذي ) لا بد في صلته من ضميره وقال هؤلاء ألا ترى أنك تقول : ( نِعْمَ الذاهبُ زيدٌ ونِعْمَ القائمُ أبوهُ زيدٌ ونِعْمَ الضارب زيداً عمروٌ ) ولا تقول : ( نِعْمَ الذي ذهبَ زيدٌ ) ألا تَرى أن الألفَ واللامَ قد دخلتا مدخلاً لا يدخلهُ ( الذي ) وكذلك جاز مررتُ بهندٍ القائمِ أبواها لا القاعدينِ ولم يجز : ( مررتُ بهندٍ القائم أبواها لا اللذينِ قَعَدا ) وقال الآخرون : نجيزهُ ( بالذي ) معطوفاً ونجعل صلتهُ على المعنى كما قلنا : أنا الذي قمتُ وأنت الذي قمتَ
وأنا الذي ضربتُكَ فحملناهُ على المعنى فكان الحملُ على المعنى في العطف أقوى إذ كان يكون ذلك في هذا وليس معطوفاً لأنّا قد رأينا أشياءً تكون في العطف فلا تكون في غيره فإذا كانت صلةُ ( الذي ) جائزة أن تحمل على المعنى غير معطوفةٍ فهي معطوفةٌ أشد احتمالاً فأجازوا هذا الباب على ما ذكرتُ لك
قال المازني : وهو عندي جائزٌ على المعنى كما تقول : ( اللذانِ قامَ وقعدَ أخواك ) فتجعل الضمير الذي في ( قام وقعد ) يرجع إلى ( اللذينِ ) على معناهما لا على لفظِهما
ومما جاءَ في الشعر في صلة الذي محمولاً على معناه لا على لفظه :
( وأَنَا الَّذِي قَتَّلتُ بَكْراً بالقَنَا ... وتَرَكْتُ تِغْلِبَ غَيْرَ ذَاتِ سَنَامِ )
ولو حمله على لفظه لقال : ( قَتَل ) قال : وليس كل كلام يحتمل أن

يحمل على المعنى لو قلت : أخَواكَ قامَ وأنتَ تريدُ : قامَ أحدهُما لم يكن كلاماً لأنك ابتدأت الأخوين ولم تجيء في خبرهما بما يرجعُ إليهما فلذلك لم يجز هذا ولو قلت : أخواكَ قام وقعد فحملت ( قامَ وقعدَ ) على معنى الأخوين كان هذا أقوى لأن الكلام كلما طال جاز فيه ما لا يجوز فيه إذا لم يطل ولو قلت : ( اللذانِ قامَ أخواكَ ) تريد : ( اللذان قامَ أحدهما أخواك ) لم يجز وقد يضطر الشاعر فيجيء بالشي على المعنى فيكون ذلك جائز كما جاز له صرف ما لا ينصرف ووضع الكلام في غير موضعه ولا يجوز ذلك في غير الشعر فكلُّ ما شنَع في السمع أجازتُه ولم يستعمل لا تجزه
وقال الأخفش : لو أنَّ رجلاً أجاز : مررت بالذي ذهبت جاريتاهُ والذي أقَامتا على القياس يعني في هذا الباب وعلى أنه يجوز في العطف ما لا يجوز في الإِفراد كان قياساً على قبحه وعلى أنه ليس من كلام العرب ومن لم يجز هذا لم يجز : ( مررتُ بالحَسنة جاريتاهُ لا القبيحتينِ ) إذا أرادَ معنى ( الذي ) ويجوز هذا على أن لا يجريه مجرى ( الذي ) ولكن يدخل الألف واللام للمعرفة وإذا قلت : ( ضربتُ زيداً فعمراً ) فأردتَ الإِخبارَ عن ( زيدٍ ) قلت : ( الذي ضربتُه فعمراً زيدٌ ) فإن أخبرت عن ( عمروٍ ) قلت : ( الذي ضربتُ زيداً فإياهُ عمروٌ ) ولا يجوز أن تجعل ضميره متصلاً وتقدمهُ كما فعلت في الواو لأن معنى الفاء خلاف ذلك وثمَّ كالفاء وكذلك ( لا ) إذا كانت عاطفة فإذا قلت : ( ضربتُ زيداً ثمَّ شتمتُ عمراً ) لم يجز أن تخبر عن زيدٍ بالألف واللام لأنهُ يلزمكَ أن تقول : ( الضاربهُ أنا ثُمَّ الشاتمُ أنَا عمراً زيدٌ ) فلا يكون لقولك : ( الشاتمُ أنا عمراً ) اتصال بما في الصلة إلا أن تريد له أو من أجله كما بينا في مسائل تقدمت لو قلت : الذي ضربتهُ

وضربتُ عمراً زيدٌ أو ثمَّ ضربتُ عمراً أو فضربتُ عمراً لم يجز ذلك كله إلا على هذا الضمير أو تكون تريد : ( ضربتهُ وزيداً ) فتقول : ضربتهُ وضربتُ زيداً ترد الفعل الثاني توكيداً فيجوز على هذا وهو أيضاً قبيحٌ وكذلك لو قلت : الذي ضربتهُ وقمتُ أو ثم قمتُ أو قلتُ زيدٌ لم يجز إلا على ما ذكرتُ لك وهو قبيحٌ ألا ترى أنَّكَ لو قلت : ( مررتُ برجلٍ قائمٍ أبوه وأنا ) جاز ولو قلت : ( مَرَّ زيدٌ برجلٍ وذاهبٌ أنا ) لم يجز إلا على ما ذكرت لك من الضمير فتقول : وذاهبٌ أنا من أجلهِ ولو قلت : ( الذي ضربتُه فبكى زيدٌ أخَوكَ ) جاز لأَنَّ بكاء زيدٍ كان لضربِكَ إياهُ ولو قلت : ( الضاربهُ أنا والباكي زيدٌ أَخوكَ ) لم يجز لأنك إذا أدخلت الألف واللام لم تجعل الأول علةً للآخر وإنما يكون ذلك في الفعل ولو قلت : الذي ضربتهُ وقمتُ زيدٌ كان جيداً لأنَّ الفعلين جميعاً من صلة ( الذي )
وقال الأخفش : لو قلت : الضاربهُ أنا وقمتُ زيدٌ كان جائزاً على المعنى لأن معنى الضاربهُ أنا الذي ضربتهُ وفي ( كتاب الله عز و جل ) : ( إنَ المصدقينَ والمصدقات وأقَرضوا الله قرضا حَسَناً يضاعفُ لهم ) ولو قلت : الضاربة أنا والقائم أنا زيدٌ لم يجز لأن كل واحدٍ منهما اسمٌ على حياله والقائمُ أنا ليس فيه ذكرُ زيدٍ ولو قلت ( الضاربُ زيداً فمبكيه أنتَ ) كان جائزاً على أن يكون الضربُ علةً للبكاءِ لأنك لو قلت : الضاربُ زيداً

فبكى أنا كان جيداً ولو قلت : ( الضاربُ زيداً فالباكي هو أنا ) لم يحسن
وقال الأخفش : إلا على وجهٍ بعيدٍ كأنه ليس فيه ألفٌ ولامٌ كما قالت العرب : هم فيها الجماءَ الغفير يريدون : هُم فيها جماً غفيراً وأرسلها العراك يريد : أرَسلها عِراكاً وقال : قالت العربُ : ( همُ الخمسة العشَر ) يريدون : ( هُم الخمسةَ عَشَرَ )
الرابع عشر : الإِخبار عن المضمر :
إذا قلت : ( قمتُ ) فأخبرتَ عن ( التاءِ ) قلت : ( القائمُ أنَا ) فإن قلت ( قمتَ ) فأخبرتَ عن ( التاءِ ) قلت : ( القائمُ أنتَ ) فإنْ كان الضمير غائباً قلتُ : ( القائمُ هوَ ) وإن أخبرتَ ( بالذي ) قلت : ( الذي قامَ هُوَ والذي قامَ أنتَ والذي قامَ أنَا ) لأنك لو قلت : ( الذي قمتُ أنا والذي قمتَ أنتَ ) لم يكن في صلة ( الذي ) شيءٌ يرجع إليه وزعموا أنه سمع من العرب وهو في أشعارهم : أنا الذي قمتُ وأنت الذي قمتَ إذا بدأت بالمخاطب قبل ( الذي ) أو بدأ المتكلم ( بأنا ) قبل ( الذي ) فحملت ( الذي ) في هذا الباب على المعنى والجيد : أنا الذي قامَ والآخر جائزٌ فإذا قلتَ : ( ضربتني ) فأخبرت عن المفعول قلت : ( الذي ضربته أنا ) فإن قلت : ( ضربتك ) فأخبرت عن الفاعل قلت : الذي ضربكَ أنا ) ولا يجوز : ( الذي ضربتُكَ أنتَ ) ولا ( الذي ضربتني أنا ) إذا أخبرت عن ( التاء ) فإن قدمت ( نفسَكَ ) قبلَ ( الذي ) قلتَ : ( أنا الذي ضربتُكَ وأنا الذي ضربتني ) قال المازني ولولا أن هذا حكي عن العرب الموثوق بعربيتهم لرددناه لفساده وإذا قلتَ :

ضربتُكَ فخبرتَ عن المفعول بالذي قلت : ( الذي ضربتُ أنتَ ) إن شئتَ حذفتَ الهاء من ( ضربتُ ) وإن شئت أثبتها وكذلك إذا قلت : مررتُ بِكَ فأخبرتَ عن ( الكاف ) بالذي قلت : ( الذي مررتُ بهِ أنتَ ) فإن قلتَ : ضربتني أو مررت بي فأخبرتَ عن نفسك قلتَ : ( الذي مررتُ بهِ أنا والذي ضربتهُ أنا ) فالمجرور والمنصوب والمرفوع من المضمر على هذا فإذا قلت : هذا غلامُك فأخبرت عن ( الكاف ) قلت : الذي هذا غلامهُ أنتَ وإذا قلت : هذا غلامي فأخبرت عن الياء قلت : ( الذي هذا غلامهُ أنَا ) وإذا قلت : ( هذا غلامُه ) قلت : ( الذي هذا غلامُه هُوَ ) لأن ( أنَا ) للمتكلم وأنتَ للمخاطب وهو للغائب
وقال المازني في هذا الباب : إنه جائزٌ عند جميع النحويين
ثم قال : وهو عندي رديءٌ في القياس ولولا اجتماع النحويين على إجازته ما أجَزتُهُ قال أبو بكر : والذي جعلهُ عندهُ رديئاً في القياس أنكَ تخرج المضمر الذي هو أعرف المعارف إلى الظاهر لأن ( الذي ) وإن كان مبهماً فهو كالظاهر لأنه يصحُّ بصلته


باب ما تخبر فيه بالذي ولا يجوز أن تخبر فيه بالألف واللام وما يجوز بالألف واللام ولا يجوز بالذي وذلك المبتدأ والخبر
أما ما يخبر فيه ( بالذي ) ولا يجوز بالألف واللام فالمبتدأ والخبر وقد بيناه فيما تقدم وكذلك ما جرى مجراهما والمضاف إليه والإسم المعطوف وكل اسمٍ لا يتصلُ به فعلٌ فيرفعه أو ينصبه أو يتصل به بحرف جرٍ لا يجوز أن تخبر عنهُ إلا ( بالذي ) وكل فعلٍ لا يتصرف فلا يجوز عنه الإِخبار إلا ( بالذي ) وقد تقدم ذكر هذا
وأما ما يجوز بالألف واللام ولا يجوز ( بالذي ) مكانَهُ فقال الأخفش تقول : ( مررتُ بالقائم أخواهُ إلا القاعدين ) ولو قلت : ( مررتُ بالذي قعدت جاريتاهُ لا الذي قامَتا ) لم يجز لأن ( الذي ) لا بد من أن يكون في صلتهما ذكرها وكذلك لو قلت : ( مررتُ بالقاعد أبواها لا القائمين ) كان جيداً
ولو قلت : مررت بالتي قعدَ أبواها لا التي قاما لم يجز لأنه ليس في صلة ( التي ) ذكر لها ألا ترى أنكَ

تقول : ( المضرُوبُ الوجه عبد الله ) ولا تقول : ( الذي ضُرِبَ الوجهُ عبد الله ) وتقول : المضروبةُ الوجهِ ضربتين أمةُ الله
ولا تقول : ( التي ضُرِبتِ الوجهُ ضربتين أمةُ الله لأنهُ ليسَ في صلة ( التي ) لها ذِكْرٌ
ذكر المحذوفات التي قاس عليها النحويون وذلك قولك : ( ضربتُ وضربَني زيدٌ ) وضربني وضربتُ زيداً قال الأخفش : إذا قلتَ : ( ضربتُ وضربني زيدٌ ) فأدخلتَ عليه الألفَ واللام وجعلتَ ( زيداً ) خبراً قلت : ( الضاربهُ أنَا والضاربي زيدٌ ) لا يحسن غير ذلك لأنك حين طرحتَ المفعول في ( ضربتُ وضربني ) لم تزد على ذلك وأنت لو طرحتَ ( الهاءَ ) من قولكَ ( الضاربهُ أنَا والضاربي زيدٌ ) كنتَ قد طرحتَ المفعول به كما طرحتَهُ في ( ضربتُ ) وطرحت الشيءَ الذي تصحُّ به الصلة لأن كلَّ شيءٍ من صلة ( الذي ) لا يرجع فيه ذكر ( الذي ) فليس هو بكلام قال : إلا أنَّ بعض النحويين قد أجازَ هذا وهو عندي غير جائز لطول الإسم لأنه صيرَ ( الضارب أنا والضاربي ) كالشيء الواحد وإذا جعلتَ ( أنا ) هُو الخبر يعني إذا أخبرت عن ( التاء ) كان حذفُ ( الهاء ) أمثلُ من هذا وذلك أنك إذا قلت : ( الضاربُ والضاربهُ زيدٌ أنَا ) إنما أوقعت من ( الضاربِ ) المفعول به ولم توقع ذكر ( الذي ) فلم تزد على مثل ما صنعت في ( ضربتُ وضربني زيدٌ ) لأنك إنما ألغيتَ ثم المفعول وألغيتهُ ها هُنا أيضاً وإن كان في قولك : ( الضاربُ والضاربهُ زيدٌ أنا ) أقبحُ منهُ في ( ضربتُ وضربني زيدٌ ) لأنَّ هذا مما يخل بصلة الإسم أن يحذف منه المفعول به حتى يصير الإسم كأنهُ لم يتعد
قال المازني : إذا أردتَ الإِخبار عن زيد فإن ناساً من النحويين يقولون : ( الضاربُ أنا والضاربي زيدٌ ) قال : وما أرى ما قالوا إلا محالاً إن

كنت لم تنوِ أن يكون في ( الضارب ) مفعولٌ محذوفٌ فإن كنت أردت أن يكون محذوفاً فإثباته أجودُ قال : وإن قلت : إني إنما أحذفه كما أحذفه في الفعل فإن ذلك غير جائز لأنكَ حين حذفته في الفعل لم تضمر وأنت ها هنا تحذفه مضمراً فحذفهما مختلف فلذلك لم يكن مثله في الفعل قال : والقياس عندي أن أقول : ( الضاربُ أنا والضاربي زيدٌ ) فأجعل ( الضارب ) مبتدأ وأجعل ( أنا ) خبره فأجعل ( الضاربي ) مبتدأ وأجعل زيداً خبره وأجعله تفسيراً لما وقع عليه ( ضربتُ ) كما كان تفسيراً له مع الفعل وأجعل الضارب الأول غير متعدٍّ كما كان الفعل الذي بنيته منه غير متعدٍّ وأجعل ( أنا ) خبراً له لأن الفعل والفاعلَ نظيرهما من الأسماء المبتدأُ والخبر لأنك إذا قلت : ( ضرب زيدٌ ) فلا بد لضرب من ( زيدٍ ) كما أنك إذا قلت : ( زيدٌ منطلقٌ ) فلا بد له من ( منطلقٍ ) أو ما أشبههُ فجعلت الأول مبتدأً و ( أنا ) خبره وعطفت عليه مبتدأً وخبره لتكون جملةً عطفتَها على جملةٍ كما كان الفعل والفاعل جملة عطفت عليها فعلاً وفاعلاً جملةً قال : فهذا أشبه وأقيسُ مما قال النحويون
قال أبو بكر : وهذا الباب عندي لا يجوز الإِخبار فيه من أجل أن هاتين الجملتين كجملة واحدة لحاجة الأولى إلى ما يفسرها من الثانية وإذا أدخلت الألف واللام فصلت فإن أحوجت الضرورة إلى الإِخبار فهما بالألف واللام فأَقيسُ المذهبين مذهب المازني ليكون الإسم محذوفاً ظاهراً غير مضمرٍ كما كان في الفعل
وقال الأخفش : من جوز الحذف في ( ضربتُ وضربني زيدٌ ) إذا أَدخلَ عليه الألف واللام قال في

( ظننتُ وظنني زيدٌ عاقلاً ) إذا أعمل الآخر ( الظانُّ ) أنَا ( والظاني عاقلاً زيدٌ ) فإن قال : قد أضمرت اسمين من قبل أن تذكرهما قلت : أما الأول منهما فأضمرتهُ ليكونَ له في الصلة ذكرٌ والثاني أضمرتهُ لأنهُ لا بد إذا أعملتَ الفعلَ في واحد من أن تعمله في الآخر قال : فإن جعلتَ ( أنَا ) هو الخبر يعني : إذا أخبرت عن الياء فحذف الهاء أمثلُ شيئاً لأنك لم تزد على حذف المفعول به كما حذفته من قبل الألف واللام فتقول : ( الظانُّ والظانهُ زيدٌ عاقلاً أنا ) وإن ألحقت ( الهاء ) قلت : ( الظانهُ إياهُ والظانهُ عاقلاً زيدٌ أنا )
قال المازني : فإن قلت : ( ضربني وضربتُ زيداً ) فأخبرت عن ( زيدٍ ) قلت : ( الضاربي هُوَ والضاربهُ أنَا ) فجعلت الضاربي مبتدأ وهو خبره كما كان فاعلاً في ( ضربني ) ليكون الضاربُ يستغني ويكون ( هُو ) يحتاج إلى أن يفسر كما كان محتاجاً وهو في موضع ( ضربني ) وليكون جملةً معطوفة على جملةٍ وكذلك إن كان فعلاً تعدى إلى مفعولين نحو : أعطيتُ وأعطاني زيدٌ درهماً إذا أخبرت عن نفسك قلت : المعطي أنا والمعطى درهماً زيدٌ فجعلت ( أنا ) الأول خبراً ( للمعطى ) كما كان فاعلاً ( لأعطيتُ ) وجعلت الثاني مبتدا وآخر الكلام خبره فجعلته جملة معطوفة على جملة قال أبو بكر : فعلى هذا يجيء هذا الباب وإن كثرت مسائله فقسه على ما ذكرت لك وليس أحد يقوله علمت من أهل العلم لأنهم إنما جروا على أشياء اصطلحوا عليها لم يفكروا في أصولها وهذا أقيس وأشبه بكلام العرب

باب ما ألف النحويون من ( الذي ) و ( التي ) وإدخال الذي على ( الذي ) وما ركب من ذلك
وقياسه قد تقدم من قولنا : إن ( الذي ) لا يتم إلا بصلة وإنه وصلتهُ بمنزلة اسم مفرد فمتى وصلت ( الذي ) بالذي فانظر إلى الأخير منهما فوقه صلته فإذا تم بصلته وخبره فضع موضعه اسماً مضافاً إلى ضمير ما قبله لأنه إن لم يكن فيه ضمير يرجع إليه لم يصلح فإذا كان الأول مبتدأً فإنه يحتاج إلى صلة وخبر كما كان يحتاج وصلته غير ( الذي ) ويكون ( الذي ) الثاني يحتاج إلى صلة وخبر ويكون الثاني وصلته وخبره صلة للأول ولا بد من أن يرجع إلى كل واحد منهما ضمير في صلته حتى يصح معناه إلا أن ( الذي ) التالي للأول يحتاج إلى أن يكون فيه ضميران أحدهما يرجع إلى الثاني والآخر يرجع إلى ( الذي ) الأول وإن كان ( الذي ) بعد ( الذي ) الأول مرتين أو ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً أو ما بلغ فحاله كحال الذي ذكرت لك من المبتدأ والخبر وحاجة كل واحد منهما إلى ما يتمه وما يكون خبراً له تقول : ( الذي التي قامت في داره هندٌ عمروٌ ) فيكون ( الذي )

الأول مبتدأً ويكون ( التي ) الثانية مبتدأةً أيضاً ويكون ( قامت في داره ) فيه ضميران : أحدهما مرفوع وهو المضمر في ( قامتْ ) وهو راجع إلى ( التي ) والهاءُ راجعة إلى ( الذي ) الأول وتكون ( هندٌ ) خبر ( التي ) الثانية وتكون ( التي ) الثانية وصلتها وخبرها صلة للذي ( الأول ) ويكون ( عمروٌ ) خبر ( الذي ) الأول فإن ثنيت قلت : ( اللذانِ اللتانِ قامَتا في دارهِما الهندانِ العمرانِ ) فظهر الضمير الذي كان في ( قامت ) في الواحدة والتفسير ذلك التفسير وكذلك لو قلت : الذي التي في داره هندٌ عمروٌ ففي ( داره ) ضميران أحدهما مرفوعٌ والآخر مجرور فالمرفوع مضمر في الإستقرار المحذوف الذي قام الظرف مقامه ( فالتي ) مع صلتها تقوم مقام اسم مضاف إلى ضميرٍ ( الذي ) ألا ترى أنك لو وضعت موضع ذلك ( أُختهُ ) لجاز أن تقول : ( الذي أُختهُ هندٌ عمروٌ ) وتقول : ( الذي الذي ضرب عمروٌ زيدٌ ) تجعل الفاعل الذي في ( ضَربَ ) يرجع إلى ( الذي ) الأول وإن شئت إلى الثاني وتجعل المفعول المحذوف في ( ضرب ) يرجع إلى الآخر وتجعل عمراً خبراً للثاني وزيداً خبراً للأول وتقول : ( الذي التي أخُتهُ أُمها هندٌ زيدٌ ) فتجعلُ ( الذي ) مبتدأً والتي مبتدأً ثانياً وأختهُ أمها ( صلةٌ التي ) وفيها ما يرجع إلى ( الذي ) وإلى ( التي ) وهند خبر ( التي ) فصارت ( التي ) مع صلتها مبتدأً خبره ( هندٌ ) وهذا المبتدأُ والخبر صلةُ ( الذي ) وقد تم به لأن فيه ذكره و ( زيدٌ ) خبر ( الذي ) فكأنكَ قلت : ( الذي أُختهُ هندٌ زيدٌ ) فلو قلت الذي التي أُختهُ هندٌ أُختها زيدٌ لم يجز لأنك لم تجعل في صلة التي شيئاً يرجع إليهما ولو قلت الذي التي أُختها هندٌ أُخته زيدٌ جازَ لأنكَ جعلتَ ( أُختَها ) مبتدأةً و ( هنداً ) خبرها وهما في صلة ( التي ) وجعلت قولك : أُختهُ خبر التي وجعلت ( الهاء ) التي أضفت الأخت إليها راجعةً إلى ( الذي ) وجعلت التي وصلتها وخبرها صلةً ( للذي ) فصار خبرها مضافاً إلى ضمير الذي يرجع إلى ( الذي )

في صلته وصار زيدٌ خبراً عن ( الذي ) فكأنك قلت ( الذي هندٌ أُختهُ زيدٌ ) فصلح أن تضع هذا موضع ( التي ) لأنه ليس في ( التي ) وصلتها ما يرجع إلى ( الذي ) ولولا الهاء في ( أخته ) ما كان كلاماً فإن أدخلت كان على هذا قلت : ( كان الذي التي أُختها هندٌ أختهُ زيداً ) وإن أدخلت ( ظننتُ ) قلت : ( ظننتُ الذي التي أُختها هندٌ زيداً ) فنصبت ( الذي وزيداً ) وتركت سائر الكلام الذي هو صلة للذي مرفوعاً فإن أدخلت في هذه المسائل ( الذي ) ثالثة فالقياس واحد تقول : ( اللذان الذي التي أُخته أُختها أخُتهما هندٌ زيدٌ أخواكَ ) لا بد في صلة الأخير وخبره من ثلاثة مضمرات بعدد المبتدآت الموصولات
فإن لم يكن كذلك فالمسألة خطأٌ فتجعل اللذين ابتداءً والذي ابتداءً ثانياً والتي ابتداءً ثالثاً وتجعل أُخته أُختها صلة ( للتي ) والهاء في ( أُختهِ ) ترجع إلى ( الذي ) وها في ( أُختها صلة للتي ) والهاء في ( أُختِه ) ترجع إلى ( الذي ) وها في ( أُختها ) ترجع إلى ( التي ) وأُختهما خبر للتي وهي مضافةٌ إلى ضمير ( اللذين ) وهي وصلتها وخبرها صلة ( للذي ) وزيدٌ خبر الذي والذي وصلته وخبره صلة للذين وأخواك خبر ( اللذين ) وتعتبر هذا بأن تجعل موضع ( التي ) مع صلتها اسماً مؤنثاً مضافاً إلى ضمير ما قبله كما كان في قولك : ( أُختهُ ) فتقول : ( اللذانِ الذي أمُهُ أختهما زيدٌ أخواكَ ) فتجعل موضع ( الذي ) بتمامه صاحبهما فتقول : ( اللذان صاحبهُما زيدٌ أخواكَ ) فالكلام وإن طال فإلى هذا يرجع فنعتبره إذا طال بهذا الإمتحان فإنه يسهله وتعرف به الخطأ من الصواب
وتقول : ( اللذان الذي أخوهُ زيدٌ أخوهما أبوه أخواكَ ) تجعل اللذين ابتداءً والذي ابتداءً ثانياً و ( أخوهُ زيدٌ ) صلة الذي وأخوهما ابتداءً وأبوهُ خبرهُ وهما جميعاً خبر ( الذي ) والضمير الذي في ( أخيهما ) راجع

إلى ( اللذينِ ) والضمير الذي في قولك : ( أبوه ) راجع إلى الذي والكلام الذي بعد ( اللذين ) إلى قولك : ( أبوهُ ) صلة للذينِ وأخواكَ خبرٌ عنهما ولو أدخلت على هذا ( كانَ ) أو ظننتُ وما أشبههما من العوامل كان الكلام على حاله كله ما خلا ( اللذين وأخويكَ ) فإنهما يتغيرانِ وذلك قولك : ( ظننت اللذينِ الذي أخوهُ زيدٌ أخوهما أبوهُ أخَويك ) فلو أخبرت عن اللذينِ لقلت : ( الظانَّهما أنا أخويكَ اللذانِ الذي أخوهُ زيدٌ أخوهما أبوهُ )
قال المازني : فإن أخبرت عن زيد جازَ فقلت : ( الظانُّ أنَا اللذين الذي أخوهُ هو أَخوهما أَبوهُ أخويك زيدٌ ) جعلت ( الظانَّ ) ابتداءً وأوقعته على ( اللذين والأخوينِ ) وجعلت صلتهما على حالها وجعلت قولك : هو راجعاً إلى ( الظانِّ ) فلذلك صح الكلام قال : ولو أخبرت عن ( غير زيدٍ ) مما في الصلة لم يجز وإنما لم يجز ذلك لأن ما في الصلة من الأسماء التي هي غير ( زيدٍ ) كلها مضافات إلى مضمراتٍ فلو أخبرت عنهما احتجت أن تنتزعهما من الكلام وتجعل موضعهما ضميراً فلا يقومُ مقامَ الراجع الذي كان شيءٌ ولو أخبرت عن ( الذي ) لقلتُ : الظانُّ أنا اللذينِ هو أَخوهما أبوه أَخويكَ الذي أخوهُ زيدٌ
وقال أبو بكر وهذه مسألة في كتاب المازني ورأيتها في كثير من النسخ مضطربة معمولة على خطأ والصواب ما وجدته في كتاب أبي العباس محمد بن يزيد بخطه عن المازني وقد أثبته كما وجدته قال : لو قلت ( الذي التي اللذانِ التي أبوهما أخواكَ أُختها أُختهُ زيدٌ ) جاز أن تجعل ( الذي ) مبتدأً ( والتي ) مبتدأةً أيضاً ( واللذين ) مبتدأين والتي مبتدأةً

وتجعل ( أبوها ) مبتدأً وهو مضاف إلى ضمير ( التي ) الثانية وأبوهما خبر ( أبيها ) وهو مضاف إلى ضمير ( اللذينِ ) وأُختها خبر ( التي ) الثانية وهو مضاف إلى ضمير ( التي ) الأولى وهذا كله صلة للذينِ وأخواك خبر اللذينِ وهذا كله صلة للتي الأولى يعني اللذينِ وصلتهما وخبرهما ( وأُختهُ ) خبر عن ( التي ) وهي وصلتُها وخبرها صلة ( للذي ) وزيدٌ خبر عن ( الذي )
قال أبو بكر : ويعتبر هذاه بأن تقيم مقام كل موصول مع صلته اسماً حتى تردَّ الجميع إلى واحد فإذا قلت : ( الذي التي اللذانِ التي أبوها أبوهما أُختها أَخواكَ أُختهُ زيدٌ ) عمدت إلى ( التي ) الثانية وصلتها أبوها أبَوهما فأَقمتَ مقامهما ( أمهما ) فصار الكلام الذي التي اللذان أُمهما أختها أخواكَ أختهُ زيدٌ ثم تقيم مقام ( اللذين ) وصلتهما اسماً فتقول : الذي التي صاحباها أَخواكَ أختهُ زيدٌ ثم تقيم مقام ( التي ) مع صلتها ( هندٌ ) فيصير الكلام : ( الذي هندٌ أُختهُ زيدٌ ) فإلى هذا التقدير ونحوه ترجع جميع المسائل وإن طالت
وإذا قلت ( الذي التي اللذانِ التي أبوها أبوهما أُختها أَخواكَ أُخته زيدٌ ) فأردت الإِخبار عن ( الذي ) قلت : ( الذي هو زيدٌ الذي التي اللذانِ التي أبوهما أُختها أخواكَ أُخته ) لأن هذا كله صلة ( للذي ) الذي أخبرت عنه وإن أخبرت عن شيءٍ في الصلة وكان مضافًا إلى ضمير لم يجز وإن كان غير مضاف فالإِخبار عنه جائزٌ نحو الأخوين وزيدٍ فالإِخبار عن هذا كله جائز وتقول : ( الذي إنَّهُ زيدٌ الذي إنَّ أباهُ منطلقٌ ) تجعل ( الذي ) مبتدأ وتعمل ( إنَّ ) في ضميره وتجعل ( زيداً ) خبراً ( لأن ) وتجعل ( إن ) وما عملت فيه صلة ( للذي ) وتجعل ( الذي ) الثاني خبراً للذين الأول وتجعل ( إنَّ أباهُ منطلقٌ ) صلة للذي الثاني
قال المازني : وإنما جاز أن تجعل في صلة ( الذي ) إنَّ لأنهُ قد جاء في القرآن : ( ما إنَّ مفاتَحهُ ) كأنهُ قال والله أعلم الذي إنَّ ( مفاتحهُ ) لأن ( ما ) إذا كانت بمنزلة ( الذي ) كانت صلتها كصلة الذي


باب أخوات الذي وهي ( ما ومن وأي ) مضاف ومفرد يكُنَّ استفهاماً وجزاءً وخبراً بمنزلة ( الذي ) فإذا كن استفهاماً أو جزاءً لم يحتجن إلى صلات وكن أسماء على حدتهن تامات نحو : ( من أبوك ) وما مالك وأي أبوك والجزاء نحو : ( من يأتنا نأته ) وأي يذهب تذهب معه وأياً تأكل آكل وقد يكن بمنزلة ( الذي ) فإذا كن كذلك وصلن بما وصل به ( الذي ) بالإبتداء والخبر وبالظروف وبالفعل وما يعمل فيه نحو : ( اضرب من في الدار واضرب من أبوه منطلق ) وكل ما أكل زيد تريد : ( ما أكله زيد ) وتحذف الهاء من الصلة كما تحذفها من صلة ( الذي ) لطول الإسم وقد توصل ( أي ) بالإبتداء والخبر وقد يحذف المبتدأ من اللفظ ويؤتي بالخبر فإذا كانت كذلك وكانت مضافة بنيت على الضمة في كل أحوالها كقولك : اضرب أيهم أفضل واضرب أيهم قائم ومثل ذلك قراءة الناس : ( ثمَّ لننَزَعنَّ منْ كل شيعةٍ أيُّهم أشَدُّ ) لأنك لو وضعت ( الذي ) ها هنا كان قبيحاً إنما تقول : ( الذي هو قائم ) فإن قلت : ( الذي قائم ) كان قبيحاً فإن قلت : اضرب أيهم في الدار واضرب أيهم هو قائم واضرب أيهم يأتيك نصبت لأنك لو وضعت ( الذي ) ها هنا كان حسناً وزعموا أن من العرب من يقول : ( اضرب أيهم أفضل ) على

القياس وقد قرأ بعض أهل الكوفة : ( ثم لنَنزعنَّ من كُل شيعةٍ أيَّهم أشَّد ) وإنما حذف المبتدأ من صلة ( أي ) مضافة لكثرة استعمالهم إياها فإذا كانت مفردة لزمها الإِعراب فقلت : ( اضرب أياً أفضل ) ولا تثني ها هنا وإن كانت ( الذي ) تقبح ها هنا من قبل أنهم إنما بنوها مضافة وتركوها مفردة على القياس
قال أبو بكر : هذا مذهب أصحابنا وأنا أستبعد بناء ( أي ) مضافة وكانت مفردة أحق بالبناء ولا أحسب الذين رفعوا أرادوا إلا الحكاية كأنه إذا قال : ( اضرب أيهم أفضل ) فكأنه قال : اضرب رجلاً إذا قيل : ( أيهم أفضل ) قيل : هو
والمحذوفات في كلامهم كثيرة والإختصار في كلام الفصحاء كثير موجود إذا آنسوا بعلم المخاطب ما يعنون وهذا الذي اختاره مذهب الخليل
قال سيبويه : زعم الخليل : أن ( أيهم ) إنما وقع في قولهم اضرب أيهم على أنه حكاية كأنه قال : ( اضرب الذي يقال له أيُّهم أفضل )
وشبهه بقول الأخطل :
( ولَقَدْ أَبِيْتُ مِنَ الفَتَاةِ بِمَنْزِلٍ ... فَأَبِيْتُ لا حَرِجٌ ولا مَحْرُومُ )

وأما يونس فزعم : أنه بمنزلة قولك : ( أشهد أنه لعبد الله ) واضرب ( معلقة ) يعني ( بمعلقةٍ ) أنها لا تعمل شيئاً والبناء مذهب سيبويه والمازني وغيرهما من أصحابنا ومن العرب من يعمل ( منْ ) وما نكرتين فإذا فعلوا ذلك ألزموهما الصفة ولم يجيزوهما بغير صفة قالوا : اضرب من طالحاً أو امرر بمن صالح قال الشاعر :
( يا رُبَّ مَنْ يُبْغِضُ أَذْوَادَنَا ... رُحْنَ عَلَى بَغْضائِه واغْتَدَيْن )
وقال الآخر :
( رُبَّما تَكْرَهُ النُّفُوسُ مِنَ الأَمْرِ ... لَهُ فَرْجةٌ كَحَلِّ العِقَال )
فجعلها نكرة وأدخل عليها ( رُبَّ )

واعلم : أنه يجوز أن تقول : لأضربن أيهم في الدار وسأضرب أيهم في الدار ولا يجوز : ( ضربت أيهم في الدار ) وهذه المسألة سئل عنها الكسائي في حلقة يونس فأجازها مع المستقبل ولم يجزها مع الماضي فطولب بالفرق فقال : ( أيٌ ) كذا خلقت
قال أبو بكر : والجواب عندي في ذلك أن ( أياً ) بعض لما تضاف إليه مبهم مجهول فإذا كان الفعل ماضياً فقد علم البعض الذي وقع به الفعل وزال المعنى الذي وضعت له ( أيّ ) والمستقبل ليس كذلك

باب الإستفهام إذا أردت الإِخبار عنه
إذا قلت : ( أيهم كان أخاك ) فأردت الإِخبار عن الأخ قلت : أيهم الذي هو كأنه أخوك وإن شئت ( كان إيّاه ) كما ذكر في مفعول ( كان ) المضمر فيما مضى وذلك أن اسم ( أي ) كان مضمراً في ( كان ) ولم يستقم أن تجعل ( الذي ) قبل ( أي ) لأنه استفهام فجعلت ( هو الذي ) هو ضمير أي تقوم مقامه فصار ( أي ) لأنه استفهام فجعلت ( هو الذي ) هو ضمير أي تقوم مقامه فصار ( أي ) ابتداء في ( كان ) وأخوك خبر ( الذي ) والذي وخبره خبر أي وتقديره تقدير : زيد الذي أبوه ضربه عمرو تجعل ( الذي ) لعمرو والأب هو الفاعل فإن أخبرت عن ( أي ) في هذه المسألة قلت : ( أيهم الذي هو ضرب أخاك ) تجعل ( أيهم ) خبراً مقدماً وتجري الكلام مجراه كأنه في الأصل : ( الذي هو ضرب أخاك أيُّهم ) ثم قدمته لأنه بمنزلة : زيد ضرب أخاك فالإِخبار عن ( زيد ) الذي هو ضرب أخاك زيد فإذا قدمت زيداً وأدخلت عليه ألف الإستفهام قلت : ( أزيد الذي هو ضرب أخاك ) فهذا نظير ( أيهم ) فإن قلت : ( أيهم ضرب أخوك ) فجعلت ( أي ) مفعولة فأردت الإِخبار عن ( أي ) قلت : أيهم الذي إياهُ ضربت أخوك والتقدير : ( الذي إياه ضرب أخوك أيهم ) إلا أنك قدمت ( أي ) وهي خبر الإبتداء لأنها استفهام

( الذي بعضهم هو زيد ) ولكنك قدمت للإستفهام ( فبعض ) يجوز فيها التقديم والتأخير وأن يقع صلةً وغير صلةٍ وخبراً وأيهم إذا كانت استفهاماً لا يجوز أن يكون إلا صدراً كسائر حروف الإستفهام


باب من الألف واللام يكون فيه المجاز تقول في قولك : ( ضربنا الذي ضربني ) إذا كنت وصاحبك ضربتما رجلاً ضربك فأردت أن تجعل اسميكما الخبر قلت : ( الضاربان الذي ضربني نحن ) وتصحيح المسألة
( الضاربان الذي ضرب أحدهما نحن ) وإنما جاز أن تقول : ( الذي ضربني ) على المجاز وإنه في المعنى واحد ألا ترى أنك لا تقول : ( الضارب الذي ضربني أنا ) إلا على المجاز وتصحيح المسألة : ( الضارب الذي ضربه أنا ) لأن الضارب للغائب وإنما جاز الضارب الذي ضربني أنا على قصد الإِبهام كأنه قال : ( من ضرب الذي ضربك )
فأجبته بحسب سؤاله فقلت : ( الضارب الذي ضربني أنا ) كما تقول : ( الضارب غلامي أنا ) والأحسن : ( الضارب غلامه أنا ) لأن الذي هو غلامه قد تقدم ذكره والأحسن أن تضيفه إلى ضميره فإن أردت أن تجعل اسم المضروب هو الخبر من قولك
( ضربنا الذي ضربني ) قلت : ( الضاربة نحن الذي ضربني ) هذا المجاز وتصحيح المسألة الضاربه نحن الذي ضرب أحدنا


باب مسائل من الألف واللام تقول : هذا ثالث ثلاثة قلت : الذين هذا ثالثهم ثلاثة فإن قيل لك : في حادي أحد عشر وثالث ثلاثة عشر أخبر عن أحد عشر وثلاثة عشر
لم يجز أن تقول : الذين هذا حاديهم أحد عشر ولا الذين هذا ثالثهم ثلاثة عشر كما قلت : الذين هذا ثالثهم ثلاثة لأن أصل ( حادي ) أحد عشر وثالث ثلاثة عشر حادي عشر أحد عشر وثالث عشر ثلاثة عشر هذا الأصل ولكن استثقلوا أن يجيئوا باسم قد جمع من اسمين ويوقعوه على اسم قد جمع من اسمين فلما ذهب لفظ ( أحد عشر ) وقام مقامه ضمير رد حادي عشر إلى أصله ومع هذا فلو جاز أن تضمر أحد عشر واثني عشر من قولك حادي أحد عشر وثاني اثني عشر ولا ترد ما حذف لوجب أن تقول : حاديهم وثانيهم وثالثهم ورابعهم فيلبس بثالثهم وأنت تريد ثلث ثلاثة ولو أردت إدخال الألف واللام فقلت : الحادي عشر هم أنا أو

الثاني الثاني عشرهم أنا لم يجز في شيء من هذا إلى العشرين لأن هذا مضاف ولا يجري مجرى الفعل لأنه اشتق من شيئين وكان حق هذا أن لا يجوز في القياس ولولا أن العرب تكلمت به لمنعه القياس وإنما ثاني اثني عشر في المعنى أحد اثني عشر وليس يراد به الفعل وثالث ثلاثة إنما يراد به أحد ثلاثة
قال الأخفش : ألا ترى أن العرب لا تقول : هذا خامس خمسة عدداً ولا ثاني اثنين عدداً وقد يجوز فيما دون العشرة أن تنون وتدخل الألف واللام لأن ذلك بناء يكون في الأفعال وإن كانت العرب لا تتكلم به في هذا المعنى قال : ولكنه في القياس جائز أن تقول : الثاني اثنين أنا والثانيهما أنا اثنان ليس بكلام حسن وإذا قلت : هذا ثالث اثنين ورابع ثلاثة فهو بما يؤخذ من الفعل أشبه لأنك تريد : هذا الذي جعل اثنين ثلاثة والذي جعل ثلاثةً أربعةً ومع ذلك فهو ضعيفٌ لأنه ليس له فعل معلوم إنما هو مشتق من العدد وليس بمشتق من مصدر معروف كما يشتق ( ضارب ) من الضرب ومن ضرب فإذا قلت : هذا رابع ثلاثة تريد رابع ثلاثة
فأخبرت عن ثلاثة قلت : الذين هذا رابعهم ثلاثةٌ وبالألف واللام : الرابعهم هذا ثلاثة وإنما يجوز مثل ذا عندي في ضرورة لأن هذه الأشياء التي اتسعت فيها العرب مجراها مجرى الأمثال ولا ينبغي أن يتجاوز بها استعمالهم ولا تصرف تصرف ما شبهت به فثالث ورابع مشبه بفاعل وليس به وتقول : مررت بالضاربين أجمعون زيداً فتؤكد المضمرين في ( الضاربين ) لأن المعنى : ( الذين ضربوا أجمعون زيداً ) ولو قلت : مررت بالضاربينَ أجمعين زيداً لم يجز لأن الصلة ما تمت ولا يجوز أن تؤكد ( الذين ) قبل أن يتم بالصلة ألا ترى أنك لو قلت : ( مررت بالذين أجمعين في الدار ) لم يجز أنك

وصفت الإسم قبل أن يتم
وتقول : ( زيد الذي كان أبوه راغبين فيه ) فزيد : مبتدأٌ و ( الذي ) خبره ولا بد من أن يرجع إليه ضمير أما الهاء في ( أبويه ) وأما الهاء في ( فيه ) لا بد من أن يرجع أحد الضميرين إلى ( الذي ) والآخر إلى ( زيد ) فكأنك قلت : ( زيد الرجل الذي من قصته كذا وكذا ) فإن جعلت ( الذي ) صفة لزيد احتجت إلى خبر فقلت : زيد الذي كان أبواه راغبين فيه منطلق
فكأنك قلت : ( زيد الظريف منطلق ) فإن جعلت موضع زيد ( الذي ) فلا بد من صلة ولا يجوز أن تكون ( الذي ) الثانية صفة لأن ( الذي ) لا يوصف حتى يتم بصلته فإذا قلت : الذي الذي كان أبواه راغبين فيه فقد تم الذي الثاني بصلته والأول ما تم فإذا جئت بخبر تمت صلة الأولى ( بالذي الثانية ) وخبرها فصار جميعه يقوم مقام قولك : زيد فقط واحتجت إلى خبر فإن قلت : أخوك تم الكلام فقلت : الذي الذي كان أبواه راغبين فيه منطلق أخوك كأنك قلت : ( الذي أبوه منطلق أخوكَ ) فإن جعلت موضع ( منطلق ) مبتدأ وخبراً لأن كل مبتدأ يجوز أن تجعل خبره مبتدأ وخبراً قلت : ( الذي الذي كان أبواه راغبين فيه جاريته منطلقةٌ أخوك )
فكأنك قلت ( الذي أبوه جاريته منطلقة أخوك ) فإن جعلت موضع ( أخوك ) مبتدأ وخبراً قلت الذي الذي كان أبواه راغبين فيه جاريته منطلقةٌ عمرو أخوه فالذي الثانية صلتها ( كان أبواه راغبين فيه ) وهي مع صلتها موضع مبتدأ وجاريته مبتدأ ومنطلقة خبر جاريته وجاريته ومنطلقة جميعاً خبر الذي الثانية والذي الثانية وصلتها وخبرها صلة

للذي الأولى فقد تمت الأولى بصلتها وهي مبتدأ وعمرو مبتدا ثانٍ
وأخوه خبر عمرو وعمرو وأخوه جميعاً خبر الذي الأولى فإن جعلت ( من ) موضع الذي فكذلك لا فرق بينهما تقول : مَنْ مَنْ كان أبواه راغبين فيه جاريته منطلقة عمرو أخوه فإن أدخلت ( كان ) على ( من ) الثانية قلت : ( من كان من أبواه راغبين فيه جاريته منطلقة عمرو أخوه ) لا فرق بينهما في اللفظ إلا أن موضع جاريته منطلقة نصب ألا ترى أنك لو جعلت خبر ( من ) الثانية اسماً مفرداً كمنطلق لقلت : ( من من كان أبواه راغبين فيه منطلقاً عمرو أخوه ) فإن أدخلت على ( من ) الأولى ( ليس ) فاللفظ كما كان في هذه المسألة إلا أن موضع قولك : ( عمرو أخوه ) نصب لأن ( من ) بجميع صلتها اسم ليس وعمرو أخوه الخبر فكأنك قلت : ( ليس زيد عمرو أخوه )
وقال الأخفش : ( إذا قلت الضاربهما أنا رجلان ) جاز ولا يجوز : الثانيهما أنا اثنانِ لأنك إذا قلت : ( الضاربهما ) لم يعلم أرجلانِ أم امرأتان فقلت : رجلان أو أمرأتان وإذا قلت : الثانيهما أنا لم يكونا إلا اثنين فكان هذا الكلام فضلاً أن تقول : الثانيهما أنا اثنانِ قال : ولو قالت المرأة الثانيتهما أنا اثنان كان كاملاً لأنها قد تقول : الثانيتهما أنا اثنتان
إذا كانت هي وامرأة قال : فإن قلت : الضاربتهن أنا إماء اللّهِ والضاربهن أنا إماء الله وقد علم إذا قلت : الضاربهن أنهن من المؤنث قلت : أجل : ولكن لا يدري لعلهن جوار أو بهائم وأشباه ذلك مما يجوز في هذا ولو قالت المرأة : ( الثالثتهن أنا ثلاث ) كان رديئاً لأنه قد علم إذا قالت : الثالثتهن أنه لا يكون إلا ثلاث وكذلك إذا قالت : الرابعتهن أنا أربع يكون رديئاً لأنه قد علم
فإذا قلت : رأيت الذي قاما إليه فهو غير جائز لأن قولك :

الذي قاما إليه ابتداء لا خبر له وتصحيح المسألة رأيت اللذين الذي قاما إليه أخوك فترجع الألف في ( قاما ) إلى ( اللذين ) والهاء في ( إليه ) إلى ( الذي ) وأخوك خبر ( الذي ) فتمت صلة اللذين وصح الكلام ولو قلت : ( ظننت الذي التي تكرمه يضربها ) لم يجز وإن تمت الصلة لأن ( التي ) ابتداء ثانٍ وتكرمه صلة لها وتضربها خبر ( التي ) وجميع ذلك صلة ( الذي ) فقد تم الذي بصلته وهو مفعول أول ( لظننت ) وتحتاج ( ظننت ) إلى مفعولين فهذا لا يجوز إلا أن تزيد في المسألة مفعولاً ثانياً فتقول : ( ظننت الذي التي تكرمه يضربها أخاك ) وما أشبه ذلك وتقول : ( ضرب اللذان القائمان إلى زيد أخواهما الذي المكرمهُ عبد الله ) فاللذان ارتفعا ( بضرب ) والقائمان إلى ( زيد ) مبتدأ وأخواهما خبرهما وجميع ذلك صلة اللذين فقد تمت صلة ( اللذينِ ) والذي مفعول والمكرمة مبتدأ وعبد الله خبره وجميع ذلك صلة ( الذي ) وقد تم بصلته وإن جعلت ( الذي ) الفاعل نصبت ( اللذينِ ) وتقول : رأيت الراكبَ الشاتمهُ فرسَكَ والتقدير رأيت الرجل الذي ركب الرجلُ الذي شتَمهُ فرسَكَ وتقول : ( مررت بالدار الهادمها المصلحُ داره عبد الله ) فقولك : ( الهادمها ) في معنى ( التي هدمها الرجل الذي أصلح دارَهُ عبدُ الله ) وتقول : ( رأيت الحاملَ المطعمَةُ طعامَك غلامُكَ ) أردت : رأيت الرجل الذي حمل الذي أطعمه غلامك طعامك وحق هذه المسائل إذا طالت أن تعتبرها بأن تقيم مقام ( الذي ) مع صلته اسماً مفرداً وموضع ( الذي ) صفة مفردة لتتبين صحة المسألة وتقدير هذه المسألة : رأيت الحاملَ الرجلَ الظريفَ وتقول : ( جاءني القائم إليه الشارب ماءهُ الساكن داره الضارب أخاه زيد ) فالقائم إليه اسم واحد وهذا كله في صلته والشارب ارتفع

بقائم والساكن ارتفع ( بشارب ) والضارب ارتفع ( بساكن ) وزيد ( بضارب ) وتقول : ( الضارب الشاتم المكرم المعطيه درهماً القائم في داره أخوك سوطاً أكرم الآكلَ طعامَهُ غلامُهُ ) تريد : ( أكرم الآكلُ طعامَهُ غلامَهُ الضاربُ الشاتمَ المكرمَ المعطيهُ درهماً القائم في داره أخوك سوطاً ) كأنك قلت : أكرم زيد الضارب الرجل سوطاً
واعلم : أنه لك أن تبدل من كل موصول إذا تم بصلته ولا يجوز أن تبدل من اسم موصول قبل تمامه بالصلة فتفقد ذا فمن قولك ( الضارب ) إلى أن تفرغ من قولك سوطاً اسم واحد فيجوز أن تبدل من القائم بشراً ومن المعطي بكراً ومن المكرم عمراً ومن الشاتم خالداً ثم لك أن تبدل من الضارب وما في صلته فتقول : ( عبد الله ) فتصير المسألة حينئذ : الضاربُ الشاتمُ المكرمُ المعطيهُ درهماً القائم في داره أخوك سوطاً بشر بكراً عمراً خالداً عبد الله أكرم الآكل طعامه غلامه وإنما ساغ لك أن تبدل من القائم مع صلته لأنك لو جعلت موضعه ما أبدلته منه ولم تذكره لصلح ولا يجوز أن تذكر البدل من ( المعطيه ) قبل البدل من ( القائم ) لأنك إذا فعلت ذلك فرقت بين الصلة والموصول والبدل من القائم في صلة المعطي والبدل من المعطي في صلة المكرم فحق هذه المسألة وما أشبهها إذا أردت الإِبدال أن تبدأ بالموصول الأخير فتبدل منه ثم الذي يليه وهو قبله فإذا استوفيت ذلك أبدلت من الموصول الأول لأنه ليس لك أن تبدل منه قبل تمامه ولا لك أن تقدم البدل من الضارب الذي هو الموصول الأول على اسم من المبدلات الباقيات لأنها كلها في صلة الضارب ولو فعلت ذلك كنت قد

أبدلت منه قبل أن يتم
فإن أبدلت من الفاعل وهو ( الآكل ) فلك ذاك فتقول : الضارب الشاتم المكرم المعطيه درهماً القائم في داره أخوك سوطاً أكرم الآكل طعامَهُ غلامهُ جعفر
وتقول : الذي ضربني إياه ضربت فالذي مبتدأ وخبره إياه ضربت والهاء في ( إياه ) ترجع إلى الذي وإنما جاء الضمير منفصلاً لأنك قدمته وتقول بالذي مررت بأخيه مررت تريد : مررت بأخيه إذا قلت : ( الذي كان أخاه زيد ) إن أردت النسب لم يجز لأن النسب لازم في كل الأوقات وإن أردت من المؤاخاة والصداقة جاز تكون الهاء ضمير رجل مذكور وتقول : الذي ضربت داره دارك فالذي مبتدأ وضربت صلته وداره مبتدأ ثان ودارك خبرها وهما جميعاً خبر ( الذي ) وتقول : ( الذي ضربت زيد أخوك ) فالذي مبتدأ و ( ضربت ) صلته وزيد الخبر وأخوك بدل من زيد وتقول : الذي ضربت زيداً شتمت تريد : ( شتمت الذي ضربته زيداً ) فتجعل زيداً بدلاً من الهاء المحذوفة وتقول : ( الذي إياه ظننت زيد ) ( الذي ظننته زيداً ) وتجعل إياه لشيء مذكور ولا يجوز أن تقول : ( الذي إياه ظننت زيد )
وإن جعلت ( إياه ) للذي لأن الظن لا بد أن يتعدى إلى مفعولين ولا يجوز أن تعديه إلى واحد فإن قلت : المفعول الثاني الهاء محذوفة من ( ظننت ) فلا يجوز في هذا في الموضع أن تحذف الهاء لأنها ليست براجعة إلى الذي وإنما هي راجعة إلى مذكور قبل الذي وإنما تحذف الهاء من صلة ( الذي ) متى كانت ترجع إلى ( الذي ) وكذاك : ( الذي أخاه ظننت زيد ) وإن أضمرت هاء في ( ظننت ) ترجع إلى الذي جاز وإن جعلت الهاء في ( أخيه ) ترجع إلى ( الذي ) لم يجز أن تحذف الهاء من ( ظننت ) لأنها حينئذ لمذكور غير الذي وإنما جاز حذف الهاء إذا كانت ضمير ( الذي ) لأنها حينئذ لا يتم الذي إلا بها فتحذف منه لطول الإسم كما

حذفوا الياء من اشهيباب فقالوا : اشهباب لطول الإسم
فأما إذا كانت الهاء ضميراً لغير الذي فقد يجوز أن تخلو الصلة من ذلك ألبتة فأفهم الفرق بين الضميرين وما يجوز أن يحذف منهما وما لا يجوز حذفه وتقول : ( الذي ضارب أخوك ) تريد الذي هو ضارب أخوك فتحذف هو وإثباتها أحسن ( فهو ) مبتدأ وضارب خبره وهما جميعاً صلة ( الذي ) وهو يرجع إلى ( الذي )
وتقول : الذي هو وعبد الله ضاربان لي أخواك
نسقت بعبد الله على ( هو ) فتقول في هذه المسألة على قول من حذف : ( هو الذي وعبد الله ضاربان لي أخوك ) عطفت ( عبد الله ) على ( هو ) المحذوف وهو عندي قبيح والفراء يجيزه وإنما استقبحته لأن المحذوف ليس كالموجود وإن كنا ننويه ويجب أن يكون بينهما فرق والعطف كالتثنية فإذا جئت بواو وليس قبلها اسم مسموع يعطف عليه كنت بمنزلة من ثنى اسماً واحداً لا ثاني له ألا ترى أن العرب قد استقبحت ما هو دون ذلك وذلك قولك : ( قمت وزيد ) يستقبحونه حتى يقولوا : قم أنت وزيد فاذهب أنت وربُّك لأنه لو قال ( اذهب وربكَ ) كأن في السمع العطف على الفعل وإن كان المعنى غير ذلك وهو يجوز على قبحه وتقول : ( الذي هو وعبد الله ضَرباني أخوكَ ) فإن حذفت ( هو ) من هذه المسألة لم يجز لا تقول : ( الذي وعبد الله ضرباني أخوكَ ) فتضمر ( هو ) لأن هو إنما تحذف إذا كان خبر المبتدأ اسماً ألا ترى أنكَ إذا قلت : ( الذي هو ضربني زيد ) لم يجز أن تحذف ( هو ) وأنت تريده فتقول : ( الذي ضربني زيد ) لأنَّ الذي قد وصلت بفعل وفاعل والفاعلُ ضمير ( الذي ) ولا دليل في ( ضربني ) على أن هنا محذوفاً كما يكون في الأسماء ألا ترى أنك إذا قلت : ( الذي منطلقٌ زيد ) فقد دلك ارتفاع

( منطلقٍ ) على أن ثم محذوفاً قد ارتفع به ولا يجوز حذف ما لا دليل عليه فلما لم يجز هذا في الأصل لم يجز في قولك : ( الذي وعبد الله ضرباني أخوكَ ) وجاز في قولك : ( الذي وعبد الله ضاربانِ لي أخوكَ ) فهذا فرق ما بين المسألتين ولا يجوز أيضاً : ( الذي وعبد اللّهِ خلفكَ زيد ) تريد : ( الذي هو ) فإن أظهرت ( هو ) جاز والفراء يجيز : الذي نفسه محسن أخوكَ تريد : الذي هو نفسهُ محسن أخوكَ يؤكد المضمر وكذاك : ( الذين أجمعون محسنون أخوتك ) تريد : ( الذين هم أجمعونَ ) فيؤكد المضمر قال : ومحال : ( الذي نفسهُ يقومُ زيد ) وقام أيضاً وكذلك في الصفة يعني الظرف محال الذي نفسه عندنا عبد اللّهِ فإن أبرزته فجيد في هذا كله ومن قال : ( الذي ضربتُ عبد اللّهِ ) لم يقل : ( الذي كان ضربتُ عبد الله ) وفي ( كان ) ذكر الذي لأن الضمير الراجع إلى الذي في ( كان ) فليس لك أن تحذفه من ( ضربت ) لأن الهاء إذا جاءت بعد ضميرٍ يرجع إلى ( الذي ) لم تحذف وكانت بمنزلة ضمير الأجنبي فإن جلعت في ( كان ) مجهولاً جاز أن تضمر الهاء لأنه لا راجع إلى الذي غيرها وليس في هذه المسألة ( ككان ) تقول : ( الذي ليس أضربُ عبد اللّهِ ) وفي ( ليس ) مجهول فإن كان فيه ذكر ( الذي ) لم يجز فإن ذهبت ( بليس ) مذهب ما جاز أن ترجع الهاء المضمرة إلى ( الذي ) فإذا قلت : ( الذي ما ضربتُ عبد اللّهِ ) الهاء المضمرة ترجع على ( الذي ) فإن قلت : ( الذي ما هو أكرمتُ زيد ) في قول من جعل ( هو ) مجهولاً جاز لأن الإِضمار يرجع على ( الذي ) وتقول : ( الذي كنت أكرمتُ عبد الله ) تريد أكرمتهُ
وتقول : ( الذي أكرمتُ ورجلاً صالحاً عبد الله )

تريد : أكرمته وعطفت على الهاء والأحسن عندي أن تظهر الهاء إذا عطفت عليها وتقول : ( الذي محسناً ظننتُ أخوكَ ) تريد : ظننتهُ ومحسناً مفعول ثان فإذا قلت : ( الذي محسناً ظننتُ وعبد الله أخوك ) قلت : محسنينِ لأنك تريد : الذي ظننتهُ وعبد الله محسنينِ
وأجاز الفراء : ( ما خلا أخاهُ سارَ الناسُ عبد اللّهِ ) تريد : الذي سارَ الناسُ ما خلا أخاهُ عبد اللّه
ويقول : الذي قياماً ليقومن عبد الله تريد : ( الذي ليقومنَ قياماً عبد الله ) وكذلك : ( الذي عبد الله ليضربنَ محمدٌ ) ورد بعض أهل النحو ( الذي ليقومنَ زيدٌ ) فيما حكى الفراء وقال فاحتججنا عليه بقوله ( وإنَّ منكم لَمَنْ ليبطئنَ ) وإذا قلت : ( الذي ظنَّكَ زيداً منطلقاً عبد الله ) فهو خطأ لأنه لم يعد على الذي ذكره وإذا قلت : ( الذي ظنكَ زيداً إياهُ عبد الله ) فهو خطأ أيضاً لأنه لا خبر للظن وهو مبتدأ فإن قلت : ( الذي ظنكَ زيداً إياهُ صواب عبد الله ) جاز لأن الذكر قد عاد على ( الذي ) وقد جاء الظن بخبر ولا يجوز أن تقول : ( الذي مررتُ زيدٌ ) تريد : ( مررت به زيدٌ ) كما بينت فيما تقدم
ويجوز : ( الذي مررت مَمرٌ حسنٌ ) لأن كل فعل يتعدى إلى مصدره بغير حرف جر و ( الذي ) هنا هي المصدر في المعنى ولك أن تقول : ( الذي مررتهُ ممرٌ حسنٌ ) وقال الفراء : لا إضمار هنا لأنه مصدر كأنك قلت : ( ممرُكَ مَمرٌ حَسنٌ ) واحتج بقول الله عز و جل : ( فاصدع بما تؤمر ) وقال : لا إضمار هنا لأنه في مذهب المصدر وكذاك ( ما خلق الذكر والأنثى ) لم يعد على ( ما ) ذكر لأنه في مذهب المصدر قال أبو بكر : أما قوله في ( ما ) ففيها خلاف من النحويين من يقول : أنها وما بعدها قد يكون بمعنى المصدر

ومنهم من يقول : إنها إذا وقعت بمعنى المصدر فهي أيضاً التي تقومُ مقامَ ( الذي ) ولا أعلم أحداً من البصريين يجيز أن تكون ( الذي ) بغير صلة ولا يجيز أحدٌ منهم أن تكون صلتها ليس فيها ذكرها إما مظهراً وإما محذوفاً ولا أعرف لمن ادعى ذلك في ( الذي ) حجة قاطعة وقوله عز و جل : ( فاصدعْ بما تؤمرُ ) قد بينت ذلك : أن الأفعال كلها ما يتعدى منها وما لا يتعدى فإنه يتعدى إلى المصدر بغير حرف جرٍ وتقول : ( ما تضربُ أخويك عاقلين ) تجعل ( ما ) وتضرب في تأويل المصدر كأنك قلت : ( ضَرْبُكَ أَخويكَ إذا كانا عاقليِن وإذْ كانا عاقلينِ ) ولا يجوز أن تقدم ( عاقلين ) فتقول : ( ما تضرب عاقلينِ أَخويكَ ) ولا يجوز أيضاً : ما عاقلينِ تضربُ أَخويكَ وإنما استحال ذلك من قبل أن صلة ( ما ) لا يجوز أن تفصل بين بعضها وبعض ولا بين ( ما ) وبينها بشيءٍ ليس من الصلة
وتقول : ( الذي تضربُ أَخوينا ) ( قبيحينِ ) تريد : ( إذا كانا قبيحينِ ) فإن قلت : قبيحٌ رفعت فقلت : ( الذي تضربُ أخوينا قبيحٌ )
واعلم : أن هذه الأسماء المبهمة التي توضحها صلاتها لا يحسن أن توصف بعد تمامها بصلاتها لأنهم إذا أرادوا ذلك أدخلوا النعت في الصلة إلا ( الذي ) وحدها لأن ( الذي ) لها تصرف ليس هو لمنْ وما ألا ترى أنك تقول : ( رأيتُ الرجلَ الذي في الدار ) ولا تقول : رأيتُ الرجلَ مَنْ في الدار وأنت تريد الصفة وتقول : ( رأيتُ الشيءَ الذي في الدار ) ولا تقول : ( رأيتُ الشيءَ ما في الدار ) وأنت تريد : الصفة فالذي لما كان يوصف بها حَسُنَ أن توصف و ( مَنْ وما ) لما لمْ يجز أن يوصف بهما لم يجز أن يوصفا ويفرق بين الذي وبين ( مَنْ ) وما أن الذي تصلح لكل موصوف مما يعقل ولا يعقلُ وللواحد العلمِ وللجنس وهي تقوم في كل موضع مقام الصفة و ( مَنْ )

مخصوصة بما يعقل ولا تقع موقع الصفة و ( ما ) مخصوصة بغير ما يعقل و لا يوصف بها
وقال الفراء : مَنْ نعت ( مَنْ وما ) على القياس لم نردد عليه ونخبره أنه ليس من كلام العرب
قال : وإنما جاز في القياس لأنه إذا ادعى أنه معرفة لزمه أن ينعته قال : وأما ( ما ومن ) فتؤكدان يقال : نظرتُ إلى ما عندكَ نفسه ومررت بمَن عندكَ نفسِه قال أبو بكر : والتأكيد عندي جائزٌ كَما قال وأما وصفهما فلا يجوز لأن الصلة توضحهما وقد بينت الفرق بينهما وبين ( الذي ) وقد يؤكد ما لا يوصف نحو المكنيات وأما ( أنْ ) إذا وصلتها فلا يجوز وصفها لأنها حرف والقصد أن يوصف الشيء الموصول وإنما الصلة بمنزلة بعض حروف الإسم وإنما تذكر ( أن ) إذا أردت أن تعلم المخاطب أن المصدر وقع من فاعله فيما مضى أو فيما يأتي إذا كان المصدر لا دليل فيه على زمانٍ بعينه فإذا احتجت إلى أن تصف المصدر تركته على لفظه ولم تقله إلى ( أنْ ) وتقول : ( مَنْ أحمرُ أخوكَ ) تريد : منْ هو أحمرُ أخوكَ مَنْ حمراءُ جاريتُكَ تريد : مَنْ هي حمراءُ جاريتُكَ وليس لك أن تقول منْ أَحمُر جاريتُكَ فتذكر أحمر للفظ مَنْ لأن أحمر ليس بفعل تدخل التاء في تأنيثه ولا هو أيضاً باسم فاعل يجري مجرى الفعل في تذكيره وتأنيثه لا يجوز أن تقول : ( مَنْ أحمرَ جاريتُكَ ) ويجوز أن تقول : منْ محسنٌ جاريتُكَ لأنك تقول : محسنٌ ومحسنةٌ كما تقول : ضَربَ وضربتُ

فليس بين محسنٍ ومحسنةٍ في اللفظ والبناء إلا الهاء وأحمر وحمراء ليس كذلك للمذكر لفظ وبناء غير بناء المؤنث وهذا مجاز والأصل غيره وهو في الفعل عربي حَسنٌ تقول : منْ أحسَن جاريتُكَ ومن أحسنتَ جاريتكَ كلٌّ عربي فصيح ولست تحتاج أن تضمر ( هو ) ولا ( هي ) فإذا قلت : ( محسنٌ جاريتُكَ ) فكأنَّكَ قلت : ( مَنْ هو محسنٌ جاريتُكَ فأكدت تذكير ( مَنْ ) بهو ثم يأتي بعد ذلك بمؤنث فهو قبيح إذا أظهرت ( هو ) وهو مع الحذف أحسن وتقول : ( ضربتُ الذي ضربني زيداً ) إذا جعلته بدلاً من ( الذي ) فإن جعلته بدلاً من اسم الفاعل وهو المضمر في ( ضربني ) رفعته فقلت : ضربتُ الذي ضربني زيدٌ لأن في ( ضربني ) اسماً مرفوعاً تبدل زيداً منه وتقول : ( ضربتُ وجه الذي ضَربَ وجهي أخيكَ ) لأن الأخ بدل من ( الذي ) فإن أبدلتهُ من اسم الفاعل المضمر في ( ضربَ ) رفعته ولا يجوز أن تنصب ( الأخ ) على البدل من الوجه لأن الأخَ غير الوجه
وتقول : ضربتُ وجوهَ اللذينِ ضربا وجهي أخويكَ إذا جعلت أخويكَ بدلاً من ( اللذينِ ) فإن جعلتهما بدلاً من الألف التي في ( ضربا ) رفعت وإنما قلت : ضربتُ وجوهَ ( اللذينِ ) لأن كل شيئين من شيئين إذا جمعتهما جعلت لفظهما على الجماعة
قال الله جل ثناؤه : ( فاقطعوا أيديهما ) وقال : ( فقد صغت قلوبكما ) وتقول : ( ضربَ وجهي الذين ضربتُ وجوههم أُخوتُكَ ) ترفع الأخوة إذا جعلتهم بدلاً من ( الذينِ ) فإن جعلتهم بدلاً من الهاء والميم اللتين في جوههم جررت
وتقول : ( مررت باللذينِ مَرا بي أخويكَ ) إذا كانا بدلاً من ( اللذينِ ) فإن

كانا بدلاً من الألف في ( مَرا ) رفعت فقلت : ( أخواكَ ) لأن في ( مَرا ) اسمين مضمرين ولو قلت : ( ضربني اللذان ضربتُ الصالحانِ ) وأكرمتُ وأنت تريد أن تجعل : ( وأكرمت ) من الصلة لم يجز لأنك قد فرقت بين بعض الصلة وبعض بما ليس منها وتقول : المدخولُ به السجنَ زيدٌ لأن السجن قام مقام الفاعل وشغلت الباء بالهاء فالمدخولُ به السجنَ ابتداء وزيد خبر الإبتداء وتقول : المدخل السجن زيد : على خبر الإبتداء وأضمرت الإسم الذي يقوم مقامَ الفاعل في ( المدخل ) ويدلك على أن في ( المدخل ) إضماراً أنك لو ثنيته لظهر فقلت المدخلان وأقمت السجن مقام المفعول به والتأويل الذي أدخل السجن زيد وإن شئت قلت : ( المدخلهُ السجنَ زيدٌ ) كأنك قلت : ( الذي أَدخلهُ السجن زيد ) ولك أن تقول : ( الذي أُدخلَ السجن إياهُ زيد ) لأن ( أدخل ) في الأصل يتعدى إلى مفعولين فإذا بنيته للمفعول قام أحد المفعولين مقام الفاعل واقتضى مفعولاً آخر ولا بدّ من إظهار الهاء في ( المدخله ) وقد بينت هذا وضربه فيما تقدم
وتقول : ( أُدخلَ المدخلُ السجنَ الدارَ ) لأن في ( المدخل ) ضمير الألف واللام وهو الذي قام مقام الفاعل والسجن مفعول للفعل الذي في الصلة والمدخلُ وصلته مرفوع بأدخل : والدار منصوبة بأدخل لأنه مفعول له كأنك قلت : أدخلَ زيد الدارَ وتقول : ( أُدخلَ المدخولُ به السجنُ الدارَ ) قام المدخول به مقام الفاعل ورفعت السجن لأنك شغلت الفعل به وشغلت الهاء بالباء ومن قال : ( دخلَ بزيدٍ السجنُ ) قال : أُدخلَ المدخولُ به السجنُ الدار
وتقول : ( دُخلَ بالمدخلِ السجنَ الدار ) والتأويل : ( دخلَ بالذي أدخلَ السجنَ الدارُ ) فإن ثنيت قلت : ( باللذينِ أُدخلا السجنُ الدارَ ) وتقول :

( جاريةُ منْ تضربْ نضربْ ) تنصبهما بالفعل الثاني إذا جعلت ( مَنْ ) بمعنى ( الذي ) كأنك قلت : ( جارية الذي تضربه تضربُ ) فإن جعلت ( من ) للجزاء قلت : ( جاريةُ مَنْ تضربْ نضربْ ) تجزم الفعلين وتنصب الجارية بالفعل الأول لأن الثاني جواب فإن جعلت ( من ) استفهاماً قلت : ( جاريةُ من تضربْ ) جزمت ( أضرب ) لأنه جواب كما تقول : ( أتضربُ زيداً أضربْ ) أي : إنْ تفعل ذاك أفعل وتقول : جارية من تضربها نضربْ ترفع الجارية بالإبتداء وشغلت الفعل بالهاء و ( من ) وحدها اسم لأنه استفهام والكلام مستغن في الإستفهام والجزاء لا يحتاج ( من ) فيهما إلى صلة فإن جئت بالجواب بعد ذلك جزمت على الجزاء وإن أدخلت في الجواب الفاء نصبت وتقول : على منْ أنتَ نازلُ إذا كنت مستفهماً توصل نازلاً ( بعلى ) إلى ( من ) فإن جعلت ( من ) بمعنى الذي في هذه المسألة لم يكن كلاماً لأن الذي تحتاج إلى أن يوصل بكلام تام يكون فيه ما يرجع إليها فإن كانت مبتدأ احتاجت إلى خبر وإن لم تكن كذلك فلا بدّ من عامل يعمل فيها فلو قلت : على من أنت نازلٌ عليه لم يجز لأنك لم توصل بعلى إلى ( من ) شيئاً فإن قلت : ( نزلتُ على من أنتَ عليه نازلٌ ) جاز وتقول : أبا مَنْ تكنى وأبا من أنتَ مكنى ( فمنْ ) في هذا استفهام ولا يجوز أن تكون فيه بمعنى ( الذي ) أضمرت الإسم الذي يقوم مقام الفاعل في مكنى وتكنى ونصبت أبا منْ لأنه مفعول به متقدم وإنما نصبته ( بتكنى ) وهو لا يجوز أن يستقدم عليه لأنه استفهام فالإستفهام صدر أبداً مبتدأ كان أو مبنياً على فعل والفعل الذي بعده يعمل فيه إذا كان مفعولاً ولا يجوز تقديم الفعل على الإستفهام وكلما أضفته إلى الأسماء التي يستفهم بها فحكمها حكم الإستفهام لا تكون إلإ صدراً ولا يجوز أن يقدم على حرف الإستفهام

شيء مما يستفهم عنه من الكلام وتقول : أبو مَنْ أنتَ مكنى به رفعت الأول لأنك شغلت الفعل بقولك ( به ) كأنك قلت : أأبو زيد أنتَ مكنىً به ولو قلت : بأبي من تكنى به كان خطأ لأنك إنما توصل الفعل بياء واحدة ألا ترى أنك تقول : ( بعبد الله مررتُ ) ولا يجوز : ( بعبد الله مررتُ به ) ولو جعلت ( من ) في هذه المسألة بمعنى ( الذي ) لم يجز حتى تزيد فيها فتقول : ( أبو منْ أنت مكنى به زيد ) ألا ترى أنك تقول : من قام فيكون كلاماً تاماً في الإستفهام فإن جعلت ( من ) بمعنى ( الذي ) صار ( قام ) صلة واحتاجت إلى الخبر فلا بدّ أن تقول : ( من قام زيد ) وما أشبههه وتقول : ( إنَّ بالذي به جراحات أخيكَ زيد عيبين ) فقولك : عيبين اسم ( إنَّ ) وجعلت الهاء بدلاً من الذي ثم جعلت زيداً بدلاً من الأخ وتقول : إن الذي به جراحات كثيرة أخاك زيدا به عيبان تجعل الأخ بدلاً من ( الذي ) وزيداً بدلاً من الأخ وبه عيبين خبر إنّ
وتقول : ( إنّ الذي في الدار جالساً زيدٌ ) تريد : إنّ الذي هو في الدار جالساً زيد وإن شئت لم تضمر وأعملت الإستقرار في الحال ألا ترى أن ( الذي ) يتم بالظرف كما يتم بالجمل وإن شئت قلت : ( إنّ الذي في الدار جالس زيد ) تريد : ( الذي هو في الدار جالس ) فتجعل جالساً خبر هو وتقول : ( إنّ الذي فيكَ راغب زيد ) لا يكون في ( راغب ) إلا الرفع لأنه لا يجوز أن تقول : ( إن الذي فيك زيدٌ ) وتقول : ( إن اللذين بك كفيلان أخويك زيد وعمرو ) تريد : ( إنّ ) أخويك اللذين هما بك كفيلان زيد وعمرو فزيد وعمرو خبر ( إنّ ) ولا يجوز أن تنصب كفيلين لأن بك لا تتم بها صلة ( الذي ) في هذا المعنى وقال الأخفش : تقول : ( إنّ الذي به كفيل أخواك زيد ) لأنها صفة مقدمة قال : وإن شئت قلت : ( كفيلاً ) في قول من قال : أكلوني البراغيثُ
قال أبو بكر : معنى قوله : صفة مقدمة

يعني : أن كفيلا صفة وحقها التأخير فإذا قدمت أعملت عمل الفعل ولكن لا يحسن أن تعمل إلا وهي معتمدة على شيءٍ قبلها وقد بينا هذا في مواضع ومعنى قوله في قول من قال : ( أكلوني البراغيث ) أي تثنية على لغتهم وتجريه مجرى الفعل الذي يثنى قبل مذكور ويجمع ليدل على أن فاعله اثنان أو جماعة كالتاء التي تفصل فعل المذكر من فعل المؤنث نحو : قامَ وقامتْ وقد مضى تفسير هذا أيضاً
وتقول : ( إن اللذين في دارهما جالسين أخواك أبوانا ) تريد : أن اللذين أخواكَ في دارهما جالسين تنصب ( جالسين ) على الحال من الظرف
وإن رفعت ( جالسين ) فقلت : إن اللذين في دارهما جالسان أخواك أبوانا تريد أن اللذينْ أخواكض في دارهما جالسينِ رفعت وجعلتهما خبر الأخوينِ وتقول : منهنَ منْ كان أختُكَ وكانت أُختُكَ : فمن ذكر فللفظ ومن أنث فللتأويل وكذلك : منهن من كانتا أُختيكَ ومنهن من كان أخواتك وكنَّ أخواتكَ ومن يختصمان أخواك وإن شئت : من يختصمُ أخواكَ توحد اللفظ وكذاك : من يختصمُ إخوتُكَ ويختصمون وتقول : منْ ذاهب وعبد الله محمد نسقت بعبد الله على ما في ( ذاهب ) والأجود أن تقول : ( من هو وعبد الله ذاهبان محمد ) فإذا قلت : ( من ذاهب وعبد الله محمد ) فالتقدير من هو ذاهب هو وعبد الله محمد ( فهو الأول ) مبتدأ محذوف
وتقول : ( من يحسن أخوتك ) ولك أن تقول : ( من يحسنون إخوتُكَ ) مرة على اللفظ ومرة على المعنى
وتقول : ( من يحسنُ ويسيءُ إخوتُكَ ومن يحسنون ويسيئونَ أخوتك وقبيح أن تقول : ( من يحسنُ ويسيئونَ إخوتُكَ لخلطك المعنى باللفظ في حالٍ واحدة وتقول ( الذي ضربتُ عبد الله فيها ) تجعل عبد الله بدلاً من ( الذي ) بتمامها فإن أدخلت ( إن ) قلت : ( إن الذي ضربتُ عبد الله فيها ) نصبت عبد الله على البدل فإن قلت : ( الذي فيك

عبد الله راغب ) لم يجز لأن ( راغباً ) مع ( فيك ) تمام الذي فلا يجوز أن يفرق بينهما وتقول : ( الذي هو هو مثلُكَ ) الأول كناية عن الذي والثاني كناية عن اسم قد ذكر وكان تقديم ضمير الذي أولى من تقديم ضمير الأجنبي ومن قال : ( الذي منطلق أخوك ) وهو يريد : ( الذي هو منطلق أخوك ) جاز أن تقول : ( الذي هو مثلك ) يريد : ( الذي هو هو مثلُكَ ) فتحذف ( هو ) التي هي ضمير الذي وتتركُ ( هو ) التي هي ضمير مذكور وقد تقدم لأنها موضع ( منطلق ) من قولك الذي منطلق مثلك
وتقول : ( مررتُ بالذي هو مسرع ومسرعاً ) فمن رفع ( مسرعاً ) جعل هو مكنياً من ( الذي ) ومن نصب فعلَى إضمار ( هو ) أخرى كأنه قال : الذي هو هو مسرعاً لأن النصب لا يجوز إلا بعد تمام الكلام
وتقول : ( مررت بالذي أنت محسناً ) تريد : الذي هو أنت محسناً ولا يجوز رفع ( محسن ) في هذه المسألة وتقول : من عندك اضرب نفسهُ تنصب ( نفسه ) لأنه تأكيد ( لمنْ ) فموضع ( من ) نصب ( بأضربُ ) فإن جعلت نفسه تأكيداً للمضمر في ( عند ) رفعت وقدمته قبل ( أضربُ ) ولم يجز تأخيره لأن وصف ما في الصلة وتأكيده في الصلة فتقول : إذا أردت ذلك من عندك نفسه أضرب وتقول : ( من من أضربُ أنفسهم عبد الله ) تؤكد ( من ) فتجر وإن شئت نصبت أنفسهم تتبعه المضمر كأنك قلت من من أضربُهم أنفسَهم وأجاز الفراء : ( من من أضربُ أنفسهُ ) يجعل الهاء ( لمْن ) ويوحد للفظ ( من ) وقال : حكى الكسائي عن العرب : ليت هذا الجراد قد ذهب فأراحنا من أنفسهِ الهاء للفظ الجراد وقال : تقول : ( من من داره تبنى زيد ) تريد : ( مِنَ الذينَ دورهم تبنى زيد ) قال : ولا يجوز أن تقول : ( مِنْ مَنْ رأسهُ يخضبُ بالحناء زيد ) حتى تقول :

( مِنْ مَنْ أَرأسهُ مخضوباتٌ ) فرق بين رأس ودار لأن الدار قد تكون لجماعة والرأس لا يكون لجماعة قال : ويجوز : ( مِنْ مَنْ رأسهُ يخضبُ بالحناء زيد ) فيمن أجاز ضربت رأسكم وتقول : ( مِنَ المضروبين أحدُهم محسنٌ زيدٌ ) تريد : ( مِنَ المضروبين وأحدهم محسن زيد ) والأحسن أن تجيء بالواو إلا أن لك أن تحذفها إذا كان في الكلام ما يرجع إلى الأول فإن لم يكن لم يجز حذف الواو فإن قلت : ( من المظنونين أحدُهم محسن زيد ) جاز بغير إضمار واو لأن قولك : ( أحدُهم محسنٌ ) مفعول للظن كما تقول : ( ظننت القوم أحدهم محسن ) فأحدهم محسن مبتدأ وخبر في موضع مفعول ثانٍ للظن فإذا رددته إلى ما لم يُسمَ فاعله قلت : ( ظُنَّ القومُ أحدُهم محسنٌ ) وتقول : ( مررت بالتي بنى عبد الله ) تريد : ( الدار التي بناها عبد الله ) وتقول : ( الذي بالجارية كفل أبوهُ أبوها ) ولا يجوز : ( الذي بالجارية كفل أبوهُ ) ولو جازَ هذا لجاز : زيد أبوهُ وهذا لا يجوز إذا لم يكن مذكور غير زيد لأنه لا يجب منه أن يكون زيد أبا نفسِه وهذا محال إلا أن تريد التشبيه أي : زيدُ كأبيهِ وتقول : ( مررت بالذي كَفلَ بالغلامين أبيهما ) تجعل ( الأبَ ) بدلاً من الذي ( وهما في أبيهما ضمير الغلامين ) وكذاك : ( إنَّ الذي كفلَ بالغلامين أبوهما ) فأبوهما خبر إن ( وهما ) من أبيهما يرجع إلى الغلامين وتقول : ( مررت بالذي أكرمني وألطفني عبد الله ) نسقت ( ألطفني ) على ( أكرمني ) وهما جميعاً في صلة الذي وعبد الله بدل من الذي فإن عطفت ( ألطفني ) على مررت رفعت عبد الله فقلت : ( مررت بالذي أكرمني وألطفني عبد الله ) فأخرجت ( ألطفني عبد الله ) من الصلة كأنك قلت : ( مررت بزيد وألطفني عبد الله ) وتقول : ( الذي مررت وأكرمني عبد الله ) رجع إلى الذي ما في ( أكرمني ) فصح الكلام ولا تبال أن لا تعدى ( مررت ) إلى شيءٍ هو نظير قولك : الذي قعدتُ وقمتُ إليه زيدٌ
فإن قلت : ( الذي أكرمني ومررتُ عبد الله ) جاز

أيضاً لأن الكلام لا خلل فيه كما تقول : ( أكرمني زيد ومررتُ ) لا تريد أنك : مررت بشيءٍ وإنما تريد : مضيتَ
وقال قوم : ( الذي أكرمني ومررت عبد الله ) محال
لا بدّ من إظهار الباء وهو قولك : ( الذي أكرمني ومررت به عبد الله ) وهذا إنما لا يجوز إذا أراد أن يعدى ( مررت ) إلى ضمير الذي فإن لم ترد ذلك فهو جائز وهم مجيزون : ( الذي مررت وأكرمني عبد الله ) على معنى الإِضمار وإذا قلت : ( الذي أكرمتُ وظننتُ محسناً زيد ) جاز تريد : ( ظننتهُ ) لا بدّ من إضمار الهاء في ( ظننتُ ) لأن الظن لا يتعدى إلى مفعول واحد وأما أكرمتُ فيجوز أن تضمرها معها ويجوز أن لا تضمر كما فعلت في ( مررت )
وتقول : ( مررت بالذي ضربتُ ظننتُ عبد الله ) تلغي الظن فإن قدمت ( ظننت ) على ( ضربتُ ) قبح لأن الإِلغاء كلما تأخر كان أحسن وتقول : ( الذي ضربتُ ضربتُ عبد الله ) والتأويل : ( الذي ضربتهُ أمس ضربُ اليوم ) ( فالذي ) منصوب ( بضربتُ ) الثاني وعبد الله بدل من ( الذي )
وتقول : ( للذي ظننتهُ عبد الله درهمان ) تريد : للذي ظننته عبد الله درهمان فإذا قلت : للذي ظننت ثم عبد الله درهمان صار ( ثم ) المفعول الثاني للظن والمفعول الأول الهاء المحذوفة من ( ظننت ) وجررت عبد الله مبدلاً له من الذي وتقول : تكلم الذي يكلم أخاكَ مرتين إن نصبت أخاك ( يتكلم ) الفعل الذي في الصلة فتكون مرتين إن شئت في الصلة وإن شئت كان منصوباً بتكلم بالفعل الناصب ( للذي ) فإن جعلت أخاك بدلاً من ( الذي ) لم يجز أن يكون ( مرتين ) منصوباً بالفعل الذي في الصلة لأنك تفرق بين بعض الصلة وبعض بما ليس منها
وتقول : الذين كلمت عامةً أخوتك تريد : ( الذين كلمتهم عامة أخوتُكَ ) والذين كلمتُ جميعاً أخوتكَ مثله تنصب ( عامة ) وجميعاً نصب الحال فإن قلت : الذين ( عامةً ) كلمتُ إخوتُكَ قبحَ عندي لأنه في المعنى ينوب عن التأكيد والمؤكدُ لا يكون قبل المؤكَّدِ كما

أن الصفة لا تكون قبل الموصوف وتقول : ( الذي عَن الذي عنكَ معرضٌ زيدٌ ) تريد : الذي هو معرض عن الذي هو عنك معرض زيد كأنك قلت : ( الذي معرض عن الرجل زيدٌ ) وهذا شيءٌ يقيسه النحويون ويستبعده بعضهم لوقوع صلة الأول وصلة الثاني في موضع واحد وتقول : ( أعجبني ما تصنع حسناً ) تريد : ( ما تصنعهُ حَسناً ) وكذلك : ( أعجبني ما تضربُ أخاكَ ) تريد : ( ما تضربهُ أخاكَ ) فما وصلتُها في معنى مصدر وكذلك : ( أعجبني الذي تضربُ أخاكَ ) تريد : الذي تضربهُ أخاكَ و ( ما ) أكثر في هذا من ( الذي ) إذا جاءت بمعنى المصدر
واعلم أنك إذا قلت : ( الذي قائم زيد ) فرفعت ( قائماً ) وأضمرت ( هو ) لم يجز أن تنسق على هو ولا تؤكده لا تقول : ( الذي نفسه قائمٌ زيدٌ ) الذي وعمرو قائمان زيد وقوم يقولون إذا قلت : ( الذي قمتُ فضربتهُ زيد ) إذا كان القيام لغواً فالصلة ( الضربُ ) وإن كان غير لغوٍ فهو الصلة ولا يجيزون أن يكون لغواً إلا مع الفاء ولا يجيزونَهُ مع جميع حروف النسق فإن زدت في الفعل جحداً أو شيئاً فسد نحو قولك : ( الذي لَم يقمْ فضربته زيد ) والغاء القيام لا يعرفه البصريون وإنما من الأفعال التي تلغى الأفعال التي تدخل على المبتدأ وخبره نحو ( كانَ وظننتُ ) لأن الكلام بتم دونها و ( قامَ ) ليس من هذه الأفعال وهؤلاء الذين أجازوا إلغاء ( القيام ) إنما أن يكونوا سمعوا كلمة شذت فقاسوا عليها كما حكى سيبويه ما جاءت حاجتك أي : صارت على جهة الشذوذ فالشاذ محكيٌ ويخبر بما قصد فيه ولا يقاس عليه وأما أن يكونوا تأولوا أنه لغو وليس بلغوٍ لشبهة دخلت

عليهم وقال من يجيز اللغو إذا قلت : ( الذي قامَ قياماً فضربتهُ زيد ) خطأٌ إذا أردت اللغو وكذاك : الذي قمتُ قياماً فضربتهُ وهؤلاء يجيزون : ( الذي ضاربٌ أنتَ زيد ) يريدون : ( الذي ضاربهُ أنتَ زيدٌ ) فإذا حذفوا نونوا ومثل ذا يجوز عندي في شعر على أن ترفع أنت بضاربٍ وتقيمه مقامَ الفعل كما تقول : ( زيد ضاربهُ أنتَ ) تريدُ : ( ضارب أنت إيَّاهُ ) إذا أقمنا ( ضاربٌ ) مقام الفعل حذفنا معه كما تحذف مع الفعل ضرورة ولا يحسن عندي فلا غير ضرورة لأنه ليس بفعل وإنما هو مشبه بالفعل وما شبه بالشيء فلا يصرف تصريفه ولا يقوى قوته وإنما هذا شيءٌ قاسوهُ ولا أعرف له أصلاً في كلام العرب وهؤلاء لا يجيزون : ( الذي يقوم كان زيدٌ ) على أن تجعل ( يقومُ ) خبر كان تريد : ( الذي كانَ يقومُ زيدٌ ) والقياس يوجبه لأنه في موضع ( قائم ) وهو يقبح عندي من أجل أن ( كان ) إنما تدخل على مبتدأ وخبر فإذا كان خبر المبتدأ قبل دخولها لا يجوز أن يقدم على المبتدأ فكذا ينبغي أن تفعل إذا دخلت ( كانَ ) وأنت إذا قلت : ( زيدٌ يقوم ) فليس لك أن تقدم ( يقومُ ) على أنه خبر زيدٍ وإذا قلت : ( الذي كانَ أضربُ زيد ) كان خطأ لأن الهاء المضمرة تعود على ما في كان ولا تعود على الذي وإنما يحذف الضمير إذا عاد على الذي فإن قلت الذي كنتُ أضرب زيد جاز لأن الهاء ( للذي ) وتقول : ( الذي ضربتُ فأوجعتُ زيد ) تريد : ( الذي ضربته فأوجعتهُ ) إذا كان الفعلان متفقين في التعدي وفي الحرف الذي يتعديان به جاز أن تضمر في الثاني
وكذلك : ( الذي أحسنتُ إليه وأسأتُ زيدٌ ) أحسنت تعدت ( بإليهِ ) وأسأتُ مثلها وإذا اختلف الفعلان لم يجز لو قلت : ( الذي ذهبتُ إليه وكفلتُ زيد ) تريد : بهِ لم يجز لأن ( به ) خلاف ( إليه ) وحكوا : مررتُ بالذي مررتُ وكلفتُ بالذي كفلتُ فاجتزوا بالأول فإذا اختلف كان خطأ لو قالوا : ( كفلتُ بالذي ذهبتُ ) لم يجز حتى تقول : إليه
وقالوا : ( أمرُّ بِمَنْ تمرُّ وأرغب فيمن ترغبُ ) قالوا : وهو في ( مَنْ ) أجود لأَن تأويل الكلام عندهم

جزاءٌ ومن قولهم : ( إنْ هذا والرجلُ ) وكل ما دخلته الألف واللام وكل نكرةٍ وكل ما كان من جنس هذا وذاك يوصل كما توصل ( الذي ) فما كان منه معرفة ووقع في صلته نكرة نصبت النكرة على الحال وهي في الصلة وإذا كان نكرة تبع النكرة وهو في الصلة وإذا كان في الصلة معرفة جئت ( بهو ) لا غير فتقول في هذا والرجل قام : ( هذا ظريفاً ) فظريف حال من ( هذا ) وهو في صلة ( هذا ) وضربت هذا قائماً وقام الرجل ظريفاً وظريف في صلة الرجل وضربتُ الرجلَ يقومُ وقامَ وعندك يجري على ما جرى عليه ( الذي ) لا فرق بينهما عندهم إلا في نصب النكرة فتقول في النكرة : ضربتُ رجلاً قامَ ويقومُ وقائماً وضربتُ رجلاً ضربتُ وضربت في صلة ( رجلٍ ) وثم هاء تعود على ( رجل ) ويقولون إذا قلت : ( أنتَ الذي تقومُ وأنت رجلٌ تقومُ وأنتَ الرجلُ تقوم ) فإن هذا كله يلغى لأن الإعتماد على الفعل فإن جعلوا الفعل للرجل قالوا : ( أنت الرجلُ يقوم ) وقالوا إذا قلت : ( أنت من يقومُ ) لم يجز إلا بالياء لأن ( مَنْ ) لا تلغى وقالوا قلت ( أنت رجلٌ تأكلُ طعامَنا ) وقدمت الطعام حيث شئت فقلت : ( أنت طعامنا رجلٌ تأكلُ ) أجازوه في ( رجل ) وفي كل نكرة وهذا لا يجوز عندنا لأن الغاء ( رجلٍ ) والرجل والذي غير معروف عندهم وهؤلاء يقولون إذا قلت : ( أنت الرجل تأكلُ طعامَنا ) أو آكلاً طعامَنا لم يجز أن تقول : ( أنت طعامَنا الرجل آكلاً ) لأنه حال وصلة الحال والقطع عندهم لا يحال بينهما وقالوا : إذا قلت : ( أنت فينا الذي ترغبُ ) كان خطأن لأن ( الذي ) لا يقوم بنفسه ورجل قد يقوم بلا صلة قالوا : فإن جعلت ( الذي ) مصدراً جاز فقلت : ( أنت

فينا الذي ترغب ) ووحدت ( الذي ) في التثنية والجمع قال الله عز و جل : ( وخضتم كالذي خَاضُوا ) يريد : كخوضهم ويقولون على هذا القياس : ( أنت فينا الذي ترغبُ ) وأنتما فينا الذي ترغبان وأنتم فينا الذي ترغبونَ وكذاك المؤنث ( أنتِ فينا الذي ترغبينَ ) تريد : ( أنتِ فينا رغبتُكَ ) ولا تثنى ( الذي ) ولا تجمع ولا تؤنث وكذاك : ( الذي تضربُ زيداً قائماً وما تضربُ زيداً قائماً ) تريد : ( ضربكَ زيداً قائماً ) قالوا : ولا يجوز هذا في ( إنْ ) لأن ( إنْ ) أصله الجزاء عندهم وإذا قدمت رجلاً والرجل والذي وهو ملغى كان خطأً في قول الفراء قال : إنه لا يلغى متقدماً وقال الكسائي : تقديمه وتأخيره واحد
وإذا قلت : ( أين الرجلُ الذي قلتَ وأينَ الرجلُ الذي زعمتَ ) فإن العرب تكتفي ( بقلتُ وزعمتُ ) من جملة الكلام الذي بعده لأنه حكاية تريد : الذي قلتَ إنه من أمره كذا وكذا وقد كنت عرفتك أن العرب لا تجمع بين الذي والذي ولا ما كان في معنى ذلك شيءٌ قاسهُ النحويون ليتدرب به المتعلمون وكذا يقول البغداديون الذين على مذهب الكوفيين يقولون : إنه ليس من كلام العرب ويذكرون أنه إن اختلف جاز وينشدون :
( مِنَ النَّفَرِ اللاَّئِي الَّذِينَ إذَا هُمُ ... يَهَابُ اللِّئَامُ حَلْقَةَ البَابِ قَعْقَعُوا )

قالوا : فهذا جاء على إلغاء أحدهما وهذا البيت قد رواه الرواة فلم يجمعوا بين ( اللائي والذينَ ) ويقولون : ( على هذا مررتُ بالذي ذو قال ذاك ) على الإِلغاء فقال أبو بكر : وهذا عندي أقبحُ لأن الذي يجعل ( ذو ) في معنى ( الذي ) من العرب طيءٌ فكيف يجمع بين اللغتين ولا يجيزون : ( الذي منْ قامَ زيدٌ ) على اللغو ويحتجون بأنَّ ( منْ ) تكون معرفة ونكرة مررتُ بالذي القائم ( أبوهُ ) على أن تجعل الألف واللام للذي وما عاد من الأب على الألف واللام ويخفض القائم يتبع ( الذي ) وهذا لا يجوز عندنا لأن ( الذي ) لا بدّ لها من صلة توضحها ومتى حذفت الصلة في كلامهم فإنما ذاك لأنه قد علم وإذا حذفت الصلة وهي التي توضحه ولا معنى له إلا بها كان حذف الصفة أولى فكيف تحذف الصلة وتترك الصفة ويقولون : إن العرب إذا جعلت ( الذي والتي ) لمجهول مذكر أو مؤنث تركوه بلا صلة نحو قول الشاعر :

( فإن أَدْعُ اللَّوَاتِي مِنْ أُنَاسٍ ... أَضَاعُوهُنَّ لا أَدْعُ الَّذِينا )
ويقولون : الذي إذا كان جزاء فإنه لا ينعت ولا يؤكد ولا ينسق عليه لأنه مجهول لا تقول : ( الذي يقومُ الظريفُ فأخواكَ ولا الذي يقوم وعمرو فأَخواكَ ) لأنهُ مجهول ( وعمرو ) عندهم معروف
قال أبو بكر : إن كانَ ( أخاهُ ) من النسب فلا معنى لدخول الفاء لأنه أخوه على كل حال وإن كان من المؤاخاة فجائز وأما النعت والتوكيد فهو عندي كما قالوا إذا جعلت ( الذي ) في معنى الجزاء لأنه لم يثبت شيئاً منفصلاً من أمة فيصفه وإذا قلت : ( الذي يأتيني فلَهُ درهم ) على معنى الجزاء فقد أردت : ( كل من يأتيني ) فلا معنى للصفة هنا والعطف يجوز عندي كما تقول الذي يجيءُ مع زيد فلهُ درهم فعلى هذا المعنى تقول : ( الذي يجيء هو وزيد فلهُ درهم ) أردت الجائي مع زيد فقط ولك أيضاً أن تقول في هذا الباب : ( الذي يجيئني راكباً فلهُ درهم ) ويجيزون أيضاً الدار تدخلُ فدارنا يجعلونها مثل ( الذي ) كأنك قلت : ( الدارٌ التي تدخلُ فدارُنا ) وهذا لايجوز لما عرفتك إلا أن يصح أنه شائع في كلام العرب وأجازوا ( الذي يقوم مع زيد أخواكَ ) يريدون : ( الذي يقومُ وزيد أخواكَ ) يعطفون ( زيداً ) على ( الذي ) وإنما يجيزون أن يكون مع بمنزلة الواو إذا كان الفعل تاماً وإذا كان ناقصاً لم يجز هذا
قال الفراء : إذا قلت : ( الذي يقومُ مع زيدٍ أخواكَ ) لم أقل :

( أخواكَ الذي يقومُ مع زيدٍ ) قال : ولا أقولُ : ( الذي يختصمُ مع زيدٍ أخواكَ ) لإن الإختصام لا يتم والطوال وهشام يجيزانه مع الناقص وفي التقديم والتأخير ويجعلونه ( مع ) بمنزلة الواو والفراء لم يكن يجيزه إلا وهو جزاء وإذا قلت : ( الذي يختصمُ زيدٌ أخواكَ ) فزيد لا يجوز أن ينسق به إلا على ما في الإختصام لأنه لا يستغني عن اسمين ويقول : ( اللذانِ اختصما كلاهما أخواكَ ) فاللذان ابتداء واختصما صلة لهما و ( كلاهما ) ابتداء ثانٍ وأخواك خبره وهذه الجملة خبر اللذين فإن جعلت ( كلاهما ) تأكيداً لما في اختصما لم يجز لأن الإختصام لا يكون إلا من اثنين فلا معنى للتأكيد هنا فإن قلت : اللذان اختصما كلاهما أخوان لم يجز على تأويل وجاز على تأويل آخر إن أردت بقولك : ( أخوان ) أن كل واحد منهما أخ لصاحبه لم يجز لأن ( كلاهما ) لا معنى لها ها هنا وصار مثل ( اختصما ) الذي لا يكون إلا من اثنين لأن الأخوين كل واحد منهما أخ لصاحبه مثل المتخاصمين والمتجالسين فإن أردت بأخوين أنهما أخوان لا نسيبان جاز لأنه قد يجوز أن يكون أحدهما أخاً لزيد ولا يكون الآخر أخاً لزيد فإذا كان أحدهما أخاً لصاحبه فلا بدّ من أن يكون الآخر أخاً له فلا معنى ( لكلا ) ها هنا وتقول : ( الذي يطيرُ الذبابُ فيغضبُ زيدٌ ) فالراجع إلى ( الذي ) ضميره في ( يغضبُ ) والمعنى الذي إذا طار الذباب غضب زيد ولا يجوز الذي يطير الذبابُ فالذي يغضبُ زيدٌ لأن الذي الأولى ليس في صلتها ما يرجع إليها وقوم يجيزون الطائر الذباب ( فالغاضبُ زيدٌ ) لأن الألف والام الثانية ملغاة عندهم فكأنهم قالوا : ( الطائرُ الذبابُ ) فغاضبٌ زيدٌ وهذا لا يجوز عندنا على ما قدمنا في الأصول أعني إلغاء الألف واللام

واعلم : أن من قال : ( من يقومُ ويقعدونَ قومُكَ ومن يقعدونَ ويقومونَ أخوتكَ ) فيرد مرة إلى اللفظ ومرة إلى المعنى فإنه لا يجيز أن تقول : ( من قاعدونَ وقائمُ إخوتكَ ) فيرد ( قائماً ) إلى لفظ ( مَنْ ) لأنك إذا جئت بالمعنى لم يحسن أن ترجع إلى اللفظ وتقول : ( منْ كان قائماً إخوتُكَ ومن كان يقومُ إخوتُكَ ) ترد ما في كان على لفظ ( مَنْ ) وتوحد فإذا وحدت اسمٍ كان لم يجز أن يكون خبرها إلا واحداً فإذا قلت مَنْ كانوا قلت قياماً ويقومون ولا يجوز ( منْ كانَ يقومونَ إخوتُكَ وقوم يقولون إذا قلت : ( أعجبني ما تفعلُ ) فجعلتها مصدراً فإنه لا عائد لها مثل ( أَنْ ) فكما أنَّ ( أَنْ ) لا عائد لها فكذلك ما وقالوا : إذا قلت : ( عبد الله أحسنُ ما يكون قائماً ) فجاءوا ( بما ) مع ( يكونُ ) لأن ( ما ) مجهول و ( يكون ) مجهول فاختاروا ( ما ) مع يكون : أردت : ( عبد الله أحسن شيء يكونُ ) فما في ( يكون ) ( لِمَا ) فإذا قلت : ( عبد اللِه أحسنُ مَنْ يكونُ ) فأردت أحسن من خلق جاز ولافعل ( ليكون ) يعنون لا خبر لها وقالوا إذا قلت : ( عبد الله أحسنُ ما يكونُ قائماً ) إذا أردت أن تنصب ( قائماً ) على الحال أي : أحسن الأشياء في حال قيامه قالوا : ولك أن ترفع عبد الله بما في ( يكون ) وترفع أحسن بالحال وتثنى وتجمع فتقول : ( الزيدانِ أحسنُ ما يكونانِ قائمينِ والزيدونَ أحسنُ ما يكونون قائمينَ ) يرفعون ( أحسنَ ) بالحال ولا يستغنى عن الحال ها هنا عندهم فإن قلت : ( عبد اللِه أحسنُ ما يكونُ ) وأنت أحسن ما تكون على هذا التقدير لم يجز لأَن عبد الله إذا ارتفع بما في ( يكون ) لم يكن لأحسنَ خبر ومعنى

قولهم : ارتفع بما في ( يكون ) يعنونَ أنهم يرفعون بالراجع من الذكر وهذا خلاف مذهب البصريين لأن البصريين يرفعون بالإبتداء قالوا : فهذا وقتٌ فلا يرتفع عبدُ اللِه بجملته فإن أردت : ( عبد الله أحسنُ شيءٍ يكونُه ) فهو جائز وهو صفة فإذا قلت : ( أحسنُ ما يكونَ عبد الله قائماً ) جرى مجرى : ( ضربي زيداً قائماً ) وقال محمد بن يزيد : قول سيبويه : أخطبُ ما يكون الأمير قائماً تقديره : على ما وضع عليه الباب : أخطبُ ما يكونُ الأمير إذا كانَ قائماً كما قال ( هذا بُسْراً أطيبُ منه تمراً فإن قال قائل : أحوال زيد إنما هي القيام والقعود ونحو ذلك فكيف لم يكن أخطب ما يكون الأمير بالقيام أي : ( أخطبُ أحوالهِ القيامُ ) فالجواب في ذلك : أن ( القيامَ ) مصدر وحال زيد هي الحال التي يكون فيها من قيام وقعود أو نحوه فإن ذكرت المصدر أخليته من زيد وغيره وإنما المصدر لذات الفعل فأما اسم الفاعل فهو المترجم عن حال الفاعل لما يرجع إليه من الكناية ولأنه مبني له وذلك نحو : ( جائني زيدٌ راكباً ) لأن في ( راكب ) ضمير زيد وهو اسم الفاعل لهذا الفعل فإن احتج
القائل في إجازتنا : أخطب ما يكون الأمير يوم الجمعة فالتقدير : ( أخطبُ أيامِ الأميرِ يوم الجمعة ) فجعلت الخطبة للأيام على السعة وقد تقدم تفسير ذلك في الظروف مبيناً كما قال الله عز و جل : ( بَلْ مكرُ الليلِ والنهارِ ) أي مكركم فيهما قال محمد : وجملة هذا أنَ الظرف من الزمان متضمن الفاعل لا يخلو منه وقد يخلو من فعل إلى آخر وقال في موضع آخر : كان سيبويه يقول في قولهم : أكثرُ ضربي

زيداً قائماً إن قائماً سَد مسدّ الخبر وهو حال قال : وأصله إنما هو على ( إذ كان ) وإذا كان ومثله : ( أخطبُ ما يكونُ الأمير قائماً وأكثر شربي السويقَ ملتوتاً وضربي زيداً قائماً ) وتقول ذلك في كل شيء كان المبتدأ فيه مصدراً وكذلك إن كان في موضع الحال ظرف نحو قولك : أخطبُ ما يكونُ الأمير يوم الجمعة وأحسنُ ما يكونُ زيدٌ عندكَ وقال : وكان أبو الحسن الأخفش يقول : ( أخطبُ ما يكونُ الأميرُ قائمٌ ) ويقول : أضفت أخطبَ إلى أحوال قائم أحدُها ويزعم سيبويه أنك إذا قلت : ( أخطبُ ما يكونُ الأميرُ قائماً ) فإنما أردت : ( أخطبُ ما يكون الأمير إذا كان قائماً ) فحذفت لأنه دل عليهما ما قبلها و ( قائماً ) حال وقد بقي منها بقية وكذلك قوله : ضربي زيداً راكباً أي : إذا كان راكباً وهي ( كان ) التي معناها ( وقع ) فأما أكلي الخبز يوم الجمعة فلا يحتاج فيه إلى شيءٍ لأن يوم الجمعة خبر المصدر وينبغي أن يكون على قول سيبويه ظننتُ ضربي زيداً قائماً وظننتُ أكثر شربي السويقَ ملتُوتاً أنه أتى ( لظننتُ ) بمفعول ثانٍ على الحال التي تسد مسد المفعول الثاني كما سدت مسد الخبر فإن قيل : إن الشك إنما يقع في المفعول الثاني قيل : إن الشك واقع في ( إذ كان ) و ( إذا كان ) والحال دليل لأن فيها الشك وأن يعمل فيها ( ظننت ) ولكن في موضعها كما كنت قائلاً : القتالُ يوم الجمعةِ فتنصب يوم الجمعة بقولك القتالُ فإن جئت بظننت قلت : ( ظننتُ القتالَ يوم الجمعةِ ) فيوم الجمعة منتصب بوقوع القتال وليس ( بظننتُ ) والدليل على ذلك أنه ليس يريد أن يخبر أن القتال هو اليوم هذا محال ولكنه يخبر أن القتال في اليوم وتقول : إنَّ القتالَ اليومَ ظننتُ فتنصب لأنَّ ( إنَّ ) لا تعمل فيه شيئاً إنما تعمل في موضعه كما وصفت

لك وقياس ( ظننتُ ) وإن وكان والإبتداء والخبر واحد وكذلك لو قلت : ( كانَ زيدٌ خلفكم ) لم تكن كانَ الناصبة ( لخلف ) فكذلك إذا قلت : ( كانَ أكثر شربي السويقَ ملتُوتاً ) نصب ( ملتُوتاً ) بما كان انتصب به قبل دخول ( كانَ ) سد مسد خبرها كما سد مسد خبر الإبتداء ولكن ما ينصب هذه الظروف هو الخبر لهذه العوامل كما كان خبر الإبتداء فإذا قلت : ( كان زيدٌ خلفكم ) فتقديره : ( كان زيد مستقراً خلفكم ) وكان ضربي زيداً إذا كان قائماً وما كان مثلهن فهذا مجراه
تم الكتابُ بمَنِّ الله وعونِه من باب الألف واللام
ذكر ما يحرك من السواكن في أواخر الكلم وما يسكن من المتحركات وما تغير حركته لغير إعراب وما يحذف لغير جزم
أما ما يتحرك من السواكن لغير إعراب فهو على ضربين : إما أن يحرك من أجل ساكن يلقاه ولا يجوز الجمع بين ساكنين وإما أن يكون بعده حرف متحرك فيحذف ويلقي حركته عليه
الأول على ضربين : أحدهما : إما أن يكون آخر الحرف ساكناً فيلقاه ساكن نحو قولك : ( قُم الليلَ ) حركت الميم بالكسر لإلتقاء الساكنين وأصل التحريكات لإلتقاء الساكنين الكسر ولم تردِ الواو لأن الكسر غير لازمة في الوقف وكذلك قولك : ( كَمِ المالُ ومَنِ

الرجلُ ) فإن قلت : ( مِنَ الرجل ) فالفتح أحسن من قبل أن الميم مكسورة فيثقل الكسر بعد كسرة ولكثرة الإستعمال أيضاً والكسرة الأصل فكل ما لا يتحرك إذا لقيهُ ساكن حرك من ذلك قولك : ( هذا زيدٌ العاقلُ ) حركت التنوين بالكسر
والآخر : ما حرك من أواخر الكلم السواكن من أجل سكون ما قبلها وليس التحريك تحرك البناء كأين وأولاءِ وحيث فمن ذلك الفعل المضاعف والعرب تختلف فيه وذلك إذا اجتمع حرفان من موضع واحد فأهل الحجاز يقولون : ( ارددْ وإنْ تضاررْ أضارر وغيرهم يقول : ( ردَّد ) وفرّ وإنْ تردَّ أرَدُّ ويقولون : لا تضار لأن الألف يقع بعدها المدغم والذين يدغمون يختلفون في تحريك الآخر فمنهم من يحركه بحركة ما قبلها أي حركة كانت وذلك رُدَّ وعُضَّ وفُرَّ واطمئنَ واستعدَّ واجترَّ لأن قبلها فتحة فإذا جاءت الهاء والألف التي لضمير المؤنث فتحواً أبداً فقالوا : رُدَّها وعُضَّها وفُرَّها لأن الهاء خفية فكأنه قال : فِرّا ورِدّا ولم يذكرها فإذا كانت الهاء مضمومة في مثل قولهم : ردهو ضموا كأنهم قالوا : رُدوا
فإن جئت بالألف واللام وأردت الوصل كسرت الأول كله فقلت : رُدِّ القومَ وردِّ ابنكَ وعَضِّ الرجل وفُرِّ اليوم وذلك لأن الأصل : أرْدُدْ فهو ساكن فلو قلت : أردُدِ

القومَ لم يكن إلا الكسر فهذه الدال تلك وهي على سكونها وهو الأصل على لغة أهل الحجاز ألا ترى أن الذال في ( مُذْ واليوم في ذهبتم لما لقيها الألف واللام احتيج إلى تحريكها لإلتقاء الساكنين رُدَّ إلى الأصل وأصلها الضم فقلت : مُذُ اليوم وذهبتمُ اليوم لأن أصل ( مُذْ ) منذُ يا هذا وأصل ذهبتم : ذهبتُمُ يا قوم فرد مذ وذهبتم إلى أصله وهي الحركة ومنهم من يفتح على كل حال إلا في الألف واللام وألف الوصل وهم بنو أسد قال الخليل : شبهوه ( بأين وكيف ) ومنهم من يدعه إذا جاء بالألف واللام مفتوحاً يجعله في جميع الأشياء ( كأينَ ) ومن العرب من يكسرُ ذا أجمع على كل حال فيجعله بمنزلة ( اضرب الرجلَ ) وإن لم تجىء بالألف واللام لأنه فعل حرك لإلتقاء الساكنين والذي يكسرون كعب وغني
ولا يكسر هلم ألبتة من قال : هلما وهلمي ليس إلا الفتح وأهل الحجاز وغيرهم يجمعون على أنهم يقولون للنساء أرددنَ لأن سكون الدال هنا لا

يشبه سكون الجزم ولا سكون الأمر والنهي لأنها إنما سكنت من أجل النون كما تسكن مع التاء وزعم الخليل وغيره إن ناساً من بكر بن وائل يقولون ( رَدَّنَ ومرَّنَ وردَّتْ ) كأنهم قدروا الإِدغام قبل دخول النون والتاء والشعراء إذا اضطروا إلى ما يجتمع أهل الحجاز وغيرهم على إدغامه أخرجوه على الأصل ومن ذلك الهمزة إذا خففت وقبلها حرف ساكن حذفت وألقيت الحركة على الساكن وسنذكر باب الهمزة إن شاء الله
والثاني : ما يسكن لغير جزم وإعراب وهو على ثلاثة أضرب إسكان لوقف وإسكان لإِدغام وإسكان لإستثقال أما الوقف فكل حرف يوقف عليه فحقه السكون كما أن كل حرف يبتدأ به فهو متحرك وأنا أفرد ذكر الوقف والإبتداء
وأما الإِدغام فنحو قولك : ( جَعَلَ لَكَ ) فمن العرب من يستثقل اجتماع كثرة المتحركات فيدغم وهذا يبين في الإِدغام
وأما إسكان الإستثقالِ فنحو ما حكوا في شعر امرىء القيس في قوله :
( فاليومَ أشربْ غَيْرَ مُسْتَحْقَبٍ ... إثماً مِنَ الله ولا وَاغِلِ )

كان الأصل : أشربُ فأسكن الباءَ كما تسكنها في ( عَضُدِ ) فتقول : ( عَضْدٌ ) للإستثقال فشبه المنفصل والإِعراب بما هو من نفس الكلمة وهذا عندي غير جائز لذهاب علم الإِعراب ولكن الذين قالوا ( وهو ) فأسكنوا الهاء تشبيهاً ( بِعَضْدٍ ) والذين يقولون في ( عَضُدٍ ) ( عَضْدٌ ) وفي ( فَخَذٍ ) إنما يفعلون هذا إذا كانت العين مكسورة أو مضمومة فإذا انفتحت لم يسكنوا
الثالث : ما غيرت حركته لغير إعراب تقول : هذا غلامٌ فإذا أضفته إلى نفسك قلت : غُلامي فزالت حركت الإِعراب وحدث موضعها كسرة وقد ذكرت ذا فيما تقدم فهذه الياء تكسر ما قبلها إذا كان متحركاً فإن كان قبلها ياءٌ نحو : ( يا قاضي ) قلت : قاضِيَّ وجواريَّ فإن كان قبلها واو ساكنة وقبلها ضمةٌ قلبتها ياءً وأدغمت نحو ( مسلميَّ ) فإن كان ما قبلها ياء ساكنة وقبلها حرف مفتوح لم تغيرها تقول : ( رأيتُ غُلامي ) تدع الفتحة على حالها وكل اسم آخره ياءٌ يلي حرفاً مكسوراً فلحقته الواو والنون والياء للجمعِ تحذف منه الياء ويصير مضموماً تقول في ( قاضٍ ) إذا جمعت ( قاضونَ ) وقاضينَ لما لزم الياء التي هي لام السكون أسقطت لإلتقاء الساكنين فإن أضفت ( قاضُون ) إلى نفسك قلت : ( قاضي ) كما قلت : مُسلِميَّ وتختلف العرب في إضافة المنقوص إلى الياء فمن العرب من يقول : بُشرايَ بفتح الياء ومنهم من يقول : بشريَّ وأما قولهم : في عَلَيّ عليكَ ولَدَيّ لديكَ فإنما ذاك ليفرقوا بينهما وبين الأسماء المتمكنة كذا قال سيبويه : وحدثنا الخليل إن ناساً من العرب يقولون : علاكَ ولداكَ وإلاكَ وسائر علامات المضمر المجرور بمنزلة الكاف وهؤلاء على القياس قال : وسألته عَنْ مَنْ قال : رأيتُ كلا أَخويكَ ومررت بكلا أخويكَ ومررت

بكليهما فقال : جعلوه بمنزلة : عليكَ ولديكَ وكِلا لا تفرد أبداً إنما تكون للمثنى
الرابع : ما حذف لغير جزم وذلك على ضربين : أحدهما ما يحذف من الحروف المعتلة لإلتقاء الساكنين والآخر ما يحذف في الوقف ويثبت في الإِدراج
فأما الذي يحذف لإلتقاء الساكنين فالألف والياءُ التي قبلها كسرة والواو التي قبلها ضمة وذلك نحو : هو يغزو الرجل ويرمي القومَ ويلقي الفارسَ وكذلك إن كانت واو جمع أو ياءٌ نحو : مسلمو القوم ومسلمي الرجل فإن كان قبل الواو التي للجمع فتحة لم يجز أن يحذف لأنها لا تكون كذا إلا وقبلها حرف قد حذف لإلتقاء الساكنين وهي مع ذلك لو حذفت لإلتبست بالواحد وذلك قولك : هم مصطفو القوم واخشوا الرجلَ والفتح مع ذلك أخف من الضم وأما الذي يحذف في الوقف ويثبت في غيره فنذكره في الوقف والإبتداء ونجعله يتلو ما ذكرنا ثم نتبعه الهمزَ للحاجة إليه إن شاء الله


باب ذكر الإبتداء كل كلمة يبتدأ بها من اسم وفعل وحرف فأول حرف تبتدئ به وهو متحرك ثابت في اللفظ فإن كان قبله كلام لم يحذف ولم يغير إلا أن يكون ألف وصل فتحذف ألبتة من اللفظ وذلك إجماع من العرب أو همزة قبلها ساكن فيحذفها من يحذف الهمزة ويلقي الحركة على الساكن وسنذكر هذا في تخفيف الهمزة فأما ما يتغير ويسكن من أجل ما قبله فنذكره بعد ذكر ألف الوصل إن شاء الله
ألف الوصل :
ألف الوصل همزة زائدة يوصل بها إلى الساكن في الفعل والإسم والحرف إذ كان لا يكون أن يبتدأ بساكن وبابها أن تكون في الأفعال غير المضارعة ثم المصادر الجارية على تلك الأفعال وقد جاءت في أسماء قليلة غير مصادر ودخلت علىحرف من الحروف التي جاءت لمعنى ونحن نفصلها بعضها من بعض إن شاء الله
أما كونها في الأفعال غير المضارعة فنحو قولك مبتدئاً : اضربْ اقتلْ اسمعْ اذهب كان الأصل : تذهبُ تضربُ

وتقتلُ وتسمعُ فلما أزلت حرف المضارعة وهو ( التاءُ ) بقي ما بعد الحرف ساكناً فجئت بألف الوصل لتصل إلى الساكن وأصل كل حرف السكون فكان أصل هذه الهمزة أيضاً السكون فحركتها لإلتقاء الساكنين بالكسر فإن كان الثالث في الفعل مضموماً ضممتها وتكون هذه الألف في ( انفعلت ) نحو : انطلقت وافعللت نحو : احمررَتُ وافتعلتُ نحو : احتبسَتُ ويكون في : استفعلتُ نحو : استخرجتُ وافعللتُ نحو : اقعنسستُ وافعاللتُ نحو : اشهاببتُ وافعولتُ نحو : اجلوذتُ وافعوعلتُ نحو : اغدودنتُ وكذلك ما جاء من بنات الأربعة على مثال استفعلتُ نحو احرنجمت واقشعررتُ فألف الوصل في الفعل في الإبتداء مكسورة أبداً إلا أن يكون الثالث مضموماً فتضمها نحو قولك : اقتل استضعف احتقرَ احرنجم والمصادر الجارية على هذه الأفعال كلها وأوائلها ألفاتُ الوصل مثلها في الفعل ولا يكون إلا مكسورة تقول : انطلقتُ انطلاقاً واحمررتُ احمراراً واحتبستُ احتباساً واستخرجت استخراجاً واقعنسستُ اقعنساساً واشتهابيتُ اشهيباباً واجلوذتُ اجلواذاً واغدودنتُ اغديداناً وأما الأسماء التي تدخل عليها ألف الوصل سوى المصادر الجارية على أفعالها وهي أسماء قليلة : فهي : ابنْ وابنةْ واثنانِ واثنتانِ وامرؤٌ وامرأَةِ وابنمْ واسمْ واستٌ فجميع هذه الألفات مكسورة في الإبتداء ولا يلتفت إلى ضم الثالث تقول : مبتدئاً ابنمْ وامرءٌ لأنها ليست ضمة تثبت في هذا البناء على حال كما كانت في الفعل وأما الحرف الذي تدخل عليه ألف الوصل فاللام التي يعرف بها الأسماء نحو : القومِ والخليل والرجل والناس وما

أشبه ذلك إلا أن هذه الألف مفتوحة وهي تسقط في كل موضع تسقط فيه ألف الوصل إلا مع ألف الإستفهام فإنهم يقولون : أَ الرجل عندك فيمدون كيلا يلتبس الخبر بالإستفهام وقد شبهوا بهذه الألف التي في ( أيمِ وأيمن ) في القسم ففتحوها لما كان اسماً مضارعاً للحروف وأما ما يتغير إذا وصل بما قبله ولا يحذف فالهاء من ( هو ) إذا كان قبلها واو أو فاء نحو قولهم : فهو قالَ ذاكَ وهي أُمُكَ وكذلك لامُ الأمر في قولك : لتضربْ زيداً إذا كان قبلها واو وصلت فقلت : ولتضربْ والعرب تختلف في ذلك فمنهم من يدع الهاء في ( هو ) على حالها ولا يسكن وكذلك هي ومن ترك الهاء على حالها في ( هي ) و ( هو ) ترك الكسرة في اللام على حالها فقال في قوله : فلينظرْ ( فلينظر ) فإن كان قبل ألف الوصل ساكن حذفت ألف الوصل وحركت ما قبل الساكن لإلتقاء الساكنين وإن كان مما يحذف لإلتقاء الساكنين حذفته فأما الذي يحرك لإلتقاء الساكنين من هذا الباب فإنه يجيء على ثلاثة أضرب يحرك بالكسر والضم والفتح فالمكسور نحو قولك : ( اضرب ابنَكَ واذهبِ اذهبْ ) و ( قل هو الله أحد الله ) وإن الله وعنِ الرجلِ وقَطِ الرجلُ وأما الضم فنحو قوله : ( قُلْ اُنظروا وقالت أخرج ) وعذابٌ أُركض ومِنهُ أو انقض إنما فعل هذا

من أجل الضم الذي بعد الساكن ومنهم من يقول : قلِ انظرزا ويكسر جميع ما ضم غيره ومن ذلك الواو التي هي علامة الإِضمار يُضمُّ إذا كان ما قبلها مفتوحاً نحو : ( لا تنسوا الفضلَ بينكم ) قال الخليل لفصلَ بينها وبين واو ( لَو ) وأو التي من نفس الحرف وقد كسر قوم وقال قوم : لو استطعنا والياء التي هي علامة الإِضمار وقبلها مفتوح تكسر لا غير نحو أخشى الرجل يا هذهِ وواو الجميع وياؤه مثل الضمير نقول : مصطفو الله في الرفع ومصطفى الله في النصب والجر وأما الفتح فجاء في حرفين ( ألم الله ) فرقوا بينه وبين ما ليس بهجاء والآخر : مِنَ الله ومِنَ الرسولِ لما كثرت وناس من العرب يقولون : ( مِنِ الله ) واختلفت العرب في ( مِنْ ) إذا كان بعدها ألف وصل غير ألف

اللام فكسره قوم ولم يكسره قوم ولم يكسروا في ألف اللام لكثرتها معها إذ كانت الألف واللام كثيرة في الكلام وذلك : ( مِن ابنِك ) ( ومِنِ امرىءٍ ) وقد فتح قوم فصحاء فقالوا : ( مِنَ ابنكَ وأما ما يحذف من السواكن إذا وقع بعدها حرف ساكن فثلاثة أحرف الألف والياء التي قبلها حرف مكسور والواو التي قبلها حرف مضموم فالألف نحو : رمى الرجل وحُبلى الرجل ومعزى القوم ورَمَتْ دخلت التاء وهي ساكنة على ألف ( رَمَى ) فسقطت وقالوا : رَمَيا وغَزَوا لئلا يلتبس بالواحد وقالوا : حبليان وذفريانِ لئلا يلتبس بما فيه ألف تأنيث والياء مثل : يقضي القوم ويرمي الناس والواو نحو : يغزو القوم ومن ذلك : لم يبعْ ولم يقُلْ ولم يَخفْ فإذا قلت : لم يخفِ الرجلُ ولم يبعِ الرجلُ ورمت المرأة لم تردِ الساكنَ الساقط وكان الأصل في ( يبعُ ) ( يبيعُ ) وفي ( يخفُ ) يخاف وفي ( يَقَلْ ) يقول : فلم نرد لأنها حركة جاءت لإلتقاء الساكنين غير لازمة وقولهم : ( رَمَتا ) إنما حركوا للساكن الذي بعده ولا يلزم هذا في ( لم يخافاَ ) ( ولم يبيعَا ) لأن الفاء غير مجزومة وإنما حذفت النون للجزم ولم تلحق الألف شيئاً حقه السكون
ذكر الوقف على الإسم والفعل والحرف أما الأسماء فتنقسم في ذلك على أربعة أقسام اسمٍ ظاهرٍ سالمٍ وظاهر معتل ومضمر مكني ومبهم مبنيّ :
الأول : الأسماء الظاهرة السالمة نحو : ( هذا خالدٌ وهذا حَجر

ومررت بخالد وحجرٍ ) فأما المرفوع والمضموم فإنه يوقف عنده على أربعة أوجه : اسكانٌ مجردٌ وإشمامٌ ورومُ التحريك والتضعيف وجعل سيبويه لكل شيءٍ من ذلك علامة في الخط فالإِشمام نقطة علامة
وعلامة الإِسكان وروم الحركة خط بين يدي الحرف وللتضعيف الشين فالإِشمام لا يكون إلاّ في المرفوع خاصة لأنك تقدر أن تضع لسانك في أي موضع شئت ثم تضم شفتيكَ وإشمامُك للرفع إنما هو للرؤية وليس بصوت يسمع فإذا قلت : ( هذا مَعْنٌ ) فأشممت كانت عند الأعمى بمنزلتها إذا لم تشم وإنما هو أن تضم شفتيكَ بغير تصويت ورومُ الحركة صوت ضعيف ناقص فكأنك تروم ذاك ولا تتممهُ وأما التضعيف فقولك : هذا خالدٌ وهو يجعل وهذا فَرِحٌ ومن ثم قالت العرب في الشعر في القوافي ( سبسباً تريد : السبسبَ وعَيهَلُّ تريد : العَيهلُ ) وإنما فعلوا ذلك ضرورة وحقه الوقف إذا شدد وإذا وصل رده إلى التخفيف فإن كان الحرف الذي قبل آخر حرف ساكناً لم يضعفوا نحو ( عمروٍ ) فإذا نصبت فكل اسم منون تلحقهُ الألف في النصب في الوقف فتقول : ( رأيتُ زيداً وخالداً ) فرقوا بين النون والتنوين ولا يفعل ذلك في غير النصب وأزد السراة يقولون :

هذا زيدوْ وهذا عَمرُوْ وبكرُوْ ومررت بزيدي يجعلون الخفض والرفع مثل النصب والذين يرومون الحركة يرومونها في الجر والنصب والذين يضاعفون يفعلون ذلك أيضاً في الجر والنصب إذا كان مما لا ينون فيقولون : مررت بخالدّ ورأيت أحمرَّ
وقال سيبويه : وحدثني من أَثقُ به أنه سمع أعرابياً يقول : أَبيضَّه يريد : أبيضَّ وألحق الهاء مبنياً للحركة فأما المنون في النصب فتبدل الألف من التنوين بغير تضعيف وبعضُ العرب يقول في ( بكرٍ ) : هذا بكرو من بكرٍ فيحرك العين بالحركة التي هي اللام في الوصل ولم يقولوا : رأيتُ البكرَ لأنه في موضع التنوين وقالوا : هذا عِدِلْ وفِعِلْ فأتبعوها الكسرة الأولى لأنه ليس من كلامهم فِعَلٌ وقالوا في اليسر فأتبعوها الكسرة الأولى لأنه ليس في الأسماء فُعِلْ وهم الذين يقولون في الصلة اليُسْرُ فيخففون وقالوا : ( رأيتُ العِكِمَ ) ولا يكون هذا في ( زيدٍ وعَوْنٍ ) ونحوهما لأنهما حَرفا مَدٍّ فإن كان اسمٌ آخره هاء التأنيث نحو : ( طلحةَ وتمرةٍ وسفرجلةٍ ) وقفت عليها بالهاء في الرفع والنصب والجر وتصير تاءٌ في الوصل فإذا ثنيت الأسماء الظاهرة وجمعتها قلت : زيدانِ ومسلمانِ وزيدونَ ومسلمونَ تقف على النون في جميع ذلك ومن العرب

من يقول : ضَاربانِهْ ومسلمونَهْ فيزيد هاء يبين بها الحركة ويقف عليها والأجود ما بدأتُ به وإذا جمعت المؤنث بالألف والتاء نحو : تمراتٍ ومسلماتٍ فالوقف على التاء وكذلك الوصل لا فرق بينهما فإذا استفهمت منكراً فمن العرب من يقول إذا قلت رأيت زيداً قال : أزيدنيه وإن كان مرفوعاً أو مجروراً فهذا حكمه في إلحاق الزيادة فيه فأما آخر الكلام فعلى ما شرحتُ لكَ من الإِعراب فإذا كان قبل هذه العلامة حرف ساكن كسرته لإلتقاء الساكنين وإن كان مضموماً جعلته واواً وإن كان مكسوراً جعلته ياءً وإن كان مفتوحاً جعلته ألفاً فإن قال : ( لقيتُ زيداً وعمراً ) قلت : أَزيداً وعمرنَيْهِ وإذا قال : ( ضربتُ عُمَر ) قلت : أَعمراهُ وإن قال : ( ضربتُ زيداً الطويلَ ) قلت : الطويلاه فإن قال : ( أَزيداً يا فتى ) تركت العلامة لما وصلت ومن العرب من يجعل بين هذه الزيادة وبين الإسم ( إنْ ) فتقول : أعَمُرَانِيه
القسم الثاني : وهو الظاهر المعتل :
المعتل من الأسماء على ثلاثة أضرب : ما كان آخره ياءً قبلها كسرة أو همزة أو ألف مقصورة فأما ما لامه ياءٌ فنحو : ( هذا قاضٍ وهذا غازٍ وهذا العَمِ ) يريد : القاضي والغازيَ والعَمِىَ أسقطوها في الوقف لأنها تسقط في الوصل من أجل التنوين
قال سيبويه : وحدثنا أبو

الخطاب : أنَّ بعض من يوثق بعربيته من العرب يقول : ( هذا رامي وغازي وعَمِي ) يعني في الوقف والحذف فيما فيه تنوين أجود فإن لم يكن في موضع تنوين فإن البيان أجود في الوقف وذلك قولك : هذا القاضِي والعاصِي وهذا العَمِي لأنها ثابتة في الوصل ومن العرب من يحذف هذا في الوقف شبهوه بما ليس فيه ألف ولام كأنهم أدخلوا الألف واللام بعد أن وجب الحذف فيقولون : ( هذا القاضْ والعاصْ ) هذا في الرفع والخفضِ فأما النصب فليس فيه إلا البيان لأنها ثابتة في الوصل تقول : رأيتُ قاضياً ورأيتُ القاضي وقال الله عز و جل : ( كلاّ إذا بلغتِ التراقَي ) وتقول : رأيت جواريَ وهُنَّ جوارٍ يا فَتى في الوصل ومررتُ بجوارٍ فالياء كياء قاضي والياء الزائدة ها هنا كالأصلية نحو : ياءِ ثَمانٍ ورباع إذا كان يلحقها التنوين في الوصل قال سيبويه : وسألت الخليلَ عن ( القاضي ) في النداء فقال : ( اختار يا قاضي ) لأنه ليس بمنون كما اختار هذا القاضي فأما يونس فقال : ( يا قاضْ ) بغير ياء وقالا في ( مُرٍ ) وهو اسم من أرى هذا مُرِي بياء في الوقف كرهوا أن يخلو بالحرف فيجمعوا عليه لو قالوا :

مُر ذهاب الهمزة والياء وذلك أن أصله مُرئِي مثل : مُرْعِي فإن كان الإسم آخره ياء قبلها حرف ساكن أو واو قبلها ساكن فحكمه حكم الصحيح نحو : ( ظَبيٍ وكرسيٍّ ) وناس من بني سعد يبدلون الجيم مكان الياء في الوقف لأنها خفيفة فيقولون : هذا تميمج يريدون تميمي وهذا عَلِجّ يريدون : عَلي وعربَانج يريدون : عرباني والبرنج يريدون : البِرَني وجميع ما لا يحذف في الكلام وما لا يختار فيه أن لا يحذف يحذفُ في الفواصل والقوافي فالفواصل قول الله عز و جل : ( والليل إذا يسري ) و ( ذلك نبغ ) ( ويوم التناد ) ( والكبير المتعال )
الضرب الثاني : وهو ما كان آخره همزة :
ما كان في الأسماء في آخره همزة وقبل الهمزة ألف فحكمهُ حكم الصحيح وإعرابُه كإعرابِه تقول : هذا كساءٌ ومررتُ بكساءَ وهو مثل حُمارٍ في الوصل والوقف فإن كانت الهمزة ألف قبلَها وقبلُها ساكن فحكمها حكم الصحيح وحكمها أن تكون كغيرها من الحروف كالعين وذلك

قولك : الخَبءُ حكمهُ حكم الفرع في الإِسكان ورومِ الحركة والإِشمام فتقول : هو الخَبْء ساكن والخَبءَ بروم الحركة والخَبَءْ تشمُ وناس من العرب كثير يلقون على الساكن الذي قبل الهمزة الحركة ومنهم تميم وأسدْ يقولون : ( هو الوثُوءْ ) فيضمون الثاء بالضمة التي كانت في الهمزة في الوصل وفي الوثيء ورأيت الوثأ وهو البطؤ ومن البطيء ورأيت البطأ وهو الردؤ وتقديرها : الردعُ ومن الرِدّىءْ ورأيتُ الردأْ وناس من بني تميم يقولون : هو الردِيءْ كرهوا الضمة بعد الكسرة وقالوا رأيتُ الرِدِيءْ سووا بين الرفع والنصب وقالوا : من البُطؤْ لأنه ليس في الكلام ( فُعِلٌ ) ومن العرب من يقول : هو الوَثُوْ فيجعلها واواً من الوثُيْ ورأيتُ الوثَاءَ ومنهم من يسكن الثاء في الرفع والجر ويفتحها في النصب وإذا كان ما قبل الهمزة متحركاً لزم الهمزة ما يلزم النَّطعْ من الإِشمام والسكون وروم الحركة وكذلك يلزمها هذه الأشياء إذا حركت الساكن قبلها وذلك قولك : هو الخَطأْ والخَطأْ تُشم والخَطأَ ترومُ قال سيبويه : ولم نسمعهم ضاعفوا لأنهم لا يضاعفون الهمزة في آخر الكلمة ومن العرب من يقول : هو الكَلَوْ حرصاً على البيان ويقول : من الكَلَى ورأيت الكلاء وهذا وقف الذين يحققون الهمزة فأما الذين لا يحققون الهمزة من أهل الحجاز فيقولون : الكَلاَ وأكِمُو وأهنى يبدل من الهمزة حرفاً من

جنس الحركة التي قبلها وإذا كانت الهمزة قبلها ساكن فالحذف عندهم لازم ويلزم الذي ألقيت عليه الحركة ما يلزم سائر الحروف من أصناف الوقف
الضرب الثالث : منه وهو ما كان في آخره ألف مقصورة :
حقُّ هذا الإسم أن تقف عليه في الرفع والنصب والجر بغير تنوين وإن كان منصرفاً فتقول : : هذا قَفَا ورأيت قَفَا ومررت بقفاَ إلا أن هذه الألف التي وقفت عليها يجب أن تكون عوضاً من التنوين في النصب وسقطت الألف التي هي لام لإلتقاء الساكنين كما تسقط مع التنوين في الوصل هذا إذا كان الإسم مما ينون مثلهُ وبعض العرب يقول في الوقف : هذا أَفْعَىْ وحُبْلَى وفي مُثَّنَّى مُثَنَّىً فإذا وصل صيرها ألفاً وكذلك كل ألف في آخر اسم وزعموا أن بعض طَيء يقول : ( أَفْعَو ) لأنها ابين من الياء وحكى الخليل عن بعضهم : هذه حُبْلاْ مهموز مثل حُبْلَعْ ورأيت رَجُلاً مثل رَجُلَعْ فهمزوا في الوقف فإذا وصلوا تركوا ذلك
القسم الثالث : وهي الأسماء المكنية :
من ذلك ( أَنا ) الوقف بألف فإذا وصلت قلت : أَنَ فعلت ذاك بغير ألف ومن العرب من يقول في الوقف : هذا غُلامْ يريد : هذا غُلامي

شبهها بياء قاض وقد أسقَانْ وأَسْقِنْ يريد : أسقاني وأسقني لأن ( في ) اسم
وقد قرأن أبو عمرو فيقول : ( ربي أكرمِنْ ) ( وربي أهانِنْ ) على الوقف وترك الحذف أقيس فأما : هذا قاضِيَّ وهذا غلامَيَّ ورأيتُ غلامَيَّ فليس أحد يحذف هذا ومن قال : غلاميَّ فاعلم وإني ذاهبٌ لم يحذف في الوقف لأنها كياء القاضيْ في النصب ومن ذلك قولهم : ( ضربَهُو زيد وعليَهُو مالٌ ولديهو رجلٌ وضربَها زيد ) وعليّها مالٌ فإذا كان قبل الهاء حرف لين فإن حذف الياء والواو في الوصف أحسن وأكثر وذلك قولك : عليه يا فتى ولديه فلان ورأيتُ أباهُ قَبلُ وهذا أبوه كما ترى وأحسنُ القراءتين : ( ونَزلناهُ تنزيلاً ) ( وأنْ تحملُ عليهِ يلهثُ ) ( وشَروه بثَمنٍ بَخسٍ ) ( وخذوهُ فغلوهُ )
والإِتمام عربي ولا يحذف الألف في المؤنث فيلتبس المذكر والمؤنث فإن لم يكن قبل هاء التذكير حرف لين أثبتوا الواو والياء في الوصل وجميع هذا الذي يثبت في الوصل من الواو والياء يحذف في الوقف إلا الألف في ( هَا ) وكذلك إذا كان قبل الهاء حرف ساكن وذلك قول بعضهم : منهُ يا فتى وأصابتهُ جائَحةٌ والإِتمام أجودُ فإن كان الحرف الذي قبل الهاء متحركاً فالإِثبات ليس إلا كما تثبت الألف في التأنيث وهاتان والواو والياء تلحقان الهاء التي هي كناية يسقطان في

الوقف هذا في المكنى
المتصل فأما إن كانت الكناية منفصلة نحو : هُو وهي وهما وهنَّ فإن جميع ذا لا يحذف منه في الوقف شيءٌ ومن العرب من يقول : هُنَّهْ وضَرَبتنّهْ وذَهَبتَّهْ وغُلامِيَهْ ومن بَعْدِيَهْ وضَربِنهْ فأما من رأى أن يسكن الياء فإنه لا يلحق الهاء وَهِيَهْ يريدون ( هي ) وهوَهْ يريدون ( هُوَ ) يا هذا وخُذهْ بحكمكَهْ وكثير من العرب لا يلحقون الهاء في الوقف فإذا قلت : عليكمو مال وأنتُمو ذاهبونَ ولديهمي مال فمنهم من يثبت الياء والواو في الوصل ومنهم من يسقطهما في الوصل ويسكن الميم والجميع إذا وقفوا وقَفوا على الميم ولو حركوا الميم كما حركوا الهاء في ( عليه مال ) لاجتمع أربع متحركات نحو : ( رُسُلكمو ) وهم يكرهون الجمع بين أربع متحركات وهذه الميمات من أسكنها في الوصل لا يكسرها إذا كان بعدها ألف وصل ولكن يضمها لأنها في الوصل متحركة بعدها واو كما أنها في الإثنين متحركة بعدها ألف نحو : غُلامكُما وإنما حذفوا وأسكنوا استخفافاً وذلك قولك : كنتُمُ اليومَ وفعلُتُم الخير وتقول : مررتُ بهي قَبلُ ولديهي مال ومررت بدارهي وأهل الحجاز يقولون : مررتُ بِهُو قَبلُ ولديهو مال ويقرأون
فخسفَنا بهو وبدار هُو الأرض وجميع هذا الوقف فيه على الهاء ويقول بهمي دَاءٌ وعليهمي مالٌ ومن قال : ( بدارِ هُو الأرض ) قال : عليهمو مال وبهمو داءٌ والوقف على الميم

الرابع : المبهم المبني :
تقول في الوصل : علامَ تقولُ كَذا وكَذا وفيمَ صنعتَ ولِمَ فعلتَ وحتامَ وكان الأصل : على ( مَا ) وفي ما ولِما صنعت فالأصل ( مَا ) إلا أن الألف تحذف مع هذه الأحرف إذا كان ( ما ) استفهاماً فإذا وقفت فلك أن تقول : فيمَ وبِمَ ولِمَ وحتامَ ولك أن تأتي بالهاء فتقول : لِمَه وعلامَه وحتامَه وبِمَهْ وثبات الهاء أجود في هذه الحروف لأنك حذفت الألف من ( ما ) فيعوضون منها في الوقف الهاء ويبينون الحركة وأما قولهم : مجيءُ مَ جِئتَ ومثلُ م أنتَ فإنك إذا وقفت ألزمتها الهاء لأن ( مجيء ومثل ) تستعملان في الكلام مفردين لأنهما اسمان ويقولون : مثلَ ما أنتَ ومجيءُ ما جئتَ وأما حَيهَّلَ إذا وصلت فقلت : حَيهَّلَ بِعُمَر وإذا وقفت فإن شئت قلت : حَيهَّلْ وإن شئت قلت : حَيهَّلا تقف على الألف كما وقفت في ( أنَا ) وتقول : هذي أمةُ الله فإذا وقفت قلت : ( هَذِهْ ) فتكون الهاء عوضاً عن الياء وقد مضى ذكر ذا وقد تلحق الهاء بعد الألف في الوقف لأن الألف خفية وذلك قولهم : هؤلاءِ وها هُناهُ والأجود أن تقف بغير هاءٍ ومن قال : هؤلاء وها هُناه لم يقل في ( أَفعى وأَعمى ) ونحوهما من الأسماء المتمكنة كيلا يلتبس بهاء الإِضافة لأنه لو قال : أَعماه وأَفعاه لتوهمتَ الإِضافة إلى ضمير
واعلم : أنهم لا يتبعون الهاء ساكناً سوى هذا الحرف الذي يمتد به الصوت لأنه خفي وناس من العرب كثير لا يلحقون الهاء

الوقف على الفعل :
الفِعْلُ ينقسم إلى قسمين : سالم ومعتل فأما السالم فما لم تكن لامه ألفاً ولا ياء ولا واواً والمعتل ما كان لا مهُ ألفاً أو ياءً أو واواً
الأول : الفعل السالم والوقفُ عليه كما تقف على الإسم السالم في الرفع في جميع المذاهب غير مخالف له إلا في الإسم المنصوب المنصرف الذي تعوض فيه الألف من التنوين فيه فتعوض منه تقول لن نضرب أما المجزوم فقد استغنى فيه عن الإِشمام والروم وغيره لأنه ساكن وكذلك فعلُ الأمر تقول : لم يضربْ ولَم يقتلْ واضربْ واقتلْ وإذا وقفت على النون الخفيفة في الفعل كان بمنزلة التنوين في الإسم المنصوب فتقول : اضربا ومنهم من إذا ألحق النون الشديدة قال في الوقف : اضربنَّهْ وافعَلنَّهْ وافعَلنَّه ومنهم من لا يلحق الهاء . وقد ذكرنا باب النونين الخفيفة والشديدة
الثاني : الفعل المعتل :
نحو : يرمي ويغزو وأخشى ويقضي ويرضى وجميع هذا يوقف عليه بالواو والياء والألف ولا يحذف منه في الوقف شيء لأنه ليس مما يلحقه التنوين في الوصل فيحذف فأما المعتل إذا جزم أو وقف للأمر ففيه لغتان : من العرب من يقول : إرْمِهْ ولَم يَغْزهُ وأخشَهْ ولم يقضِهْ ولم يَرضَهْ ومنهم من يقول : ارمِ واغزُ واخشَ فيقف بغير هاء
قال سيبويه : حدثنا بذلك عيسى بن عمر ويونس وهذا اللغة أقل اللغتين فأما : لا تقهِ من وقيتُ وإن تَعِ أَعِهْ من ( وعَيتُ ) فإنه

يلزمها الهاء في الوقف من تركها في ( اخشَ ) وقد قالوا : لا أَدرِ في الوقف لأنه كثر في كلامهم وهو شاذ كما قالوا : ( لم يَكُ ) شبهت النون بالياء حيث سكنت ولا يقولون : لَم يكُ الرجلُ لأنها في موضع تحريك فيه فلم يشبه بلا أدرِ ولا تحذف الياء إلا في أَدرِ وما أَدرِ
الوقف على الحرف :
الحروف كلها لك أن تقف عليها على لفظها فالصحيح فيها والمعتل سواء وقد ألحق بعضهم الهاء في الوقف لبيان الحركة فقال : إنَّهْ يريدون ( أنَّ ) ومعناها أَجَلْ قال الشاعر :
( ويَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلاكَ ... وقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ إنَّهُ )
ولَيتَهْ ولعَلَهْ كذاك


باب الساكن الذي تحركه في الوقف إذا كان بعدها المذكر الذي هو علامة الإِضمار
وذلكَ قولك في : ( ضربتُهُ ضَربْتُهُ وأضرِبُهْ وقَدهُ ومِنُهْ وعَنُهْ ) قال سيبويه : سمعنا ذلك من العرب ألقوا عليه حركة الهاء وقال أبو النجم :
( فَقَرِّبَنْ هذا وهذا أَزْحِلُه ... )
وسمعنا بعض بني تميم من بني عدي يقولون : قد ضَرَبتِهْ وأَخَذَتِهْ حرك لسكون الهاء وخفائها فإذا وصلت أسكنت جميع هذا لأنك تحرك الهاء فتبينُ
الوقف على القوافي العرب إذا ترنمت في الإِنشاد ألحقت الألف والياء والواو فيما ينون ولا ينون لأنهم أرادوا مدَّ الصوت فإذا لم يترنموا فالوقف على ثلاثة أوجه : أما

أهل الحجاز فيدعون هذه القوافي ما نونَ منها وما لم ينونْ على حالها في الترنم ليفرقوا بينهُ وبين الكلام فيقولون :
( قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَىَ حَبِيبٍ ومنزلي ... )
وفي النصب :
( فَبِتْنَا نَحِيدُ الوَحْشَ عَنَّا كأنَمَّا ... قَتِيلانِ لَمْ يَعْلَمْ لَنَا النَّاسُ مصْرَعَا )
وفي الرفع :
( هُرَيْرَةَ وَدِعْهَا وإنْ لاَمَ لاَئِمُو ... )

هذا فيما ينون فأما ما لا ينون في الكلام وقد فعلوا به كفعلهم بما ينون فقول جرير في الرفع :
( مَتى كَانَ الخِيَامُ بِذِي طُلُوحٍ ... سُقِيتِ الغَيْثَ أيَّتُها الخِيَامُو )
وقال في الجر :
( أَيْهَاتَ مَنْزِلُنَا بِنَعْفِ سُوَيَقَةٍ ... كَانَتْ مُبَاَكةً مِنَ الأَيامِي )
وفي النصب :
( أَقِلِّي اللَّوْمَ عَاذِلَ والعِتَابَا ... وقُولِي إنْ أَصَبْت لَقَد أَصَابَا )
فهذا وجهٌ :
الثاني : ناس كثيرون من بني تميم يُبدلون مكانَ المدةِ النونَ فيما ينونُ ولا ينونُ لمَّا لم يريدوا الترنم يقولون :

( يا أبتا عَلَّك أو عَسَاكَنْ ... )
( ويا صاحِ ما هاجَ الدموعَ الذُّرَفنَّ ... )
قال العجاجُ :
( مِنْ طَللٍ كالأَتْحَمِي أنَهَجَن ... )
وكذلك الجر والرفع والمكسور والمبني والمفتوحُ المبني والمضموم المبني في جميع هذا كالمجرور والمرفوع والمنصوب
الثالث : إجراء القوافي في مجراها لو كانت في الكلام ولم تكن قوافي شعرِ يقولون :

( أقِلِّي اللَّومَ عَاذِلَ والعِتَاب ... )
وقال الأخطلُ :
( واسأَلْ بمصقَلةَ البَكْرِيُ ما فَعَلْ ... )
ويقولون :
( قَدْ رَابَنِي حَفْصٌ فَحَرِّكْ حَفْصَا ... )
يثبتون الألف التي هي بدل من التنوين في النصب كما يفعلون في الكلام والياءات والواوات اللواتي هُنَّ لاماتٌ إذا كان ما قبلها حرف الروي فُعِلَ بها ما فُعِلَ بالواو والياء اللتين ألحقتا للمد في القوافي فالأصل والزائد للإِطلاق والترنم سواءٌ في هذا من أثبت الزائد أثبت الأصل ومن لم يثبت الزائد لم يثبت الأصل فمن ذلك إنشادهم لزهير :
( وبَعْضُ القَوْمِ يَخْلُقُ ثُمَّ لا يفْرِ ... )

وكذلك : يغزو لو كانت في قافية كنت حاذفاً الواو إن شئت وهذه اللامات لا تحذف في الكلام وتحذف في القوافي والفواصل فتقرأ ( والليل إذا يسر ) إذا وقفت وأما يخشى ويرضى ونحوهما مما لامه ألف فإنه لا يحذف منهنَّ الألف لأنَّ هذه الألف لما كانت تثبتُ في الكلام جُعلت بمنزلة ألف النصب التي في الوقف بدلاً من التنوين فلم تحذف هذه الألف كما لم يجز حذف ألف النصب ألا ترى أنه لا يجوز لك أن تقول : لم يعلمْ لنا الناسُ مصرعْ فتحذف الألف قال رؤبة :
( دايَنتُ أروي والدُّيونُ تُقضَى ... فَمَطَلتْ بعضاً وأَدَّتْ بَعْضَا )
فكما لا تحذف ألف ( بعضا ) لا تحذف ( لف تقضي )
وزعم الخليل : أن واو يغزو وياء ( يقضي ) إذا كانت واحدة منهما حرف الروي ثم تحذف لأنها ليست بوصل حينئذ وهي حرف روي كما أن القاف في ( وقاتم الأعماق خاوي المخترق ) حروق رويٍّ فكما لا تحذف القاف لا تحذف

واحدة منهما وهذا هو القياس كما قال إذا كانتا حرفي روي فأما إذا جاءتا بعد حرف الروي فحكمها حكم ما يزاد للترنم
وقال سيبويه : وقد دعاهم حذف ياء ( يقضي ) إلى أن حذف ناس كثيرون من قيس وأسد الواو والياء اللتين هما علامتا المضمر ولم تكثر واحدة منهما في الحذف ككثرة ياء ( يقضي ) لأنهما يجيئان لمعنى الأسماء وليستا حرفين بنينا على ما قبلهما فهما بمنزلة الهاء في قوله :
( يا عَجباً لِلدّهْرِ شَتَّى طَرَائِقُهْ ... )
وقال : سمعت من العرب من يروي هذا الشعر :
( لا يُبْعِدٌ الله أصحاَباً تَركْتُهُمُ ... لَمْ أَدْرِ بَعْدَ غَدَاةٍ الأمْسِ ما صَنَعْ )
يريدُ : ما صنعوا
وقال عنترةُ :

( يا دَارَ عَبْلَةَ بالجَوَاءِ تَكَلَّمْ ... )
يريد : تكلمي
فأما ( الهاءُ ) فلا تحذف من قولك : شتَّى طرائقهُ وما أشبهه لأنَّ الهاء ليست من حروف المد واللين قال : وأنشدنا الخليل :
( خَلِيلَيَّ طِيرَا بالتَّفَرُّقِ أوَقَعَا ... )
فلم يحذف الألف كما لم يحذفها من ( يقضي ) فإنما جاء الحذف في الياء والواو إذا كانا ضميرين فقط ولم يجيء في الألف ولم يجز لما نقدم ذكره
واعلم : أن الساكن والمجزوم يقعان في القوافي فإذا وقع واحد منهما في القافية حرك وجعلوا الساكن والمجزوم لا يكونان إلا في القوافي المجرورة حيث احتاجوا إلى حركتها ولا يقع ذلك في غير المجرور كما أنهم إذا اضطروا إلى تحريكها لإلتقاء الساكنين كسروا قال امرؤ القيس :

( أَغَرَّكِ مِنِّي أنَّ حُبَّكِ قَاتِلي ... وأنَّكَ مَهْمَا تَأمِري القَلْبَ يَفْعَلِ )
وقال طرفة :
( مَتَى تَأْتِنِي أُصْبِحكَ كأسَاً رَوِيَّةً ... فإنْ كُنْتَ عَنْها غَانِياً فَاغْنَ وَازْدَدِ )
ولو كانت في قواف مرفوعة أو منصوبة كان اقواء وقال أبو النجم :
( إذا استحثُّوها بَحَوْبٍ أو حلى ... )
وحلْ مسكنة في الكلام
قال سيبويه : ويقول : الرجل إذا تذكر ولم يرد أن يقطع كلامهُ ( قالا ) فيمد ( قال ويقولوا ) فيمد ( يقولُ ) ومن

العامي فيمدُّ ( العامَ ) سمعناهم يتكلمون به في الكلام ويجعلونه علامة ما يتذكرونه ولم يقطعوا كلامهم فإذا اضطروا إلى مثل هذا في الساكن كسروا سمعناهم يقولون : إنه ( قدي ) في ( قَدْ ) ويقولون : إلى في الألف واللام يتذكرون الحارث ونحوه
قال : وسمعنا من يوثق به في ذلك يقول : ( هذا سيفني يريد : سيفٌ ولكنَّهُ تذكر بعدُ كلاماً ولم يرد أن يقطع اللفظ ولو أراد القطعَ ما نونَ فالتنوين حرفُ ساكن فكسر كما كسر دال ( قَدْ )

باب ( من ) وأي إذا كنت مستفهماً عن نكرة
إذا قال القائل : رأيتُ رجلاً قلتَ : مَنَا وإذا قال هذا رجلٌ قلت : مُنو وإن قال : رأيتُ رجلين قلت : مَنَيْنْ وإن قال : ( هذانِ رجلانِ ) قلت : مَنَانْ وفي الجميع مَنونْ ومَنَينْ وللمؤنث : مَنَهْ ومَنَتْ مثل : بنتٍ وابنةٍ ومنتانْ ومناتْ
وزعَمَ الخليل : أنَّ هذا الباب في ( مَأْ ) إذا وصلت قلت : مَنْ يَا فتى وإنما يصلحُ هذا في الوقف فقط
قال سيبويه : وحدثنا يونس : أن ناساً يقولون : مَنَا ومِنَى ومَنَو واحداً كان أو اثنين أو جماعة وإذا قال : رأيتُ امرأة ورجلاً قلت : مَنْ ومَنَا لأنكَ تقول : مَنْ يا فتى في الصلة للمؤنث وإن بدأت بالمذكر قلت : مَنْ ومنَهْ قال : فإذا قال : ( رأيتُ عبد اللهِ ) فلا تقل : مَنَا لا يصلح ذلك في شيءٍ من المعرفة قال سيبويه : وسمعنا من العرب من يقال لهُ : ذهب مَعَهم فيقول : مع مَنِين وقد رأيتهُ فيقولُ : مَنَا وذلك أنه سأله على أن الذين ذكر ليسوا عنده ممن يعرفهم بأعيانهم والعرب تختلف في الإسم المعروف فأهل الحجاز إذا

قال الرجلُ : ( رأيتُ زيداً ) قال : ( مَنْ زيداً ) يحكون نصب أو رفع أو جر وأما بنو تميم فيرفعون على كل حال وإنما يكون هذا في الإسم الغالب فإذا قال : ( رأيتُ أَخا زيدٍ ) لم يجز : ( مُنْ أخا زيدٍ ) إلا قول من قال : ( دَعنا مِن تمرتانِ ) وليس بقَرشياً والواجبُ الرفعُ وقال يونس : إذا قال رجل : رأيت زيداً وعمراً أو زيداً وأخاهُ أو زيداً أخا عمرو فالرفع يرده إلى القياس والأصل إذا جاوز الواحد كما ترد : ما زيد إلا منطلق إلى الأصل فأما ناس فإنهم قالوا : منْ أخو زيدٍ وعمروٍ ومَنْ عمراً وأخا زيدٍ يتبع الكلام بعضُه بعضاً وإذا قالوا : ( منْ عمراً ومنْ أخو زيدٍ ) رفعوا ( أخا زيدٍ ) قال : وسألت يونس عن رأيت زيد بن عمروٍ فقال : أقول : مَنْ زيدَ بنَ عمرو لأنه كالواحد فَمنْ نونَ زيداً رفع في قول يونس فإن أدخلت الواو والفاء في ( مَنْ ) فقلت : فَمن أو منون لم يكن فيما بعده إلا الرفع ويقول القائل : رأيت زيداً فتقول : المَنيَّ فإن قال : رأيت زيداً وعمراً قلت : المَنينْ وإن ذكر ثلاثة قلت : المنيِينّ تحمل الكلام على ما حمل عليه المتكلم كأنك قلت : القرشيَّ أم الثَقفيَّ نصب وإن شاء رفع على ( هو ) كما قال صالح في جواب كيف أنتَ وما أي فهي مخالفة ( لِمَنْ ) لأنها معرفة فإذا استفهمت بها عن نكرة قلت : إذا قال : رأيتُ رجلاً أياً فإن قال : رجلين قلت : أييَّن وللجميع : أيَينَ فإن ألحقت ( يا فتى ) فهي على

حالها وإذا قلت : رأيتُ امراةً قلت : أيةً يا فتى وللإِثنتين : أَيتُّين يا فتى والجماعة أيَّاتٍ يا فتى وإن تكلم بجميع ما ذكرنا ومجروراً جررت وإن رفع رفعت فإن قال : رأيت عبد الله فإن الكلام من عبد الله وأي عبد الله ليس مع ( أيٍّ ) في المعرفة إلا الرفع فأيٌّ ومَنْ يتفقان في أشياء ويختلفان
فأما اتفاقهما فإنهما يستفهم بهما ويكونان بمعنى ( الذي ) تقول : اضرب أيهم هو أفضل واعط أيهم كان أفضل واضربْ أيهم أبوهُ زيد كما تقول : اضربْ منْ أبوهُ زيد ومن هو أفضل فإن قلت : ( اضربْ أيهم عاقلٌ ) رفعت هذا مذهب سيبويه وهو عندي مبني ( لأنَّ ) الذي عاقل قبيح فإن دخلت ( هو ) نصبت وزعم الخليل أنه سمع عربياً يقول : ما أنا بالذي قال لك شيئاً فعلى هذا تقول : اضربْ أيهم قائل لك خيراً إذا طال الكلام حَسُنَ حذف ( هو ) ومن لا يقدر فيها الرفع إذا قلت : اضربْ منْ أفضلُ ورفع أضربْ أيُّهم أفضلُ وهو بمعنى ( الذي ) عندي ناقص لأصول العربية إلا أنْ تراد الحكاية أو ضَربُ من الضروب يمنع الفعل من الإتصال ( بأي ) وما يفارق ( أي ) فيه ( من ) أن أي تضاف و ( من ) لا تضاف ومن تصلح للواحد والإِثنين والجماعة والمذكر والمؤنث فمن ذلك : ( ومنهم من يستمعون إليك ) ومَنْ كانت أُمُّكَ وتقول أيضاً : أَيهم كانت أمُّكَ وزعمَ الخليل أن بعضهم قرأ : ( ومَنْ يقنتُ منكنَّ لله ) وقال الفرزدق :

( نَكُنْ مِثْلَ مَنْ يا ذِئْبُ يَصْطَحِبَان ... )
فأي : إنما هي بعض لما أضيفت إليه ومن قد حكى فيها أنها تكون نكرة وتوصف نحو قولك : مررت بمن صالح وقالوا : من تكون استفهاماً وتعجباً وجزاءً قال بعض الكوفيين : إذا وقعت على نكرة كانت تعجباً ولم تكن استفهاماً ولم يجاز بها إذا وقعت على نكرة أزادتها كلها وإذا وقعت على معرفة أزادت بعضها في الجزاء والإستفهام فإذا قلت : أيُّ الرجلين أخواكَ وأي رجالٍ إخوتُكَ فهو على العدد وإذا قلت : أي الزيدينِ أخوكَ وأي الثلاثةِ صاحبُكَ وصاحباكَ فلا يجوز أصحابُكَ لأنها تزيد بعد المعرفة
واعلم : أنها في جميع ذلك لا تخرج عن معنى البعض لأنك إذا قلت : أي الرجلينِ أخواكَ إنما تريد : أي الرجالِ إذا صُنفوا رجلينِ رجلينِ أخواك وقد حكى أن ( ذا ) قد جاءت بمعنى ( الذي )


باب ما تلحقه الزيادة في الإستفهام يقول الرجل : ضربتُ زيداً فتقول إذا أنكرت : أزيدَنِيهْ وإن كان مرفوعاً أو مجروراً فهذا حكمه
إذا كان قبل هذه العلامة حرف ساكن كسرتَهُ لإلتقاء الساكنين مثل التنوين
وإن كان مضموماً جعلته واواً وإن كان مكسوراً جعلته ياءً وإن كان مفتوحاً جعلته ألفاً فإن قال : ( لقيتُ زيداً وعمراً ) قلت : أزيداً وعَمرنيهْ وإذا قال : ضربتُ عمر قلت : أعُمراهُ فإن قال : ضربتُ زيداً الطويلَ قلت : الطويلاه وإن قلت : أزيداً يا فتى تركت الزيادة إذا وصلت ومن العرب من يجعل بين هذه وبين الإسم أن فيقول : أَعُمرانِيهْ قال سيبويه : سمعنا رجلاً من أهل البادية قيل له : أتخرجُ إنْ أخصبتِ الباديةُ فقال : أَنَا إِنِيهْ منكراً
ومما زادوا الهاء فيه بياناً قولهم : أضْرِبْهُ يريد : اضرِبْ وتقول إني قد ذهبتُ فيقول : أذَهبتوُه ويقول : أنا خارج فتقول : أنا إنِيهْ تلحق الزيادة ما لفظتهُ وتحكيه
ذكر الهمزة وتخفيفه الهمزة لا تخلو من أن تكون ساكنة أو متحركة فالساكنة لها ثلاث جهات إما أن يكون قبلها فتحة أو كسرة أو ضمة فإن كان قبلها فتحة

أبدلت ألفاً وذلك في راس راس وفي يأس ياس وفي قرأتُ قراتُ وإن كان قبلها كسرة أُبدلت ياء وذلك قولهم : في الذئب الذيبُ وفي المئرةِ الميرةُ وإن كان قبلها ضمة أبدلتها واواً وذلك قولك في البؤسِ البوسُ والمؤمنِ المومنُ وإنما يبدل مكان كل همزة ساكنة الحرف الذي منه حركة ما قبلها لأنه ليس شيءٌ أقرب منه فالفتحة من الألف والضمة من الواو والكسرة من الياء والهمزة المتحركة لا تخلو من أن يكون ما قبلها ساكناً أو متحركاً فالهمزة المتحركة التي قبلها ساكن تكون على ضربين : همزة قبلها حرف مد وهو واو قبلها ضمة أو ياء قبلها كسرة أو ألف زيد للمدَ
والضرب الآخر : همزة قبلها حرف غير مد فالضرب الأول : الهمزة المتحركة التي قبلها مدَّةٌ فهي تبدل إذا كان قبلها واوا أو ياء وذلك في قولك مقروءة مقروة ومقروٌّ فاعلم وأبدلت الهمزة واواً وإنما فعلت ذاك لأن الواو زائدة وقبلها ضمة وهي على وزن مَفْعُولةٍ ومَفْعُولٍ وإذا كان قبل الهمزة ياء ساكنة قبلها كسرة وهي زائدة أبدلت الهمزة ياء تقول في : خطيئةٍ خَطيّةٌ
في النَسيء النَسيُّ يا هذا
وفي أُفَيئسٍ تصغير أفْأَسٍ أُفَيَّسُ وفي سُويئلٍ وهو تصغير سائل سُويَلٍ فياء التصغير بمنزلة ياء خطيةٍ
وإن كان ما قبل ياء التصغير مفتوحاً قلبوها لأنهم أجروها مجرى المدةِ كانت لا تحرك أبداً وهي نظير الألف التي تجيء في جمع التكسير ونحو ألف دراهم ألا ترى أنك تقول : دُرَيهم فتقع ياء التصغير ثالثة كما تقع الألفُ ويكسر ما بعدها كما يكسر ما بعد الألف ولا تحرك كما لا تحرك الألف وإن كان الساكن الذي قبل الهمزة ألفاً جعلت بينَ بينَ ومعنى قول النحويين : ( بَينَ بينَ ) أن تجعل الهمزة في اللفظ بين الحرف الذي منه حركتها وبين الهمزة بأنْ تلينَها فإن كانت مفتوحة جعلت بين الألف والهمزة وإن كانت مضمومة جعلت بين الواو والهمزة وإن كانت مكسورة جعلت بين الياء والهمزة
وقال سيبويه :

ولا يجوز أن تجعل الهمزة بينَ بينَ في التخفيف إلا في موضع يجوز أن يقع موضعها حرف ساكن ولولا أن الألف يقع بعدها الحرف الساكن ما جاز ذلك لأنه لا يجمع بين ساكنين وذلك في المسائِل المسايلُ يجعلها بين الياء والهمزة وفي هباءةٍ هَبَاأَةٌ فيجعلونها بين الهمزة والألف يلينُ الصوتُ بها وتقول في : جزاءُ أُمهِ جَزاؤامُهِ جزاؤامُهِ
الضرب الثاني :
الهمزة المتحركة التي قبلها حرف ساكن ليس بحرف مَدٍّ فَمنْ يخفف الهمزة يحذفها ويلقي حركتها على الساكن الذي قبلها وذلك قولك في المرأة المَرةُ وفي الكماة الكَمَةُ وقال الذين يخففون : ( ألاَّ يسجدوا لله الذي يُخرجُ الخَبَ في السموات والأرض ) ومن ذلك : مَن بُوكَ ومَن مُّكَ وكَم بلكَ إذا خففت ومثل ذلك : الحمر تريد الأحمر وقد قالوا : الكماةُ والمُراة ومثله قليل ومما حذف في التخفيف لأن ما قبله ساكن قولهم : أَرَى وتَرَى ونَرى ويَرى
وقد أجمعت العرب على تخفيف المضارع من رأيت لكثرة استعمالهم إياه فإذا خففت همزة أرأَوهُ قلت : رَوْهُ حذفت الهمزة وألقيت حركتها وهي الفتحة على الراء وسقطت ألف الوصل وتقديره أرَأوهُ مثل : أرَعوهُ دخلت ألف الوصل من أجل سكون الراء فلما حركت سقطت ألف الوصل فإن أمرت واحداً قلت : ذاك نطقت بالراء وحدها وكان الأصل ارْأى فحذفت الألف التي هي لام الفعل للأمر كما حذفتها في : اخشَ يا هذا وكان الأصل اخشى وحذفت الهمزة للتخفيف وألقيت حركتها على الراء فسقطت ألف الوصل فبقيت الراء وحدها قال سيبويه : وحدثني أبو الخطاب : أنه سُمعَ من يقول : قد أَراهُم فجاء به على الأصل


باب ذكر الهمزة المتحركة لا تخلو الهمزة المتحركة من إحدى ثلاث جهات من الضم أو الكسر أوالفتح وكل همزة متحركة وقبلها حرف متحرك فتخفيفها أن تجعلها ( بينَ بينَ ) إلا أن تكون مفتوحة قبلها ضمة أو كسرة فإنك تبدلها وإنما صار ذلك كذلك لأن الهمزة لو خففتها وقبلها ضمة أو كسرة لنحوت بها نحو الألف والألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحاً وذلك محال فأما ما تجعل من ذلك ( بينَ بينَ ) فنحو : سأل وسَيئمَ وقد قَرأَهُ وكل همزة متحركة قبلها حرف متحرك فهذا حكمها أن تجعلها ( بينَ بينَ ) إلا ما استثنيتَهُ من الهمزة المفتوحة التي قبلها ضمة أو كسرة فإن كانت وقبلها فتحة جعلت بينَ بينَ بين الألف والهمزة وإن كان قبلها ضمة أبدلتها واواً وإن كان قبلها كسرة أبدلتها ياءً فتقول في التخفيف في التؤدةِ التودةُ فيجعلونها واواً خالصة ونريدُ أن نقريَكَ في نقرئك وفي المئرِ الميرُ ياء خالصة وتقول في المتصل منْ غلامُ يبِيكَ وهذا غلامُ وبِيكَ وإن كانت الهمزةُ مكسورةً وقبلها فتحو صارت بين الهمزة والياء وذلك في يَئَسَ يُيسَ وفي سَئِمَ سَيِمَ ( وإذْ قال إبراهيم )
وإن كانت مضمومة وقبلها فتحة صارت بين الهمزة والواو وذلك قولك : ضربتُ أُختَكَ وإن كانت مضمومة وقبلها ضمة جعلت بينَ

بينَ وذلك : هذا دِرهمُ أُختِكَ وإن كانت مضمومة وقبلها كسرة جعلت بينَ بينَ وذلك من عند أُختكَ وقال سيبويه : وهو قول العرب والخليل


باب الهمزتين إذا التقتا وذلك على ضربين : فضرب يكونان فيه في كلمة واحدة وضرب في كلمتين منفصلتين اعلم : أن الهمزتين إذا التقتا في كلمة واحدة لم يكن بُدٌّ من إبدال الآخرةِ ولا تخفف فمن ذلك قولك في فاعل جائي أبدلت مكانها الياء لأن ما قبلها مكسور وكذلك إن كان قبلها مفتوح جعلتها ألفاً نحو : آدمَ لإنفتاح ما قبلها قال : وسألت الخليل عن فَعْلَلٍ من جئتُ فقال : جَيأَي مِثالِ جَيعَاً وإذا جمعت آدم قلت : أَوادمُ كما أنك إذا حقرت قلت : أُويَدمٌ صيروا ألفهُ بمنزلة ألف خالدٍ لأن البدل من نفس الحرف فشبهت ألف آدم بألف ( خالدٍ ) لإنفتاح ما قبلها لأنها ليست من نفس الكلمة ولا بأصل فيها وأما خَطايا فأصلها خَطَائي فحقها أن تبدل ياء فتصير : خطائي فقلبوا الياء ألفاً رفَعوا ما قبلها كما قالوا مُداري أبدلوا الهمزة الأولى ياء كما أبدلوا ( مَطايا ) وفرقوا بينها وبين الهمزة التي من نفس الحرف وناس يحققون فإذا وقعت الهمزة بين ألفين خففوا وذلك قولهم : كساءان ورأيت كساءين كما يخففون إذا التقت الهمزتان لأن الألف أقرب الحروف إلى الهمزة ولا يبدلون ياء لأن الألف الآخرة تسقط ويجري الإسم في الكلام

الضرب الثاني : من التقاء الهمزتين وهو ما كان منه في كلمتين منفصلتين :
اعلم : أن الهمزتين إذا التقتا وكل واحدة منهما في كلمة فإن أهل التحقيق يخففون إحداهما ويستثقلون تحقيقهما كما يستثقل أهل الحجاز تحقيق الواحدة وليس من كلام العرب أن تلتقي همزتان محققتان إلا إذا كانتا عيناً مضاعفة في الأصل نحو : سمائين ومن كلامهم تحقق الآخرة وهو قول أبي عمرو وذلك قول الله عز و جل : ( فَقد جاء أشراطُها ) ( ويا زكريا إنا ) ومنهم من يحقق الأول ويخفف الآخرة وكان الخليل يستجب هذا ويقول : لأني رأيتهم يبدلون الثانية في كلمة واحدة كآدم وأخذ به أبو عمرو في قوله : ( يا ويلتا أَلِدُ وأنا عجوزٌ )
فحقق الأولى وقال سيبويه : وكل عربي والزنة واحدة محققة ومخففة ويدلك على ذلك قول الأعشى :

( أَانْ رَأَتْ رَجُلاً أَعْشَى أَضَرَّ بِهِ ... )
فلو لم يكن بزنتها محققة لانكسر البيت وأما أهل الحجاز فيخففون الهمزتين لأنه لو لم يكن إلا واحدة لخففت فتقول : اقرأ آية في قول من خفف الأولى لأن الهمزة الساكنة إذا خففت أبدلت بحركة ما قبلها ومن حقق الأولى قال : اقْرُ آية ويقولون : اقْرِيَ مثل : اقر آية لأنه خفف همزة متحركة قبلها حرف ساكن وأما أهل الحجاز فيقولون : اقرأ آيةً ويقولون : أَقرِي باكَ السلام يبدلون الأولى ياء لسكونها وإنكسار ما قبلها ويحذفون الثانية لسكون ما قبلها ومن العرب ناس يدخلون بين ألف الإستفهام وبين الهمزة ألفاً إذا التقتا وذلك لأنهم كرهوا التقاء الهمزتين ففصلوا كما قالوا : اخشينانِ فهؤلاء أهل التحقيق وأما أهل الحجاز فمنهم من يقول : آإنكَ وآأنتَ وهي التي يختار أبو عمرو ويدخلون بين الهمزتين ألفاً ويجعلون الثانية بينَ بين كما يخفف بنو تميم في التقاء الهمزتين وكرهوا الهمزة التي هي بينَ بين مع الأول كما كرهوا معها المخففة وأما الذين لا يخففون الهمزة فيحققونهما جميعاً ويدخلون بينها ألفاً وإن جاءت ألف الإستفهام وليس قبلها شيء لم يكن من تحقيقها بد وخففوا الثانية واعلم : أن الهمزة التي يحقق أمثالها أهل التحقيق من بني تميم وأهل الحجاز وتُجعل في لغة أهل التخفيف بينَ بين قد تبدل مكانها الألف إذا كان ما قبلها مفتوحاً والياء إذا كان ما قبلها مكسوراً ياء مكسورة وليس هذا بقياس مطرد وإنما يحفظ عن العرب حفظاً فمن ذلك قولهم

في ( منسأةٍ ) مِنْسأةٌ ومن العرب من يقول في أوْ أَنْتَ أوَّنْتَ وأبو يوب في أبو أيوب وكذلك المنفصلة إذا كانت الهمزة مفتوحة وقال بعض هؤلاء : سَوَّةٌ وضَو شبهوه بأوَّنْتَ فإن خففت في قولهم : أحْلِبني إبلَكَ وأبو أُمِّكَ لم تثقل الواو كراهية لإجتماع الواوات والضمات والياءات والكسرات وحذفت الهمزة وألقيت حركتها على ما قبلها وبعضهم يقول : يريد أن يَجيكَ ويَسُوكَ وهو يِجيكَ ويَسُوكَ يحذف الهمزة ويكره الضمة مع الياء والواو وعلى هذا تقول : هُوَ يَرمْ خْوانَهُ يريد : يَرمِ أخْوانُه حذف الهمزة وأذهب الياء لإلتقاء الساكنين
قال أبو بكر : ذكرنا ما يلحق الكلم بعد تمامها وبقي ما يلحق الكلم في ذاتها وهو تخفيف الهمز وقد ذكرناه والمذكر والمؤنث والمقصور والممدود والتثنية والجمع الذي على حدها والعدد وجمع التكسير والتصغير والنسب
والمصادر وما اشتق منها والأمالة والأبنية والتصريف والإِدغام وضرورة الشاعر


باب المذكر والمؤنث التأنيث يكون على ضربين : بعلامة وغير علامة فعلامة التأنيث في الأسماء تكون على لفظين : فأحد اللفظين التاء تبدل منها في الوقف هاء في الواحدة والآخر الألف أما الهاء فتأتي على سبعة أضرب
الأول : دخولها على نعت يجري على فعله وذلك قولك : في قائمٍ ومفطرٍ وكريم ومنطلقٍ إذا أردت تأنيث قائمة وقاعدة ومفطرة وما لم يُسمَ فهذا بابه وجميع هذا نعت لا محالة وهو مأخوذ من الفعل
الثاني : دخولها فرقاً بين الإسم المذكر والمؤنث الحقيقي الذي لأُنثاهُ ذكر وذلك قولهم : امرؤٌ وامرأةٌ ومرءٌ ومرأةٌ ويقولون رجَلٌ وللأُنثى رَجُلةٌ قال الشاعر :
( وَلَمْ يُبالوا حُرْمةَ الرَّجُلَةَ ... )
والثالث : دخولها فرقاً بين الجنس والواحد منه نحو قولك : تَمْرٌ وتَمرةٌ

وبُسرٌ وبُسرةٌ وشعير وشعيرةٌ وبقَر وبقَرةٌ فحق هذا إذا أخرجوا منه الهاء أن يجوز فيه التأنيث والذكير فتقول هو التَّمرُ وهو البُسرُ وهو العنب وكذلك ما كان في منهاجه ولك أن تقول : هي التَمرُ وهي الشعيرُ وكذلك ما كان مثلها قال الله عز و جل : ( كأنَّهم أعجازُ نَحُلٍ خاوية ) فالتذكير على معنى الجمع والتأنيث على معنى الجماعة ومن هذا الباب جَرادٌ وجرادةٌ وإنما هو واحد من الجنس ليس جرادٌ بذكرِ جَرادةٍ
واعلم : أن هذا الباب مؤنثه لا يكون له مذكر من لفظه لأنه لو كان كذلك لالتبس الواحد المذكر بالجمع وجملتها أنها مخلوقات على هيئة واحدة فأما حَيّةٌ فإنما منعهم أن يقولوا في الجنس ( حَيٌّ ) لأنه في الأصل نعتٌ حَيٌ يقع لكل مذكر من الحيوان ثم تنفصل أجناسها لضروب
الرابع : ما دخلته الهاء وهو مفرد لا هو من جنس ولا له ذَكرٌ وذلك : بلدةٍ ومدينة وقرية غُرفة
الخامس : ما تدخله الهاء من النعوت لغير فرق بين المذكر والمؤنث فيه وهو نعت للمذكر للمبالغة وذلك : عَلاّمةٌ ونَسابةٌ وراويةٌ فجميع ما كانت فيه الهاء من أي باب كان فغير ممتنع جمعه من الألف والتاء لحيوان أو غيره لمذكر أو مؤنث قَلتْ أو كثرتْ
السادس : الهاء التي تلحق الجمع الذي على حد مفَاعِلَ وبابه ينقسم على ثلاث أنحاء فمن ذلك ما يراد به النَّسبُ نحو : الأَشاعثةِ والمهالبةِ والمَناذرةِ والثاني : أن يكون من الأعجمية المعربة نحو
الجَواربةِ والمَوازجةِ والسيَّابجةِ والبرابرةِ
وهذا خاصة يجتمع فيه النسب والعجمة فأنث في حذف الهاء من هذا والذي قبله بالخيار
الثالث : أن تقع الهاء في الجمع عوضاً من ( ياء ) محذوفة فلا بد منها أو

من الياء وذلك في جمع جحجاجٍ جَحاجيجٌ وفي جمع زنديق زَناديقٌ وفيفرزان فرازين فإن حذفت الياء قلت فَرازنةٌ وزَنادقةٌ وجحاجحَةٌ وليس هذا كعَساقلةٍ وصيَاقلةٍ لأنك حذفت من هذا شيئاً لا يجتمع هو والهاء ولو اجتمعا لم يكن مُعاقباً ولا عوضاً
وإنما قلت : إن باب الهاء في الجمع للنسب والعجمة لمناسبة العجمة أن تناسب الهاء ألا ترى أن الإسم تمنعه الهاء من الإنصراف كما تمنعه العجمة فيما جاوز الثلاثة وإن الهاء كياء النسب تقول : بطةٌ وبَطٌ وتَمرةٌ وتَمرٌ فلا يكون بين الواحد والجمع إلا الهاء وكذلك تقول : ( زنجيٌ وزنجٌ وسنديٌ وسندٌ وروميٌّ ورومٌ ويهوديٌّ ويهودٌ ) فلا يكون بين الجمع والواحد إلا الياء المشددة وكذلك التصغير إنما يصغر ما قبل الياء المشددة التي للنسبة تأتي بها في أي وزن كان وكذلك تفعل بالهاء تقول في تصغير تَميميٌ تُميميٌّ وفي تصغير جمزي جُمَيزيٌّ وتقول : في عنترةَ عُنَتيريٌّ فالإسم على ما كان عليه
السابع : ما دخلت عليه الهاء وهو واحد من جنس إلا أنه للمذكر والأنثى وذلك نحو : حمامةٍ ودجاجةٍ وبطةٍ وبقرةٍ واقع على الذكر والأنثى ألا ترى قول جرير :
( لمَّا تَذَكَّرتُ بِالدَّيْرَيْنِ أَرَّقَنِي ... صَوْتُ الدَّجَاجِ وقَرْعٌ بالنَّواقِيسِ )
إنما يريد : زُقاءِ الديوكِ


باب التأنيث بالألف هذه الألف تجيء على ضربين : ألف مقصورة وألف ممدودة والألف المقصورة تجيء على ضربين : فضرب لا يشك في ألفهِ أنها ألف تأنيث وضرب يلبس فيحتاج إلى دليل
الأول : ما جاء على فُعْلَى فهو أبداً للتأنيث لا يكون هذا البناء لغيره وذلك نحو : حُبْلى وأُنثى وخُنْثى ودُنْيا لأنه ليس في الكلام اسم على مثال ( جَعْفَر ) فهذا ممتنع من الإلحاق
الثاني منه : ما جاء على وزن الأصول وبابه أن ينظر هل يجوز إدخال الهاء عليه
فإن دخلت فإنه ليس بألف تأنيث لأن التأنيث لا يدخل على التأنيث وإن امتنعت فهي للتأنيث فما الذي لا تدخل عليه الهاء فَسكرى وغْضبى ونحوه مما بني الذكر منه على فَعْلانَ نحو : سَكْرانَ وغَضبانَ وكذلك جمعه نحو : سَكارى في أن الألف للتأنيث ومن ذلك : مَرْضَى وهَلْكَى ومُوتى فأما ما تدخله الهاء فنحو : عَلْقَاةٍ وأرطأَةٍ وقد ذكرته فيما ينصرف وما لا ينصرف
الضرب الثاني : من ألف التأنيث هو الألف الممدودة :
وهي تجيء على ضربين : منه ما يكون صفة للمؤنث ولمذكره لفظ منه على غير بنائه ومنه ما يجيء اسماً وليس له مذكر اشتق له من لفظه
فالضرب

الأول يجيء على فَعْلاء نحو : حَمْراءَ وخَضْراءَ وسوداءَ وبيضاءَ وعوراءَ : والمذكر من جميع ذا على ( أَفعلَ ) نحو : أَحمرَ وأخضرَ وأَعورَ وجميع ما جاء على هذا اللفظ مفتوح الأول فألفه للتأنيث
وأما ما جاء اسماً لواحد ولجميع فالواحد نحو : صَحْراءَ وطَرْفاءَ وقَعْساءَ وحلفاء وخنفساء وقرفصاء وأما ما جاء لجمع فنحو : الحكماء والأصدقاء والأخمساء وأما بطحاء وأبطحُ : فأصله صفة وإن كان قد غلب عليه حتى صار اسماً مثل : أَبرق وبَرقاءَ وإنما هو اختلاط بياض البقعة بسوادها يقال : جبَلٌ أَبرق وأما قوباء وخُششَاء فهو ملحق بقسطاطَ وقرطاطَ وكذلك : علباء وحرباءُ وقِيقاء وزيزاءُ مذكرات ملحقات بسرادحٍ ومداتُهن منقلبات وما كان على هذا الوزن مضموم الأول أو مفتوحاً ليست ألفه للتأنيث
الضرب الثاني : من القسمة الأولى من المؤنث :
وهو ما أُنث بغير علامة من هذه العلامات وهذا النوع يجيء على ثلاثة أضرب منه ما صيغ للمؤنث ووضع له وجعل لمذكره اسم يخصه أيضاً فغير عن حرف التأنيث واسم يلزم التأنيث وإن لم تكن له علامة ولا صيغة تخصه ولكن بفعله وبالحديث عنه تأنيثه واسم يذكر ويؤنث
الأول : قولك : أَتانٌ وحمارٌ وعَناقٌ ورخلٌ وجملٌ وناقةٌ صار

هذا المؤنث بمخالفته المذكر معرفاً معروفاً ( بذي ) عن العلامة ومن قال رجل وامرأة وهو المستعمل الكثير فهو من ذلك وكذلك حَجَرٌ
الثاني : ما كان تأنيثه بغير علامة ولا صيغة وكان لازماً أما الثلاثي فنعرفه بتصغيره وذلك أنه ليس شيءٌ من ذوات الثلاثة كان مؤنثاً إلا وتصغيره يرد الهاء فيه لأنه أصل للمؤنث وذلك قولك : في بَغْلِ بُغَيلَةٌ وفي ساقٍ سُويقةٌ وفي عَين عيينةٌ وأما قولهم في : حَرْبٍ حُرَيْبٌ وفي فَرَسٍ فُرَيسٌ فإن حراباً إنما هو في الأصل مصدر سمي به وأما فرس فإنه يقع للمذكر والأنثى فإن أردت الأنثى خاصة لم تقل إلا فُرَيسةٌ فإن كان الإسم رباعياً لم تدخله الهاء في التصغير وذلك نحو : مَقْربٍ وأرنب وكل اسم يقع على الجمع لا واحد له من لفظه إذا كان من غير الآدميين فهو مؤنث وذلك نحو : إبلٍ وغنمٍ تقول في تصغير غنمٍ غُنَيمةٌ وفي إبلٍ أُبَيلَةٌ ولا واحد في لفظه وكذلك خَيلٌ هو بمنزلة هندٍ ودعدٍ وشمسٍ فتصغر ذلك فتقول : غُنَيمةٌ وخُيَيلَةٌ فإن كان شَيءٌ من ذلك من الناس فهو مذكر ولك أن تحمله على التأنيث
الثالث : وهو ما يذكر ويؤنث :
فمن ذلك الجموع لك أن تذكر إذا أردت الجمع وتؤنث إذا أردت الجماعة فأما قومٌ فيقولون في تصغيره قوَيمٌ وفي بَقَرٍ بُقَيرٌ وفي رَهْطٍ رُهَيطٌ لأنك تقول في ذلك ( هم ) ولا يكون ذلك لغير الناس فإن قلت فقد أقول : جاءتِ الرجالُ و ( كذبت قبلهم قوم نوح ) وما أشبه ذلك فإنما تريد جاءتْ جماعةُ الرجالِ وكذبت جماعة قوم نوح كقول الله تعالى : ( واسألِ

القريةِ ) إنما هو أهل القرية وأهل العيرِ فما كان من هذا فأنت في تأنيثه مخير ألا ترى إلى قول الله تعالى : ( كأنهم أعجاز نخل منقعر ) فهذا على لفظ الجنس
وقال ( كَأَّنهم أعجازُ نَخلٍ خاوية ) على معنى الجماعة وتقول : هذه حصىً كبيرةٌ وحصىً كثيرةٌ وكذلك كل ما كان ليس بين جمعه وواحده إلا الهاء قال الأعشى :
( فإنْ تَبْصِرِني وَلِي لِمَّةٌ ... فإنَّ الحَوَادِثَ أَودَى بِهَا )
لأن الحوادث جمع حَدثٍ والحدثُ مصدر والمصدر واحدهُ وجمعه يؤولان إلى معنى واحد وكذلك قول عامر بن حريم الطائي :
( فَلا مُزْنَةٌ وَدَقَتْ وَدْقَهَا ... ولا أَرْضَ أَبْقَلَ إبقَالَها )
لأن أرضاً ومكاناً سواءٌ ولو قال على هذا : ( إنَّ زينبَ قامَ ) لم يجز لأن

تأنيث هذا تأنيث حقيقي فمهما اعتوره من الإسم فخبرت عنه بذلك فإنّ الخبر عنه لا عن الإسم
واعلم : أن من التأنيث والتذكير ما لا يعلم ما قصد به كما أنه يأتيك من الأسماء ما لا يعرف لأي شيء هو تقول : فِهْرٌ فهي مؤنثةٌ وتصغيرها فُهَيرَةٌ وتقول : قَتَّبٌ لحشوةِ البَطنِ وهو المعي وتصغيره قُتَيبَةٌ وبذلك سمي الرجل قُتَيبَةً وكذلك : طريقٌ وطرقٌ وطريقين جُرنِ وجُرناتِ وأوطبُ وأواطبُ والشيء قد يكون على لفظ واحد مذكر ومؤنث فمن ذلك : اللسان يقال هو وهي والطريقُ مثله والسبيلُ مثلهُ وأما قولهم : أرضٌ فكان حقه أن يكون الواحدُ أرضةٌ والجمع أرضٌ لو كان ينفصل بعضها من بعض كتمرةٍ من تَمرٍ ولكن لما كانت نَمطَاً واحداً وقع على جميعها اسم واحد كما قال الله عز و جل : ( فاطر السمواتِ والأرضِ ) وقال : ( ومَنْ في الأرض مثلهنَّ ) فإذا اختلفت أجناسها بالخلقة أو انفصل بعضها من بعض بما يعرض من حزنٍ وبَحرٍ وجَبلٍ قيلَ : أرضون كما تقول في التَمرِ تمرانِ تريد ضربين فكان حق أرض أن تكون فيها الهاء لولا ما ذكرنا وإنما قالوا : أرضونَ والمؤنث لا يجمع بالواو والنون إلا أن يكون منقوصاً كمشيةٍ وثُبةٍ وقُلَةٍ وكليةٌ لا بد أنها كانت هاءً في الأصل فلذلك جاءت الواو والنون عوضاً
وطاغوت فيها اختلاف فقوم يقولون : هو أحد مؤنث وقال قوم : بلْ هو اسم للجماعة قال الله تعالى : ( الذين اجَتنبُوا الطاغوتُ أنّ يعبدوها ) فهذا قول قال محمد بن يزيد : والأصوب عندي والله أعلم أنه جماعة وهو كل ما عُبد من دون الله من إنسٍ وجِنٍ وغيره ومن حَجرٍ وخَشبٍ و ما سوى ذلك قال الله عز و جل :

( أولياؤهم الطاغوت يخرجونَهم من النور إلى الظلمات ) فهذا مبين لا شك فيه ولا مدافعة له وقولهم : إنه يكون واحدة لم يدفعوا به أن يكونوا الجماعة وادعاؤهم أنه واحدة مؤنثة تحتاج إلى نعت والعنكبوت مؤنثة قال الله جل اسمه ( كَمثلِ العنكبوتِ اتخذتْ بيتاً ) والسّماء تكون واحدة مؤنثة بالبنية على وزن عناقٍ وأتانٍ وكل ما أُنث وتأنيثه غير حقيقي والحقيقي : المؤنثُ الذي له ذكر فإذا ألبس عليك فرده إلى التذكير فهو الأصل قال الله تعالى : ( فَمنْ جاءهُ موعظةٌ مِنْ ربهِ فانتهى ) لأن الوعظ والموعظة واحد وأما حائضُ وطامثٌ ومُفْصلٌ فهو مذكر وصف به مؤنث
ذكر المقصور والممدود :
وهما بناتُ الياء والواو اللتين هما لامات فالمنقوص كل حرف من بنات الياء والواو وقعت ياؤه أو واوه بعد حرف مفتوح فأشياء يعلم أنها منقوصة لأن نظائرها من غير المعتل إنما يقع أواخرهنَّ بعد حرف مفتوح وذلك نظائرها من غير المعتل وذلك نحو : مُعْطي وأشباهه لأنه معتل مثل مُخْرَجٍ ومثل ذلك المفعول وذلك أن المفعول من سَلقيتَهُ فهو مُسَلْقىً والدليل على ذلك أنه لو كان بدل هذه الياء التي في ( سلقيتُ ) حرفاً غير الياء لم يقع إلا بعد مفتوح فكذلك هذا وأشباهه وكل شيءٍ كان مصدراً لفَعلَ يفعَلُ وكان الإسم أَفعلُ فهو منقوص لأنه على مثال : حوِل يحول فهو حول واسمه أحول فمن ذلك قولهم : للأعشى به عَشيٌ وللأعمى به عَمَىً

وللأقنى به قُنَىً وما يعلم أنه منقوص أن ترى الفعلَ فُعَلَ يَفْعَلُ والإسم منهُ فَعَلٌ وذلك فَرقَ يَفْرَقُ فَرقَاً فمصدر هذا من بنات الياء والواو على ( فَعَلٍ ) هَوْيَ يَهْوى ورديت تَردَى وهو رَدٍ وهو الردَّى وصديت صَدىً وهو صَدٍّ ولويتَ لوىً وكذلك : كَري يكْرى كرَىً وإذا كان ( فَعِلَ ) يَفعَلُ فَعلاء والإسمُ منه فَعْلانُ فهو أيضاً منقوص نظيره من الصحيح : عَطشَ يعطَشُ عَطَشَاً وهو عطشانُ وله فَعْلَى نحو : عَطْشى والمعتل : نحو طَوِيَ يَطوي طَوىً وصَديَ يَصْدى صَدىً وهو صديانُ وقالوا : رَضيَ يَرضى رَضاً وهو رَاضٍ وهو الرضا ونظيره : سَخِطَ يسخطُ سخطاً وهو ساخطٌ وكسروا الراء من رضاً كما قالوا : الشِيعُ فلم يجيئوا به على نظائره وذا لا يُجسر عليه إلا سماعاً ومن المنقوص ما لا يعلم أنه منقوص إلا بالسماع نحو : قَفَاً ورحىَّ وقد يستبدل بالجمع إذا سمعتَ أرحاءَ وأقفاءَ علمت أنه جمع لمنقوص وهذا بين في الجمع وكل جماعة واحدها فِعْلة أو فُعْلَة فهي مقصورة نحو : عُروة وعُرىً وفريةِ وفِرىً أما الممدود فكل شيء ياؤه أو واوه بعد ألف فمنها ما يعلم أنه ممدود في كل شيء نحو : الإستسقاء لأن استسقيتُ مثل استخرجتُ فكذلك الإشتراء لأن اشتريتُ مثل احتقرت ومن ذلك الأحبنطاء والإسلنقاء فإنه يجيء على مثال الإستفعال في وروده ووزن متحركاته وسواكنه ومما يعلم أنه ممدود أن تجد المصدر مضموم الأول ويكون للصوت وذلك نحو : العُواء والزقاء والرُّغاء ونظيره من غير المعتل الصُّراخُ والنُّباحُ ومن ذلك البُكاءُ قال الخليل : والذينَ

قصروهُ جعلوهُ كالحزنِ ويكون العلاج كذلك نحو النُّزاء ونظيره من غير المعتل القُماصُ وقلما يكون ما ضُم أوله من المصدر منقوصاً لأن فُعَلاً لا تكاد تراه مصدراً من غير بنات الياء والواو ومنه ما لا يعلم إلا سماعاً نحو : السماءِ والرشاءِ والألاء والمقلاء ومما يعرف به الممدود الجمع الذي يكون على مثال أَفْعِلَةٍ فواحدها ممدود نحو : أَفْنِيةٍ واحدُها فِنَاء وأرشِيَةٍ واحدها رشاءُ
ذكر التثنية والجمع الذي على حد التثنية الأسماء المثناة والمجموعة على ضربين : صحاحٌ ومعتلة فأما الصحاحُ فقد تقدمت معرفتها وهذا الجمع إنما يكون لمن يعقل خاصة والمعتل على ثلاثة أضرب مقصورٍ وممدودٍ وما آخرهُ ياءٌ
الأول المقصور : ما كان على ثلاثة أحرف فصاعداً فالألف بدل غير زائدة فإن كان من بنات الواو أظهرت الواو وإن كان ياء أظهرت الياء فبنات الواو مثل : قَفاً وعَصاً ورَحاً والدليل عليه قولهم رضَاً فلا يميلون وليس شيءٌ من بنات الياء لا يجوز فيه الإِمالةُ فتقول على هذا فيه : قَفوانِ وعصوانِ ورحوانِ ومن ذلك رِضَاً والدليل على أن الألف منقلبة من واو قولهم : مرضُوّ ورُضوان وأما مرضيٌ فبمنزلة مَسنيةٍ وهي من سنوتُ استثقلوا الواوين فأبدلوا وبنات الياء مثل : رَحَى وعَمى وهُدىً

وفَتىً لأنهم يقولون : فتيانِ ورَحيانِ فأما الواو في الفتوةِ فمن أجل الضمة التي قبلها وحكم الجمع بالتاء في هذا حكم التثنية قالوا : قنواتٌ وأدواتٌ وتقول في رباً ربوانِ لقولهم : ربوتُ فإذا جاء من المنقوص شيءٌ ليس له فعل ولا اسم تثبت فيه الواو وألزمت ألفه الإنتصاب فهو من بنات الواو نحو : لَدىَّ وإلىَّ وإنما يثنيان إذا صار اسمين وإن جاء من المنقوص شيء ليس فِعلٌ تثبت فيه الياء وإلا اسم وجازت إمالته فالياء أولى به وذلك نحو : مَتى وبَلى وحكم الجمع بالتاء حكم التثنية فإن كان الإسم المقصور على أربعة أحرف فما زاد أو كانت ألفهُ بدلاً من نفس الحرف أو زائدة فتثنية ما كان من الواو من هذا كتثنية ما كان من الياء والجمع بالتاء كالتثنية وذلك نحو قولك : في مصطفى مصطفيانِ ومصطفياتُ وأعمى وأعميانِ فإن جمعتَ المنقوص جمع السلامة فإنك تحذف الألف وتدع الفتحة التي قبلها على حالها تقول في مصطفى مصطفون وفي رجل سميتهُ : قَفاً قَفونَ
الثاني : من الممدود : اعلم : أن الممدود بمنزلة غير المعتل تقول في كساءٍ : كساءانِ وهو الأجودُ فإن كان لا ينصرف وآخره زيادة جاءت للتأنيث فإنك تبدل الألف واواً وكذلك إذا جمعته بالتاء وذلك قولك جمراوان وحمراواتٌ وناس كثيرون يقولون : علباوانِ وحرباوانِ شبهوه بحمراء إذ كان زائداً مثله وإنما تثنيته علباءانِ وحرباءانِ لأَن علباءُ ملحق بسرواحَ والملحق كالأصل وهذا يبين في التصريف وقال ناس : كساوانِ وغطاوانِ ورداوانِ وإن جعلوه بمنزلة عِلْبَاءَ وعلباوان أكثر من كساوان قال سيبويه : وسألته يعني الخليل عن عقلتُهُ بثنايينِ لِمَ لَمْ يهمز فقال : لأنه لم يفرد لهُ واحدٌ

الثالث : الإسم المعتل : الذي لامهُ ياء قبلها كسرة نحو : قاضٍ وغَازٍ تثنيه : قاضيان وغازيانِ وتجمعهُ : قاضونَ وتثبت الياء في التثنية وتسقط في الجمع
كما كانت في مصطفى إذا ثنيت فقلت : مصطفيان وإذا جمعت قلت : مصطفونَ والتثنية ترد فيها الأشياء إلى أصولها


باب جمع الإسم الذي آخره هاء التأنيث إذا سميتَ رجلاً : طلحة أو امرأة فجمعهُ بالتاء لا تغيره عما كان عليه فأما حُبلَى وحمراءُ وخُنفساءُ إن سميتَ بها رجلاً قلت : حُبلون وحمراوونَ تجمع جميع هذا بالواو والنون لأنها ليست تَزولُ إذا قلت : حَمراوانٍ فمن حيثُ قلت حمراوانِ قلت : حمراوونَ ولما لم يجزْ تمرتانِ لم يجز تَمرتونَ وتجمعُ عيسى وموسى عيسونَ وموسونَ


باب جمع الرجال والنساء قال سيبويه : إذا جمعت اسمَ رجلٍ فأنت فيه بالخيار إن شئت جمعته بالواو والنون وإن شئت كسرته وإذا جمعت اسم امرأةٍ فأنت بالخيار جمعت بالتاء وإن شئت كسرته على حد ما تكسر عليه الأسماء للجمع فإذا سميت بأحمر قلت : الأحامرُ جعلته مثل أرنبٍ وأرانب وأخرجته من جمع الصفة وإن سميت بورقاء جعلتها كَصلْفاء تقول : صلاف وصحراء صَحارٍ وإن جمعت خالداً وحاتماً قلت : خَوالدٌ وحواتمُ ولو سميت رجلاً أو امرأةً بسنَةٍ لكنت بالخيار وإن شئت قلت : سنونَ وإن شئت قلت : سنواتٌ وكذلك ثُبةٌ تقول : ثُباتٌ وثُبونَ لا تجاوز جمعهم الذي كان عليه وشِيةٌ وظُبَةٌ شِياتٌ وظُباتٌ لأنهم لم يجاوزوا هذا وكان اسماً قبل أن يسمى به
وابنٌ بنونُ وأبناءُ وأُم أُمهاتٌ وأُماتُ واسمٌ وأسمون وأسماء
وامرؤ امرؤنَ مستعمل بألف الوصل وإنما سقطت في بنون لكثرة استعمالهم إياه
وشاةٌ إذا سميت بها لمْ تقلْ إلا شِيَاةٌ لأنهم قد جمعوه ولم يجمعوه بالتاء
ولو سميت رجلاً بُربةَ فيمن خفف قلت : رُباتٌ وربونَ وعِدةٌ

عِدات وعدونَ كَلدونَ وشَفَةٌ في التكسير شفاهٌ ولا يجوز في أُمة آماتٌ ولا شفاتٌ كذا قال سيبويه والقياسُ يجيزهُ وقالوا : آمٌ وإماءٌ في أمةٍ وقال بعضهم : أَمَّةٌ وإموانٌ ولو سميت رجلا بِبُرة لقلت : بُرىً مبرةٌ كما فعلوا به قبل : وإذا جاء شيء مثل ( برةَ ) لم تجمعه العرب ثم قست ألحقت التاء والواو والنون لأن الأكثر مما فيه هاء التأنيث من الأسماء التي على حرفين الجمع بالتاء والواو والنون ولم تكسر على الأصل وإن سميت رجلا وامرأة بشيء كان وصفاً ثم أردت أن تكسره كسرته على تكسيرك إياه لو كان اسماً على القياس فإن كان اسماً قد كسرته العرب لم تجاوز ذلك وأما والدٌ وصاحبٌ فجعلوهما كضاربٍ وإن تكلم بهما كما يتكلم بالاسماء فإن أصلهما الصفة وإذا كسرت الصفة على شيءٍ قد كسر عليه نظيرها من الأسماء كسرتها إذا صارت اسماً على ذلك كما قالوا في أحمرَ أحامُر والذين قالوا : في حارثٍ حَوارثُ إنما جعلوه اسماً ولو كان صفة لكان حارثونَ ولو سميت رجلاً بِفَعيلةٍ قلت : فَعَائِلُ وإن سميته بشيء قد جمعوهُ فُعُلاً جمعته كما جمعوه مثل صَحيفة وصُحُفٍ وسفينةٍ وسُفُنٌ وإن سميته بفَعيلةِ صفة لم يجز إلا فَعَائلُ لأنه الأكثر ولو سميته بعجوز قلت : العُجُزُ نحو : عَمودٍ وعُمُدٌ وقالوا في أَبٍ أبونَ وفي أخٍ أخونَ لا يغير إلا أن تحذف العرب شيئاً كما قال :
( وفَديننَا بالأَبيِنا ... )

وعثمان : لا يجوز أن تكسره لأنك توجب في تحقيره عُثَيمينَ وإنما تحقيره عُثَيمانُ وهذا يبين في التصغير وما يجمع الإسم فيه بالتاء من هذه المنقوصة لمذكر كان أو لمؤنث فرجلٌ تسميه : ببنتٍ وأُختٍ وهَنتٍ وذَيتٍ تقول في جمعه : بناتُ وذَيَّاتُ وهَناتُ وفي أختٍ أخواتٌ وإن سميته : بمساجد ومفاتيح جمعته للمذكر بالواو والنون والمؤنث بالالف والتاء لأنه جمع لا يكسر وكذلك قالوا : سَراويلاتٌ حين جاء على هذا المثال وإن سميت بجمع يجوز تكسيره كسرته وإن سمعت اسماً مضافاً فهو مثل جمعه مفرد تقول في عبد الله كما تقول : عبدونَ وأسقطت النون للإِضافة وإن جمعت أبا زيدٍ قلت : أباءُ زيدٍ لأنك عرفتهم بالثاني وإن جمعت بالواو والنون قلت : أبو زيدٍ تريد : أبونَ قال سيبويه : وسألت الخليل عن قولهم الأشعرونَ فقال : كما قالوا : الأشاعرةُ والمسامعةُ حين أراد بني مِسْمَعٍ وكذلك الأعجمون كما قال بعضهم : النميرونَ وليس كل هذا النحو تلحقه الواو والنون ولكن تقول فيما قالوه يعني بقوله : هذا النحو الجمع الذي جاء على معنى النسبة
قال سيبويه : وسألت الخليل عن ( مقتوىً ومقتوينَ ) فقال : هو بمنزلة النسب للأشعرين وقال سيبويه : لم يقولوا :

( مَقتَونَ ) جاءوا به على الأصل وليس كل العرب تعرف هذه الكلمة وقوله : جاءوا به على الأصل لأن الواو حقها إذا تحرك ما قبلها فانفتح أن تقلب ألفاً فإن صارت ألفاً طرحت لإلتقاء الساكنين كما قال : مصطفونَ وقال في تثنية المبهمة ذانِ وتانِ واللذانِ ويجمع اللذونَ وإنما حذفت الياء ( في ) من الذي والألف في ذا في هذا الباب ليفرقا بينها وبين الأسماء المتمكنة غير المبهمة وهذه الأسماء لا تضاف
ذكر العدد الأسماء التي توقع على عدة المؤنث والمذكر لتبين ما العدد إذا جاوز الإثنين والثنتين إلى أن يبلغ تسعَ عشرة وتسعةَ عشَر فإذا جاوز الإثنين فيما واحدة مذكر فإن أسماء العدد مؤنثة فيها الهاء وذلك ثلاثة بنين وأربعةُ أجمالٍ فإن كان واحده مؤنثاً أخرجت الهاء وذلك قولك : ثلاث بناتٍ وأربعُ نسوةٍ فإذا جاوز المذكر العشرة فزاد عليها واحداً قلت : أحدَ عشَر وإن جاوز المؤنث العشرةَ فزاد عليها واحداً قلت : إحدى عشِرَةَ في لغة بني تميم وبلغة أهل الحجاز : إحدى عَشْرَةَ وإن زاد المذكر واحداً على أحدَ عَشَر قلت : اثنا عشرَ وإن له اثني عَشر حذفت النون لأن عشرَ بمنزلة النون والحرف الذي قبل النون حرف إعراب وإذا زاد المؤنث واحداً على إحدى عَشرة قلت ثِنتا عَشِرَةَ وإن له ثنتي عشِرة واثنتي عشِرة وبلغة أهل

الحجاز عَشْرة فإذا جاوزت ذلك قلت : ثلاثة عشَر وأذا زاد على ثنتي عشَرة واحداً قلت : ثلاثَ عشَرة وحكم أربعةَ عشَر وما يليها من العدد إلى العشرين من حكم ثلاثةَ عشَر


باب ما اشتق له من العدد اسم به تمامه وهو مضاف إليه وذلك قولهم : خامسُ خَمْسَةٍ وثاني اثنينِ وثالثُ ثلاثةٍ إلى قولك : عاشرُ عَشرةٍ فقولك : ثاني وثالث مشتق من اثنين وثلاثة وبالثالث كمل العدد فصار ثلاثة وقد أضفته إلى العدد وهو ( ثلاثة ) فمعناه : أحد ثلاثةٍ وأحدُ أربعة وتقول للمؤنث : خامسةُ فتدخلها الهاء كما تدخل في ( ضاربةٍ ) لأنك قد بنيته بناء اسم الفاعل فإذا أضفت قلت : ثالثةَ ثلاث ورابعةُ أربع وتقول : هذا خامسُ أربعةٍ تريد : هذا الذي خمسُ الأربعة وتقوله في المؤنث : هذا خامسةُ أربعٍ وكذلك جميع هذا من الثلاثة إلى العشرة فإذا أردت أن تقول في أحدَ عَشر كما قلت : في ( خامس ) قلت : حادي عَشر وثاني عشر وثالث عشر إلى أن تبلغ إلى تسعة عشر ويجري مجرى خمسة عشر في فتح الأول والآخر
وفي المؤنث : حاديةَ عشَرة كذلك إلى أن تبلغ تسعةَ عشَر
ومن قال خامسُ خمسةٍ قال : خامسُ خمسةَ عَشَر وحادي أحد عَشر . ( فحادي وخامس ) ها هنا يجرُّ ويرفع ولا يبنى وبعضهم يقول : ثالثَ عشر ثلاثةَ عشَر ونحوه وهو القياس وليس قولهم :

ثالثُ ثلاثةَ عشَر في الكثرة كثالث ثلاثةٍ لأنهم قد يكتفون بثالث عشر وتقول : هذا حادي أحد عشَر إذا كُنَّ عشَر نسوة فيهن رجل ومثل ذلك : خامسُ خمسةَ إذا كن أربع نسوة فيهن رجلٌ كأنك قلت : هو تمامُ خمسةٍ والعرب تغلب التذكير إذا اختلط بالمؤنث وتقول : هو خامسُ أربعةٍ إذا أردت به أن صير أربع نسوةٍ خمسةً ولا تكاد العرب تكلم به وعلى هذا تقول : رابعُ ثلاثةَ عشَر كما قلت : خامسُ أربعةٍ فأما بضعةَ عشر فبمنزلة تسعةَ عشَر في كل شيء وبضعَ عشرة كتسعَ عشَرة في كل شيءٍ


باب العدد المؤنث المواقع على معدود مؤنث تقول : ثلاث شياهٍ ذكورٌ ولهُ ثلاثٌ من الشَّاءِ والإِبل والغنم فأجريت ذلك على الأصل لأن أصله التأنيث وقال الخليل قولك : هذا شَاةٌ بمنزلة قولك : هذا رحمةٌ
أي هذا شيء رحمةٌ وتقول : له ثلاث من البطِ لأنك تصيره إلى بطةٍ وتقول له ثلاثةٌ ذكور من الغنم لأنك لم تجيء بشيء من التأنيث إلا بعد أن أضفت إلى المذكر ثم جئت بالتفسير فقلت : من الإِبل ومن الغنم لا تذهب الهاء كما أن قولك : ذكورٌ بعد قولك : من الإِبل لا تثبت الهاء وتقول : ثلاثةُ أشخصٍ وإن عنيتَ نساءً لأن الشخص اسم مذكر وكذلك : ثلاثُ أعينٍ وإن كانوا رجالاً لأن العين مؤنثةُ تريد الرجل الذي هو عين القوم وثلاثة أنفسٍ لأن النفس عندهم : إنسان وثلاثة نساباتٍ وهو قبيح لأن النسابةَ صفةٌ فأقمت الصفة مقام الموصوف فكأنه لفظ بمذكر ثم وصفه فلم يجعل الصفة تقوى قوة الإسم
وتقول : ثلاثةُ دوابٍ إذا أردت المذكر لأن أصل الدابة عندهم صفة فأجروها على الأصل وإن كان لا يتكلم بها كأسماءٍ
وتقول : ثلاثُ أَفراسٍ إذا أردت المذكر لأنه قد ألزم التأنيث وتقول : سار خمسُ عشرة من بين يوم وليلةٍ لأنك ألقيتَ الإسم على الليالي فكأنك قلت : خمسَ عشَرة

ليلةٍ وقولك : من بين يومٍ وليلةٍ توكد بعد ما وقع على الليالي لأنه قد علم : أن الأيام داخلة مع الليالي وتقول : أعطاهُ خمسَةَ عشَرَ من بينِ عبدٍ وجاريةٍ لا غيرَ لإختلاطها قال سيبويه : وقد يجوز في القياس : خمسةَ عشَر من بين يومٍ وليلةٍ وليس بحدٍّ في كلام العرب وتقول : ثلاثُ ذَودٍ لأن الذود أنثى وليس باسم كسر عليه فأما ثلاثة أشياء فقالوها لأنهم جعلوا أشياء بمنزلة أفعال لو كسروا عليه ( فَعْلٌ ) ومثل ذلك : ثلاثَةُ رَجْلةٍ لأنه صار بدلاً من أرجالٍ وزعم الخليل : أن أشياء مقلوبةٌ كقسى وزعم يونس عن رؤبة : أنه قال : ثلاث أنفسٍ على تأنيث النفس كما قلت : ثلاثُ أعينٍ
واعلم : أن الصفة في هذا الباب لا تجري مجرى الإسم ولا يحسنَ أن تضيف إليها الأسماء التي تعدد تقول : هؤلاء ثلاثةٌ قَرشيونَ وثلاثة مسلمونَ كراهية أن يجعل الإسم كالصفة إلا أن يضطر شاعر
ذكر جمع التكسير هذا الجمع يسمى : مكسراً لأن بناء الواحد فيه قد غُير عما كان عليه فكأنه قد كسر لأن كسر كل شيءٍ تغييره عما كان عليه والتكسير يلحق الثلاثي من الأسماء والرباعي ولا يكادون يكسرون اسماً خماسياً لا زائد فيه فمتى كسروه حذفوا منه وردوه إلى الأربعة ويكسرون ما يبلغ بالزيادة أربعة أحرف فأكثر من ذلك لأنه يسوغ لهم حذف الزائد منه

والذي يحذف على ضربين : ضرب يحذف ويعرض من الحذف الياء تعويضاً لازماً وضرب التعويض فيه وتركه جائزان وسنذكر كل واحد من ذلك في موضعه إن شاء الله وأبنية هذه الجموع تجيء أيضاً على ثلاثة أضربٍ : ضرب يكون اسماً للجمع ومنها ما بني للأقل من العدد وهي العشرة فما دونها ومنها ما هي للأكثر والكثير ما جاوز العشرة ويتسعون فيها فمنها ما يستعمل في غير بابه ومنها ما يقتصر به على بناء القليل عن الكثير والكثير منها ما يستغنى فيه بالقليل عن الكثير فالذي يستغنى فيه بناء الأقل عن الأكثر فتجده كثيراً والإستغناء بالكثير عن القليل نحو : ثلاثةٍ شسوعٍ وثلاثةِ قُروءٍ وإذا أردت أن تعرف ما يكون اسماً للجمع فهو الذي ليس له باب يكسر فيه وتطرد الأسماء المجموعة المكسرة على ضربين : أحدهما عدته ثلاثةُ أحرفٍ والآخر عدتهُ أربعةُ أحرف والثلاثة على ضربين أحدهما مذكر لا هاء فيه أو على لفظ المذكر والآخر فيه هاء التأنيث وكذلك ما كان على أربعة أحرفٍ ونبدأ بالإسم الثلاثي الذي لا زائد فيه وهو يجيء على عشرة أبنيةٍ : فُعْلٌ فِعْلٌ فَعَلٌ فَعِلٌ فَعُلٌ فِعُلٌ فِعِلٌ فُعَلٌ فَعُلٌ
وأبنية الجموع على ثلاثة عشَر بناءً : فَعْلٌ فُعُلٌ فُعْلَةٌ فِعُلَةٌ أَفعُلٌ فَعيلٌ فَعَالٌ فُعُولٌ فِعَالةٌ فُعُولةٌ فُعْلانٌ فِعْلانٌ أَفعالٌ فأَفعلُ وإفعالُ بناءانِ للقليل وفِعَالُ وفُعولٌ أخوان وهما للكثير وفِعالةٌ وفعُولة ومؤنثاهما يجريان مجراهما والثلاثي يجيء أكثره على بناء هذه الأربعة وفُعولٌ وفِعالٌ أخوان وليست أَفعلُ وإفعالُ أخوينِ لأن ما يجيء على فِعالٌ يجيء فيه بعينه كثيراً فَعولٌ وفُعلانٌ وفِعلانٌ ايضاً للكثير وما لم يخص القليل ولا الكثير فيهما فهو اسم للجمع وأسماء الجمع منها : فُعلٌ وفَعْلٌ إلا أن يكون مقصوراً من فُعُولٍ وفِعْلةٍ وفِعَلَةٍ إن لم تكن مقصورة من فَعلةٍ وفَعيلٍ

الأول : من أبنية الجموع فُعْلٌ :
فُعْلٌ كسروا ( فَعَلٌ ) على ( فُعْلٍ ) وهو قليل قالوا : أسدٌ وأُسْدٌ وقد جاء في ( فَعَلٍ فُعْلٌ ) وهو قولهم : الفُلْكُ للواحَدِ وللجمع الفُلْكُ وهو اسم للجميع لا يقاس عليه وقالوا : أَركنُ ورَكْنٌ وبعض العرب يقول : نَصَفٌ ونُصْفٌ وقد جاء في ( فَعْلٍ ) رَهْنٌ وَرَهَنٌ فَفُعْلُ : اسم للجميع ولمتأولٍ أن يتأولَ أنَّ ( فُعْلَ ) مخفف ( فُعَلٍ وإن ( فَعَلُ ) مقصور من ( فُعولٍ ) وكيف كان الأمر فهو بمنزلة اسم للجمع لا يقاس عليه وقالوا فيما أعلت عينهُ : دارٌ ودورٌ وساقٌ وسوقٌ ونابٌ ونِيبٌ فهذا في الكثير
الثاني : فَعَلٌ :
قالو : أَسَدٌ وأُسْدٌ فهذا مما يدل على أن ( فُعُلَ ) في ذلك الباب مخفف من ( فُعْلٍ ) وكسروا ( فَعِلُ ) عليه قالوا : نِمَرٌ ونُمُرٌ قال الراجز :
( فيها عَياييلُ أُسودٌ ونُمُرْ ... )
وهو عندي مقصور عن فُعولٍ حذفت الواو وبقيت الضمة والذين قالوا : أُسْدٌ وفُلْكٌ ينبغي أن يكون خففوا ( فُعُلٌ ) والقياس يوجب أن يكون لفظ الجمع أثقل من لفظ الواحد
الثالث : فَعْلَةٌ :
جَمعوا ( فَعُلٌ ) عليه قالوا : رَجُلٌ وثلاثةُ رَجْلَةٍ استغنوا بها عن أَرجال

الرابع : فِعْلَةٌ :
كسروا عليه ثلاثة أبنية : فَعْلٌ وفِعْلٌ وفُعْلٌ وذلك قولهم : فَقَعٌ وفِقْعَةٌ وجَبٌ وجِبْأَةٌ وهو اسم جمع وقالوا في المعتل : عُودٌ وعِودَةٌ وزَوجٌ وزِوَجَةٌ وثَورٌ وثِوَرَةٌ وبعض يقول : ثِيرَةٌ فأما فِعْلٌ فنحو : حِسْلٍ وحِسْلَةٌ وقِرْدٌ وقِرْدَةٌ للقليل والكثير وقالوا : فيما اعتلت عينه : دِيْكٌ ودِيْكَةٌ وكِيسٌ وكِيْسَةٌ وفيل وفِيلَةٌ
وأما فُعْلٌ فنحو : حُجْرٍ وحِجْرَةٌ وخُرجٍ وخِرْجَةٌ وكُرْزٌ وكِرْزَةٌ وهو كثير ومضاعفهُ حُبَ وحِبْبَةٌ
الخامس : فَعيلٌ :
جاء فَعْلٌ على فَعيلٍ قالوا : كَلْبٌ كَليبٌ وهو اسم للجمع لا يقاس عليه وعَبْدُ وعَبيدٌ وجاء فيه فِعْلٌ قالوا : ضِرْسُ وضَريسٌ
السادس : أَفعُلُ :
وهو يجيء جمعاً لخمسة أبنية : فَعْلٌ فَعَلٌ فَعِلٌ فِعْلٌ فُعْلٌ فأما فَعْلٌ فنحو : كَلْبٍ وأَكلُبٌ وفَلْسُ وأَفلُسٌ وأَفْعَلٌ في الثلاثي إنما يكون لأقل العدد وأقلُ العدد العشرةٌ فما دونها والمضاعف يجري هذا المجرى وذلك ضَبٌّ وأَضّبٌ وبنات الياء والواو بهذه المنزلة تقول : ظَبْيٌ وأَظْبٍّ ودَلْوٌ وأَدْلٍ كان الأصل : أَظبوٌ وأدلوٌ ولكن الواو لا تكون لاماً في الأسماء

وقبلها متحرك فقلبوها ياء وكسروا ما قبلها
وجاء في المعتل العين : ثَوْبٌ وأَثوُبٌ وقَوْسْ وأَقْوُسٌ وذلك قليل
وقالوا : أَيْرٌ وآيَرٌ وقد جاء أَفعُلٌ في الكثير أيضاً جمع فَعْلٍ قالوا : أكْفُّ
الثاني : فَعَلٌ نحو : زَمَنٍ وأَزْمُنْ وقالوا في المعتل : عَصَاً وأَعصٍّ بدل من أَعصاءٍ
الثالث : فِعَلٌ نحو : ضِلَعٍ وأَضْلُعٌ
الرابع : فِعْلٌ نحو : ذِئْبٍ وأَذْؤُبٌ وقِطْعٍ وأقْطُعٌ وجِرْوٍ وأَجْرٌّ ورِجْلٌ وأَرْجُلٌ إلا أنهم لا يجاوزون أَفْعُلَ في القليل والكثير
الخامس : فُعْلٌ : رَكْنٌ وأَركُنٌ وجاء في ( فُعْلٍ ) مما اعتلتْ عينه : دَارٌ وأَدْوُرٌ وسَاقٌ وأَسوُقٌ ونارَ وأَنوُرٌ وقال يونس : وما جاء مؤنثاً ومن ( فُعْلٍ ) من هذا الباب فإنه يكسر على أَفْعُلٍ وقال سيبويه : لو كان هذا صُحَّ للتأنيث لما قالوا : رَحَاً وأَرحاءُ وقَفَاً وأَقفاءُ في قول من أنثَ القَفَا وقال : في جمع قَدَم أَقدامٍ وأَفْعُلٌ إنما هو مستعار في فُعْلٍ وإنما حقه أَفعالَ في القليل ولكنهم قد يدخلون بعض هذه الجموع على بعض لأن جمعها إنما هو جمع اسمٍ ثلاثي
السابع : من أبنية الجموع فِعَالٌ :
وهو جمعُ خمسة أبنية : فَعْلٌ فَعَلٌ فَعِلٌ فَعُلٌ فُعْلٌ : فأما فَعْلٌ فهو كُلْبٌ وكِلابٌ وربما كان في الحرف الواحد لغتان قالوا : فَرخٌ وفُروخٌ وفِراخٌ لأن فُعولاً أختُ فِعَالٍ والمضاعف يجري هذا المجرى قالوا : ضَبٌّ وضِبَابٌ وصَكٌّ وصِكَاكٌ والمعتل مثله وقالوا : ظَبْيٌ وظِبَاءٌ ودَلْوٌ ودِلاءٌ وقالوا فيما اعتلت عينهُ سَوْطٌ وسِيَاطٌ ولم يستعملوا ( فُعولاً ) حينما

اعتلت عينه من ذوات الواو وقد يجيء خَمسةُ كِلابٍ يراد به خمسة من الكلاب أي من هذا الجنس وكان القياس خَمسةُ أَكْلُبٍ لأن ( أَفْعُلَ ) للقليل وفِعَالاً للكثير وأما فَعَلٌ فيجمع في الكثير على فِعالٍ أيضاً نحو : جَمَلٍ وجِمَالٍ وهو أكثر من فُعُولٍ وأما فَعُلٌ فنحو رَجُلٍ ورِجَالٍ وسَبُعٍ وسِبَاعٍ وأما فِعْلٌ فنحو : بِئْرٍ وبِئَارٍ وذِئْبٍ وذِئَابٍ ومضاعفهُ : زِقٌّ وزِقاقٌ والمعتل نحو : رِيحٍ ورِياحٍ وأما فُعْلٌ فنحو : جُمْدَ وجِمَادٍ وقُرْطٍ وقِراطٍ ومضاعفه خُصٌّ وخِصَاصٌ وعُشٌّ وعِشَاشٌ والمضاعف فيه كثير
الثامن : من الجموع فُعُولٌ :
وقد جاء جمعاً لستة أبنية : فَعُلٌ وفَعَلٌ وفَعِلٌ وفِعَلٌ وفِعْلٌ فُعْلٌ فأما فَعْلٌ فإذا جاوز العشرة فإنه قد يجيء على ( فُعُولٍ ) قال : نَسْرٌ ونُسُورٌ وبَطْنٌ وبُطُونٌ والمضاعف مثله : صَكٌّ وصُكُوكٌ وبَتٌّ وبُتُوبٌ وبنات الياء والواو مثله قالوا : ثَدْيٌ وثُدُيٌ ودَلْوٌ ودُلُيٌ فهو فُعُولٌ وذلك يبين في التصريف وفَوْجٌ وفُؤُوجٌ وبَحْرٌ وبُحُورٌ وبَيْتٌ وبُيُوتٌ ابتزتْ فُعُولٌ الياء كما ابتزت فِعَالٌ الواو فأما ( فَعَلٌ ) فيجمع في الكثير على فُعُولٍ نحو أَسَدٍ وأُسُودٍ وذكَرٍ وذُكُورٍ وهو أقل من فِعَالٍ والمضاعف فيه قياسه فُعُولٌ فالذي جاء على أفعالٍ نحو : لَبَبٌ وأَلبابٍ والمعتل : نحو قَفَاً وقُفُيٌّ وقِفيٌّ وعَصَاً وعُصُيٌّ وعِصِيٌّ وإنما كسرت الفاء من أجل الياء والكسرة والمعتل العين نحو : نَابٍ ونُيُوبٍ وقال بعضُهم في سَاقٍ سُؤُوقٌ فهمزوا وأما فَعِلٌ فنحو : نَمرٍ ونُمُورٍ ووَعِلٍ ووُعُولٍ وأما فِعَلٌ فنحو : ضِلَعٍ وضُلُوعٍ وإرَمٍ وأُرُوُمٍ وأما فِعْلٌ : فنحو : حِمْلٍ وحُمُولٍ وعِرْقٍ وعُرُوقٍ

وشِسْعٍ وشُسُوعٍ استغنوا فيها عن بناء أدنى العدد والمضاعف : لِصُّ ولُصُوصٌ والمعتل فِيلٌ وفُيُولٌ ودِيكٌ ودُيُوكٌ وأما فُعْلٌ فنحو : بُرْجٍ وبُرُوجٍ وخُرْجٍ وخُرُوجٍ
التاسع : من أبنية الجموع فِعَالةٌ :
جاء في فَعْلٍ فُعُولةٌ وفِعَالةٌ وزعم الخليل : إنما أرادوا أن يحققوا التأنيث نحو الفِحَالةِ يعني تأنيث الجمع وجاء في فَعَلٍ جَمَلٌ وجِمَالةٌ وحَجَرٌ وحِجَارةٌ وقالوا أَحجارٌ
العاشر : من أبنبية الجموع فَعُولةٌ :
جاء في فَعْلٍ فُعُولةٌ نحو : بَعْلٍ وبُعُولةٍ وعَمٍّ وعُمُومةٍ وجاء فيما اعتلت عينه : عَيْرٌ وعُيُورٌ وخَيْطٌ وخُيُوطٌ
الحادي عشَر : فِعْلانُ :
وهو لأربعة أبنية : فَعَلٌ وفَعْلٌ وفِعْلٌ وفُعْلٌ فأما فَعْلٌ فنحو : خُرْبٌ وخِرْبانٍ وبَرْقٌ وبَرقَانُ في الكثير وفي المعتل جَارٌ وجِيرانُ وقاعٌ وقِيعانٌ وقل فيه فِعَالٌ وألزموهُ فِعْلانَ وقد يستغنى فيه بأَفعالٍ نحو : مَالٌ وأَموالٍ
وأما فَعَلٌ : نحو : جَحَلٍ وجِحْلانٍ ورَألٍ ورِئْلانٍ وفيما اعتلت عينهُ نحو : ثَورٍ وثِيرانٍ وقَوزٍ وقِيْزانٍ وهو قطعة من الرمل
وأما فِعْلٌ : نحو : رِئْدٍ ورِئْدانٍ وهو فَرْخُ الشجرة وصِنْوٍ وصنوانِ وقِنْوٍ وقنوانٍ وأما فُعْلٌ : فنحو : خُشٍّ وخُشِّانِ وقالوا : خُشّانٌ لأن

فِعْلانَ وفُعْلانَ : أُختان وجاء في المعتل من بنات الواو التي هي عين فِعْلان انفردت به فِعْلانُ نحو : عُودٍ وعِيْدانٍ وغُولٍ وغِيْلانٍ وكُوْزٍ وكِيزانٍ وحُوْتٍ وحِيتَانٍ ونُوْنٍ ونينَانٍ
الثاني عشر : فُعْلانُ :
وهو لأربعة أبنية : فَعَلٌ وفَعْلٌ وفِعْلٌ وفُعْلٌ : جاء في الكثير جمعاً لِفَعَلٍ نحو : جَمَلٍ وجُمْلانٍ وسَلَقٍ وسُلْقانٍ وجاء فَعْلٌ على فُعْلانٍ نحو : ثَغْبٍ وثُغْبانٍ وبَطْنٍ وبُطنانٍ وظَهْرٍ وظُهرانٍ وجاء في فِعْلٍ نحو : ذِئْبٍ وذُئبانٍ وفي مضاعفة زقٌّ وزُقانٌ وجاء في ( فُعْلٍ ) في المضاعف نحو : خُشٍّ وخَشَّانٍ جميعاً
الثالث عشر : أَفعالٌ جاءت جمعاً لعشرة أبنية :
فَعَلٌ . فَعِلٌ . فُعُلٌ . فُعَلٌ . فِعَلٌ . فِعِلٌ . فَعْلٌ . فُعْلٌ . فُعِلٌ
فأما فَعَلٌ : فنحو : جَمَلٍ وأَجمالٍ وجَبَلٍ وأَجبالٍ وأَسَدٍ وآسادٍ وهذا لأدنى العدد وفي المعتل : قاعٌ وأَقواعٌ وجارٌ وأَجوارٌ ويستغني به عن الكثير في : مَالٍ وأَموالٍ وبَاعٍ وأبواع وأما فَعْلٌ فقد جاء جمعه : أفعالُ وليس ببابه فقالوا : زَنْدٌ وأزنادٌ وقال الأعشى :
( وزَنْدُكَ أَثْقَبُ أَزنَادِها ... )

وقالوا في المضاعف : جدٌّ وأجدادٌ وفيما اعتلت عينه لأدنى العدد : سَوْطٌ وأسواطٌ وقد يقتصرون عليها للقليل والكثير نحو : لَوْحٍ وألواحٍ ونَوْعٍ وأنواعٍ وبَيْتٍ وأبياتٍ للقليل
ومما جاء أَفعالٌ لأكثر العدد وذلك نحو : قَتَبٍ وأقتابٍ وارسانٍ وقد جاء في فَعِلٍ للكثير قالوا : أرآدٌ ومضاعف ( فَعَلٍ ) أفعالٌ لم يجاوزوه في القليل والكثير نحو : لَبَبٍ وألبابٍ ومَدَدٍ وأمدادٍ وفَنَنٌ وأفنانٍ كما لم يجاوزوا الأَقدامَ والأرسانَ والمعتل اللام من فَعَلٍ نحو : صَفاً وأصفاءُ وصُفِيٍّ وقَفَاً وأقفاءُ وقالوا : أَرْحاء في القليل والكثير قال أبو بكر : ومن ذكرى قَتَبٍ إلى هذا الموضع فهو في الصنف الأول في باب فَعَلٍ وأما فَعِلٌ فنحو : كَبِدٍ وأكباد وفَخذٍ وأفخاذٍ ونَمرٍ وأنمارٍ وقلما يجاوزُ بِفَعِلٍ هذا الجمع
فأما فِعَلُ فنحو : ضِلَعٍ وأضلاعٍ وإرَمٍ وأَرماءٍ وأما فَعُلٌ : فنحو : عَضُدٍ وأَعضادٍ وعَجُزٍ وأعجازٍ اقتصروا على أفعالٍ في ( عَضُدٍ ) وأما فُعُلٌ فنحو : عُنُقٍ وأعناقٍ وطُنُبٍ وأَطنابٍ مقتصر عليه في جمع ( طُنُبٍ ) وأما فُعَلٌ فنحو : رُبَعٍ وأرباعٍ ورُطَبٍ وأرطابٍ وأما فِعِلٌ فنحو : إبِلٍ وآبالٍ وأما فِعْلٌ فنحو : حِمْلٍ وأحمالٍ وجِذْعٍ وأجذاعٍ ومما استعمل فيه للقليل والكثير : خِمْسٌ وأخماسٌ وشِبْرٌ وأشبارٌ وطِمْرٌ وأطمارٌ والمعتل نحو : نِحيٍ وأنحاءٍ وفيما أعتلت عينه : فِيلٌ وأفيالٌ وجِيْدٌ وأجيادٌ ومِيْلٌ وأميالٌ في القليل وقد يقتصر فيه على أَفعالٍ
قال سيبويه : وقد يجوز أن يكون أصل ( فِيلٍ ) وما أشبهه ( فُعْلاً ) كسر

من أجل الياء كما قالوا : أبيضُ وبِيضٌ قال أبو الحسن الأخفش : هذا لا يكون في الواحد إنما للجميع
وإنما اقتصارهم على أفعالٍ كقولهم : أَميالٌ وأَنيابٌ وقالوا : ريحٌ وأرواحٌ فأما فُعْلٌ : فَجُنْدٌ وأَجنادٌ وبُرْدٌ وأَبرادٌ في القليل وربما استغنوا به في الكثير نحو : رُكْنٍ وأركانٍ وجُزْءٍ وأَجزاءٍ وشُفْرٍ وأشفارٍ ومضاعفه حُبٌّ وأَحبابٌ والمعتل : مُدْيٌ وأمدادٌ لا يجاوز به وفيما اعتلت عينه عُودٌ وأعوادُ وغُولُ وأغوالٌ
وحُوتٌ وأحواتٌ وكُوزٌ وأكوازٌ في القليل


باب جمع الثلاثي الذي فيه هاء التأنيث في الجمع فَعْلٌ فَعَلٌ فَعِلٌ فُعُولٌ فَعُولٌ فِعَالٌ فَعْلانٌ فِعْلانٌ فَعْلاتٌ فَعُلاتٌ فَعْلاءٌ أَفْعَلٌ وإنما يقع فَعْلٌ في الباب الثاني وهو ما الفرق بين جمعه وواحده الهاء فقط
هذه أبنية الجمع فيه
فأما أبنية الأسماء المجموعة فستة : فَعْلَةٌ وفَعَلةٌ وفٌعَلَةٌ وفُعْلَةٌ وفِعْلَةٌ وفَعِلَةٌ
الأول : فَعْلَةٌ : جمعها بالتاء في أدنى العدد وتفتح العين فتقول : فَعَلاتٌ نحو : جَفْنَةٍ وجَفَناتٍ فإذا جاوزت أدنى العدد صار على فَعَالٍ مثل : قِصَاعٍ وقد جاء على فُعُولٍ وهو قليل مثل : مأنةُ ومُؤونٌ والمأنةُ أسفل البطن وقد يجمعون بالتاء وهم يريدون الكثير وبنات الياء والواو بهذه المنزلة وكذلك المضاعف فالمعتل نحو : ركوةٍ ورِكاءٍ وقَشوةٍ وقِشَاءٍ وركواتِ وقَشَواتٍ وظَبيةٍ وظَبَياتٍ والمضاعف نحو : سَلَّةٍ وسَلاتٍ فأما ما اعتلت عينه فإذا أردت أدنى العدد ألحقت التاء ولم تحرك العين وذلك نحو : عَيَبةٍ وعَيَباتٍ وعِياتٍ وضَيْعَةٍ وضَيْعَاتٍ وضِياعٍ ورَوْضَةٍ ورَوْضاتِ ورياضٍ وقد قالوا : نَوْبةٌ ونُوبٌ ودَولةٌ ودُولٌ وجَوبةً وجُوبٌ ومثلها قَرْيةٌ وقُرىً ونَزوَةٌ ونُزىً وفَعْلَةٌ من بنات الياء على ( فِعَلٍ ) نحو : خَيْمَةٍ وخِيَمٍ

الثاني : فَعَلةٌ : وهو بمنزلة فَعْلَةٍ وإن جاء شيء من بنات الواو والياء والمضاعف أجري مجرى الضرب وهو عزيز وذلك قولك : رَحَبةٌ ورَحبَاتٌ ورَقَبَةٌ ورَقباتٌ ورِقابٌ ولم يذكر سيبويه مثالاً لما اعتلت لامه فأما ما اعتلت عينه فيكسر على ( فِعَالٍ ) قالوا : نَاقةٌ ونِياقٌ وقد كسر على ( فِعَلٍ ) قالوا : قَامةٌ وقِيَمٍ وتَارَةٌ وتِيَرٌ
قال الراجز :
( يَقومُ تاراتٍ ويمشي تِيَرا ... )
فكأنَّ ( فِعَلَ ) في هذا الباب مقصورة من فِعَالٍ
الثالث : فُعْلَةٌ : تجمع على فُعُلاتٍ نحو : رُكْبةٍ ورُكُباتٍ وغُرفَةٍ وغُرُفاتٍ فإذا أردت الكثير كسرته على ( فُعَلٍ ) قلت : رُكَبٌ وغُرَفٌ وقد جاء نُقرةٌ ونِقارٌ وبُرْمَةٌ وبِرامٌ ومن العرب من يفتح العين فيقول : رُكباتٌ وغُرفاتٌ وبنات الواو بهذه المنزلة نحو : خُطْوةٌ وخُطُواتٍ وخُطىً ومن العرب من يسكن فيقول : خُطْواتٌ وبناء الياء نحو : كُليةٍ وكُلىً ومُديةٍ ومُدىً اجتزأوا ببناء الأكثر ومَن خفف قال : كُلْياتٌ ومُدْياتٌ والمضاعف يكسر على ( فُعَلٍ ) مثل ركبة ورُكَب وقالوا : سُرّات وسُرَرٌ ولا يحركون العين لأنها كانت مدغمةً والفِعالُ في المضاعفة كثير نحو : جِلالٍ وقِبابٍ والمعتلُ العين نحو : دَولةٍ ودُولاتٍ ودُولٍ
الرابع : فِعْلَةٌ : نحو ما في القليل بالألف والتاء وتكسر العين نحو :

سِدرةٍ وسِدراتٍ وكِسْرةٍ وكِسراتٍ
ومن العرب من يفتح العين فيقول : سدراتٌ وكَسِراتٌ فإن أردت الكثير قلت : سِدرٌ
ومن قال : غُرْفاتٌ فخفف قال : سِدْراتٌ وقد يريدون الأقل فيقولون : كِسَرٌ وفِقَرٌ في القليل لقلة استعمالهم التاء في هذا الباب
والمعتل اللام فيه نحو : لِحيةٍ ولِحىً وفِريةٍ وفِرىً ورِشوةٍ ورِشَاً
اجتزأوا بهذا عن التاء ومن قال : كِسْراتٌ
قال : لِحْيَاتٌ والمضاعف : قِدّةٌ وقِدّاتٌ وقِدَةٌ ورِبَّةٌ ورِبَّاتٌ ورِببٌ وقد جاء ( فِعْلَةٌ ) على ( أَفْعُلِ ) قالوا : نِعْمَةٌ وأنْعُمٌ وشِدّةٌ وأشَدٌ ولم تجمع : رِشوةٌ بالتاء ولكن من أسكن قال : رِشْواتٌ لأنَّ الواو لا تعتل في الإِسكان هنا : والمعتل العين : قِيمةٌ وقِيماتٌ ورِيبةٌ وقِيَمٌ ورَيبٌ
الخامس : فَعِلَةٌ : نحو : نَعِّمةٌ ونَعِّمٍ ومَعِدةٍ ومَعِدٌ وذلك أن تجمع بالتاء ولا تغير
السادس : فُعَلةٌ : نحو : تُخَمةٍ وتُخَمٍ وتُهَمةٍ وتُهَمٍ وليس هذا كرُطَبةٍ ورُطَبٍ ألا ترى أن الرطب مذكرٌ كالبُرِّ وهذا مؤنث كالظَّلَمِ والغُرَفِ

باب ما يكون من بنات الثلاثة واحداً يقع على الجميع
ويكون واحد على بنائه من لفظه إلا أنه مؤنث تلحقه الهاء للفصل وهذا الباب حقه أن يكون لأجناس المخلوقات وهي تجيء على تسعة أبنية
الأول : فَعْلَةٌ : نحو : طَلْحَةَ وطَلْحٍ وتَمْرةٍ وتَمرٍ ونَخْلَةٍ ونَخْلٍ وصَخْرَةٍ وصخرٍ وإذا أردت القليل جمعت بالتاء وربما جاءت الفَعْلَةُ على فِعَالٍ نحو : سَخْلَةٍ وسِخَالٍ وبهمةٍ وبِهَاماً وهم شبهوها بالقِصَاعِ
وقال بعضهم : صَخْرةٌ وصُخورٌ وبنات الياء والواو نحو : مَرْوةٍ ومَروٍ وسَروةٍ وسَرْو
وقالوا : صَعْوةٌ وصِعَاءٌ وشَريةٌ وشَرْيٌ
والمضاعف نحو : حَبَّةٍ وحَبٍّ
والمعتل العين نحو : جَوْزةٍ وجُوزٍ وبَيْضَةٍ وبَيْضٍ وبَيضاتٍ وقد قالوا : روضَةٌ ورِياضٌ
الثاني : فَعَلةٌ : وهي مثل فَعْلَةٍ قالوا : بَقَرةٌ وبَقَرٌ وبَقراتٌ وقالوا :

أكمَةٌ وإكَامٌ وبنات الياء والواو نحو : حَصىً وحَصاةٍ وقَطاةٍ وقَطاً وقَطواتٍ وقال : أَضاةٌ وأَضىً وإضاءٌ مثل إكَامٍ وأَكمٍ وقالوا : حَلَقٌ وفَلَكٌ ثم قالوا : حَلْقَةٌ وفَلْكَةٌ فخففوا في الواحد حيث ألحقوه الزيادة وغيروا المعنى هذا لفظ سيبويه قال : وزعم يونس عن أبي عمرو أنهم يقولون : حَلقَةُ
والمعتلُ العين هامٌ وهَامَةٌ وهَاماتٌ وراحٌ وراحَةٌ وراحاتٌ وسَاعةٌ وساعٌ وسَاعاتٌ
الثالث : فَعِلَةٌ : نحو : نَبِقَةٍ ونَبِقَاتٍ ونَبِقٌ فلم يجاوزوا هذا
الرابع : فِعَلَةٌ : نحو : عِنَبَةٍ وعِنَبٍ وإبَرةٍ وإبَراتٍ وهو فسيلُ المُقلِ
الخامس : فَعُلَةٌ : نحو : سَمُرَةٍ وسَمُرٍ وسَمُراتٍ
السادس : فُعُلَةٌ : نحو بُسُرةٍ وبُسُرٍ
السابع : فُعَلَةٌ : نحو عُشَرٍ وعُشَرةٍ ورُطَبٍ ورُطَبَة ورُطَباتٍ ويقول ناس للرطب أرطابُ مثل : عِنَبٍ وأعنابٍ وهذا عندي إنما يجوز إذا اختلفت أنواعه ونظيره من الياء مُهاة ومُهي وهو ماء الفحل في رَحِم الناقة
الثامن : فِعْلَةٌ : نحو : سِلْقَةٍ وسِلْقٍ وسِلْقاتٍ
وقد قالوا : سِدْرةٌ وسِدْرٌ وقالوا : لِقْحَةٌ ولِقَاحٌ وفي المضاعف حِقَّةُ وحِقَاق وقالوا : حِقَقٌ قال المسيب بن علس :
( قَد نالني منهم على عَدَمٍ ... مِثْلُ الفسيلِ صغارُها الحِقَقُ )

والمعتل العين نحو : تِينةٍ وتينٍ وتِيَناتٍ وطِينٌ وطِينَةٍ وطِينَاتٍ قال سيبويه : وقد يجوز أن يكون هذا ( فُعْلاً )
التاسع : فُعْلَةٌ : نحو : دُخْنَةٍ ودُخْنٍ ودُخْنَانٍ ومن المضاعف : دُرَّةٌ ودُرٌّ ودُرّاتٌ وقالوا : دُرَرٌ كما قالوا : ظُلَمٌ ومن المعتل العين : تُومةٌ وتُومٌ وتُوماتٌ وصُوفَةٌ وصُوفَاتٌ وصُوفٌ


باب ما جاء لفظ واحدة وجمعه سواء وقالوا : حَلْفاءُ للجميع وحَلْفاءُ واحدةٌ وطَرْفاءُ مثله وهذا عندي : إنما يستعملُ فيهما ليحقر الواحدُ منهُ قال أبو العباس : حدثني أبو عثمان المازني عن الأصمعي قال : واحدُ الطَرْفاء طِرفَةُ وواحدُ القُصْباءِ قَصِبةٌ وواحدُ الحَلْفاءِ حَلِفَةُ تكسر اللام مخالفة لأختيها


باب ما كان على حرفين وليس فيه علامة التأنيث اعلم : أن ما كان أصلهُ ( فَعْلاً ) كسر على ( أَفْعِلٍ ) نحو : يِدٍ وأَيدٍ وفي الكثير على ( فِعَالٍ ) و ( فُعولٍ ) وذلك : دِمَاءٌ مدُميُ فإن كان ( فَعَلٌ ) كسر في القليل على ( أفعالٍ ) وذلك أبٌ وآباء
وزعم يونس أنه يقول : أخُ وآخاءٌ
وقال إخوانٌ
وبنات الحرفين تكسر على قياس نظائرها التي لم تحذف
وأما ما كان من بنات الحرفين وفيه الهاء للتأنيث فإنهم يجمعونها بالتاء وبالواو والنون
كأنه عوضٌ فإذا جمعت بالتاء لم تغير وذلك : هَنَةٌ وهَناتٌ وشِيَةٌ وشِياتٌ وفِئَةٌ وفِئاتٌ وثُبَةٌ وثُبِاتٌ وقُلَةٌ وقُلاّتٌ وربما ردوها إلى الأصل إذا جمعوها بالتاء فقالوا : سَنَواتٌ وعِضَواتٌ فإذا جمعوا بالواو والنون كسروا الحرف الأول وذلك نحو : سِنُونَ وقِلُونَ وثِبُونَ ومِئُونِ فرقوا بين هذا وبين ما الواو له في الأصل نحو قوله : هَنُونَ ومَنُونَ وبَنُونَ وبعضهم يقول : قُلونَ فلا يغير وأما هَنَةٌ ومَنَةٌ فلا يجمعان إلا بالتاء لأنهما قد ذكرا
وقد يجمعون الشيء بالتاء فقط استغناءً وذلك نحو قولهم : ظُبَةٌ وظُباتٌ وشِيَّةٌ وشِياتٌ والتاء تدخل على ما دخلت فيه الواو والنون لأن الاصل لها فقد يكسرون هذا النحو على بناء يرد ما ذهب من الحرف

وذلك قولهم : شَفَةٌ وشِفَاةٌ وشَاةٌ وشِيَاهٌ واستغنوا عن التاء حيث عنوا بها أدنى العدد وتركوا الواو حيث ردوا ما يحذف منه وقالوا : أمَةٌ وآمٍ وإماءٌ وهي ( فَعَلةٌ ) لأنهم كسروا ( فَعَلة ) على ( أَفعُلٍ ) ولم نرهم كسروا ( فَعْلَةً ) على ( أَفعُلٍ ) وقالوا : بُرَةٌ وبَراتٌ وبُرونَ وبُرى ولُغَةٌ ولُغىً وقد يستغنون بالشيء عن الشيء وقد يستعملون فيه جمع ما يكون في بابه وقالت العرب : أَرْضٌ وأرضاتٌ وأرضونَ فجمعوا بالواو والنون عوضاً من حذفهم الألف والتاء وتركوا الفتحة على حالها وزعم يونس أنهم يقولون : حَرَّةٌ وحَرُّون وقالوا : إوَزّةٌ وإوَزْون وزعم يونس أيضا أنهم يقولون : حَرّةٌ وإحرون يعنونَ الحِرارَ كأنه جمع إحَرَّة ولكن لا يتكلم بها
وقد يجمعون المؤنث الذي ليست فيه هاءُ التأنيث بالتاء وذلك قولهم : عُرُساتٌ وأَرضاتٌ وقالوا : سَماواتٌ استغنوا بالتاء عن التكسير وقالوا : أهلاتٌ فشبهوها بصَعْباتٍ وقالوا : أهَلاتٌ وقالوا : إمْوانُ جماعةُ أمةٍ


باب تكسير ما عدة حروفه بالزيادة أربعة أحرف للجمع الأسماءُ المكسرةُ في هذا الباب ستةٌ : فِعَالٌ فَعَالٌ فُعَالٌ وفَعِيلٌ فُعُولٌ فَاعلٌ
فالأول : فِعَالٌ : جاء في القليل على ( أَفْعَلةٍ ) نحو : حِمَارٍ وأَحْمَرةٍ والكثير ( فُعُلٌ ) نحو : حُمُرٍ ولك أن تخفف في لغة بني تميمٍ فتقول : حُمْرٌ ورُبما عنوا ببناء أكثر العدد أدناه وذلك قولهم : ثلاثةُ جُدُرٍ وثلاثةُ كُتُبٍ
والمضاعف لا يجاوز به أدنى العدد وإن عنوا الكثير وذلك : جِلالٌ وأَجلَةٌ وعِنَانٌ وأَعنّةٌ وكِنَانٌ وأَكنَةٌ وكذلك المعتلُ نحو : رِشَاءٍ وأَرشيةٍ وسِقَاء وأَسقيةٍ
وما أعتلت عينهُ فيكسر على ( أَفعِلَةٍ ) نحو : خِوانٍ وأَخونةٍ ورِواقٍ وأروقَةٍ فإن أردت الكثير جاء على ( فُعْلٍ ) وذلك نحو : خُوْنٍ وروقٍ بونٍ
وذوات الياء عِيَانٌ وعُيُنٌ والعِيَانُ : حديدةٌ تكون في مَتاعِ الفَدَان فثقلوا لأن الياء أخفُّ من الواو كما قالوا : بَيُوضٌ وبُيُضٌ وزعم يونس : أن من العرب من يقول : صَيُودٌ وصِيدٌ
والثاني : فَعَالٌ : يجيء على ( أَفْعِلَةٍ ) في القليل نحو : زَمانٍ وأزْمنَةٍ وقَذالٍ

وأقذَلةٍ والكثير ( فُعُلٌ ) نحو : قُذُلٍ وقد يقتصرون على أدنى العدد فيه
وبنات الواو والياء على ( أَفعِلَةٍ ) نحو : سَمَاءٍ وأَسمِيةٍ . وكرهوا بناء الأكثر
الثالث : فُعَالٌ : يجيء على ( أَفْعِلَةٍ ) في القليل : غُرابٌ وأَغْرِبةٌ والكثير ( فِعْلانٌ ) نحو : غِرْبانٍ وغِلْمَانٍ ولم يقولوا : أَغْلِمَةٌ استغنوا بغِلْمَةٍ والمضاعف ذُبابٌ وأذْبةٌ في القليل وذِبَّانٌ في الكثير وقالوا في المعتل في أدنى العدد أحْوِرةٌ والذين يقولون : حِوارٌ يقولون : حِيرانٌ
وأما سُوارٌ وسُورٌ فوافق الذين يقولون : سُوارٌ للذين يقولون : سِوارٌ كما اتفقوا في الحُوار وقال قوم : حُورانٌ وربما اقتصروا على بناء أدنى العدد فيه كما فعلوا ذلك في غيره وقالوا : فُؤَادٌ وأَفْئدةٌ وقالوا : قُرادُ وقُرُدٌ وذُبَابٌ وذُبٌ
الرابع : فَعيلٌ : يجمع في القليل على ( أَفْعِلَةٍ ) والكثيرُ فُعُلٌ وفُعْلانٌ مثل : رَغيفٍ وأرْغفَةٍ ورُغُفٍ ورُغْفَانٍ وربما كسروه على ( أفْعِلاءِ ) نحو : أَنْصَباءٍ
وقد قال بعضهم فيه ( فِعْلانٌ ) قال : فَصِيلٌ وفِصلانٌ والمعتل نحو : قَرْيٍّ وأقرْيةٍ وقُريَانٍ ولم يقولوا في صَبِيٍّ وأَصْبِيةٍ استغنوا بِصبيَةٍ وقالوا : في المضاعف : حزيز وأحزَةٌ وحُزَّانٌ وقال بعضهم : حِزَّانٌ وقالوا : سريرٌ وأسِرَةٌ وسُرُرٌ وقالوا : فَصِيلٌ وفصالٌ حيث قالوا : فَصِيلةٌ وتوهموه الصفة فشبهوه بظَريفةٍ وظِرافٍ حيث أنثوا وكان هو المنفصلُ من أبٍ وقد قالوا : أَفِيلٌ وأَفَائلٌ وهو حاشية الإِبل
وقالوا : إفَالٌ شبهوها بِفصَالٍ حيث قالوا : في الواحد أفْيَلةُ فأشبه الصفة
الخامس : فَعولٌ : ويذكر في باب المؤنث

السادس : فَاعِلُ وفَاعَلٌ : يكسران على فَواعلَ ويكسرونَ الفَاعِلَ أيضاً على ( فُعلانٍ ) نحو : حَاجرٍ وحُجْزانٍ وعلى فِعْلانٍ في المعتل نحو : حائِطٍ وحِيطاَنٍ وكان أصله : صفةً فأجري مجرى الأسماء فيجيء على ( فُعْلانٍ ) نحو : راكبٍ ورُكْبَانٍ وفارسٍ وفُرْسانٍ
وقد جاء على فِعَالٍ نحو : صِحَابٍ ولا يكون فيه فواعلُ لأن أصله صفةٌ وله مؤنث فيفصلونَ بينهما إلا في فَوارس

باب تكسير ما عدةُ حروفه بالزيادة أربعة أحرف للجمع
الأسماء المكسرة في هذا الباب ستة : فِعَال وفَعَال فُعَال فَعيل وفعول وفاعِل
فالأول : فِعَالٌ : جاءَ في القليلِ على ( أَفْعِلةٍ ) نحو : حِمَارٍ وأَحْمِرةٍ والكثيرُ فَعُلٌ نحو : حُمُرٍ ولكَ أَن تخففَ في لغةِ بني تميمٍ فتقولُ : حُمْرٌ ورُبَّما عنَوا ببناءِ أَكثرِ العددِ أَدناهُ وذلكَ قولُهم : ثلاثةُ جُدُرٍ وثلاثةُ كُتُب
والمضاعف لا يجاوزُ بهِ أَدنى العددِ وإِنْ عَنوا الكثيرَ وذلكَ : جِلاَلٌ وأَجِلَّةٌ وعِنَانٌ وأَعِنَّةٌ وكِنَانٌ وأكِنَّةٌ وكذلكَ المعتلُ نحو : رِشَاءٍ وأَرشيةٍ وسِقَاءٍ وأَسقيةٍ
وما اعتلتْ عينهُ فيكسرُ على ( أَفعِلَةٍ ) نحو : خِوَانٍ وأَخوتَةٍ ورِوَاقٍ وأَروقَةٍ فإِنْ أَردتَ الكثيرَ جاءَ على ( فُعْلٍ ) وذلكَ نحو : خُوْنٍ وَرُوْقٍ وبُونٍ . وذواتُ الياءِ عِيَانٌ وعُيُنٌ والعِيَانُ : حديدةٌ تكونُ في مَتاعِ الفَدَانِ فثقلوا لأَنَّ الياءَ أَخفُّ مِنَ الواوِ كَما قالوا : بَيُوضٌ وبُيُضٌ وزعَم يونس : أَنَّ مِنَ العربِ مَنْ يقولُ : صَيُودٌ وصِيدٌ
الثاني : فَعَالٌ : يجيء علَى ( أَفْعِلَةٍ ) في القليلِ نحو : زَمَانٍ وأَزْمِنَةٍ وقَذَالٍ وأَقذِلةٍ والكثيرُ ( فُعُلٌ ) نحو : قُذُلٍ وقد يقتصرون على أَدنى العددِ

فيه
وَبَناتُ الواوِ والياءِ على ( أَفعِلَةٍ ) نحو : سَمَاءٍ وأَسميةٍ
وكرهوا بناءَ الأكثرِ
الثالثُ : فُعَالٌ : يجيءُ علَى ( أَفْعِلَةٍ ) في القليل غُرابٌ وأَغْرِبةٌ والكثيرٌ ( فِعْلانٌ ) نحو : غِرْبَانٍ وغِلْمَانٍ ولَم يقولوا : أَغْلِمَةٌ استغنوا بغِلْمَةٍ والمضاعفُ : ذُبابٌ وأَذِبَّةٌ في القليلِ وذِبَّانٌ في الكثيرِ وقالوا في المعتلِّ في أدنى العددِ : أَحوِرةٌ والذينَ يقولونَ : حَوَارٌ يقولونَ : حِيرانٌ
وأَما سُوارٌ وسُورٌ فوافقَ الذينَ يقولونَ : سُوارٌ للذينِ يقولونَ : سِوارٌ كما اتفقوا في الحُوار وقالَ قومٌ : حُورانٌ ورُبَّما اقتصروا على بناءِ أَدنى العددِ فيهِ كما فعلوا ذلك في غيرِه وقالوا : فُؤَادٌ وأَفْئِدةٌ وقَالُوا : قُرادُ وقُرُدٌ وذُبَابٌ وذُبٌّ
الرابعُ : فِعيلٌ : يجمعُ في القليلِ على ( أَفْعِلَةٍ ) والكثيرُ : فُعُلٌ وفُعْلانٌ مثلُ : رَغيفٍ وأَرْغفَةٍ ورُغُفٍ ورُغْفَانٍ ورُبَّما كسروهُ على ( أَفْعِلاَء ) نحو : أَنْصِبَاء
وقَد قالَ بعضُهم فيهِ ( فِعْلانٌ ) قالَ : فَصِيلٌ وفِصْلاَنٌ والمعتلُّ : نحو : قَرِيٍّ وأَقْريةٍ وقُريَانٍ ولم يقولوا : في صَبِيٍّ أَصْبِيةٍ استغنوا بصِبيَةٍ وقالوا في المُضاعفِ : حَزيرٌ و أَحزّة وحُزّانٌ وقالَ بعضُهم : حِزّانٌ وقالوا : سَريرٌ وأَسِرةٌ وَسُرُرٌ وقالوا : فَصِيلٌ وفِصَالٌ حيثُ قالوا : فَصِيلةٌ وتوهموهُ الصفةَ فشبهوهُ بظَريفةٍ وظِرافٍ حيثُ أنثَّوا وكانَ هُوَ

المنفصلَ من أَبٍ وقد قالوا : أَفِيلٌ وأَفَائلٌ وَهوَ حاشية الإِبل
وقالوا : إفَالٌ شبهوها بِفصَالٍ حيثُ قالوا : في الواحدِ أَفيلَةُ فأَشبهَ الصفةَ
الخامسُ : فَعولٌ : ويذكرُ في بابِ المؤنثِ
السادسُ : فَاعِلُ وفَاعَلٌ : يكسرانِ عَلى فَواعلَ ويكسرونَ الفَاعِلَ أَيضاً على ( فُعلانٍ ) نحو : حَاجرٍ وحُجْرانٍ وعلَى فِعْلانٍ في المعتلِّ نحو : حَائِطٍ وحِيطَانٍ وكانَ أَصلهُ صفةً فأُجري مجرى الأسماءِ فيجيء على ( فُعْلانٍ ) نحو : رَاكبٍ ورُكْبَانٍ وفَارسٍ وفُرْسَانٍ
وقد جاءَ علَى فَعَالٍ نحو : صِحَابٍ و لا يكونُ فيهِ فواعلُ لأَنَّ أَصلَهُ صفةٌ ولَهُ مؤنثٌ فيفصلونَ بينَهما إلاّ في فَوَارِسَ

بَابُ المؤنثِ
والأبنيةُ المجموعةُ فيهِ أَحدَ عشَرَ بناءً : فَعَالٌ وفِعَالٌ وفُعَالٌ وفَعيلٌ وفَعُولٌ وفُعَلٌ وفِعْلٌ وفَعيلةٌ وفِعَالةٌ وفَعَالةٌ وفُعَالةٌ
اعلَم : أَنَّ ما كانَ مِنْ هذهِ الأسماءِ التي تجيءُ بالزيادةِ على أَربعةِ أَحرفٍ وهي مؤنثةٌ فجمعها في القليلِ علَى ( أَفْعُلٍ )
فأَمَّا فَعالٌ : فمثلُ : عَناقٍ وأَعنُقٍ وفي الكثيرِ على ( فُعُولٍ ) مثلُ عُنُوقٍ
وأَمَّا فِعَالٌ : فنحو : ذِراعٍ وأَذرعٍ ولا يجاوزونها هَذا ومَنْ أَنثَ اللسانَ قالَ : أَلْسنٌ ومَنْ ذَكرَ قالَ : أَلسنةٌ
وقَد جاءَ في شَمالٍ : شَمائلٌ كسرتْ علَى الزيادةِ
وقالوا : أَشْمُلٌ
وأما فُعَالٌ : فنحو : عُقَابٍ وأَعْقُبٍ . وقالوا : عِقْبانٌ
وأَما فَعِيلٌ : فَيَمِينٌ وأَيمُنٌ لأَنَّها مؤنثةٌ وقالوا : أَيمانٌ
وأَما فَعُولٌ : فنحو : قَدُوم وقُدُمٌ وهو بمنزلةِ فِعِيلٍ في القليلِ في المذكرِ فإِنْ أَردتَ الكثيرَ كسرتَهُ على فِعْلانٍ نحو : خِرْفَانٍ وقالوا : عَمُودٌ

وعُمُدٌ وَزبُورٌ وزُبُرٌ وقد كسروا أَشياءَ منها مِنْ بَنَاتِ الواوِ على ( أَفعالٍ ) قالوا : فَلُوٌّ وأَفْلاء وعَدُوٌ وَعدُوٌّ وصفٌ ولكنّهُ ضَارَع الأَسماءَ
وأَما فُعْلَى فإِنْ كانت : فُعْلَى أَفعل ( فتكسيرُها ) على ( فُعَلٍ ) نحو : الصُّغرى والصُّغَرِ ومثلهُ مِنْ ذَواتِ الياءِ والواوِ : الدُّنيا والدُّنَى والقُصوَى والقُصَى وإِنْ شئتَ جمعتَهنَّ بالتاءِ فقلتَ : الصُّغْرَياتُ والكُبْرَياتُ كما يجمعُ المذكرُ بالواوِ والنونِ نحو : الأَصغرونَ :
فُعْلَى وفِعْلَى إذا كسرتَهُ حذفَت الزيادَة التي هي للتأنيثِ ثَمَ تبنى على ( فَعَالى ) وتبدلُ الياءُ مِنَ الأَلفِ نحو : حَبَالى وذَفارى ولم ينونوا ذِفرى
و ( فُعْلَى وفِعْلَى ) في هَذا البابِ سواءٌ وقالوا في ذِفْرَى : ذَفارٌ قَال : فقولُهم : ذَفارٌ يدلُّك أَنَّهُم جمعُوا هَذا البابَ على ( فَعَالٍ ) ثُمَّ قَلَبوا الياءَ أَلفاً وجاءَ على الأصلِ والفرقُ بينَ حُبْلَى والصُّغرى أَنَّ الصُّغْرَى فُعْلَى أَفعل مثلُ الأَصفرِ ولا تفارقها الألفُ واللامُ وحُبْلَى ليستْ كذلكَ فأشبهتْ ذِفْرَى وأَما فِعْلَى فهو مثلُ حُبْلَى إذا كسرتَهُ حذفَت الزيادةَ التي هي للتأنيثِ ثُمَّ بنيتَهُ على ( فَعَالى ) وأَبدلتَ مِنَ الياءِ الألفِ وفُعْلَى وفِعْلَى في هَذا البابِ سواءٌ
وقالوا في ذِفْرى : ذَفاَرٌ ولم ينونوا ذِفرى وما كانتِ الألفُ في آخرهِ للتأنيثِ فحكمهُ حكمُ ذِفْرَى تحذفُ الألفُ التي قبلَ الطرفِ نحو : صَحراءَ وصَحارَى وقالوا : صحارٍ فإنْ أردتَ أَدنى العددِ جمعتَ بالتاءِ

فقلتَ : صَحْراواتٌ وذِفْرَياتٌ وحُبْلَياتٌ وقالوا : أُنثى وإناثٌ ورُبَى ورُبابٌ
وأَما فَعِيلَةٌ : فما عدةُ حروفهِ أَربعةٌ وفيهِ هاءُ التأنيثِ حَذَفوا وكسروهُ على ( فَعائلَ )
ورُبَّما كسروهُ عَلَى ( فُعُلٍ ) ليسَ يمتنعُ شيءٌ مِنْ هَذا أَنْ يجمعَ بالتاءِ إِذَا أَردتَ ما يكونُ لأَقلِّ العددِ نحو : صَحيفةٍ وصَحائفَ وصُحُفٍ وقد يقولونَ : ثلاثُ صَحائفَ
فأَما فِعَالةٌ : فمثلُ فَعِيلةٍ نحو : عِمَامةٌ وعَمَائمُ
وأَمَّا فَعَالةٌ فنحو : حَمَامةٍ وحَمَائمَ
ودَجَاجةٍ ودَجَائجَ وفي التاءِ مثلُ ( فَعِيلةٍ ) ز
وأَمَّا فُعَالَةٌ : فمثلُ ما قبلَها نحو : ذُوابة وذَوَائبَ وليسَ ممتنعٌ شيءٌ من ذَا مِنَ الألفِ والتاءِ إِذَا أَردتَ أَدنى العددِ
واعلَم : أَنَ فَعِيلاً وفَعَالاً وفِعَالاً وفُعَالاً إذا كانَ شيءٌ منها يقعُ على الجميعِ ( فواحده ) يَكونُ على بنائِه وتلحقهُ هاءُ التأنيثِ مثلُ : دَجَاجةٍ ودَجَاجٍ وسَفِينةٌ وسَفَينٌ ومُرَارةٌ ( ومُرَارٌ ) ودَجَاجاتٌ وسَفِينَاتٌ ومُرَاراتٌ فأَمرها كأمرِ ما كانَ عليهِ ثلاثةُ أَحرفٍ من الجمعِ بالتاءِ وغيرِه وكذلكَ بناتُ الياءِ والواوِ فيهِ
وقالوا : دَجَائجُ وسَحَائبُ
وكُلُّ ما كانَ واحداً مذكراً على الجميعِ فإِنهُ بمنزلةِ ما كانَ على ثَلاثةِ أَحرفٍ مِنَ الجميعِ وغيرِه مما ذكَرنا كثرتْ حروفهُ أَو قلَّتْ : نحو : سَفَرجلةٍ وسَفَرجلٍ كما يقولونَ تَمْرةٌ وتَمْرٌ

باب ما كان من الأَسماء على أربعة أحرف من غير زيادة
اعلِم : أَنَّ ما كانَ من بناتِ الأربعةِ لا زيادةَ فيهِ فإِنهُ يكسرُ علَى مِثالِ ( مَفَاعلٍ ) نحو : ضَفَادعٍ وإِنء عنيتَ الأَقلَّ أَيضاً لا تجاوزهُ لأَنكَ لا تصلُ إلى التاءِ لأَنهُ مذكرٌ فإِنْ كانَ فيه حرفٌ رابعٌ زَائدٌ وهوَ حرفُ لينٍ كسرتُه علَى مثالِ ( مَفَاعيلٍ ) نحو : قِنديلٍ وقَنَاديل وكُلُّ شيءٍ من بناتِ الثلاثةِ أُلحقَ بزيادةٍ ببناتِ الأربعةِ وأُلحق ببنائِها فتكسرهُ أَيضاً على مَثَالِ مَفَاعِل والملحقُ بمنزلةِ الأَصلي وذلكَ نحو : جَدْولٍ وجَدَاول وأَجدلٍ وأَجادل ومما لم يُلحقْ بالأربعةِ وفيه زِيادةٌ وليستِ الزيادةُ بمدةٍ فتكسيرهُ على مِثالِ ( مَفَاعل ) أَيضاً نحو : تَنْضُبٍ وتَنَاضِب وكُلُّ شيءٍ مِنْ بناتِ الثلاثةِ قد أُلحقَ ببنات الأربعةِ فصارَ رابعهُ حرفَ مَدٍّ فهوَ بمنزلةِ ما كانَ من بناتِ الأربعةِ لَهُ رابعٌ حرفُ مَدٍّ كقُرطاطٍ وقَراطيطٍ وكذلكَ ما كانت فيهِ زائدةٌ ليستْ بمدةٍ ولا رابعه حرفُ مدٍّ ولم يبنَ بناءَ بناتِ الأَربعةِ التي رابعُها حَرْفُ مَدٍّ نحو : ( كَلوبٍ وكَلاليبَ ) ويَربوعٍ ويَرابيعَ وكُلُّ شيءٍ مما ذكرْنا كانت فيهِ هاءُ التأنيثِ فتكسيرهُ على ما ذكرْنا مِنَ الأربعةِ إِلاّ أَنَّكَ تجمعُ بالتاءِ إِذَا أردتَ أَدنى العددِ

واعلَم : أَنَّ الخماسي مِنَ الأسماءِ التي هيَ أُصولٌ لا يجوزُ تكسيرهُ فمتى استكرهوا حذَفوا منها وردوهُ إِلى الأربعةِ تقولُ في سَفَرجلٍ : سَفَارجُ فتحذفُ اللامَ وقالوا في فَرَزدقٍ : فَرَازِقُ حذفوا الدالَ لأَنَّها مِنْ مخرجِ التاءِ والتاءُ مِنْ حروفِ الزوائدِ والقياسُ أَنْ يقولوا : فرازدٌ وما جاءَ مِنَ الأسماءِ ملحقاً فاحذفْ بالخمسةِ مِنهَا الزوائدَ وردَّهُ إِلى الأربعةِ فإِنْ كَان فيه زائد ثانٍ أو أَكثرُ فأَنتَ بالخيارِ في حذفِ الزوائدِ حتى تردَّهُ إِلى مِثَالِ : ( مَفَاعِل ) ومَفَاعيل فإِنْ كانَ إِحدى الزوائدِ دخلتْ لمعنىً أًثبتَّ ما دخلَ لمعنىً وحذفتَ ما سواهُ وذلكَ نحو : مُقْعَنسس وهوَ ملحقٌ بمحرنجمٍ فالميمُ زائدةٌ والنونُ زائدةٌ والسينُ الأخيرةُ زائدةٌ فتقول : مَقَاعسُ وإنْ شئتَ : مَقَاعيسُ فتحذف النونَ والسينَ ولا تَحذفُ الميمَ لأنَّها أُدخلت لمعنَى اسمِ الفاعلِ وأنتَ بالتعويضِ بالخيارِ والتعويضُ أَنْ تلحقَ ياءً ساكنةَ بينَ الحرفينِ اللذينِ بعدَ الألفِ فإنْ كانتِ الزيادةُ رابعةَ فالتعويضُ لازمٌ كما ذَكرنا في قنديلٍ وقَنَاديل لا يجوز إلاّ التعويضُ
ورُبّما اضطر فزادَ الياءَ من غير تعويضٍ مِنْ شيءٍ كما قالوا
( نَفْيَ الدَّراهِمِ تَنْقَادُ الصَّيَاريفُ ... )


ذكر تكسير الصفةِ
بابُ الثلاثي منها
الأول : فَعْلٌ جاءَ فيهِ تسعةُ أَبنيةٍ : فِعَالٌ فَعُولٌ فَعْلٌ أَفْعَلٌ فَعِيلٌ أَفْعَالٌ فَعْلانُ فِعَلَةٌ فُعْلانٌ
فِعَالٌ : نحو صَعْبٍ وصِعَابْ ولا يكسرُ للقليلِ
وفُعُولٌ نحو : كَهْلٍ وكُهُولٍ وليسَ شيءٌ مِنْ هَذا إِذَا كانَ للآدميينَ يمتنعُ مِنَ الواوِ والنونِ وإِذَا أَلحقتَهُ الهاءَ للتأنيثِ كسرَ على ( فِعَالٍ ) نحو : عَبلةٍ وعِبَالٍ وليسَ شيءٌ مِنْ هذا يمتنعُ مِنَ التاءِ إِلا أَنك لا تحركُ الأوسطَ لأنهُ صفةٌ
وقالوا : شِياهٌ لَجَبات فحركوا ومِنَ العربِ مَنْ يقولُ : شَاةٌ لَجَبةٌ وقالوا : رِجالٌ رَبَعاتٌ لأَنَّ أَصلَ ( رَبَعةٍ ) اسمٌ مؤنثٌ وقعَ على المذكرِ والمؤنثِ وَقَد كسروا ( فَعْلاً ) على ( فُعْلٍ ) مثلُ كُثٍّ وكُثٍّ وكسروا ما استعملوا منهُ استعمالَ الأَسماءِ على ( أَفْعُلٍ ) نحو : عَبْدٍ وأَعْبُدٍ وقَالوا : عَبيدٌ كما قالوا : كَليبٌ وقالوا : شَيخٌ وأَشياخٌ وشِيخانٌ وشِيخَةٌ وقالوا : وَغْدٌ وَوِغدانٌ وَوُغَدانٌ ورُبَّما كسروا الصفةَ تكسيرَ الأسماءِ
الثاني : فَعَلٌ على ثلاثةِ أَبينةٍ : فِعَالٌ وفِعْلانٌ وأَفعَالٌ وذلكَ : حَسَنٌ

وحِسَانٌ عندَ البابِ وقالوا : خَلَقٌ وخِلْقانٌ وبَطَلٌ وأَبطَالٌ استغنوا بهِ عن ( فَعَالٍ ) فألحقتَهُ الهاءَ للتأنيثِ كسرَ أَيضاً على ( فِعَالٍ ) وليسَ شيءٌ مِنْ هَذا للآدميينَ يمتنعُ مِنَ الواوِ والنونِ
وما كانَ على ( أَفعالٍ ) نحو : أَبْطَالٍ فإِنَّ مؤنَّثهُ إِذا لحقتهُ الهاءُ جُمِعَ بالتاءِ نحو : بَطَلةٍ وبَطَلاتٍ مِنْ قِبلٍ أَن مذكرَهُ لَمْ يجمَع ( على فِعَالٍ ) فيكسرُ هُوَ عليهِ . ( فَعَلَةٌ ) كَما لا يجمعُ مؤنثُ ( فَعْلٍ ) علَى ( أَفْعُلٍ ) كما قالوا : رَجُلٌ صَنَعٌ وقَومٌ صَنَعُونَ ورَجُلٌ رَجَلٌ وقَومٌ رَجَلونَ والرَّجَلُ : هُوَ الرَّجِلٌ الشَّعَرٌ ولم يكسروهما
الثالثُ : فُعُلٌ : جاءَ على ( أَفعالٍ ) وهو في الصفاتِ قليلٌ وذلكَ قولُكَ : جَنُبٌ فَمَنْ جمعَ مِنَ العربِ قالَ : أَجْنَابٌ وإِنْ شئتَ قلتَ : جُنبُونَ وقالوا : رَجُلٌ شُلُلٌ ولا يجاوزونَ ( شُلُلوُنَ ) وَهوَ الخفيفُ في الحاجةِ
الرابعُ : فِعْلٌ : علَى ( أَفعالٍ ) و ( أَفْعُلٍ ) وذلكَ جِلْفٌ وأَجْلاَفٌ
وقالَ بعضَ العَربِ : أَجْلُفٌ
وقالوا : رَجُلٌ صِنْعٌ وقَومٌ صِنْعونَ وليسَ شيءٌ مما ذكرنا يمتنعُ مِنَ الواوِ والنونِ ومؤنثهُ إِذَا لحقتهُ الهاءُ بمنزلةِ مؤنث ما كسر على ( أَفعالٍ ) مِنْ بابِ ( فَعْلٍ ) يجمعُ بالألفِ والتاءِ وقالوا : عِلْجةٌ وعِلْجٌ
الخامس : فُعْلٌ : وأَفعالٌ يقولونَ : رَجُلٌ مُرٌّ وأَمرارٌ وَهوَ مثلُ ( فِعْلٍ ) في القلةِ ويقالُ : رَجُلُ حُلْوٌ وقَومٌ حُلْونَ وهوَ العظيمُ البطنِ
السادسُ : فَعُلٌ على أَفعالٍ : وذلكَ : يَقظٌ وأيقَاظٌ ونَجُدٌ وأَنجادٌ وبابهُ أَن يجمعَ بالواوِ والنونِ

السابعُ : فَعِل : جاءَ علَى ( أَفعالٍ ) وقالوا : نَكِدٌ وأَنكادٌ
فجميعُ الأَبنيةِ التي جاءَت مِنَ الثلاثي في الصفاتِ سبعةُ أَبنيةٍ
الأول : فَعْلٌ . وجاءَ فيهِ تسعةُ أبنيةٍ : فَعالٌ وفُعُولٌ وفُعْلٌ وأَفْعُلٌ وفَعِيلٌ وأَفعَالٌ وفِعْلانٌ وفِعَلةٌ وفُعْلانٌ
الثاني : فَعْلٌ وجاء فيه ثلاثة أبنية : فِعَالٌ وفُعَالٌ وأَفْعَالٌ
الثالث : فَعَلٌ : جاء على أفعال
الرابع : فَعْلٌ : جاء على أفعال وأَفْعُلٍ
الخامس : فَعُلٌ : جاء على أفعال
السادس : فَعَلٌ : جاء على أفعال
السابع : فِعْلٌ : جاء على أفعال
واعلَمْ : أَنَّ جميعَ هذهِ النعوتِ لا تمتنعُ من الواوِ والنونِ والألفِ والتاءِ لأَنَّها على الفعلِ تجري والأَسماءُ أَشدُّ تمكناً في التكسيرِ فمتى احتجتَ إلى تكسيرِ صفةٍ ولم تعلمْ أَنَّ العربَ كسرتَها فكسرها تكسيرَ الإسمِ الذي هُوَ علَى بنائِه لأَنَّها أَسماءٌ وإنْ كانت صفاتٍ
والضرورةُ تقعُ في الشعرِ فأَمَّا إِذَا احتجتَ إلى ذلكَ في الكلامِ فاجمعْ بالواوِ والنونِ والألفِ والتاءِ إِلاّ أَنْ تعلَم أَنَّ العربَ قد كسروا مِنْ ذلكَ شيئاً فتكسرْ عليهِ

باَبُ تكسيرِ ما كانَ في الصفاتِ عددُ حروفهِ أربعةُ أحرفٍ بالزيادةِ
تجيء الصفةُ في هَذا البابِ على تسعةِ أبنيةٍ : الأولُ : فَاعِلٌ : جاءَ علَى سبعةِ أَبنيةٍ : فَعَّلٌ وفُعَّالٌ وفُعْلَةٌ وفَعَلةٌ فيما اعتلت لامهُ
وفُعُلٌ وفُعَلاءُ وفَواعلُ
فأَما ( فُعَّلٌ ) فنحوه شَاهدٍ وشُهَّدٍ ومثلُهُ من بناتِ الياءِ والواوِ التي هنَّ عيناتُ : صَائِمٌ وصُوَّمٌ وغَائِبٌ وغُيَّبٌ وفي اللاماتِ : غَازٍ وغُزَّى
وأما ( فُعَّالٌ ) فنحو : جَاهِلٍ وجُهَّالٍ وشَاهِدٍ وشُهَّادٍ وهو كثيرٌ
وأَما فَعَلَةٌ فنحو : فَاسقٍ وفَسَقَةٍ وبَارٍّ وبَرَرَةٍ وهو كثيرٌ ومثلُه فيما اعتلتْ عينُهُ : كخائن وخَوَنةٍ وبائعٍ وَبَاعةٍ ويجيءُ نَظيرُهُ مِنْ بَناتِ الياءِ والواوِ والتي هيَ لامٌ على ( فُعَلَةٍ ) نحو : قاضٍ وقَضَاةٍ ورامِ ورُماَةٍ
وأَمَّا فُعُّلٌ : فَبازِلٌ وبُزُّلٌ وعَائطٌ وعُيُّطٌ وحَائلٌ وحُوّلٌ
وأَما ( فُعْلاءُ ) : فَعالمٌ وعُلَماءُ وصَالِحٌ وصُلَحاءُ وفُعُّلٌ وَفَعلاءُ في هَذا البابِ ليسَ بالقياسِ المتمكنِ وليسَ شيءٌ للآدميينَ يمتنعُ مِنَ الواوِ والنونِ وإِذَا أُلْحِقَتِ الهاءَ للتأنيثِ كسر على فَوَاعلَ : كضَاربةٍ وضَوَاربَ وكذلكَ إِنْ كانَ صفةً للمؤنثِ ولمْ يكنْ فيهِ هاءُ التأنيثِ : كحَائضٍ وَحَوَائض ويكسرونَهُ على ( فُعّلٍ ) نحو : حُيّضٍ وزَائرٍ وزُوّرٍ لا يمتنعُ

شيءُ فيهِ الهاءُ مِنْ هذهِ الصفاتِ مِنَ التاءِ وإنْ كانَ فَاعلٌ لغيرِ الآدميينَ كسرَ عَلَى ( فَوَاعلَ ) وإِنْ كانَ لمذكرٍ أَيضاً مثلَ : جِمَالٍ بَوَازلَ وقَد اضطرَّ الفرزدقُ فَقَال :
( وإِذَا الرجالُ رأَوا يزيدَ رأَيتَهم ... خُضُعَ الرقابِ نَوَاكسَ الأبصارِ )
فجعلَ الآدميينَ كغيرِهم
الثاني : فَعِيلٌ : يجيءُ تكسيرهُ على عَشَرةِ أَبنيةٍ : فُعَلاءُ . وفِعَالٌ
وأَفْعِلَةٌ في المضاعفِ وأَفْعِلاءُ في المُعتلِ . وفُعُلٌ
وفُعْلانٌ وفِعْلانٌ وأَفعَالٌ وفَعَائِلُ في المؤنثِ وفَعولُ وذلكَ نحو : فقيهٍ وفقهاء وقَالوا : لَئيمٌ ولِئَامٌ وما كانَ منهُ مضاعفاً كسرَ على ( فَعَالٍ ) : كشديدٍ وشِدَادٍ ونظيرُ فَعَلاءَ فيهِ أَفْعِلاء : كشديدٍ وأَشُدَّاءَ وقد يُكسّرونَ المضاعفَ على ( أَفْعِلةٍ ) نحو : شحيحٍ وأَشحَّةٍ ومتى كانَ من بناتِ الياء والواوِ فإنَّ نظيرَ فُعَلاءَ فيه : أَفْعِلاء : كغني وأَغْنياءَ وغَويٍّ وأِّغْوياءَ
استغنوا بهذَا عن ( فِعَالٍ ) وبالواوِ

والنونِ
وما كانَ مِن بناتِ الياءِ والواوِ وهي عيناتٌ كُسَر علَى ( فِعَالٍ ) نحو : طَويلٍ وطِوَالٍ وهو قليلٌ في الكلامِ وليسَ شيءٌ مِنْ هَذا للآدميينَ يمتنعُ مِنَ الواوِ والنونِ
وأَما فُعُلٌ فمثلُ نَذيرٍ ونُذُرٍ ومثلُه مِنْ بناتِ الياءِ : ثَنِيٌّ وثُنٍ وكانَ الأصلُ : ثنوّاً فوقعتْ الواوُ طرفاً قبلَها ضمةٌ فقلبتْ ياءً وكُسر ما قبلَها وهذَا يبينُ في موضِعه إِنْ شَاء اللُه
وقَد جاءَ ( فُعْلانٌ ) قالَ : ثَنِيٌّ وثُنْيَانٌ وجَاء فِعلانٌ قالوا : خَصِيٌّ وخِصْيَانُ و ( أَفْعَالٌ ) مثلُ : ( يتيمٍ وأَيتامٍ ) وقالوا : صَديقٌ وأصدقاءُ حيثُ استعملَ كما تستعملُ الأسماءُ نحو : نَصيبٍ وأَنصباءَ وإِذَا ألحقتَ الهاءَ ( فَعيلاً ) للتأنيثِ فالمؤنثُ يرافقُ المذكرَ مثلَ : صَبيحةٍ وصِبَاحٍ ويكسرُ علَى ( فَعَائِلَ ) وقد يستغنونَ على ( فَعَائِلَ ) بغيرِها نحو : صغيرٍ وصِغَارٍ وقالوا : خَليفةٌ وخَلائِفُ جاءوا بهِ على الأَصلِ وقالوا : خُلَفاءُ مِنْ أَجلِ أَنه لا يقعُ إِلاّ على مذكرٍ فصارَ مثلَ : ظريفٍ وظُرَفاءَ وأَما فُعُولٌ فَجاءَ في جمعِ ظَريفٍ : ظُرُوفٌ
وقالَ أَبو بكر : هو جمعهُ عندي علَى حَذفِ الزوائدِ كأَنهُ جمعُ ظُرَفاءَ
وقال الخليلُ : هو بمنزلةِ : مَذَاكيرَ إِذَا لم يكسر علَى ذَكَرٍ

فَقَد أُجريَ شيءٌ مِنْ فَعيلٍ مستوياً في المذكرِ والمؤنثِ شُبِّه بفُعُولٍ نحو : جَديدٍ وسَديسٍ وفَعيلٌ إِذَا كانَ بمعنى فَعُولٍ فهوَ في المذكرِ والمؤنثِ سواءٌ لا يجمعُ بالواوِ والنونِ ويكسرُ علَى فَعْلَى نحو : قَتيلٍ وقَتْلَى
وقالَ سيبويه : سمعنَا مَنْ يقولُ : قَتلاءٌ
الهاءُ تدخلُ في بابِ فَعيلٍ على ما كانَ مقدراً فيهِ قبلَ أَن يُفعلَ بهِ ذاكَ فإِذاَ فُعِلَ كانَ بغيرِ هاءٍ تقولُ : هذِه ذَبيحةُ فِلانٍ قَبلَ أَن تذبحَ فإِذَا ذَبحتْ قيلَ : شاةٌ ذبيحُ
الثالثُ : فُعُولٌ : ويجيءُ على : فُعُلٍ وفَعَائِلَ للمؤنثِ وفَعْلاءَ قالوا : صَبُورٌ وصُبُرٌ وفي المؤنثِ : عَجُوزٌ وعَجَائِزُ وليسَ شيءٌ مِنْ هَذا يجمعُ بالواوِ والنونِ كَما أَنَّ مؤنثَهُ لا يجمعُ بالتاءِ
وقالُوا للمذكرِ : جَزُورٌ وجَزَائرُ لمَّا لَم يكنْ مِنَ الآدميينَ شبهوهُ بالمؤنثِ وقالوا : رَجُلٌ وَدُودٌ وودودة شبهوهُ : بصديقٍ وصَديقةٍ وقالوا : امرأةٌ فَرُوقةٌ ومَلُولةٌ
الرابعُ : فَعالٌ : يجيءُ علَى ثَلاثةِ أَبنيةٍ : عَلَى فُعُلٍ وفُعْلٍ فيما اعتلتْ عينهُ وفَعْلاءَ وذلكَ نحو : صَناعٍ وصُنُعٍ وقالوا فيما اعتلت عينهُ : نَوارٌ ونُوُرٌ وجَوادٌ وَجُودٌ والهاءُ لا تدخلُ في مؤنثهِ وجاءَ : جَبَانٌ وجُبنَاءُ
الخامسُ : فِعَالٌ : جاءَ علَى ثلاثةِ أَبنيةٍ : فُعُلٌ فَعَائِلُ وفِعَالٌ
اعلَمْ : أَنَّ فِعَالاً بمنزلةِ : فَعَالٍ لا تدخلُ الهاءُ في مؤنثهِ وجمعَ علَى : فُعُلٍ نحو : نَاقةٍ دلاث وَدُلُثٍ وزعمَ الخليل : أَنَّ هِجَانَ للجماعةِ بمنزلةِ : ظِرافٍ وزعَم أبو الخطابِ : أَنَّ الشِّمالَ تجعلُ

جمعاً وقالوا : دِرْعٌ دِلاصٌ وأَدرعٌ دِلاصٌ لفظُ الجميعِ لفظُ الواحدِ وإنّما وقَع هَذا لأن ( فِعالَ وفَعولَ وفَعيلَ ) أَخواتٌ فالزيادةٌ مِنْ جميعهنَّ في موضعٍ واحدٍ
السادسُ : فَيْعِلٌ : وهذَا البناءُ لا يكونُ إلاّ في المعتلِّ فيجيءُ جمعهُ علَى : ( أَفعالٍ ) وأَفْعلاءَ وذلكَ نحو : مَيّتٍ وأَمواتٍ وحقهُ الواوُ والنونُ نحو : قيّمٍ وقَيمونَ ومثلُ أَمواتٍ : قَيْلٌ وأَقيالٌ والأصلُ : قيّلٌ فَخُفِّفَ وَلوْ لَم يكنْ ( فَيْعِلاً ) لِمَا جمعوا بالواوِ والنونِ فقالوا : قَيلونَ لأَنَّ ( فَعِيلَ ) التكسيرُ فيهِ أَكثرُ وفَيعِلَ الواوُ والنونُ فيهِ أَكثْرُ ويقولونَ للمؤنث أيضاً : أَمواتٌ وقالوا : هَيّنٌ وأهْونَاءُ
السابعُ : مَفْعَلٌ : يكسرْ عَلَى مَفَاعِلَ مَدْعَسٌ ومَدَاعِسُ
الثامنُ : مُفْعَلٌ ومُفْعَلٌ يجمعُ بالواوِ والنونِ والمؤنثُ بالتاءِ إلاّ أَنَّهم قَد قالوا : مُنكَرٌ ومَناكيرُ ومُوْسَرٌ ومَياسيرُ
وأَما مَفْعِلٌ الذي يكونُ للمؤنثِ ولا تدخلهُ الهاءُ فإنهُ يكسرُ نحو : مُطْفِلٍ ومَطَافِلَ وقَد قالوا علَى غيرِ القياسِ : مَطافِيلُ
التاسعُ : فُعَّلٌ يجمعُ بالواوِ والنونِ وذلكَ نحو : زُمَّلٍ وجُبَّاً يقالُ : رَجُلٌ جُبّاً إذَا كانَ ضعيفاً

بَابُ ما ألحقَ مِنْ بناتِ الثلاثةِ ببنَاتِ الأربعةِ مِنَ الصفاتِ
وهو يجيءُ علَى ثلاثةِ أَبنيةٍ علَى : فَعْوَلٍ وفَيْعَلٍ وأَفْعَلَ
والأولُ : فَعْوَلٌ : نحو : قَسْوَرٍ وقَسَاورَ وتَوْأَمٍ وتَوَائمَ أَجروهُ مجَرى : قَشْعَمٍ وقَشَاعِمَ
الثاني : فَيْعَلٌ : نحوَ : غيْلَمٍ وغَيَالمَ شبهوها : بِسَمْلَقٍ وسَمَالقَ ولا يمتنعانِ من الواوِ والنونِ أَعني : فعلول وفيعل إذا عنيتَ الآدميين والتاءِ إذا عنيتَ غيرَ الآدميينَ
الثالثُ : أَفعلٌ : إذَا كانَ صفةً كسرَ على : ( فُعْلٍ ) وفُعْلانٍ وذلكَ نحو : أَحمرَ وحُمْرٍ ولا يحركونَ العينَ إلاّ أَنْ يضطَر شاعرٌ وهو مما يكسرُ على ( فُعلانٍ ) نحو : حُمْرانٍ وسُوْدانٍ ويمْضانٍ
فالمؤنثُ من هذا يجمعُ على ( فُعْلٍ ) نحو : حَمْراءَ وحُمْرٍ وفي ( أَفعلَ ) إذا كانَ صفةً هَلْ

هو ملحقٌ أَم غيرُ ملحقٍ نظرٌ وسؤالٌ
قال : والحقيقةُ أَنهُ غيرُ ملحقٍ ولو كانَ ملحقاً لِما أُدغَم في مثلِ الأَصمِّ
وأَما الأَصغرُ والأَكبرُ فإنّهُ لا يوصفُ بهِ كَما يوصفُ بأحمَر ولا تفارقُه الألفُ واللامُ لا تقولُ : رَجُلٌ أَصغرُ
قالَ سيبويه : سمعَنا العربَ تقول : الأَصَاغرةُ كما تقول : القَشَاعمة وإنْ شئت قلتَ : الأَصغرونَ وقالوا الآخرونَ ولم يقولوا غيرهُ

بَابُ تكسيرِ مَا جاءَ مِنَ الصفةِ عَلَى أَكثرَ مِنْ أَربعةِ أَحْرفٍ
وهيَ تجيء علَى عشَرةِ أَبنيةٍ :
الأول : مِفْعَالٌ : ويجيءُ علَى : مَفَاعيلَ ولا تدخلُه الهاءُ ولا يجمعُ بالواوِ والنونِ نحو : مِهْذَارٍ ومَهَاذير ومِفْعَلٌ بمنزلتِه للمذكر والمؤنثِ كأَنه مقصور منه
الثاني : مِفْعيلٌ : تقولُ في مِحْضيرٍ : مَحَاضيرُ وقالوا : مِسْكينةٌ شبهتْ بفَقيرةٍ فأَدخلوا الهاءَ فيجوزُ على ذَا : مسكينونَ وقالوا أَيضاً : امرأة مِسكينٌ فَمَنْ قالَ هَذا لم يجزْ أن يجمَع بالواوِ والنونِ ومؤنثهُ بالألفِ والتاءِ لأَنَّ الهاءَ تدخلهُ
الرابعُ : فُعّالٌ : مثلُ ( فُعَّالٍ ) نحو : الحُسَّانِ وقالوا : عُوَّارٌ وعَوَاويرُ
الخامسُ : مَفْعُولٌ : مثلُه بالواوِ والنونِ وقالوا : مكسورٌ ومَكاسيرُ وَمَلْعُونٌ ومَلاَعينُ شبهوها بالأسماءِ

السادس : فُعُّيلٌ : نحو : زُمَّيلٍ وجمعهُ كَجمعِ : فُعَّلٍ بالواوِ والنونِ
السابعُ : فَعْلانُ إذا كانَ صفةً وكانَ لَهُ فَعْلَى كسرَ علَى ( فُعالٍ ) نحو : عَطْشَانَ وعُطاشٍ وقد يكسرُ علَى : فَعَالى وفِعَال نحو : سَكارى وكذلكَ المؤنثُ أيضاً
وجاءَ بعضهُ على ( فُعَالى ) نحو : سُكَارى ( ولا يُجمعُ فَعْلانُ بالواوِ والنونِ ولا مؤنثهُ بالتاءِ إلاَّ أَن يضطرَ شاعرٌ وقَد قَالوا فيما يلحقُ مؤنثَهُ الهاءُ كَما قالوا في هَذا لأنَّ آخَرَهُ ألف ونون زائدتان وذلكَ : نَدْمانةٌ ونَدمانٌ ونَدَامى وقالوا : خَمْصانةٌ وخَمصانٌ وخُمَاصٌ ومنهم مَنْ يقولُ : خَمَصانُ
وقد يكسرون ( فَعِلاً ) علَى : ( فَعالى ) لأنه يدخل ( فَعْلاَن ) فيعني به ما يعني ( بفَعْلانَ ) وذلكَ : رَجُلٌ عَجلٌ وسَكِرٌ وحَذِرٌ قالوا : حَذارَى وقالوا : رَجُلٌ رَجِلٌ ورَجالى وقالَ بعضهُم : رَجْلانُ ورَجْلَى وقالوا : رجالٌ كما قالوا : عِجَالٌ ويقالُ : شَاةٌ حَرْمى وشياهُ حِرامٌ وحَرَامى لأَنَّ ( فَعْلَى ) صفةٌ بمنزلةِ التي لَها فَعْلانُ
الثامن : فُعْلانٌ نحو : خُمْصانٍ وعُرْيانٍ يجمعُ بالواوِ والنونِ ولَمْ يقولوا في عُريْانٍ : عِرَاء ولا : عَرَايا استغنوا بُعَراةٍ
وعُراةٌ إنّما هُوَ جمعُ عَارٍ إلاَ أن المعنى واحدٌ في عُرْيان وعَارٍ

التاسعُ : فُعَلاءُ فهي بمنزلةِ فُعَلةٍ مِنَ الصفاتِ لأَنَّ الألفينِ للتأنيثِ نظيرُ الهاءِ وذلكَ : نُفَساءُ ونُفساواتٌ ونُفَاسٌ وليسَ شيءٌ مِنَ الصفاتِ آخرهُ علامة التأنيثِ يمتنعُ مِنَ الجمعِ بالتاءِ غيرُ : فَعْلاءَ أَفْعَل وفَعْلَى فَعْلاَن
العاشر : فَعْلاءُ : قَد ذكرنَا في بابِ ( أَفعلَ ) أَنَّها تجيءُ علَى ( فُعْلٍ ) نحو : حَمْراءَ وحُمْرٍ فالمذكرُ والمؤنثُ فيهِ سواءٌ كما كانَ في جمعِ فَعْلَى فَعْلانَ وقَالَ : بَطْحاواتٌ في جمعِ بَطْحَاءَ حيثُ استعملتْ كالأسماءِ وقالوا : بطحاءُ وبِطَاحٌ وبَرْقَاءُ وبِرَاقٌ

بَابُ ما كانَ مِنَ الأسماءِ عدةُ حروفهِ خمسةٌ وخامسهُ أَلفُ التأنيثِ أَو أَلفا التأنيثِ
فمَا كانَ على ( فُعَالى ) يجمعُ بالتاّءِ نحو : حُبَارَى وحُبَارياتٍ وما كانَ آخره ألفانِ على فَاعِلاءَ نحو : القَاصِعَاءِ فهو على : ( فَوَاعلَ ) تقولُ فيهِ : قَواصعُ شبهوا ( فَاعِلاَءَ ) بِفَاعلة وجعلوا أَلفي التأنيثِ بمنزلةِ الهاءِ وقالوا : خُنْفَساءُ وخَنَافسُ

بَابُ ما جُمعَ علَى المعنى لا علَى اللفظِ
قالَ الخليلُ : إنّما قالوا : مَرْضى وهَلْكى ومَوْتَى وجَرْبى لأَنَّ المعنى معنى : مفعولٍ وقَد قالوا : هُلاّكٌ وهالكون فجاءوا بهِ علَى الأصلِ وقالوا : مِراضٌ وسِقَامُ ولم يقولوا : سَقْمَى وقالوا : وجعٌ وقَوْم وَجْعَى ووجَاعتى وقالوا : قومٌ وجاعٌ كما قالوا : بعيرٌ جَرِبٌ وإبلٌ جِرَابٌ وقالوا : مَائِقٌ ومَوْقَى وأحْمقُ وحَمْقَى وأَنْوَكُ ونَوْكَى لأنهُ شيءٌ أصيبوا بهِ
وقالوا : أَهْوجُ وهُوجٌ على القياسِ وأَنوكُ ونُوْكٌ وقالوا : سَكْرَى كَمَرضَى وَرَوبَى : للذين اسثقلوا نَوماَ والواحدُ : رَائبٌ وقالوا : زَمِنٌ وزَمْنَى وضَمِنٌ وضَمْنى ورَهِيصٌ ورَهْصى
وحَسيرٌ وحَسْرَى وإنْ شئتَ قلتَ : زَمِنونَ وهَرِمونَ
وقالوا : أُسَارى مثل : كُسَالى وقالوا : وَجٍ

ووجْيَا بلا همزٍ وقالوا : سَاقطٌ وسَقْطَى مثلُه : وفَاسِدٌ وفَسْدَى وليسَ يجيءُ في كُلِّ هذَا على المعنى لم يقولوا : بَخْلَى ولا سَقْمَى
قالَ أبو العباس : لو قالوهُ جازَ . وقالوا : يَتَامى
قالَ سيبويه : وقالوا : عقيمٌ وعُقٌمٌ
وقال : لو قيلَ إنَها لم تجىءْ علَى ( فُعلَ ) لكانَ مذهباً يعني : أَنَّ بابَها أَن يقالَ عَقْمَى مثلُ : قَتيلٍ وقَتْلَى فصرفتْ عن بَابِها لأَنُّها بَلَيةٌ فأَكثر ما تجيءُ عَلَى فَعْلَى

باَبُ ما جاءَ بناءُ جمعهِ علَى غيرِ ما يكونُ في مثلهِ
فَمِنْ ذلكَ : رَهْطُ وأَرَاهطُ وبَاطلٌ وأَباطيلُ كأَنَّهم كسروا : أَرْهُطٌ وأَبْطالٌ ومِنْ ذلكَ : كُراعٌ وأَكارعُ وحديثٌ وأَحاديثُ وعَروضٌ وأَعاريضُ وقَطيعٌ وأَقاطيعُ لأَنَّ هذَا لو كسرتَهُ وعدةُ حروفِه أَربعةٌ بالزيادةِ التي فيها لكانت ( فَعَائلَ ) ولَم يكنْ في الأَول زيادة
ومِثل أَراهطَ أهلٌ وأَهَالٍ . ولَيلة ولَيالٍ كأَنهُ جمَع : أَهلاً وليلاً
وقالَ أبو العباس : ليلةٌ أصلها ( ليلاً ) فحذفت وزعمَ أَبو الخطاب : أَنَّهمْ يقولونَ : أَرضٌ وآراضٌ كما قالوا : أَهْلٌ وآهالٌ فهذَا على قياسهِ وقالَ بعضُهم : أَمْكُنٌ كأَنهُ جَمْعُ مُكْنٍ
وقالَ سيبويه : ومثلُ ذلكَ : تَوأَمٌ وتوائمُ كأنهم كسروهُ على ( تِئمٍ ) كما قالوا : ظِئْرٌ وظُؤارٌ وقالَ أبو العباس : توأَمٌ اسمٌ مِنْ أَسماءِ الجمعِ وفِعَالٌ لا يكونُ مِنْ أَبوابِ الجمعِ وكذلَك : رَجْلٌ ورِجَالٌ وقالَوا : كرَوانٌ

وللجمعِ : كِرْوَانٌ
وقالَ أبو العباس : كَرَوانٌ جمعْ : كِرْوَانٍ تحذفُ الزوائدَ وكذلكَ قالَ في أَمْكنٍ جَمعُ : مَكَانٍ
وقال سيبويه : إنما جُمِعَ ( كَرَوانُ ) على ( كَرىً ) وقالوا في مِثْلِ : ( أَطرِقْ كَرا إنَّ النعامَ في القرُى ومِثْلُ هذَا : حمارٌ وحَميرٌ وصَاحبٌ وأَصحابٌ وطَائِرٌ وأَطيارٌ

بَابُ ما هُوَ اسمٌ يقعُ علَى الجميعِ ولم يكسر عليهِ واحدهُ وهوَ مِنْ لفظهِ
وذلكَ نحو : رَكْبٍ وسَفْرٍ وطَائرٍ وطَيْرٍ وصَاحبٍ وصَحْبٍ أَلا تَرى أَنكَ تقولُ في التصغير : رُكَيبٌ وسُفَيرٌ ولو كانَ تكسيراً لردَّ إلى الواحدِ ومثلُ ذلكَ : أَديمٌ وأَدَمٌ وعَمُودٌ وعَمَدٌ وحَلْقَةٌ وحَلَقٌ وفَلْكَةٌ وفَلَكٌ ومِنْ ذلكَ : الجامَلُ والباقِرُ وأَخٌ وإخوةٌ وسَرِيٌّ وسَرَاةٌ مِنْ ذلكَ لو قالَ قائلٌ : شُبِّهَ ( فَعِيلٌ بفَاعِلٍ ) نحو : فَاسقٍ وفَسَقةٍ قيلَ لَهُ : مثالُ هذا في المعتلِّ إنَّما يجيءُ على ( فَعَلةٍ ) نحو : قَاضٍ وقَضَاةٍ و ( فَعَلةٌ ) ليسَ من جُموعِ المعتلِّ فلذلكَ لم يجعلْ جمعاً وصارَ في رَكْبٍ وسَفْرٍ وقالوا : فَارهُ وفُرْهَةٌ مثْل : صَاحبٍ وصُحْبَةٍ وغَائِبٍ وغَيَبٍ وخَادمٍ وَخَدَمٍ وإهَابٍ وأَهَبٍ ومَاعِزٍ وَمَعَزٍ وضَائنٍ وضَأَنٍ وعَازبٍ وعِزيبٍ وغاَزٍ وغَزِيٍّ

بَابُ جَمْعِ الجَمْعِ
أَما أبنيةُ أَدنى العددِ فيجمعُ على ( أَفَاعِل ) وأَفاعيلَ نحو : أَيدٍ وأَيادٍ وأَوطبٍ وأَواطبَ وأَفعالٌ بمنزلةِ إفعالٍ نحو : أَنعامٍ وأَناعيمٍ وقد جمعوا ( أَفْعلةً بالتاءِ )
قالوا : أَغطيةٌ وأَغطياتٌ وأَسقيةٌ وأَسقياتٌ وقالوا : أَسورةٌ وأَسَاورَةٌ وقالوا : جِمَالٌ وجَمَائلُ
وقالوا : جَمَالاتٌ وبُيوتاتٌ عملوا بفُعُولٍ ما عملوا بَفَعالٍ وكذلكَ ( فُعُلٌ ) قالوا : الحُمُراتُ بضم الميم
قالَ سيبويه : وليسَ كُلُّ جَمْعٍ يجمعُ
لم يقولوا : في جَمْعِ بَرٍّ أَبرارٌ وقالوا : في تَمْرٍ تُمْرَانٌ
وأَبوا العباس يُجيزُ : أَبرار في جمع بَرٍّ ويركنُ إلى القياسِ وقالوا في مُصْرانٍ : مَصَارينُ
وأَبياتٌ وأَباييت وبيوتٌ وبيُوتاتٌ وقالوا : عُوذٌ وعُوذاتٌ ودُورٌ ودُوراتٌ وحُشَّانٌ وحَشَاشينَ وكُلُّ بناءٍ مِنْ أَبنيةِ الجموعِ ليسَ علَى مثالِ ( مَفَاعِلَ ) ومَفَاعيلُ ( إذا اختلفتْ ضروبهُ فجمعُه

عندي جَائزٌ وقياسُه أَن ينظرَ إلى ما كانَ على بنائِه مِنَ الواحدِ أو على عدتِه فتكسرهُ علَى مِثَالِ تكسيرهِ
وقالَ سيبويه : مَنْ قالَ : أَقاويلُ وأَباييتُ في أَبياتٍ لا يقولُ : أَقوالانِ لا يثُني ( أَقوالاً ) وكذلكَ : البُسْرُ والتَّمْرُ إلاّ أَن تريدَ ضربينِ مُختلفينِ فهذَا يدلُّكَ علَى أَنَّ جمعَ الجَمْعِ يجيءُ علَى نوعينِ : فنوعٌ يرادُ بهِ التكثيرُ فَقَط ولا يرادُ بهِ ضروبٌ مختلفةٌ ونوعٌ يرادُ بهِ الضروبُ المختلفةٌ وهو الذي لا يمتنع منهُ جَمْعٌ قالوا : إبلانِ لأنَّهُ اسمٌ لم يكسر
وقالَ : لِقَاحانِ سَوداوانِ لأَنَّهم لم يقولوا : لِقَاحٌ واحدةٌ وهو في إبْلٍ أَقوى لأَنهُ لم يكسرْ
قالَ سيبويه : سأَلتُ الخليلَ عن : ثلاثةِ كلابٍ فَقالَ : يجوزُ في الشعر علَى ( من ) وإنْ نونتَ قلتَ : ثلاثةٌ كلابٌ

بَابُ ما لُفِظَ بهِ مثنىً كما لُفِظَ بالجمعِ
وهو أَن يكونَ كُلُّ واحدٍ بعضَ شيءٍ مفردٍ مِنْ صاحبهِ كقولِكَ : ما أَحسنَ رؤوسهمَا وزعمَ يونس أَنَّهم يقولونَ : غِلمانهما وإنّما هُما اثنانِ
وزَعم أَيضاً أَنَّهم يقولونَ : ضربتُ رأْسيهما وأَنهُ سَمع ذلكَ مِن رؤبةَ والبابُ ما جاءَ في القرآنِ قالَ الله عزَّ وجلَّ : ( إنْ تُتوبَا إلى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قَلُوبُكُمَا ) . ( والسَّارِقُ والسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْديَهُما )

بابُ مَا كاَن من الأعجميةِ على أَربعةِ أحرفٍ وقد أعربَ
جمعُ هَذا الضربِ على مثالِ مَفَاعل وزعَم الخليلُ : أنهم يلحقون جمعَهُ الهاءَ إلاّ قليلاً : كَمَوْزَجٍ ومَوازِجَةٍ وطَيْلسانٍ وَطَيالسةٍ وقَد قالوا : جَوارِبُ وكَيالجُ وقَد أَدخلوا الهاءَ أيضاً
وكذلكَ إذا كسرتَ الإسمَ وأَنت تريدُ : آلَ فلانٍ أَو جماعةَ الحي كالمَسامعةِ والمناذرة والمَهالبةِ وقَد قالوا : دَياسِمُ وهُنُّ ولدُ الذئبِ مِنَ الضبع
وقالوا : ولَدُ الكلبِ مِنَ الذئبةِ وقالوا البَرابرةُ
والسَيابجةُ فاجتمعَ فيهما الأَعجميةٌ والإِضافةُ

بَابُ التحقيرِ
التصغيرُ شيءٌ اجتزىءَ بهِ عن وصفِ الإسمِ بالصغرِ وبُني أَولهُ علَى الضمِّ وجُعلَ ثالثهُ ياءً ساكنةً قبلَها فتحةٌ ولا يجوزُ أن يصغرَ اسمٌ يكون على أقل من ثلاثة أَحرفٍ فإذا كانَ الإسمُ ثلاثياً فالإِعرابُ يقعُ على الحرفِ الذي بعدَ الياءِ نحو قولِكَ في حَجرٍ : حُجَيْرٌ فإنْ كان آخرهُ هاء التأنيثِ فلا بُدَّ مِنْ أَن ينفتحَ لها ما قبلها فإنْ جاوزَ الإسم الثلاثةَ بزائدٍ أَو غير زائدٍ فهوَ نظيرُ الجمعِ الذي يجيءُ على ( مَفَاعلَ ) ومَفَاعيلَ فالأَلفُ في الجمعِ نظيرهُ الياءُ في التصغيرِ وما بعدَها مكسورٌ كَما أَنَّ ما بعدَ الألفِ مكسورٌ إلاَّ أَنَّ أَولَ الجمعِ مفتوحٌ وأَولَ هَذا مضمومٌ وجميعُ التصغير يجيءُ على ثلاثةِ أَمثلةٍ عَلى مثالِ تصَغيرِ : فَلْسٍ ودِرهمٍ ودِينارٍ وتصغيرُها : فُليسُ ودُرَيهمٌ ودُنَيْنيرٌ وهذا الياءُ التي تجيءُ في مِثَالِ : دُنينيرْ وَمَا أَشبه تكونُ عوضاً لازماَ متى كانَ في الإسمِ زائدةٌ تابعةٌ كما وقعت في دينار وتكون غير ملازمة متى كان في الإسم زيادةٌ تابعةٌ كما وقعتْ في دينار وتكونُ غيرُ ملازمةٍ مَتى كان في الاسمِ زيادةٌ غيرُ تابعةٍ فحينئذٍ لَكَ فيهِ الخيارُ فياءُ التصغير زائدةٌ وياءُ التعويضِ زائدةٌ فالتصغيرُ إنّما يكونُ في الثلاثي وفيما كان عددهُ أَربعةَ أَحرفٍ بزيادةٍ أَو غيرِ زيادةٍ فإنْ تجاوزَ العددُ ذلكَ حُذفَ حتَى يُردَّ إلى هذا العددِ
والأسماء تنقسمُ ثلاثةَ أقسامٍ : اسم لا زيادةَ فيهِ ولا نَقْصَ واسم فيهِ

التالي ج5.وج6. بمشيئة الله

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تعَرَّف على الإســلام د. منقذ بن محمود السقار

هدية إلى كل باحث عن الحق من غير المسلمين تعَرَّف على الإســلام د. منقذ بن محمود السقار مقدمة الحمد لله والصلاة والسلام على رسل ا...