تحميلات المصحف بكل صيغه

تحميلات

صفة صلاة النبي{ص}تحقيق الشيخ الألباني

صفة صلاة النبي{ص}تحقيق الشيخ الألباني

https://alnukhbhtattalak.blogspot.com/ صفة صلاة النبي{ص}

الجمعة، 22 أبريل 2022

رحمة الله أسبابها وآثارها د.مسفر بن سعيد الغامدي

 

بسم الله الرحمن الرحيم

رحمة الله أسبابها وآثارها
د.مسفر بن سعيد الغامدي
 -------------

بين يدي البحث

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾[آل عمران: 102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾[النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

فبقراءتي للقرآن الكريم والسُّنَّة المشرفة، لفت نظري كثرة ذكر (الرحمة) فرجعت إلى المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، فوجدت حشدًا من الآيات التي تناولت الرحمة ومشقاتها، ورجعت إلى المعجم المفهرس لألفاظ الحديث الشريف فوجدته كذلك. ثم اطَّلعت على ما كتبه  الأستاذ/ سيد قطب رحمه الله في "ظلال القرآن" على أول سورة فاطر فدهشت لما وضحه وبيَّنه وسطَّره، فخطر في بالي أن أجمع النصوص في هذا الباب رغبة في الاستزادة في العلم، ومشاركة في مجال المعرفة، أسأل الله أن يجعله علمًا نافعًا وعملاً صالحًا.

مفهوم الرحمة:

المعنى اللغوي لكلمة الرحمة:

قال ابن منظور: الرحمة: الرقَّة والتعطف.

والرحمة: المغفرة.

والرحمة: الرزق والغيث.

والرحمة في بني آدم: رقَّة القلب وعطفه.

رحمة الله: عطفه، وإحسانه، ورزقه([1]).

أما في الاصطلاح([2]): فالرحمة صفة تقتضي إيصال المنافع والمصالح إلى العبد، وإن كرهتها نفسه، وشقَّت عليها، فهذه هي الرحمة الحقيقية، فأرحم الناس بك من أوصل إليك مصالحك، ودفع المضار عنك، ولو شقَّ عليك في ذلك، فمن رحمة الأب بولده: أن يُكرهه على التأدب بالعلم والعمل، ويُشقُّ عليه في ذلك، بالضرب وغيره، ويمنعه شهواته التي تعود بضرره، ومتى أهمل ذلك من ولده كان لقلَّة رحمته به، وإن ظنَّ أنه يرحمه، ويرفِّهه ويريحه فهذه رحمة مقرونة بجهل، كرحمة بعض الأُمَّهات.

ولهذا كان من تمام رحمة أرحم الراحمين: تسليط أنواع البلاء على العبد، فإنه أعلم بمصلحته، فابتلاؤه له، وامتحانه، ومنعه من كثير من أغراضه وشهواته من رحمته به، لكن العبد لجهله وظلمه يتَّهم ربَّه بابتلائه، ولا يعلم إحسانه تعالى إليه بابتلائه وامتحانه.

فمن رحمته سبحانه بعباده: ابتلاؤهم بالأوامر والنواهي رحمة وحمية، لا حاجة منه إليهم بما أمرهم به، فهو الغني الحميد، ولا بخلاً منه عليهم بما نهاهم عنه، فهو الجوَّاد الكريم.

ومن رحمته أن نغص عليهم الدنيا وكدرها لئلاَّ يسكنوا إليها، ولا يطمئنوا ويرغبوا في النعيم المقيم في داره، وجواره، فساقهم إلى ذلك بسياط الابتلاء والامتحان فمنعهم ليُعطيهم، وابتلاهم ليُعافيهم، وأماتهم ليُحييهم.

ومن رحمته بهم: أن حذَّرهم نفسه، لئلاَّ يغترُّوا به، يعاملوه بما لا تحسن معاملته به، كما قال تعالى: ﴿ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [آل عمران: 30].

قال غير واحد من السلف: من رأفته بالعباد، حذَّرهم من نفسه لئلاَّ يغتروا به([3]).

والرحمة صفة من صفات الله ثابتة بالكتاب والسُّنَّة وإجماع سلف الأُمَّة.

قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحديد: 28] وقال سبحانه: ﴿ قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ ﴾ [الأنعام: 12] وقال جلَّ شأنه: ﴿ وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنعام: 54] وقال عزَّ من قائل: ﴿ وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آَخَرِينَ ﴾ [الأنعام: 133] وقال جلَّ وعلا: ﴿ قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا ﴾ [الإسراء: 100] وقال تعالى: ﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [فاطر: 2] وقال عزَّ اسمه: ﴿ أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ ﴾ [ص: 9] .

وقال رسول الله e : «جعل الله الرحمة في مائة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءًا وأنزل في الأرض جزءًا واحدًا، فمن ذلك الجزء تتراحم الخلق حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه»([4]) وقال نبي الرحمة e : «لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنَّته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من جنَّته أحد»([5]).

وقد أجمع سلف هذه الأمة على وصف الله بأنه "رحيم" وعلى أن من صفاته "الرحمة" وأثبتوا هذه الصفة، كما أثبتها سبحانه لنفسه وأثبتها له نبيه e بل هذا الأمر فطري لا يتوقف فيه إنسان ما، إذ كل حي يُدرك أثر هذه الصفة في نفسه وفي غيره في الأرض وفي السماء، في كل لحظة ولمحة، وجميع القلوب تُقرُّ برحمة أرحم الراحمين.

فالرحمة ثابتة لله، بل قد ثبت أنه جلَّ شأنه هو أرحم الراحمين: قال تعالى: ﴿ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [الأعراف: 151] وقال سبحانه: ﴿ قَالَ هَلْ آَمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [يوسف: 64] وقال جلَّ ذكره: ﴿ قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [يوسف: 92] وقال عزَّ من قائل: ﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 83].

وروى مسلم من حديث أبي سعيد الخدري عن رسول الله e عن الله: فيقول الله عزَّ وجلَّ: «شُفِّعت الملائكة، وشُفِّع النبيون، وشُفِّع المؤمنون، ولم يبقَ إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قومًا لم يعملوا خيرًا قط»([6]).

ولله تعالى اسمان مشتقان من الرحمة هما: الرحمن الرحيم، وسوف نفصل القول فيهما في المبحث التالي:

أسرار اقتران اسم "الرحيم" بغيره من الأسماء الحسنى:

أولا: الرحمن الرحيم:

الرحمن: اسم من أسماء الله الحسنى، وقد ذكر الله تعالى هذا الاسم في القرآن الكريم في سبعة وخمسين موضعًا.

والرحيم: اسم من أسماء الله الحسنى، وقد ذكر الله تعالى هذا الاسم في القرآن الكريم في مائة وتسعة عشر موضعًا.

والرحمن الرحيم: اسمان مشتقان من الرحمة، وهما من أبنية المبالغة، ورحمن أبلغ من رحيم، والرحمن: خاص لله، ولا يُسمَّى به غيره، ولا يُوصف. والرحيم: يوصف به غير الله فيقال: رجل رحيم([7]).

وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحَّاك قال: (الرحمن: لجميع الخلق، والرحيم بالمؤمنين خاصة)([8]).

وأخرج ابن جرير قول العرزمي: الرحمن الرحيم: الرحمن لجميع الخلق، والرحيم بالمؤمنين، ولهذا قال تعالى: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه: 5] ليعُمَّ خلقه برحمته، وقال عزَّ وجلَّ: ﴿ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 43] فخصَّهم باسمه الرحيم([9]).

هذا وقد ورد هذان الاسمان في القرآن الكريم مقترنين، كما أن كلاًّ منهما قد ورد فيه منفردًا، وكذلك فإن اسم الرحيم قد جاء في القرآن الكريم مقترنًا ببعض الأسماء الحسنى الأخرى، وسوف نبيِّن ذلك بالتفصيل فيما يأتي:

1- ورود الاسمين مقترنين:

ورد هذان الاسمان مقترنين في القرآن الكريم ستِّ مرات: قال تعالى: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [الفاتحة: 1] وقال سبحانه ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [الفاتحة: 2، 3] وقال عزَّ شأنه: ﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 163] وقال جلَّ وعلا: ﴿ حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [فصلت: 1، 2] وقال عزَّ من قائل: ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾ [الحشر: 22] وقال تبارك وتعالى: ﴿ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [النمل: 30 ٍ].

والعلاقة بينهما واضحة فهو رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، رحمن جميع الخلق، ورحيم المؤمنين في الدنيا والآخرة، والاسمان مشتقَّان من الرحمة، فما أقوى علاقتهما ببعضهما ودلالتهما مع بعضهما:

2- ورود اسم "الرحمن" منفردًا:

ورد هذا الاسم في القرآن الكريم إحدى وخمسين مرة:

قال تعالى: ﴿ كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ ﴾ [الرعد: 30] وقال سبحانه: ﴿ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا ﴾ [الإسراء: 110] وقال عزَّ شأنه: ﴿ قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا * ﴾ [مريم: 18] وقال تبارك اسمه حكاية عن أم عيسى عليه السلام: ﴿ فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ﴾ [مريم: 26] وقال تعالى جدُّه حكاية عن إبراهيم عليه السلام: ﴿ يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا ﴾ [مريم: 44، 45] وقال عزَّ من قائل: ﴿ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ﴾ [مريم: 58] وقال تعالى: ﴿ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا ﴾ [مريم: 61] وقال جلَّت قدرته: ﴿ ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا ﴾ [مريم: 69] وقال سبحانه وتعالى: ﴿ قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا ﴾ [مريم: 75] وقال الحقُّ سبحانه: ﴿ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآَيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا * أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا ﴾ [مريم: 77، 78] وقال الكبير المُتعال: ﴿ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا * وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا * لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا * وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا * إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ﴾ [مريم: 85-96] وقال عزَّ شأنه: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه: 5] وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي ﴾ [طه: 90] وقال سبحانه: ﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ ﴾ [الأنبياء: 26] وقال سبحانه وتعالى: ﴿ يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا * يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا ﴾ [طه: 108، 109] وقال عزَّ شأنه: ﴿ وَإِذَا رَآَكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آَلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ ﴾ [الأنبياء: 36] وقال من هو على كل شيء قدير: ﴿ قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ ﴾ [الأنبياء: 42] وقال أحكم الحاكمين: ﴿ قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ * ﴾ [الأنبياء: 112] وقال من بيده الملك: ﴿ الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا ﴾ [الفرقان: 26] وقال من عنت له الوجوه: ﴿ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا ﴾ [الفرقان: 59، 60] وقال أرحم الراحمين:  ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ﴾ [الفرقان: 63] وقال عزَّ شأنه: ﴿ وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ ﴾ [الشعراء: 5] وقال الغفور الكريم: ﴿ إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ ﴾ [يس: 11] وقال اللطيف المجيد: ﴿ قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ ﴾ [يس: 15] وقال الأحد الصمد: ﴿ أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ ﴾ [يس: 23] وقال الخالق العظيم: ﴿ قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ﴾ [يس: 52] وقال العليُّ العظيم: ﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ ﴾ [الزخرف: 17] وقال الملك الحقُّ: ﴿ وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ * وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ *﴾ [الزخرف: 19، 20] وقال تبارك اسمه: ﴿ وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ﴾ [الزخرف: 33] وقال الكبير المُتعال: ﴿ وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ﴾ [الزخرف: 36] وقال ربُّ العالمين: ﴿ وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آَلِهَةً يُعْبَدُونَ ﴾ [الزخرف: 45] وقال ربُّ العرش العظيم: ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ ﴾ [الزخرف: 81] وقال عزَّ شأنه: ﴿ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ﴾ [ق: 33] وقال بديع السماوات والأرض: ﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآَنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ ﴾ [الرحمن: 1-3] وقال أحكم الحاكمين: ﴿ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ﴾ [الملك: 3] وقال من هو على كل شيء قدير: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ * أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ ﴾ [الملك: 19، 20] وقال أرحم الراحمين: ﴿ قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آَمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الملك: 29] وقال من عنت له الوجوه: ﴿ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا * يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا ﴾ [النبأ: 37، 38].


3- ورود اسم "الرحيم" منفردًا:

اسم الله "الرحيم" لم يرد في القرآن منفردًا إلا في ثلاثة مواضع هي:

أ- ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ [النساء: 29].

ب- ﴿ رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ [الإسراء: 66].

ج- ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 43].

ثانيًا: ورود الاسمين الحسنيين "التواب، الرحيم" مقترنين:

وقد ورد هذان الاسمان في القرآن الكريم مقترنين تسع مرات:

قال تعالى: ﴿ فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 37] وقال سبحانه: ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ *﴾ [البقرة: 54] وقال تبارك اسمه: ﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 127، 128] وقال عزَّ شأنه: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة:160] وقال تعالى جدُّه: ﴿ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم﴾ [التوبة: 104] وقال عزَّ من قائل: ﴿ لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * ﴾ [التوبة: 117، 118] وقال تبارك وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات: 12] وقال عزَّ اسمه: ﴿ وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآَذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 16] وقال أحكم الحاكمين: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 64] .

وسرُّ اقتران هذين الاسمين ببعضهما -والله أعلم- أن الرحيم معناه: إكرام الله لعباده المؤمنين بالعطف عليهم والإحسان إليهم ورزقهم في الدنيا وإدخالهم الجنة في العقبى.

أما التواب فمعناه: أنه هو الذي يتوب على من يشاء من عباده ويقبل توبته، وكلا الأمرين تفضُّل منه سبحانه، وكلاهما إكرام منه لعباده المؤمنين فقط في الدنيا والآخرة.

ثالثًا: ورود الاسمين الحُسنيين "الرءوف الرحيم" مقترنين:

قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 143] وقال تعالى: ﴿ لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 117] وقال تبارك اسمه: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128] وقال عزَّ شأنه: ﴿ أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل: 45-47] وقال سبحانه: ﴿ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل: 5-7] وقال تعالى جدُّه: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحج: 65] وقال عزَّ وجلَّ: ﴿وَلولا فَضْلٌ الله عَليكُم وَرَحمتُه وَأنَّ الله رَءوفٌ رَحْيم﴾ [النور:20] وقال الملك الحقُّ: ﴿ هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحديد: 9] وقال الرَّحمن المُستعان: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10].

وسرُّ اقترانهما أن الرأفة شدَّة الرحمة والرأفة تسمى رحمة، والرءوف هو الرحيم فمعناهما واحد، بل تختص الرأفة بمعنى زائد. والله أعلم.

رابعًا: ورود الاسمين الحُسنيين: "الغفور الرحيم" مقترنين:

ورد هذان الاسمان في القرآن الكريم مُقترنين، اثنين وسبعين مرَّة.

قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 173] وقال سبحانه: ﴿ فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 182] وقال عزَّ شأنه: ﴿ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ * فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 191، 192] وقال تبارك اسمه: ﴿ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 199] وقال من بيده الملك: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 218] وقال تعالى جدُّه: ﴿ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 226] وقال سبحانه: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل  عمران: 31] وقال عزَّ شأنه: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 89]. وقال تبارك اسمه: ﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 129] وقال الرحمن المُستعان: ﴿ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النساء: 25] وقال تبارك اسمه: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة: 3].

وقال سبحانه: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المائدة: 34] وقال أحكم الحاكمين: ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المائدة: 38، 39] وقال عزَّ شأنه: ﴿ أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المائدة: 74]. وقال سبحانه: ﴿ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المائدة: 98] وقال تعالى جدُّه: ﴿ وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنعام: 54] وقال الرَّحمن المُستعان: ﴿ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنعام: 145] وقال عزَّ شأنه: ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنعام: 145] وقال تبارك اسمه: ﴿ وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآَمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأعراف: 153] وقال الملك الحقُّ: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأعراف: 167] وقال الرَّحمن المُستعان: ﴿ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنفال: 69، 70] وقال أحكم الحاكمين: ﴿ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 5] وقال تعالى جدُّه: ﴿ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 27] وقال تبارك و تعالى:       ﴿ لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * ﴾ [التوبة: 91] وقال تعالى: ﴿ وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 99] وقال عزَّ وجلَّ: ﴿ وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 102] وقال من بيده الملك: ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [يونس: 107] وقال عزَّ شأنه: ﴿ وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [هود: 41] وقال أحكم الحاكمين: ﴿ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [يوسف: 53] وقال تبارك وتعالى: ﴿ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [يوسف: 98] وقال الملك الحقُّ: ﴿ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [إبراهيم: 36] وقال تعالى: ﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الحجر: 49] وقال عزَّ شأنه: ﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل: 110] وقال جلَّ شأنه ﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [ النحل: 115] وقال من بيده الملك: ﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل:119] وقال عزَّ شأنه:﴿ إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم ﴾ [ النور:5] وقال تعالى جدَّه: ﴿ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 22] وقال أحكم الحاكمين: ﴿ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 33] وقال عزَّ شأنه: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 62] وقال عزَّ شأنه: ﴿ وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ * إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النمل: 10، 11] وقال تبارك وتعالى: ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [القصص: 16] وقال جلَّ شأنه: ﴿ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ ﴾ [سبأ: 2] وقال تعالى: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53] وقال أحكم الحاكمين: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾ [فصلت: 30-32] وقال تعالى: ﴿ تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ *﴾ [الشورى: 5] وقال عزَّ شأنه: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الأحقاف: 8] وقال أحكم الحاكمين: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات: 4، 5] وقال جلَّ شأنه: ﴿ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات: 14] وقال تبارك وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحديد: 28] وقال الملك الحقُّ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المجادلة: 12] وقال عزَّ من قائل: ﴿ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الممتحنة: 7] وقال جلَّ شأنه: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الممتحنة: 12] وقال تبارك وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التحريم: 1] وقال الملك الحقُّ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التغابن: 14] وقال عزَّ شأنه:    ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ *﴾ [المزمل: 20] وقال أحكم الحاكمين: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا *﴾ [النساء: 23] وقال العزيز الحكيم: ﴿ لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 95، 96] وقال جلَّ شأنه: ﴿ وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 100] وقال تعالى: ﴿ وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 106] وقال تبارك وتعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 110] وقال عزَّ شأنه: ﴿ وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 129] وقال أحكم الحاكمين: ﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 152] وقال تبارك وتعالى: ﴿ قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا *﴾ [الفرقان: 6] وقال جلَّ شأنه: ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا *﴾ [ الفرقان:70] وقال تعالى: ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ [الأحزاب: 5] وقال عزَّ شأنه: ﴿ لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًاً﴾ [الأحزاب: 24] وقال الملك الحقُّ: ﴿ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 50] وقال تبارك وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا     رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 59] وقال من عنت له الوجوه: ﴿ لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 73] وقال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفتح: 14].

 وسرُّ اقتران الاسمين ببعضهما: أن الرحمة إكرام من الله لعباده المؤمنين في الدنيا والآخرة، والغفور هو الذي يكثر من المغفرة لعباده المؤمنين، وكلاهما إكرام وتفضل ونعمة، خصَّ الله بهما المؤمنين فقط.

خامسًا: ورود الاسمين الحسنيين "العزيز الرحيم" مقترنين:

ورد هذان الاسمان في القرآن الكريم مقترنين ثلاث عشرة مرة.

قال عزَّ شأنه: ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾ [الشعراء: 9، 68، 104، 122، 140، 159،175، 191] وقال جلَّ شأنه: ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ﴾ [الشعراء: 217] وقال تبارك وتعالى: ﴿ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾ [الروم: 5] وقال تعالى: ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ * ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾ [السجدة: 5، 6] وقال الملك الحقُّ: ﴿ يس * وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ﴾ [يس: 1-5]، وقال الرحمن المُستعان: ﴿ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ * يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾ [الدخان: 40-42].

وسرُّ اقترانهما: أنه لا يغلب بل هو القادر القوي وقيل الذي لا مثل له؛ ولذلك يرحم عباده ولولا أنه قادر لما كان بالمؤمنين رحيمًا.

سادسًا: ورود الاسمين الحسنيين: "البر، الرحيم" مقترنين:

وقد ورد هذان الاسمان مقترنين في القرآن الكريم مرَّة واحدة فقط:

قال أحكم الحاكمين: ﴿ قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ﴾ [الطور:  26-28].

وسرُّ اقترانهما: أن كليهما عطاء من الله وتكرم، فالرحيم: المريد إكرام عباده المؤمنين في الدنيا بالرزق والعطف والإحسان، وفي الآخرة بالجنة.

والبر: هو المحسن إلى خلقه؛ عمهم برزقه، وخصَّ من شاء منهم بولايته، ومضاعفة الثواب له على طاعته والتجاوز عن معصيته، وكلا الاسمين فيهما إحسان وإكرام وعطاء وتفضل، وكلا الاسمين نعمة، وهذا كله رحمة.

 

 

سابعًا: مناسبة الاقتران:

واقتران الاسم الحسن الرحيم بالاسم الحسن الرحمن أو بغيره من الأسماء إنما كان لعلاقات وجيهة بينه وبين الأسماء الأخرى، وسواء ورد اسم "الرحمن" منفردًا أو مقترنًا باسم "الرحيم" فإن الله تعالى إذا رحم جميع المخلوقات فمن باب أولى يرحم المؤمنين.

وسواء ورد الاسم الحسن "التوَّاب" منفردًا أو مقترنًا بالاسم الحسن "الرحيم" فالله يتوب على عباده وهذه عين الرحمة.

وسواء ورد الاسم الحسن "الرءوف" منفردًا أو مقترنا بالاسم الحسن "الرحيم" فالرأفة شدة الرحمة.

وسواء ورد الاسم الحسن "الغفور" منفردًا أو مقترنا بالاسم الحسن "الرحيم" فالله تعالى مستمر الغفران للعباد وهذه عين الرحمة.

وسواء ورد الاسم الحسن "العزيز" منفردًا أو مقترنًا بالاسم الحسن "الرحيم" فهو الغالب القادر القوي الذي يكون مع عباده وينصرهم ويحفظهم ويُوفِّقهم وهذه عين الرحمة.

وسواء ورد الاسم الحسن "البر" منفردًا أو مقترنًا مع الاسم الحسن "الرحيم" فالله هو المحسن إلى خلقه برزقه وبحفظه وبولايته لمن أطاعه، والمُتجاوز عن معصيته، وهذه عين الرحمة.

وفي الختام فإن اقتران هذه الأسماء الحسنى مع الاسم الحسن "الرحيم" له دلالة عظيمة.

سَعة رحمة الله:

الله تعالى ذو رحمة واسعة فقد وسعت رحمته سبحانه كل شيء ووسع جلَّ شأنه كلَّ شيءٍ رحمةً وعلمًا.

قال سبحانه: ﴿وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: 156] وقال جلَّ شأنه: ﴿ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ﴾[غافر: 7] وقال تبارك اسمه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحديد: 28] وقال عزَّ من قائل: ﴿ قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام: 12] وقال تبارك اسمه: ﴿ وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنعام: 54] وقال تبارك وتعالى: ﴿ وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آَخَرِينَ ﴾ [الأنعام: 133] وقال سبحانه:  ﴿ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [الأنعام: 147] وقال أحكم الحاكمين: ﴿ قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا ﴾ [الإسراء: 100] وقال عزَّ اسمه: ﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [فاطر: 2] وقال سبحانه: ﴿ أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ ﴾ [ص: 9].

وقال رسول الله e : «جعل الله الرحمة في مائة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءًا، وأنزل في الأرض جزءًا واحدًا، فمن ذلك الجزء تتراحم الخلق، حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه»([10]) وفي رواية أخرى قال رسول الله e : «إن لله مائة رحمة قسم منها رحمة بين جميع الخلائق فبها يتراحمون، وبها يتعاطفون، وبها تعطف الوحش على أولادها، وأخَّر تسعًا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة»([11]) وعند مسلم من حديث سلمان قال: قال رسول الله e : «إن الله خلق يوم خلق السماوات والأرض مائة رحمة، كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض، فجعل منها في الأرض رحمة، فبها تعطف الوالدة على ولدها، والوحش والطير بعضها على بعض، فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة»([12]) وفي رواية أخرى قال رسول الله e : «إن لله مائة رحمة فمنها رحمة بها يتراحم الخلق بينهم، وتسعة وتسعون ليوم القيامة»([13]).

وروى مسلم من حديث أبي هريرة أن رسول الله e قال: «لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنَّته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من جنَّته أحد»([14]) وفي رواية قال رسول الله e : «إن الله تعالى خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة فأمسك عنده تسعًا وتسعين رحمة وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة، ولو يعلم المؤمن بالذي عند الله من العذاب لم يأمن النار»([15]) وروى ابن ماجة من حديث هشام بن عمَّار، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا إسحاق بن عبيد الله المدني قال: سمعت عبد الله بن أبي مليكة يقول: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص، يقول: قال رسول الله e : «إن للصائم عند فطره لدعوة ما ترد» قال ابن أبي مليكة (سمعت عبد الله بن عمرو يقول إذا أفطر: اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي.([16])

هذا وعلى المسلم ألا يغتر بسعة رحمة الله تعالى فيعصي اتِّكالاً على ذلك, بل عليه أن يتذكر قول الله عزَّ شأنه: ﴿ إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الأعراف: 56] وقوله: ﴿ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ﴾ [الأعراف: 156] فرحمته قريب لكن من المحسنين فقط، وهو يكتبها لكن للمتقين.


سبق رحمة الله غضبه:

إن رحمة الله تعالى قد سبقت غضبه، هكذا كتب الله تعالى على نفسه، ويتضح هذا من آي الذكر الحكيم وأحاديث خاتم النبيين ففي القرآن الكريم:

(1) قوله تبارك وتعالى: ﴿ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا ﴾ [الكهف: 58] .

(2) وقال عزَّ من قائل: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53].

(3) وقول أرحم الراحمين: ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾[النور: 14].

(4) وقال تعالى: ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [النور: 21].

(5) وقوله تعالى: ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا *﴾ [الفرقان: 70].


وفي السنة:

(1) قال رسول الله e : «إن الله حين خلق الخلق كتب بيده على نفسه: أن رحمتي تغلب غضبي»([17] .

(2) روى مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي e قال: «لما خلق الله الخلق، كتب في كتابه، فهو عنده فوق العرش: أن رحمتي تغلب غضبي»([18]).

(3) أخرج البخاري من حديث أبي هريرة قال: سمعت رسول الله e يقول: «إن الله كتب كتابًا قبل أن يخلق الخلق: أن رحمتي سبقت غضبي فهو مكتوب عنده فوق العرش»([19]).

(4) قال رسول الله e : «كان في بني إسرائيل رجل قتل تسعة وتسعين إنسانًا، ثم خرج يسأل، فأتى راهبًا فسأله، فقال له: هل من توبة؟ قال: لا، فقتله فجعل يسأل فقال له رجل: ائت قرية كذا وكذا فأدركه الموت فنأى بصدره نحوها، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فأوحى الله إلى هذه أن تقربي، وأوحى الله إلى هذه أن تباعدي، وقال: قيسوا ما بينهما، فوجد إلى هذه أقرب بشبر فغفر له»([20]).

(5) أخرج مسلم من حديث أبي سعيد الخدري في كتاب الإيمان باب الرؤية حديثًا طويلاً وذكر من يشفع بإذن الله في إخراج أقوام من النار، ثم قال أبو سعيد الخدري: إن لم تُصدِّقوني بهذا الحديث فاقرؤوا إن شئتم: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 40] .

فيقول الله عزَّ وجلَّ: شفعت الملائكة وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبقَ إلا أرحم الراحمين، فقبض قبضة من النار فيخرج منها قومًا لم يعملوا خيرًا قط، قد عادوا حممًا فيلقيهم في نهر من أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبَّة في حميل السيل... الحديث([21]).

علاقة الرحِم بالرحمن:

الرحِم هي: القرابة.   

وذو الرحِم: هم الأقارب، وشجنة أي قرابة مشتبكة كاشتباك العروق.

وقد أمر الله تعالى بصلة الرحِم، وحذَّر من قطعها، ووعد بالعطاء الجزيل على الصلة، وتوعَّد بالعذاب الأليم على القطيعة، ويتبيَّن لنا هذا من كتاب ربِّنا ومن سُنَّة نبيِّنا.

فإذا استعرضنا كتاب الله وجدنا فيه:

(1) قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

(2) وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * ﴾ [الأنفال: 75].

(3) وقال تعالى: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا ﴾ [الأحزاب: 6].

(4) وقال تعالى: ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ﴾ [محمد: 22].

وإذا تصفَّحنا كتب السُّنَّة وجدنا فيها:

(1) أخرج الشيخان من حديث أبي هريرة أن رسول الله e قال: «خلق الله الخلق فلما فرغ منه قامت الرحِم فقال: مَه؟ قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، فقال: ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى، يا ربِّ، قال فذلك لك» ثم قال أبو هريرة ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ﴾([22]).

(2) روى مسلم من حديث عائشة قالت: قال رسول الله e : «الرحِم مُعلَّقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله»([23]).

(3) أخرج مسلم من حديث جُبير بن مُطعم أن رسول الله e قال: «لا يدخل الجنة قاطع رَحِم»([24]).

(4) أخرج البخاري من حديث أبي هريرة عن النبي e : «إن الرحم شجنة من الرحمن، فقال الله: من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته»([25]).

(5) أخرج البخاري من حديث عائشة عن النبي e قال: «الرحم شجنة، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته»([26]).

(6) روى الإمام أحمد من حديث عبد الله بن قارظ، أنه دخل على عبد الرحمن بن عوف وهو مريض، فقال له عبد الرحمن: وصلتك رحِم، أن النبي e قال: «قال الله عزَّ وجلَّ: أنا الرحمن خلقت الرحِم وشققت لها من اسمي، فمن يصلها أصله ومن يقطعها أقطعه فأبتُّه» أو قال: «من يبتُّها أبتُّه»([27]).

(7) أخرج الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو، قال رسول الله e : «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، الرحم شجنة من الرحمن، فمن وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله»([28]).

(8) أخرج البخاري من حديث عبد الله بن عمرو قال رسول الله e : «ليس الواصل بالمُكافئ، ولكنَّ الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها»([29]).

(9) وأخرج مسلم من حديث عبد الله بن عمر أن النبي e قال: «أبرُّ البرِّ أن يصل الرجل وُِدّ أبيه»([30]).

(10) وأخرج البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله e يقول: «من سرَّه أن يُبسط له في رزقه، أو يُنسأ له في أثره فليصل رحمه»([31]).

فعلينا بصلة الرحم ولنحذر قطعها.

محمد e نبي الرحمة:

إن الرحمة صفة لنبينا محمد e أيضًا, فهو رحيم بالمؤمنين يعزُّ عليه ما يشقُّ عليهم، بل إنه e نبي الرحمة؛ جاء في القرآن الكريم.

1- ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128].

2- وقال تعالى: ﴿ وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 61].

وجاء في السُّنَّة:

1- أخرج مسلم في الصحيح من حديث جُبير بن مُطعم أن رسول الله e قال: «إن لي أسماء، أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، أنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب الذي ليس بعده أحد»([32]).

2- أخرج مسلم وغيره من حديث أبي موسى الأشعري، قال: كان رسول الله e ُيسمى لنا نفسه أسماء، فقال: «أنا أحمد والمقفى، والحاشر، ونبي التوبة، ونبي الرحمة»([33]).

3- أخرج مسلم أيضًا من حديث عمران بن الحصين، قال: كانت ثقيف حلفاء لبني عقيل، فأسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول الله e  وأسر أصحاب رسول الله e  رجلاً من بني عقيل وأصابوا معه العضباء، فأتى عليه رسول الله e وهو في الوثاق قال: يا محمد، فأتاه، فقال: «ما شأنك؟ فقال: بمَ أخذتني، وبمَ أخذت سابقة الحاجِّ؟ فقال: إعظامًا لذلك؛ أخذتك بجريرة حلفائك ثقيف» ثُمَّ انصرف عنه فناداه، فقال: يا محمد، يا محمد، وكان رسول الله e  رحيمًا رقيقًا...  الحديث([34]).

وكان النبي e  رحيمًا في كل المواطن، وكانت عيناه تفيضان بالدموع عندما يفيض قلبه بالرحمة، وقد يُسمع صوت بكائه عليه الصلاة والسلام ولم يفقد، بل لم تفارقه الرحمة حتى في المواقف التي يضطهد فيها، يُضيِّق عليه أهل مكة الخناق وهو وأصحابه، بل يؤذونه ويعذبون أصحابه فيقول: «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون».

وفي يوم الفتح صنع بمن حاربه السنين الطويلة ووقف في وجه الدعوة وقتل أصحابه، فعل بهم كما فعل يوسف بإخوته عندما قال: ﴿ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [يوسف: 92] وكانت رحمته e تسع جميع الناس، ويحس بها كل الناس الضعفاء والأقوياء على حدٍّ سواء.

4- كان رحيمًا بالأمهات وأطفالهن: أخرج الشيخان من حديث أنس بن مالك أن النبي e قال: «إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبيِّ فأتجوز في صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه»([35]).

5- وذكر يومًا رجلاً أسود أو امرأة سوداء، أو فقده، فسأل عنه أو عنها، رحمة به أو بها، فقالوا: مات.

أخرج الشيخان من حديث أبي هريرة أن رجلاً أسود أو امرأة سوداء كان يقمُّ المسجد، فمات فسأل النبي e  عنه فقالوا: مات، قال: «أفلا كنتم آذنتموني به، دِلُّوني على قبره أو قال: قبرها, فأتى قبره فصلى عليه»([36]).

6- إن الذي سماه "رحيمًا" هو "الرحيم" الذي أنزل الرحمة في قلب عبده ومصطفاه حتى بلغت رحمته الحيوان.

روى الإمام أحمد من حديث عبد الرحمن بن عبد الله قال: نزل رسول الله e منزلاً فانطلق إنسان إلى غيضة فأخرج منها بيض حمَّر، فجاءت الحمَّرة ترف على رأس رسول الله r ورؤوس أصحابه، فقال: «وبخل أيكم فجع هذه؟» فقال رجل من القوم: أنا أصبت لها بيضًا. قال رسول الله e «أردده»([37]).

7- وصحَّ أنه e  نهى عن «قتل الصبر»([38]) وفي رواية صحيحة أنه e  «نهى أن يقتل شيء من الدَّواب صبرًا»([39]).

8- وكان يُقبِّل الصبيان رحمة بهم، روى مسلم من حديث عائشة قالت: «قدم ناس من الأعراب على رسول الله e  فقالوا: أتُقَبِّلون صبيانَكم؟ فقالوا: نعم، فقالوا: لكنَّا والله ما نُقَبِّل». فقال رسول الله r: «أوأملك إن كان الله نزع منكم الرحمة»([40]).

9- وثبت أنه قال e : «من لا يرحم لا يرحمه الله عزَّ وجلَّ»([41]).

10- وروى الإمام أحمد من حديث ابن عباس، قال: قالت قريش للنبي e:  اُدْعُ لنا ربَّك أن يجعل لنا الصفا ذهبًا ونُؤمن بك، قال: «وتفعلون؟» قالوا: نعم، قال: «فدعا، فأتاه جبريل، فقال: إن ربَّك عزَّ وجلَّ يقرأ عليك السلام، ويقول: إن شئت أصبح لهم الصفا ذهبًا، فمن كفر بعد ذلك منهم عذَّبته عذابًا لا أُعذِّبه أحدًا من العالمين، وإن شئت فتحت لهم باب التوبة والرحمة» قال: «بل باب التوبة والرحمة»([42]).

11- وروى البخاري من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قال: أرسلت ابنة النبي e إليه: أن ابنًا لي قُبض فأتنا، فأرسل يُقرِئ السلام، ويقول: «إن لله ما أخذ وله ما أعطى، وكلٌّ عنده بأجل مُسمَّى، فلتصبر ولتحتسب» فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينا، فقام ومعه سعد بن عبادة، ومعاذ بن جبل، وأُبَيُّ بن كعب، وزيد بن ثابت ورجال، فرفع إلى رسول الله e  الصبي ونفسه تتقعقع، قال:حسبته أنه قال: كأنها شن، ففاضت عيناه، فقال سعد: يا رسول الله، ما هذا؟ فقال: «هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرُّحماء»([43]).

12- وأخرج الإمام مسلم من حديث أبي هريرة، قال: قيل: يا رسول الله، اُدْعُ على المشركين، قال: «إني لم أبعث لعَّانًا، وإنما بُعثت رحمة»([44]).

13- وروى الإمام البخاري من حديث عائشة قالت: «نهى رسول الله e  عن الوصال في الصوم رحمة لهم» الحديث([45]).

14- وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله e يأخذني فيُقعدني على فخذه ، ويُقعد الحسن بن علي على فخذه الآخر، ثم يضمهما ثم يقول: «اللهم ارحمهما فإني أرحمهما»([46]).

من خلال هذه الأمثلة المتقدمة تتَّضِح الصورة، وتصحُّ التسمية، ويُتأسَّى به e في رحمته بأمته، ورحمته بالضعفاء، ورحمته بالنساء، ورحمته بالصغار، وبالحيوان، والرحمة بالأُمَّة مطلب مهم، وصفة المؤمنين، وصف الله سبحانه وتعالى المؤمنين بأنهم رحماء بينهم.

قال تعالى: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا * ﴾ [الفتح: 29] وقال سبحانه: ﴿ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ ﴾ [البلد: 17] وقال رسول الله e : «ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادِّهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو تداعى سائر جسده بالسهر والحمى»([47]).

حاجة الأنبياء إلى الرحمة:

الرحمة مطلب ضروري للخلق، بدونها لا يسعدون، ولا يأمنون، بل يخسرون ويضلون، ومن ثم تضرع الأنبياء لربهم سائلين الله تعالى رحمته.

قال تعالى حكاية عن آدم وحوَّاء: ﴿ قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾  [الأعراف: 23] وقال تعالى حكاية عن نوح: ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [هود: 47] وقال تعالى: ﴿ وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ ﴾ [الأعراف: 155] وقال تعالى: ﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ﴾ [الأنبياء: 83، 84] وقال تعالى حكاية عن موسى: ﴿ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [الأعراف: 151].

وقال تعالى حكاية عن سليمان: ﴿فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾ [النمل: 19] وروى الإمام مسلم وغيره من حديث عائشة، قالت: قال رسول الله e  في استغفاره لأهل البقيع: «السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون»([48]) وقال e : «يرحمنا الله وأخا عاد»([49]).

وأخرج البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله e : «لن يُنجي أحدًا منكم عمله» قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته، سددوا وقاربوا، واغدوا وروحوا وشيء من الدلجة والقصد القصد تبلغوا»([50]) كما قال نبي الرحمة e : «دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت»([51]) وكان e  إذا استسقى قال: «اللهم اسق عبادك وبهائمك، وانشر رحمتك وأحيي بلدك الميت»([52]) وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه لرسول الله e:  علمني دعاءً أدعو به في صلاتي؟ قال: «اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم»([53]) وأخرج البخاري من حديث أبي هريرة قال: قال e : «إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخله إزاره، فإنه لا يدري ما خلفه عليه، ثم يقول: باسمك ربي وضعت جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين»([54]).

وما دامت الرحمة مطلبًا ضروريًا للخلق حتى رأينا الأنبياء أنفسهم يتضرعون في طلبها، فعلينا أن نُكثر من طلب الرحمة من أرحم الراحمين لعلَّ الله تعالى يستجيب لنا، فنسعد في الدنيا والآخرة.

مظاهر رحمة الله وآثارها:

قال سيد قطب في ظلاله على الآية: ﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [فاطر: 2] كلامًا يظهر فيه مظاهر وآثار رحمة الله، ومن المفيد أن ننقله هنا بعينه ثم نُفَصِّل بعده القول في أنواع وآثار رحمة الله، وقد نقتبس بعض أفكار الشيخ عند هذا الفصل، وإليك أوَّلاً كلام الشيخ: ﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾([55]).

وفي هذه الآية الثانية من السورة صورة من صور قدرة الله التي ختم بها الآية الأولى، وحين تستقر هذه الصورة في قلب بشري يتم فيه تحول كامل في تصوراته ومشاعره، واتجاهاته وموازينه وقيمه في هذه الحياة جميعًا، إنها تقطعه عن شبهة كل قوة في السماوات والأرض وتصله بقوة الله وتُيئَّسه من مظنة كل رحمة في السماوات والأرض وتصله برحمة الله، وتوصد أمامه كل باب في السماوات والأرض وتفتح أمامه باب الله، وتغلق في وجهه كل طريق في السماوات والأرض، وتشرع له طريقه إلى الله.

ورحمة الله تتمثل في مظاهر لا يُحصيها العدُّ، ويعجز الإنسان عن مجرد ملاحقتها وتسجيلها في ذات نفسه وتكريمه بما كرمه، وفيما سخَّر له من حوله ومن فوقه ومن تحته، وفيما أنعم به عليه مما يعلمه ومما لا يعلمه وهو كثير.

ورحمة الله تتمثل في الممنوع تمثلها في الممنوح،ويجدُّها من يفتحها الله له في كل شيء، وفي كل وضع، وفي كل حال، وفي كل مكان، يجدها في نفسه، وفي مشاعره، ويجدها فيما حوله، وحيثما كان، وكيفما كان، ولو فقد كل شيء مما يعد الناس فقده هو الحرمان، ويفتقدها من يمسكها الله عنه في كل شيء، وفي كل وضع، وفي كل حالة، وفي كل مكان، ولو وجد كل شيء مما يعده الناس علامة الوجدان والرضوان.

وما من نعمة يمسك الله معها رحمته، حتى تنقلب هي بذاتها نقمة، وما من محنة-تحفها رحمة الله- حتى تكون هي بذاتها نعمة، ينام الإنسان على الشوك مع رحمة الله- فإذا هو مهاد، وينام على الحرير-وقد أمسكت عنه- فإذا هو شوك القتاد، ويعالج أعسر الأمور-برحمة الله- فإذا هي هوادة ويسر، ويعالج أيسر الأمور-وقد تخلت رحمة الله- فإذا هي مشقة وعسر، ويخوض بها المخاوف والأخطار فإذا هي أمن وسلام، ويعبر بدونها المناهج والمسالك فإذا هي مهلكة وبوار.

ولا ضيق مع رحمة الله، إنما الضيق في إمساكها دون سواه، لا ضيق ولو كان صاحبها في غياهب السجن، أو في جحيم العذاب، أو في شعاب الهلاك، ولا سعة مع إمساكها ولو تقلب الإنسان في أعطاف النعيم وفي مراتع الرخاء، فمن داخل النفس برحمة الله تتفجر ينابيع السعادة والرضا والطمأنينة ومن داخل النفس في إمساكها تدُبُّ عقارب القلق والتعب والنصب والنكد والمعاناة.

هذا الباب وحده يفتح وتغلق جميع الأبواب، وتوصد جميع النوافذ وتسدُّ جميع المسالك فلا عليك، فهو الفرج والفسحة، واليسر والرخاء، وهذا الباب وحده يُغلق وتُفتح جميع الأبواب والنوافذ والمسالك فما هو بنافع، وهو الضيق والكرب والشدة والقلق والعناء.

هذا الفيض يفتح ثم يُضيق الرزق، ويُضيق السكن ويُضيق العيش، وتخشن الحياة، ويشوك المضجع فلا عليك، فهو الرخاء والراحة والطمأنينة والسعادة، وهذا الفيض يُمسك ثم يُفيض الرزق، ويقبل كل شيء فلا جدوى، وإنما هو الضنك والحرج والشقاوة والبلاء.

المال والولد، والصحة والقوة، والجاه والسلطان، تصبح مصادر قلق وتعب ونكد وجهد إذا أمسكت عنها رحمة الله، فإذا فتح الله أبواب رحمته كان فيها السكن والراحة، والسعادة والاطمئنان.

يبسط الله الرزق-مع رحمته- فإذا هو متاع طيب ورخاء، وإذا هو رغد في الدنيا، وزاد إلى الآخرة، ويمسك رحمته، فإذا هو مثار قلق وخوف،وإذا هو مثار حسد وبغض، وقد يكون معه الحرمان ببخل أو مرض، وقد يكون معه التلف بإفراط أو استهتار.

ويمنح الله الذرية، مع رحمته فإذا هي زينة في الحياة ومصدر فرح واستمتاع، ومضاعفة للأجر في الآخرة بالخلف الصالح الذي يذكر الله، ويمسك رحمته فإذا الذرية بلاء ونكد وعنت وشقاء وسهر بالليل وتعب بالنهار.

ويهب الله الصحة والقوة -مع رحمته- فإذا هي نعمة وحياة طيبة والتذاذ بالحياة، ويمسك نعمته فإذا الصحة والقوة بلاء يسلطه الله على الصحيح القوي، فينفق الصحة والقوة فيما يحطم الجسم ويفسد الروح، ويدَّخر السوء ليوم الحساب.

ويعطي الله السلطان والجاه- مع رحمته- فإذا هي أداة إصلاح،ومصدر أمن، ووسيلة لادِّخار الطيب الصالح من العمل والأثر، ويمسك الله رحمته فإذا الجاه والسلطان مصدر قلق على فوتهما، ومصدر طغيان وبغي بهما، ومثار حقد وموجدة على صاحبهما لا يقر له معهما قرار، ولا يستمتع بجاه ولا سلطان، ويدخر بهما للآخرة، رصيدًا ضخمًا من النار.

والعلم الغزير، والعمر الطويل، والمقام الطيب، كلها تتغير وتتبدل من حال إلى حال.. مع الإمساك ومع الإرسال.. وقليل من المعرفة يثمر وينفع، وقليل من العمر يبارك الله فيه، وزهيد من المتاع يجعل الله فيه السعادة.

والجماعات كالآحاد، والأمم كالأفراد، في كل أمر وفي كل وضع، وفي كل حال.. ولا يصعب القياس على هذه الأمثال، ومن رحمة الله أن تحس برحمة الله؛ فرحمة الله تضمك وتغمرك وتفيض عليك ولكن شعورك بوجودها هو الرحمة، ورجاؤك فيها وتطلعك إليها هو الرحمة، وثقتك بها وتوقعها في كل أمر هو الرحمة، والعذاب هو العذاب في احتجابك عنها، أو يأسك منها، أو شكك فيها، وهو عذاب لا يصبه الله على مؤمن أبدًا، قال تعالى: ﴿ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87].

ورحمة الله لا تعزُّ على طالب في أي مكان ولا في أي حال، وجدها إبراهيم عليه السلام في النار، ووجدها يوسف عليه السلام في الجُبِّ كما وجدها في السجن، ووجدها يونس عليه السلام في بطن الحوت في ظلمات ثلاث، ووجدها موسى عليه السلام في اليم وهو طفل مُجرَّد من كل قوة، ومن كل حراسة، كما وجدها في قصر فرعون وهو عدوٌّ له، متربص به ويبحث عنه، ووجدها أصحاب الكهف في الكهف، حين افتقدوها في القصور والدور فقال بعضهم لبعض: ﴿ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ ﴾ [الكهف: 16] ووجدها رسول الله e  وصاحبه في الغار، والقوم يتعقبونهما ويقصون الآثار.. ووجدها كل من آوى إليها يأسًا من كل ما سواها، منقطعًا عن كل شبهة في قوة، وعن كل مظنة في رحمة، قاصدًا باب الله وحده دون الأبواب.

ثم إنه متى فتح الله أبواب رحمته فلا مُمسك لها، ومتى أمسكها فلا مُرسل لها ومن ثَمَّ فلا مخافة من أحد، ولا رجاء في أحد، ولا مخافة من شيء، ولا رجاء في شيء، ولا خوف من فوت وسيلة، ولا رجاء مع وسيلة، إنما هي مشيئة الله، ما يفتح الله فلا مُمسك، وما يمسك فلا مُرسل، والأمر مباشرة إلى الله.. وهو العزيز الحكيم، يقدر بلا مُعقِِّب على الإرسال والإمساك، ويُرسل ويُمسك وفق حكمة تكمن وراء الإرسال والإمساك، قال تعالى: ﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ﴾ [فاطر: 2].

وما بين الناس ورحمة الله إلا أن يطلبوها مباشرة منه، بلا وساطة وبلا وسيلة إلا التوجه إليه في طاعة وفي رجاء وفي ثقة وفي استسلام قال تعالى: ﴿ وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾  [فاطر: 2].

فلا رجاء في أحد من خلقه، ولا خوف لأحد من خلقه، فما أحد بمرسل من رحمة الله ما أمسكه الله أية طمأنينة؟ وأي قرار؟ وأي وضوح في التصورات، والمشاعر، والقيم والموازين تقره هذه الآية في الضمير، آية واحدة ترسم الحياة، صورة جديدة وتُنشئ في الشعور قيمًا لهذه الحياة ثابتة، وموازين لا تهتز ولا تتأرجح، ولا تتأثر بالمؤثرات كلها، ذهبت أم جاءت، كبرت أم صغرت، جلت أم هانت، كان مصدرها الناس أو الأحداث أو الأشياء، صورة واحدة لو استقرت في قلب إنسان لصمد كالطود للأحداث والأشياء والأشخاص والقوى والقيم والاعتبارات، ولو تضافر عليها الإنس والجن، وهم لا يفتحون رحمة الله حين يمسكها، ولا يمسكونها حين يفتحها.. ﴿ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾.

وهكذا أنشأ القرآن بمثل هذه الآية وهذه الصورة، تلك الفئة العجيبة من البشر في صدر الإسلام، الفئة التي صنعت على عين الله بقرآنه هذا لتكون أداة من أدوات القدرة وتُنشئ في الأرض ما شاء الله أن يُنشئ من عقيدة وتصور وقيم وموازين ونظم وأوضاع، وتُقرُّ في الأرض ما شاء الله أن يُقرَّ من نماذج الحياة الواقعة التي تبدو لنا اليوم كالأساطير والأحلام، الفئة التي كانت قدرًا من قدر الله يُسلِّطه على من يشاء في الأرض فيمحو ويثبت في واقع الحياة والناس ما شاء الله من محو ومن إثبات ذلك إنها لم تكن تتعامل مع ألفاظ هذا القرآن، ولا مع المعاني الجميلة التي تصورها وكفى، ولكنها كانت تتعامل مع الحقيقة التي تمثلها آيات القرآن وتعيش في واقعها بها، ولها..

وما يزال هذا القرآن بين أيدي الناس، قادرًا على أن يُنشئ بآياته تلك أفرادًا وفئات تمحو وتثبت في الأرض -بإذن الله- ما يشاء الله ذلك حين تستقر هذه الصور في القلوب فتأخذها جدًّا وتتمثلها حقًَّا، حقًّا تحسه، كأنها تلمسه بالأيدي وتراه بالأبصار([56]).

هذا ومن أنواع الرحمة ومظاهرها وآثارها ما يلي:

1- العصمة من السوء: الحول والقوة من الله وإليه، فمن حفظه ورعاه وعصمه فهو المرحوم، ومن أراد به سوءًا فهو الشقي وهو الذي أمسك عنه رحمته، قال تعالى: ﴿ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ ﴾ [هود: 43] وقال تعالى: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ ﴾ [النساء: 175] وقال تعالى: ﴿ قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً ﴾ [الأحزاب: 17].

2- عدم الاختلاف: طبيعة البشر الاختلاف، لتفاوت قدراتهم وتصوراتهم وهممهم، لكن من يرحمهم الله فهم متفقون، يسيرون على منهج واحد،ويعبدون إلهًا واحدًا.

قال تعالى: ﴿ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾ [هود: 118، 119].

3- ترك النفس الأمر بالسوء: النفس البشرية مفطورة على حُبِّ الهوى، لكن الله بحكمته وتقديره اختار أنفسًا معينة نقية طاهرة فرحمها وأصبح السوء عنها بعيدًا.

قال تعالى: ﴿ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ﴾ [يوسف: 53].

4- النصر: إن النصر الحقيقي من العزيز الرحيم، هو في ذلك اليوم العظيم، ومن رحمه الله هناك فهو المنصور، قال تعالى: ﴿ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ * يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾ [الدخان: 40-42].

5- وقاية الله تعالى العبد السيئات يوم القيامة: نعم، من رحمه الله يوم القيامة فقد وقاه السيئات، ومن حجب عنه رحمته فقد وقع في السيئات.

قال تعالى: ﴿ وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [غافر: 9].

6- عدم ردِّ بأس الله عن القوم المجرمين: رحمة الله لا يعطيها إلا عباده وأولياءه، أما أعداؤه فإنه يمسك عنهم رحمته، لأنهم ليسوا أهلا لها، قال تعالى: ﴿ وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ *﴾ [المؤمنون: 75] وقال تعالى: ﴿ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [الأنعام: 147] وقال تعالى: ﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ [الشورى: 8] وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [العنكبوت: 23].

7- صرف العذاب عن المؤمنين يوم القيامة: الصراط يوم القيامة منصوب على جهنم، فمن كتب الله له الفوز فهو الذي يصرف عنه عذابه، ويعبر هذا الصراط ولا يعبر هذا الصراط إلا من رحمهم الله، أما من غضب عليهم فهم سيتكردسون في جهنم، لأن الله رفع عنهم ومنع عنهم رحمته ولطفه، قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي * فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾ [الزمر: 15، 16].

8- عدم الخسران: إن حصول الرحمة للعبد هي الربح والفوز العظيم، وعدم الرحمة هو الخسران المبين قال تعالى: ﴿ وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الأعراف: 23] وقال تعالى: ﴿ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [هود: 47] وقال تعالى: ﴿ قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ *﴾ [الأعراف: 149] وقال تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [البقرة: 63، 64].

9- حصول الفرح: إن حصول رحمة الله للعبد أعظم ما يتمناه بل يحصل له الفرح العظيم، وهو أعظم من كل شيء في الوجود، ورحمة الله أغلى من كل شيء، نعم فضل الله ورحمته خير مما يجمعون، قال تعالى: ﴿ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [آل عمران: 157] وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 57، 58] وقال جلَّ وعلا: ﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [الزخرف: 32].

10- تبييض الوجوه يوم القيامة: يوم القيامة تنقسم الوجوه إلى بيضاء وسوداء، فمن أدركته رحمة الله فوجهه أبيض، وهذا غاية في الإكرام والعطاء من الله لعباده المرحومين، قال تعالى: ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [آل عمران: 107].

11- اللين مع المؤمنين: إلانة الجانب للمؤمنين دليل على أن رحمة الله حصلت وأدركت هذا العبد الذي ألان جانبه لإخوانه وأحبابه، قال تعالى: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾ [آل عمران: 159].

12- جمع الناس يوم القيامة: إن الحياة الدنيا فيها الظالم والمظلوم، ولو لم يكن هناك يوم للحساب لكان غاية في الغبن والظلم،وحاشا أن لا يكون بل من رحمة أرحم الراحمين أن يكون يوم عظيم يقتص فيه من الظالم للمظلوم، وتؤخذ الحقوق وترد لأصحابها، قال تعالى: ﴿ قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ ﴾ [الأنعام: 12] وقال تعالى: ﴿ قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ﴾ [يس: 52].

13- النجاة من عذاب الدنيا: الله القادر الرحيم يُنَجِّي عباده من عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، ينجيهم من الكافرين، وهذه عين رحمته سبحانه فمن رحمته أن نجي أنبياءه ومن معهم من العذاب الذي أصاب أقوامهم بسبب كفرهم، ونجَّاهم من بطش الطغاة والمجرمين برحمته التي وسعت كل شيء، قال تعالى عن هود: ﴿ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ ﴾ [الأعراف: 72] وقال تعالى: ﴿ وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ ﴾ [هود: 58] وقال تعالى: ﴿ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ﴾ [هود: 66] وقال تعالى: ﴿ وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾ [هود: 94] وقال تعالى: ﴿ وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ * إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ ﴾ [يس: 43، 44] وقال تعالى: ﴿ وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ * فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [يونس: 84-86] وقال تعالى: ﴿ وَلُوطًا آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ * وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [الأنبياء: 74، 75] وقال تعالى: ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 14].

14- قصُّ القصص في القرآن: لِمَا في القصص في القرآن من عبر يعتبر بها أولوا الألباب، كان هذا القصص رحمة من الله لعباده المؤمنين، حتى يقفوا على مصير الظالمين ومآلهم يتعرفوا على سنن الله وأيامه، إنها رحمة من الله حتى يهلك من هلك عن بينة وينجو من ينجو عن بينة، قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ *﴾ [يوسف: 111].

15- هبة الذرية الصالحة: إن الذرية الصالحة نعمة عظيمة بل رحمة من الله يهبها لمن يشاء من عباده ليستمر ذكره، ويستمر عمله الصالح بعد مماته، ويرثه ويحقق الغريزة المفطور عليها الإنسان في حب الذرية والتمتع برؤيتها، قال تعالى: ﴿ وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ * قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ * قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ * قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ * قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ﴾ [الحجر: 51-56] وقال تعالى: ﴿ كهيعص * ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا * قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا * يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا ﴾ [مريم: 1-7] وقال تعالى:   ﴿ قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا * قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا ﴾ [مريم: 20-21].

16- إنزال الكتب: إرسال الرسل وإنزال الكتب رحمة للعالمين، وبخاصة المؤمنين الذين بسبب هذه الكتب أصبحوا مؤمنين وموحدين ومن أولياء الله وأحبابه، والذين استحقوا رحمة الله بالسير على منهج الله، والذي يتضمنه كلام الله، قال تعالى: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ﴾ [الإسراء: 82] وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [القصص: 43] وقال تعالى: ﴿ وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا * إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 86، 87] وقال تعالى: ﴿إنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ * وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النمل: 76، 77] وقال تعالى: ﴿وَمَا كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ ﴾ [القصص: 86] وقال تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [العنكبوت: 51] وقال تعالى: ﴿الم * تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ * هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ ﴾ [لقمان: 1-3] وقال تعالى: ﴿ هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [الجاثية: 20] وقال تعالى: ﴿ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ ﴾ [الأحقاف: 12] وقال تعالى: ﴿ حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [فصلت: 1-3] وقال تعالى: ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ [النحل: 89].

17- عدم تعجيل العقوبة لمستحقيها: من رحمته سبحانه أن من استحق العقوبة لا يعاجله بها، بل يمهله لعله يرجع لعله يرعوي، لكن له أجل معلوم إذا جاء وقته فإنه يقع وحينئذ لا يرد بأسه عن القوم المجرمين، قال تعالى: ﴿ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا ﴾ [الكهف: 53] وقال تعالى: ﴿ قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا ﴾ [مريم:  75].

ومن كان من عباد الله كان من أصحاب رحمة الله، قال تعالى: ﴿ فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا ﴾ [الكهف: 66].

18- عدم تضييع أبناء الصالحين: العبد المؤمن الصالح يتولاه الله حتى بعد مماته رحمة منه، وخاصة ما ترك من الذرية، قال تعالى:   ﴿ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ﴾ [الكهف: 82].

19- منع المفسدين من الإفساد: ومن رحمته أن يمنع أهل الفساد من الإفساد رحمة بالمؤمنين، قال تعالى: ﴿ فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا * قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا ﴾ [الكهف: 97-98].

20- إرسال الأنبياء: إن إرسال الرسل وإنزال الكتب رحمة من الله للعالمين؛ ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من يحيى عن بينة ولتقوم الحجة، قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107] وقال سبحانه: ﴿ وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [القصص: 46].

21- هبة الزوجات: إن نعمة الزوجات من أعظم النعم بل هي رحمة الله كيف لا، فيها السكن والمودة والرحمة، ومنها الأبناء الصالحين والذين هم من نعم الله ورحمته، وبها تستقر الأسر والحياة، قال تعالى: ﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ * وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21] وقال تعالى: ﴿ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ * ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ *﴾ [ص: 41-43].

22- إنزال المطر وإحياء الأرض: جعل الله رحمته في الماء فبه يحيى جميع الموات والأرض موات حتى ينزل الماء عليها فيحييها فإذا هي جنان تؤتي ثمارها وأكلها، وأيضًا آية على إحياء موات الإنسان بعد أن يموت، قال تعالى: ﴿ فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الروم: 50] وقال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ * ﴾ [الشورى: 28].

وأخرج مسلم من حديث عائشة، قالت: كان رسول الله e  إذا كان يوم الريح والغيم، عُرِفَ ذلك في وجهه، وأقبل وأدبر، فإذا أمطرت سُرَّ به، وذهب عنه ذلك، قالت عائشة: فسألته فقال: «إني خشيت أن يكون عذابًا سُلِّطَ على أمتي» ويقول إذا رأى المطر "رحمة"([57])، وقال رسول الله e «اللهم اسقِ عبادك وبهائمكم وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت»([58])، روى الإمام مسلم من حديث زيد بن خالد الجهني، قال: صلَّى بنا رسول الله e صلاة الصبح بالحديبية في أثر السماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس، فقال: «هل تدرون ماذا قال ربكم؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: قال: «أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمه فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب»([59]).

23- ليلة القدر المباركة: ومن رحمة الله بهذه الأمة أن جعل لها هذا الشهر العظيم وجعل في هذه الشهر هذه الليلة المباركة والتي أنزل فيها القرآن رحمة للعالمين، وهي تعادل أكثر من ثمانين سنة، قال تعالى: ﴿حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [الدخان: 1-6].

24- التمكين في الأرض: من رحمته لعباده المحسنين أن مكَّن لهم في الأرض؛ ليحكموا بالعدل وليقيموا شريعة الله على أرض الله في عباد الله، قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 56].

25- عدم اتباع الشيطان: ومن رحمته بعباده المؤمنين عدم تسليط الشيطان عليهم رغم محاولات الشيطان وخطواته، فلم يستجيبوا لخطوات الشيطان، قال تعالى: ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 83] وقال تعالى: ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ النور: 20، 21].

26- البعد عن الضلال: من تولاه الله ورحمه يمنعه ويحجزه عن الضلال، ويمنع من أراد إضلال من أن يضله، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء، قال تعالى: ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [النساء: 113].

27- إرسال الرياح: إرسال الرياح المبشرات والتي تسوق السحاب ليرحم الله به بلدًا ميتًا هي من رحمة الله أيضًا، قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 57] وقال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا ﴾ [الفرقان: 48] وقال تعالى:      ﴿ أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [النمل: 63] وقال تعالى: ﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [الروم: 46].

وقال رسول الله e : «لا تسبوا الريح فإنها من روح الله، تأتي بالرحمة والعذاب، ولكن سلوا الله من خيرها وتعوَّذوا بالله من شرها»([60]).

28- التزكية: من رحمته سبحانه بعباده المؤمنين أن زكاهم وطهرهم من الذنوب والمعاصي، وهذا فضل الله يختص به من شاء وقال تعالى: ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [النور: 21].

29- الهداية: الظلمات كثيرة بل في البر ظلمات وفي البحر ظلمات والهادي هو الله وهذا من رحمته، قال تعالى: ﴿ أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أإله مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [النمل: 63].

30- جعل الليل لباٍسًا والنهار معاشًا: تقديره سبحانه المحكم رحمة منه لعباده فالليل رحمة منه للسكن والهدوء والنهار رحمة منه لطلب المعاش والسير في الأرض وابتغاء فضله، قال تعالى: ﴿ وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [القصص: 73].

31- جريان الفلك: ومن آياته ورحمته إرسال الرياح مبشرات ولتسير الفلك على الماء لطلب الرزق والفضل من الله، قال تعالى:    ﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [الروم: 46].

32- الحفظ والصون من الزلل: نعم، الحافظ هو الله وهو أرحم الراحمين هذه عقيدة راسخة في قلوب أوليائه ومهما حدث فإنه بتقدير الله الحكيم الذي رحمته سبقت غضبه، قال تعالى: ﴿ قَالَ هَلْ آَمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [يوسف: 64].

33- خلق الإنسان وتعليمه القرآن: إن خلق الإنسان رحمة، وتعليمه رحمة وخاصة القرآن الكريم، قال تعالى: ﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآَنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ ﴾ [الرحمن: 1-3].

34- إمساك الطير في الهواء: قال تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ * أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ ﴾ [الملك: 19، 20].

35- خلق الجنة رحمة الله: أخرج البخاري من حديث أبي هريرة، قال: قال النبي e : «تحاجَّت الجنة والنار، فقالت: النار أُثرت بالمتكبرين والمتجبرين، وقالت الجنة: ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم! قال الله تبارك وتعالى للجنة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنار: إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي... » الحديث([61]).

36- إخراج بعض من أصبح حممًا في جهنم منها: روى الترمذي من حديث جابر، قال: قال رسول الله e : «يُعذب ناس من أهل التوحيد في النار حتى يكونوا فيها حممًا ثم تدركهم الرحمة فيخرجون ويطرحون على أبواب الجنة» قال: «فترش عليهم أهل الجنة فينبتون كما ينبت الغثاء في حمالة السيل ثم يدخلون الجنة»([62]).

37- قبض النبي e قبل الأمة: أخرج مسلم من حديث أبي موسى عن النبي r قال: «إن الله عز وجل إذا أراد رحمة أمة من عباده قبض نبيها قبلها، فجعلها لها فرطًا وسلفًا بين يديها، وإذا أراد هلكة أمة عذبها ونبيها حي، فأهلكها وهو ينظر فأقر عينه بهلكتها حين كذبوه وعصوا أمره»([63]).

38- الدموع لفقدان الأحبة: إن رحمة الله إذا أنزلها في قلوب عباده كان لها مظاهر, ومن مظاهرها الدموع لفقدان الأحبة، البكاء المشروع رحمة من الله، والله لا يرحم إلا من يرحم، أخرج البخاري من حديث أسامة بن زيد، قال: أرسلت ابنة النبي e  إليه: أن أبنًا لي قُبِضَ، فأتنا فأرسل يقرئ السلام، ويقول: «إن لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل عنده بأجل مسمى فلتصبر ولتحتسب» فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينها فقام ومعه سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد بن ثابت ورجال، فرفع إلى رسول الله e الصبي ونفسه تتقعقع – قال: حسبته أنه قال: كأنها شن- ففاضت عيناه، فقال سعد: يا رسول الله، ما هذا؟ قال: «هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء»([64]).

39- الموت: الموت نهاية المطاف لكنه إما رحمة للمؤمن حيث يستريح من نصب الدنيا وعنائها أو يستريح العباد والبلاد من الميت الآخر الذي حياته تعب وعناء للآخرين، فهو -أي الموت- رحمة على أي حال.

قال رسول الله e  عندما مُرَّ عليه بجنازة، قال: «مستريح ومستراح منه» قالوا: يا رسول الله ما المستريح والمستراح منه؟ فقال: «العبد المؤمن يستريح من أذى الدنيا ونصبها إلى رحمة الله والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب»([65]).

40- دخول الجنة: نعم، سبب دخول الجنة العمل الصالح، ولكن العمل الصالح على أي حال لا يوازي نعمة دخول الجنة ابتداء ولا يوازي النعيم المقيم في الجنة، لكن رحمة الله هي التي سبقت فدخل العبد بها جنة ربه ابتداء وبرحمة ربه تنعم في الجنة بأنواع النعيم.

قال رسول الله e : «لن يُنَجِّي أحدًا منكم عمله» قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا، ألا أن يتغمدني الله برحمته، سددوا وقاربوا واغدوا وروحوا، وشيء من الدلجة والقصد القصد تبلغوا»([66]).

41- محبة لقاء الله: إن حب لقاء الله علامة من علامات رحمة الله؛ لأن لقاء الله يعني النعيم المقيم يعني رضوان الله، يعني الجنة، وهذا كله لا يكون إلا إذا كانت رحمة الله أدركت هذا المحب للقاء الله، وروى الترمذي وغيره من حديث عائشة: أنها ذكرت أن رسول الله e قال: «من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه» قالت: فقلت: يا رسول الله كلنا نكره الموت، قال: «ليس ذلك، ولكن المؤمن إذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته، أحب لقاء الله، وأحب الله لقاءه، وأن الكافر إذا بشر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله وكره الله لقاءه»([67]).

42- النهي عن الوصال في الصوم: العبادة رحمة من الله والله لم يكلف العباد إلا بما يستطيعون والوصال فيه عنت ومشقة، بل يعتبر خارج طاقة العبد، ولذلك نهى رسول الله e  عنه رحمة بالمؤمنين أخرج البخاري من حديث عائشة، قالت: نهى رسول الله e عن الوصال رحمة لهم، فقالوا: إنك تواصل، قال: «إني لست كهيئتهم إني يطعمني ربي ويسقين»([68]).

43- ابتلاء المؤمنين بالطاعون: ابتلاء المؤمنين بأي بلاء رحمة من الله، وأمر المؤمن كله خير إن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، والطاعون على الأعداء عذاب،وعلى المؤمنين رحمة من الله؛ لأن المؤمن عنده يقين أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له.

أخرج البخاري من حديث عائشة أنها سألت رسول الله r عن الطاعون، فأخبرها نبي الله r: «أنه كان عذابًا يبعثه الله على من يشاء، فجعله الله رحمة للمؤمنين، فليس من عبد وقع الطاعون فيمكث في بلده صابرًا ويعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتبه الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد»([69]).

أسباب الرحمة:

إن الرحمة لها أسباب تستجلب بها، فرحمة الله تعالى وإن وسعت كل شيء إلا أن لنيلها أسبابًا نعم، إن الله تعالى يتفضل بالرحمة ابتداء على من شاء، قال تعالى: ﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [فاطر: 2] وقال تعالى: ﴿ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً ﴾ [فصلت: 50] وقال تعالى: ﴿ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ ﴾ [الشورى: 48] وقال تعالى: ﴿ مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [البقرة: 105] وقال تعالى: ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ ﴾ [النور: 10] وقال تعالى: ﴿ هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * ﴾ [الفتح: 25] وقال تعالى: ﴿ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * ﴾ [الإنسان: 31].

ومع هذا فللرحمة -كما قلنا- أسباب ومنها:

1- الإيمان: إن رحمة الله لا تحصل إلا لمن آمن، الإيمان الحقيقي بجميع أركانه الستة: الإيمان بالله، بملائكته، وبكتبه، ورسله، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، قال تعالى: ﴿ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [المؤمنون: 109] ولهذا كان هذا الفريق من عباد الله يدعون، ويتوسلون إليه بالإيمان ليحصل لهم الغفران ولتحصل لهم الرحمة؛ لأن الله هو مصدرهما فهو يغفر ويرحم؛ لأنه أرحم الراحمين، وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآَيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 203] وقال جلَّ وعلا: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ ﴾ [الجاثية: 30] نعم، إن شرط حصول الرحمة -رحمة الله التي وسعت كل شيء- هو الإيمان فإذا انتهى الإيمان انتهت رحمة الله، وإذا انتهت رحمة الله فإن الشقاء والعذاب هو المتعين ولا حول ولا قوة إلا بالله.

2- الإخلاص: إن فضل الله ورحمته تنال بالإخلاص لله سبحانه وتعالى، قال تعالى: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا * وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا * وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا ﴾ [مريم: 51-53].

3- طاعة الله ورسوله: إن ما عند الله لا ينال إلا بطاعة الله قال سبحانه: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 71] وقال جلَّ وعلا: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [آل عمران: 132].

4- اتباع الكتاب والسنة: إن اتباع كتاب الله هو الخير كل الخير، والسنة لا يصح اتباع الكتاب إلا باتباعها، لأنها شارحة ومبينة للكتاب، قال تعالى: ﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأنعام: 155].

5- التقوى: فَسَّر بعض الصحابة التقوى بأنها: العمل بالتنزيل والخوف من الجليل والاستعداد ليوم الرحيل، وقال بعضهم: هي الحذو والتشمير... إن التقوى شرط لحصول الرحمة من الله ولا يمكن أن تحصل الرحمة والفضل والخير للفاجر العاصي، قال الله تعالى: ﴿ أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ *﴾ [الأعراف: 63] وقال سبحانه: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [يس: 45] وقال عزَّ اسمه: ﴿ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الحجرات: 10] وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحديد: 28].

6- الاستماع إلى القرآن الكريم والإنصات له وتعلمه: القرآن الكريم كلام الله، هو كله بركة ورحمة وفضل وكلما اقترب منه العبد كلما حصل له الفضل والبر والرحمة، قال عزَّ من قائل: ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأعراف: 204].

وقال رسول الله e : «... وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه»([70]).

7- الاستغفار والتوبة: الإنسان محل الخطأ فهو ينسى وينام ويضعف ويكسل ويظلم ويجهل، لكن الله بلطفه ورحمته وإحسانه وتكرمه شرع الاستغفار والتوبة من جميع الذنوب كبيرها وصغيرها، جليلها وحقيرها فكان فضله وبرُّه ورحمته، قال سبحانه: ﴿ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [النمل: 46] وقال تعالى ذكره: ﴿ وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنعام: 54] وقال عزَّ وجلَّ: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53] وقال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ﴾ [غافر: 7] وقال نبي الرحمة e : «كان في بني إسرائيل رجل قتل تسعة وتسعين إنسانًا ثم خرج يسأل، فأتى راهبًا فسأله فقال له هل من توبة؟ قال: لا، فقتله، فجعل يسأل، فقال له رجل: ائت قرية كذا وكذا فأدركه الموت فنأى بصدره نحوها، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فأوحى الله إلى هذه أن تقربي، وأوحى الله إلى هذه أن تباعدي وقال: قيسوا ما بينهما فوجد إلى هذه أقرب بشبر فغفر له»([71]).

8- الصبر: إن طبيعة دار الحياة الدنيا تختلف عن طبيعة دار البرزخ ودار الآخرة، فالأولى دار ابتلاء والأخرى دار جزاء، والابتلاء يكون بالخير والشر، والصبر ضروري لدار الابتلاء بأنواعه الثلاثة، ولكن نتيجة الصبر محمودة بل الصابرون هم الذين تنالهم رحمة الله، قال تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155-157].

9- العفو والرحمة: العبد مأمور بالعفو عن إخوانه المسلمين ومأمور أيضًا بالرحمة لخلق الله، وكما أن غيره محل الخطأ والضعف فهو أيضًا محل الخطأ والضعف ومحتاج إلى عفو الله ورحمته فإذا رحم خلق الله فهو يتسبب في تنزل رحمات الله عليه، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 178] وقال رسول الله e «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، الرحم شجنة من الرحمن فمن وصلها وصله الله، ومن قطعها قطعه الله»([72]).

10- الهجرة والجهاد: ترك الأوطان ومفارقة الأحبة، والتعرض للموت في سبيل الله من أشق العبادات على النفوس، والتي بسببها يحصل العبد على الدرجات العلا والمغفرة والرحمة والرضوان، قال سبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 218] وقال عزَّ وجلَّ: ﴿ وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 95، 96] وقال عزَّ من قائل: ﴿ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ ﴾.[التوبة 20 ,21]

11- الإحسان: إن الإحسان هو مراقبة الله تعالى في العبادة فمن راقبه فإن رحمة الله قريبة منه، قال تعالى: ﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الأعراف: 56].

12- الالتزام بشرع الله: في أي مجتمع كبر أو صغر أو أي شخص التزم بشرع الله حصلت له رحمة الله، قال الرحيم عن آل إبراهيم: ﴿ قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ﴾ [هود: 73].

13- خشية الله: إن الخوف من الله مع الرجاء في الله يورثان فضل الله ورحمة الله وغفرانه، قال عزَّ وجلَّ: ﴿ وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ ﴾ [الأعراف: 154] وأخرج البخاري من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي e : «أن رجلا كان قبلكم غرسه الله مالا-أي رزقه- فقال بنيه لما حضر: أي أب كنتم لكم؟ قالوا: خير أب؟ قال فإني لم أعمل خيرًا قط، فإذا مت فأحرقوني ثم اسحقوني، ثم ذروني في يوم عاصف ففعلوا، فجمعه الله عزَّ وجلَّ فقال: ما حملك؟ قال: مخافتك، فتلقاه برحمته»([73]). 

14- اللجوء إلى الله تعالى والتضرع إليه: من يلجأ إلى الله ويتضرع إليه يرحمه أرحم الراحمين، قال تعالى: ﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ * ﴾ [الأنبياء: 83، 84] وقال سبحانه: ﴿ وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ﴾ [الروم: 33].

15- قرن العلم بالعمل: العالمون العاملون هم المرحومون، قال عزَّ وجلَّ: ﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 9].

16- تطبيق الولاء والبراء: موالاة أولياء الله والبراء من أعداء الله أصل من أصول الدين، بل لا يتم ولا يصح إيمان المرء إلا بهما ولذلك من والى في الله وعادى في الله منحه الله الرحمة، قال جلَّ وعلا عن إبراهيم: ﴿ فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا * وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا ﴾ [مريم: 49، 50] وقال عزَّ من قائل:     ﴿ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا ﴾ [الكهف: 16].

17- الصلاح: إن الصالحين هم الأنبياء والرسل واتباعهم وهم الذين بصلاحهم يستحقون أن يدخلهم الله في رحمته، قال عزَّ وجلَّ: ﴿ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ * وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [الأنبياء: 85، 86].

18- الإنفاق في سبيل الله: إن الإنسان جُبِلَ على الإمساك، لكن المؤمن الذي يرجو ما عند الله ينفق ولا يخشى الفقر؛ لأنه يرجو ما وعد الله به عباده من فضل ورحمة، قال سبحانه: ﴿ وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 99] وقال تعالى عن موسى:        ﴿ وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 156].

19- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خصائص هذه الأمة، بل هو من مهام الأنبياء والرسل ولذلك استحق من يفعله الرحمة، قال تبارك: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 71].


الخاتمة

قال ابن القيم رحمه الله: "ولما كان نصيب كل عبد من الرحمة على قدر نصيبه من الهدى، كان أكمل المؤمنين إيمانًا أعظمهم رحمة، كما قال تعالى في أصحاب رسول الله e:  ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الفتح: 29].

وكان الصديق رضي الله عنه من أرحم الأمة، وقد روي عن النبي e أنه قال: «أرحم أمتي بأمتي أبو بكر... »([74]).

وهكذا الرجل كلما اتَّسع علمه، اتَّسعت رحمته، وقد وسع ربنا كل شيء رحمة وعلمًا، فوسعت رحمته كل شيء وأحاط بكل شيء علمًا فهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها بل هو أرحم بالعبد من نفسه"([75]).

هذا ونسأل الله أن يرحمنا برحمته التي وسعت كل شيء، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين. 


--------------------------------

([1]) لسان العرب لابن منظور (12/230) ط صادر.
([2]) من كلام ابن القيِّم في كتابه "إغاثة اللهفان" (2/169-175).
([3]) إغاثة اللهفان (2/169-175).
([4]) أخرجه البخاري في الصحيح (10/431) رقم (6000) من حديث أبي هريرة، ومسلم في الصحيح (4/2109) رقم (21) وأحمد في المسند (5/5439)، (2/334)، (3/55) والترمذي في الجامع كتاب الدعوات /99 وابن ماجة في السنن (2/1435) رقم (4293، 4294) وذكره الألباني في صحيح الجامع رقم (2168).
([5]) أخرجه مسلم في الصحيح (4/2109) رقم (2755) من حديث أبي هريرة.
([6]) صحيح مسلم (1/170) رقم (302) وأحمد (1/5) وابن ماجة في السنن كتاب الزهد رقم /35.
([7]) النهاية لابن الأثير (2/210).
([8]) الدر المنثور (1/34).
([9]) تفسير ابن جرير (1/126).
([10]) صحيح البخاري (10/431) رقم (6000) مسند أحمد (5/439) (2/334) (3/55) صحيح مسلم, توبة ص (17) جامع الترمذي, دعوات /99 سنن ابن ماجة (2/1435) رقم (4293) سنن الدارمي, رقاق /69.
([11]) صحيح مسلم (4/2108) رقم (19) من حديث أبي هريرة، سنن ابن ماجة (2/1435) رقم (4293) صحيح الجامع رقم (2168).
([12]) صحيح مسلم (4/2109) رقم (21).
([13]) صحيح مسلم (4/2108) رقم (2753).
([14]) الصحيح (4/2109) رقم (2755).
([15]) صحيح الجامع رقم (1759) ثم قال عنه الألباني: صحيح.
([16]) سنن ابن ماجة (1/557) رقم (1753) ثم علق المحقق فقال: في الزوائد: إسناده صحيح.
([17]) أخرجه الترمذي (2/271) واللفظ له, وأحمد (2/433) وابن ماجة (4295) من حديث أبي هريرة, وقال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب، انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم (1629).
([18]) صحيح مسلم, كتاب التوبة رقم (2751).
([19]) صحيح البخاري (13/522) (7554) الفتح.
([20]) أخرجه البخاري في الصحيح (6/512) رقم (3470) الفتح, من حديث أبي سعيد الخدري, ومسلم في الصحيح: التوبة ص(46) والنسائي: جنائز ص (9) وابن ماجة: ديات ص(2) وأحمد (3/20).
([21]) صحيح مسلم (1/170) رقم (302) وأحمد (1/5) وسنن ابن ماجة: زهد /35.
([22]) صحيح البخاري (13/564) رقم (7502) ومسلم: برّ /16 وأحمد (2/330).
([23]) صحيح مسلم (4/1981) رقم (2555) وأحمد (2/63).
([24]) صحيح مسلم (4/1981) رقم (19).
([25]) صحيح البخاري (10/417) رقم (5988) والترمذي: كتاب البر /16 وأحمد (1/190) (2/295).
([26]) صحيح البخاري (10/417) رقم (5989).
([27]) مسند الإمام أحمد (1/191).
([28]) جامع الترمذي (4/324) رقم (1934) وأبو داود: أدب /58.
([29]) صحيح البخاري (10/423) رقم (5991) وأبو داود: زكاة /45 والترمذي: كتاب البر /10 وأحمد في المسند (2/163، 190).
([30]) صحيح مسلم (4/1979) رقم (12) والترمذي: برّ /5 وابن ماجة: جنائز /48 وأحمد (2/97).
([31]) صحيح البخاري (4/301) رقم (2067) وصحيح مسلم: برّ ( /20، 21) وأبو داود: زكاة /45 وأحمد (3/156، 247، 266) .
([32]) صحيح مسلم (4/1828) رقم (125).
([33]) صحيح مسلم (4/1829) رقم (2355) وأخرجه الترمذي في جامعه كتاب الدعوات /118 وابن ماجة في كتاب الإقامة 25 وأحمد (4/138) وذكره الألباني في صحيح الجامع رقم (1486).
([34]) أخرجه مسلم في الصحيح (3/1262) رقم (1641) والبخاري في كتاب الأذان (17/18) وأبو داود في كتاب الإيمان /21، والنَّسائي في الأذان /8، وأحمد (3/436) (4/433) (5/53).
([35]) أخرجه البخاري في الصحيح (2/202) رقم (710) ومسلم في الصلاة (191) وأبو داود في الصلاة /133 والترمذي في الصلاة /159 والنَّسائي في الإقامة /35 وابن ماجة في الإقامة /49 وأحمد (3/109).
([36]) أخرجه البخاري في صحيحه (1/552) رقم (458) ومسلم: جنائز /71 وغيرها.
([37]) مسند الإمام أحمد (1/404) ورجاله ثقات، عدا المسعودي صدوق.
([38]) صحيح الجامع (6846) ثم قال: صحيح.
([39]) صحيح الجامع (6716) ثم قال: صحيح.
([40]) صحيح مسلم (4/1808) رقم (2317).
([41]) أخرجه البخاري في الصحيح (10/238) رقم (6013) وصحيح مسلم (4/1809) رقم (2319).
([42])مسند الإمام أحمد (1/242) ورجاله ثقات.
([43]) صحيح البخاري (3/151) رقم (1284) ومسلم: جنائز /11 وأبو داود: جنائز /24 والنَّسائي: جنائز /13 وابن ماجة: جنائز /53 وأحمد (1/268) (5/204) (6/3).
([44]) صحيح مسلم (4/2007) رقم (2599) وأبو داود: سنة /10 رقم(5/81) (6/64).
([45]) صحيح البخاري (4/202) رقم (1964) ومسلم: صيام /61 .
([46]) صحيح البخاري (10/434) رقم (6003) وأحمد في المسند (5/205).
([47]) أخرجه البخاري في الصحيح (10/438) رقم (6011) من حديث النعمان بن بشير، ومسلم في البر /66 وأحمد (4/270).
([48]) صحيح مسلم (2/671) رقم (103) والنسائي: جنائز /103 وأحمد (6/221).
([49]) أخرجه ابن ماجة في السنن (2/1266) رقم (3852) ثم قال المحقق في الزوائد: إسناده صحيح، رجاله ثقات.
([50]) صحيح البخاري (11/294) رقم (6463) وصحيح مسلم: منافقون /77 وابن ماجة: زهد /20 والدارمي: رقاق /24 وأحمد (2/235).
([51]) أخرجه أحمد (5/42) وأبو داود: أدب /101 وذكره الألباني في صحيح الجامع رقم (3382) عن أبي بكرة ثم قال: حسن.
([52]) أخرجه أبو داود (1/305) رقم (1176) ومالك في استسقاء، وأحمد (5/60) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه وعن جده.
([53]) أخرجه البخاري في الصحيح (2/134) ومسلم: فضائل الصحابة/85 وأبو داود: صلاة /135 والترمذي: صلاة /95 والنسائي /59 وابن ماجة إقامة /23 والموطأ: القرآن /28 وأحمد/4 (2/67) (3/472) (4/353) (6/303).
([54]) صحيح البخاري (11/126) (6320) أبو داود أدب (98) الترمذي دعوات (20) أحمد (2/246).
([55]) في ظلال القرآن (5/2921-2924) ط الشروق.
([56]) في ظلال القرآن (5/2921-2924 ).
([57]) صحيح البخاري (20/616 ) رقم (899 ).
([58])سنن أبي داود (1205) رقم (1176)، الموطأ: الاستسقاء /2، أحمد (5/60).
([59]) صحيح مسلم (1/84) رقم (71)، صحيح البخاري: أذان /156، أبو داود، طب /22، والموطأ: الاستسقاء /4.
([60]) أخرجه ابن ماجة (2/1228) رقم (3727)، أحمد من حديث أبو هريرة، وقال الألباني: صحيح، صحيح الجامع، رقم (7193).
([61]) صحيح البخاري (8/595) رقم (4850)، مسلم: جنة /34-36، والترمذي: جنة /22، وأحمد في المسند (2/276).
([62]) أخرجه الترمذي في الجامع (4/713) رقم (2597) ثم قال: حديث حسن صحيح.
([63]) صحيح مسلم (4/1791) رقم (2288).
([64]) صحيح البخاري (3/151) رقم (1284)، مسلم: جنائز /11 وغيرها.
([65]) صحيح مسلم (2/656) رقم (950)، وأحمد (5/296)، والموطأ: جنائز /55.
([66]) صحيح البخاري (11/294) رقم (6463) من حديث أبي هريرة، مسلم: منافقين 77، وغيرهما، وعند البخاري أيضًا رقم (6467) من حديث عائشة.
([67]) جامع الترمذي (3/371) رقم (1067)، ابن ماجة في السنة كتاب الزهد /31، والنسائي في السنن كتاب الجنائز /10، ومسلم في الصحيح كتاب الذكر رقم 15.
([68]) صحيح البخاري (4/202) رقم (1964)، صحيح مسلم كتاب الصيام /61.
([69]) صحيح البخاري (10/1192) رقم (5734)، وأحمد (5/81)، (6/64).
([70]) أخرجه مسلم في الصحيح (4/2074) رقم (2699) من حديث أبي هريرة، الترمذي: قرآن /10.
([71]) أخرجه البخاري في الصحيح (6/521) رقم (3470)، ومسلم في الصحيح كتاب التوبة باب (46) وأحمد (3/20).
([72]) أخرجه الترمذي في الجامع (4/323) رقم (1924) ثم قال: حديث حسن صحيح من حديث عبد الله بن عمر.
([73]) صحيح البخاري (6/514) رقم (3478).
([74]) أخرجه الترمذي في الجامع (2/309)، وابن ماجة /154، وابن حبان (2218، 2219) والحاكم (3/422) من حديث أنس، وقال الترمذي عنه: حسن صحيح، وذكره الألباني في الصحيحة رقم (1224).
([75]) إغاثة اللفهان (2/169-175).

============

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تعَرَّف على الإســلام د. منقذ بن محمود السقار

هدية إلى كل باحث عن الحق من غير المسلمين تعَرَّف على الإســلام د. منقذ بن محمود السقار مقدمة الحمد لله والصلاة والسلام على رسل ا...