تحميلات المصحف بكل صيغه

تحميلات

صفة صلاة النبي{ص}تحقيق الشيخ الألباني

صفة صلاة النبي{ص}تحقيق الشيخ الألباني

https://alnukhbhtattalak.blogspot.com/ صفة صلاة النبي{ص}

الجمعة، 22 أبريل 2022

استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم (المصنف: صبحي محمود عميره)

 

استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم
(المصنف: صبحي محمود عميره)

   *******************
بسم الله الرحمن الرحيم: {{يا ايها الذين امنوا ..... }}. نداء وبيان من العلي القدير للمؤمنين مبينا ما عليهم من تكاليف اسلامية واخلاقية, وليتجنبوا افعال واقوال اهل السوء والشر لينالوا أعلي الدرجات عند مليك مقتدر. فالذى خلق شرع ما نحيا به حياة اسلامية سعيدة وما يوصلنا الي مرضاته سبحانه وتعالي.
فعلينا الاهتداء بمنهج القرآن وسنة النبي العدنان سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم في الاولين والاخرين, بعيدا عن التشدد والقيل والفرعيات التي تغني من شىء, وعدم اقحام الدين في السياسة, فالتدين شيء والسياسة شيء آخر. {وكذلك جعلناكم أمة وسطا} والوسط: العدل، وأصل هذا أن أحمد الأشياء أوسطها.
وخير الأعمال أوسطها و دين الله عز و جل بين القاسي و الغالي و الحسنة بين السيئتين لا ينالها إلا بالله
وشر السير الحقحقة. (وشر السير الحقحقة) هي المتعب من السير أو أن تحمل الدابة على ما لا تطيقه والقصد بها الإشارة إلى الرفق في العبادة وعدم إجهاد النفس في المشقة فيها. (من الحكم والأمثال).
يا عويمر ازدد عقلا تزدد من ربك قربا قال قلت وكيف لي بذلك قال اجتنب محارم الله واد فرائض الله تكن عاقلا وتنفل بالصالحات من الأعمال تزدد بها في عاجل الدنيا رفعة وكرامة وتنال بها من ربك القرب والعزة.
وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب, وإن العلماء هم ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر.
******************
الكتاب ينقسم الي قسمين:
القسم الاول: (يقول الله: يا ايها الذين أمنوا ... فيلزم الاستجابة للنداء)
القسم الثاني: لفظ عبادي في القران يستوجب الفهم
   **** ***
= {{وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا [النساء: 87]}} - {{وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا [النساء: 122]}}.
(ومن أصدق من الله حديثا) - (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا): والمعنى لا أحد أصدق من الله.
= {{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات: 56 - 58]}}.
القسم الاول: (يقول الله: يا ايها الذين أمنوا ... فيلزم الاستجابة للنداء)

 *********************
المحتوى العام للملف: (المصنف: صبحي محمود عميره)
= اطيعوا الله واطيعوا الرسول وأولي الامر منكم - امنوا بالله ورسوله والكتاب الذى نزل علي رسوله
= اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ - وابتغوا اليه الوسيلة - وأمنوا برسوله - وذروا ما بقي من الربا
= وقولوا قولا سديدا - وكونوا مع الصادقين - ولتنظر نفس ما قدمت لغد - اجتنبوا كثيرا من الظن
= ادخلوا في السلم كافة - اذا تداينتم بدين الي اجل مسمي فاكتبوه - اذا جاءكم المؤمنات مهاجرات
= اذا ضربتم في سبيل الله - لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى - اذا قمتم الي الصلاة فاغسلوا وجوهكم
= اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم - اذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا - اذا نودي للصلاة
= اذا لقيتم الذين كفروا زحفا - اذا ناجيتم الرسول - اذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن
= اذكروا الله ذكرا كثيرا - اذكروا نعمة الله عليكم - لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا
= استعينوا بالصبر والصلاة - كلوا من طيبات ما رزقناكم - كتب عليكم القصاص في القتلي

= كتب عليكم الصيام - انفقوا مما رزقناكم - ان تطيعوا فريقا من الذين اوتوا الكتاب
= اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله - لا يحل لكم ان ترثوا النساء كرها
= لا تأكلوا اموالكم بالباطل - خذوا حذركم فانفروا ثبات - كونوا قوامين بالقسط شهداء لله
= لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين - أوفوا بالعقود أحلت لكم بهيمة الانعام
= لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام - لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء
= من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم - لا تحرموا طيبات ما احل الله لكم
= انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس - عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل اذا اهتديتم
= اطيعوا الله ورسوله - ليبلوكم الله بشيء من الصيد - لا تسألوا عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم
= شهادة بينكم اذا حضر احدكم الموت حين الوصية - ما لكم اذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم
= لا تتخذوا اباءكم واخوانكم أولياء - انما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام
= ان كثيرا من الاحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل - لا تتولوا قوما غضب الله عليهم
= لا تتبعوا خطوات الشيطان - لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتي تستأنسوا - كونوا انصار الله
= لا تدخلوا بيوت النبي الا ان يؤذن لكم - اذكروا نعمة الله عليكم - ان الله وملائكنه يصلون علي النبي
= لا تكونوا كالذين اذوا موسي - ان جاءكم فاسق بنبا فتبينوا - لم تقولون ما لا تفعلون
= لا تلهكم اموالكم ولا اولادكم عن ذكر الله - إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم
= قوا انفسكم واهليكم نارا - توبوا الي الله توبة نصوحا

 وقفة مع: اطيعوا الله واطيعوا الرسول وأولي الامر منكم

  = وقد استنبط علي رضي الله عنه مدة أقل الحمل - وهو ستة أشهر - من قوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً} وقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} فإذا فصلنا الحولين من ثلاثين شهرا بقيت ستة أشهر.
= مصادر الاسلام ثلاثة: كتاب الله سبحانه وتعالي القرآن الكريم, والسنة المطهرة المأثورة عن سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم, والاجتهاد الذى مناطه العقل.
= لا اجتهاد في الامور العقدية
= (قال الله لك ذلك وعشرة أمثاله). قال أبو هريرة لم أحفظ من رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا قوله (لك ذلك ومثله معه).

صحيح البخارى: الايمان: هو قول وفعل ويزيد وينقص قال الله تعالى {ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم} الفتح 4. {وزنادهم هدى} الكهف 13. {ويزيد الله الذين اهتدوا هدى} مريم 76. {والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم} محمد 17. {ويزداد الذين آمنوا إيمانا} المدثر 31. وقوله {أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا} التوبة 124. وقوله جل ذكره {فاخشوهم فزادهم إيمانا} آل عمران 173. وقوله تعالى {وما زادهم إلا إيمانا وتسليما} الأحزاب 22. والحب في الله والبغض في الله من الإيمان
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن عدي إن ليمان فرائض وشرائع وحدودا وسننا فمن استكملها استكمل الإيمان ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان فإن أعش فسأبينها لكم حتى تعملوا بها وإن مت فما أنا على صحبتكم بحريص
وقال إبراهيم عليه السلام {ولكن ليطمئن قلبي} البقرة 260
وقال معاذ اجلس بنا نؤمن ساعة. وقال ابن مسعود اليقين الإيمان كله
وقال ابن عمر لا يبلغ العبد حقيقة التقوى حتى يدع ما حاك في الصدر
وقال مجاهد {شرع لكم} الشورى 13أوصيناك يا محمد وإيام دينا واحدا

وقال ابن عباس {شرعة ومنهاجا} المائدة 48سبيلا وسنة. {دعاؤكم} إيمانكم لقوله عز و جل {قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم} الفرقان 77. ومعنى الدعاء في اللغة الإيمان
[ش (وهو) أي الإيمان. (فرائض) أعمال مروضة. (شرائع) عقائد دينية. (حدودا) منهيات ممنوعة. (سننا) مندوبات. (استكملها) أتى بها جميعها. (فسأبينها) أوضحها لكم إيضاحا يفهمه كل واحد. (ليطمئن قلبي) يزداد يقيني. (نؤمن ساعة) نذكر الله زمنا ونتذاكر الخير وأمور الآخرة وأحكام الدين مما يزيدنا إيمانا ويقينا. والذي قيل له ذلك هو الأسود بن هلال المحاربي. (اليقين) العلم وزوال الشك. (التقوى) الخشية وحقيقتها أن يحفظ نفسه من تعاطي ما تستحق به العقوبة من ترك الطاعة أو فعل المعصية. (حاك) وقع في القلب ولم ينشرح له الصدر وخاف فيه الإثم. (وإياه) أي نوحا عليه السلام. (شرعة ومنهاجا) الشرعة والشريعة بمعنى واحد وهي ما شرعه الله لعباده من أحكام الدين والمنهاج الطريق. (إيمانكم) فسر ابن عباس رضي الله عنهما الدعاء بالإيمان محتجا بالآية المذكورة. (يعبأ) يبالي ويكترث ولم يعبأ به لم يجد له وزنا ولا قدرا].

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء: 59]}}.
تفسير القرطبي: (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ): فيه ثلاث مسائل:

الأولى: لما تقدم إلى الولاة في الآية {{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء: 58]}}. فأمرهم بأداء الأمانات وأن يحكموا بين الناس بالعدل، وفي هذه الآية أمر الرعية بطاعته جل وعز أولا، وهي امتثال أوامره واجتناب نواهيه، ثم بطاعة رسوله ثانيا فيما أمر به ونهى عنه، ثم بطاعة الأمراء ثالثا.
وقال سهل بن عبدالله التستري: أطيعوا السلطان في سبعة: ضرب الدراهم والدنانير، والمكاييل والأوزان، والأحكام والحج والجمعة والعيدين والجهاد. وإذا نهى السلطان العالم أن يفتي فليس له أن يفتي، فإن أفتى فهو عاص وإن كان أميرا جائرا.
وقال ابن خويز منداد: وأما طاعة السلطان فتجب فيما كان له فيه طاعة، ولا تجب فيما كان لله فيه معصية؛ ولذلك قلنا: إن ولاة زماننا لا تجوز طاعتهم ولا معاونتهم ولا تعظيمهم، ويجب الغزو معهم متى غزوا، والحكم من قولهم، وتولية الإمامة والحسبة؛ وإقامة ذلك على وجه الشريعة. وإن صلوا بنا وكانوا فسقة من جهة المعاصي جازت الصلاة معهم، وإن كانوا مبتدعة لم تجز الصلاة معهم إلا أن يخافوا فيصلي معهم تقية وتعاد الصلاة. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه: حق على الإمام أن يحكم بالعدل، ويؤدي الأمانة؛ فإذا فعل ذلك وجب على المسلمين أن يطيعوه؛ لأن الله تعالى أمرنا بأداء الأمانة والعدل، ثم أمر بطاعته. وقال جابر بن عبدالله: {أُولُو الأَمْرِ} أهل القرآن والعلم. وقول الضحاك: يعني الفقهاء والعلماء في الدين. وقال مجاهد أنهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خاصة. وعن عكرمة أنها إشارة إلى أبي بكر وعمر رضي الله عنهما خاصة.

وكان في عبدالله بن حذافة دعابة معروفة؛ ومن دعابته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره على سرية فأمرهم أن يجمعوا حطبا ويوقدوا نارا؛ فلما أوقدوها أمرهم بالتقحم فيها، فقال لهم: ألم يأمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم بطاعتي؟! وقال: " من أطاع أميري فقد أطاعني ". فقالوا: ما آمنا بالله واتبعنا رسوله إلا لننجو من النار! فصوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلهم وقال: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق قال الله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} ".
وحدثني عبدالجبار بن سعيد عن عبدالله بن وهب عن الليث بن سعد قال: بلغني أنه حل حزام راحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، حتى كاد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقع. قال ابن وهب: فقلت لليث ليضحكه؟ قال: نعم كانت فيه دعابة.
{أُولُواالأمر} أصحاب السرايا. وأما القول الثاني فيدل على صحته قوله تعالى {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}. فأمر تعالى برد المتنازع فيه إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وليس لغير العلماء معرفة كيفية الرد إلى الكتاب والسنة؛ ويدل هذا على صحة كون سؤال العلماء واجبا، وامتثال فتواهم لازما. قال سهل بن عبدالله رحمه الله: لا يزال الناس بخير ما عظموا السلطان والعلماء؛ فإذا عظموا هذين أصلح الله دنياهم وأخراهم، وإذا استخفوا بهذين أفسد دنياهم وأخراهم.
الثانية: قوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ} أي تجادلتم واختلفتم؛ فكأن كل واحد ينتزع حجة الآخر ويذهبها. والنزع الجذب. والمنازعة مجاذبة الحجج؛ ومنه الحديث "وأنا أقول ما لي ينازعني القرآن ".

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل. وقال علي رضي الله عنه: ما عندنا إلا ما في كتاب الله وما في هذه الصحيفة، أو فهم أعطيه رجل مسلم. وذلك قوله تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}.
وقد استنبط علي رضي الله عنه مدة أقل الحمل - وهو ستة أشهر - من قوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً} وقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} فإذا فصلنا الحولين من ثلاثين شهرا بقيت ستة أشهر.
{وَإِلَى الرَّسُولِ} دليل على أن سنته صلى الله عليه وسلم يعمل بها ويمتثل ما فيها. قال صلى الله عليه وسلم: "ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم ". وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا ندري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه ". وعن العرباض بن سارية أنه حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس وهو يقول: "أيحسب أحدكم متكئا على أريكته قد يظن أن الله لم يحرم شيئا إلا ما في هذا القرآن ألا وإني والله قد أمرت ووعظت ونهيت عن أشياء إنها لمثل القرآن أو أكثر ". والقاطع قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ}.
الثالثة: {ذَلِكَ خَيْرٌ} أي ردكم ما اختلفتم فيه إلى الكتاب والسنة خير من التنازع. {وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} أي مرجعا. فالتأويل جمع معاني ألفاظ أشكلت بلفظ لا إشكال فيه؛ يقال: أول الله عليك أمرك أي جمعه. ويجوز أن يكون المعنى وأحسن من تأويلكم.

سنن الدارقطني: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: خلفت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتي ولن يفترقا حتى يردا على الحوض.
سنن الترمذي: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث معاذا إلى اليمن فقال كيف تقضي؟ فقال أقضي بما في كتاب الله قال فإن لم يكن في كتاب الله؟ قال فبسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فإن لم يكن في سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم؟ قال أجتهد رأيي قال الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله صلى الله عليه و سلم.
مصادر الاسلام ثلاثة: كتاب الله سبحانه وتعالي القرآن الكريم, والسنة المطهرة المأثورة عن سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم, والاجتهاد الذى مناطه العقل.
1 - القران: {{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر: 9]}. فالقران معصوم بحفظ الله تعالي لا بحفظ المسلمين.
2 - السنة النبوية المبينة لمجمل القران: {{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [النحل: 44]}}. وياتي قول الرسول: ((قال النبي صلى الله عليه و سلم (لا تكذبوا علي فإنه من كذب علي فليلج النار - صحيح البخارى)). فاحتمال الكذب علي الرسول امر وارد, وكل ما خالف القران ولا يجرى في سياقه فمكذوب. ((قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: انها تكون بعدي رواة يروون عني الحديث فأعرضوا حديثهم على القرآن فما وافق القرآن فخذوا به وما لم يوافق القرآن فلا تأخذوا به - سنن الدارقطني)).
3 - اعمال العقل بالاجتهاد: وقد استنبط علي رضي الله عنه مدة أقل الحمل - وهو ستة أشهر - من قوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً} وقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} فإذا فصلنا الحولين من ثلاثين شهرا بقيت ستة أشهر.

معرفة السنن والآثار للبيهقي: عن العرباض بن سارية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في موعظته: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن كان عبدا حبشيا، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، فتمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة».
وعن عبد الله بن مسعود أنه قال: «إن الله عز وجل نظر في قلوب العباد فاختار محمدا صلى الله عليه وسلم، فبعثه برسالته وانتخبه بعلمه ثم نظر في قلوب الناس بعده فاختار له أصحابه، فجعلهم أنصار دينه ووزراء نبيه صلى الله عليه وسلم، فما رآه المؤمنون حسنا فهو عند الله حسن وما رأوه قبيحا فهو عند الله قبيح».
فهل كل بدعة ضلالة؟.
******************
فتح الباري لابن حجر: والمحدثات: جمع محدثة والمراد بها ما أحدث وليس له أصل في الشرع ويسمى في عرف الشرع بدعة وما كان له أصل يدل عليه الشرع فليس ببدعة فالبدعة في عرف الشرع مذمومة. وفي حديث عائشة: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد). وفي حديث العرباض بن سارية وإياكم ومحدثات الأمور فان كل بدعة ضلالة. قال الشافعي: البدعة بدعتان محمودة ومذمومة فما وافق السنة فهو محمود وما خالفها فهو مذموم. فالمحدثات ضربان: ما أحدث يخالف كتابا أو سنة أو أثرا أو إجماعا فهذه بدعة الضلال وما أحدث من الخير لا يخالف شيئا من ذلك فهذه محدثة غير مذمومة.
شرح النووي على مسلم: قوله صلى الله عليه و سلم وكل بدعة ضلالة هذا عام مخصوص والمراد غالب البدع, والبدعة هي كل شيء عمل على غير مثال سابق. قال العلماء البدعة خمسة أقسام واجبة ومندوبة ومحرمة ومكروهة ومباحة فمن الواجبة نظم أدلة المتكلمين للرد على الملاحدة والمبتدعين وشبه ذلك ومن المندوبة تصنيف كتب العلم وبناء المدارس والربط وغير ذلك ومن المباح التبسط في ألوان الأطعمة وغير ذلك والحرام والمكروه ظاهران.

صحيح البخارى: عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: أن رسول صلى الله عليه و سلم صلى ذات ليلة في المسجد فصلى بصلاته ناس ثم صلى من القابلة فكثر الناس ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما أصبح قال (قد رأيت الذي صنعتم ولم يمنعني من الخروج إليكم إلا أنني خشيت أن تفرض عليكم). وذلك في رمضان.
صحيح مسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من جوف الليل فصلى في المسجد. فصلى رجال بصلاته. فأصبح الناس يتحدثون بذلك. فاجتمع أكثر منهم. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليلة الثانية. فصلوا بصلاته. فأصبح الناس يذكرون ذلك. فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة. فخرج فصلوا بصلاته. فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله. فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فطفق رجال منهم يقولون: الصلاة! فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى خرج لصلاة الفجر. فلما قضى الفجر أقبل على الناس. ثم تشهد، فقال "أما بعد. فإنه لم يخف على شأنكم الليلة. ولكني خشيت أن تفرض عليكم صلاة الليل. فتعجزوا عنها".

جامع العلوم والحكم: قولُ عمر - رضي الله عنه - لمَّا جمعَ الناسَ في قيامِ رمضان على إمامٍ واحدٍ في المسجد، وخرج ورآهم يصلُّون كذلك فقال: نعمت البدعةُ هذه. وروي عنه أنَّه قال: إنْ كانت هذه بدعة، فنعمت البدعة. وعن أبيَّ بن كعب قال لعمر: إنَّ هذا لم يكن، فقال عمرُ: قد علمتُ، ولكنَّه حسنٌ. ومرادُه أنَّ هذا الفعلَ لم يكن على هذا الوجه قبل هذا الوقت، ولكن له أصولٌ منَ الشَّريعةِ يُرجع إليها، فمنها: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان يحُثُّ على قيام رمضان، ويُرَغِّبُ فيه، وكان النَّاس في زمنه يقومون في المسجد جماعاتٍ متفرِّقةً ووحداناً، وهو - صلى الله عليه وسلم - صلَّى بأصحابه في رمضانَ غيرَ ليلةٍ، ثم امتنع مِنْ ذلك معلِّلاً بأنَّه خشي أنْ يُكتب عليهم، فيعجزوا عن القيام به، وهذا قد أُمِنَ بعده - صلى الله عليه وسلم.
وعلي هذا يكون كل فعل له اصل في الدين ليس ببدعة.
**********************************
صحيح ابن خزيمة: كان رسول الله الله يقول في خطبته: يحمد الله و يثني عليه بما هو له أهل ثم يقول: من يهد الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له إن أصدق الحديث كتاب الله و أحسن الهدى هدى محمد و شر الأمور محدثاتها و كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار ثم يقول: بعثت أنا و الساعة كهاتين و كان إذا ذكر الساعة أحمرت وجنتاه و علا صوته و اشتد غضبه كأنه نذير جيش صبحتكم الساعة مسأتكم ثم يقول: من ترك مالا فلأهله و ترك دنيا أو ضياعا فإلي أو علي و أنا ولي المؤمنين

صحيح ابن حبان: كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد حتى كأنه نذير جيش يقول: صبحكم ومساكم ويقول: (بعثت أنا والساعة كهاتين) - يفرق بين السبابة والوسطى - ويقول: (أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وإن شر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة) ثم يقول: (أنا أولى بكل مؤمن من نفسه من ترك مالا فلأهله ومن ترك دينا أو ضيعة فإلي وعلي).

لا اجتهاد في الامور العقدية:
**********************
فنؤمن بان الله واحد لا شريك كما ينطق القران الكريم: {{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة: 255]}}. و {{وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ [الفرقان: 58]}}. و {{هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [غافر: 65]}}. ومع ان الله حي موجود فلا نراه بل نرى بل ترى اثار قدرته في الكون من حولنا.
صحيح مسلم: ((باب في قوله عليه السلام: نور أني أراه، وفي قوله: رأيت نورا)): عن أبي ذرقال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك؟ قال "نور أنى أراه".

فتح الباري لابن حجر: عن بن عباس في قوله تعالى:) ما كذب الفؤاد ما رأى ولقد رآه نزلة أخرى) قال رأى ربه بفؤاده مرتين. لم يره رسول الله صلى الله عليه و سلم بعينه إنما رآه بقلبه. لأنه صلى الله عليه و سلم كان عالما بالله على الدوام وأنه رآه بقلبه أن الرؤية التي حصلت له خلقت في قلبه كما يخلق الرؤية بالعين لغيره. وليست المسألة من العمليات فيكتفي فيها بالأدلة الظنية وإنما هي من المعتقدات فلا يكتفي فيها إلا بالدليل القطعي. وإن عائشة قالت من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية.

ونؤمن ان سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم خاتم الانبياء والمرسلين, وانه بشر مولود ومات كما مات الانبياء والرسل صلوات الله عليهم وسلامه الي يوم القيامة, وله خصيصة بعد موته بخلاف البشر وبأن الارض لا تاكل جسده الشريف. صحيح أبي داود: عن أوس بن أوس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي قال قالوا يا رسول الله وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت يقولون بليت فقال إن الله عز و جل حرم على الأرض أجساد الأنبياء. {{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ [آل عمران: 144]}}. و {{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر: 30]}}.

صحيح البخارى: عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه و سلم: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم مات وأبو بكر بالسنح - قال إسماعيل يعني بالعالية - فقام عمر يقول والله ما مات رسول الله صلى الله عليه و سلم قالت وقال عمر والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك وليبعثنه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم. فجاء أبو بكر فكشف عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فقبله قال بأبي أنت وأمي طبت حيا ميتا والذي نفسي بيده لا يذيقنك الله الموتتين أبدا ثم خرج فقال أيها الحالف على رسلك فلما تكلم أبو بكر جلس عمر فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه وقال ألا من كان يعبد محمدا صلى الله عليه و سلم فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت. وقال {أنك ميت وإنهم ميتون}. وقال {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفأن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين}.
وأن عائشة رضي الله عنها قالت شخص بصر النبي صلى الله عليه و سلم ثم قال (في الرفيق الأعلى). ثلاثا. قالت فما كانت من خطبتهما من خطبة إلا نفع الله بها لقد خوف عمر الناس وإن فيهم لنفاقا فردهم الله بذلك. ثم لقد بصر أبو بكر الناس الهدى وعرفهم الحق الذي عليهم وخرجوا به يتلون {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل .... }. [ش (الحالف) أراد عمر بن الخطاب رضي الله عنه. (على رسلك) اتئد ولا تعجل. (وقال) أي قرأ. (إنك) أي يا محمد صلى الله عليه و سلم. (ميت) ستموت كما أنهم سيموتون. / الزمر 30 /. (خلت) مضت وماتت. (انقلبتم على أعقابكم) رجعتم عن عقيدتم وإسلامكم. / آل عمران 144 /. (فنشج) بكى والنشيج بكاء معه صوت ونشج الباكي إذا غص البكاء في حلقه.].
ما دفعني لعرض هذه المسالة الا اني سمعت من يقولان رسول الله حي لم يمت, وليستبين الحق علينا نحدد المعطيات:

ما هي الحياة والموت؟. الحياة تتمثل في الوجود والرؤية والمخاطبة, فاذا كان الرسول حي فاين اقابله واكلمه ليرشدنا كيف نحل مشاكل الحياة التي نحن فيها, افيكون الرسول علي قيد الحياة ويترك الحسين يقتل؟.

وفضل الله كبير في الدنيا والاخرة:
***********************
صحيح البخارى: أن الناس قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال (هل تمارون في القمر ليلة بدر ليس دونه حجاب). قالوا لا يا رسول الله قال (فهل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب). قالوا لا قال (فإنكم ترونه كذلك يحشر الناس يوم القيامة فيقول من كان يعبد شيئا فليتبع فمنهم من يتبع الشمس ومنهم من يتبع القمر ومنهم من يتبع الطواغيت وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها فيأتهم الله فيقول أنا ربكم فيقولون هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا فإذا جاء ربنا عرفناه فيأتيهم الله فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فيدعوهم فيضرب الصراط بين ظهراني جهنم فأكون أول من يجوز من الرسل بأمته ولا يتكلم يومئذ أحد إلا الرسل وكلام الرسل يومئذ اللهم سلم سلم وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان هل رأيتم شوك السعدان).
قالوا نعم قال (فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم قدرعظمها إلا الله تخطف الناس بأعمالهم فمنهم من يوبق بعمله ومنهم من يخردل ثم ينجو حتى إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار أمر الله الملائكة أن يخرجوا من كان يعبد الله فيخرجونهم ويعرفونهم بآثار السجود وحرم الله على النار أن تأكل أثر السجود فيخرجون من النار فكل ابن أدم تأكله النار إلا أثر السجود فيخرجون من النار قد امتحشوا فيصب عليهم ماء الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل.

ثم يفرغ الله من القضاء بين العباد ويبقى رجل بين الجنة والنار وهو آخر أهل النار دخولا الجنة مقبل بوجهه قبل النار فيقول يا رب اصرف وجهي عن النار قد قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها فيقول هل عسيت إن فعل ذلك بك أن تسأل غير ذلك؟ فيقول لا وعزتك فيعطي الله ما يشاء من عهد وميثاق فيصرف الله وجهه عن النار فإذا أقبل به على الجنة رأى بهجتها سكت ما شاء الله أن يسكت ثم قال يا رب قدمني عند باب الجنة فيقول الله له أليس قد أعطيت العهود والميثاق أن لا تسأل غير الذي كنت سألت؟ فيقول يا رب لا أكون أشقى خلقك فيقول فما عسيت إن أعطيت ذلك أن لا تسأل غيره؟ فيقول لا وعزتك لا أسأل غير ذلك فيعطي ربه ما شاء من عهد وميثاق فيقدمه إلى باب الجنة فإذا بلغ بابها فرأى زهرتها وما فيها من النضرة والسرور فيسكت ما شاء الله أن يسكت فيقول يارب أدخلني الجنة فيقول الله ويحك يا بن آدم ما أغدرك أليس قد أعطيت العهد والميثاق أن لا تسأل غير الذي أعطيت؟ فيقول يا رب لا تجعلني أشقى خلقك فيضحك الله عز و جل منه ثم يأذن له في دخول الجنة فيقول تمن فيتمنى حتى إذا انقطعت أمنيته قال الله عز و جل من كذا وكذا أقبل يذكره ربه حتى إذا انتهت به الأماني قال الله تعالى لك ذلك ومثله معه)

قال أبو سعيد الخدري لأبي هريرة رضي الله عنهما إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال (قال الله لك ذلك وعشرة أمثاله). قال أبو هريرة لم أحفظ من رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا قوله (لك ذلك ومثله معه). قال أبو سعيد إني سمعته يقول (ذلك لك وعشرة أمثاله). [ش: (تمارون) تشكون. (سحاب) غيم. (يحشر) يجمع بعد البعث. (فليتبع) في نسخة. (فليتبعه). (الطواغيت) جمع طاغوت وهو كل رأس في الضلال وكل من صد عن طريق الله عز و جل وعبادته. (شوك السعدان) نبت له شوك. (بأعمالهم) بسبب أعمالهم السيئة وبقدرها وعلى حسبها. (يوبق) يهلك. (يخردل) تقطعه كلاليب جهنم قطعا صغيرة كالخردل. (تأكل أثر السجود) تحرق موضع أثره. (امتحشوا) احترقوا واسودوا. (ماء الحياة) هو ماء من شرب منه أو صب عليه لا يموت أبدا. (حميل السيل) ما يحمله السيل من طين ونحوه. شبه نباتهم بذلك لأنه أسرع في الإنبات. (قشبني) سمني وأهلكني. (ذكاؤها) لهيبها وشدة إشتعالها ووهجها. (بهجتها) حسنها ونضارتها. (الميثاق) في نسخة (المواثيق). (ويحك) كلمة رحمة كما أن (ويلك) كلمة عذاب. (ما أغدرك) ما أكثر تركك للوفاء بالعهد والميثاق. (فيضحك الله) المراد بالضحك هنا ما يلزم عنه وهو الرضا وإرادة الخير أو هو ضحك يليق به سبحانه وتعالى. (تمن) اطب ما تحب وترغب. (انقطع) في نسخة (انقطعت) أي انتهت. (أمنيته) طلباته ورغباته. (من كذا وكذا) أي اذكر هذه الأماني التي كانت في نفسك قبل أن أذكرك بها وفي نسخة (تمن كذا وكذا) وفي ثالثة (زد من كذا وكذا). (يذكره ربه) الأماني التي غابت عنه].

عندهم الفرار من النار فناسب أن ينزل في ذلك ما يرشدهم إلى ما يفعلونه عند التنازع وهو الرد إلى الله وإلى رسوله أي إن تنازعتم في جواز الشيء وعدم جوازه فارجعوا إلى الكتاب والسنة.
وقيل هذه الآية نزلت في قصة جرت لعمار بن ياسر مع خالد بن الوليد وكان خالد أميرا فأجار عمار رجلا بغير أمره فتخاصما فنزلت.

واختلف في المراد بأولى الأمر: فعن أبي هريرة قال هم الأمراء. وعن جابر بن عبد الله قال: هم أهل العلم والخير. وعن مجاهد: هم العلماء.
أن قريشا كانوا لا يعرفون الإمارة ولا ينقادون إلى أمير فأمروا بالطاعة لمن ولي الأمر ولذلك قال صلى الله عليه و سلم من أطاع أميري فقد أطاعني.

مشكاة المصابيح: وعن النواس بن سمعان قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ".
))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: امنوا بالله ورسوله والكتاب الذى نزل علي رسوله
*****************************************
الإيمان بأربعة أشياء: أولها: بالله، وثانيها: برسوله، وثالثها: بالكتاب الذي نزل على رسوله، ورابعها: بالكتاب الذي أنزل من قبل.
وذكر في الكفر أموراً خمسة: فأولها: الكفر بالله، وثانيها: الكفر بملائكته، وثالثها: الكفر بكتبه، ورابعها: الكفر برسله، وخامسها: الكفر باليوم الآخر.
= اقضي بكتاب الله - فبسنة رسول الله - اجتهد رأيي ولا آلو

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا [النساء: 136]}}.

تفسير القرطبي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا} الآية. نزلت في جميع المؤمنين؛ والمعنى: يا أيها الذين صدقوا أقيموا على تصديقكم وأثبتوا عليه. {وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ} أي القرآن. {وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ} أي كل كتاب أنزل على النبيين. وقيل: نزلت فيمن آمن بمن تقدم محمدا صلى الله عليه وسلم من الأنبياء عليهم السلام. وقيل: إنه خطاب للمنافقين؛ والمعنى على هذا يا أيها الذين آمنوا في الظاهر أخلصوا لله. وقيل: المراد المشركون؛ والمعنى يا أيها الذين آمنوا باللات والعزى والطاغوت آمنوا بالله؛ أي صدقوا بالله وبكتبه.
وعن عبدالله قال: قال أناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية؟ قال: " أما من أحسن منكم في الإسلام فلا يؤاخذ بها ومن أساء أخذ بعمله في الجاهلية والإسلام". وفي رواية "ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر ". الإساءة هنا بمعنى الكفر؛ إذ لا يصح أن يراد بههنا ارتكاب سيئة، فإنه يلزم عليه ألا يهدم الإسلام ما سبق قبله إلا لمن يعصم من جميع السيئات إلا حين موته، وذلك باطل بالإجماع.
تفسير الرازي: {يَأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ ءامِنُواْ بالله وَرَسُولِهِ} فيه مسائل:
المسألة الاولي: {يَأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ ءامِنُواْ بالله وَرَسُولِهِ} مشعر بأنه أمر بتحصيل الحاصل، ولا شك أنه محال، فلهذا السبب ذكر المفسرون في وجوهاً وهي منحصرة في قولين:

القول الأول: أن المراد بقوله تعالى: {يا أيهاالذين آمنوا} المسلمون، ثم في تفسير الآية تفريعاً على هذا القول وجوه: الأول: أن المراد منه يا أيها الذين آمنوا آمنوا دوموا على الإيمان واثبتوا عليه، وحاصله يرجع إلى هذا المعنى: يا أيها الذين آمنوا في الماضي والحاضر آمنوا في المستقبل، ونظيره قوله {فاعلم أَنَّهُ لاَ إله إِلا الله} [محمد: 19] مع أنه كان عالماً بذلك. وثانيها: يا أيها الذين آمنوا على سبيل التقليد آمنوا على سبيل الاستدلال. وثالثها: يا أيها الذين آمنوا بحسب الاستدلالات الجميلة آمنوا بحسب الدلائل التفصيلية. ورابعها: يا أيها الذين آمنوا بالدلائل التفصيلية بالله وملائكته وكتبه ورسله آمنوا بأن كنه عظمة الله لا تنتهي إليه عقولكم، وكذلك أحوال الملائكة وأسرار الكتب وصفات الرسل لا تنتهي إليها على سبيل التفصيل عقولنا. وخامسها: روي أن جماعة من أحبار اليهود جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله إنا نؤمن بك وبكتابك وبموسى والتوراة وعزير، ونكفر بما بما سواه من الكتب والرسل، فقال صلى الله عليه وسلم: «بل آمنوا بالله وبرسله وبمحمد وبكتابه القرآن وبكل كتاب كان قبله، فقالوا: لا نفعل، فنزلت هذه الآية فكلهم آمنوا».

القول الثاني: أن المخاطبين بقوله {ءامَنُواْ} ليس هم المسلمون، وفي تفسير الآية تفريعاً على هذا القول وجوه: الأول: أن الخطاب مع اليهود والنصارى، والتقدير: يا أيها الذين آمنوا بموسى والتوراة وعيسى والإنجيل آمنوا بمحمد والقرآن. وثانيها: أن الخطاب مع المنافقين، والتقدير: يا أيها الذين آمنوا باللسان آمنوا بالقلب، ويتأكد هذا بقوله تعالى: {مِنَ الذين قَالُواْ ءامَنَّا بأفواههم وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ} [المائدة: 41] وثالثها: أنه خطاب مع الذين آمنوا وجه النهار وكفروا آخره، والتقدير: يا أيها الذين آمنوا وجه النهار آمنوا أيضاً آخره. ورابعها: أنه خطاب للمشركين تقديره: يا أيها الذين آمنوا بالّلات والعزى آمنوا بالله، وأكثر العلماء رجّحوا القول الأول لأن لفظ المؤمن لا يتناول عند الإطلاق إلا المسلمين.
المسألة الثانية: قرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو {والكتاب الذى نَزَّلَ على رَسُولِهِ والكتاب الذى أَنَزلَ} على ما لم يسم فاعله، والباقون (نزل وأنزل) بالفتح، فمن ضم فحجته قوله تعالى: {لِتُبَيّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزّلَ إِلَيْهِمْ} وقال في آية أخرى {والذين ءاتيناهم الكتاب يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مّن رَّبّكَ} [الأنعام: 114] ومن فتح فحجته قوله {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر} وقوله {وَأَنزَلْنَا الذكر} وقال بعض العلماء: كلاهما حسن إلا أن الضم أفخم كما في قوله {وَقِيلَ ياأرض ابلعى مَاءكِ} [هود: 44].
المسألة الثالثة: أمر الله ب: الإيمان بأربعة أشياء: أولها: بالله، وثانيها: برسوله، وثالثها: بالكتاب الذي نزل على رسوله، ورابعها: بالكتاب الذي أنزل من قبل.
وذكر في الكفر أموراً خمسة: فأولها: الكفر بالله، وثانيها: الكفر بملائكته، وثالثها: الكفر بكتبه، ورابعها: الكفر برسله، وخامسها: الكفر باليوم الآخر.
ثم قال تعالى: {فَقَدْ ضَلَّ ضلالا بَعِيداً} وفي الآية سؤالات:

السؤال الأول: لم قدم في مراتب الإيمان ذكر الرسول على ذكر الكتاب، وفي مراتب الكفر قَلَبَ القضية؟
الجواب: لأن في مرتبة النزول من معرفة الخالق إلى الخلق كان الكتاب مقدماً على الرسول وفي مرتبة العروج من الخلق إلى الخالق يكون الرسول مقدماً على الكتاب.
السؤال الثاني: لم ذكر في مراتب الإيمان أموراً ثلاثة: الإيمان بالله وبالرسول وبالكتب، وذكر في مراتب الكفر أموراً خمسة: الكفر بالله وبالملائكة وبالكتب وبالرسل وباليوم الآخر.
والجواب: أن الإيمان بالله وبالرسل وبالكتب متى حصل فقد حصل الإيمان بالملائكة واليوم الآخر لا محالة، إذ ربما ادعى الإنسان أنه يؤمن بالله وبالرسل وبالكتب، ثم إنه ينكر الملائكة وينكر اليوم الآخر، ويزعم أنه يجعل الآيات الواردة في الملائكة وفي اليوم الآخر محمولة على التأويل، فلما كان هذا الاحتمال قائماً لا جرم نص أن منكر الملائكة ومنكر القيامة كافر بالله.
السؤال الثالث: كيف قيل لأهل الكتب {والكتاب الذى أَنَزلَ مِن قَبْلُ} مع أنهم ما كانوا كافرين بالتوراة والإنجيل بل مؤمنين بهما؟
والجواب عنه من وجهين: الأول: أنهم كانوا مؤمنين بهما فقط وما كانوا مؤمنين بكل ما أنزل من الكتب، فأمروا أن يؤمنوا بكل الكتب المنزلة، الثاني: أن إيمانهم ببعض الكتب دون البعض لا يصح لأن طريق الإيمان هو المعجزة، فإذا كانت المعجزة حاصلة في الكل كان ترك الإيمان بالبعض طعناً في المعجزة، وإذا حصل الطعن في المعجزة امتنع التصديق بشيء منها، وهذا هو المراد بقوله تعالى: {وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذلك سَبِيلاً أُوْلَئِكَ هُمُ الكافرون حَقّاً} [النساء: 150، 151].
السؤال الرابع: لم قال {نَزَّلَ على رَسُولِهِ وَأَنزَلَ مِنَ قَبْلُ}.

والجواب: قال صاحب «الكشاف»: لأن القرآن نزل مفرقاً منجماً في عشرين سنة بخلاف الكتب قبله. وأقول: الكلام في هذا سبق في تفسير قوله تعالى: {نَزَّلَ عَلَيْكَ الكتاب بالحق مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التوراة والإنجيل * مِن قَبْلُ} [آل عمران: 3، 4].
السؤال الخامس: قوله {والكتاب الذى أَنَزلَ مِن قَبْلُ} لفظ مفرد، وأي الكتب هو المراد منه؟
الجواب: أنه اسم جنس فيصلح للعموم.

سنن الدارمي: عن معاذ عن معاذ: ان النبي صلى الله عليه و سلم لما بعثه إلى اليمن قال أرأيت ان عرض لك قضاء كيف تقضي قال اقضي بكتاب الله قال فإن لم يكن في كتاب الله قال فبسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فإن لم يكن في سنة رسول الله قال اجتهد رأيي ولا آلو قال فضرب صدره ثم قال الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله.
)))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ
*********************
= {{{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]}}.

تفسير القرطبي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حق تقاته أن يطاع فلا يعصى وأن يذكر فلا ينسى وأن يشكر فلا يكفر. وقال ابن عباس: هو ألا يُعصى طرفة عين. وذكر المفسرون أنه لما نزلت هذه الآية قالوا: يا رسول الله، من يقوى على هذا؟ وشق عليهم فأنزل الله عز وجل: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] فنسخت هذه الآية؛ عن قتادة والربيع وابن زيد. قال مقاتل: وليس في آل عمران من المنسوخ شيء إلا هذه الآية. وقيل: إن قوله {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} بيان لهذه الآية. والمعنى: فاتقوا الله حق تقاته ما استطعتم، وهذا أصوب؛ لأن النسخ إنما يكون عند الجمع والجمع ممكن فهو أولى. وقد روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: قول الله عز وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} لم تنسخ، ولكن "حق تقاته" أن يجاهد في سبيل الله حق جهاده، ولا تأخذكم في الله لومة لائم، وتقوموا بالقسط ولو على أنفسكم وأبنائكم. قال النحاس: وكلما ذكر في الآية واجب على المسلمين أن يستعملوه ولا يقع فيه نسخ.
= {{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [التغابن: 16]}}.

تفسير القرطبي: فإذا كانت هذه الآية محكمة غير منسوخة فما وجه قوله في سورة التغابن: {فاتقوا الله ما استطعتم} وكيف يجوز اجتماع الأمر باتقاء الله حق تقاته، والأمر باتقائه ما استطعنا. والأمر باتقائه حق تقاته إيجاب القرآن بغير خصوص ولا وصل بشرط، والأمر باتقائه ما استطعنا أمر باتقائه موصولا بشرط. قيل له: قوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} بمعزل مما دل عليه قوله تعالى: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} وإنما عنى بقوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} فاتقوا الله أيها الناس وراقبوه فيما جعل فتنة لكم من أموالكم وأولادكم أن تغلبكم فتنتهم، وتصدكم عن الواجب لله عليكم من الهجرة من أرض الكفر إلى أرض الإسلام؛ فتتركوا الهجرة ما استطعتم؛ بمعنى وأنتم للهجرة مستطيعين.
وقيل: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} فيما تطوع به من نافلة أو صدقة؛ فإنه لما نزل قوله تعالى: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} اشتد على القوم فقاموا حتى ورمت عراقيبهم وتقرحت جباههم، فأنزل الله تعالى تخفيفا عنهم: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} فنسخت الأولى؛ قاله ابن جبير. قال الماوردي: ويحتمل إن لم يثبت هذا النقل أن المكره على المعصية غير مؤاخذ بها؛ لأنه لا يستطيع اتقاءها.

المستدرك للحاكم: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: في قول الله عز و جل {اتقوا الله حق تقاته} قال: أن يطاع فلا يعصى و يذكر فلا ينسى.

مسند أحمد بن حنبل: عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: علمنا خطبة الحاجة الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ثم يقرأ ثلاث آيات {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما} ثم تذكر حاجتك ...

صحيح مسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تحاسدوا. ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض. وكونوا، عباد الله! إخوانا. المسلم أخو المسلم. لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره. التقوى ههنا" ويشير إلى صدره ثلاث مرات "بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. كل المسلم على المسلم حرام. دمه وماله وعرضه". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم. ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم".

القاموس الفقهي: التقوى، و التقى، و الاتقاء كلها بمعنى واحد في استعمال أهل اللغة. وفي اصطلاح الفقهاء: فإن التقوى و التقى خصا باتقاء العبد للّه بامتثال أمره و اجتناب نهيه و الخوف من ارتكاب ما لا يرضاه، لأن ذلك هو الذي يقي من غضبه و عذابه. وأما التقاة، و التقية فقد خصتا في الاصطلاح: باتقاء العباد بعضهم بعضا، و أصل ذلك قوله تعالى: {{لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ [آل عمران: 28]}}. {{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [الطلاق: 2]}}.

= {{وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ [البقرة: 197]}}.
صحيح البخارى: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون ويقولون نحن المتوكلون فإذا قدموا مكة سألوا الناس فأنزل الله تعالى {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى}. [ش (المتوكلون) المعتمدون على الله عز و جل ولا يكون المتوكل شرعيا إلا إذا أخذ بالأسباب المادية المألوفة وإلا فهو تواكل. (تزودوا) خذوا معكم من الزاد ما يبلغكم سفركم وتستغنون به عن سؤال الناس. (التقوى) خشية الله تعالى والعمل للآخرة ومنه عدم التواكل. هذا مع إشارة إلى أن التزود للآخرة أولى بالاهتمام من التزود لسفر الدنيا. (مرسلا) الحديث المرسل هو الذي لم يذكر في سنده اسم الصحابي الذي رواه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم].

تفسير ابن كثير: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «من يتزود في الدنيا ينفعه في الاَخرة» وقال مقاتل بن حيان لما نزلت هذه الاَية {وتزودوا}: قام رجل من فقراء المسلمين فقال: يا رسول الله, ما نجد ما نتزوده, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «تزود ما تكفّ به وجهك عن الناس, وخير ما تزودتم التقوى» رواه ابن أبي حاتم, وقوله {واتقون يا أولي الألباب} يقول: واتقوا عقابي ونكالي وعذابي لمن خالفني ولم يأتمر بأمري, يا ذوي العقول والأفهام.

صحيح البخارى: عن ابن عمر رضي الله عنهما: عن النبي صلى الله عليه و سلم قال (خرج ثلاثة يمشون فأصابهم المطر فدخلوا في غار في جبل فانحطت عليهم صخرة قال فقال بعضهم لبعض ادعوا الله بأفضل عمل عملتموه ...
(فقال أحدهم): اللهم إني كان لي أبوان شيخان كبيران فكنت أخرج فأرعى ثم أجيء فأحلب فأجيء بالحلاب فآتي أبواي فيشربان ثم أسقي الصبية وأهلي وامرأتي فاحتبست ليلة فجئت فإذا هما نائمان قال فكرهت أن أوقظهما والصبية يتضاغون عند رجلي فلم يزل ذلك دأبي ودأبهما حتى طلع الفجر اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فرجة نرى منها السماء قال ففرج عنهم.
(وقال الآخر): اللهم إن كنت تعلم أني أحب امرأة من بنات عمي كأشد ما يحب الرجل النساء فقالت لا تنال ذلك منها حتى تعطيها مائة دينار فسعيت حتى جمعتها فلما قعدت بين رجليها قالت اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه فقمت وتركتها فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فرجة قال ففرج عنهم الثلثين.

(وقال الآخر): اللهم إن كنت تعلم أني استأجرت أجيرا بفرق من ذرة فأعطيته وأبى ذلك أن يأخذ فعمدت إلى ذلك الفرق فزرعته حتى اشتريت منه بقرا وراعيها ثم جاء فقال يا عبد الله أعطيني حقي فقلت انطلق إلى تلك البقر وراعيها فإنها لك فقال أتستهزئ بي؟ قال فقلت ما أستهزئ بك ولكنها لك اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فكشف عنهم). [ش: (ثلاثة) من الناس من الأمم السابقة. (الحلاب) الإناء الذي يحلب فيه أو اللبن المحلوب. (أهلي) أقربائي كأختي وأخي وغيرهما. (فاحتبست) تأخرت بسبب أمر عرض لي. (يتضاغون) يصيحون من الضغاء. (دأبي) عادتي وشأني. (إبتغاء وجهك) طلبا لمرضاتك. (فرجة) الفتحة بين الشيءين. (لا تنال ذلك منها) لا تحصل على مرادك. (لا تفض الخاتم إلا بحقه) لا تزل البكارة إلا بحلال وهو النكاح.].
سنن الترمذي: عن ابي ذر قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن.
المستدرك للحاكم: عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: لقيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فبادرته فأخذت بيده و بدرني فأخذ بيدي فقال: يا عقبة ألا أخبرك بأفضل أخلاق أهل الدنيا و الآخرة تصل من قطعك و تعطي من حرمك و تعفو عمن ظلمك ألا و من أراد أن يمد في عمره و يبسط في رزقه فليصل ذا رحمه.)))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: وابتغوا اليه الوسيلة
*********************
= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة: 35]}}.

تفسير القرطبي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} الوسيلة هي القربة عن أبي وائل والحسن ومجاهد وقتادة وعطاء والسد وابن زيد وعبدالله بن كثير، وهي فعيلة من توسلت إليه أي تقربت.
والوسيلة القربة التي ينبغي أن يطلب بها، والوسيلة درجة في الجنة، وهي التي جاء الحديث الصحيح بها في قوله عليه الصلاة والسلام: "فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة". صحيح مسلم: عن عبدالله بن عمرو بن العاص؛ أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول. ثم صلوا علي. فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا. ثم سلوا الله لي الوسيلة. فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله. وأرجو أن أكون أنا هو. فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة".
صحيح البخارى: عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال (من ققال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمد الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة). [ش: (الدعوة التامة) المراد ألفاظ الأذان يدعى بها إلى عبادة الله تعالى ووصفت بالتمام وهو الكمال لأنها دعوة التوحيد المحكمة التي لا يدخلها نقص بشرك أو نسخ أو تغيير أو تبديل. (الوسيلة) ما يتقرب به إلى غيره. (الفضيلة) المرتبة الزائدة على سائر الخلائق ووالمراد هنا منزلة في الجنة لا تكن إلا لعبد واحد من عباد الله عز و جل. (وعدته) أي بقوله تعالى {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} / الإسراء 79 /. (حلت) استحقت. (شفاعتي) أي أن أشفع له بدخول الجنه أو رفع درجاته حسبما يليق به].
سبل السلام للصنعاني: وقد ورد تعيين أدعية تقال بعد الأذان وهو ما بين الأذان والإقامة:
الأول: أن يقول رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا قال صلى الله عليه وسلم: "إن من قال ذلك غفر له ذنبه"

الثاني: أن يقول بعد صلاته عليه: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد.
الثالث: أن يدعو لنفسه بعد ذلك ويسأل الله من فضله: وعنه صلى الله عليه وسلم: قل مثل ما يقول أي المؤذن فإذا انتهيت فسل تعطه. وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قال حين ينادي المنادي اللهم رب هذه الدعوة القائمة والصلاة النافعة صل على محمد وارض عنه رضا لا سخط بعده استجاب الله دعوته". وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقول عند أذان المغرب: اللهم هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك وأصوات دعاتك فاغفر لي. وعن أبي أمامة يرفعه قال كان إذا سمع المؤذن قال: اللهم رب هذه الدعوة المستجابة المستجاب لها دعوة الحق وكلمة التقوى توفني عليها وأحيني عليها واجعلني من صالحي أهلها عملا يوم القيامة. وقد عين صلى الله عليه وسلم ما يدعي به أيضا لما قال: "الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد" قالوا فما نقول يا رسول الله قال: "سلوا الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة". وأنه صلى الله عليه وسلم كان يقول عند كلمة الإقامة: "أقامها الله وأدامها".
فتح الباري لابن رجب: عن الحسن، قال: إذا قال المؤذن: (قد قامت الصلاة)، فقل: اللهم، رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، اعط محمداً سؤله يوم القيامة. فلا يقولها رجل حين يقيم المؤذن الا ادخله الله في شفاعة محمد يوم القيامة.

الموسوعة الفقهية الكويتية: يسنّ لمن سمع الأذان متابعته بمثله، وهو أن يقول مثل ما يقول، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «إذا سمعتم المؤذّن فقولوا مثل ما يقول المؤذّن» ويسنّ أن يقول عند الحيعلة: لا حول ولا قوّة إلاّ باللّه. فقد روى عمر بن الخطّاب، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «إذا قال المؤذّن: اللّه أكبر اللّه أكبر فقال أحدكم: اللّه أكبر اللّه أكبر. ثمّ قال: أشهد أن لا إله إلاّ اللّه قال: أشهد أن لا إله إلاّ اللّه. ثمّ قال: أشهد أنّ محمّداً رسول اللّه. قال: أشهد أنّ محمّداً رسول اللّه. ثمّ قال: حيّ على الصّلاة. قال: لا حول ولا قوّة إلاّ باللّه. ثمّ قال: حيّ على الفلاح. قال: لا حول ولا قوّة إلاّ باللّه. ثمّ قال: اللّه أكبر اللّه أكبر. قال: اللّه أكبر اللّه أكبر. ثمّ قال: لا إله إلاّ اللّه. قال: لا إله إلاّ اللّه، من قلبه - دخل الجنّة». ولأنّ حيّ على الصّلاة، حيّ على الفلاح خطاب فإعادته عبث. وفي التّثويب وهو قول: «الصّلاة خير من النّوم " في أذان الفجر يقول: صدقت وبررت - بكسر الرّاء الأولى - ثمّ يصلّي على النّبيّ صلى الله عليه وسلم ثمّ يقول: اللّهمّ ربّ هذه الدّعوة التّامّة والصّلاة القائمة آت محمّداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الّذي وعدته. والأصل في ذلك حديث ابن عمر مرفوعاً: «إذا سمعتم المؤذّن فقولوا مثل ما يقول، ثمّ صلّوا عليّ فإنّه من صلّى عليّ صلاةً صلّى اللّه عليه بها عشراً، ثمّ سلوا اللّه لي الوسيلة، فإنّها منزلة في الجنّة لا ينبغي أن تكون إلاّ لعبد من عباد اللّه، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل اللّه لي الوسيلة حلّت عليه الشّفاعة»، ثمّ يدعو بعد الأذان بما شاء، لحديث أنس مرفوعاً: «الدّعاء لا يردّ بين الأذان والإقامة» "، ويقول عند أذان المغرب: اللّهمّ هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك وأصوات دعاتك فاغفر لي.

الوسيلة والحيلة المشروعة لاسترداد الحق

******************************
موسوعة الفقه الإسلامي: أن يقصد بالحيلة أخذ حق أو دفع باطل، وهذا القسم ينقسم إلى ثلاثة أنواع أيضا:
النوع الأول: أن يكون الطريق محرما فى نفسه وإن كان المقصود به حقا مثل أن يكون له على رجل حق فيجحده ولا بينة له، فيقيم صاحبه شاهدى زور يشهدان به، ولا يعلمان ثبوت ذلك الحق، فهذا يأثم على الوسيلة دون المقصود، وفى مثل هذا جاء الحديث " أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك ".
النوع الثانى: أن تكون الطريق مشروعة، وما تفضى إليه مشروع، وهذه هى الأسباب التى نصبها الشارع مفضية إلى مسبباتها كالبيع والإجارة، ويدخل فى هذا النوع الاحتيال على جلب المنافع وعلى دفع المضار، وليس كلامنا ولا كلام السلف الصالح فى ذم الحيل متناولا لهذا النوع، بل العاجز من عجز عنه.
النوع الثالث: أن يحتال على التوصل إلى الحق أو على دفع الظلم بطريق مباحة لم توضع موصلة إلى ذلك، بل وضعت لغيره، فيتخذها هو طريقا إلى هذا المقصود الصحيح، أو قد تكون وضعت ولكنها خفية ولا يفطن لها. والفرق بين هذا النوع والذى قبله أن الطريق فى الذى قبله نصبت مفضية إلى مقصودها ظاهرا فسالكها سالك للطريق المعهود، والطريق فى هذا النوع نصبت مفضية إلى غيره فيتوصل بها إلى ما لم توضع له، فهى فى الأفعال كالتعريض الجائز فى الأقوال.

الموسوعة الفقهية الكويتية: ويكون الاحتيال جائزاً إذا قصد به أخذ حقّ، أو دفع باطل، أو التّخلّص من الحرام، أو التّوصّل إلى الحلال، وسواء أكانت الوسيلة محرّمةً أم مشروعةً، إلاّ أنّها إن كانت محرّمةً فهو آثم على الوسيلة دون المقصود، وقد يطلب الاحتيال ولا سيّما في الحرب؛؛ لأنّها خدعة. والأصل في الجواز قول اللّه تعالى: {وخذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث}.

تفسير القرطبي: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}. كان أيوب حلف في مرضه أن يضرب امرأته مائة جلدة؛ وفي سبب ذلك أربعة أقوال: أحدها: ما حكاه ابن عباس أن إبليس لقيها في صورة طبيب فدعته لمداواة أيوب، فقال أداويه عل أنه إذا برئ قال أنت شفيتني، لا أريد جزاء سواه. قالت: نعم فأشارت على أيوب بذلك فحلف ليضربنها. وقال: ويحك ذلك الشيطان. الثاني: ما حكاه سعيد بن المسيب، أنها جاءته بزيادة على ما كانت تأتيه من الخبز، فخاف خيانتها فحلف ليضربنها. الثالث: ما حكاه يحيى بن سلام وغيره: أن الشيطان أغواها أن تحمل أيوب على أن يذبح سخلة تقربا إليه وأنه يبرأ، فذكرت ذلك له فحلف ليضربنها إن عوفي مائة. الرابع: قيل: باعت ذوائبها برغيفين إذ لم تجد شيئا تحمله إلى أيوب، وكان أيوب يتعلق بها إذا أراد القيام، فلهذا حلف ليضربنها، فلما شفاه الله أمره أن يأخذ ضغثا فيضرب به، فأخذ شماريخ قدر مائة فضربها ضربة واحدة. وقيل: الضغث قبضة حشيش مختلطة الرطب باليابس.
)))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: وأمنوا برسوله
*******************
= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحديد: 28]}}.

تفسير القرطبي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} أي آمنوا بموسى وعيسى {اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ} بمحمد صلى الله عليه وسلم {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ} أي مثلين من الأجر على إيمانكم بعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم، وهذا مثل قوله تعالى: {أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا}. والكفل الحظ والنصيب وهو في الأصل كساء يكتفل به الراكب فيحفظه من السقوط. فتأويله يؤتكم نصيبين يحفظانكم من هلكة المعاصي كما يحفظ الكفل الراكب. وقال أبو موسى الأشعري: {كِفْلَيْنِ} ضعفين بلسان الحبشة. وعن ابن زيد: {كِفْلَيْنِ} أجر الدنيا والآخرة. وقيل: لما نزلت {أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا} افتخر مؤمنو أهل الكتاب على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية وقد استدل بعض العلماء بهذه الآية على أن الحسنة إنما لها من الأجر مثل واحد، فقال: الحسنة اسم عام ينطلق على كل نوع من الإيمان، وينطلق على عمومه، فإذا انطلقت الحسنة على نوع واحد فليس له عليها من الثواب إلا مثل واحد. وإن انطلقت على حسنة تشتمل على نوعين كان الثواب عليها مثلين، بدليل هذه الآلة فإنه قال: {كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ} والكفل النصيب كالمثل، فجعل لمن اتقى الله وآمن برسوله نصيبينا، نصيبا لتقوى الله ونصيبا لإيمانه برسوله.

سنن النسائي الكبرى: فلما بعث الله النبي صلى الله عليه و سلم ولم يبق منهم إلا قليل انحط رجل من صومعته وجاء سائح من سياحته وصاحب الدير من ديره فآمنوا به وصدقوه فقال الله تبارك وتعالى {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته} أجرين بإيمانهم بعيسى وبالتوراة والإنجيل وبإيمانهم بمحمد صلى الله عليه و سلم وتصديقهم قال يجعل لكم نورا تمشون به القرآن واتباعهم النبي صلى الله عليه و سلم قال لئلا يعلم أهل الكتاب يتشبهون بكم أن لا يقدرون على شيء من فضل الله.
فتح الباري لابن رجب: أن الله ضاعف لهذه الأمة لكونها خير أمة أخرجت للناس أجرها مرتين، قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ} [الحديد: 28]. وفي الحديث الصحيح: " إن أهل التوراة عملوا إلى نصف النهار على قيراط قيراط، وعمل أهل الإنجيل إلى العصر على قيراط قيراط، وعملتم أنتم من العصر إلى غروب الشمس على قيراطين فغضبت اليهود
والنصارى وقالوا: ما لنا أكثر عملا وأقل أجرا؟ لِلَّهِ فقال الله: هل ظلمتكم من أجوركم شيئا؟ قالوا: لا، قال: فذلك فضلي أوتيه من أشاء. وأما من أحسن عمله وأتقنه وعمله على الحضور والمراقبة، فلا ريب أنه يتضاعف بذلك أجره وثوابه في هذا العمل بخصوصه على من عمل ذلك العمل بعينه على وجه السهو والغفلة. ولهذا روي في حديث عمار المرفوع: " إن الرجل ينصرف من صلاته وما كتب له إلا نصفها، إلا ثلثها، إلا ربعها، حتى بلغ العشر؛ فليس ثواب من كتب له عشر عمله كثواب من كتب له نصف ولا ثواب من كتب له نصف عمله كثواب من كتب له عمله كله.

زاد المعاد لابن القيم: عن النبى صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "إذا دَخَلَ النور القلبَ، انْفَسَحَ وانشرحَ". قالوا: وما عَلاَمَةُ ذَلِكَ يَا رسُولَ اللَّهِ؟ قال: "الإنَابَةُ إلى دارِ الخُلُودِ، والتَجَافِى عَنْ دَارِ الغُرُورِ، والاسْتِعْدادُ للمَوْتِ قَبْلَ نُزوله". فيُصيب العبد من انشراح صدره بحسب نصيبه من هذا النور، وكذلك النورُ الحِسِّى، والظلمةُ الحِسِّية، هذه تشرحُ الصدر، وهذه تُضيِّقه. ومنها: العلم، فإنه يشرح الصدر، ويوسِّعه حتى يكون أَوسعَ من الدنيا، والجهلُ يورثه الضِّيق والحَصْر والحبس، فكلما اتَّسع علمُ العبد، انشرح صدره واتسع، وليس هذا لكل عِلم، بل للعلم الموروث عن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو العلمُ النافع، فأهلُه أشرحُ الناس صدراً، وأوسعهم قلوباً، وأحسُنهم أخلاقاً، وأطيبُهم عيشاً. ومنها: الإنابة إلى اللَّه سبحانه وتعالى، ومحبتُه بكلِّ القلب، والإقبالُ عليه، والتنعُّم بعبادته، فلا شىء أشرحُ لصدر العبد من ذلك. حتى إنه ليقولُ أحياناً: إن كنتُ فى الجنة فى مثل هذه الحالة، فإنى إذاً فى عيش طيب. وللمحبة تأثيرٌ عجيبٌ فى انشراح الصدر، وطيبِ النفس، ونعيم القلب، لا يعرفه إلا مَن له حِس به، وكلَّما كانت المحبَّة أقوى وأشدَّ، كان الصدرُ أفسحَ وأشرحَ، ولا يَضيق إلا عند رؤية البطَّالين الفارِغين من هذا الشأن، فرؤيتُهم قَذَى عينه، ومخالطتهم حُمَّى روحه.

فقه السنة للسيد سابق: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم عاشر عشرة، فقام رجل من الانصار فقال: يا نبي الله من أكيس الناس وأحزم الناس؟ قال: " أكثرهم ذكرا للموت، وأكثرهم استعدادا للموت، أولئك الاكياس. ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة ". وعنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أكثروا من ذكر هاذم (1) اللذات ". وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله تعالى " فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام. " قال: " إذا دخل النور القلب انفسح وانشرح قالوا: هل لذلك من علامة يعرف بها؟ قال: " الانابة إلى دار الخلود، والتنحي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل لقاء الموت ".
ويكره للمرء أن يتمنى الموت أو يدعو به، لفقر أو مرض أو محنة أو نحو ذلك، لما رواه الجماعة عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لابد متمنيا للموت فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرالي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي ". وحكمة النهي عن تمني الموت ما جاء من حديث أم الفضل أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على العباس، وهو يشتكي فتمنى الموت فقال: " يا عباس يا عم رسول الله لاتتمن الموت إن كنت محسنا تزداد إحسانا إلى إحسانك خير لك، وإن كنت مسيئا فإن تؤخر تستعتب (2) خير لك. {(1) هاذم: قاطع والمراد به الموت. (2) تستعتب: تسترضي الله بالاقلاع عن الاساءة والاستغفار منها. " والاستعتاب " طلب إزالة العتاب}.

المستدرك للحاكم: عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: تلا رسول الله صلى الله عليه و سلم: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام} فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: إن النور إذا دخل الصدر انفسح فقيل: يا رسول الله هل لذلك من علم يعرف؟ قال: نعم التجافي عن دار الغرور و الإنابة إلى دار الخلود و الاستعداد للموت قبل نزوله.

شعب الإيمان: فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أن النور إذا دخل الصدر انفسخ فقيل يا رسول الله هل لذلك من علم يعرف قال: نعم التجافي عن دار الغرور و الإنابة إلى دار الخلود و الاستعداد للموت قبل نزوله.
صحيح البخارى: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بت عند ميمونة فقام النبي صلى الله عليه و سلم فأتى حاجته فغسل وجهه ويديه ثم نام ثم قام فأتى القربة فأطلق شناقها ثم توضأ وضوءا بين وضوءين لم يكثر وقد أبلغ فصلى فقمت فتمطيت كراهية أن يرى أني كنت أتقيه فتوضأت فقام يصلي فقمت عن يساره فأخذ بأذني فأدارني عن يمينه فتتامت صلاته ثلاث عشرة ركعة ثم اضطجع فنام حتى نفخ وكان إذا نام نفخ فآذنه بلال بالصلاة فصلى ولم يتوضأ وكان يقول في دعائه (اللهم اجعل في قلبي نورا وفي بصري نورا وفي سمعي نورا وعن يميني نورا وعن يساري نورا وفوقي نورا وتحتي نورا وأمامي نورا وخلفي نورا واجعل لي نورا).
)))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: وذروا ما بقي من الربا
وانظر ايضا موضوع: ايات ومسائل مفهوم الربا
*********************************
{{وآيات الربا أيضا من أواخر ما نزل من القرآن - وإن أول ربا أضعه ربانا ربا عباس بن عبدالمطلب -
صورة اهل الاخلاص والمحافظة علي اموال الغير - حرم الله الربا ليتقارض الناس - كان عهد إلينا عهدا ننتهي إليه: الجد، والكلالة، وأبواب من أبواب الربا - حكم فوائد البنوك - المضاربة في الفقه الاسلامي - فايداع الاموال في البنوك بفائدة يعتبر من جنس المضاربة}}
**********************************************************
= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 278]}}.

= {{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 279]
= {{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 280]}}.

تفسير القرطبي: سورة البقرة مدنية. وقيل: هي أول سورة نزلت بالمدينة، إلا قوله تعالى: {وأتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إلى اللهِ} [البقرة: 281] فإنه آخر آية نزلت من السماء، ونزلت يوم النحر في حجة الوداع بمنى، وآيات الربا أيضا من أواخر ما نزل من القرآن.

قال يهودي لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النبي. فقال له صاحبه: لا تقل نبي لو سمعك فإن له أربعة أعين. فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألاه عن تسع آيات بينات، فقال لهم: "لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرفوا ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا تمشوا ببريء إلى سلطان ولا تسحروا ولا تأكلوا الربا ولا تقذفوا المحصنة ولا تولوا يوم الزحف وعليكم خاصة يهود ألا تعدوا في السبت". فقبلوا يديه ورجليه وقالوا: نشهد أنك نبي. قال: "فما يمنعكم أن تتبعوني " قالوا: إن داود دعا بألا يزال من ذريته نبي وإنا نخاف إن اتبعناك أن تقتلنا يهود. ((سنن الترمذي))

{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا} " يأكلون" يأخذون، فعبر عن الأخذ بالأكل، لأن الأخذ إنما يراد للأكل. والربا في اللغة الزيادة مطلقا، يقال: ربا الشيء يربو إذا زاد، ومنه الحديث: " فلا والله ما أخذنا من لقمة إلا ربا من تحتها " يعني الطعام الذي دعا فيه النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة.

والربا الذي عليه عرف الشرع شيئان: تحريم النساء، والتفاضل في العقود وفي المطعومات. وغالبه ما كانت العرب تفعله، من قولها للغريم: أتقضي أم تربي؟ فكان الغريم يزيد في عدد المال ويصبر الطالب عليه. وهذا كله محرم باتفاق الأمة.

والربا الذي حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "من زاد أو ازداد فقد أربى". وقد رد ابن وهب هذه المسألة على مالك وأنكرها. وزعم الأبهري أن ذلك من باب الرفق لطلب التجارة ولئلا يفوت السوق، وليس الربا إلا على من أراد أن يربي ممن يقصد إلى ذلك ويبتغيه. ونسي الأبهري أصله في قطع الذرائع
{إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا} أي إنما الزيادة عند حلول الأجل آخرا كمثل أصل الثمن في أول العقد، وذلك أن العرب كانت لا تعرف ربا إلا ذلك، فكانت إذا حل دينها قالت للغريم: إما أن تقضي وإما أن تربي، أي تزيد في الدين. فحرم الله سبحانه ذلك ورد عليهم قولهم بقوله الحق: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} [البقرة: 275] وأوضح أن الأجل إذا حل ولم يكن عنده ما يؤدي أنظر إلى الميسرة. وهذا الربا هو الذي نسخه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله يوم عرفة لما قال: "ألا إن كل رباً موضوع وإن أول ربا أضعه ربانا ربا عباس بن عبدالمطلب فإنه موضوع كله". فبدأ صلى الله عليه وسلم بعمه وأخص الناس به. وهذا من سنن العدل للإمام أن يفيض العدل على نفسه وخاصته فيستفيض حينئذ في الناس.

عن أبي سعيد الخدري قال: جاء بلال بتمر برني فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أين هذا"؟ فقال بلال: من تمر كان عندنا رديء، فبعت منه صاعين بصاع لمطعم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: " أوه عين الربا لا تفعل ولكن إذا أردت أن تشتري التمر فبعه ببيع آخر ثم اشتر به" وفي رواية " هذا الربا فردوه ثم بيعوا تمرنا واشتروا لنا من هذا ". قال علماؤنا: فقوله " أوه عين الربا" أي هو الربا المحرم نفسه لا ما يشبهه. وقوله: "فردوه " يدل على وجوب فسخ صفقة الربا وأنها لا تصح بوجه.

قال جعفر بن محمد الصادق رحمهما الله: حرم الله الربا ليتقارض الناس. وعن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قرض مرتين يعدل صدقة مرة ".
قال مجاهد: كانوا يبيعون البيع إلى أجل، فإذا حل الأجل زادوا في الثمن على أن يؤخروا؛ فأنزل الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً} قلت وإنما خص الربا من بين سائر المعاصي؛ لأنه الذي أذن الله فيه بالحرب في قوله: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 279] والحرب يؤذن بالقتل؛ فكأنه يقول: إن لم تتقوا الربا هزمتم وقتلتم. فأمرهم بترك الربا؛ لأنه كان معمولا به عندهم. والله أعلم. و"أضعافا" نصب على الحال و"مضاعفة" نعته. وقرئ "مضعفة" ومعناه: الربا الذي كانت العرب تضعف فيه الدّين، فكان الطالب يقول: أتقضي أم تربي؟ كما تقدم في "البقرة". و"مضاعفة" إشارة إلى تكرار التضعيف عاما بعد عام كما كانوا يصنعون؛ فدلت هذه العبارة المؤكدة على شنعة فعلهم وقبحه، ولذلك ذكرت حالة التضعيف خاصة.

صحيح مسلم: عن ابن عمر، قال: خطب عمر على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فحمد الله وأثنى عليه. ثم قال: أما بعد. ألا وإن الخمر نزل تحريمها، يوم نزل، وهي من خمسة أشياء. من الحنطة والشعير، والتمر، والزبيب، والعسل. والخمر ما خامر العقل. وثلاثة أشياء وددت، أيها الناس! أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عهد إلينا فيها: الجد، والكلالة، وأبواب من أبواب الربا.
فتح الباري لابن حجر: وأما أبواب الربا فلعله يشير إلى ربا الفضل لأن ربا النسيئة متفق عليه بين الصحابة.
وقد أجمع المسلمون على تحريم الربا في الجملة وإن اختلفوا في ضابطه وتفاريعه قال الله تعالى وأحل الله البيع وحرم الربا والأحاديث فيه كثيرة مشهورة ونص النبي صلى الله عليه و سلم في هذه الأحاديث على تحريم الربا في ستة أشياء الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح.

واختلفوا في العلة التي هي سبب تحريم الربا في الستة: فقال الشافعي العلة في الذهب والفضة كونهما جنس الأثمان فلا يتعدى الربا منهما إلى غيرهما من الموزونات وغيرها لعدم المشاركة, والعلة في الاربعة الباقية كونها مطعومة فيتعدى الربا منها إلى كل مطعوم. وأما مالك فقال: في الذهب والفضة كقول الشافعي رضي الله عنه وقال في الأربعة العلة فيها كونها تدخر للقوت وتصلح له فعداه إلى الزبيب لأنه كالتمر وإلى القطنية لأنها في معنى البر والشعير. وأما أبو حنيفة فقال: العلة في الذهب والفضة الوزن وفي الأربعة الكيل فيتعدى إلى كل موزون من نحاس وحديد وغيرهما وإلى كل مكيل كالجص والأشنان وغيرهما. وقال سعيد بن المسيب وأحمد والشافعي في القديم العلة في الاربعة كونها مطعومة موزونة أو مكيلة شرط. وأجمع العلماء على جواز بيع الربوي بربوي لا يشاركه في العلة متفاضلا ومؤجلا وذلك كبيع الذهب بالحنطة وبيع الفضة بالشعير وغيره من المكيل وأجمعوا على أنه لا يجوز بيع الربوي بجنسه وأحدهما مؤجل وعلى أنه لا يجوز التفاضل إذا بيع بجنسه حالا كالذهب بالذهب وعلى أنه لا يجوز التفرق قبل التقابض إذا باعه بجنسه أو بغير جنسه مما يشاركه في العلة كالذهب بالفضة والحنطة بالشعير وعلى أنه يجوز التفاضل عند اختلاف الجنس إذا كان يدا بيد كصاع حنطة بصاعي شعير.
فتح الباري لابن رجب: عن عمر، أنه قال: ثلاث وددت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان عهد إلينا عهدا ننتهي إليه: الجد، والكلالة، وأبواب من أبواب الربا. وبعض البيوع المنهي عنها نهي عنها سدا لذريعة الربا، كالمحاقلة، والمزابنة، وكذلك قيل في النهي عن بيع الطعام قبل قبضه، وعن بيعتين في بيعة، وعن ربح ما لم يضمن.

صحيح البخارى: عن البراء رضي الله عنه قال: آخر سورة نزلت كاملة براءة وآخر اية نزلت خاتمة سورة النساء {يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلاله}. [ش (براءة) أي سورة التوبة التي تبدأ بقوله تعالى {براءة}. (آخر سورة) آية. (يستفتونك) يطلبون منك الفتوى وهي جواب الحادثة وقيل تبين المشكل من الأمر. (الكلالة) هو من مات وليس له أصل وارث ولا فرع وقيل هي الورثة غير الأصول والفروع. النساء 176].
صحيح البخارى: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: وثلاث وددت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يفارقنا حتى يعهد إلينا عهدا الجد والكلالة وأبواب من أبواب الربا.
عون المعبود للابادي: (وثلاث) أي ثلاث من المسائل (وددت) بكسر المهملة الأولى وسكون الثانية أي تمنيت (لم يفارقنا) أي من الدنيا (حتى يعهد إلينا فيهن عهدا ننتهي إليه) أي يبين لنا فيهن بيانا ننتهي إليه والضمير المجرور في فيهن لثلاث (الجد) أي هل يحجب الأخ أو يحجب به أو يقاسمه فاختلفوا فيه اختلافا كثيرا (والكلالة) بفتح الكاف واللام المخففة من لا ولد له ولا والد له أو بنو العم الأباعد أو غير ذلك (وأبواب من أبواب الربا) أي ربا الفضل لأن ربا النسيئة متفق عليه بين الصحابة.

فتح الباري لابن حجر: وأما أبواب الربا فلعله يشير إلى ربا الفضل لأن ربا النسيئة متفق عليه بين الصحابة وسياق عمر يدل على أنه كان عنده نص في بعض من أبواب الربا دون بعض فلهذا تمنى معرفة البقية.
سبل السلام للصنعاني: وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من شفع لأخيه شفاعة فأهدى له هدية فقبلها فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا".

يلاحظ الاتي: 1 - كان التعامل في زمن النبي يقوم علي نظام المقايضة: اي تبادل سلعة بسلعة. اما في زماننا وفي عام 2013م الموافق 1434 هجرية فالسائد هو النظام النقدي. وكل سلعة معلومة الثمن, مع تعدد مصادر البيع والشراء, واخنفت المقايضة.

2 - عندما اتجه الي اي بك واطلب منه فك عملة ذات 200 جنيه مصري الي عملة ذات العشرة جنيه سيعطيني ما يساوى ال 200 جنيه. اما اذا طلبت من البنك تحويل الف جنيه مصري الي عملة اجنبية فيعطيني ما يوازى الالف جنيه بالسعر السائد.

= {{1 - (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا) - (وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) [البقرة: 276]}}.
= {{2 - ((وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ))
((وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ)) [الروم: 39]}}.
= {{3 - مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً [البقرة: 245]}}.
= {{4 - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً [آل عمران: 130]}}.
= {{5 - الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ [آل عمران: 134]}}.
تفسير القرطبي:
1 - {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ}. قال رسول الله: "لا يتصدق أحد بتمرة من كسب طيب إلا أخذها الله بيمينه - في رواية - فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل". وروي " إن الصدقة لتقع في كف الرحمن قبل أن تقع في كف السائل فيربيها كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله والله يضاعف لمن يشاء". قال علماؤنا رحمة الله عليهم في تأويل هذه الأحاديث: إن هذا كناية عن القبول والجزاء عليها وخص اليمين والكف بالذكر إذ كل قابل لشيء إنما يأخذه بكفه وبيمينه أو يوضع له فيه؛ فخرج على ما يعرفونه، والله جل وعز منزه عن الجارحة.
والصدقة لا تكون الا لفقير محتاج, فكيف ارابي معه؟.

2 - {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ} قال: الربا ربوان، ربا حلال وربا حرام: فأما الربا الحلال فهو الذي يهدى، يلتمس ما هو أفضل منه. وعن الضحاك في هذه الآية: هو الربا الحلال الذي يهدى ليثاب ما هو أفضل منه، لا له ولا عليه، ليس له فيه أجر وليس عليه فيه إثم. وكذلك قال ابن عباس: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً} يريد هدية الرجل الشيء يرجو أن يثاب أفضل منه؛ فذلك الذي لا يربو عند الله ولا يؤجر صاحبه ولكن لا إثم عليه، وفي هذا المعنى نزلت الآية. قال ابن عباس وابن جبير وطاوس ومجاهد: هذه آية نزلت في هبة الثواب. قال ابن عطية: وما جرى مجراها مما يصنعه الإنسان ليجازى عليه كالسلام وغيره؛ فهو وإن كان لا إثم فيه فلا أجر فيه ولا زيادة عند الله تعالى. وقاله القاضي أبو بكر بن العربي.
وعن عبدالرحمن بن علقمة قال: قدم وفد ثقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعهم هدية فقال: "أهدية أم صدقة فإن كانت هدية فإنما يبتغى بها وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضاء الحاجة، وإن كانت صدقة فإنما يبتغى بها وجه الله عز وجل" قالوا: لا بل هدية؛ فقبلها منهم وقعد معهم يسائلهم ويسألونه. وقال ابن عباس أيضا وإبراهيم النخعي: نزلت في قوم يعطون قراباتهم وإخوانهم على معنى نفعهم وتمويلهم والتفضل عليهم، وليزيدوا في أموالهم على وجه النفع لهم. وقال الشعبي: معنى الآية أن ما خدم الإنسان به أحدا وخف له لينتفع به في دنياه فإن ذلك النفع الذي يجزي به الخدمة لا يربو عند الله.

اختلف العلماء فيمن وهب هبة يطلب ثوابها وقال: إنما أردت الثواب؛ فقال مالك: ينظر فيه؛ فإن كان مثله ممن يطلب الثواب من الموهوب له فله ذلك؛ مثل هبة الفقير للغني، وهبة الخادم لصاحبه، وهبة الرجل لأميره ومن فوقه؛ وهو أحد قولي الشافعي. وقال أبو حنيفة: لا يكون له ثواب إذا لم يشترط؛ وهو قول الشافعي الآخر. قال: والهبة للثواب باطلة لا تنفعه؛ لأنها بيع بثمن مجهول.
وعن علّي رضي الله عنه: أن الواهب لا يخلو في هبته من ثلاثة أحوال: أحدها: أن يريد بها وجه الله تعالى ويبتغي عليها الثواب منه. والثاني: أن يريد بها وجوه الناس رياء ليحمدوه عليها ويثنوا عليه من أجلها. والثالث: أن يريد بها الثواب من الموهوب له.
فأما إذا أراد بهبته وجه الله تعالى وابتغى عليه الثواب من عنده فله ذلك عند الله بفضله ورحمته؛ قال الله عز وجل: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ}. وكذلك من يصل قرابته ليكون غنيا حتى لا يكون كلا فالنية في ذلك متبوعة؛ فإن كان ليتظاهر بذلك دنيا فليس لوجه الله، وإن كان لما له عليه من حق القرابة وبينهما من وشيجة الرحم فإنه لوجه الله. وأما من أراد بهبته وجوه الناس رياء ليحمدوه عليها ويثنوا عليه من أجلها فلا منفعة له في هبته؛ لا ثواب في الدنيا ولا أجر في الآخرة؛ قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ} الآية. وأما من أراذ بهبته الثواب من الموهوب له فله ما أراد بهبته، وله أن يرجع فيها ما لم يثب بقيمتها.

عمدة القاري شرح صحيح البخاري: قوله تعالى: {وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله (الروم93)} فقال سعيد بن جبير ومجاهد وطاووس وقتادة والضحاك هو الرجل يعطي الرجل العطية ويهدي إليه الهدية ليأخذ أكثر منها فهذا ربا حلال ليس فيه أجر ولا وزر فهذا للناس عامة وفي حق النبي حرام عليه أن يعطي شيئا فيأخذ أكثر منه لقوله تعالى ولا تمنن تستكثر (المدثر6).
بحر العلوم للسمرقندي: وقال عكرمة: الربا ربوان: ربا حلال، وربا حرام. فأما الحلال فهو هبة الرجل يريد أن يثاب ما هو أفضل منها. وأما الحرام فزيادة خالية عن العوض في عقد المعاوضة. وهو نوعان: ربا الفضل، وربا النساء.
3 - قال زيد بن أسلم: لما نزل: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً} قال أبو الدحداح: فداك أبي وأمي يا رسول الله إن الله يستقرضنا وهو غني عن القرض؟ قال: " نعم يريد أن يدخلكم الجنة به ". قال: فإني إن أقرضت ربي قرضا يضمن لي به ولصبيتي الدحداحة معي الجنة؟ قال: "نعم" قال: فناولني يدك؛ فناوله رسوله الله صلى الله عليه وسلم يده: فقال: إن لي حديقتين إحداهما بالسافلة والأخرى بالعالية، والله لا أملك غيرهما، قد جعلتهما قرضا لله تعالى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اجعل إحداهما لله والأخرى دعها معيشة لك ولعيالك" قال: فأشهدك يا رسول الله أني قد جعلت خيرهما لله تعالى، وهو حائط فيه ستمائة نخلة. قال: " إذا يجزيك الله به الجنة ".
4 - و"مضاعفة" إشارة إلى تكرار التضعيف عاما بعد عام كما كانوا يصنعون؛ فدلت هذه العبارة المؤكدة على شنعة فعلهم وقبحه، ولذلك ذكرت حالة التضعيف خاصة.

صورة اهل الاخلاص والمحافظة علي اموال الغير
********************************

صحيح البخارى: عن رسول الله صلى الله عليه و سلم (أنه ذكر رجلا من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار فقال ائتني بالشهداء أشهدهم فقال كفى بالله شهيدا قال فأئتني بالكفيل قال كفى بالله كفيلا قال صدقت فدفعها إليه إلى أجل مسمى فخرج في البحر فقضى حاجته ثم التمس مركبا يركبها يقدم عليه للأجل الذي أجله فلم يجد مركبا فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه ثم زجج موضعها ثم أتى بها إلى البحر فقال اللهم إنك تعلم أني كنت تسلفت فلانا ألف دينار فسألني كفيلا فقلت كفى بالله كفيلا فرضي بك وسألني شهيدا فقلت كفى بالله شهيدا فرضي بك وأني جهدت أن أجد مركبا أبعث إليه الذي له فلم أقدر وإني أستودعكها فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه ثم انصرف وهو في ذلك يلتمس مركبا يخرج إلى بلده فخرج الرجل الذي أسلفه ينظر لعل مركبا قد جاء بماله فإذا بالخشبة التي فيها المال فأخذها لأهله حطبا فلما نشرها وجد المال والصحيفة ثم قدم الذي كان أسلفه فأتى بالألف دينار فقال والله ما زلت جاهدا في طلب مركب لآتيك بمالك فما وجدت مركبا قبل الذي أتيت فيه قال هل كنت بعثت إلي بشيء؟ قال أخبرك أني لم أجد مركبا قبل الذي جئت فيه قال فإن الله قد أدى عنك الذي بعثت في الخشبة فانصرف بالألف دينار راشدا). [ش: (التمس) طلب. (للأجل) الزمن الذي حدده له للوفاء. (فنقرها) حفرها. (صحيفة) مكتوبا. (زجج) سوى موضع النقر وأصلحه من تزجيج الحواجب وهو حلق زوائد الشعر. (تسلفت فلانا) طلبت منه سلفا. (جهدت) بذلت وسعي. (ولجت) دخلت في البحر].

صحيح البخارى: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه و سلم (اشترى رجل من رجل عقارا له فوجد الرجل الذي اشترى العقار في عقاره جرة فيها ذهب فقال له الذي اشترى العقار خذ ذهبك مني إنما اشتريت منك الأرض ولم أبتع منك الذهب. وقال الذي له الأرض إنما بعتك الأرض وما فيها فتحاكما إلى رجل فقال الذي تحاكما إليه ألكما ولد؟ قال أحدهما لي غلام وقال الآخر لي جارية قال أنحكوا الغلام الجارية وأنفقوا على أنفسهما منه وتصدقا). [ش: (عقارا) هو الأرض وما يتصل بها من مال وقيل المنزل والضياع. (أبتع) أشتر. (غلام) ولد ذكر. (جارية) ولد أنثى].

صحيح ابن ماجة: إن رسول الله صلى الله عليه و سلم مكث تسع سنين لم يحج فأذن في الناس في العاشرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حاج فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى ........ فخطب الناس فقال إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا وإن كل شيء من أمر الجاهلية موضوع تحت قدمي هاتين ودماء الجاهلية موضوعة وأول دم أضعه دم ربيعة بن الحارث كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضعه ربانا ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله .......
بداية المجتهد ونهاية المقتصد: واتفق العلماء على أن الربا يوجد في شيئين: في البيع، وفيما تقرر في الذمة من بيع أو سلف أو غير ذلك. (فأما الربا فيما تقرر في الذمة فهو صنفان): صنف متفق عليه، وهو ربا الجاهلية الذي نهي عنه، وذلك أنهم كانوا يسلفون بالزيادة وينظرون، فكانوا يقولون: أنظرني أزدك، وهذا هو الذي عناه عليه الصلاة والسلام بقوله في حجة الوداع "ألا وإن ربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب، والثاني "ضع وتعجل".

وأما الربا في البيع فإن العلماء أجمعوا على أنه صنفان: نسيئة وتفاضل، إلا ما روي عن ابن عباس من إنكاره الربا قي التفاضل لما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا ربا إلا في النسيئة).
مكتبة ابن الجوزى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا} في نزولها ثلاثة أقوال: أحدها: أنها نزلت في بني عمرو بن عمير بن عوف من ثقيف، وفي بني المغيرة من بني مخزوم، وكان بنو المغيرة يأخذون الربا من ثقيف، فلما وضع الله الربا، طالبت ثقيف بني المغيرة بما لهم عليهم، فنزلت هذه الآية، والتي بعدها.
والثاني: أنها نزلت في عثمان بن عفان، والعباس، كانا قد أسلفا في التمر، فلما حضر الجذاذ، قال صاحب التمر: إن أخذتما مالكما، لم يبق لي ولعيالي ما يكفي، فهل لكما أن تأخذا النصف وأضعّف لكما؟ ففعلا، فلما حل الأجل، طلبا الزيادة، فبلغ ذلك النبي فنهاهما، فنزلت هذه الآية.
والثالث: أنها نزلت في العباس، وخالد بن الوليد، وكانا شريكين في الجاهلية، وكانا يسلفان في الربا، فجاء الإسلام، ولهما أموال عظيمة في الربا، فنزلت هذه الآية، فقال النبي: «أَلا إِن كل رباً من ربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضعه ربا العباس».

حكم فوائد البنوك
)))))))))))))))))))))
= {{فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة: 173]}}. وتولد عن الاية قواعد فقهية.
القاعدة: (الضّرر يزال)، وقاعدة: (الضّرورات تبيح المحظورات) , وقاعدة: (المشقّة تجلب التّيسير) ,
(وتنزل الحاجة منزلة الضّرورة).
فيباح المحظور: كالإذن بإباحة ما كان محرّماً لغيره كالإذن بنظر الأجنبيّة للزّواج وبنظر العورة إذا عرضت حاجة كالعلاج. وكأكل الميتة عند المخمصة وإساغة اللّقمة بالخمر.

المضاربة في الفقه الاسلامي
********************

معرفة السنن والآثار للبيهقي: أن عبد الله، وعبيد الله، ابني عمر خرجا في جيش العراق، فلما قفلا مرا على عامل لعمر فرحب بهما وسهل، وهو أمير البصرة، وقال: لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به لفعلت، ثم قال: بلى، ها هنا مال من مال الله، أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين، فأسلفكماه، فتبتاعان به متاعا من متاع العراق، ثم تبيعانه بالمدينة، فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين، ويكون لكما الربح فقالا: وددنا، ففعل، وكتب إلى عمر رضي الله عنه، أن يأخذ منهما المال، فلما قدما المدينة باعا فربحا، فلما دفعا ذلك إلى عمر قال لهما: أكل الجيش أسلفه كما أسلفكما؟ فقالا: لا. فقال عمر: ابنا أمير المؤمنين فأسلفكما أديا المال وربحه فأما عبد الله فسكت، وأما عبيد الله فقال: ما ينبغي لك هذا يا أمير المؤمنين، لو هلك المال أو نقص لضمناه فقال: أديا، فسكت عبد الله، وراجعه عبيد الله فقال رجل من جلساء عمر: يا أمير المؤمنين، لو جعلته قراضا، فأخذ عمر رأس المال ونصف ربحه، وأخذ عبد الله، وعبيد الله نصف ذلك المال.
وأن عمر بن الخطاب أعطى مال يتيم مضاربة، وكان يعمل به بالعراق، ولا يدري كيف قاطعه على الربح وأن عثمان بن عفان: أعطى مالا مقارضة، يعني مضاربة.

زاد المعاد لابن القيم: فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صالحهم عن الشطر، ولم يُعْطِهم بذراً البتة، ولا كان يُرسِلُ إليهم بِبِذر، وهذا مقطوع به مِن سِيرته، حتى قال بعضُ أهل العلم: إنه لو قِيل باشتراط كونه مِن العامل، لكان أقوى من القول باشتراط كونِه من ربِّ الأرض، لموافقته لِسُنَّة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فى أهل خيبر. والصحيح: أنه يجوز أن يكون من العامل، وأن يكونَ مِن ربِّ الأرض، ولا يُشترط أن يختصّ به أحدُهما، والذين شرطُوه من ربِّ الأرض، ليس معهم حُجةٌ أصلاً أكثرَ من قياسهم المزارعة على المُضاربة، قالوا: كما يُشترط فى المضاربة أن يكون رأسُ المالِ مِن المالك، والعملُ من المضارب، فهكذا فى المزارعة، وكذلك فى المساقاة يكون الشَّجرُ مِن أحدهما، والعملُ عليها من الآخر، وهذا القياسُ إلى أن يكون حجةً عليهم أقربُ من أن يكون حجةً لهم، فإن فى المضاربة يعودُ رأسُ المال إلى المالك، ويقتسمان الباقى، ولو شرط ذلك فى المزارعة، فسدت عندهم، فلم يُجْرُوا البِذْرَ مجرى رأس المال، بل أجَروْهُ مجرى سائر البقل، فبطل إلحاق المزارعة بالمضاربة على أصلهم.

فايداع الاموال في البنوك بفائدة يعتبر من جنس المضاربة:
**************************************
قد يكون المودع في البنك عنده مال ولكن لا يستطيع ان يستثمره, ويكون رجال الاعمال في حاجة الي اموال لاقامة مشروعات صناعية نافعة للبلد, فلولا الودائع ما استطاع البنك ان يمنح قروضا لرجال الاعمال. فالبنك واسطة بين اصحاب الاموال ورجال الاعمال, والحياة المدنية اصبحت معقدة في زماننا عن زمن النبوة, والمصالح اصيحت متشابكة.
فاصحاب الاموال لا يستطيعون حفظ ما لديهم في بيوتهم خشية السرقة فيتم الايداع في البنك.
والمشروعات الصناعية تحتاج الي اموال كثيرة وليتم تشغيل الايدى العاملة, واستيعاب البطالة.

ونقطة الاعتراض علي فوائد البنوك انها محددة مسبقا, ولا تترك لمعرفة ما يتم من ارباح, ولكن تحديد سعر الفائدة يدرأ التنازع بين المودع والبنك.
فالفائدة التي يحصل عليها المودع ليست حرام, لاتها عائد من المضارة التي تمم, فان كان في نفس المودع شبهة تحريم فليعط هذا العائد للمساكين والمحتاجين. ولا يعترض علي الفائدة الا من ليس لديه اموال يخاف عليها.

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران: 130]}}.
تفسير القرطبي: قال مجاهد: كانوا يبيعون البيع إلى أجل، فإذا حل الأجل زادوا في الثمن على أن يؤخروا؛ فأنزل الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً} قلت وإنما خص الربا من بين سائر المعاصي؛ لأنه الذي أذن الله فيه بالحرب في قوله: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 279] والحرب يؤذن بالقتل؛ فكأنه يقول: إن لم تتقوا الربا هزمتم وقتلتم. فأمرهم بترك الربا؛ لأنه كان معمولا به عندهم. و"أضعافا" و"مضاعفة": ومعناه: الربا الذي كانت العرب تضعف فيه الدّين، فكان الطالب يقول: أتقضي أم تربي؟. و"مضاعفة" إشارة إلى تكرار التضعيف عاما بعد عام كما كانوا يصنعون؛ فدلت هذه العبارة المؤكدة على شنعة فعلهم وقبحه، ولذلك ذكرت حالة التضعيف خاصة.

قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ} أي في أموال الربا فلا تأكلوها. ثم خوفهم فقال: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}: وهذا الوعيد لمن استحل الربا، ومن استحل الربا فإنه يكْفُر ويُكَفّر. وقيل: معناه اتقوا العمل الذي ينزع منكم الإيمان فتستوجبون النار؛ لأن من الذنوب ما يستوجب به صاحبه نزع الإيمان ويخاف عليه؛ من ذلك عقوق الوالدين. وقد جاء في ذلك أثر: أن رجلا كان عاقا لوالديه يقال له علقمة؛ فقيل له عن [عند] الموت: قل لا إله إلا الله، فلم يقدر على ذلك حتى جاءته أمه فرضيت عنه. ومن ذلك قطيعة الرحم وأكل الربا والخيانة في الأمانة.
))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: وقولوا قولا سديدا
*******************
))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
(((قولوا الله أعلى وأجل) - (قولوا الله مولانا ولا مولى لكم) - إذا قام إلى الصلاة قال - وإذا ركع قال - وإذا رفع قال - وإذا سجد قال - ثم يقول بين التشهد والتسليم - إذا أردت مضجعك فقل - إذا قام يتهجد من الليل قال .... ))
******************************************************
= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا [الأحزاب: 70]}}.
{{يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب: 71]}}.

تفسير القرطبي: قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا): أي قصدا وحقا. وقال بن عباس: أي صوابا وقال قتادة ومقاتل: يعني قولوا قولا سديدا في شأن زينب وزيد ولا تنسبوا النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى ما لا يحل. وقال عكرمة وبن عباس أيضا: القول السداد لا إله إلا الله., وقيل: هو الذي يوافق ظاهره باطنه. وقيل: هو ما أريد به وجه الله دون غيره. وقيل: هو الإصلاح بين المتشاجرين وهو مأخوذ من تسديد السهم ليصاب به الغرض.
سنن الترمذي: عن عائشة رضي الله عنها قالت: لو كان رسول الله صلى الله عليه و سلم كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الآية {وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه} بالعتق فأعتقته {أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه} إلى قوله {وكان أمر الله مفعولا} وإن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما تزوجها قالوا تزوج حليلة ابنه فأنزل الله تعالى {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين} وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم تبناه وهو صغير فلبث حتى صار رجلا يقال له زيد بن محمد فأنزل الله {ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم} فلان مولى فلان وفلان أخو فلان {هو أقسط عند الله} يعني أعدل

سنن الترمذي: علمنا رسول الله صلى الله عليه و سلم التشهد في الصلاة والتشهد في الحاجة:
قال التشهد في الصلاة: التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
والتشهد في الحاجة: إن الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا فمن يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

سنن الدارمي: علمنا رسول الله صلى الله عليه و سلم خطبة الحاجة الحمد لله أو ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له أشهد ان لا إله الا الله وأشهد ان محمدا عبده ورسوله ثم يقرأ ثلاث آيات {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} , {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها}. {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما} ثم يتكلم بحاجته.

صحيح البخارى: عن أبي هريرة: عن النبي صلى الله عليه و سلم قال (كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله العظيم سبحان الله وبحمده)
سنن الترمذي: عن معاذ بن رفاعة عن أبيه قال: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه و سلم فعطست فقلت الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا عليه كما يحب ربنا ويرضى فلما صلى رسول الله صلى الله عليهوسلم انصرف فقال من المتكلم في الصلاة فلم يتكلم أحد ثم قالها الثانية من المتكلم في الصلاة؟ فلم يتكلم أحد ثم قالها الثالثة من المتكلم في الصلاة؟ فقال رفاعة بن رافع ابن عفراء أنا يا رسول الله قال كيف قلت؟ قال قلت الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه مباركا عليه كما يحب ربنا ويرضى فقال النبي صلى الله عليه و سلم والذي نفسي بيده لقد ابتدرها بضعة وثلاثون ملكا أيهم يصعد بها
صحيح الترغيب والترهيب: عن سلمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال رجل الحمد لله كثيرا فأعظمها الملك أن يكتبها فراجع فيها ربه عز وجل فقال اكتبها كما قال عبدي.
صحيح مسلم: عن سالم بن عبدالله، عن أبيه؛ أنه كان يقول: ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد. حتى نزل في القرآن: ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله [33/ الأحزاب/ 5].

صحيح البخارى: سمعت البراء بن عازب رضي الله عنهما يحدث قال: جعل النبي صلى الله عليه و سلم على الرجالة يوم أحد - وكانوا خمسين رجلا - عبد الله بن جبير فقال (إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم). فهزموهم قال فأنا والله رأيت النساء يشتددن قد بدت خلاخلهن وأسوقهن رافعات ثيابهن. فقال أصحاب عبد الله بن جبير الغنيمة أي قوم الغنيمة ظهر أصحابكم فما تنتظرون؟ فقال عبد الله ابن جبير أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه و سلم؟ قالوا والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة فلما أتوهم صرفت وجوههم فأقبلوا منهزمين فذاك إذ يدعوهم الرسول في أخراهم فلم يبق مع النبي صلى الله عليه و سلم غير اثني عشر رجلا فأصابوا منا سبعين وكان النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه أصاب من المشركين يوم بدر أربعين ومائة سبعين أسيرا وسبعين قتيلا. فقال أبو سفيان أفي القوم محمد ثلاث مرات فنهاهم النبي صلى الله عليه و سلم أن يجيبوه ثم قال أفي القوم ابن أبي قحافة ثلاث مرات ثم قال أفي القوم ابن الخطاب ثلاث مرات ثم رجع إلى أصحابه فقال أما هؤلاء فقد قتلوا فما ملك عمر نفسه فقال كذبت والله يا عدو الله إن الذين عددت أحياء كلهم وقد بقي لك ما يسؤوك. قال يوم بيوم بدر والحرب سجال إنكم ستجدون في القوم مثلة لم آمر بها ولم تسؤني ثم أخذ يرتجز اعل هبل اعل هبل قال النبي صلى الله عليه و سلم (ألا تجيبونه). قالوا يا رسول الله ما نقول؟ قال (قولوا الله أعلى وأجل). قال إن لنا العزى ولا عزى لكم فقال النبي صلى الله عليه و سلم (ألا تجيبونه). قال قالوا يا رسول الله ما نقول؟ قال (قولوا الله مولانا ولا مولى لكم).

صحيح مسلم: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أنه كان إذا قام إلى الصلاة قال: "وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين. إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين. اللهم! أنت الملك لا إله إلا أنت. واهدني لأحسن الأخلاق. لا يهدي لأحسنها إلا أنت. واصرف عني سيئها. لا يصرف عني سيئها إلا أنت. لبيك! وسعديك! والخير كله في يديك. والشر ليس إليك. أنا بك وإليك. تباركت وتعاليت. أستغفرك وأتوب إليك".
وإذا ركع قال: "اللهم! لك ركعت. وبك آمنت. ولك أسلمت. خشع لك سمعي وبصري. ومخي وعظمي وعصبي".
وإذا رفع قال: "اللهم! ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد".
وإذا سجد قال: "اللهم! لك سجدت. وبك آمنت. ولك أسلمت. سجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره. تبارك الله أحسن الخالقين".
ثم يقول بين التشهد والتسليم "اللهم! اغفر لي ما قدمت وما أخرت. وما أسررت وما أعلنت. وما أسرفت. وما أنت أعلم به مني. أنت المقدم وأنت المؤخر. لا إله إلا أنت".
صحيح البخارى: عن البراء بن عازب: أن النبي صلى الله عليه و سلم أوصى رجلا فقال (إذا أردت مضجعك فقل اللهم أسلمت نفسي إليك وفوضت أمري إليك ووجهت وجهي إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت. فإن مت مت على الفطرة).

سنن الدارمي: عن بن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا قام يتهجد من الليل قال اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت ملك السماوات والأرض ومن فيهن أنت الحق وقولك الحق ووعدك الحق ولقاؤك والجنة حق والنار حق والبعث حق والنبيون حق ومحمد صلى الله عليه و سلم حق اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أعلنت وما أسررت أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله الا أنت ولا حول ولا قوة الا بك. صحيح البخارى: كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أوى إلى فراشه نام على شقه الأيمن ثم قال (اللهم أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت). وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم (من قالهن ثم مات تحت ليلته مات على الفطرة).
صحيح ابن خزيمة: كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا كبر في الصلاة سكت هنية فقلت: يا رسول الله بأبي وأمي ما تقول في سكوتك بين التكبير والقراءة؟ قال أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد.
وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أراد أن ينصرف من صلاته استغفر ثلاث مرات ثم قال: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام.
وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا سلم في دبر الصلاة يقول: لا إله إلا الله لا نعبد إلا إياه أهل النعمة والفضل والثناء الحسن لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون.

صحيح ابن حبان: كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا رأى الهلال قال: (اللهم أهله علينا بالأمن الإيمان والسلامة والإسلام والتوفيق لما نحب وترضى ربنا وربك الله). وعن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا كبر سكت بين التكبير والقراءة فقلت: بأبي أنت وأمي أرأيت سكتاتك بين التكبير والقراءة أخبرني ما تقول فيها؟ قال: (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد).
)))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: وكونوا مع الصادقين
*********************
= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة: 119]}}.

تفسير القرطبي: عن عبدالرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه قال: لم أتخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها حتى كانت غزوة تبوك إلا بدرا ولم يعاتب النبي صلى الله عليه وسلم أحدا تخلف عن بدر إنما خرج يريد العير فخرجت قريش مغوثين لعيرهم فالتقوا عن غير موعد. ولعمري إن أشرف مشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس لبدر وما أحب أني كنت شهدتها مكان بيعتي ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام ثم لم أتخلف بعد عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى كانت غزوة تبوك وهي آخر غزوة غزاها وآذن النبي صلى الله عليه وسلم بالرحيل. (فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو جالس في المسجد وحوله المسلمون وهو يستنير كاستنارة القمر وكان إذا سر بالأمر استنار فجئت فجلست بين يديه فقال: "أبشر يا كعب بن مالك بخير يوم أتي عليك منذ ولدتك أمك" فقلت: يا نبي الله أمن عند الله أم من عندك؟ قال: "بل من عند الله - ثم تلا هذه الآية - {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ - حتى بلغ - إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} قال: وفينا أنزلت أيضا {اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119].
صحيح البخارى: سمعت كعب بن مالك رضي الله عنه يقول: كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قلما يريد غزوة يغزوها إلا ورى بغيرها حتى كانت غزوة تبوك فغزاها رسول الله صلى الله عليه و سلم في حر شديد واستقبل سفرا بعيدا ومفازا واستقبل غزو عدو كثير فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة عدوهم وأخبرهم بوجهه الذي يريد.

صحيح ابن حبان: أخبرني عبد الرحمن بن كعب بن مالك: عن أبيه قال: لم أتخلف عن النبي صلى الله عليه و سلم في غزوة غزاها حتى كانت غزوة تبوك إلا بدر ولم يعاتب النبي صلى الله عليه و سلم أحدا تخلف عن بدر إنما خرج النبي صلى الله عليه و سلم يريد العير وخرجت قريش مغيثين لعيرهم فألتقوا على غير موعد كما قال الله ولعمري إن أشرف مشاهد رسول الله صلى الله عليه و سلم في الناس لبدر وما أحب أني كنت شهدتها مكان بيعتي ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام ولم أتخلف بعد عن النبي صلى الله عليه و سلم في غزوة غزاها حتى كانت غزوة تبوك وهي آخر غزوة غزاها آذن النبي صلى الله عليه و سلم بالرحيل وأراد أن يتأهبوا أهبة غزوهم وذلك حين طاب الظلال وطابت الثمار وكان قلما أراد غزوة إلا ورى غيرها وكان يقول:
(الحرب خدعة) فأراد النبي صلى الله عليه و سلم في غزوة تبوك أن يتأهب الناس أهبته وأنا أيسر ما كنت قد جمعت راحلتين لي فلم أزال كذلك حتى قام النبي صلى الله عليه و سلم غاديا بالغداة وذلك يوم الخميس ـ وكان يحب أن يخرج يوم الخميس ـ فأصبح غاديا فقلت: أنطلق إلى السوق وأشتري جهازي ثم ألحق بهم. فأنطلقت إلى السوق من الغد فعسر علي بعض شأني فرجعت فقلت: أرجع غدا إن شاء الله فألحق بهم فعسر علي بعض شأني أيضا فلم أزل كذلك حتى لبس بي الذنب وتخلفت عن النبي صلى الله عليه و سلم. فجعلت أمشي في الأسواق وأطراف المدينة فيحزنني أن أرى أحدا تخلف عن رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا رجلا مغموصا عليه في النفاق وكان ليس أحد تخلف إلا أرى ذلك سيخفى له وكان الناس كثيرا لا يجمعهم ديوان وكان جميع من تخلف عن النبي صلى الله عليه و سلم بضعة وثمانين رجلا.

ولم يذكرني النبي صلى الله عليه و سلم حتى بلغ تبوكا فلما بلغ تبوكا قال: (ما فعل كعب بن مالك)؟ فقال رجل من قومي: خلفه يارسول الله براده والنظر في عطفيه فقال معاذ بن جبل: بئس ما قلت والله يا نبي الله ما نعلم إلا خيرا قال: فبينا هم كذلك إذا رجل يزول به السراب فقال النبي صلى الله عليه و سلم: (كن أبا خيثمة) فإذا هو أبو خيثمة فلما قضى رسول الله صلى الله عليه و سلم غزوة تبوك وقفل ودنا من المدينة جعلت أتذكر ماذا أخرج به من سخط النبي صلى الله عليه و سلم وأستعين على ذلك بكل ذي رأي من أهل بيتي حتى إذا قيل: النبي صلى الله عليه و سلم مصبحكم بالغداة راح عني الباطل وعرفت أني لا أنجو إلا بالصدق فدخل النبي صلى الله عليه و سلم ضحى فصلى في المسجد ركعتين ـ وكان إذا قدم من سفر فعل ذلك: دخل المسجد فصلى فيه ركعتين ثم جلس ـ فجعل يأتيه من تخلف فيحلفون له ويعتذرون إليه فيستغفر لهم ويقبل علانيتهم ويكل سرائرهم إلى الله فدخلت المسجد فإذا هو جالس فلما رآني تبسم تبسم المغضب فجئت فجلست بين يديه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (ألم تكن ابتعت ظهرا)؟ قلت: بلى يا نبي الله فقال (ما خلفك عني)؟ فقلت: والله لو بين يدي أحد من الناس غيرك جلست لخرجت من سخطه علي بغدر ولقد أوتيت جدلا ولكني قد علمت ـ يا نبي الله ـ أني إن حدثتك اليوم بقول تجد علي فيه وهو حق فإني أرجو فيه عقبى الله وإن حدثتك اليوم بحديث ترضى عني فيه وهو كذب أوشك أن يطلعك الله علي والله يا نبي الله ما كنت قط أيسر ولا أخف حاذا مني حيث تخلفت عليك فقال النبي صلى الله عليه و سلم: (أما هذا فقد صدقتكم الحديث قم حتى يقضي الله فيك).

فقمت فثار على أثري ناس من قومي يؤنبونني فقالوا: والله ما نعلمك أذنبت ذنبا قط قبل هذا فهلا أعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بعذر يرضاه عنك فيه وكان أستغفار رسول الله صلى الله عليه و سلم سيأتي من وراء ذلك ولم تقف موقفا لا ندري ماذا يقضي لك فيه فلم يزالوا يؤنبونني حتى هممت أن أرجع فأكذب نفسي فقلت: هل قال هذا القول أحد غيري؟ قالوا: نعم قاله هلال بن أمية و مرارة بن ربيعة فذكروا رجلين صالحين شهدا بدرا لي فيهما أسوة فقلت: والله لا أرجع إليه في هذا أبدا ولا أكذب نفسي.
ونهى النبي صلى الله عليه و سلم عن كلامنا نحن الثلاثة فجعلت أخرج على السوق ولا يكلمني أحد وتنكر لنا الناس حتى ما هم بالذين نعرف وتنكر لنا الحيطان حتى ما هي بالحيطان التي نعرف وتنكرت لنا الأرض حتى ما هي بالأرض التي نعرف وكنت أقوى أصحابي فكنت أخرج فأطوف في السوق فآتي المسجد وآتي النبي صلى الله عليه و سلم فأسلم عليه وأقول: هل حرك شفتيه بالسلام فإذا قمت أصلي إلى سارية وأقبلت على صلاتي نظر إلي النبي صلى الله عليه و سلم بمؤخر عينيه وإذا نظرت إليه أعرض عني واشتكى صاحباي فجعلا يبكيان الليل والنهار ولا يطلعان رؤوسهما.
قال: فبينا أنا أطوف في الأسواق إذا رجل نصراني قد جاء بطعام له يبيعه يقول: من يدل على كعب بن مالك فطفق الناس يشيرون له إلي فأتاني وأتى بصحيفة من ملك غسان فإذا فيها: أما بعد فإنه بلغني أن صاحبك قد جفاك وأقصاك ولست بدار هوان ولا مضيعة فألحق بنا نواسك فقلت: هذا أيضا من البلاء فسجرت لها التنور فأحرقتها فيه.

فلما مضت أربعون ليلة إذا رسول من النبي صلى الله عليه و سلم قد أتاني فقال: اعتزل امرأتك فقلت: أطلقها؟ قال: لا ولكن لا تقربها فجاءت امرأة هلال بن أمية فقالت: يا نبي الله إن هلال بن أمية شيخ ضعيف فهل تأذن لي أن أخدمه قال: (نعم ولكن لا يقربنك) قالت: يا نبي الله ما به حركة لشيء ما زال متكئا يبكي الليل والنهار مذ كان من أمره ما كان.
قال كعب: فلما طال علي البلاء اقتحمت على أبي قتادة حائطه ـ وهو ابن عمي ـ فسلمت عليه فلم يرد علي فقلت: أنشدك الله يا أبا قتادة أتعلم أني احب الله ورسوله؟ فسكت فقلت: أنشدك الله يا أبا قتادة أتعلم أني أحب الله ورسوله؟ فسكت فقلت: أنشدك الله يا ابا قتادة أتعلم أني أحب الله ورسوله فقال: الله ورسوله أعلم قال: فلم املك نفسي ان بكيت ثم اقتحمت الحائط خارجا حتى إذا مضت خمسون ليلة من حين نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن كلامنا صليت على ظهر بيت لنا صلاة الفجر وأنا في المنزلة التي قال الله: قد ضاقت علينا الأرض بما رحبت وضاقت علينا أنفسنا إذ سمعت نداء من ذروة سلع أن أبشر يا كعب بن مالك فخرجت ساجدا وعرفت أن الله قد جاءنا بالفرج ثم جاء رجل يركض على فرس يبشرني فكان الصوت أسرع من فرسه فأعطيته ثوبي بشارة ولبست ثوبين آخرين. وكانت توبتنا نزلت على النبي صلى الله عليه و سلم ثلث الليل فقالت أم سلمة: يا نبي الله ألا نبشر كعب بن مالك فقال: (إذا يحطمكم الناس ويمنعونكم النوم سائر الليلة).

قال: وكانت أم سلمة محسنة في شأني تخبرني بأمري فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه و سلم فإذا هو جالس في المجسد وحوله المسلمون وهو يستنير كاستنار القمر وكان إذا سر بالأمر استنار فجئت فجلست بين يديه فقال: (يا كعب بن مالك أبشر يخير يوم أتى عليك منذ ولدتك امك) قال: فقلت: يا نبي الله أمن عند الله ام من عندك؟ قال: (بل من عند الله) ثم تلا عليهم: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار} حتى بلغ {هو التواب الرحيم} قال: وفينا نزلت {اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} قال: فقلت: يا نبي الله إن من توبتي أني لا أحدث إلا صدقا وأن أنخلع من مالي كله صدقة إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه و سلم فقال (أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك) قال: فقلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر قال: فما أنعم الله علي من نعمة بعد الإسلام اعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلى الله عليه و سلم حين صدقته أنا وصاحباي أن لا نكون كذبنا فهلكنا كما هلكوا وما تعمدت لكذبة بعد وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي.

صدقوا رسول الله فجعلهم الله من الصادقين وذكرهم قي قرآنه
***************************************
= {{لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة: 117]}}.
{{وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [التوبة: 118]}}.

صحيح البخارى: عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال (بينما ثلاثة نفر ممن كان قبلكم يمشون إذ أصابهم مطر فأووا إلى غار فانطبق عليهم فقال بعضهم لبعض إنه والله يا هؤلاء لا ينجيكم إلا الصدق فليدع كل رجل منكم بما يعلم أنه قد صدق فيه.
فقال واحد منهم اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي أجير عمل لي على فرق من أرز فذهب وتركه وإني عمدت إلى ذلك الفرق فزرعته فصار من أمره أني اشتريت منه بقرا وأنه أتاني يطب أجره فقلت اعمد إلى تلك البقر فسقها فقال لي إنما لي عندك فرق من أرز فقلت له اعمد إلى تلك البقر فإنها من ذلك الفرق فساقها فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا فانساحت عنهم الصخرة.
فقال الآخر اللهم إن كنت تعلم كان لي أبوان شيخان كبيران فكنت آتيهما كل ليلة بلبن غنم لي فأبطأت عليهما ليلة فجئت وقد رقدا وأهلي وعيالي يتضاغون من الجوع فكنت لا أسقيهم حتى يشرب أبواي فكرهت أن أوقظهما وكرهت أن أدعهما فيستكنا لشربتهما فلم أزل أنتظر حتى طلع الفجر فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا فانساحت عنهم الصخرة حتى نظروا إلى السماء.
فقال الآخر اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي ابنة عم من أحب الناس إلي وأني راودتها عن نفسها فأبت إلا أن آتيها بمائة دينار فطلبتها حتى قدرت فأتيت بها فدفعتها إليها فأمكنتني من نفسها فلما قعدت بين رجليها قالت اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه فقمت وتركت المائة دينار فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا ففرج الله عنهم فخرجوا).
صحيح مسلم: عن عبدالله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الصدق يهدي إلى البر. وإن البر يهدي إلى الجنة. وإن الرجل ليصدق حتى يكتب صديقا. وإن الكذب يهدي إلى الفجور. وإن الفجور يهدي إلى النار. وإن الرجل ليكذب حتى يكتب كذابا".

مشكل الآثار للطحاوي: عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الصدق طمأنينة، والكذب ريبة». قال أبو جعفر: والطمأنينة معها حسن الخلق، والريبة معها سوء الخلق وما يتردد في الصدور.
صحيح البخارى: عبد الله بن عباس أخبره أن أبا سفيان بن حرب أخبره أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش وكانوا تجارا بالشأم في المدة التي كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ماد فيها ابا سفيان وكفار قريش فأتوه وهم بإيلياء فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم ثم دعاهم ودعا بترجمانه فقال: أيكم أقرب نسبا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ فقال أبو سفيان فقلت أنا أقربهم نسبا فقال أدنوه مني وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره ثم قال لترجمانه قل لهم إني سائل عن هذا الرجل فإن كذبني فكذبوه فوالله لولا الحياء من أن يأثروا علي كذبا لكذبت عنه.
ثم كان أول ما سألني عنه أن قال كيف نسبه فيكم؟ قلت هو فينا ذو نسب. قال فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله؟ قلت لا. قال فهل كان من آبائه من ملك؟ قلت لا. قال فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ فقلت بل ضعفاؤهم. قال أيزيدون أم ينقصون؟ قلت بل يزيدون. قال فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قلت لا. قال فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت لا. قال فهل يغدر؟ قلت لا ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها. قال ولم تمكني كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه الكلمة. قال فهل قاتلتموه؟ قلت نعم. قال فكيف كان قتالكم إياه؟ قلت الحرب بيننا وبينه سجال ينال منا وننال منه. قال ماذا يأمركم؟ قلت يقول اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيء واتركوا ما يقول آباؤكم ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة.

فقال للترجمان قل له سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها. وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول فذكرت أن لا فقلت لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت رجل يأتسي بقول قيل قبله. وسألتك هل كان من آبائه من ملك فذكرت أن لا قلت فلو كان من آبائه من ملك قلت رجل يطلب ملك أبيه. وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال فذكرت أن لا فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله. وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم فذكرت أن ضعفاؤهم اتبعوه وهم أتباع الرسل وسألتك أيزيدون أم ينقصون فذكرت أنهم يزيدون وكذلك أمر الإيمان حتى يتم. وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه فذكرت أن لا وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب. وسألتك هل يغدر فذكرت أن لا وكذلك الرسل لا تغدر. وسألتك بما يأمركم فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وينهاكم عن عبادة الأوثان ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف.

فإن كان ما تقول حقا فسيملك موضع قدمي هاتين وقد كنت أعلم أنه خارج لم أكن أظن أنه منكم فلو أني أعلم حتى أخلص إليه لتجشمت لقاءه ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه. ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي بعث به دحية إلى عظيم بصرى فدفعه إلى هرقل فقرأه فإذا فيه (بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين و {يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون}) قال أبو سفيان فلما قال ما قال وفرغ من قراءة الكتاب كثر عنده الصخب وارتفعت الأصوات وأخرجنا فقلت لأصحابي حين أخرجنا لقد أمر ابن أبي كبشة إنه يخافه ملك نبي الأصفر. فما زلت موقنا أنه سيظهر حتى أدخل الله علي الإسلام.
)))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: ولتنظر نفس ما قدمت لغد
************************
((من سن في الإسلام سنة حسنة - من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه
ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا - كان ملك فيمن كان قبلكم - كان جريج يتعبد في صومعة
ودعوة الوالد على ولده))
**********************
= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر: 18]}}.
تفسير القرطبي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ} في أوامره ونواهيه، وأداء فرائضه واجتناب معاصيه.

{وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الحشر: 18] تصدق رجل من ديناره من ثوبه من صاع بره - حتى قال - ولو بشق تمرة. قال: فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها بل قد عجزت، قال: ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مذهبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء".
{وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} فآثار المرء التي تبقى وتذكر بعد الإنسان من خير أو شر يجازى عليها: من أثر حسن؛ كعلم علموه، أو كتاب صنفوه، أو حبيس احتبسوه، أو بناء بنوه من مسجد أو رباط أو قنطرة أو نحو ذلك. أو سيئ كوظيفة وظفها بعض الظلام على المسلمين، وسكة أحدثها فيها تخسيرهم، أو شيء أحدثه فيه صد عن ذكر الله من ألحان وملاه، وكذلك كل سنة حسنة، أو سيئة يستن بها. وقيل: هي آثار المشائين إلى المساجد. {وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} يعني يوم القيامة. والعرب تكني عن المستقبل بالغد. وقيل: ذكر الغد تنبيها على أن الساعة قريبة.

صحيح مسلم: عن المنذر بن جرير، عن أبيه؛ قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار. قال: فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار أو العباء. متقلدي السيوف. عامتهم من مضر. بل كلهم من مضر. فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة. فدخل ثم خرج. فأمر بلال فإذن وأقام. فصلى ثم خطب فقال: " {يا أيها الناس! اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة} [4 /النساء/ الآية 1] إلى آخر الآية. {إن الله كان عليكم رقيبا}. والآية التي في الحشر: {اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله} [59/الحشر/ الآية 18] تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره (حتى قال) ولو بشق تمرة "قال: فجاء رجل من الانصار بصرة كادت كفه تعجز عنها. بل قد عجزت. قال: ثم تتابع الناس. حتى رأيت كومين من طعام وثبات. رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل. كأنه مذهبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سن في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها، وأجر من عمل بها بعده. من غير أن ينقص من أجورهم شيء. ومن سن في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده. من غير أن ينقص من أوزارهم شيء".
فتح الباري لابن حجر: عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من اجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الأثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا. وقال مجاهد في قوله تعالى ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم قال حملهم ذنوب أنفسهم وذنوب من أطاعهم ولا يخفف ذلك عمن أطاعهم شيئا.

فقه السنة للسيد سابق: " أما ما ينتفع به من أعمال البر الصادرة عن غيره فبيانها فيما يلي: 1 - الدعاء والاستغفار له، وهذا مجمع عليه لقول الله تعالى: (والذين جاؤا من بعدهم يقولون: ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم)، وتقدم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: " إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء " وحفظ من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم اغفر لحينا وميتنا " ولا زال السلف والخلف يدعون للاموات ويسألون لهم الرحمة والغفران دون إنكار من أحد. 2 - الصدقة: وقد حكى النووي الاجماع على أنها تقع عن الميت ويصله ثوابها سواء كانت من ولد أو غيره، لما رواه أحمد ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة: أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أبي مات وترك مالا ولم يوص، فهل يكفر عنه أن أتصدق عنه؟ قال: " نعم ". وعن الحسن عن سعد ابن عبادة. أن امه ماتت. فقال: يارسول الله: إن أمي ماتت، أفأتصدق عنها؟ قال: " نعم ". قلت: فأي الصدقة أفضل؟ قال: " سقي الماء " قال الحسن: فتلك سقاية آل سعد بالمدينة. رواه أحمد والنسائي وغيرهما. ولا يشرع إخراجها عند المقابر، ويكره إخراجها مع الجنازة.

صحيح مسلم: عن صهيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "كان ملك فيمن كان قبلكم. وكان له ساحر. فلما كبر قال للملك: إني قد كبرت. فابعث إلي غلاما أعلمه السحر. فبعث إليه غلاما يعلمه. فكان في طريقه، إذا سلك، راهب. فقعد إليه وسمع كلامه. فأعجبه. فكان إذا أتى الساحر مر بالراهب وقعد إليه. فإذا أتى الساحر ضربه. فشكا ذلك إلى الراهب. فقال: إذا خشيت الساحر فقل: حبسني أهلي. وإذا خشيت أهلك فقل: حبسني الساحر. فبينما هو كذلك إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس. فقال: اليوم أعلم آلساحر أفضل أم الراهب أفضل؟ فأخذ حجرا فقال: اللهم! إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة. حتى يمضي الناس. فرماها فقتلها. ومضى الناس. فأتى الراهب فأخبره. فقال له الراهب: أي بني! أنت، اليوم، أفضل مني. قد بلغ من أمرك ما أرى. وإنك ستبتلى. فإن ابتليت فلا تدل علي. وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص ويداوي الناس من سائر الأدواء. فسمع جليس للملك كان قد عمي. فأتاه بهدايا كثيرة. فقال: ما ههنا لك أجمع، إن أنت شفيتني. فقال: إني لا أشفي أحدا. إنما يشفي الله. فإن أنت آمنت بالله دعوت الله فشفاك. فآمن بالله. فشفاه الله. فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس. فقال له الملك: من رد عليك بصرك؟ قال: ربي. قال: ولك رب غيري؟ قال: ربي وربك الله. فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام. فجئ بالغلام. فقال له الملك: أي بني! قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل. فقال: إني لا أشفي أحدا. إنما يشفي الله. فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب. فجئ بالراهب. فقيل له: ارجع عن دينك. فأبى. فدعا بالمئشار. فوضع المئشار على مفرق رأسه. فشقه حتى وقع شقاه. ثم جئ بجليس الملك فقيل له: ارجع عن دينك. فأبى. فوضع المئشار في مفرق رأسه. فشقه به حتى وقع شقاه. ثم جئ بالغلام فقيل له: ارجع عن دينك. فأبى.

فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا.

صحيح البخارى: قال أبو هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (نادت امرأة ابنها وهو في صومعة قالت يا جريج قال اللهم أمي وصلاتي قالت اللهم لا يموت جريج حتى ينظر في وجه الميامس. وكانت تأوي إلى صومعته راعية ترعى الغنم فولدت فقيل لها ممن هذا الولد؟ قالت من جريج نزل من صومعته قال جريج أين هذه التي تزعم أن ولدها لي؟ قال يا بابوس من أبوك؟ قال راعي الغنم)
صحيح مسلم: عن أبي هريرة؛ أنه قال: كان جريج يتعبد في صومعة. فجاءت أمه. قال حميد: فوصف لنا أبو رافع صفة أبي هريرة لصفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أمه حين دعته. كيف جعلت كفها فوق حاجبها. ثم رفعت رأسها إليه تدعوه. فقالت: ياجريج! أنا أمك. كلمني. فصادفته يصلي. فقال: اللهم! أمي وصلاتي. فاختار صلاته. فرجعت ثم عادت في الثانية. فقالت: ياجريج! أنا أمك. فكلمني. قال: اللهم! أمي وصلاتي. فاختار صلاته. فقالت: اللهم! إن هذا جريج. وهو ابني. وإني كلمته فأبى أن يكلمني. اللهم! فلا تمته حتى تريه المومسات. قال: ولو دعت عليه أن يفتن لفتن. قال: وكان راعي ضأن يأوي إلى ديره. قال فخرجت امرأة من القرية فوقع عليها الراعي. فحملت فولدت غلاما. فقيل لها: ما هذا؟ قالت: من صاحب هذا الدير. قال فجاءوا بفؤسهم ومساحيهم. فنادوه فصادفوه يصلي. فلم يكلمهم. قال فأخذوا يهدمون ديره. فلما رأى ذلك نزل إليهم. فقالوا له: سل هذه. قال فتبسم ثم مسح رأس الصبي فقال: من أبوك؟ قال: أبي راعي الضأن. فلما سمعوا ذلك منه قالوا: نبني ما هدمنا من ديرك بالذهب والفضة. قال: لا. ولكن أعيدوه ترابا كما كان. ثم علاه.

شعب الإيمان: حدثني يزيد بن حوشب الفهري عن أبيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: و في رواية الصفار قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: لو كان جريج الراهب فقيها عالما لعلم أن إجابته أمه أفضل من عبادة ربه. صحيح ابن حبان: عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال: (ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم ودعوة المسافر ودعوة الوالد على ولده).
صحيح أبي داود: عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن دعوة الوالد ودعوة المسافر ودعوة المظلوم.
فقه السنة للسيد سابق: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة الوالد، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم ". وقال: " ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حين يفطر، والامام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ويفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب: وعزتي لانصرنك ولو بعد حين ". دعاء الاخ لاخيه بظهر الغيب. وعن صفوان بن عبد الله رضي الله عنه قال: قدمت الشام فأتيت أبا الدرداء في منزله فلم أجده، ووجدت أم الدرداء، فقالت: أتريد الحج العام؟ قلت: نعم. قالت: فادع الله لنا بخير، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: " دعوة المسلم لاخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل، كلما دعا لاخيه بخير، قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل ". وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أسرع الدعاء إجابة دعوة غائب لغائب. وعن عمر قال: استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة فأذن لي، وقال: " لا تنسنا يا أخي من دعائك. " فقال عمر: كلمة ما يسرني أن لي بها الدنيا.
))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: اجتنبوا كثيرا من الظن
**********************

((مالي أرى خضرة اللحم في أفواهكما - ولكنكما ظلتما تأكلان لحم سلمان وأسامة - فإن الظن أكذب الحديث - لم أعزله من عجز ولا خيانة - اهل الكوفة شكوا سعدا - فإذا أنا مت فاحرقوني واسحقوني))
*******************************************
= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ [الحجرات: 12]}}.
= {{مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ [النساء: 157]}}. - {{إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ [الأنعام: 116]}}.
{{إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا [يونس: 36]}}. {{إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ [النجم: 23]}}.

تفسير القرطبي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ} قيل: إنها نزلت في رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم اغتابا رفيقهما. وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر ضم الرجل المحتاج إلى الرجلين الموسرين فيخدمهما. فضم سلمان إلى رجلين، فتقدم سلمان إلى المنزل فغلبته عيناه فنام ولم يهيئ لهما شيئا، فجاءا فلم يجدا طعاما وإداما، فقالا له: انطلق فاطلب لنا من النبي صلى الله عليه وسلم طعاما وإداما، فذهب فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "اذهب إلى أسامة بن زيد فقل له إن كان عندك فضل من طعام فليعطك" وكان أسامة خازن النبي صلى الله عليه وسلم، فذهب إليه، فقال أسامة: ما عندي شيء، فرجع إليهما فأخبرهما، فقالا: قد كان عنده ولكنه بخل. ثم بعثا سلمان إلى طائفة من الصحابة فلم يجد عندهم شيئا، فقالا: لو بعثنا سلمان إلى بئر سُمَيحة لغار ماؤها. ثم انطلقا يتجسسان هل عند أسامة شيء، فرآهما النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "مالي أرى خضرة اللحم في أفواهكما" فقالا: يا نبي الله، والله ما أكلنا في يومنا هذا لحما ولا غيره. فقال: "ولكنكما ظلتما تأكلان لحم سلمان وأسامة" فنزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}.
فالظن في الآية هو التهمة. ومحل التحذير والنهي إنما هو تهمة لا سبب لها يوجبها، كمن يتهم بالفاحشة أو بشرب الخمر مثلا ولم يظهر عليه ما يقتضي ذلك. ودليل كون الظن هنا بمعنى التهمة قوله تعالى: {وَلا تَجَسَّسُوا} وذلك أنه قد يقع له خاطر التهمة ابتداء ويريد أن يتجسس خبر ذلك ويبحث عنه، ويتبصر ويستمع لتحقيق ما وقع له من تلك التهمة. فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك. وإن شئت قلت: والذي يميز الظنون التي يجب اجتنابها عما سواها، أن كل ما لم تعرف له أمارة صحيحة وسبب ظاهر كان حراما واجب الاجتناب.

صحيح البخارى: باب {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا} [ش: (الظن) التوهم وعدم التحقيق في الأمور والحكم على الشيء بدون دليل. (بعض الظن) وهو الظن السئ بالمسلمين. (إثم) موقع في الإثم. (تجسسوا) من التجسس وهو تتبع عورات الناس والبحث عنها].
وعن أبي هريرة: عن النبي صلى الله عليه و سلم قال (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخوانا).

وعن جابر بن سمرة قال: شكا أهل الكوفة سعدا إلى عمر رضي الله عنه فعزله, (وقال: إنى لم أعزله من عجز ولا خيانة). واستعمل عليهم عمارا فشكوا حتى ذكروا أنه لا يحسن يصلي فأرسل اليه فقال يا أبا إسحق إن هؤلاء يزعمون انك لا تحسن تصلي؟ قال أبو إسحق أما أنا والله فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم ماأخرم عنها أصلي صلاة العشاء فأركد في الاولين وأخف في الأخريين. قال ذاك الظن بك يا أبا إسحق. فأرسل معه رجلا أو رجالا إلى الكوفة فسأل عنه أهل الكوفه ولم يدع مسجدا إلا سأل عنه ويثنون معروفا حتى دخل مسجدا لبني عبس فقام رجل منهم يقال له أسامة بن قتادة يكنى أبا سعدة قال أما إذ نشدتنا فإن سعدا كان لا يسير بالسرية ولا يقسم بالسوية ولا يعدل في القضية. قال سعد أما والله لأدعون بثلاث اللهم إن كان عبدك هذا كاذبا قام رياء وسمعة فأطل عمره واطل فقره وعرضه بالفتن. وكان بعد إذا سئل يقول شيخ كبيرمفتون أصابتني دعوة سعد. قال عبد الملك فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر وإنه ليتعرض للجواري في الطرق يغمزهن.

شرح النووي على مسلم: قوله (ان اهل الكوفة شكوا سعدا) هو سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه والكوفة هي البلدة المعروفة ودار الفضل ومحل الفضلاء بناها عمر بن الخطاب رضى الله عنه أعنى أمر نوابه ببنائها هي والبصرة قيل سميت كوفة لاستدارتها تقول العرب رأيت كوفا وكوفانا للرمل المستدير وقيل لاجتماع الناس فيها تقول العرب تكوف الرمل اذا استدار وركب بعضه بعضا وقيل لأن ترابها خالطه حصى وكل ما كان كذلك سمى كوفة. قوله (فذكروا من صلاته) أي أنه لا يحسن الصلاة قوله (فأرسل إليه عمر رضى الله عنه) فيه أن الامام اذا شكى إليه نائبه بعث إليه واستفسره عن ذلك وأنه اذا خاف مفسدة باستمراره في ولايته ووقوع فتنة عزله فلهذا عزله عمر رضى الله عنه مع أنه لم يكن فيه خلل ولم يثبت ما يقدح في ولايته وأهليته.
صحيح ابن حبان: جاءت أم المؤمنين حفصة والنساء يسترنها فلما رأيناها قمنا فمكثت عنده ساعة ثم استأذن الرجال فولجت داخلا ثم سمعنا بكاءها من الداخل فقيل له: أوص يا أمير المؤمنين استخلف قال: ما أرى أحدا أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر الذين توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو عنهم راض فسمى عليا وطلحة و عثمان والزبير و عبد الرحمن بن عوف و سعدا رضي الله عنهم قال: وليشهد عبد الله بن عمر وليس له من الأمر شيء كهيئة التعزية له فإن أصاب الأمر سعدا فهو ذلك وإلا فليستعن به أيكم ما أمر فإني لم أعزله من عجز ولا خيانة.

صحيح البخارى: عن حذيفة: عن النبي صلى الله عليه و سلم قال (كان رجل ممن كان قبلكم يسيء الظن بعمله فقال لأهله إذا أنا مت فخذوني فذروني في البحر في يوم صائف ففعلوا به فجمعه الله ثم قال ما حملك على الذي صنعت؟ قال ما حملني إلا مخافتك فغفر له). [ش: (رجل) من بني إسرائيل. (يسيء الظن) يتوقع أن يناله بسببه عقاب شديد. (بعمله) الذي كان معصية وكان ينبش القبور ويأخذ ما فيها (فذروني) فرقوا أعضائي وألقوها أو فرقوا رمادي بعد حرقي. (صائف) شديد الحر حتى تتمزق أعضاؤه وتتبعثر أو تفرق الريح رماده بشدة].
صحيح ابن حبان: عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (كان رجل فيمن كان قبلكم لم يبتئر عند الله خيرا قط قال لبنيه عند الموت: يا بني أي أب كنت لكم؟ قالوا: خير أب قال: فإذا أنا مت فاحرقوني واسحقوني فإذا كان في يوم ريح عاصف فذروني قال: فمات ففعل به ذلك فقال له: كن فكان كأسرع من طرفة العين فقال الله: يا عبدي ما حملك على ما فعلت؟ فقال: مخافتك أي رب قال: فما تلافاه أن غفر له).
)))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: ادخلوا في السلم كافة
**********************
((الإسلام ثمانية أسهم الإسلام - لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني - ما عندك يا ثمامة -
ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه -
فحسن اخلاق النبي وسماحته وحكمتة في العفو كانت داعية الي اسلام المعاندين من اهل الكفر -
يسبق حلمه جهله ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما))
******************************************************
((السلم الإسلام، والسلم الصلح، والسلم الاستسلام))
= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [البقرة: 208]}}.

= {{وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الأنفال: 61]}}.
= {{فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا [النساء: 90]}}.
تفسير القرطبي: لما بين الله سبحانه الناس إلى مؤمن وكافر ومنافق فقال: كونوا على ملة واحدة، واجتمعوا على الإسلام واثبتوا عليه. فالسلم هنا بمعنى الإسلام. وقال حذيفة بن اليمان في هذه الآية: الإسلام ثمانية أسهم، الصلاة سهم، والزكاة سهم، والصوم سهم، والحج سهم، والعمرة سهم، والجهاد سهم، والأمر بالمعروف سهم، والنهي عن المنكر سهم، وقد خاب من لا سهم له في الإسلام. وقال ابن عباس: "نزلت الآية في أهل الكتاب، والمعنى، يا أيها الذين آمنوا بموسى وعيسى ادخلوا في الإسلام بمحمد صلى الله عليه وسلم كافة". وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن، بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار". و"كافة" معناه جميعا.

فقه السنة للسيد سابق: (اولا): {{يقول الله تعالي: وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين - وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين}}.

وقد تضمنت هذه الايات ما يأتي: 1 - الامر بقتال الذين يبدءون بالعدوان ومقاتلة المعتدين، لكف عدوانهم. والمقاتلة دفاعا عن النفس أمر مشروع في كل الشرائع، وفي جميع المذاهب، وهذا واضح من قوله تعالى: " وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم " 2 - أما الذين لا يبدءون بعدوان، فإنه لا يجوز قتالهم ابتداء، لان الله نهى عن الاعتداء، وحرم البغي والظلم في قوله: " ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ". 3 - وتعليل النهي عن العدوان بأن الله لا يحب المعتدين دليل على أن هذا النهي محكم غير قابل للنسخ، لان هذا إخبار والاخبار لا يدخله النسخ لان الاعتداء هو الظلم، والله لا يحب الظلم أبدا. 4 - أن لهذه الحرب المشروعة غاية تنتهي إليها، وهي منع فتنة المؤمنين والمؤمنات، بترك إيذائهم، وترك حرياتهم ليمارسوا عبادة الله ويقيموا دينه، وهم آمنون على أنفسهم من كل عدوان.
(ثانيا): القتال في سبيل المستضعفين، الذين أسلموا بمكة، ولم يستطيعوا الهجرة، فعذبتهم قريش وفتنتهم حتى طلبوا من الله الخلاص فهؤلاء لا غنى لهم عن الحماية التي تدفع عنهم أذى الظالمين، وتمكنهم من الحرية، فيما يدينون ويعتقدون.
(ثالثا): يقول الله سبحانه: " فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم، فما جعل الله لكم عليهم سبيلا فهؤلاء القوم الذين لم يقاتلوا قومهم، ولم يقاتلوا المسلمين واعتزلوا محاربة الفريقين، وكان اعتزالهم هذا اعتزالا حقيقيا يريدون به السلام، فهؤلاء لا سبيل للمؤمنين عليهم.
(رابعا): أن الله تعالى يقول: " وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم - وإن يريدوا أن يخدعوكم فإن حسبك الله ". ففي هذه الآية الامر بالجنوح إلى السلم إذا جنح العدو إليها، حتى ولو كان جنوحه خداعا ومكرا.

(خامسا): أن حروب الرسول صلى الله عليه وسلم كانت كلها دفاعا، ليس فيها شئ من العدوان. وقتال المشركين من العرب، ونبذ عهودهم بعد فتح مكة كان جاريا على هذه القاعدة. وهذا بين في قوله تعالى: " ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدؤوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين - قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين - ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء الله عليم حكيم ". ولما تجمعوا جميعا ورموا المسلمين عن قوس واحدة، أمر الله بقتالهم جميعا يقول الله سبحانه: " وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم.
وأما قتال اليهود، فإنهم كانوا قد عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هجرته، ثم لم يلبثوا أن نقضوا العهد وانضموا إلى المشركين والمنافقين ضد المسلمين، ووقفوا محاربين لهم في غزوة الاحزاب، فأنزل الله سبحانه: " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله، ولا باليوم الآخر، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله، ولا يدينون دين الحق من الذين أوتو الكتاب، حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ". وقال أيضا: " يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار، وليجدوا فيكم غلظة، واعلموا أن الله مع المتقين ".
(سادسا)؛: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على امرأة مقتولة، فقال: " ما كانت هذه لتقاتل ". فعلم من هذا أن العلة في تحريم قتلها أنها لم تكن تقاتل مع المقاتلين، فكانت مقاتلتهم لنا هي سبب مقاتلتنا لهم، ولم يكن الكفر هو السبب.
(سابعا): أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الرهبان والصبيان، لنفس السبب الذي نهى من أجله عن قتل المرأة.

(ثامنا): أن الاسلام لم يجعل الاكراه وسيلة من وسائل الدخول في الدين، بل جعل وسيلة ذلك استعمال العقل وإعمال الفكر، والنظر في ملكوت السموات والارض. يقول الله سبحانه: " ولو شاء ربك لآمن من في الارض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين، وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون - قل انظروا ماذا في السموات والارض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون ". وقال: " لاإكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ". وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأسر الاسرى، ولم يعرف أنه أكره أحدا منهم على الاسلام. وكذلك كان أصحابه يفعلون: عن أبي هريرة " أن ثمامة الحنفي أسر وكان النبي صلى الله عليه وسلم يغدو عليه فيقول: " ما عندك يا ثمامة؟. . ". فيقول: إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تمنن تمنن على شاكر، وإن ترد المال نعطك منه ما شئت. وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبون الفداء، ويقولون: ما نصنع بقتل هذا، فمر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم، فحله، وبعث به إلى حائط أبي طلحة، وأمره أن يغتسل، فاغتسل وصلى ركعتين. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لقد حسن إسلام أخيكم ".
أما النصارى وغيرهم فلم يقاتل الرسول صلى الله عليه وسلم أحدا منهم. حتى أرسل رسله بعد صلح الحديبية إلى جميع الملوك يدعوهم إلى الاسلام، فأرسل إلى قيصر، وإلى كسرى، وإلى المقوقس، وإلى النجاشي وملوك العرب بالشرق والشام، فدخل في الاسلام من النصارى وغيرهم من دخل، فعمد النصارى بالشام فقتلوا بعض من قد أسلم. فالنصارى حاربوا المسلمين أولا، وقتلوا من أسلم منهم بغيا وظلما.

فلما بدأ النصارى بقتل المسلمين أرسل الرسول سرية أمر عليها زيد بن حارثة، ثم جعفرا، ثم أمر عبد الله بن رواحة، وهو أول قتال قاتله المسلمون للنصارى - بمؤتة من أرض الشام - واجتمع على أصحابه خلق كثير من النصارى، واستشهد الامراء رضي الله عنهم، وأخذ الراية خالد بن الوليد. ومما تقدم يتبين بجلاء، أن الاسلام لم يأذن بالحرب إلا دفعا للعدوان، وحماية للدعوة، ومنعا للاضطهاد، وكفاية لحرية التدين، فإنها حينئذ تكون فريضة من فرائض الدين، وواجبا من واجباته المقدسة ويطلق عليها اسم " الجهاد ", والجهاد مأخوذ من الجهد وهو الطاقة والمشقة، يقال: جاهد يجاهد جهادا ومجاهدة، إذا استفرغ وسعه، وبذل طاقته، وتحمل المشاق في مقاتلة العدو ومدافعته، وهوما يعبر عنه بالحرب في العرف الحديث، والحرب هي القتال المسلح بين دولتين فأكثر، وهي أمر طبيعي في البشر، لاتكاد تخلو منه أمة ولا جيل وقد أقرته الشرائع الالهية السابقة. ففي أسفار التوراة التي يتداولها اليهود، تقرير شريعة الحرب والقتال في أبشع صورة من صور التخريب والتدمير والاهلاك والسبي.

صحيح الترغيب والترهيب: وعن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الإسلام ثمانية أسهم الإسلام سهم والصلاة سهم والزكاة سهم والصوم سهم وحج البيت سهم والأمر بالمعروف سهم والنهي عن المنكر سهم والجهاد في سبيل الله سهم وقد خاب من لا سهم له.
صحيح مسلم: عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من الأنبياء من نبي إلا قد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر. وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحى الله إلي. فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة". وعن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال: "والذي نفسي محمد بيده! لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار".

صحيح البخارى: عن ابي هريرة رضي الله عنه قال: بعث النبي صلى الله عليه و سلم خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال فربطوه بسارية من سواري المسجد فخرج إليه النبي صلى الله عليه و سلم فقال (ما عندك يا ثمامة). فقال عندي خير يا محمد إن تقتلني تقتل ذا دم وإن تنعم تنعم على شاكر وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت. فترك حتى كان الغد فقال (ما عندك يا ثمامة). فقال ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر فتركه حتى كان بعد الغد فقال ما عندك يا ثمامة فقال عندي ما قلت لك فقال (أطلقوا ثمامة). فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله يا محمد والله ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلي والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك فأصبح دينك أحب دين إلي والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد إلي وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى؟. فبشره رسول الله صلى الله عليه و سلم وأمره أن يعتمر فلما قدم مكة قال له قائل صبوت قال لا ولكن أسلمت مع محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي صلى الله عليه و سلم.
فحسن اخلاق النبي وسماحته وحكمتة في العفو كانت داعية الي اسلام المعاندين من اهل الكفر.
************************

شرح النووي على مسلم: (فجاء رجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال فربطوه بسارية من سوارى المسجد) وفي هذا جواز ربط الأسير وحبسه وجواز إدخال المسجد الكافر ومذهب الشافعي جوازه بإذن مسلم سواء كان الكافر كتابيا أو غيره. وقال عمر بن عبد العزيز وقتادة ومالك لا يجوز. وقال أبو حنيفة رضي الله عنه يجوز لكتابي دون غيره ودليلنا على الجميع هذا الحديث وأما قوله تعالى إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام فهو خاص بالحرم ونحن نقول لا يجوز إدخاله الحرم والله أعلم.

سنن النسائي الكبرى: عن عبد الله بن جعفر قال: بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم جيشا واستعمل عليهم زيد بن حارثة وقال إن قتل زيد أو استشهد فأميركم جعفر بن أبي طالب فإن قتل جعفر أو استشهد فأميركم عبد الله بن رواحة فلقوا العدو فأخذ الراية زيد فقاتل حتى قتل ثم أخذ الراية جعفر فقاتل حتى قتل ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحة فقاتل حتى قتل ثم أخذ الراية خالد بن الوليد ففتح الله عليه فأتى خبرهم النبي صلى الله عليه و سلم فخرج إلى الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن إخوانكم لقوا العدو فأخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل حتى قتل أو استشهد ثم أخذ الراية جعفر فقاتل حتى قتل أو استشهد ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحة فقاتل حتى قتل أو استشهد ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله خالد بن الوليد ففتح الله عليه ثم أمهل آل جعفر ثلاثا أن يأتيهم ثم أتاهم فقال لا تبكوا على أخي بعد اليوم ثم قال ادعوا لي بني أخي فجيء بنا كأننا أفرخ فقال ادعوا لي الحلاق فأمره فحلق رؤوسنا ثم قال أما محمد فشبيه عمنا أبي طالب وأما عبد الله فشبيه خلقي وخلقي ثم أخذ بيدي فأسالها فقال اللهم اخلف جعفرا في أهله وبارك لعبد الله في صفقة يمينه ثلاثا.

صحيح ابن حبان: قال عبد الله بن سلام: إن الله تبارك وتعالى لما أراد هدى زيد بن سعنة قال زيد بن سعنة: إنه لم يبق من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتها في وجه محمد صلى الله عليه و سلم حين نظرت إليه إلا أثنين لم أخبرهما منه: يسبق حلمه جهله ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما فكنت اتلطف له لأن أخالطه فأعرف حلمه وجهله قال: فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم من الحجرات ومعه علي بن أبي طالب فأتاه رجل على راحلته كالبدوي فقال: يا رسول الله قرية بني فلان قد أسلموا ودخلوا في الإسلام كنت أخبرته أنهم إن اسلموا أتاهم الرزق رغدا وقد أصابهم شدة وقحط من الغيث وأنا أخشى يا رسول الله أن يخرجوا من الإسلام طمعا كما دخلوا فيه طمعا فإن رأيت أن ترسل إليهم من يغيثهم به فعلت قال: فنظر رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى رجل إلى جانبه أراه عمر فقال: ما بقي منه شيء يا رسول الله قال زيد بن سعنة: فدنوت إليه فقلت له: يا محمد هل لك أن تبيعني تمرا معلوما من حائط بني فلان إلى أجل كذا وكذا؟ فقال: (لا يا يهودي ولكن أبيعك تمرا معلوما إلى أجل كذا وكذا ولا أسمي حائط بن فلان) قلت: نعم فبايعني صلى الله عليه و سلم فأطلقت همياني فأعطيته ثمانين مثقالا من ذهب في تمر معلوم إلى أجل كذا وكذا قال: فأعطاها الرجل وقال: (اعجل عليهم وأغثهم بها).

قال زيد بن سعنة: فلما كان قبل محل الأجل بيومين أو ثلاثة خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم في جنازة رجل من الأنصار ومعه أبو بكر وعمر وعثمان ونفر من أصحابه فلما صلى على الجنازة دنا من جدار فجلس إليه فأخذت بمجامع قميصه ونظرت إليه بوجه غليظ ثم قلت: ألا تقضيني يا محمد حقي؟ فوالله ما علمتكم بني عبد المطلب - بمطل ولقد كان لي بمخالطتكم علم قال: ونظرت إلى عمر بن الخطاب وعيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير ثم رماني ببصره وقال: أي عدو الله أتقول لرسول الله صلى الله عليه و سلم ما أسمع وتفعل به ما أرى؟. فوالذي بعثه بالحق لولا ما أحاذر فوته لضربت بسيفي هذا عنقك ورسول الله صلى الله عليه و سلم ينظر إلى عمر في سكون وتؤدة ثم قال: (إنا كنا أحوج إلى غيرهذا منك يا عمر أن تأمرني بحسن الأداء و تأمره بحسن اتباعة اذهب به يا عمر فاقضه حقه و زده عشرين صاعا من غير مكان ما رعته).

قال زيد: فذهب بي عمر فقضاني حقي وزادني عشرين صاعا من تمر فقلت: ما هذه الزيادة؟ قال: أمرني الله صلى الله عليه و سلم أن أزيدك مكان ما رعتك فقلت: أتعرفني يا عمر؟ قال: لا فمن أنت؟ قلت: أنا زيد بن سعنة قال: الحبر؟ قلت: نعم الحبر قال: فما دعاك أن تقول لرسول الله صلى الله عليه و سلم ما قلت وتفعل به ما فعلت فقلت: يا عمر كل علامات النبوة قد عرفتها قي وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم حين نظرت إليه إلا اثنتين لم اختبرهما منه: يسبق حلمه جهله ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما فقد أختبرتهما فأشهدك يا عمر أني قد رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه و سلم نبيا وأشهدك أن شطر مالي - فإني أكثرها مالا - صدقة على أمة محمد صلى الله عليه و سلم فقال عمر أوعلى بعضهم فإنك لا تسعهم كلهم قلت: أوعلى بعضهم فرجع عمر وزيد إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال زيد: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه و سلم فآمن به وصدقه وشهد مع رسول الله صلى الله عليه و سلم مشاهد كثيرة ثم توفي في غزوة تبوك مقبلا غير مدبر)
)))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: اذا تداينتم بدين الي اجل مسمي فاكتبوه
********************************
((من أسلف في تمر فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم
قد كتبت له عمر أربعين سنة -
صاحب رأس المال محتاج إلى أن يشتري الثمرة، وصاحب الثمرة محتاج إلى ثمنها -
كتابة الدّين مندوب إليها وليست واجبةً - وتوثيق الدّين بالشّهادة - ما رأيت من ناقصات عقل))

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة: 282]}}.

تفسير القرطبي: {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ} إلى آخر الآية: " إن أول من جحد آدم عليه السلام إن الله أراه ذريته فرأى رجلا أزهر ساطعا نوره فقال يا رب من هذا قال: هذا ابنك داود، قال: يا رب فما عمره؟ قال: ستون سنة، قال: يا رب زده في عمره! فقال: لا إلا أن تزيده من عمرك، قال: وما عمري؟ قال: ألف سنة، قال آدم فقد وهبت له أربعين سنة، قال: فكتب الله عليه كتابا وأشهد عليه ملائكته فلما حضرته الوفاة جاءته الملائكة، قال: إنه بقي من عمري أربعون سنة، قالوا: إنك قد وهبتها لابنك داود، قال: ما وهبت لأحد شيئا، فأخرج الله تعالى الكتاب وشهد عليه ملائكته - في رواية: وأتم لداود مائة سنة ولآدم عمره ألف سنة ".
{إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} قال ابن المنذر: دل قول الله {إلى أجل مسمى} على أن السلم إلى الأجل المجهول غير جائز، ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على مثل معنى كتاب الله تعالى. ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يستلفون في الثمار السنتين والثلاث، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أسلف في تمر فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم".
السلم والسلف عبارتان عن معنى واحد [السَّلم] لأن السلف يقال على القرض. والسلم بيع من البيوع الجائزة بالاتفاق، مستثنى من نهيه عليه السلام عن بيع ما ليس عندك. وأرخص في السلم، لأن السلم لما كان بيع معلوم في الذمة كان بيع غائب تدعو إليه ضرورة كل واحد من المتابعين، فإن صاحب رأس المال محتاج إلى أن يشتري الثمرة، وصاحب الثمرة محتاج إلى ثمنها قبل إبانها لينفقه عليها، فظهر أن بيع السلم من المصالح الحاجية، وقد سماه الفقهاء بيع المحاويج.

شروط السلم المتفق عليها والمختلف فيها وهي تسعة: ستة في المُسْلَم فيه، وثلاثة في رأس مال السلم: أما الستة التي في المسلم فيه فأن يكون في الذمة، وأن يكون موصوفا، وأن يكون مقدرا، وأن يكون مؤجلا، وأن يكون الأجل معلوما، وأن يكون موجودا عند محل الأجل. وأما الثلاثة التي في رأس مال السلم فأن يكون معلوم الجنس، مقدرا، نقدا.
قوله تعالى: {وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ} وهو المديون المطلوب يقر على نفسه بلسانه ليعلم ما عليه. فأمر الله تعالى الذي عليه الحق بالإملاء، لأن الشهادة إنما تكون بسبب إقراره. وأمره تعالى بالتقوى فيما يمل، ونهى عن أن يبخس شيئا من الحق.
قوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً} أي كبيرا لا عقل له. {أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ} جعل الله الذي عليه الحق أربعة أصناف: مستقل بنفسه يمل، وثلاثة أصناف لا يملون: وهم السفيه والضعيف والذي لا يستطيع أن يمل.
{شَهِيدَيْنِ} رتب الله سبحانه الشهادة بحكمته في الحقوق المالية والبدنية والحدود وجعل في كل فن شهيدين إلا في الزنا. {مِنْ رِجَالِكُمْ} " نص في رفض الكفار والصبيان والنساء، وأما العبيد فاللفظ يتناولهم.
{فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} المعنى إن لم يأت الطالب برجلين فليأت برجل وامرأتين. أي فرجل وامرأتان يقومان مقامهما. أي إن لم يكن المستشهد رجلين، أي إن أغفل ذلك صاحب الحق أو قصده لعذر ما فليستشهد رجلا وامرأتين. فجعل تعالى شهادة المرأتين مع الرجل جائزة مع وجود الرجلين في هذه الآية.
{أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا} معنى تضل تنسى. والضلال عن الشهادة إنما هو نسيان جزء منها وذكر جزء.

صحيح الترمذي: عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لما خلق الله آدم ونفخ فيه الروح عطس فقال الحمد لله فحمد الله بإذنه فقال له ربه يرحمك الله يا آدم اذهب إلى أولئك الملائكة إلى ملإ منهم جلوس فقل السلام عليكم قالوا وعليك السلام ورحمة الله ثم رجع إلى ربه قال إن هذه تحيتك وتحية بنيك بينهم فقال الله له ويداه مقبوضتان اختر أيهما شئت قال اخترت يمين ربي وكلتا يدي ربي يمين مباركة ثم بسطها فإذا فيها آدم وذريته فقال أي رب ما هؤلاء فقال هؤلاء ذريتك فإذا كل إنسان مكتوب عمره بين عينيه فإذا فيهم رجل أضوؤهم أو من أضوئهم قال يا رب من هذا قال هذا ابنك داود قد كتبت له عمر أربعين سنة قال يا رب زده في عمره قال ذاك الذي كتبت له قال أي رب فإني قد جعلت له من عمري ستين سنة قال أنت وذاك قال ثم أسكن الجنة ما شاء الله ثم أهبط منها فكان آدم يعد لنفسه قال فأتاه ملك الموت فقال له آدم قد عجلت قد كتب لي ألف سنة قال بلى ولكنك جعلت لابنك داود ستين سنة فجحد فجحدت ذريته ونسي فنسيت ذريته قال فمن يومئذ أمر بالكتاب والشهود.

صحيح مسلم: عن ابن عباس. قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وهم يسلفون في الثمار، السنة والسنتين. فقال (من أسلف في تمر، فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم).
صحيح ابن ماجة: عن ابن عباس قال قدم النبي صلى الله عليه و سلم وهم يسلفون في التمر السنتين والثلاث فقال من أسلف في تمر فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم.
سبل السلام للصنعاني: "من أسلف في شيء":هو السلم وهو والسلف. وحقيقته شرعا بيع موصوف في الذمة ببدل يعطى عاجلا وهو مشروع إلاعند ابن المسيب واتفقوا على أنه يشترط فيه ما يشترط في البيع وعلى تسليم رأس المال في المجلس إلا أنه أجاز مالك تأجيل الثمن يوما أو يومين ولا بد من أن يقدر بأحد المقدارين.

صحيح البخارى: عن النبي صلى الله عليه و سلم قال (كان تاجر يداين الناس فإذا رأى معسرا قال لفتيانه تجاوزوا عنه لعل الله يتجاوز عنا فتجاوز الله عنه). [ش: (يداين الناس) يبيعهم مع تأخير الثمن إلى أجل]. {وان كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون} [البقرة: 280]. [ش (وإن كان ذو عسرة) إن كان المدين معسرا. (فنظرة إلى ميسرة) فانتظار إلى وقت يساره].

الموسوعة الفقهية الكويتية: حكم التّوثيق بالكتابة: اختلف الفقهاء في حكم توثيق الدّين بالكتابة على قولين: أحدهما: كتابة الدّين مندوب إليها وليست واجبةً. إذ الأمر في قوله تعالى: {فَاكْتُبُوهُ} للإرشاد لمن يخشى ضياع دينه بالنّسيان أو الإنكار، حيث لا يكون المدين موضع ثقةٍ كاملةٍ من دائنه، يدلّ على ذلك قوله تعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} وهو يفيد أنّ الكتابة غير مطلوبةٍ إذا توافرت الأمانة والثّقة بين المتعاملين، وقد درج النّاس من عهد الصّحابة إلى يومنا هذا على عدم كتابة الدّيون ما دامت الثّقة قائمةً بين المتداينين، ولم ينقل عن فقهائهم نكير مع اشتهار ذلك. (وهو الصواب)
والثّاني: وهو أنّ كتابة الدّين واجبة لقوله تعالى: {فَاكْتُبُوهُ} إذ الأصل في الأمر إفادة الوجوب. وممّا يؤيّد دلالة هذا الأمر على الوجوب اهتمام الآية ببيان من له حقّ الإملاء، وصفة الكاتب، وحثّه على الاستجابة إذا طلب منه ذلك، والحثّ على كتابة القليل والكثير، ثمّ التّعبير عن عدم وجوب الكتابة في المبادلات النّاجزة بنفي الجناح، حيث إنّه يشعر بلوم من ترك الكتابة عند تعامله بالدّين.

وتوثيق الدّين بالشّهادة: دلّ قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء ... } إلى آخر الآية على مشروعيّة توثيق الدّين بالشّهادة وأنّها وثيقة واحتياط للدّائن، لأنّ استشهاد الشّهود أنفى للرّيب، وأبقى للحقّ، وأدعى إلى رفع التّنازع والاختلاف، وفي ذلك صلاح الدّين والدّنيا معاً. وبيّنت الآية أنّ نصاب الشّهادة على الدّين هو: إمّا رجلان، أو رجل وامرأتان ممّن يرتضى من العدول الثّقات، فإذا تحقّق ذلك كان وثيقةً معتبرةً وحجّةً شرعيّةً في إثبات الدّين، وبيّنةً قويّةً يعتمد عليها القاضي في الحكم به لطالبه.
وأمّا السّنّة فقوله صلى الله عليه وسلم: «لو يعطى النّاس بدعواهم لادّعى أناس دماء رجال وأموالهم، ولكنّ اليمين على المدّعى عليه»، وقوله عليه الصلاة والسلام: «البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر» ومن قوله لمدّع: «شاهداك أو يمينه».

المغني لابن قدامة: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان}: وعن عقبة بن الحارث قال: تزوجت أم يحيى بنت أبي إهاب فجاءت أمة سوداء فقالت: قد أرضعتكما فأتيت النبي صلى الله عليه و سلم فذكرت ذلك له فقال: كيف وقد زعمت ذلك؟. وفي لفظ رواه النسائي قال: فأتيته من قبل وجهه فقلت إنها كاذبة قال: كيف وقد زعمت أنها قد أرضعتكما؟ خل سبيلها؟. وهذا يدل على الاكتفاء بالمرأة الواحدة.

صحيح البخارى: خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم في أضحى أو فطر إلى المصلى فمر على النساء فقال (يا معشر النساء تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار). فقلن وبم يا رسول الله؟ قال (تكثرن اللعن وتكفرن العشير ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن). قلن وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال (أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل). قلن بلى قال (فذلك من نقصان عقلها أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم). قلن بلى قال (فذلك من نقصان دينها).
))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: اذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن
**********************************
= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [الممتحنة: 10]}}.

تفسير القرطبي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ}: لما أمر المسلمين بترك موالاة المشركين اقتضى ذلك مهاجرة المسلمين عن بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام، وكان التناكح من أوكد أسباب الموالاة؛ فبين أحكام مهاجرة النساء. قال ابن عباس: جرى الصلح مع مشركي قريش عام الحديبية، على أن من أتاه من أهل مكة رده إليهم، فجاءت سعيدة بنت الحارث الأسلمية بعد الفراغ من الكتاب، والنبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية بعد؛ فأقبل زوجها وكان كافرا - وهو صيفي بن الراهب. وقيل: مسافر المخزومي - فقال: يا محمد، اردد علي امرأتي فإنك شرطت ذلك! وهذه طينة الكتاب لم تجف بعد، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقيل: جاءت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، فجاء أهلها يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يردها. وقيل: هربت من زوجها عمرو بن العاص ومعها أخواها عمارة والوليد، فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم أخويها وحبسها، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم؛ ردها علينا للشرط، فقال صلى الله عليه وسلم: "كان الشرط في الرجال لا في النساء" فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقيل: إن التي جاءت أميمة بنت بشر، كانت عند ثابت بن الشمراخ ففرت منه وهو يومئذ كافر، فتزوجها سهل بن حنيف فولدت له عبدالله. ونزلت هذه الآية في أميمة بنت بشر من بني عمرو بن عوف. وهي امرأة حسان بن الدحداح، وتزوجها بعد هجرتها سهل بن حنيف. وقال مقاتل: إنها سعيدة زوجة صيفي بن الراهب مشرك من أهل مكة. والأكثر من أهل العلم أنها أم كلثوم بنت عقبة.
وقالت طائفة من أهل العلم: لم يشترط ردهن في العقد لفظا، وإنما أطلق العقد في رد من أسلم؛ فكان ظاهر العموم اشتماله عليهن مع الرجال. فبين الله تعالى خروجهن عن عمومه. وفرق بينهن وبين الرجال لأمرين: أحدهما: أنهن ذوات فروج يحرمن عليهم. الثاني: أنهن أرق قلوبا وأسرع تقلبا منهم.

{فَامْتَحِنُوهُنَّ} قيل: إنه كان من أرادت منهن إضرار زوجها فقالت: سأهاجر إلى محمد صلى الله عليه وسلم؛ فلذلك أمر صلى الله عليه وسلم بامتحانهن. واختلف فيما كان يمتحنهن به:
الأول: قال ابن عباس: كانت تستحلف بالله أنها ما خرجت من بغض زوجها، ولا رغبة من أرض إلى أرض، ولا التماس دنيا، ولا عشقا لرجل منا؛ بل حبا لله ولرسوله. فإذا حلفت بالله الذي لا إله إلا هو على ذلك، أعطى النبي صلى الله عليه وسلم زوجها مهرها وما أنفق عليها ولم يردها؛ فذلك قوله تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}.
الثاني: كانت أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
{وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا} أمر الله تعالى إذا أمسكت المرأة المسلمة أن يرد على زوجها ما أنفق وذلك من الوفاء بالعهد، لأنه لما منع من أهله بحرمة الإسلام، أمر برد المال إليه حتى لا يقع عليهم خسران من الوجهين: الزوجة والمال. ولا غرم إلا إذا طالب الزوج الكافر، فإذا حضر وطالب منعناها وغرمنا.
{وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}: أي لا تتمسكوا, والعصم جمع العصمة؛ وهو ما اعتصم به. والمراد بالعصمة هنا النكاح. يقول: من كانت له امرأة كافرة بمكة فلا يعتد بها، فليست له امرأة، فقد انقطعت عصمتها لاختلاف الدارين. فطلق عمر بن الخطاب حينئذ امرأتين له بمكة مشركتين: قريبة بنت أبي أمية فتزوجها معاوية بن أبي سفيان وهما على شركهما بمكة. وأم كلثوم بنت عمرو الخزاعية أم عبدالله بن المغيرة؛ فتزوجها أبو جهم بن حذافة وهما على شركهما.

وكانت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة أبي العاص بن الربيع، فأسلمت ثم لحقت بالنبي صلى الله عليه وسلم، ثم أتى زوجها المدينة فأمنته فأسلم فردها عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالنكاح الأول؛ ولم يحدث شيئا. قال محمد بن عمر: بعد ست سنين. وقال الحسن بن علي: بعد سنتين.
{وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}: وأن أبا سفيان بن حرب أسلم قبل هند بنت عتبة امرأته، وكان إسلامه بمر الظهران ثم رجع إلى مكة وهند بها كافرة مقيمة على كفرها، فأخذت بلحيته وقالت: اقتلوا الشيخ الضال. ثم أسلمت بعده بأيام، فاستقرا على نكاحهما لأن عدتها لم تكن انقضت. ومثله حكيم بن حزام أسلم قبل امرأته، ثم أسلمت بعده فكانا على نكاحهما.

سنن الترمذي: عن ابن عباس في قوله تعالى: {إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن} قال: كانت المرأة إذا جاءت النبي صلى الله عليه و سلم حلفها بالله ما خرجت من بغص زوجي ما خرجت إلا حبا لله ورسوله.
الام للشافعي: صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا بالحديبية على أن يرد من جاء منهم فأنزل الله تبارك وتعالى في امرأة جاءته منهم مسلمة " إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله اعلم بإيمانهن " ففرض الله عزوجل عليهم أن لا ترد النساء وقد أعطوهم رد من جاء منهم وهن منهم فحبسهن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر الله عزوجل.

مسند أحمد بن حنبل: عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم قالت: لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم في فداء أبى العاص بن الربيع بمال وبعثت فيه بقلادة لها كانت لخديجة أدخلتها بها على أبى العاص حين بنى عليها قالت فلما رآها رسول الله صلى الله عليه و سلم رق لها رقة شديدة وقال ان رأيتم ان تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها فافعلوا فقالوا نعم يا رسول الله فأطلقوه وردوا عليها الذي لها. مشكل الآثار للطحاوي: لما بعث أهل مكة في فداء أسيرهم، بعثت زينب بنت رسول الله صلي الله عليه وسلم في فداء زوجها أبي العاص بن الربيع، وبعثت فيه بقلادة لها كانت خديجة أدخلتها على أبي العاص حين بنى عليها، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم القلادة رق لها رقة شديدة، حتى دمعت عيناه، وقال: «إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها، وأن تردوا عليها الذي لها، فافعلوا» فقالوا: يا رسول الله، بأبينا أنت وأمنا فأطلقوه، وردوا عليها الذي لها فقال قائل: وما كانت الحاجة في هذا إليهم، وإنما المن في ذلك كان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لا إليهم.
)))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: اذا ضربتم في سبيل الله
***********************
((فهلا شققت عن قلبه - أحكام الدنيا على الظاهر والله يتولى السرائر - لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس - فقد عصموا منى دماءهم وأموالهم الا بحقها وحسابهم على الله

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [النساء: 94]}}.
تفسير القرطبي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا}: هذه الآية نزلت في قوم من المسلمين مروا في سفرهم برجل معه جمل وغنيمة يبيعها فسلم على القوم وقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله؛ فحمل عليه أحدهم فقتله. فلما ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم شق عليه ونزلت الآية. وقال ابن عباس: كان رجل في غنيمة له فلحقه المسلمون فقال: السلام عليكم؛ فقتلوه وأخذوا غنيمته؛ فأنزل الله تعالى ذلك إلى قوله: {عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} تلك الغنيمة.
واختلف في تعيين القاتل والمقتول في هذه النازلة: القاتل محلم بن جثامة، والمقتول عامر بن الأضبط فدعا عليه السلام على محلم فما عاش بعد ذلك إلا سبعا ثم دفن فلم تقبله الأرض ثم دفن فلم تقبله ثم دفن ثالثة فلم تقبله؛ فلما رأوا أن الأرض لا تقبله ألقوه في بعض تلك الشعاب؛ وقال عليه السلام: "إن الأرض لتقبل من هو شر منه ". قال الحسن: أما إنها تحبس من هو شر منه ولكنه وعظ القوم ألا يعودوا.

وعن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا من المسلمين إلى المشركين فقاتلوهم قتالا شديدا، فمنحوهم أكتافهم فحمل رجل من لحمتي على رجل من المشركين بالرمح فلما غشيه قال: أشهد أن لا إله إلا الله؛ إني مسلم؛ فطعنه فقتله؛ فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هلكت! قال: "وما الذي صنعت "؟ مرة أو مرتين، فأخبره بالذي صنع. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فهلا شققت عن بطنه فعلمت ما في قلبه " فقال: يا رسول الله لو شققت بطنه أكنت أعلم ما في قلبه؟ قال: "لا فلا أنت قبلت ما تكلم به ولا أنت تعلم ما في قلبه ". فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يلبث إلا يسيرا حتى مات فدفناه، فأصبح على وجه الأرض. فقلنا: لعل عدوا نبشه، فدفناه ثم أمرنا غلماننا يحرسونه فأصبح على ظهر الأرض. فقلنا: لعل الغلمان نعسوا، فدفناه ثم حرسناه بأنفسنا فأصبح على ظهر الأرض، فألقيناه في بعض تلك الشعاب.
{فَتَبَيَّنُوا} أي تأملوا. و"تبينوا "قراءة الجماعة. وقالا: من أمر بالتبين فقد أمر بالتثبيت؛ يقال: تبينت الأمر وتبين الأمر بنفسه. وقرأ حمزة "فتثبتوا ".

صحيح البخارى: أن المقداد بن عمرو الكندي حليف بني زهرة حدثه وكان شهد بدرا مع النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: يا رسول الله إن لقيت كافرا فاقتتلنا فضرب يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ بشجرة وقال أسلمت لله آقتله بعد أن قالها؟ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم (لا تقتله). قال يا رسول الله فإنه طرح إحدى يدي ثم قال ذلك بعدما قطعها آقتله؟ قال (لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال). وعن ابن عباس قال قال النبي صلى الله عليه و سلم للمقداد (إذا كان رجل مؤمن يخفي إيمانه مع قوم كفار فأظهر إيمانه فقتلته؟ فكذلك كنت أنت تخفي إيمانك بمكة من قبل).

سنن النسائي الكبرى: عن أسامة بن زيد قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الحرقات من جهينة فصبحناهم وقد ندروا بنا فخرجنا في آثارهم فأدركت منهم رجلا فجعل إذا لحقته قال لا إله إلا الله فظننت أنه يقولها فرقا من السلاح فحملت عليه فقتلته فعرض في نفسي من أمره شيء فأتيت النبي صلى الله عليه و سلم قال لي أقال لا إله إلا الله ثم قتلته قلت إنه لم يقلها من قبل نفسه إنما قالها فرقا من السلاح قال لي أقال لا إله إلا الله ثم قتلته فهلا شققت عن قلبه حتى تعلم أنه إنما قالها فرقا من السلاح قال أسامة فما زال يكررها علي أقال لا إله إلا الله ثم قتلته حتى وددت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ.
صحيح ابن حبان: عن ابن عباس قال: مر رجل من بني سليم على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ومعه غنم فسلم عليهم فقالوا: ما سلم عليكم إلا ليتعوذ منكم فعدوا عليه فقتلوه وأخذوا غنمة فأتوا بها رسول الله صلى الله عليه و سلم فأنزل الله: {يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا}.
صحيح ابن ماجة: فقال يا رسول الله هلكت قال وما الذي صنعت مرة أو مرتين فأخبره بالذي صنع فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم فهلا شققت عن بطنه فعلمت ما في قلبه قال يا رسول الله لو شققت بطنه لكنت أعلم ما في قلبه قال فلا أنت قبلت ما تكلم به ولا أنت تعلم ما في قلبه قال فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه و سلم فلم يلبث إلا يسيرا حتى مات فدفناه فأصبح على ظهر الأرض فقالوا لعل عدوا نبشه فدفناه ثم أمرنا غلماننا يحرسونه فأصبح على ظهر الأرض فقلنا لعل الغلمان نعسوا فدفناه ثم حرسناه بأنفسنا فأصبح على ظهر الأرض فألقيناه في بعض تلك الشعاب.

فتح الباري لابن حجر: توبة الزنديق لا تعرف قال وانما لم يقتل النبي صلى الله عليه و سلم المنافقين للتألف ولأنه لو قتلهم لقتلهم بعلمه فلا يؤمن أن يقول قائل إنما قتلهم لمعنى آخر ومن حجة من استتابهم قوله تعالى: (اتخذوا أيمانهم جنة): فدل على أن إظهار الإيمان يحصن من القتل وكلهم أجمعوا على أن أحكام الدنيا على الظاهر والله يتولى السرائر وقد قال صلى الله عليه و سلم لأسامة هلا شققت عن قلبه وقال للذي ساره في قتل رجل أليس يصلي قال نعم قال أولئك الذين نهيت عن قتلهم. وأن خالد بن الوليد لما استأذن في قتل الذي أنكر القسمة وقال كم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه فقال صلى الله عليه و سلم إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس.
شرح النووي على مسلم: قوله صلى الله عليه و سلم (انى لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم) معناه أنى امرت بالحكم بالظاهر والله يتولى السرائر كما قال صلى الله عليه و سلم فاذا قالوا ذلك فقد عصموا منى دماءهم وأموالهم الا بحقها وحسابهم على الله. وقوله صلى الله عليه و سلم (إنما أنا بشر) معناه التنبيه على حالة البشرية وأن البشر لا يعلمون من الغيب وبواطن الأمور شيئا إلا أن يطلعهم الله تعالى على شيء من ذلك وأنه يجوز عليه في أمور الأحكام ما يجوز عليهم وأنه إنما يحكم بين الناس بالظاهر والله يتولى السرائر فيحكم بالبينة وباليمين.
سبل السلام للصنعاني: فالناس مختلفون في كل عصر فيهم الصادق والكاذب وما يعرف ما في ضمير الإنسان إلا من كلامه فيقبل قوله وإن كان مبطلا في نفس الأمر فيحكم بالظاهر والله يتولى السرائر مع أن ظاهر قول ابن عباس طلاق الثلاث واحدة أنه كان ذلك بأية عبارة وقعت.

= {{كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ [النساء: 94]}}.
*************************************

فلا يظن مسلم انه يعبد االله اكثر من غيره, ولا يعتقد في نفسه انه اتقاهم, لانه لو فتش في نفسه لوجد انهم كانوا افضل منه.
زاد المعاد لابن القيم: فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أقتلتَه بعد ما قال آمنتُ بالله؟ ".
وعن علىٍّ رضى الله عنه، قال: استعملَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم رجُلاً مِنَ الأنصارِ على سَرِيَّةٍ، بعثَهم وأمرهم أن يسمعُوا له ويُطِيعُوا، قال: فأغضبُوه فى شىءٍ، فقال: اجمعوا لى حَطَباً، فجمعوا، فقال: أَوْقِدُوا نارا، فأوقَدُوا، ثم قال: ألم يَأْمُرْكُم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أن تسمعُوا لى وتُطيعوا؟ قالُوا: بَلَى، قال: فادْخُلُوهَا، قال: فنظر بعضُهم إلى بعضٍ، وقالُوا: إنما فَرَرْنَا إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِن النَّار. فَسَكَن غَضَبُهُ، وطُفِئَتِ النَّارُ، فلما قَدِمُوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرُوا ذلك له فقال: "لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا، إنَّمَا الطَّاعَةُ فى المَعْرُوف".

صحيح البخارى: أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع جابرا رضي الله عنه يقول: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد ثاب معه ناس من المهاجرين حتى كثروا وكان من المهاجرين رجل لعاب فكسع أنصاريا فغضب الأنصاري غضبا شديدا حتى تداعوا وقال الأنصاري يا للأنصار وقال المهاجري يا للمهاجرين فخرج النبي صلى الله عليه و سلم فقال (ما بال دعوى أهل الجاهلية؟ ثم قال ما شأنهم). فأخبر بكسعة المهاجري الأنصاري قال فقال النبي صلى الله عليه و سلم (دعوها فإنها خبيثة). وقال عبد الله بن أبي سلول أقد تداعوا علينا لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فقال عمر ألا نقتل يا رسول الله هذا الخبيث؟ لعبد الله فقال النبي صلى الله عليه و سلم (لا يتحدث الناس أنه كان يقتل أصحابه). [ش: (غزونا) قيل غزوة المريسيع وقيل غزوة بني المصطلق سنة ست من الهجرة. (ثاب) اجتمع. (لعاب) يلعب بالحراب كما تصنع الحبشة وقيل مزاح واسمه جهجاه بن قيس الغفاري وكان أجير عمر بن الخطاب رضي الله عنه. (فكسع) من الكسع وهو ضرب دبر غيره بيده أو رجله وقيل هو ضرب العجز بالقدم. (أنصاريا) هو سنان بن وبرة. (تداعوا) استغاثوا ونادى بعضهم بعضا. (ما بال دعوى الجاهلية) ما حالها بينكم وهي التناصر والتداعي بالآباء أي لا تداعوا بها بل تداعوا بالإسلام الذي يؤلف بينكم. (ما شأنهم) ما جرى لهم. (دعوها) اتركوا هذه المقالة. (خبيثة) قبيحة منكرة وكريهة مؤذية تثير الغضب والتقاتل على الباطل].

وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال كنت مع عمي فسمعت عبد الله بن أبي ابن سلول يقول: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا. وقال أيضا لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فذكرت ذلك لعمي فذكر عمي لرسول الله صلى الله عليه و سلم فأرسل رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى عبد الله بن أبي وأصحابه فحلفوا ما قالوا فصدقهم رسول الله صلى الله عليه و سلم وكذبني فأصابني هم لم يصبني مثله فجلست في بيتي فأنزل الله عز و جل {إذا جاءك المنافقون - إلى قوله - هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله - إلى قوله - ليخرجن الأعز منها الأذل}. فأرسل إلي رسول الله صلى الله عليه و سلم فقرأها علي ثم قال (إن الله قد صدقك).
)))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى
*****************************
= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا [النساء: 43]}}.

تفسير القرطبي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} خص الله سبحانه وتعالى بهذا الخطاب المؤمنين؛ لأنهم كانوا يقيمون الصلاة وقد أخذوا من الخمر وأتلفت عليهم أذهانهم فخصوا بهذا الخطاب؛ إذ كان الكفار لا يفعلونها صحاة ولا سكارى. قال عمر: ((اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا)).

1 - فنزلت الآية التي في البقرة: {{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا [البقرة: 219]}}. فدعي عمر فقرئت عليه فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا.
2 - فنزلت الآية التي في النساء: {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ [النساء: 43]}}. فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت الصلاة ينادي: ألا لا يقربن الصلاة سكران. فدعي عمر فقرئت عليه فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا.
3 - فنزلت هذه الآية: {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ [المائدة: 90، 91]}}. قال عمر: انتهينا.

المستدرك للحاكم: عن حذيفة رضي الله عنه قال: لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم توفي و ما منا أحد إلا و تغير عما كان عليه إلا عمر و عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
صحيح البخارى: سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول (بينا أنا نائم رأيتني على قليب عليها دلو فنزعت منها ما شاء الله ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع بها ذنوبا أو ذنوبين وفي نزعه ضعف والله يغفر له ضعفه ثم استحالت غربا فأخذها ابن الخطاب فلم أر عبقريا من الناس ينزع نزع عمر حتى ضرب الناس بعطن). [ش: (قليب) هي البئر المحفورة قبل أن تبنى جدرانها. (ابن أبي قحافة) هو أبو بكر رضي الله عنه].

فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم (إيها يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا قط إلا سلك فجا غير فجك).

تفسير القرطبي: {حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} أي حتى تعلموه متيقنين فيه من غير غلط. والسكران لا يعلم ما يقول؛ ولذلك قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: إن السكران لا يلزمه طلاقه. وأجمع العلماء على أن طلاق المعتوه لا يجوز، والسكران معتوه كالموسوس معتوه بالوسواس. ولا يختلفون أن من شرب البنج فذهب عقله أن طلاقه غير جائز؛ فكذلك من سكر من الشراب.
{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ}: فالنبي صلى الله عليه وسلم لما وضع يديه على الأرض ورفعهما نفخ فيهما؛ وفي رواية: نفض. وقال الله عز وجل: {بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} فبدأ بالوجه قبل اليدين وبه قال الجمهور.
)))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: اذا قمتم الي الصلاة فاغسلوا وجوهكم
********************************
((كان الخلفاء يتوضؤون لكل صلاة - جمع يوم الفتح بين الصلوات الخمس بوضوء واحد - وتقرأ اللام في: وارجلكم وهنا يجوز فيها المسح - باب صفة الوضوء وكماله - الناسخ والمنسوخ في السنة - حتى أقبل على الجدار فمسح بوجهه ويديه ثم رد عليه السلام - جماع أبواب التيمم - باب الوضوء على كماله - تعليمن ما رزئنا من مائك شيئا ولكن الله هو الذي أسقانا))
**************************************

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [المائدة: 6]}}.
تفسير القرطبي: {قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} على أقوال؛ فقالت طائفة: هذا لفظ عام في كل قيام إلى الصلاة، سواء كان القائم متطهرا أو محدثا؛ فإنه ينبغي له إذا قام إلى الصلاة أن يتوضأ، وكان علي يفعله ويتلو هذه الآية. وقال ابن سيرين: كان الخلفاء يتوضؤون لكل صلاة. وقالت طائفة: المراد بالآية الوضوء لكل صلاة طلبا للفضل؛ وحملوا الأمر على الندب، وكان كثير من الصحابة منهم ابن عمر يتوضؤون لكل صلاة طلبا للفضل، وكان عليه الصلاة والسلام يفعل ذلك إلى أن جمع يوم الفتح بين الصلوات الخمس بوضوء واحد، إرادة البيان لأمته صلى الله عليه وسلم.
صحيح مسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصلوات يوم الفتح بوضوء واحد. ومسح على خفيه. فقال له عمر: لقد صنعت اليوم شيئا لم تكن تصنعه. قال "عمدا صنعته يا عمر".

{{(فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) - (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ) - (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ) - (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ)}}
**************************************************

وُجُوهَكُمْ: الهاء منصوبة. وَأَيْدِيَكُمْ: الياء الثانية منصوبة. وَأَرْجُلَكُمْ: اللام منصوبة. وهذه الاعضاء تغسل بناء علي هذه القراءة.
وتقرأ اللام في: وارجلكم وهنا يجوز فيها المسح.
تفسير ابن كثير: قوله {وأرجلكم إلى الكعبين} قرىء وأرجلكم بالنصب عطفاً على فاغسلوا وجوهكم وأيديكم. وعن ابن عباس أنه قرأها وأرجلكم, يقول: رجعت إلى الغسل.
وعن ابن عباس قال: الوضوء غسلتان ومسحتان. وحدثنا أيوب قال: رأيت عكرمة يمسح على رجليه.
تفسير البغوى: وقال الشعبي: نزل جبريل بالمسح وقال: ألا ترى المتيمم يمسح ما كان غسلاً ويلغي ما كان مسحاً؟.
المجموع للنووى: القائلون بالمسح بقوله تعالى (وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم) بالجر علي احدى القراءتين في السبع فعطف الممسوح على الممسوح وجعل الاعضاء اربعة قسمين مغسولين ثم ممسوحين.

صحيح البخارى: وقول الله تعالى {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين}. قال أبو عبد الله وبين النبي صلى الله عليه و سلم أن فرض الوضوء مرة مرة وتوضأ أيضا مرتين وثلاثا ولم يزد على ثلاث وكره أهل العلم الإسراف فيه وأن يجاوزا فعل النبي صلى الله عليه و سلم. [ش (المرافق) جمع مرفق وهو مفصل الذراع مع العضد. (الكعبين) مثنى كعب وهما العظمان الناتئان في كل رجل عند مفصل الساق مع القدم].
فتح الباري لابن حجر: وبين النبي صلى الله عليه و سلم أن فرض الوضوء مرة مرة وتوضأ أيضا مرتين مرتين وثلاثا ثلاثا ولم يزد على ثلاث.
معرفة السنن والآثار للبيهقي: عن ابن عباس قال: «توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأدخل يده في الإناء فاستنشق ومضمض مرة واحدة، ثم أدخل يده فصب على وجهه مرة وصب على يديه مرة ومسح رأسه وأذنيه مرة واحدة».

صحيح البخارى: عن عبد الله بن زيد: أن النبي صلى الله عليه و سلم توضأ مرتين مرتين. وشهدت عمرو بن أبي حسن سأل عبد الله بن زيد عن وضوء النبي صلى الله عليه و سلم فدعا بتور من ماء فتوضأ لهم فكفأ على يديه فغسلهما ثلاثا ثم أدخل يده في الإناء فمضمض واستنشق واستنثر ثلاثا بثلاث غرفات من ماء ثم أدخل يده في الإناء فغسل وجهه ثلاثا ثم أدخل يده في الإناء فغسل يديه إلى المرفقين مرتين مرتين ثم أدخل يده في الإناء فمسح برأسه فأقبل بيديه وأدبر بهما ثم أدخل يده في الإناء فغسل رجليه.
وأن حمران مولى عثمان أخبره: أنه رأى عثمان بن عفان دعا بإناء فأفرغ على كفيه ثلاث مرات فغسلهما ثم أدخل يمينه في الإناء فمضمض واستنشق ثم غسل وجهه ثلاثا ويديه إلى المرافق ثلاث مرات ثم مسح برأسه ثم غسل رجليه ثلاث مرات مرار إلى الكعبين ثم قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم (من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه).

صحيح البخارى: عن ابن عباس: أنه توضأ فغسل وجهه ثم أخذ غرفة من ماء فمضمض بها واستنشق ثم أخذ غرفة من ماء فجعل بها هكذا أضافها إلى يده الأخرى فغسل بهما وجهه ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليمنى ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليسرى ثم مسح رأسه ثم أخذ غرفة من ماء فرش بها على رجله اليمنى حتى غسلها ثم أخذ غرفة أخرى فغسل بها رجله يعني اليسرى ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يتوضأ. [ش: (غرفة) بفتح الغين مصدر يعني الاغتراف واسم مرة وبضم الغين يمعنى المغروف وهي ملء الكف. (فمضمض) من المضمضة وهي تحريك الماء في الفم وإدارته فيه ثم مجه وإلقاؤه. (استنشق) من الاستنشاق وهي إدخال الماء في الأنف وجذبه بالنفس إلى أعلاه].

وعن حمران مولى عثمان بن عفان أنه رأى عثمان دعا بوضوء فأفرغ على يديه من إنائه فغسلهما ثلاث مرات ثم أدخل يمينه في الوضوء ثم تمضمض واستنشق واستنثر ثم غسل وجهه ثلاثا ويديه إلى المرفقين ثلاثا ثم مسح برأسه ثم غسل كل رجل ثلاثا ثم قال رأيت النبي صلى الله عليه و سلم يتوضأ نحو وضوئي هذا وقال (من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه).
وعن جابر أن النبي صلى الله عليه و سلم كان في غزوة ذات الرقاع فرمي رجل بسهم فنزفه الدم فركع وسجد ومضى في صلاته. وقال الحسن ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم. وقال طاووس ومحمد بن علي وعطاء وأهل الحجاز ليس في الدم وضوء. وعصر ابن عمر بثرة فخرج منها الدم ولم يتوضأ. وبزق ابن أبي أوفى دما فمضى في صلاته. وقال ابن عمر والحسن فيمن يحتجم ليس عليه إلا غسل محاجمه. [ش: (الغائط) هو المكان المنخفض تقضى فيه الحاجة عادة ويطلق على الخارج من دبر الإنسان (الحسن) هو الحسن البصري رحمه الله تعالى. (ذات الرقاع) سميت بذلك لأن أقدامهم تشققت فلفوا عليها الخرق وقيل غير ذلك. (رجل) هو عباد بن بشر رضي الله عنه. (فنزفه) سال منه بكثرة. (مضى) استمر بها حتى انتهت. (بثرة) خراج صغير. (محاجمه) جمع محجمة وهي مكان خروج الدم]
وأن رجلا قال لعبد الله بن زيد وهو جد عمرو بن يحيى أتستطيع أن تريني كيف كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يتوضأ؟ فقال عبد الله بن زيد نعم فدعا بماء فأفرغ على يديه فغسل مرتين ثم مضمض واستنثر ثلاثا ثم غسل وجهه ثلاثا ثم غسل يديه مرتين إلى المرفقين ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه ثم غسل رجليه. وعن عبد الله بن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أكل كتف شاة ثم صلى فلم يتوضأ.

وعن عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني جعفر بن عمرو بن أمية: أن أباه أخبره أنه رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم يحتز من كتف شاة فدعي إلى الصلاة فألقى السكين فصلى ولم يتوضأ.
وأن سويد بن النعمان أخبره: أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه و سلم عام خيبر حتى إذا كانوا بالصهباء وهي أدنى خيبر فصلى العصر ثم دعا بالأزواد فلم يؤت إلا بالسويق فأمر به فثري فأكل رسول الله صلى الله عليه و سلم وأكلنا ثم قام إلى المغرب فمضمض ومضمضنا ثم صلى ولم يتوضأ.
وعن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه و سلم يتوضأ عند كل صلاة. قلت كيف كنتم تصنعون؟ قال يجزىء أحدنا الوضوء ما لم يحدث. [ش: (يجزىء أحدنا الوضوء) يكفيه الوضوء لجميع الصلوات].
وعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم: أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه ثم يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلل بها أصول شعره ثم يصب على رأسه ثلاث غرف بيديه ثم يفيض الماء على جلده كله. [ش: (فيخلل بها أصول شعره) يدخل بها الماء بين شعر رأسه ليوصله إلى البشرة. (غرف) جمع غرفة وهي ملء الكف ماء. (يفيض) يسيل].
وأخبرني جعفر بن عمرو بن أمية: أن أباه عمرو بن أمية أخبره أنه رأى النبي صلى الله عليه و سلم يحتز من كتف شاة في يده فدعي إلى الصلاة فألقاها والسكين التي يحتز بها ثم قام فصلى ولم يتوضأ. وعن أبي هريرة: عن النبي صلى الله عليه و سلم قال (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ).

صحيح مسلم: (باب صفة الوضوء وكماله): أن حمران مولى عثمان أخبره؛ أن عثمان بن عفان رضي الله عنه دعا بوضوء فتوضأ: فغسل كفيه ثلاث مرات. ثم مضمض واستنثر. ثم غسل وجهه ثلاث مرات. ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات. ثم غسل يده اليسرى مثل ذلك. ثم مسح رأسه. ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات. ثم غسل اليسرى مثل ذلك. ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم قام فركع ركعتين، لا يحدث فيهما نفسه، غفر له ما تقدم من ذنبه". قال ابن شهاب: وكان علماؤنا يقولون: هذا الوضوء أسبغ ما يتوضأ به أحد للصلاة.
وعن حمران، مولى عثمان قال: سمعت عثمان بن عفان وهو بفناء المسجد. فجاءه المؤذن عند العصر. فدعا بوضوء فتوضأ. ثم قال: والله! لأحدثنكم حديثا. لولا آية في كتاب الله ما حدثتكم. إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يتوضأ رجل مسلم فيحسن الوضوء. فيصلي صلاة. إلا غفر الله له ما بينه وبين الصلاة التي تليها".
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما يحدث الناس فأدركت من قوله: "ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه. ثم يقوم فيصلي ركعتين. مقبل عليهما بقلبه ووجهه. إلا وجبت له الجنة" قال فقلت: ما أجود هذه! فإذا قائل بين يدي يقول: التي قبلها أجود. فنظرت فإذا عمر. قال: إني قد رأيتك جئت آنفا. قال "ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ (أو فيسبغ) الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبد الله ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء".
عن أبي حازم؛ قال: كنت خلف أبي هريرة وهو يتوضأ للصلاة. فكان يمد يده حتى تبلغ إبطه. فقلت له: يا أبا هريرة! ما هذا الوضوء؟ يا بني فروخ! أنتم ههنا؟ لو علمت أنكم ههنا ما توضأت هذا الوضوء. سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول "تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء".

الناسخ والمنسوخ في السنة
*********************
صحيح مسلم: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين إلى قباء. حتى إذا كنا في بني سالم وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على باب عتبان. فصرخ به. فخرج يجر إزاره. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أعجلنا الرجل فقال عتبان: يا رسول الله! أرأيت الرجل يعجل عن امرأته ولم يمن. ماذا عليه؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنما الماء من الماء".
وهذا الحديث منسوخ بذلك الحديث: قال أبو موسى: فأنا أشفيكم من ذلك. فقمت فاستأذنت على عائشة. فأذنت لي. فقلت لها: يا أماه! (أو يا أم المؤمنين!) أريد أن أسألك عن شيء وإن أستحييك. فقالت: لا تستحي أن تسألني عما كنت سائلا عنه أمك التي ولدتك. فإنما أنا أمك. قلت: فما يوجب الغسل؟ قالت: على الخبير سقطت. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا جلس بين شعبها الأربع، ومس الختان الختان، فقد وجب الغسل".
شرح النووي على مسلم: (باب بيان أن الجماع كان في أول الاسلام لا يوجب الغسل إلا أن ينزل المني)
(وبيان نسخه وأن الغسل يجب بالجماع): أعلم أن ألامة مجتمعه الآن على وجوب الغسل بالجماع وان لم يكن معه إنزال وعلى وجوبه بالانزال وكان جماعة من الصحابة على أنه لايجب الا بالأنزال ثم رجع بعضهم وانتقد الاجماع بعد الاخرين: لحديث: (اذا جلس أحدكم بين شعبها الاربع ثم جهدها فقد وجب عليه الغسل وأن لم ينزل).

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا [النساء: 43]}].
تفسير القرطبي
{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ}: هذه آية التيمم، نزلت في عبدالرحمن بن عوف أصابته جنابة وهو جريح؛ فرخص له في أن يتيمم، ثم صارت الآية عامة في جميع الناس. وقيل: نزلت بسبب عدم وجود الصحابة الماء في غزوة "المريسيع "حين انقطع العقد لعائشة. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: هلكت قلادة لأسماء فبعث النبي صلى الله عليه وسلم في طلبها رجالا، فحضرت الصلاة وليسوا على وضوء ولم يجدوا ماء فصلوا وهم على غير وضوء؛ فأنزل الله تعالى آية التيمم.
{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ}: واختلف العلماء: هل يكفي في التيمم ضربة واحدة أم لا؟. فذهب مالك أن التيمم بضربتين: ضربة للوجه وضربة لليدين. وقال ابن أبي الجهم: التيمم بضربة واحدة.

صحيح البخارى: قال أبو الجهيم أقبل النبي صلى الله عليه و سلم من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه و سلم حتى أقبل على الجدار فمسح بوجهه ويديه ثم رد عليه السلام.

وجاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال إني أجنبت فلم أصب الماء فقال عمار بن ياسر لعمر بن الخطاب أما تذكر أنا كنا في سفر أنا وأنت فأنت فلم تصل وأما أنا فتمعكت فصليت فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم فقال النبي صلى الله عليه و سلم (إنما كان يكفيك هكذا). فضرب النبي صلى الله عليه و سلم بكفيه الأرض ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه. [ش: (فلم أصب الماء) لم أجده. (فتمعكت) تمرغت وتقلبت في التراب حتى يصيب جميع بدني. (ونفخ فيهما) تخفيفا للتراب المحمول بهما. (وكفيه) أي إلى الرسغين وهو مذهب أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى وعند غيره لا بد من المسح إلى المرفقين].
صحيح ابن خزيمة: (جماع أبواب التيمم عند الإعواز من الماء في السفر وعند المرض الذي يخاف في إمساس الماء مواضع الوضوء والبدن في غسل الجنابة للمريض المخوف أو الألم الموجع أو التلف): فعن عمار بن ياسر: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال في التيمم: ضربة للوجه والكفين.
صحيح أبي داود: عن جابر قال خرجنا في سفر فأصاب رجلا منا حجر فشجه في رأسه ثم احتلم فسأل أصحابه فقال هل تجدون لي رخصة في التيمم فقالوا ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء فاغتسل فمات فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه و سلم أخبر بذلك فقال: (قتلوه قتلهم الله ألا سألوا إذ لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو يعصب شك موسى على جرحه خرقة ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده).

القاموس الفقهي: الطهارة نوعان: حسية: و هي رفع الحدث أو إزالة النجس، و معنوية: و هي تطهير النفس من أدرانها من الشرك، و الحقد، و عمل الطاعات. والتطهر نوعان: طهارة كبرى بالغسل أو التيمم عن الحدث الأكبر، و طهارة صغرى بالوضوء أو التيمم عن الحدث الأصغر.

التيمم في الاصطلاح: عرّفه الحنفية: بأنه مسح الوجه و اليدين من صعيد مطهر، و القصد شرط له، لأنه النية، فهو: قصد صعيد مطهر و استعماله بصفة مخصوصة لإقامة القربة. وعرّفه المالكية: بأنه طهارة ترابية تشتمل على مسح الوجه و اليدين بنية. وعرّفه الشافعية: بأنه إيصال التراب إلى الوجه و اليدين بدلا عن الوضوء أو الغسل، أو بدل عضو من أعضائها بشرائط مخصوصة. وعرّفه الحنابلة: بأنه مسح الوجه و اليدين بتراب طهور على وجه مخصوص، و قيل: هو عبارة حكمية تستباح بها الصلاة.

الكافي في فقه أهل المدينة: (باب الوضوء على كماله): يبدأ المتوضئ فيغسل يديه مرتين أو ثلاثا قبل أن يدخلهما في الإناء ويقدم التسمية قبل ذلك أو مع ذلك يقول بسم الله الرحمن الرحيم ثم يدخل يده في الإناء فيغرف غرفة لفيه وأنفه فيمضمض منهما ويستنشق ويستنثر وإن تمضمض من غرفة واستنشق من أخرى فلا بأس. ولا يكون التيمم للوجه واليدين إلا مرة واحدة وكذلك المسح على الخفين.
(باب سنن الوضوء وآدابه): المضمضة والاستنشاق والاستنثار ومسح الأذنين سنة كل ذلك ومن نسي شيئا منها حتى صلى فلا إعادة عليه وينبغي له أن يستأنف ما نسي منها لما يستقبل.
(باب صفة الغسل على كماله وحكم المغتسل): كمال الغسل أن يغسل الجنب يديه قبل أن يدخلها في الإناء ثلاثا حتى ينقيهما ويذكر اسم الله ويتوضأ وضوءه للصلاة والمضمضة والاستنشاق والاستنثار سنة في غسل الجنابة كما هو في الوضوء ثم يخلل أصول شعر رأسه ولحيته بالماء ويصب عليه الماء ويضغثه ويعركه حتى يعرف أن الماء قد بلغ أصول شعره وعم جمعيه ثم يغسل جسده يبدأ إن شاء بميامنه ويصب الماء على أعضائه بيديه أو بالإناء ويتدلك حتى يعم جميع جسده بالماء وإمرار اليد عليه وكذلك غسل المرأة من الحيض والنفاس والجنابة سواء.

(باب المسح على الخفين): كل من توضأ فأكمل وضوءه ثم لبس خفيه جاز له إذا أحدث أن يمسح عليهما ولا يجوز أدخال قدميه في خفيه الا وهما طاهرتان بطهر الوضوء وتمامه وأنه يمسح على خفيه ومن لبس خفيه بطهارة التيمم لم يجز له المسح عليهما وكذلك من لبس أحدهما قبل تمام غسل رجليه جميعا لم يمسح عليهما.
(باب التيمم): كل من عدم الماء فلم يجده بعد طلبه ولا قدر عليه جاز له التيمم في السفر والحضر ومن خاف خروج الوقت في معالجة الماء تيمم في الحضر والسفر وإن أدرك هذا خاصة الماء في الوقت أعاد استحبابا. وصفة التيمم أن يضرب بيديه على الصعيد الطاهر ثم يمسح بهما وجهه ويعمه بإمرار يديه عليه ثم ضربة أخرى بيديه يمسح اليمنى باليسرى واليسرى باليمنى إلى المرفقين.

صحيح البخارى: قال عطاء وقال الحسن في المريض عنده الماء ولا يجد من يناوله يتيمم. وأقبل ابن عمر من أرضه بالجرف فحضرت العصر بمربد فصلى ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة فلم يعد. [ش: (الجرف) اسم موضع قريب من المدينة قيل كان المسلمون يعسكرون فيه إذا أرادوا الغزو وأصل الجرف ما تجري به السيول وتأكله من الأرض. (بمربد النعم) محبس الإبل. (مرتفعة) أي عن الأفق]. واستيقظ النبي صلى الله عليه و سلم فنزل وصلى بنا الغداة فاعتزل رجل من القوم لم يصل معنا فلما انصرف قال (يا فلان ما يمنعك أن تصلي معنا). قال أصابتني جنابة فأمره أن يتيمم بالصعيد ثم صلى.

صحيح البخارى: عن عمران قال: كنا في سفر مع النبي صلى الله عليه و سلم وإنا أسرينا حتى كنا في آخر الليل وقعنا وقعة ولا وقعة أحلى عند المسافر منها فما أيقظنا إلا حر الشمس وكان أول من استيقظ فلان ثم فلان ثم فلان - يسميهم أبو رجاء فنسي عرف - ثم عمر بن الخطاب الرابع وكان النبي صلى الله عليه و سلم إذا نام لم يوقظ حتى يكون هو يستيقظ لأنا لا ندري ما يحدث له في نومه فلما استيقظ عمر ورأى ما أصاب الناس وكان رجلا جليدا فكبر ورفع صوته بالتكبير فما زال يكبر ويرفع صوته بالتكبير حتى استيقظ بصوته النبي صلى الله عليه و سلم فلما استيقظ شكوا إليه الذي أصابهم قال (لا ضير أو لا يضير ارتحلوا). فارتحل فسار غير بعيد ثم نزل فدعا بالوضوء فتوضأ ونودي بالصلاة فصلى بالناس فلما انفتل ممن صلاته إذا هو برجل معتزل لم يصل مع القوم قال (ما معنك يا فلان أن تصلي مع القوم). قال أصابتني جنابة ولا ماء قال (عليك بالصعيد فإنه يكفيك). ثم سار النبي صلى الله عليه و سلم فاشتكى إليه الناس من العطش فنزل فدعا فلانا - كان يسميه أبو رجاء نسيه عوف - ودعا عليا فقال (اذهبا فابتغيا الماء). فانطلقا فتلقيا امرأة بين مزادتين أو سطيحتين من ماء على بعير لها فقالا لها أين الماء؟ قالت عهدي بالماء أمس هذه الساعة ونفرنا خلوف قالا لها انطلقي إذا قالت إلى أين؟ قالا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قالت الذي يقال له الصابىء؟ قالا هو الذي تعنين فانطلقي فجاءا بها إلى النبي صلى الله عليه و سلم وحدثاه الحديث قال فاستنزلوها عن بعيرها ودعا النبي صلى الله عليه و سلم بإناء ففرغ من أفواه المزادتين أو سطيحتين وأوكأ أفواهما وأطلق العزالي ونودي في الناس اسقوا واستقوا فسقى من شاء واستقى من شاء و كان آخر ذاك أن أعطى الذي أصابته الجنابة إناء من ماء قال (اذهب فأفرغه عليك).

وهي قائمة تنظر إلى ما يفعل بمائها وأيم الله لقد أقلع عنها وإنه ليخيل إلينا أنها أشد ملأة منها حين ابتدأ فيها فقال النبي صلى الله عليه و سلم (اجمعوا لها). فجمعوا لها من بين عجوة ودقيقة وسويقة حتى جمعوا لها طعاما فجعلوها في ثوب وحملوها على بعيرها ووضعوا الثوب بين يديها قال لها (تعليمن ما رزئنا من مائك شيئا ولكن الله هو الذي أسقانا). فأتت أهلها وقد احتسبت عنهم قالوا ما حبسك يا فلانة؟ قالت العجب لقيني رجلان فذهبا بي إلى هذا الذي يقال له الصابىء ففعل كذا وكذا فوالله إنه لأسحر الناس ممن بين هذه وهذه - وقالت بإصبعيها الوسطى والسبابة فرفعتهما إلى السماء تعني السماء والأرض - أو إنه لرسول الله حقا. فكان المسلممون بعد ذلك يغيرون على من حولها من المشركين ولا يصيبون الصرم الذي هي منه فقالت يوما لقومها ما أرى أن هؤلاء القوم يدعونكم عمدا فهل لكم في الإسلام؟ فأطاعوها فدخلوا في الإسلام. [ش: (أسرينا) من السري وهو السير أكثر الليل وقيل السير كل الليل. (وقعنا وقعة) نمنا نومة. (فلان) ذكر البخاري في علامات النبوة أن أول من استيقظ أبو بكر وقيل الثاني هوعمران والثالث هو ذو مخبر. (ما يحدث له في نومه) أي من الوحي ونخاف أن نقطعه بإيقاظه. (جليدا) ظاهر الجلادة وهي القوة والصلابة. (لا ضير) لا ضرر. (برجل) هو خلاد بن رافع. (عليك بالصعيد) أي الزمه وتيمم به والصعيد التراب أو سطح الأرض مطلقا. (فابتغيا) من الابتغاء وهو الطلب. (مزادتين) مثنى مزادة وهي القربة الكبيرة سميت بذلك لأنها يزاد فيها جلد آخر من غيرها وتسمى أيضا سطيحة. (عهدي بالماء أمس) تركت الماء منذ أمس وهو اليوم الذي قبل يومك. (هذه الساعة) في مثل هذه الساعة. (نفرنا) رجالنا. (خلوف) متخلفون لطلب الماء وقيل جمع خالف وهو المسافر أي ذهبوا وخلفوا النساء وحدهن في الحي. (الصابىء) من صبأ إذا خرج من دين إلى دين آخر. (أوكأ) ربط.

(العزالي) جمع عزلاء وهي فم المزادة الأسفل الذي يخرج منه الماء بكثرة. (وايم الله) اسم وضع للقسم أصله أيمن الله فحذفت النون تخفيفا وربما وصلت همزته وربما قطعت. (أقلع عنها) كف عنها. (أشد ملأة) ما بقي فيها من الماء أكثر مما كان أولا. (دقيقة وسويقة) طحين الحنطة والشعير وغيرهما. (فجعلوهما) وضعوا الأشياء التي جمعوها. (قال لها) أي رسول الله صلى الله عليه و سلم وفي رواية (قالوا لها) أي القوم بأمره. (رزئنا) نقصنا. (احتبست عنهم) تأخرت. (وقالت بأصبعها) أشارت بهما. (الصرم) هو بيوت مجتمعة منقطعة عن الناس. (ما أرى) ظني وعلمي. (يدعونكم عمدا) يتركونكم عن قصد لا غفلة منهم عنكم].
)))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم
****************************
= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الحج: 77]}}.

تفسير القرطبي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا}: وأن المراد بها الصلاة المفروضة؛ وخص الركوع والسجود تشريفا للصلاة.

فروض الصلاة: فاستقبال القبلة، والنية، وتكبيرة الإحرام والقيام لها، وقراءة أم القرآن والقيام لها، والركوع والطمأنينة فيه، ورفع الرأس من الركوع والاعتدال فيه، والسجود والطمأنينة فيه، ورفع الرأس من السجود، والجلوس بين السجدتين والطمأنينة فيه، والسجود الثاني والطمأنينة فيه. فعن أبي هريرة في الرجل الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة لما أخلّ بها فقال له: "إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة ثم كبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ثم افعل ذلك في صلاتك كلها". فبين صلى الله عليه وسلم أركان الصلاة، وسكت عن الإقامة ورفع اليدين وعن حد القراءة وعن تكبير الانتقالات، وعن التسبيح في الركوع والسجود، وعن الجلسة الوسطى، وعن التشهد وعن الجلسة الأخيرة وعن السلام.
وأما رفع اليدين فليس بواجب عند جماعة العلماء وعامة الفقهاء. وقيل الرفع عند الإحرام وعند الركوع وعند الرفع من الركوع واجب، وإن من لم يرفع يديه فصلاته باطلة واحتجوا بقوله عليه السلام: "صلوا كما رأيتموني أصلي". وأما التكبير ما عدا تكبيرة الإحرام فمسنون عند الجمهور. ولا ينبغي لأحد أن يترك التكبير عامدا، لأنه سنة من سنن الصلاة، فإن فعل فقد أساء ولا شيء عليه وصلاته ماضية. وعن مُطرّف بن عبد الله قال: صليت خلف علي بن أبي طالب أنا وعمران بن حصين، فكان إذا سجد كبر، وإذا رفع رأسه كبر، وإذا نهض من الركعتين كبر، فلما قضى الصلاة أخذ بيدي عمران بن حصين فقال: لقد ذكرني هذا صلاة محمد صلى الله عليه وسلم.

وأما التسبيح في الركوع والسجود فغير واجب عند الجمهور. وأوجبه إسحاق بن راهويه، وأن من تركه أعاد الصلاة، لقوله عليه السلام: "أما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقَمِنٌ أن يستجاب لكم". وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام من ركعتين ونسي أن يتشهد فسبح الناس خلفه كيما يجلس فثبت قائما فقاموا، فلما فرغ من صلاته سجد سجدتي السهو قبل التسليم، فلو كان الجلوس فرضا لم يسقطه النسيان والسهو، لأن الفرائض في الصلاة يستوي في تركها السهو والعمد إلا في المؤتم.
واختلفوا في حكم الجلوس الأخير في الصلاة على خمسة أقوال:
أحدها: أن الجلوس فرض والتشهيد فرض والسلام فرض. قال الشافعي: من ترك التشهد الأول والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فلا إعادة عليه وعليه سجدتا السهو لتركه. وإذا ترك التشهد الأخير ساهيا أو عامدا أعاد.
القول الثاني: أن الجلوس والتشهد والسلام ليس بواجب، وإنما ذلك كله سنة مسنونة.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا رفع الإمام رأسه من آخر سجدة في صلاته ثم أحدث فقد تمت صلاته". وهو حديث لا يصح.
القول الثالث: إن الجلوس مقدار التشهد فرض، وليس التشهد ولا السلام بواجب فرضا.
القول الرابع: إن الجلوس فرض والسلام فرض، وليس التشهد بواجب. فقالوا: ليس شيء من الذكر يجب إلا تكبيرة الإحرام وقراءة أم القرآن.
القول الخامس: أن التشهد والجلوس واجبان، وليس السلام بواجب. واختلف العلماء في السلام، فقيل: واجب، وقيل: ليس بواجب.
واختلف العلماء في السلام، فقيل: واجب، وقيل: ليس بواجب. والصحيح وجوبه لحديث: "مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم".

الفقه على المذاهب الأربعة للجزيرى:
فرائض الصلاة:
))))))))))))))))))))))))))
الفرض الأول: النية: معنى النية فهي عزم القلب على فعل العبادة تقرباً إلى اللّه وحده. قال تعالى: {وما أمروا الا ليعبدوا اللّه مخلصين له الدين}.

صحيح البخارى: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول (إنما الأعمال بالنية).
= والنية محلها القلب، ولا يجوز التلفظ بها لا في الصلاة ولا في الطهارة.
الفرض الثاني: تكبيرة الإحرام: أجمع المسلمون على أن افتتاح الصلاة بذكر اسم اللّه تعالى أمر لازم لا بد منه، فلا تصح صلاة الا به لقول النبي صلى اللّه عليه وسلم: "مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم". وبقوله تعالى: {وربك فكبر} أمروكل أمر للوجوب، ولم يجب التكبير الا في الصلاة بإجماع المسلمين فدل ذلك على أن تكبيرة الإحرام فرض.
صحيح ابن حبان: كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يفتتح الصلاة بالتكبير.
صحيح البخارى: (إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر).
الفرض الثالث: القيام: اتفقت المذاهب على أن القيام فرض على المصلي في جميع ركعات الفرض، بشرط أن يكون قادراً على القيام، فإن عجز عن القيام لمرض ونحوه. فإنه يسقط عنه، ويصلي على الحالة التي يقدر عليها.
الفرض الرابع: قراءة الفاتحة: فقد اتفق ثلاثة من الأئمة على أن قراءة الفاتحة في جميع ركعات الصلاة فرض، بحيث لو تركها المصلي عامداً في ركعة من الركعات بطلت الصلاة.
صحيح البخارى: (ثم اقرأ بما تيسر معك من القرآن). وأن الرسول الله صلى الله عليه و سلم قال: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب).
صحيح ابن خزيمة: (باب ذكر الدليل على أن بسم الله الرحمن الرحيم آية من فاتحة الكتاب): عن أم سلمة: أن النبي صلى الله عليه و سلم قرأ في الصلاة بسم الله الرحمن الرحيم فعدها آية والحمد لله رب العالمين آيتين وإياك نستعين وجمع خمس أصابعه). قال: صليت وراء أبي هريرة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ثم قرأ بأم القرآن حتى بلغ ولا الضالين فقال: آمين وقال الناس: آمين.
الفرض الخامس: الركوع: الركوع فرض في كل صلاة للقادر عليه باتفاق، وقد ثبتت فرضية الركوع في الصلاة ثبوتاً قاطعاً.

صحيح البخارى: ثم اركع حتى تطمئن راكعا.
الفرض السادس: السجود: السجود من الفرائض المتفق عليها، فيفترض على كل مصل أن يسجد مرتين، في كل ركعة.
صحيح البخارى: ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا
الفرض السابع: الرفع من الركوع، الثامن: الرفع من السجود، التاسع: الاعتدال، العاشر: الطمأنينة.
الحادي عشر: القعود الأخير: وهو من فرائض الصلاة المتفق عليها عند أئمة المذاهب, وحد القعود المفروض هو ما يكون بقدر قراءة التشهد على الأصح، لحديث عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي اللّه عنهما، حيث قال له النبي صلى اللّه عليه وسلم "إذا رفعت رأسك من السجدة الأخيرة وقعدت قدر التشهد فقد تمت صلاتك".
الثاني عشر: التشهد الأخير: التشهد الأخير فرض عند الشافعية، أما الحنفية، والمالكية قالوا: التشهد الأخير واجب لا فرض.
الثالث عشر: السلام. اتفق ثلاثة من الأئمة على أن الخروج من الصلاة بعد تمامها لا بد أن يكون بلفظ: السلام، وإلا بطلت صلاته.
الرابع عشر: ترتيب الأركان.
الخامس عشر: الجلوس بين السجدتين. اتفق ثلاثة من الأئمة على أنه يفترض على المصلي أن يجلس بين كل سجدتين من صلاته.

سنن الصلاة:
))))))))))))))))))))))
الفقه على المذاهب الأربعة للجزيرى: السنة والمندوب والمتسحب والتطوع معناها واحد، وهو ما يثاب المكلف على فعله، ولا يؤاخذ على تركه، فمن ترك سنن الصلاة أو بعضها فإن اللّه تعالى لا يؤاخذه على هذا الترك، ولكنه يحرم من ثوابها.
1 - رفع اليدين: رفع اليدين عند الشروع في الصلاة سنة، فيسن للمصلي أن يرفع يديه عند شروعه في الصلاة.
2 - حكم قول آمين: من سنن الصلاة أن يقول المصلي عقب الفراغ من قراءة الفاتحة: آمين، وإنما يسن بشرط أن لا يسكت طويلاً بعد الفراغ من قراءة الفاتحة، أو يتكلم بغير دعاء، وهو سنة للإمام والمأموم والمنفرد.
3 - وضع اليد اليمنى على اليسرى: يُسن وضع اليد اليمنى على اليسرى تحت سرته أو فوقها.

4 - التحميد والتسميع: يُسن التحميد، وهو أن يقول: اللّهم ربنا ولك الحمد عند الرفع من الركوع، أما التسميع فهو أن يقول المصلي: سمع اللّه لمن حمده عند الرفع من الركوع. ويسن: جهر الإمام بالتكبير، والتسميع، والسلام كي يسمعه المأمومون الذين يصلون خلفه، وهذا الجهر سنة.
5 - التبليغ خلف الإمام: وهو أن يرفع أحد المأمومين ليسمع الباقين صوت الإمام وهو جائز.
6 - تكبيرات الصلاة المسنونة: ومن سنن الصلاة التكبيرات سوى تكبيرة الإحرام، وهي تكبيرة الركوع، وتكبيرة السجود، وتكبيرة الرفع من السجود، وتكبيرة القيام، فإنها كلها سنة.
7 - قراءة السورة أو ما يقوم مقامها بعد الفاتحة: قراءة شيء من القرآن بعد قراءة الفاتحة في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر والمغرب والعشاء، وفي ركعتي الصبح.
8 - دعاء الافتتاح ويقال له: الثناء: دعاء الافتتاح سنة وعند البعض مندوب. ونص دعاء الافتتاح هو أن يقول: "سبحانك اللّهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك" ومعنى: سبحانك اللّهم وبحمدك، أنزهك تنزيهك اللائق بجلالك يا اللّه، ومعنى وبحمدك، سبحتك بكل ما يليق بك، وسبحتك بحمدك، ومعنى: وتبارك اسمك، دامت بركته، ودام خيره، ومعنى تعالى جدّك، علا جلالك؟ واترفعت عظمتك.
9 - التسمية في الصلاة: ومنها التسمية في كل ركعة قبل الفاتحة، بأن يقول: بسم اللّه الرحمن الرحيم، وهي سنة عند الحنفية، والحنابلة، أما الشافعية فيقولون: إنها فرض، والمالكية يقولون: إنها مكروهة.
10 - إطالة القراءة في الركعة الأولى عن القراءة في الثانية، وتقريج القدمين حال القيام. ومنها إطالة القراءة في الركعة الأولى من كل صلاة على الثانية فإن سوّى بينهما في القراءة فقد فاتته السنة، وإن أطال الثانية على الأولى كره له ذلك، الا في صلاة الجمعة، فيسن له أن يطيل الثانية فيها على الأولى.

11 - التسبيح في الركوع والسجود: أن يقول، وهو راكع: سبحان ربي العظيم, وإن التسبيح في الركوع والسجود مندوب، وليس له لفظ معين، والأفضل أن يكون باللفظ المذكور، وفي السجود: سبحان ربي الأعلى.
12 - وضع المصلي يديه على ركبتيه: أن يضع المصلي يديّه على ركبتيه حال الركوع، وأن تكون أصابع يديه مفرجة، وأن يبعد الرجل عضديه عن جنبيه، لقوله صلى اللّه عليه وسلم لأنس رضي اللّه عنه؛ "وإذا ركعت فضع كفيك على ركبتيك، وفرج بين أصابعك، وارفع يديك عن جنبيك، أما المرأة فلا تجافي بينهما، بل تضمهما إلى جنبيها، لأنه أستر لها.
13 - تسوية المصلي ظهره وعنقه حال الركوع: وهو أن يسوّي بين ظهره وعنقه في حالة الركوع، لأنه صلى اللّه عليه وسلم كان إذا ركع يسوي ظهره حتى لو صب عليه الماء استقر، وأن يسوي رأسه بعجزه، لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان إذا ركع لم يرفع رأسه، ولم يخفضها، وهذه السنة متفق عليها.
14 - كيفية النزول للسجود والقيام منه: أن ينزل إلى السجود على ركبتيه، ثم يديه، ثم وجهه، وبعكس ذلك عند القيام من السجود بأن يرفع وجهه، ثم يديه، ثم ركبتيه.
15 - كيفية وضع اليدين حال السجود: أن يجعل المصلي في حال السجود كفيه حذو منكبيه، مضمومة الأصابع، موجهة رؤوسها للقبلة.
16 - الجهر بالقراءة: ومن السنن الجهر بالقراءة للإمام والمنفرد في الركعتين الأوليين من صلاة المغرب والعشاء، وفي ركعتي الصبح والجمعة.

17 - هيئة الجلوس في الصلاة: أن يضع المصلي يديه على فخذيه، بحيث تكون رأس أصابعهما على الركبتين حال الجلوس متجهة إلى القبلة. ووضع يديه على فخذيه مندوب لا سُنة. ويكفي في تحصيل السنة وضع اليدين على الفخذين بدون جعل رؤوس الأسابع على الركبتين. ويندب الإفضاء للرجل والمرأة، وهو أن يجعل رجله اليسرى مع الألية اليسرى على الأرض، ويجعل قدم اليسرى جهة الرجل اليمنى، وينصل قدم اليمنى عليها، ويجعل باطن إبهام اليمنى على الأرض. ويسن للرجل أن يفرض رجله اليسرى، وينصب اليمنى؛ ويوجه أصابعه نحو القبلة؛ بحيث يكون باطن أصابع رجله اليمنى نحو القبلة بقدر الاستطاعة، ويسن للمرأة أن تتورك بأن تجلس على أليتيها، وتضع الفخذ على الفخذ، وتخرج رجلها من تحت وركها اليمنى.
{{الافتراش: وهو الجلوس على بطن قدمه اليسرى، ونصب قدمه اليمنى في جميع جلسات الصلاة إلا الجلوس الأخير. والتورك بأن يلصق الورك الأيسر على الأرض؛ وينصب قدمه اليمنى}}.
18 - الإشارة بالأصبع السبابة في التشهد وكيفية السلام: يقبض المصلي جميع أصابع يده اليمنى في تشهده إلا السبابة، وهي التي تلي الإبهام، ويشير بها عند قوله إلا اللّه، ويديم رفعها بلا تحريك إلى القيام في التشهد الأول، والسلام في الشهد الأخير، ناظراً إلى السبابة في جميع ذلك، والأفضل قبض الإبهام بجنبها، وأن يضعها على طرف راحته.
19 - الصلاة على النبي في التشهد الأخير: ومنها الصلاة على النبي صلى اللّه عليه وسلم في التشهد الأخير، وأفضلها أن يقول: "اللّهم صلى اللّه عليه وسلم على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد".

"اللّهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد" وقد زاد متأخرو الشافعية لفظ السيادة، فيقول: - سيدنا محمد، وسيدنا إبراهيم -).
20 - الدعاء في التشهد الأخير: الدعاء في التشهد الأخير بعد الصلاة على النبي صلى اللّه عليه وسلم. ويسن أن يدعو بما يشبه ألفاظ القرآن، كأن يقول: "ربنا لا تزغ قلوبنا" أو بما يشبه ألفاظ السنة، كأن يقول: "اللّهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرةمن عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم". ويندب الدعاء في الجلوس الأخير بعد الصلاة على النبي صلى اللّه عليه وسلم، وله أن يدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، والأفضل الوارد، ومنه: اللّهم اغفر لنا ولوالدينا ولأئمتنا ولمن سبقنا بالإيمان مغفرة عزماً، اللّهم اغفر لنا ما قدمنا، وما أخرنا، وما أسررنا، وما أعلمنا، وما أنت أعلم به منا، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
21 - كيفية السلام: يسلم عن يمينه أولاً، ثم على يساره حتى يرى بياض خده الأيمن والأيسر، فإذا نسي وسلم على يساره ابتداء، سلم على يمينه فقط، ولا يعيد السلام على يساره ثانياً، أما إذا سلم تلقاء وجهه، فإنه يسلم عن يمينه ويساره، والسنة أن يقول: "السلام عليكم ورحمة اللّه"، وأن تكون الثانية أخفض من الأولى.

مندوبات الصلاة:
))))))))))))))))))))))))

المالكية قالوا: مندوبات الصلاة ثمانية وأربعون: نية الأداء والقضاء في محلهما؛ نية عدد الركعات، الخشوع، وهو استحضار عظمة اللّه وهيبته، وأنه لا يعبد سواه وهذا هو المندوب، وأما أصل الخشوع فواجب: رفع اليدين حذو المنكبين عند تكبيرة الإحرام فقط وإرسالها بوقار، إكمال سورة الفاتحة، تطويل قراءة الصبح والظهر، مع ملاحظة أن الظهر دون الصبح، تقصير القراءة في العصر والمغرب؛ توسط القراءة في العشاء؛ تقصير الركعة الثانية عن الركعة الأولى في الزمن "ومساواتها لها وتطويل الثانية عن الأولى خلاف الأولى، كما تقدم، إسماع المصلي نفسه القراءة في الصلاة السرية؛ قراءة المأموم في الصلاة السرية؛ تأمين المأموم والفذ مطلقاً، أي في السرية والجهرية؛ تأمين الإمام في الصلاة السرية فقط؛ الإسرار بالتأمين؛ تسوية المصلي ظهره في الركوع، وضع يديه على ركبتيه فيه تمكين اليدين من الركبتين فيه أيضاً، صب الركبتين؛ التسبيح في الركوع، بأن يقول: سبحان ربي العظيم، كما تقدم، مباعدة الرحل مرفقيه عن جنبيه؛ التحميد للفذ والمقتدي؛ التكبير حال الخفض والرفع إلا في القيام من اثنتين، فينتظر بالتكبير حتى يستقل قائماً، ولا يقوم المأموم من اثنتين حتى يستقل إمامه، تمكين الجبهة من الأرض في السجود؛ تقديم اليدين على الركبتين عند الهوي له؛ تأخيرهما عن الركعتين عند القيام، وضع اليدين حذو الأذنين، أو قربهما في السجود مع ضم أصابعهما وجعل رؤوسهما للقبلة أن يباعد الرجل في السجود مرفقيه عن ركبتيه، وبطنه عن فخذيه، وضبعيه عن جنبيه مع مراعاة التوسط في ذلك، وأما المرأة فتكون منضمة لبناء أمرها على الستر، كما تقدم؛ رفع العجز في السجود، الدعاء فيه، التسبيح فيه، الإفضاء في الجلوس كله، وقد تقدم تفصيله، وضع الكفين على رأس الفخذين في الجلوس، تفريج ما بين الفخذين في الجولس، عقد ما عدا السبابة والإبهام من أصابع اليد اليمنى تحت إبهامها في جلوس التشهد مطلقاً،

مع مدّ السبابة والإبهام، وتحريك السبابة دائماً، يميناً وشمالاً، القنوت في صلاة الصبح خاصة؛ كونه قبل الركوع في الركعة الثانية، لفظه الخاص: "اللّهم إنا نستعينك، ونسغفرك، ونؤمن بك؛ ونتوكل عليك، ونخضع لك؛ ونخلع، ونترك من يكفرك، اللّهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك، ونخاف عذابك الجدّ، إن عذابك بالكافرين ملحق؛ وهو رواية الإمام مالك، دعاء قبل السلام كونه سراً، كون التشهد سراً، تعميم الدعاء، التيامن بتسليمه التحليل فقط.

تفسير القرطبي: {وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ} أي امتثلوا أمره.
تفسير الرازي: {وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ} وذكروا فيه وجوهاً: أحدها: اعبدوه ولا تعبدوا غيره وثانيها: واعبدوا ربكم في سائر المأمورات والمنهيات وثالثها: افعلوا الركوع والسجود وسائر الطاعات على وجه العبادة لأنه لا يكفي أن يفعل فإنه ما لم يقصد به عبادة الله تعالى لا ينفع في باب الثواب فلذلك عطف هذه الجملة على الركوع والسجود الثالث: قوله تعالى: {وافعلوا الخير} قال ابن عباس رضي الله عنهما يريد به صلة الرحم ومكارم الأخلاق. والوجه عندي في هذا الترتيب أن الصلاة نوع من أنواع العبادة والعبادة نوع من أنواع فعل الخير، لأن فعل الخير ينقسم إلى خدمة المعبود الذي هو عبارة عن التعظيم لأمر الله وإلى الإحسان الذي هو عبارة عن الشفقة على خلق الله ويدخل فيه البر والمعروف والصدقة على الفقراء وحسن القول للناس فكأنه سبحانه قال كلفتكم بالصلاة بل كلفتكم بما هو أعم منها وهو العبادة بل كلفتكم بما هو أعم من العبادة وهو فعل الخيرات.
))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: اذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا
***********************************

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [المجادلة: 11]}}.
تفسير القرطبي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ}: نزل الأمر بتحسين الأدب في مجالسة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى لا يضيقوا عليه المجلس، وأمر المسلمين بالتعاطف والتآلف حتى يفسح بعضهم لبعض، حتى يتمكنوا من الاستماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم والنظر إليه. قال قتادة ومجاهد: كانوا يتنافسون في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، فأمروا أن يفسح بعضهم لبعض.
وقال مقاتل: كان النبي صلى الله عليه وسلم في الصفة، وكان في المكان ضيق يوم الجمعة، وكان النبي

صلى الله عليه وسلم يكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار، فجاء أناس من أهل بدر فيهم ثابت بن قيس بن شماس وقد سبقوا في المجلس، فقاموا حيال النبي صلى الله عليه وسلم على أرجلهم ينتظرون أن يوسع لهم فلم يفسحوا لهم، فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لمن حول من غير أهل بدر: "قم يا فلان وأنت يا فلان" بعدد القائمين من أهل بدر، فشق ذلك على من أقيم، وعرف النبي صلى الله عليه وسلم الكراهية في وجوههم، فغمز المنافقون وتكلموا بأن قالوا: ما أنصف هؤلاء وقد أحبوا القرب من نبيهم فسبقوا إلى المكان، فأنزل الله عز وجل هذه الآية. {تَفَسَّحُوا} أي توسعوا. وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه". وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يقام الرجل من مجلسه ويجلس فيه آخر، ولكن تفسحوا وتوسعوا. وكان ابن عمر يكره أن يقوم الرجل من مجلسه ثم يجلس مكانه. وإذا قعد واحد من الناس في موضع من المسجد لا يجوز لغيره أن يقيمه حتى يقعد مكانه، لما روى مسلم عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة ثم يخالف إلى مقعده فيقعد فيه ولكن يقول افسحوا".
{يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ} أي في قبوركم. وقيل: في قلوبكم. وقيل: يوسع عليكم في الدنيا والآخرة.

{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}: أي في الثواب في الآخرة وفي الكرامة في الدنيا، فيرفع المؤمن على من ليس بمؤمن والعالم على من ليس بعالم. وقال ابن مسعود: مدح الله العلماء في هذه الآية. والمعنى أنه يرفع الله الذين أوتوا العلم على الذين آمنوا ولم يؤتوا العلم {دَرَجَاتٍ} أي درجات في دينهم إذا فعلوا ما أمروا به. وقيل: كان أهل الغنى يكرهون أن يزاحمهم من يلبس الصوف فيستبقون إلى مجلس النبي صلى الله عليه وسلم فالخطاب لهم. ورأى عليه الصلاة والسلام رجلا من الأغنياء يقبض ثوبه نفورا من بعض الفقراء أراد أن يجلس إليه فقال: "يا فلان خشيت أن يتعدى غناك إليه أو فقره إليك" وبين في هذه الآية أن الرفعة عند الله تعالى بالعلم والإيمان لا بالسبق إلى صدور المجالس.
{وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا}: أي ارتفعوا وانضموا. وأي ارتفعوا وانهضوا إلى حرب أو أمر من أمور الله تعالى.

صحيح مسلم: عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إذا قام أحدكم". وفي حديث أبي عوانة "من قام من مجلسه ثم رجع إليه، فهو أحق به".
شرح النووي على مسلم: (من قام من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به) قال أصحابنا هذا الحديث فيمن جلس فى موضع من المسجد أو غيره لصلاة مثلاثم فارقه ليعود بأن فارقه ليتوضأ أو يقضى شغلا يسيرا ثم يعود لم يبطل اختصاصه بل اذا رجع فهو أحق به فى تلك الصلاة فان كان قد قعد فيه غيره فله أن يقيمه وعلى القاعد أن يفارقه. وعند أصحابنا وأنه يجب على من قعد فيه مفارقته اذا رجع الأول وقال بعض العلماء هذا مستحب ولايجب.

صحيح ابن حبان: عن أبي هريرة: أن رسول اله صلى الله عليه و سلم قال: (رب أشعث ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره). شعب الإيمان: عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: ألا أنبئكم بأهل النار؟ قال: قلت بلى قال: كل جظ جعظ مستكبر قال: قلت و ما الجظ قال الضخم قال: قلت: وما الجعظ قال: العظيم في نفسه قال: ألا أنبئكم بأهل الجنة؟ قال: قلت بلى قال: كل ضعيف متضعف ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره.
وأن البراء لقي زحفا من المشركين قد أوجع المشركون في المسلمين فقالوا له: يا براء إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: إنك لو أقسمت على الله لأبرك فأقسم على ربك فقال: أقسمت عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم فمنحوا أكتافهم ثم التقوا على قنطرة السوس فأوجعوا في المسلمين فقالوا: يا براء أقسم على ربك فقال: أقسمت عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم و ألحقني بنبيك صلى الله عليه و سلم فمنحوا أكتافهم و قتل البراء شهيدا. وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: أن ملوك أهل الجنة كل أشعث أغبر ذي طمرين إذا استأذنوا على الأمراء لم يؤذن لهم و إذا طلبوا النساء لم ينكحوا أو إذا قالوا الحديث لم ينصت لقولهم حاجة أحدهم يتجلجل في صدره لو قسم نوره بين أهل الأرض لوسعهم.
)))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: اذا لقيتم الذين كفروا زحفا
**************************
= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ [الأنفال: 15]}}.
= {{وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [الأنفال: 16]}}.

تفسير القرطبي: {زَحْفاً} الزحف الدنو قليلا قليلا. وأصله الاندفاع على الألية؛ ثم سمي كل ماش في الحرب إلى آخر زاحفا. والتزاحف: التداني والتقارب؛ يقال: زحف إلى العدو زحفا. وازحف القوم، أي مشى بعضهم إلى بعض. فإذا تدانيتم وتعاينتم فلا تفروا عنهم ولا تعطوهم أدباركم. حرم الله ذلك على المؤمنين حين فرض عليهم الجهاد وقتال الكفار. قال ابن عطية: والأدبار جمع دبر.
ووقع في تاريخ فتح الأندلس، أن طارقا مولى موسى بن نصير سار في ألف وسبعمائة رجل إلى الأندلس، وذلك في رجب سنة ثلاث وتسعين من الهجرة؛ فالتقى وملك الأندلس لذريق وكان في سبعين ألف عنان؛ فزحف إليه طارق وصبر له فهزم الله الطاغية لذريق، وكان الفتح.
وقد فر الناس يوم أحد فعفا الله عنهم، وقال الله فيهم يوم حنين {ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [التوبة: 25].
{إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ} التحرف: الزوال عن جهة الاستواء. فالمتحرف من جانب إلى جانب لمكايد الحرب غير منهزم؛ وكذلك المتحيز إذا نوى التحيز إلى فئة من المسلمين ليستعين بهم فيرجع إلى القتال غير منهزم أيضا.

غزواته صلى الله عليه وسلم
*********************

جوامع السيرة: غزا صلوات الله وسلامه عليه خمساً وعشرين غزوة، وهي على ترتيبها: أولها غزوة ودان وهي الأبواء، ثم غزوة بواطٍ وهي من ناحية رضوى، ثم غزوة العشيرة من بطن ينبع، ثم غزوة بدر الأولى يطلب كرز بن جابر، ثم بدر الثانية، وهي البطشة التي أعز الله تعالى فيها الإسلام، وأهلك رؤوس الكفرة، ثم غزوة بني سليم حتى بلغ قرقرة الكدر، ثم غزوة السويق يطلب أبا سفيان بن حرب، ثم غزوة غطفان وهي غزوة ذي أمر، ثم غزوة نجران، ثم غزوة أحد، ثم غزوة حمراء الأسد، ثم غزوة ذات الرقاع من نخل، ثم بدر الآخرة، ثم دومة الجندل، ثم غزوة الخندق، وهي آخرة غزوة غراها أهل الكفر إليه، ثم غزوة بني قريظة، ثم غزوة بني لحيان من هذيل، ثم غزوة ذي قرد، ثم غزوة بني المصطلق من خزاعة، ثم غزوة الحديبية، ثم غزوة خيبر، ثم غزوة الفتح فتح مكة ثم غزوة حنين إلى هوزان، ثن الطائف، ثم تبوك.
قاتل منها في تسعٍ: وهي بدر المعظمة، وهي بدر القتال، وهي بدر البطشة، وقاتل صلى الله عليه وسلم في أحد والخندق وقريظة والمصطلق وخيبر والفتح وحنين والطائف.
غزوات الرسول بالترتيب
****************************
1 - غزوة الأبواء (ودان) 2هجري - ودان
2 - غزوة بواط 2هجري - بواط
3 - غزوة العشيرة 2هجري - العشيرة
4 - غزوة بدر الأولى 2 هجري - وادي سفوان
5 - غزوة بدر الكبرى 2رمضان 2 هجري - بدر
6 - غزوة بني سليم 2هجري - قرقرة الكدر
7 - غزوة بني قينقاع 2هجري - المدينة المنورة
8 - غزوة السويق 2 هجري - قرقرة الكدر
9 - غزوة ذي أمر 3هجري - ذو أمر
10 - غزوة بحران 3هجري - بحران
11 - غزوة أحد 3هجري - جبل أحد
12 - غزوة حمراء الأسد 3هجري - حمراء الأسد
13 - غزوة بني النضير 4هجري - ضواحي المدينة المنورة
14 - غزوة ذات الرقاع 4هجري - ذات الرقاع
15 - غزوة بدر الآخرة 4 هجري - بدر
16 - غزوة دومة الجندل 5 هجري - دومة الجندل
17 - غزوة بني المصطلق 5 هجري - المريسيع

18 - غزوة الخندق 5 هجري - المدينة المنورة
19 - غزوة بني قريظة 5 هجري - ضواحي المدينة المنورة
20 - غزوة بني لحيان 6 هجري - غران
21 - غزوة ذي قرد 6 هجري - ذو قرد
22 - غزوة الحديبية 6 هجري - الحديبية
23 - غزوة خيبر 7 هجري - خيبر
24 - غزوة عمرة القضاء 7 هجري - مكة المكرمة
25 - غزوة مؤتة 8 هجري - مؤتة
26 - فتح مكة 8 هجري - مكة المكرمة
27 - غزوة حنين 8 هجري - وادي حنين
28 - غزوة الطائف 8 هجري - الطائف
29 - غزوة تبوك 9 هجري - تبوك

غزوة بدر
**********
صحيح البخارى: ذكر لنا أنس بن مالك عن أبي طلحة: أن نبي الله صلى الله عليه و سلم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش فقذفوا في طوى من أطواء بدر خبيث مخبث وكان إذا ظهر على قوم أقام العرصة ثلاث ليال فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشد عليها رحلها ثم مشى واتبعه أصحابه وقالوا ما نرى ينطلق إلا لبعض حاجته حتى قام على شفة الركي فجعل يناديهم بأسماء آبائهم (يا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله فانا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا). قال عمر يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح لها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم (والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم). قال قتادة أحياهم الله حتى أسمعهم قوله توبيخا وتصغيرا ونقمة وحسرة وندما.

وعن عبد الله قال: بينما رسول الله صلى الله عليه و سلم قائم يصلي عند الكعبة وجمع قريش في مجالسهم إذ قال قائل منهم ألا تنظرون إلى هذا المرائي أيكم يقوم إلى جزور آل فلان فيعمد إلى فرثها ودمها وسلاها فيجيء به ثم يمهله حتى إذا سجد وضعه بين كتفيه؟ فانبعث أشقاهم فلما سجد رسول الله صلى الله عليه و سلم وضعه بين كتفيه وثبت النبي ساجدا فضحكوا حتى مال بعضهم إلى بعض من الضحك فانطلق منطلق إلى فاطمة عليها السلام وهي جويرية فأقبلت تسعى وثبت النبي صلى الله عليه و سلم ساجدا حتى ألقته عنه وأقبلت عليهم تسبهم فلما قضى رسول الله صلى الله عليه و سلم الصلاة قال (اللهم عليك بقريش اللهم عليك بقريش اللهم عليك بقريش). ثم سمة (اللهم عليك بعمرو بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط وعمارة بن الوليد). قال عبد الله فوالله لقد رأيتهم صرعى يوم بدر ثم سحبوا إلى القليب قليب بدر ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم (وأتبع أصحاب القليب لعنة).
وقال النبي صلى الله عليه و سلم وهو في قبة (اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم). فأخذ أبو بكر بيده فقال حسبك يا رسول الله فقد ألححت على ربك وهو في الدرع فخرج وهو يقول {سيهزم الجمع ويولون الدبر. بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر}.

غزوة احد
*********

صحيح البخارى: سمعت البراء بن عازب رضي الله عنهما يحدث قال: جعل النبي صلى الله عليه و سلم على الرجالة يوم أحد - وكانوا خمسين رجلا - عبد الله بن جبير فقال (إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم). فهزموهم قال فأنا والله رأيت النساء يشتددن قد بدت خلاخلهن وأسوقهن رافعات ثيابهن. فقال أصحاب عبد الله بن جبير الغنيمة أي قوم الغنيمة ظهر أصحابكم فما تنتظرون؟ فقال عبد الله ابن جبير أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه و سلم؟ قالوا والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة فلما أتوهم صرفت وجوههم فأقبلوا منهزمين فذاك إذ يدعوهم الرسول في أخراهم فلم يبق مع النبي صلى الله عليه و سلم غير اثني عشر رجلا فأصابوا منا سبعين وكان النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه أصاب من المشركين يوم بدر أربعين ومائة سبعين أسيرا وسبعين قتيلا.

صحيح ابن حبان: عن البراء قال: لما كان يوم أحد ولقينا المشركين أجلس رسول الله صلى الله عليه و سلم جيشا من الرماة وأمر عليهم عبد الله بن جبير وقال: (لا تبرحوا من مكانكم إن رأيتمونا ظهرنا عليهم وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا) فلما لقينا اليوم وهزمهم المسلمون حتى رأيت النساء يشتددن في الجبل قد رفعن عن سوقهن قد بدت خلاخيلهن فأخذوا ينقلبون ويقولون: الغنيمة الغنيمة فقال لهم عبد الله مهلا أما علمتم ما عهد إليكم رسول الله صلى الله عليه و سلم فانطقوا فلما أتوهم صرف الله وجوههم فأصيب من المسلمين تسعون قتيلا ثم إن أبا سفيان أشرف علينا وهو على نشز ققال أفي القوم محمد فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (لا تجيبوه) ثم قال: أفي القوم ابن أبي قحافة ثلاثا قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (لا تجيبوه) ثم قال: أفي القوم عمرين الخطاب فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (لا تجيبوه) فالتفت إلى أصحابه فقال أما هؤلاء فقد قتلوا لو كانوا أحياء لأجابوا فلم يملك عمر نفسه أن قال: كذبت يا عدو الله قد أبقى الله لك ما يخزيك فقال: اعل هبل اعل هبل فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (أجيبوه) فقالوا: ما نقول؟ قال: (قولوا: الله أعلى وأجل) فقال أبو سفيان ألا لنا العزى ولا عزى لكم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم (أجيبوه) قالوا ما نقول؟ قال: (قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم) فقال أبو سفيان: يوم بيوم بدر والحرب سجال أما إنكم ستجدون في القوم مثلة لم آمر بها ولم تسؤني قال أبو حاتم: هكذا حدثنا ـ: تسعون قتيلا وإنما هو سبعون قتيلا
)))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: اذا ناجيتم الرسول
********************

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المجادلة: 12]}}.
= {{أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المجادلة: 13]}}.

تفسير غريب ما فى الصحيحين البخارى ومسلم: ((النجوى والتناجي: كلام الرجلين في سرهما)).
تفسير القرطبي: {نَاجَيْتُمُ} ساررتم. قال ابن عباس: نزلت بسبب أن المسلمين كانوا يكثرون المسائل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شقوا عليه، فأراد الله عز وجل أن يخفف عن نبيه صلى الله عليه وسلم، فلما قال ذلك كف كثير من الناس. وقال الحسن: نزلت بسب أن قوما من المسلمين كانوا يستخلون النبي صلى الله عليه وسلم ويناجونه، فظن بهم قوم من المسلمين أنهم ينتقصونهم في النجوى، فشق عليهم ذلك فأمرهم الله تعالى بالصدقة عند النجوى ليقطعهم عن استخلافه. وقال زيد بن أسلم: نزلت بسبب أن المنافقين واليهود كانوا يناجون النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون: إنه أذن يسمع كل ما قيل له، وكان لا يمنع أحدا مناجاته. فكان ذلك يشق على المسلمين، لأن الشيطان كان يلقي في أنفسهم أنهم ناجوه بأن جموعا اجتمعت لقتاله. وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما نزلت {فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} سألته قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "ما ترى دينارا" قلت لا يطيقونه. قال: "فنصف دينار " قلت: لا يطيقونه. قال: "فكم" قلت: شعيرة. قال: "إنك لزهيد".

صحيح البخارى: عن صفوان بن محرز المازني قال: بينما أنا أمشي مع ابن عمر رضي الله عنهما آخذ بيده إذ عرض رجل فقال كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم في النجوى؟ فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره فيقول أتعرف ذنب كذا أتعرف ذنب كذا؟ فيقول نعم أي رب حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه هلك قال سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم فيعطى كتاب حسناته. وأما الكافر والمنافق فيقول الأشهاد {هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين}. [ش: (النجوى) هي التكالم سرا والمراد ما يقع بين الله تعالى وبين عبده المؤمن يوم القيامة من إطلاعه على معاصيه سرا فضلا منه سبحانه. (يدني) يقرب. (كنفه) ستره وحفظه. (هلك) باستحقاقه العذاب على ذنوبه. (الأشهاد) جمع شاهد وشهيد وهم الرسل والملائكة والمؤمنون من الإنس والجن. (كذبوا على ربهم) بنسبة الشريك له والولد وأن الله تعالى لا يبعثهم بعد موتهم سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا. (لعنة الله) الطرد من رحمته والعذاب الدائم في جهنم. (الظالمين) المشركين والكافرين ومن على شاكلتهم].

بيان مشكل الآثار ـ الطحاوى: عن أبي سعيد الخدري عن أبيه عن جده قال كنا نتناوب رسول الله صلى الله عليه وسلم تكون له الحاجة أو يرسلنا لبعض الأمر فكثر المحتسبون من أصحاب النوب فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتذاكر الدجال فقال ما هذا النجوى ألم أنهكم عن النجوى قال قلنا يا رسول الله كنا نتذاكر المسيح الدجال فرقا منه قال غير ذلك أخوف عليكم الشرك الخفي أن يعمل الرجل لمكان الرجل.
وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يتسار اثنان دون الثالث. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا كان ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون واحد.
)))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))

وقفة مع: اذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن
******************************
احكام الطلاق
احكام الايلاء احكام الظهار - احكام الخلع
*************************************************
احكام الطلاق
)))))))))))))))))))))))
= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا [الأحزاب: 49]}}.
= {{وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [البقرة: 237]}}.
صحيح البخارى: وقول الله تعالى {طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا. الأحزاب 49}. وقال ابن عباس جعل الله الطلاق بعد النكاح. ويروي عن علي وسعيد بن المسيب: أنها لا تطلق. (سراحا جميلا) طلاقا لا إضرار فيه. (أنها لا تطلق) أي لو قال رجل لامرأة ليست بزوجة له أنت طالق ثم تزوجها فلا تطلق منه ولا تعتد بقوله السابق لأنه لم يكن بينه وبينها زواج والطلاق حل لعقد الزواج فلا يكون قبله].
وقوله تعالى {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة}

إلى قوله {إن الله بما تعملون بصير. البقرة 236، 237}. وقوله {و للمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين. كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون. البقرة 241، 242}. [ش (لا جناح) لا إثم ولا شيء من المهر. (تمسوهن) تجامعوهن. (أو تفرضوا لهن فريضة) ولم تعينوا لهن مهرا. (إلى قوله) وتتمتها {ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين. وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وأن تعفو أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم} (متعوهن) أعطوهن شيئا من المال يتمتعن به (الموسع) الغني. (المقتر) الفقير. (قدره) المقدار الذي يطيقه حسب حاله. (بالمعروف) حسبما يليق بالمروءة ويستحسنه الشرع. (حقا) حق ذلك ووجب. (المحسنين) المطيعين لأمر الله تعالى. (يعفون) يتنازل الزوجات عن حقهن. (الذي بيده عقدة النكاح) الزوج الذي يستطيع أن يبرم عقد الزواج وأن يديمه أو ينهيه والمعنى إذا تنازل عن كل المهر. (الفضل) أن يتفضل بعضكم على بعض ويحسن إليه. (للمطلقات) حق ثابت لهن. واستدل البخاري بهذه الآيات والتي قبلها على وجوب المتعة لكل مطلقة].

فتاوى الأزهر: أن الشبكة إذا لم تذكر ضمن المهر تصبح فى حكم الهبة شرعا. وقد نص الفقهاء على أن الزوجية من موانع الرجوع فى الهبة شرعا. وعلى هذا ففى الحادثة موضوع السؤال يكون من حق الزوجة شرعا إذا كان طلاقها قد تم قبل الدخول والخلوة الصحيحة نصف جميع المهر، ويكون للزوج شرعا الحق فى استرداد ما زاد عن نصف جميع المهر. أما الشبكة فتكون جميعها من حق الزوجة شرعا لأنها والحالة هذه فى حكم الهبة شرعا، والزوجية من موانع الرجوع فى الهبة شرعا.

احكام القران لابن عربي: (مَسْأَلَةٌ مِنْ بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ): {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} وَهِيَ مُعْضِلَةٌ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا: فَقِيلَ: هُوَ الزَّوْجُ ; قَالَهُ عَلِيٌّ وَشُرَيْحٌ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَجُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ وَمُجَاهِدٌ وَالثَّوْرِيُّ، وَاخْتَارَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْهِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّهُ الْوَلِيُّ ; قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنُ، وَعِكْرِمَةُ ......
بداية المجتهد ونهاية المقتصد: قوله "الذي بيده عقدة النكاح" على من يعود هذا الضمير هل على الولي أو على الزوج؟. فمن قال على الزوج جعل "يعفو" بمعنى يهب.
ومن قال على الولي جعل "يعفو" بمعنى يسقط.

تفسير ابن كثير: (ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ): عن سعيد بن المسيب, قال: نسخت هذه الاَية التي في الأحزاب الاَية التي في البقرة. وقد روى البخاري في صحيحه, عن سهل بن سعد وأبي أسيد. أنهما قالا: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أميمة بنت شرحبيل, فلما أدخلت عليه, بسط يده إليها, فكأنها كرهت ذلك, فأمر أبا أسيد أن يجهزها ويكسوها ثوبين أزرقين. وهذه الاَية الكريمة فيها أحكام كثيرة منها إطلاق النكاح على العقد وحده, وليس في القرآن آية أصرح في ذلك منها, وقد اختلفوا في النكاح: هل هو حقيقة في العقد وحده أو في الوطء أو فيهما؟. واستعمال القرآن إنما هو في العقد والوطء بعده إلا في هذه الاَية, فإنه استعمل في العقد وحده لقوله تبارك وتعالى: {إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن} وفيها دلالة لإباحة طلاق المرأة قبل الدخول بها.

الموسوعة الفقهية الكويتية: {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا}: ولأنّ وجوبها بطريق استبراء الرّحم، والحاجة إلى الاستبراء بعد الدّخول لا قبله، إلاّ أنّ الخلوة الصّحيحة في النّكاح الصّحيح أقيمت مقام الدّخول في وجوب العدّة الّتي فيها حقّ اللّه تعالى، لأنّ حقّ اللّه تعالى يحتاط في إيجابه، ولأنّ التّسليم بالواجب بالنّكاح قد حصل بالخلوة الصّحيحة فتجب به العدّة كما تجب بالدّخول، لأنّ الخلوة الصّحيحة إنّما أقيمت مقام الدّخول في وجوب العدّة مع أنّها ليست بدخول حقيقةً لكونها سبباً مفضياً إليه، فأقيمت مقامه احتياطاً إقامةً للسّبب مقام المسبّب فيما يحتاط فيه. ووجوب العدّة عند المالكيّة بالخلوة الصّحيحة حتّى ولو نفى الزّوجان الوطء فيها، لأنّ العدّة حقّ اللّه تعالى فلا تسقط باتّفاقهما على نفي الوطء.
المغني لابن قدامة: فإن فرض لها بعد العقد ثم طلقها قبل الدخول فلها نصف ما فرض لها ولا متعة وهذا قول ابن عمر و عطاء و الشعبي و النخعي و الشافعي و أبي عبيد وعن أحمد أن لها المتعة ويسقط المهر وهو قول أبي حنيفة لأنه نكاح عري عن تسميته فوجبت به المتعة كما لو لم يفرض لها ولنا قوله تعالى: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم} ولأنه مفروض يستقر بالدخول فتنصف بالطلاق قبله كالمسمى في العقد.

= {{وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة: 227]}}.

= {{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة: 228]}}.
= {{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة: 229]}}.
= {{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [البقرة: 230]}}.
= {{وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة: 231]}}.

= {{وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [البقرة: 232]}}.
***************************************************
احكام الايلاء
))))))))))))))))))
= {{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة: 226]}}.
= {{وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة: 227]}}.

تفسير القرطبي: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ} "يؤلون" معناه يحلفون. وقرأ أبي وابن عباس "للذين يقسمون". ومعلوم أن "يقسمون" تفسير "يؤلون". وقرئ "للذين آلوا" أي حلف، ومنه {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ}. قال عبدالله بن عباس: كان إيلاء الجاهلية السنة والسنتين وأكثر من ذلك، يقصدون بذلك إيذاء المرأة عند المساءة، فوقت لهم أربعة أشهر، فمن آلى بأقل من ذلك فليس بإيلاء حكمي. وقد آلى النبي صلى الله عليه وسلم وطلق، وسبب إيلائه سؤال نسائه إياه من النفقة ما ليس عنده. واختلف العلماء فيما يقع به الإيلاء من اليمين، فقال قوم: لا يقع الإيلاء إلا باليمين بالله تعالى وحده لقوله عليه السلام: "من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت". وبه قال الشافعي في الجديد. وقال ابن عباس: "كل يمين منعت جماعا فهي إيلاء". فإن حلف بالله ألا يطأ واستثنى فقال: إن شاء الله فإنه يكون موليا، فإن وطئها فلا كفارة عليه. وقال الجمهور: الإيلاء هو أن يحلف ألا يطأ أكثر من أربعة أشهر، فان حلف على أربعة فما دونها لا يكون موليا، وكانت عندهم يمينا محضا، لو وطئ في هذه المدة لم يكن عليه شيء كسائر الأيمان، هذا قول مالك والشافعي وأحمد وأبي ثور. وقال الثوري والكوفيون: الإيلاء أن يحلف على أربعة أشهر فصاعدا، وهو قول عطاء. قال الكوفيون: جعل الله التربص في الإيلاء أربعة أشهر كما جعل عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرا، وفي العدة ثلاثة قروء، فلا تربص بعد. قالوا: فيجب بعد المدة سقوط الإيلاء، ولا يسقط إلا بالفيء وهو الجماع في داخل المدة، والطلاق بعد انقضاء الأربعة الأشهر. قال الكوفيون: جعل الله التربص في الإيلاء أربعة أشهر كما جعل عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرا، وفي العدة ثلاثة قروء، فلا تربص بعد. قالوا: فيجب بعد المدة سقوط الإيلاء، ولا يسقط إلا بالفيء وهو الجماع في داخل المدة، والطلاق بعد انقضاء الأربعة الأشهر.

واختلفوا أن من حلف ألا يطأ امرأته أكثر من أربعة أشهر فانقضت الأربعة الأشهر ولم تطالبه امرأته ولا رفعته إلى السلطان ليوقفه، لم يلزمه شيء عند مالك وأصحابه وأكثر أهل المدينة. ومن علمائنا من يقول: يلزمه بانقضاء الأربعة الأشهر طلقة رجعية. ومنهم ومن غيرهم من يقول: يلزمه طلقة بائنة بانقضاء الأربعة الأشهر. والصحيح ما ذهب إليه مالك وأصحابه، وذلك أن المولي لا يلزمه طلاق حتى يوقفه السلطان بمطالبة زوجته له ليفيء فيراجع امرأته بالوطء ويكفر يمينه أو يطلق، ولا يتركه حتى يفيء أو يطلق.

القاموس الفقهي: الإيلاء: لغة: عرّف: بأنه الحلف مطلقا سواء أ كان على ترك قربان الزوجة أم على شي ء آخر مأخوذ من آلى يولى إيلاء و ألية: إذا حلف على فعل شي ء أو تركه. وكان الرجل في الجاهلية إذا غضب من زوجته حلف ألّا يطأها السنة و السنتين، أو لا يطأها أبدا و يمضى في يمينه من غير لوم أو حرج، و قد تقضى المرأة عمرها كالمعلقة، فلا هي زوجة تتمتع بحقوق الزوجة، و لا هي مطلقة تستطيع أن تتزوج برجل آخر فيغنيها اللّه من سعته. فلما جاء الإسلام أنصف المرأة و وضع للإيلاء أحكاما خففت من إضراره، و حدد للمولى أربعة أشهر و ألزمه إما بالرجوع إلى معاشرة زوجته و إما بالطلاق عليه.

صحيح البخارى: عن نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يقول في الإيلاء الذي سمى الله: لا يحل لأحد بعد الأجل إلا أن يمسك بالمعروف أو يعزم الطلاق كما أمر الله عز و جل. وعن نافع عن ابن عمر إذا مضت أربعة أشهر يوقف حتى يطلق ولا يقع عليه الطلاق حتى يطلق.

صحيح مسلم: (باب في الإيلاء واعتزال النساء وتخييرهن، وقوله تعالى: {وإن تظاهرا عليه}): عن عبدالله ابن عباس. حدثني عمر بن الخطاب قال: لما اعتزل نبي الله صلى الله عليه وسلم نساءه قال: دخلت المسجد. فإذا الناس ينكتون بالحصى ويقولون: طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه. وذلك قبل أن يؤمرن بالحجاب. فقال عمر فقلت: لأعلمن ذلك اليوم. قال: فدخلت على عائشة. فقلت: يا بنت أبي بكر! أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت: مالى ومالك يا ابن الخطاب؟ عليك بعيبتك. قال: فدخلت على حفصة بنت عمر. فقلت لها: يا حفصة! أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ والله! لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحبك. ولولا أنا لطلقك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فبكت أشد البكاء. فقلت لها: أين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: هو في خزانته في المشربة. فدخلت فإذا أنا برباح غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدا على أسكفة المشربة. مدل رجليه على نقير من خشب. وهو جذع يرقى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وينحدر. فناديت: يا رباح! استأذن لي عندك على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فنظر رباح إلى الغرفة. ثم نظر إلي فلم يقل شيئا. ثم قلت: يا رباح! استأذن لي عندك على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فنظر رباح إلى الغرفة. ثم نظر إلي. فلم يقل شيئا. ثم رفعت صوتي فقلت: يا رباح! استأذن لي عندك على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإني أظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظن أني جئت من أجل حفصة. والله! لئن أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بضرب عنقها لأضربن عنقها. ورفعت صوتي. فأومأ إلي أن ارقه. فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على حصير. فجلست. فأدنى عليه إزاره. وليس عليه غيره. وإذا الحصير قد أثر في جنبه.
***************************************************
احكام الظهار
))))))))))))))))

= {{الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ [المجادلة: 2]}}.
= {{وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [المجادلة: 3]}}.
= {{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ [المجادلة: 4]}}.
تفسير القرطبي: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ}: وذكر الظهر كناية عن معنى الركوب، والآدمية إنما يركب بطنها ولكن كنى عنه بالظهر، لأن ما يركب من غير الآدميات فإنما يركب ظهره، فكنى بالظهر عن الركوب. ويقال: نزل عن امرأته أي طلقها كأنه نزل عن مركوب. ومعنى أنت علي كظهر أمي: أي أنت علي محرمة لا يحل لي ركوبك. وقد أجمع الفقهاء على أن من قال لزوجته: أنت علي كظهر أمي أنه مظاهر. وأكثرهم على أنه إن قال لها: أنت علي كظهر ابنتي أو أختي أو غير ذلك من ذوات المحارم أنه مظاهر. وأصل الظهار أن يقول الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أمي. وإنما ذكر الله الظهر كناية عن البطن وسترا. ولا يقرب المظاهر امرأته ولا يباشرها ولا يتلذذ منها بشيء حتى يكفر كما نصت الايات القرآنية.

وعن ابن عباس: أن رجلا ظاهر من امرأته فغشيها قبل أن يكفر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال: "ما حملك على ذلك" فقال: يا رسول الله! رأيت بياض خلخالها في ضوء القمر فلم أملك نفسي أن وقعت عليها فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وأمره ألا يقربها حتى يكفر.
{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} لما قالوا، أي فعليهم تحرير رقبة من أجل ما قالوا. فإن عجز عن الرقبة فعليه صوم شهرين متتابعين, فإن أفطر في أثنائهما بغير عذر استأنفهما، وإن أفطر لعذر من سفر أو مرض، فقيل: يبني. فمن لم يستطع الصوم: {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا}.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد: الأصل في الظهار الكتاب والسنة. فأما الكتاب فقوله تعالى {والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة} الآية. وأما السنة فحديث خولة بنت مالك بن ثعلبة قالت "ظاهر مني زوجي أويس ابن الصامت، فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أشكو إليه، ورسول الله يجادلني فيه ويقول: اتقي الله فإنه ابن عمك، فما خرجت حتى أنزل الله {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما} الآيات، فقال: ليعتق رقبة، قالت: لا يجد، قال: فيصوم شهرين متتابعين، قالت: يا رسول الله إنه شيخ كبير ما به من صيام، قال: فليطعم ستين مسكينا، قالت: ما عنده من شيء يتصدق به، قال: فإني سأعينه بعرق من تمر، قالت: وأنا أعينه بعرق آخر، قال: لقد أحسنت اذهبي فأطعمي عنه ستين مسكينا".
1 - ألفاظ الظهار: اتفق العلماء على أن الرجل إذا قال لزوجته: أنت علي كظهر أمي أنه ظهار.
شروط وجوب الكفارة: فإن الظهار يشبه الكفارة في اليمين، فكما أن الكفارة إنما تلزم بالمخالفة أو بإرادة المخالفة، كذلك الأمر في الظهار.

2 - ما يحرم على المظاهر: المظاهر يحرم عليه الوطء، واختلفوا فيما دونه من ملامسة ووطء في غير الفرج ونظر اللذة، فذهب مالك إلى أنه يحرم الجماع وجميع أنواع الاستمتاع مما دون الجماع من الوطء فيما دون الفرج واللمس والتقبيل والنظر للذة ما عدا وجهها وكفيها ويديها من سائر بدنها ومحاسنها. وقال أبو حنيفة إلا أنه إنما كره النظر للفرج فقط. وقال الشافعي: إنما يحرم الظهار الوطء في الفرج فقط
3 - أحكام كفارة الظهار: ثلاثة أنواع: إعتاق رقبة، أو صيام شهرين، أو إطعام ستين مسكينا، وأنها على الترتيب.
صحيح أبي داود: عن خويلة بنت مالك بن ثعلبة قالت ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت فجئت رسول الله صلى الله عليه و سلم أشكو إليه ورسول الله صلى الله عليه و سلم يجادلني فيه ويقول اتقي الله فإنه ابن عمك فما برحت حتى نزل القرآن (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها) إلى الفرض فقال يعتق رقبة قالت لا يجد قال فيصوم شهرين متتابعين قالت يا رسول الله إنه شيخ كبير ما به من صيام قال فليطعم ستين مسكينا قالت ما عنده من شيء يتصدق به قالت فأتي ساعتئذ بعرق من تمر قلت يا رسول الله فإني أعينه بعرق آخر قال قد أحسنت اذهبي فأطعمي بها عنه ستين مسكينا وارجعي إلى ابن عمك قال والعرق ستون صاعا.
صحيح ابن ماجة: قالت عائشة تبارك الذي وسع سمعه كل شيء إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفى علي بعضه وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وهي تقول يا رسول الله أكل شبابي ونثرت له بطني حتى إذا كبرت سني وانقطع ولدي ظاهر مني اللهم إني أشكو إليك فما برحت حتى نزل جبرائيل بهؤلاء الآيات (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله).
**********************************************************

= {{وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة: 229]}}.

احكام الخلع
)))))))))))))))))
بداية المجتهد ونهاية المقتصد: الخلع والفدية والصلح والمبارأة كلها تئول إلى معنى واحد، وهو بذل المرأة العوض على طلاقها، إلا أن اسم الخلع يختص ببذلها له جميع ما أعطاها والصلح ببعضه والفدية بأكثره والمبارأة بإسقاطها عنه حقا لها عليه.
جواز الخلع
)))))))))))))))
الأصل في الخلع الكتاب والسنة: أما الكتاب فقوله تعالى {فلا جناح عليهما فيما افتدت به}. وأما السنة فحديث ابن عباس "أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ثابت بن قيس لا أعيب عليه في خلق ولا دين، ولكن أكره الكفر بعد الدخول في الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقبل الحديقة وطلقها طلقة واحدة".
شروط الخلع
))))))))))))))))))))
(المسألة الأولى) أما مقدار ما يجوز لها أن تختلع به، فإن مالكا والشافعي وجماعة قالوا: جائز أن تختلع المرأة بأكثر مما يصير لها من الزوج في صداقها إذا كان النشوز من قبلها وبمثله وبأقل منه.
(المسألة الثانية) فإن الشافعي وأبا حنيفة يشترطان فيه أن يكون معلوم الصفة ومعلوم الوجوب.
(المسألة الثالثة) وأما ما يرجع إلى الحال التي يجوز فيها الخلع من التي لا يجوز فإن الجمهور على أن الخلع جائز مع التراضي إذا لم يكن سبب رضاها بما تعطيه إضراره بها، والأصل في ذلك قوله تعالى {ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} وقوله تعالى {فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به}.

(المسألة الرابعة) وأما من يجوز له الخلع ممن لا يجوز فإنه لا خلاف عند الجمهور أن الرشيدة تخالع عن نفسها.
)))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: اذا نودي للصلاة
*******************

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الجمعة: 9]}}.
= {{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الجمعة: 10]}}.
= {{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [الجمعة: 11]}}.

تفسير القرطبي: وعن سلمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما سميت جمعة لأن الله جمع فيها خلق آدم". وقيل: لأن الله تعالى فرغ فيها من خلق كل شيء فاجتمعت فيها المخلوقات. وقيل: لتجتمع الجماعات فيها. وقيل: لاجتماع الناس فيها للصلاة.
{إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ} يختص بوجوب الجمعة على القريب الذي يسمع النداء، فأما البعيد الدار الذي لا يسمع النداء فلا يدخل تحت الخطاب. واختلف فيمن يأتي الجمعة من الداني والقاصي، فقال ابن عمر وأبو هريرة وأنس: تجب الجمعة على من في المصر على ستة أميال. وقال ربيعة: أربعة أميال. وقال مالك والليث: ثلاثة أميال. وقال الشافعي: اعتبار سماع الأذان أن يكون المؤذن صيتا، والأصوات هادئة، والريح ساكنة وموقف المؤذن عند سور البلد.

وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين ". وهذا حجة واضحة في وجوب الجمعة وفرضيتها. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ترل الجمعة ثلاث مرات تهاونا بها طبع الله على قلبه". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ترك الجمعة ثلاثا من غير ضرورة طبع الله على قلبه". وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الرواح إلى الجمعة واجب على كل مسلم".
ولا تسقط الجمعة لكونها في يوم عيد، خلافا لأحمد بن حنبل فإنه قال: إذا اجتمع عيد وجمعة سقط فرض الجمعة؛ لتقدم العيد عليها واشتغال الناس به عنها. وعن النعمان بن بشير قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيدين وفي الجمعة: بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} قال وإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد يقرأ بهما أيضا في الصلاتين.
قوله تعالى: {وَذَرُوا الْبَيْعَ} منع الله عز وجل منه عند صلاة الجمعة، وحرمه في وقتها على من كان مخاطبا بفرضها. والبيع لا يخلو عن شراء فاكتفى بذكر أحدهما. وخص البيع لأنه أكثر ما يشتغل به أصحاب الأسواق. ومن لا يجب عليه حضور الجمعة فلا ينهى عن البيع والشراء.
{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا}: عن جابر بن عبدالله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائما يوم الجمعة، فجاءت عير من الشام فانفتل الناس إليها حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلا وأنا فيهم وفيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة قبل الخطبة مثل العيدين، حتى كان يوم جمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، وقد صلى الجمعة، فدخل، رجل فقال: إن دحية بن خليفة الكلبي قدم بتجارة، وكان دحية إذا قدم تلقاه أهله بالدفاف؛ فخرج الناس فلم يظنوا إلا أنه ليس في ترك الخطبة شيء؛ فأنزل الله عز وجل: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا}. فقدم النبي صلى الله عليه وسلم الخطبة يوم الجمعة وأخر الصلاة.
{قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ}: فيه وجهان: أحدهما: ما عند الله من ثواب صلاتكم خير من لذة لهوكم وفائدة تجارتكم. الثاني: ما عند الله من رزقكم الذي قسمه لكم خير مما أصبتموه من لهوكم وتجارتكم.

صحيح البخارى: عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: (الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم). [ش: (واجب) متأكد في حقه وليس المراد الواجب المعاقب على تركه. (محتلم) بالغ مدرك].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن عمر بن الخطاب بينما هو قائم في الخطبة يوم الجمعة إذا دخل رجل من المهاجرين الأولين من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم فناداه عمر أية ساعة هذه؟ قال إني شغلت فلم انقلب إلى أهلي حتى سمعت التأذين فلم أزد أن توضأت. فقال والوضوء أيضا وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يأمر بالغسل.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر).

وعن السائب بن يزيد قال: كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي صلى الله عليه و سلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما فلما كان عثمان رضي الله عنه وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء. [ش (النداء) الأذان عند دخول الوقت وسمي ثالثا لأنه مزيد على الأذان بين يدي الإمام والإقامة للصلاة. (الزوراء) في نسخة بعدها (قال أبو عبد الله الزوراء موضع بالسوق بالمدينة)].
عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه و سلم: (إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على باب المسجد يكتبون الأول فالأول ومثل المهجر كمثل الذي يهدي بدنة ثم كالذي يهدي بقرة ثم كبشا ثم دجاجة ثم بيضة فإذا خرج الإمام طووا صحفهم ويستمعون الذكر).

وعن أنس بن مالك قال: أصابت الناس سنة على عهد النبي صلى الله عليهه وسلم فبينما النبي صلى الله عليه و سلم يخطب في يوم جمعة قام أعرابي فقال يا رسول هلك المال وجاع العيال فادع الله لنا. فرفع يديه وما نرى في السماء قزعة فوالذي نفسي بيده ما وضعها حتى ثار السحاب أمثال الجبال ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته صلى الله عليه و سلم فمطرنا يومنا ذلك ومن الغد وبعد الغد والذي يليه حتى الجمعة الأخرى. وقام ذلك الأعرابي أو قال غيره فقال يارسول الله تهدم البناء وغرق المال فادع الله لنا. فرفع يديه فقال (اللهم حوالينا ولا علينا). فما يشير بيده إلى ناحية من السحاب إلا انفرجت وصارت المدينة مثل الجوبة وسال الوادي قناة شهرا ولم يجىء أحد من ناحية إلا حدث بالجود. [ش: (سنة) شدة وجهد وقحط. (العيال) هم كل من يعوله الرجل ويقوم بالإنفاق عليه. (قزعة) قطعة غيم أو الغيم الرقيق. (ثار) هاج وانتشر. (السحاب) الغيم. (يتحادر) ينزل ويقطر. (حوالينا) أنزل المطر في جوانبنا. (الجوبة) الفرجة المستديرة في السحاب أو أحاطت بها المياه كالحوض المستدير. (قناة) اسم لواد معين من أودية المدينة. (بالجود) المطر الغزير].
وعن عبد الله بن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين وبعد المغرب ركعتين في بيته وبعد العشاء ركعتين وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين.

وعن سهل قال: كانت فينا امرأة تجعل على أربعاء في مزرعة لها سلقا فكانت إذا كان يوم جمعة تنزع أصول السلق فتجعله في قدر ثم تجعل عليه قبضة من شعير تطحنها فتكون أصول السلق عرقه وكنا ننصرف من صلاة الجمعة فنسلم عليها فتقرب ذلك الطعام إلينا فنلعقه وكنا نتمنى يوم الجمعة لطعامها ذلك. [ش: (تحقل) تزرع. (أربعاء) ساقية صغيرة. (سلقا) هو نوع من البقل. (عرقه) لحمه أي قامت مقامه قطع اللحم فيه وفي نسخة (غرقة) تغرق في المرق لشدة نضجه وفي نسخة (غرفه) مرقه الذي يغرف. (فنلعقه) نلحسه].
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن امرأة من الأنصار قالت لرسول الله صلى الله عليه و سلم يا رسول الله ألا أجعل لك شيئا تقعد عليه فإن لي غلاما نجارا. قال (إن شئت). قال فعملت له المنبر فلما كان يوم الجمعة قعد النبي صلى الله عليه و سلم على المنبر الذي صنع فصاحت النخلة التي كان يخطب عندها حتى كادت تنشق فنزل النبي صلى الله عليه و سلم حتى أخذها فضمها إليه فجعلت تئن أنين الصبي الذي يسكت حتى استقرت قال (بكت على ما كانت تسمع من الذكر)
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: أقبلت عير يوم الجمعة ونحن مع النبي صلى الله عليه و سلم فثار الناس إلا اثني عشر رجلا فأنزل الله {وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما}.

صحيح مسلم: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت الصلوات؟ فقال "وقت صلاة الفجر ما لم يطلع قرن الشمس الأول. ووقت صلاة الظهر إذا زالت الشمس عن بطن السماء. ما لم يحضر العصر. ووقت صلاة العصر ما لم تصفر الشمس. ويسقط قرنها الأول. ووقت صلاة المغرب إذا غابت الشمس ما لم يسقط الشفق. ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل".

((ما صليت خلف أحد أوجز صلاة من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، في تمام. كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم متقاربة. وكانت صلاة أبي بكر متقاربة. فلما كان عمر بن الخطاب مد في صلاة الفجر وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال "سمع الله لمن حمده" قام. حتى نقول: قد أوهم. ثم يسجد. ويقعد بين السجدتين. حتى نقول: قد أوهم.)).

صحيح مسلم: {{قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس. ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس"}}.
صحيح البخارى: عن أم سلمة صلى النبي صلى الله عليه و سلم بعد العصر ركعتين وقال (شغلني ناس من عبد القيس عن الركعتين بعد الظهر).
وعن عائشة قالت: ركعتان لم يكن رسول الله صلى الله عليه و سلم يدعهما سرا ولا علانية ركعتان قبل الصبح وركعتان بعد العصر.

صحيح البخارى: عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة). (الفذ) المنفرد.
وعن أبي سعيد الخدري: أنه سمع النبي صلى الله عليه و سلم يقول (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة.
وعن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: (تفضل صلاة الجميع صلاة أحدكم وحده بخمسة وعشرين جزءا وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر). ثم يقول أبو هريرة فاقرؤوا إن شئتم {إن قرآن الفجر كان مشهودا}.

صحيح مسلم: عن ابن عمر قال: بينما الناس في صلاة الصبح بقباء إذ جاءهم آت فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة. وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها. وكانت وجوههم إلى الشام. فاستداروا إلى الكعبة.

صحيح البخارى: عن ابن عمر رضي الله عنهما: بينما الناس في الصبح بقباء جاءهم رجل فقال إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أنزل عليه الليلة قرآن وأمر أن يستقبل الكعبة ألا فاستقبلوها وكان وجه الناس إلى الشأم فاستداروا بوجوههم إلى الكعبة.

سنن الدارمي: عن عبد الله بن عمرو قال بلغني ان النبي صلى الله عليه و سلم قال: صلاة الرجل جالسا نصف الصلاة قال فدخلت على النبي صلى الله عليه و سلم وهو يصلي جالسا فقلت يا رسول الله انه بلغني انك قلت صلاة الرجل جالسا نصف الصلاة وأنت تصلي جالسا قال أجل ولكني لست كأحد منكم
صحيح مسلم: عن عبدالله بن عمرو؛ قال: حدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة الرجل قاعدا نصف الصلاة" قال فأتيته فوجدته يصلي جالسا. فوضعت يدي على رأسه. فقال: مالك يا عبدالله ابن عمرو؟ قلت: حدثت، يا رسول الله! أنك قلت "صلاة الرجل قاعدا على نصف الصلاة" وأنت تصلي قاعدا! قال "أجل. ولكني لست كأحد منكم".

مسند أحمد بن حنبل: أخبرني أنس بن مالك قال: قدم النبي صلى الله عليه و سلم المدينة وهى محمة فحم الناس فدخل النبي صلى الله عليه و سلم المسجد والناس قعود يصلون فقال النبي صلى الله عليه و سلم صلاة القاعد نصف صلاة القائم فتجشم الناس الصلاة قياما.
العرف الشذي للكشميري: عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص أنه عليه الصلاة والسلام رأى الصحابة مصلين السبحة قعوداً حين مرضوا في المدينة، وقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صلاة القاعد نصف صلاة القائم. فصلوا قياماً بعد قوله عليه الصلاة والسلام. وليعلم أن المعذور على قسمين معذور لا يقدر على القيام ولو بكلفة والثاني هو الذي يقدر عليه بتحمل الكلفة.
شرح السيوطي على مسلم: صلاة الرجل قاعدا نصف صلاة فسره الجمهور على تنصيف الثواب على من صلى النفل قاعدا مع قدرته على القيام.

صحيح مسلم: عن مختار بن فلفل قال: سألت أنس بن مالك عن التطوع بعد العصر؟ فقال: كان عمر يضرب الأيدي على صلاة بعد العصر. وكنا نصلي على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب. فقلت له: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاهما؟ قال: كان يرانا نصليهما فلم يأمرنا ولم ينهنا.
وعن أنس بن مالك؛ قال: كنا بالمدينة فإذا أذن المؤذن لصلاة المغرب ابتدروا السواري. فيركعون ركعتين ركعتين. حتى إن الرجل الغريب ليدخل المسجد فيحسب أن الصلاة قد صليت، من كثرة من يصليهما.
وعن عبدالله بن مغفل المزني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "بين كل أذانين صلاة" قالها ثلاثا. قال في الثالثة "لمن شاء".
تحفة الأحوذي للمباركفوري: عن رغبان مولى حبيب بن مسلمة قال لقد رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يهبون إليهما كما يهبون إلى المكتوبة يعني الركعتين قبل المغرب. وعن خالد بن معدان أنه كان يركع ركعتين بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب لم يدعهما حتى لقي الله وكان يقول إن أبا الدرداء كان يركعهما يقول لا أدعهما وإن ضربت بالسياط. وقال عبد الله بن عمرو الثقفي رأيت جابر بن عبد الله يصلي ركعتين قبل المغرب. وعن يحيى بن سعيد أنه صحب أنس بن مالك إلى الشام فلم يكن يترك ركعتين عند كل أذان. وسئل قتادة عن الركعتين قبل المغرب فقال كان أبو برزة يصليهما. وعن سعيد بن المسيب حق على كل مؤمن إذا أذن أن يركع ركعتين.

صحيح البخارى: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يصلي إحدى عشرة ركعة كانت تلك صلاته يسجد السجدة من ذلك قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه ويركع ركعتين قبل الفجر ثم يضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المنادي للصلاة.

وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه أخبره: أنه سأل عائشة رضي الله عنها كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم في رمضان؟ فقالت ما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعا فلا تسل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا فلا تسل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثا. قالت عائشة فقلت يارسول الله أتنام قبل أن توتر؟. فقال (يا عائشة إن عيني تنامان ولا ينام قلبي).
صحيح مسلم: عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم؛ قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء (وهي التي يدعو الناس العتمة) إلى الفجر، إحدى عشرة ركعة. يسلم بين كل ركعتين. ويوتر بواحدة. فإذا سكت المؤذن من صلاة الفجر، وتبين له الفجر، وجاءه المؤذن قام فركع ركعتين خفيفتين. ثم اضطجع على شقه الأيمن. حتى يأتيه المؤذن للإقامة.

صحيح البخارى: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: رأيت النبي صلى الله عليه و سلم إذا أعجله السير في السفر يؤخر صلاة المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء. قال سالم وكان عبد الله يفعله إذا أعجلها السير ويقيم المغرب فيصليها ثلاثا ثم يسلم ثم قلما يلبث حتى يقيم العشاء فيصليها ركعتين ثم يسلم ولا يسبح بينهما بركعة ولا بعد العشاء بسجدة حتى يقوم من جوف الليل.
صحيح مسلم: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا أعجله السير في السفر، يؤخر صلاة المغرب حتى يجمع بينها وبين صلاة العشاء.

صحيح مسلم: عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنها قالت: فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، في الحضر والسفر. فأقرت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر.
صحيح ابن حبان: عن عائشة أنها قالت: فرضت الصلاة ركعتين ركعتين في الحضر والسفر فأقرت صلاة السفر وزيد في الحضر.

معرفة السنن والآثار للبيهقي: قالت عائشة: أن أول ما فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وصل إلى كل صلاة مثلها، غير المغرب فإنها وتر، وصلاة الصبح لطول قراءتها.

صحيح البخارى: عن علي رضي الله عنه قال: لما كان يوم الأحزاب قال رسول الله صلى الله عليه و سلم (ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس).
صحيح مسلم: لما كان يوم الأحزاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا. كما حبسونا وشغلونا عن الصلاة الوسطى. حتى غابت الشمس".

الصلاة المثلي كما بين الرسول صلي الله عليه وسلم
))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
صحيح البخارى: عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلا دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه و سلم جالس في ناحية المسجد فصلى ثم جاء فسلم عليه فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم (وعليك السلام ارجع فصل فإنك لم تصل). فرجع فصلى ثم جاء فسلم فقال (وعليك السلام فارجع فصل فإنك لم تصل). فقال في الثانية أو في التي بعدها علمني يا رسول الله:
فقال: {{(إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ بما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تستوي قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ثم افعل ذلك في صلاتك كلها)}}.

سنن الدارمي: سمعت عقبة بن عامر يقول: لما نزلت {فسبح باسم ربك العظيم} قال لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم اجعلوها في ركوعكم فلما نزلت {سبح اسم ربك الأعلى} قال اجعلوها في سجودكم.

صحيح مسلم: عن علي بن أبي طالب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أنه كان إذا قام إلى الصلاة قال:

1 - {{"وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين. إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين. اللهم! أنت الملك لا إله إلا أنت. واهدني لأحسن الأخلاق. لا يهدي لأحسنها إلا أنت. واصرف عني سيئها. لا يصرف عني سيئها إلا أنت. لبيك! وسعديك! والخير كله في يديك. والشر ليس إليك. أنا بك وإليك. تباركت وتعاليت. أستغفرك وأتوب إليك"}}. 2 - وإذا ركع قال: (("اللهم! لك ركعت. وبك آمنت. ولك أسلمت. خشع لك سمعي وبصري. ومخي وعظمي وعصبي". وإذا رفع قال "اللهم! ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد")).
3 - وإذا سجد قال: {{"اللهم! لك سجدت. وبك آمنت. ولك أسلمت. سجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره. تبارك الله أحسن الخالقين"}}.
4 - ويقول بين التشهد والتسليم: (("اللهم! اغفر لي ما قدمت وما أخرت. وما أسررت وما أعلنت. وما أسرفت. وما أنت أعلم به مني. أنت المقدم وأنت المؤخر. لا إله إلا أنت")).

الافتراش والاقعاء:
****************
صحيح ابن خزيمة: ((باب إباحة الإقعاء على القدمين بين السجدتين وهذا من جنس اختلاف المباح فجائز أن يقعي المصلي على القدمين بين السجدتين وجائز أن يفترش اليسرى وينصب اليمنى)): قلنا لابن عباس في الإقعاء على القدمين؟. فقال: هي السنة فقلنا: إنا لنراه جفاء بالرجل فقال: بل هي سنة نبيك صلى الله عليه وسلم.
مشكل الآثار للطحاوي: الإقْعاء: أن يُلْصِقَ الرجُل ألْيَتَيه بالأرض، ويَنْصِب ساقَيه وفَخِذَيه، ويَضَع يديه على الأرض كما يُقْعِي الكلْب. وقيل: هو أن يضع ألْيَتَيه على عَقِبَيْه بين السجدتين.

الفقه على المذاهب الأربعة للجزيرى: الإقعاء: وهو أن يضع أليتيه على الأرض، وينصب ركبتيه، لقول أبي هريرة رضي اللّه عنه: "نهاني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن نقر كنقر الديك، وإقعاء كإقعاء الكلب، والتفات كالتفات الثعلب".
الموسوعة الفقهية الكويتية: يرى جمهور الفقهاء أنّ المصلّي يسنّ له في التّشهّد الأوّل في الصّلاة الرّباعيّة والثّلاثيّة الافتراش عند القعود. والافتراش: أن ينصب قدمه اليمنى قائمة على أطراف الأصابع ويفرش رجله اليسرى بأن يلصق ظهرها بالأرض ويجلس على باطنها.
أمّا التّورّك فيسنّ في التّشهّد الأخير في الصّلاة الرّباعيّة والثّلاثيّة وصفته: أن ينصب المصلّي رجله اليمنى، ويضع بطون أطراف أصابعه على الأرض ورءوسها للقبلة، ويخرج يسراه من جهة يمينه، ويلصق وركه بالأرض، وكذا أليته اليسرى للاتّباع.

صحيح البخارى: سمعت ابن مسعود يقول: علمني رسول الله صلى الله عليه و سلم وكفي بين كفيه التشهد كما يعلمني السورة من القرآن (التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله).
صحيح أبي داود: عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة ب (الحمد لله رب العالمين) وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه ولكن بين ذلك وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائما وكان يقول في كل ركعتين التحيات وكان إذا جلس يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى وكان ينهى عن عقب الشيطان وعن فرشة السبع وكان يختم الصلاة بالتسليم.

وعن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في التشهد التحيات لله الصلوات الطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته قال قال ابن عمر زدت فيها وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله قال ابن عمر زدت فيها وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
فإذا كان عند القعدة فليكن من أول قول أحدكم أن يقول التحيات الطيبات الصلوات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

صحيح البخارى: يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم (قولوا اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد).
وقال (قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجي اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد). قلنا يا رسول الله هذا التسليم فكيف نصلي عليك؟ قال (قولوا اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم).

= {{اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت: 45]}}.

تفسير ابن كثير: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر}: يعني أن الصلاة تشتمل على شيئين على ترك الفواحش والمنكرات, أي مواظبتها تحمل على ترك ذلك. فعن عمران وابن عباس «من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر, لم تزده من الله إلا بعداً». وعن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا صلاة لمن لم يطع الصلاة» وطاعة الصلاة أن تنهاه عن الفحشاء والمنكر.

مسند الشهاب: عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم تزده من الله إلا بعدا.
صحيح ابن حبان: عن أبي هريرة قال: قيل يا رسول الله إن فلانا يصلي الليل كله فإذا أصبح سرق قال: (سينهاه ما تقول). أراد صلى الله عليه و سلم: أن الصلاة إذا كانت على الحقيقة في الابتداء والانتهاء يكون المصلي مجانبا للمحظورات معها كقوله عز و جل: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر}.
)))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: اذكروا الله ذكرا كثيرا
***********************

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الأحزاب: 41، 42]}}.
= {{هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا [الأحزاب: 43]}}. {{تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا [الأحزاب: 44]}}.

تفسير القرطبي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً}: أمر الله تعالى عباده بأن يذكروه ويشكروه ويكثروا من ذلك على ما أنعم به عليهم وجعل تعالى ذلك دون حد لسهولته على العبد ولعظم الأجر فيه. وقال بن عباس: لم يعذر أحد في ترك ذكر الله إلا من غلب على عقله وروى أبو سعيد عن النبي (صلى الله عليه وسلم): أكثروا ذكر الله حتى يقولوا مجنون). وقيل: الذكر الكثير ما جرى على الإخلاص من القلب والقليل ما يقع على حكم النفاق كالذكر باللسان. وعن عبدالله بن بسر أن أعرابيا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شرائع الإسلام قد كثرت علي فأنبئني منها بشيء أتشبث به، قال: "لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله عز وجل". وخرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عز وجل يقول أنا مع عبدي إذا هو ذكرني وتحركت بي شفتاه".
{وسبحوه بكرة وأصيلا}: أي اشغلوا ألسنتكم في معظم أحوالكم بالتسبيح والتهليل والتحميد والتكبير قال مجاهد: وهذه كلمات يقولهن الطاهر والمحدث والجنب.
{هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ}: (قال بن عباس: لما نزل إن الله وملائكته يصلون على النبي قال المهاجرون والأنصار: هذا لك يا رسول الله خاصة وليس لنا فيه شيء فأنزل الله تعالى هذه الآية. قيل: يا رسول الله كيف صلاة الله على عباده قال:) سبوح قدوس رحمتي سبقت غضبي).
{تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ}: أي تحية بعضهم لبعض سلام. أي سلامة لنا ولكم من عذاب الله. وقيل: هذه التحية من الله تعالى فيسلمهم من الآفات أو يبشرهم بالأمن من المخافات. (يوم يلقونه) أي يوم القيامة بعد دخول الجنة. وقيل: يوم يلقونه أي يوم يلقون ملك الموت وقد ورد أنه لا يقبض روح مؤمن إلا سلم عليه.

تفسير ابن كثير: {اذْكُرُواْ اللّهَ ذِكْراً كَثِيراً}: يقول تعالى آمراً عباده المؤمنين بكثرة ذكرهم لربهم تبارك وتعالى المنعم عليهم بأنواع النعم وصنوف المنن, لما لهم في ذلك من جزيل الثواب, وجميل المآب. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم, وخير لكم من إِعطاء الذهب والورق, وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم» قالوا: وما هو يارسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: «ذكر الله عز وجل».
وجاء أعرابيان إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما: يارسول الله أي الناس خير؟ قال صلى الله عليه وسلم: «من طال عمره وحسن عمله» وقال الاَخر: يارسول الله إِن شرائع الإسلام قد كثرت علينا, فمرني بأمر أتشبث به, قال صلى الله عليه وسلم: «لايزال لسانك رطباً بذكر الله تعالى». وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: إِن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «أكثروا ذكر الله تعالى حتى يقولوا مجنون». وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اذكروا الله ذكراً كثيراً حتى يقول المنافقون إِنكم تراؤون».
{اذكروا الله ذكراً كثيراً} إن الله تعالى لم يفرض على عباده فريضة إلا جعل لها حداً معلوماً, ثم عذر أهلها في حال العذر غير الذكر, فإن الله تعالى لم يجعل له حداً ينتهي إليه, ولم يعذر أحداً في تركه إلا مغلوباً على تركه, فقال: {يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم} بالليل والنهار في البر والبحر, وفي السفر والحضر, والغنى والفقر, والسقم والصحة, والسر والعلانية, وعلى كل حال. وقال عز وجل: {وسبحوه بكرة وأصيلا} فإذا فعلتم ذلك صلى عليكم هو وملائكته.

{وسبحوه بكرة وأصيلاً} أي عند الصباح والمساء, كقوله عز وجل {فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السموات والأرض وعشياً وحين تظهرون}. وقوله تعالى: {هو الذي يصلي عليكم وملائكته} هذا تهييج إلى الذكر, أي أنه سبحانه يذكركم فاذكروه أنتم, كقوله عز وجل: {كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون}. فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون} وقال النبي صلى الله عليه وسلم «يقول الله تعالى: من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي, ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه» والصلاة من الله تعالى ثناؤه على العبد عند الملائكة, والصلاة من الله عز وجل الرحمة. وأما الصلاة من الملائكة فبمعنى الدعاء للناس والاستغفار, كقوله تبارك وتعالى: {الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم * ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك انت العزيز الحكيم * وقهم السيئات}.
وعن أنس رضي الله عنه قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه رضي الله عنهم, وصبي في الطريق, فلما رأت أمه القوم خشيت على ولدها أن يوطأ, فأقبلت تسعى وتقول: ابني, ابني, وسعت فأخذته, فقال القوم: يا رسول الله ما كانت هذه لتلقي ابنها في النار, قال فخفضهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال «لا, والله لايلقي حبيبه في النار». فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أترون هذه تلقي ولدها في النار وهي تقدر على ذلك؟» قالوا: لا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «فوالله لله أرحم بعباده من هذه بولدها».

صحيح البخارى: عن النبي صلى الله عليه و سلم قال (كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله العظيم سبحان الله وبحمده). [ش: (خفيفتان) سهلتان. (ثقيلتان) في وزن ثوابهما. (حبيبتان) محبوبتان أي إن الله تعالى يقبلهما ويوصل الخير لقائلهما ويكرمه].
صحيح مسلم: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمسى قال "أمسينا وأمسى الملك لله. والحمد لله. لا إله إلا الله وحده. لا شريك له. اللهم! إني أسألك من خير هذه الليلة وخير ما فيها. وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها. اللهم! إني أعوذ بك من الكسل والهرم وسوء الكبر. وفتنة الدنيا وعذاب القبر".
سنن الدارمي: كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا أصبح قال أصبحنا على فطرة الإسلام وكلمة الإخلاص ودين نبينا محمد صلى الله عليه و سلم وملة أبينا إبراهيم حنيفا مسلما.
صحيح ابن ماجة: عن جويرية قالت مر بها رسول الله صلى الله عليه و سلم حين صلى الغداة أو بعد ما صلى الغداة وهي تذكر الله فرجع حين ارتفع النهار أو قال انتصف وهي كذلك فقال لقد قلت منذ قمت عنك أربع كلمات ثلاث مرات وهي أكثر وأرجح أو أوزن مما قلت:::سبحان الله عدد خلقه سبحان الله رضا نفسه سبحان الله زنة عرشه سبحان الله مداد كلماته.
صحيح البخارى: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال (من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على شيء قدير. في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة شيءة وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك).

صحيح مسلم: عن مصعب بن سعد، عن أبيه، قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: علمني كلاما أقوله. قال "قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا سبحان الله رب العالمين، لا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم" قال: فهؤلاء لربي. فما لي؟ قال "قل: اللهم! اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني".
صحيح أبي داود: عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال من قال رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا وجبت له الجنة.
سنن النسائي الكبرى: دخلت على عائشة فسألتها بم كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يفتتح الصلاة إذا قام من الليل قالت كان إذا هب من الليل كبر الله عشرا وحمد الله عشرا وقال باسم الله وبحمده عشرا وقال سبحان الملك القدوس عشرا واستغفر عشرا وهلل الله عشرا وقال اللهم إني أعوذ بك من ضيق الدنيا وضيق يوم القيامة عشرا ثم يستفتح الصلاة.
مشكاة المصابيح: عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا استيقظ من الليل قال: " لا إله إلا أنت سبحانك اللهم وبحمدك استغفرك لذنبي وأسألك رحمتك اللهم زدني علما ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
صحيح ابن حبان: عن أبي سعيد الخدري قال: كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا استجد ثوبا سماه قال: (اللهم أنت كسوتني هذا القميص أو الرداء أو العمامة أسألك خيره وخير ما صنع له وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له). صحيح ابن ماجة: عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا خرج من منزله قال اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أزل أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل علي

صحيح كنوز السنة النبوية: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إذا خرج الرجل من بيته فقال بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله، فيقال له حسبك قد هديت وكُفيت ووقيتَ فيتنحى له الشيطان فيقول له شيطان آخر كيف لك برجل قد هُدي وكُفي ووقي). وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (كان إذا خرج من بيته قال بسم الله، توكلت على الله اللهم إنا نعوذ بك من أن نَزِلَ أو أن نَضِلَّ أو نَظلم أو نُظْلم أو نجهل أو يجهل علينا). وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إذا خرج من بيته قال بسم الله ربِّ أعوذ بك من أن أزل أو أضل أو أظلم أو أجهل أو يجهل عليَّ) صحيح (أحمد والترمذي وابن حبان والحاكم).
مشكاة المصابيح: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: " إذا ولج الرجل بيته فليقل: اللهم إني أسألك خير المولج وخير المخرج بسم الله ولجنا وعلى الله ربنا توكلنا ثم ليسلم على أهله ".
سنن الترمذي: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين - فتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء.
صحيح البخارى: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بت عند ميمونة فقام النبي صلى الله عليه و سلم فأتى حاجته فغسل وجهه ويديه ثم نام ثم قام فأتى القربة فأطلق شناقها ثم توضأ وضوءا بين وضوءين لم يكثر وقد أبلغ فصلى فقمت فتمطيت كراهية أن يرى أني كنت أتقيه فتوضأت فقام يصلي فقمت عن يساره فأخذ بأذني فأدارني عن يمينه فتتامت صلاته ثلاث عشرة ركعة ثم اضطجع فنام حتى نفخ وكان إذا نام نفخ فآذنه بلال بالصلاة فصلى ولم يتوضأ وكان يقول في دعائه (اللهم اجعل في قلبي نورا وفي بصري نورا وفي سمعي نورا وعن يميني نورا وعن يساري نورا وفوقي نورا وتحتي نورا وأمامي نورا وخلفي نورا واجعل لي نورا).
))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))

وقفة مع: اذكروا نعمة الله عليكم
**********************

{{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ:
1 - إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا [الأحزاب: 9]}}.
2 - إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [المائدة: 11]}}.

تفسير ابن كثير: {{إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا}}:
يقول تعالى مخبراً عن نعمته وفضله وإِحسانه إِلى عباده المؤمنين في صرفه أعداءهم وهزمه إِياهم عام تألبوا عليهم وتحزبوا, وذلك عام الخندق, وذلك في شوال سنة خمس من الهجرة. وكان سبب قدوم الأحزاب أن نفراً من أشراف يهود بن النضير الذين كانوا قد أجلاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إِلى خيبر, منهم سلام بن أبي الحقيق وسلام بن مشكم وكنانة بن الربيع, خرجوا إِلى مكة فاجتمعوا بأشراف قريش وألبوهم على حرب النبي صلى الله عليه وسلم, ووعدوهم من أنفسهم النصر والإعانة, فأجابوهم إِلى ذلك, ثم خرجوا إِلى غطفان فدعوهم فاستجابوا لهم أيضاً, وخرجت قريش في أحابيشها ومن تابعها وقائدها أبو سفيان صخر بن حرب, وعلى غطفان عيينة بن حصن بن بدر, والجميع قريب من عشرة آلاف, فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمسيرهم, أمر المسلمين بحفر الخندق حول المدينة ممايلي الشرق, وذلك بإِشارة سلمان الفارسي رضي الله عنه, فعمل المسلمون فيه واجتهدوا, ونقل معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب وحفر.

وجاء المشركون فنزلوا شرقي المدينة قريباً من أحد, ونزلت طائفة منهم أعالي أرض المدينة, كما قال الله تعالى: {إِذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم} وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين وهم نحو ثلاثة آلاف, وقيل سبعمائة, فأسندوا ظهورهم إِلى سلع ووجوههم إِلى نحو العدو, والخندق حفير ليس فيه ماء بينهم وبينهم يحجب الخيالة والرجال أن تصل إِليهم, وجعل النساء والذراري في آطام المدينة, وكانت بنو قريظة وهم طائفة من اليهود لهم حصن شرقي المدينة, ولهم عهد من النبي صلى الله عليه وسلم وذمة وهم قريب من ثمانمائة مقاتل, فذهب إِليهم حيي بن أخطب النضري, فلم يزل بهم حتى نقضوا العهد ومالؤوا الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم, فعظم الخطب واشتد الأمر وضاق الحال, كما قال الله تبارك وتعالى: {هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً} ومكثوا محاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قريباً من شهر, إِلا أنهم لا يصلون إِليهم ولم يقع بينهم قتال, إِلا أن عمرو بن عبد ودّ العامري وكان من الفرس الشجعان المشهورين في الجاهلية, ركب ومعه فوارس, فاقتحموا الخندق وخلصوا إِلى ناحية المسلمين, فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم خيل المسلمين إِليه, فيقال إِنه لم يبرز أحد فأمر علياً رضي الله عنه فخرج إِليه فتجاولا ساعة ثم قتله علي رضي الله عنه, فكان علامة النصر.
ثم أرسل الله عز وجل على الأحزاب ريحاً شديدة الهبوب قوية حتى لم يبق لهم خيمة ولا شيء, ولا توقد لهم نار ولا يقر لهم قرار, حتى ارتحلوا خائبين خاسرين, كما قال الله عز وجل: {ياأيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إِذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً}.

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أرسلني خالي عثمان بن مظعون رضي الله عنه ليلة الخندق في برد شديد وريح إِلى المدينة, فقال: أئتنا بطعام ولحاف, قال: فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن لي وقال «من أتيت من أصحابي فمرهم يرجعوا» قال: فذهبت والريح تسفي كل شيء, فجعلت لاألقى أحداً إِلا أمرته بالرجوع إِلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: فما يلوي أحد منهم عنق, قال: وكان معي ترس لي, فكانت الريح تضربه علي, وكان فيه حدي, قال: فضربته الريح حتى وقع بعض ذلك الحديد على كفي فأبعدها إِلى الأرض.
وقوله {وجنوداً لم تروها} هم الملائكة زلزلتهم وألقت في قلوبهم الرعب والخوف, فكان رئيس كل قبيلة يقول: يا بني فلان إِلي, فيجتمعون إِليه, فيقول: النجاء, النجاء لما ألقى الله عز وجل في قلوبهم من الرعب.

قال حذيفة رضي الله عنه: ياابن أخي والله لو رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم با لخندق, وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هوياً من الليل, ثم التفت فقال «من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم؟ ـ يشترط له النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع ـ أدخله الله الجنة» قال: فما قام رجل, ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هوياً من الليل, ثم التفت إِلينا فقال مثله, فما قام منا رجل, ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هوياً من الليل, ثم التفت إِلينا فقال «من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع؟ ـ يشترط له رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجعة ـ أسأل الله تعالى أن يكون رفيقي في الجنة» فما قام من القوم من شدة الخوف وشدة الجوع وشدة البرد, فلما لم يقم أحد دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلم يكن لي بد من القيام حين دعاني, فقال صلى الله عليه وسلم «ياحذيفة اذهب فادخل في القوم فانظر ما يفعلون, ولا تحدثنّ شيئاً حتى تأتينا». قال: فذهبت فدخلت في القوم والريح وجنود الله عز وجل تفعل بهم ما تفعل, لا تقر لهم قراراً ولا ناراً ولا بناء, فقام أبو سفيان فقال يامعشر قريش, لينظر كل امرىء من جليسه, قال حذيفة رضي الله عنه: فأخذت بيد الرجل إِلى جنبي فقلت: من أنت؟ فقال: أن فلان بن فلان, ثم قال أبو سفيان: يامعشر قريش إِنكم والله ما أصبحتم بدار مقام لقد هلك الكراع والخف, وأخلفتنا بنو قريظة, وبلغنا عنهم الذي نكره, ولقينا من هذه الريح ما ترون, والله ما تطمئن لنا قدر ولاتقوم لنا نار ولا يستمسك لنا بناء, فارتحلوا فإِني مرتحل, ثم قام إِلى جمله وهو معقول فجلس عليه, ثم ضربه فوثب به على ثلاث, فما أطلق عقاله إِلا وهو قائم, ولولا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلي أن لاتحدث شيئاً حتى تأتيني لو شئت لقتلته بسهم.

قال حذيفة رضي الله عنه: فرجعت إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم يصلي في مرط لبعض نسائه مرحل, فلما رآني أدخلني بين رجليه وطرح علي طرف المرط, ثم ركع وسجد, وإِني لفيه, فلما سلم أخبرته الخبر, وسمعت غطفان بما فعلت قريش, فانشمروا راجعين إِلى بلادهم.

صحيح البخارى: حدثنا عبد الواحد بن أيمن عن أبيه قال: أتيت جابرا رضي الله عنه فقال: إنا يوم الخندق نحفر فعرضت كدية شديدة فجاؤوا النبي صلى الله عليه و سلم فقالوا هذه كدية عرضت في الخندق فقال (أنا نازل). ثم قام وبطنه معصوب بحجر ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقا فأخذ النبي صلى الله عليه و سلم المعول فضرب الكدية فعاد كثيبا أهيل أو أهيم فقلت يا رسول الله ائذن لي إلى البيت فقلت لامرأتي رأيت بالنبي صلى الله عليه و سلم شيئا ما كان في ذلك صبر فعندك شيء؟ قالت عندي شعير وعناق فذبحت العناق وطحنت الشعير حتى جعلنا اللحم في البرمة ثم جئت النبي صلى الله عليه و سلم والعجين قد انكسر والبرمة بين الأثافي قد كادت تنضج فقلت طعم لي فقم أنت يا رسول ورجل أو رجلان قال (كم هو). فذكرت له قال (كثير طيب قال قل لها لا تنزع البرمة ولا الخبز من التنور حتى آتي فقال قوموا). فقام المهاجرون والأنصار فلما دخل على امرأته قال ويحك جاء النبي صلى الله عليه و سلم بالمهاجرين والأنصار ومن معهم قالت هل سألك؟ قلت نعم فقال (ادخلوا ولا تضاغطوا). فجعل يكسر الخبز ويجعل عليه اللحم ويخمر البرمة والتنور إذا أخذ منه ويقرب إلى أصحابه ثم ينزع فلم يزل يكسر الخبز ويغرف حتى شبعوا وبقي بقية قال (كلي هذا وأهدي فإن الناس أصابتهم مجاعة). [ش: (كدية) قطعة صلبة من الأرض لا يؤثر فيها المعول. (معصوب) مربوط من شدة الجوع. (كثيبا) تفتتت حتى صارت كالرمل. (أهيل) ينهال فيتساقط من جوانبه ويسيل من لينه. (أهيم) بمعنى أهيل. (لامرأتي) هي سهلة بنت مسعود بن أوس الظفرية الأنصارية رضي الله عنها.

(شيئا) أي من الجوع. (ما كان في ذلك صبر) أي فهو مما لا يحتمل أو لم يبق لدي الصبر أن أرى ما في رسول الله صلى الله عليه و سلم وأتركه هكذا. (عناق) الأنثى من ولد المعز. (البرمة) القدر. (قد إنكسر) لان وتمكن فيه الخمير. (الأثافي) جمع الأثفية وهي الحجارة التي تنصب وتوضع عليها القدر. (طعيم) مصغر طعام وصغره لقلته. (تضاغطوا) تزدحموا. (يخمر) يغطي].
)))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا
******************************
= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ [البقرة: 104]}}.

والمطلوب البعد عن اللفظ الذى يحتمل الذم والمدح.
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يتوسد القرآن " وهذا يحتمل مدحاً وذماً أما المدح فالمراد به أنه لا ينام الليل عن القرآن فيكون القرآن متوسداً معه لم يتهجد به وأما الذم فالمراد به أنه لا يحفظ من القرآن شيئا فإذا نام لم يتوسد معه القرآن. ((شعب الإيمان))
غريب الحديث لابن الجوزي: (لا يتوسد القرآن): ظاهِرَة المَدْح والمعنى لا ينَام فيتَوسَّدُ فيكون القرآنُ مُتَوَسَّداً معه ويَحْتَمِلُ الذَّمَّ لأنَّه إذا لم يَحْفَظْ منه شيئاً لم يتوسَّدْه والأوَّلُ أَظْهَرُ. وقول الرسول: (إذا وسِّدَ الأَمْرُ إلى غَيْرِ أَهْلِهِ فانْتَظِرْ السَّاعَةَ) أي أسْنِدَتْ الإِمَاَرةُ والوِلايةُ.

النهاية في غريب الأثر: {وسد}: [قال لِعَديّ بن حاتم: إن وِسَادَكَ إذَنْ لَعَريضٌ] الوِسادُ والوِسادة: المِخَدَّة. والجمع: وَسائِدُ وقد وَسَّدْتُه الشيءَ فَتَوَسَّده إذا جَعَلْتَه تحتَ رأسِه فكَنَى بالوِسادِ عن النَّوم لأنه مَظِنَّتُه, فأراد إنّ نَوْمَك إذاً كَثيرٌ. وكَنَى بذلك عن عِرَض قَفاه وعِظَمِ رأسِه. وذلك دليل الغَبَاوة. وتَشْهَدُ له الرواية الأخرى [إنك لَعَريضُ القَفا]. ومنه الحديث [ذلك رجل لا يَتَوسَّد القرآن]: يَحْتَمِل أن يكون مَدْحاً وذَمَّاً فالمَدْح معناه أنه لا يَنام اللَّيلَ عن القُرآن ولم يَتَهَجَّد به فيكون القرآن مُتَوَسَّدا معه بل هو يُداوِم قِراءتَه ويُحافِظُ عليها. والذَّمُّ معناه: لا يَحْفَظ من القرآن شيئاً ولا يُديمُ قراءتَه فإذا نامَ لم يَتَوسَّدْ معه القرآن.

معجم لسان العرب: الأَرْعَنُ الأَهْوَجُ والرُّعُونة الحُمْقُ والاسْتِرْخاء. رجل أَرْعَنُ وامرأَة رَعْناء. وقوله تعالى لا تقولوا راعِنا وقولوا انْظُرْنا قيل هي كلمة كانوا يذهبون بها إلى سَبِّ النبي صلى الله عليه وسلم اشْتَقْوه من الرُّعُونة قال ثعلب إنما نهى الله تعالى عن ذلك لأَن اليهود كانت تقول للنبي صلى الله عليه وسلم راعنا أَو راعونا وهو من كلامهم سَبٌّ.

تفسير القرطبي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا}: قال ابن عباس: كان المسلمون يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: راعنا. على جهة الطلب والرغبة - من المراعاة - أي التفت إلينا، وكان هذا بلسان اليهود سبا، أي اسمع لا سمعت، فاغتنموها وقالوا: كنا نسبه سرا فالآن نسبه جهرا، فكانوا يخاطبون بها النبي صلى الله عليه وسلم ويضحكون فيما بينهم، فسمعها سعد بن معاذ وكان يعرف لغتهم، فقال لليهود: عليكم لعنة الله! لئن سمعتها من رجل منكم يقولها للنبي صلى الله عليه وسلم لأضربن عنقه، فقالوا: أولستم تقولونها؟ فنزلت الآية، ونهوا عنها لئلا تقتدي بها اليهود في اللفظ وتقصد المعنى الفاسد فيه.
وفي هذه الآية دليلان: [أحدهما] على تجنب الألفاظ المحتملة التي فيها التعريض للتنقيص والغض.
[الدليل الثاني] التمسك بسد الذرائع وحمايتها.
والنهي: (لا تَقُولُوا رَاعِنَا): من باب سد الذرائع وحرص الاسلام علي وسد الذرائع المؤدية المؤدية الي الباطل والحرام. ومن ذلك قول الرسول: "اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد" وقال: "اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد". وقوله: "الحلال بيّن والحرام بين وبينهما أمور متشابهات فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه". فمنع من الإقدام على الشبهات مخافة الوقوع في المحرمات، وذلك سدا للذريعة. وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به البأس". وقال صلى الله عليه وسلم: "إن من الكبائر شتم الرجل والديه" قالوا: يا رسول الله وهل يشتم الرجل والديه؟ قال: "نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه".

تفسير الرازي: أن المسلمين كانوا يسألون محمداً صلى الله عليه وسلم عن أمور لا خير لهم في البحث عنها ليعلموها كما سأل اليهود موسى عليه السلام ما لم يكن لهم فيه خير عن البحث عنه. وسأل قوم من المسلمين أن يجعل لهم ذات أنواط كما كان للمشركين ذات أنواط، وهي شجرة كانوا يعبدونها ويعلقون عليها المأكول والمشروب، كما سألوا موسى أن يجعل لهم إلهاً كما لهم آلهة. وإن عبد الله بن أمية المخزومي أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط من قريش فقال: يا محمد والله ما أؤمن بك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً، أو تكون لك جنة من نخيل وعنب، أو يكون لك بيت من زخرف، أو ترقى في السماء بأن تصعد، ولن نؤمن لرقيك بعد ذلك حتى تنزل علينا كتاباً من الله إلى عبد الله بن أمية أن محمداً رسول الله فاتبعوه. وقال له بقية الرهط: فإن لم تستطع ذلك فائتنا بكتاب من عند الله جملة واحدة فيه الحلال والحرام والحدود والفرائض كما جاء موسى إلى قومه بالألواح من عند الله فيها كل ذلك، فنؤمن بك عند ذلك. فأنزل الله تعالى: أم تريدون أن تسألوا رسولكم محمداً أن يأتيكم الآيات من عند الله كما سأل السبعون فقالوا: أرنا الله جهرة. وعن مجاهد أن قريشاً سألت محمداً عليه السلام أن يجعل لهم الصفا ذهباً وفضة، فقال: نعم هو لكم كالمائدة لبني إسرائيل فأبوا ورجعوا.

تفسير الألوسي: {ياأيها الذين ءامَنُواْ لاَ تَقُولُواْ راعنا} الرعي حفظ الغير لمصلحته سواء كان الغير عاقلاً أو لا، وسبب نزول الآية كما أخرج أبو نعيم في «الدلائل» عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه أن اليهود كانوا يقولون ذلك سراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سب قبيح بلسانهم، فلما سمعوا أصحابه عليه الصلاة والسلام يقولون: أعلنوا بها، فكانوا يقولون ذلك ويضحكون فيما بينهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وروي أن سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنه سمعها منهم، فقال: يا أعداء الله عليكم لعنة الله، والذي نفسي بيده لئن سمعتها من رجل منكم يقولها لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأضربن عنقه، قالوا: أوَلستم تقولونها؟ فنزلت الآية ونهي المؤمنون سداً للباب، وقطعاً للألسنة وإبعاداً عن المشابهة.
))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: استعينوا بالصبر والصلاة
***************************
= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة: 153]}}.
= {{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة: 45]}}.
= {{وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [البقرة: 194]}}.
= {{إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ [النحل: 128]}}.
= {{قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [الأعراف: 128]}}.

تفسير ابن كثير: اوصي الله سبحانه بالصبر والصلاة, فإن العبد إما أن يكون في نعمة فيشكر عليها, أو في نقمة فيصبر عليها كما جاء في الحديث «عجباً للمؤمن لا يقضي الله له قضاء إلا كان خيراً له: إن أصابته سراء فشكر كان خيراً له وإن أصابته ضراء فصبر كان خيراً له» , وبين تعالى أن أجود ما يستعان به على تحمل المصائب الصبر والصلاة. وفي الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر صلى.
فصبر علي ترك المحارم والمآثم وصبر على فعل الطاعات والقربات, والثاني أكثر ثواباً لأنه المقصود. وأما الصبر على المصائب والنوائب, فذلك أيضاً واجب كالاستغفار من المعايب. فقد قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: الصبر في بابين: الصبر لله بما أحب وإن ثقل على الأنفس والأبدان, والصبر لله عما كره وإن نازعت إليه الأهواء.
وقال علي بن الحسين زين العابدين: إذا جمع الله الأولين والاَخرين ينادي مناد, أين الصابرون ليدخلوا الجنة قبل الحساب؟ قال: فيقوم عنق من الناس فتتلقاهم الملائكة فيقولون: إلى أين يا بني آدم؟ فيقولون: إلى الجنة, فيقولون: قبل الحساب؟ قالوا: نعم, قالوا: ومن أنتم؟ قالوا: نحن الصابرون, قالوا: وما كان صبركم, قالوا: صبرنا على طاعة الله وصبرنا عن معصية الله حتى توفانا الله, قالوا: أنتم كما قلتم ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين (قلت) ويشهد لهذا قوله تعالى: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} وقال سعيد بن جبير: الصبر اعتراف العبد لله بما أصاب منه, واحتسابه عند الله رجاء ثوابه وقد يجزع الرجل وهو متجلد لا يرى منه إلا الصبر.

صحيح البخارى: وقال عمر رضي الله عنه نعم العدلان ونعم العلاوة: {{الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة: 156، 157]}}. وقوله تعالى: {{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة: 45]}}.
[ش: (العدلان) المثلان ومراده بهما الصلوات والرحمة لمن صبر واحتسب عند المصيبة. (العلاوة) ثناء الله تعالى عليهم بالهداية والعدلان في الأصل ما يوضع على شقي الدابة من الحمل والعلاوة ما يوضع عليه بعد تمام الحمل كالزاد وغيره. (صلوات) مغفرة. (استعينوا) على تحمل ما يستقبلكم من البلايا والمصائب. (لكبيرة) ثقيلة وشاقة. (الخاشعين) الخاضعين المستسلمين لأمر الله عز و جل].

خلاصة الاحكام: (باب فضل الصبر على الأمراض، والأحزان، والهموم):
قال الله تعالى: {{إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}}.
وقال تعالى: {{واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور}}.
وقال تعالى: {{استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين}}.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما يصيب المسلم من نصب، ولا وصب، ولا هم، ولا حزن، ولا أذى، ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفّر الله بها من خطاياه ". الوصب: المرض.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيرا يصب منه ".
وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا، ثم احتسبه إلا الجنة ".
صحيح أبي داود: عن حذيفة قال كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا حزبه أمر صلى

فتح الباري لابن حجر: والصلاة أفعال وأقوال فلذلك ثقلت على غير الخاشعين ومن أسرارها أنها تعين على الصبر لما فيها من الذكر والدعاء والخضوع وكلها تضاد حب الرياسة وعدم الإنقياد للأوامر والنواهي.
روي عن بن عباس أنه نعى إليه أخوه قثم وهو في سفر فاسترجع ثم تنحى عن الطريق فأناخ فصلى ركعتين أطال فيهما الجلوس ثم قام وهو يقول واستعينوا بالصبر والصلاة.
)))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: كلوا من طيبات ما رزقناكم
*************************
= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [البقرة: 172]}}.
= {{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة: 173]}}.
= {{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة: 3]}}.

تفسير القرطبي: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}: والمراد بالأكل الانتفاع من جميع الوجوه. وقيل: هو الأكل المعتاد. فعن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " أيها الناس إن اللّه تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا وإن اللّه أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51] وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك".
والطيبات هنا قد جمعت الحلال واللذيذ.

تفسير القرطبي: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ}: حصرت ههنا التحريم، لا سيما وقد جاءت عقيب التحليل في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} فأفادت الإباحة على الإطلاق، ثم عقبها بذكر المحرم بكلمة "إنما" الحاصرة، فاقتضى ذلك الإيعاب للقسمين، فلا محرم يخرج عن هذه الآية، وهي مدنية، وأكدها بالآية الأخرى التي روي أنها نزلت بعرفة: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [الأنعام: 145] إلى آخرها، فاستوفى البيان أولا وآخرا.
والمحرمات:
))))))))))))))))
الميتة: ما فارقته الروح من غير ذكاة مما يذبح، وما ليس بمأكول فذكاته كموته، كالسباع وغيرها. وهذه الآية عامة دخلها التخصيص بقوله عليه السلام: "أحلت لنا ميتتان الحوت والجراد ودمان الكبد والطحال".

والناقة إذا نحرت، أو البقرة أو الشاة إذا ذبحت، وكان في بطنها جنين ميت فجائز أكله من غير تذكية له في نفسه، إلا أن يخرج حيا فيذكى، ويكون له حكم نفسه، وذلك أن الجنين إذا خرج منها بعد الذبح ميتا جرى مجرى العضو من أعضائها.
{وَالدَّمَ} اتفق العلماء على أن الدم حرام نجس لا يؤكل ولا ينتفع به. وأما الدم فمحرم ما لم تعم به البلوى، ومعفو عما تعم به البلوى. والذي تعم به البلوى هو الدم في اللحم وعروقه، ويسيره في البدن والثوب يصلى فيه. وإنما قلنا ذلك لأن اللّه تعالى قال: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: 3]، وقال في موضع آخر {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً} [الأنعام: 145]. فحرم المسفوح من الدم. وقد روت عائشة رضي اللّه عنها قالت: "كنا نطبخ البرمة على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تعلوها الصفرة من الدم فنأكل ولا ننكره" لأن التحفظ من هذا إصر وفيه مشقة، والإصر والمشقة في الدين موضوع. وهذا أصل في الشرع، أن كلما حرجت الأمة في أداء العبادة فيه وثقل عليها سقطت العبادة عنها فيه، ألا ترى أن المضطر يأكل الميتة، وأن المريض يفطر ويتيمم في نحو ذلك.
{وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ} خص اللّه تعالى ذكر اللحم من الخنزير ليدل على تحريم عينه ذكي أو لم يذك، وليعم الشحم وما هنالك من الغضاريف وغيرها.
{وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} أي ذكر عليه غير اسم اللّه تعالى، وهي ذبيحة المجوسي والوثني والمعطل.
{وَالْمُنْخَنِقَةُ} هي التي تموت خنقا، وهو حبس النفس سواء فعل بها ذلك آدمي أو أتفق لها ذلك في حبل أو بين عودين أو نحوه. وذكر قتادة: أن أهل الجاهلية كانوا يخنقون الشاة وغيرها فإذا ماتت أكلوها.

{وَالْمَوْقُوذَةُ} الموقوذة هي التي ترمى أو تضرب بحجر أو عصا حتى تموت من غير تذكية. وكان أهل الجاهلية يفعلون ذلك ويأكلونه. وقال الضحاك: كانوا يضربون الأنعام بالخشب لآلهتهم حتى يقتلوها فيأكلوها. وعن عدي بن حاتم قال: قلت يا رسول الله فإني أرمي بالمعراض الصيد فأصيب؛ فقال: "إذا رميت بالمعراض فخزق فكله وإن أصابه بعرضه فلا تأكله".
{وَالْمُتَرَدِّيَةُ} المتردية هي التي تتردى من العلو إلى السفل فتموت؛ كان ذلك من جبل أو في بئر ونحوه؛ وهي متفعلة من الردى وهو الهلاك؛ وسواء تردت بنفسها أو رداها غيرها. وإذا أصاب السهم الصيد فتردى من جبل إلى الأرض حرم أيضا؛ لأنه ربما مات بالصدمة والتردي لا بالسهم؛ ومنه الحديث "وإن وجدته غريقا في الماء فلا تأكله فإنك لا تدري الماء قتله أو سهمك".
{وَالنَّطِيحَةُ} وهي الشاة تنطحها أخرى أو غير ذلك فتموت قبل أن تذكى.
{وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ} يرد كل ما أفترسه ذو ناب وأظفار من الحيوان، كالأسد والنمر والثعلب والذئب والضبع ونحوها، هذه كلها سباع.
{{فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ}}: ومن اضطر إلى أكل الميتة والدم ولحم الخنزير فلم يأكل حتى مات دخل النار، إلا أن يعفو اللّه عنه. وليس أكل الميتة عند الضرورة رخصة بل هو عزيمة واجبة، ولو امتنع من أكل الميتة كان عاصيا.

الكافي في فقه أهل المدينة: ((باب ما يحل أكله من الحيوان وما لا يحل منه)):
لا يحل أكل الحمار الأهلي ولا تعمل الذكاة فيه للحمه ولا لجلده ولا بد لمن أراد تطهير جلده من دباغه ولا يؤكل عند مالك الحمار الوحشي إذا استأنس وعمل عليه وركب لأنه قد صار أهليا وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الحمر الأهلية. ولا تؤكل الخيل عند مالك كراهية لا تحريما ولا يجوز أكل البغال كما لا يجوز أكل الحمر ولا يؤكل الفيل ولا الفأر ولا الوزغ ولا يجوز أكل ذي ناب من السباع وكل ما افترس.

((باب حكم الميتة)): أكل كل ميتة من حيوان البر حرام إلا عند الاضطرار إليها لخوف ذهاب النفس وجائز عند مالك للمضطر أن يشبع من الميتة ويتزود منها لحاجة إليها حتى يجد الذكي او غيره من الطعام الحلال فيحرم عليه ما بيده منها.

صحيح البخارى: أن النبي صلى الله عليه و سلم رأى نيرانا توقد يوم خيبر قال (على ما توقد هذه النيران). قالوا على الحمر الإنسية قال (اكسروها وأهرقوها). قالوا ألا نهريقها ونغسلها؟ قال (اغسلوا). [ش: (الإنسية) الأهلية وهي التي يحمل عليها وتركب. (أهرقوها) صبوها على الأرض].
وأصبنا حمرا فطبخناها فنادى منادي النبي صلى الله عليه و سلم إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر فأكفئت القدور بما فيها. و (إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر فإنها رجس).

= {{وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ [النحل: 5]}}.
= {{وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ [النحل: 8]}}.
= {{وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [الحج: 36]}}.

القاموس الفقهي: ((الأنعام)): لغة: جمع، مفرده: نعم، و هي ذوات الخفّ و الظّلف، و هي الإبل، و البقر، و الغنم و أكثر ما يقع على الإبل و الغنم، و النعم مذكر، فيقال: هذا نعم وارد، و الأنعام تذكر و تؤنث.
و ((الانعام)): عند أهل اللغة تطلق إطلاقه على الإبل، و البقر، و الغنم، و قيل: تطلق الأنعام على هذه الثلاثة، فإذا انفردت الإبل فهي: نعم، و إن انفردت البقر، و الغنم لم تسم نعما.

و ((الأنعام)) اصطلاحا: عند الفقهاء: هي: الإبل، و البقر، و الغنم سمّيت نعما لكثرة نعم اللّه تعالى فيها على خلقه بالنّمو، و الولادة، و اللّبن، و الصّوف، و الوبر، و الشّعر و عموم الانتفاع.
اما الحصان والبغل والحمار لا يحل اكلها.
))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: كتب عليكم القصاص في القتلي
*****************************

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ [البقرة: 178]}}.

القاموس الفقهي: والقود: القصاص و قد أقاده السلطان من قاتل وليه، واستقاد: هو من قاتل وليه، فهو كالأول في الإيفاء و الاستيفاء.

تفسير القرطبي: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} "كتب" معناه فرض وأثبت. وعن ابن عباس قال: "كان في بني إسرائيل القصاص ولم تكن فيهم الدية، فقال اللّه لهذه الأمة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى}. فالعفو أن يقبل الدية في العمد {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} يتبع بالمعروف ويؤدي بإحسان {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} مما كتب على من كان قبلكم. {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} قتل بعد قبول الدية".

وصورة القصاص هو أن القاتل فرض عليه إذا أراد الولي القتل الاستسلام لأمر اللّه والانقياد لقصاصه المشروع، وأن الولي فرض عليه الوقوف عند قاتل وليه وترك التعدي على غيره، كما كانت العرب تتعدى فتقتل غير القاتل، وهو معنى قوله عليه السلام: "إن من أعتى الناس على اللّه يوم القيامة ثلاثة رجل قتل غير قاتله ورجل قتل في الحرم ورجل أخذ بذحول الجاهلية".
وأجمع العلماء على قتل الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل، والجمهور لا يرون الرجوع بشيء. وفرقة ترى الاتباع بفضل الديات.
روى الأئمة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "ألا إنكم معشر خزاعة قتلتم هذا القتيل من هذيل وإني عاقله فمن قتل له بعد مقالتي هذه قتيل فأهله بين خيرتين أن يأخذوا العقل أو يقتلوا". وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: "من قتل له قتيل فله أن يقتل أو يعفو أو يأخذ الدية".
واختلف أهل العلم في أخذ الدية من قاتل العمد، فقالت طائفة: ولي المقتول بالخيار إن شاء اقتص وإن شاء أخذ الدية وإن لم يرض القاتل.
{فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} أي ترك له دمه، ورضي منه بالدية {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} أي فعلى صاحب الدم اتباع بالمعروف في المطالبة بالدية، وعلى القاتل أداء إليه بإحسان، أي من غير مماطلة وتأخير عن الوقت {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} أي أن من كان قبلنا لم يفرض اللّه عليهم غير النفس بالنفس، فتفضل اللّه على هذه الأمة بالدية إذا رضي بها ولي الدم. وإذا رضي الأولياء بالدية فلا خيار للقاتل بل تلزمه.
واختلف العلماء فيمن قتل بعد أخذ الدية، فقال جماعة من العلماء: هو كمن قتل ابتداء، إن شاء الولي قتله وإن شاء عفا عنه وعذابه في الآخرة. وقال قتادة وعكرمة والسدي وغيرهم: عذابه أن يقتل البتة، ولا يمكن الحاكم الولي من العفو. فعن جابر بن عبدالله قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " لا أعفى من قتل بعد أخذ الدية"

الكافي في فقه أهل المدينة: قال الله عزوجل كتب عليكم القصاص البقرة وقال ولكم في القصاص حياة البقرة وقال وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس المائدة وقال في موضع آخر الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى البقرة يريد بذلك عند أهل العلم التسوية بين الشريف والوضيع من الاحرار وبين العبد الرفيع الثمن والوضيع ونسخ بذلك ما كانوا عليه في جاهليتهم من رفع القصاص بين الشريف والوضيع.

بداية المجتهد ونهاية المقتصد: (القول في شروط القاتل): القاتل الذي يقاد منه يشترط فيه باتفاق أن يكون عاقلا بالغا مختارا للقتل مباشرا غير مشارك له فيه غيره واختلفوا في المكرَه والمكرِه، وبالجملة الآمر والمباشر. فقال مالك والشافعي: القتل على المباشر دون الآمر، ويعاقب الآمر؛ وقالت طائفة: يقتلان جميعا، وهذا إذا لم يكن هنالك إكراه ولا سلطان للآمر على المأمور.
(القول في الموجب): لولي الدم أحد شيئين: القصاص، أو العفو إما على الدية وإما على غير الدية. واختلفوا هل الانتقال من القصاص إلى العفو على أخذ الدية هو حق واجب لولي الدم دون أن يكون في ذلك خيار للمقتص منه، أم لا تثبت الدية إلا بتراضي الفريقين، أعني الولي والقاتل.
))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: كتب عليكم الصيام
********************
= {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} أي في أول الإسلام ثلاثة أيام من كل شهر ويوم عاشوراء
= ثم نسخ هذا في هذه الأمة بشهر رمضان. نسخ ذلك {بِأَيَّامِ مَعْدُودَاتٍ} ثم نسخت الأيام برمضان
= سئل عن تقطيع قضاء صيام شهر رمضان فقال ذلك إليك أرأيت لو كان على أحدكم دين فقضى الدرهم والدرهمين ألم يكن قضاء فالله أحق أن يعفوا ويغفر (ضرب المثل لتوضيح المعني).
= من مات وعليه صيام صام عنه وليه
X لا يصلي أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد

= نزل رمضان فشق عليهم فكان من أطعم كل يوم مسكينا ترك الصوم ممن يطيقه ورخص لهم في ذلك ((نسخت هذه الرخصة)).
فنسختها {وأن تصوموا خير لكم}. فأمروا بالصوم ((الناسخ)).
= كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصوم أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكينا
= الإفطار مع الفدية وكان هذا قبل النسخ
= شهر كتب الله عليكم صيامه وسننت لكم قيامه
فالفريضة من تشريع الله سبحانه وتعالي ..... وما سنه الرسول فنافلة
وتارك الفريضة يعاقبه الله, وتارك السنة لا يسئل عنها
= وكان الرجل إذا أفطر فنام قبل أن يأكل لم يأكل حتى يصبح .... ذلك التشديد منسوخ
فلما أصبحوا أنزلت هذه الآية، وفيها: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ}
{{فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا [الشرح: 5، 6]}}.
= نزلت {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ} ولم ينزل (("من الفجر"))
أي ساعة تسحرت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؟ قال: "هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع
فأنزل اللّه بعد (("من الفجر")) فعلموا أنه إنما يعني بذلك بياض النهار
= ((أرأيت لو تمضمضت بماء وأنت صائم قلت لا بأس بذلك قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ففيم اي لابأس)). ويسمي ذلك في اصول الفقه القياس: فكما ان المضمضة لا تبطل الصوم, فكذلك القبلة.
***********************************************************
صحيح البخارى: {{شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون}. سورة البقرة 185اية}}.

[ش (وعلى الذين يطيقونه فدية) المعنى الذين يستطيعون الصوم ويفطرون بدون عذر عليهم أن يطعموا عن كل يوم مسكينا قدر ما يأكله من يومه فدية عن الفطر وكان هذا أول ما فرض الصوم إذ كان المسلمون مخيرين بين الصوم والفدية فلما نزل قوله تعالى {شهر رمضان}. نسخ هذا الحكم وأصبح الصوم هو المحتم على المستطيع وقال فريق من العلماء إن الآية لم ينسخ حكمها على أن المراد ب - {الذين يطيقونه} العجوز الكبير الذي لا يستطيع الصوم والمريض مرضا مزمنا لا يبرأ منه ولا يستطيع معه الصوم فإنهما تجب عليهما الفدية ولا يكلفان بالصوم وعليه فمعنى {يطيقونه} يتكلفونه بمشقة وجهد أصلها (يتطوقونه) من الطوق إما بمعنى الطاقة وهي غاية الوسع وإما بمعنى القلادة وهي ما يوضع في العنق وكل منهما فيه معنى المشقة والعسر والإسلام جاء برفعهما فأباح لهؤلاء الفطر مع وجوب الفدية. (نسختها) أي نسخ حكم الآية السابقة الآية التالية. (هدى للناس) يخرجهم من الضلال في العقيدة والأخلاق والسلوك إلى الحق والهداية والتوحيد والاستقامة. (بينات) آيات واضحات. (من الهدى) مما يرشد إلى الحق من الأحكام التشريعية. (الفرقان) ما يفرق به بين الحق والباطل من كل شيء. (فمن شهد منكم الشهر) فمن رأى منكم هلال رمضان أو أخبر برؤيته وكان صحيحا مقيما. (العدة) عدد أيام صوم رمضان. (لتكبروا) لتعظموا الله سبحانه بالتكبير والتحميد]

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 183]}}.
صحيح ابن خزيمة: أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال والصيام ثلاثة أحوال:
وأما أحوال الصيام فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فصام من كل شهر ثلاثة أيام وصام يوم عاشوراء فصامها كذا ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا ثم أنزل الله كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم إلى قوله: فمن تطوع خيرا فهو خير له

وكان من شاء صام ومن شاء أطعم مسكينا وأجزأ ذلك عنه حتى أنزل الله تعالى شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن إلى قوله: فمن شهد منكم الشهر فليصمه وإلى قوله: يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ففرضه الله وأثبت صيامه على الصحيح المقيم ورخص فيه للمريض والمسافر وثبت الإطعام للشيخ الذي لا يستطيع صيامه
وكانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء فإذا ناموا امتنعوا من ذلك فجاء رجل يقال له صرمة قد ظل يومه يعمل فجاء فصلى العشاء ووضع رأسه فنام قبل أن يطعم فأصبح صائما فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر النهار وقد أجهد فقال: «إني أراك قد أجهدت» فقال: يا رسول الله ظللت يومي أعمل فجئت صلاة العشاء فنمت قبل أن أطعم وجاء عمر وقد أصاب من النساء فنزلت هذا الآية أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم إلى قوله: من الفجر

تفسير القرطبي: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}: وكتب بمعنى أوجب. والصيام: الإمساك، وترك التنقل من حال إلى حال. ويقال للصمت صوم، لأنه إمساك عن الكلام، قال اللّه تعالى مخبرا عن مريم: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً} [مريم: 26] أي سكوتا عن الكلام.
{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} أي في أول الإسلام ثلاثة أيام من كل شهر ويوم عاشوراء، "كما كتب على الذين من قبلكم" وهم اليهود - في قول ابن عباس - ثلاثة أيام ويوم عاشوراء. ثم نسخ هذا في هذه الأمة بشهر رمضان. وقال معاذ بن جبل: نسخ ذلك {بِأَيَّامِ مَعْدُودَاتٍ} ثم نسخت الأيام برمضان.
"يقول اللّه تبارك وتعالى كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به".
{كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}: فإن اللّه تعالى كتب على قوم موسى وعيسى صوم رمضان فغيروا، وزاد أحبارهم عليهم عشرة أيام ثم مرض بعض أحبارهم فنذر إن شفاه اللّه أن يزيد في صومهم عشرة أيام ففعل، فصار صوم النصارى خمسين يوما، فصعب عليهم في الحر فنقلوه إلى الربيع.

وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: " كان على النصارى صوم شهر فمرض رجل منهم فقالوا لئن شفاه اللّه لنزيدن عشرة ثم كان آخر فأكل لحما فأوجع فاه فقالوا لئن شفاه اللّه لنزيدن سبعة ثم كان ملك آخر فقالوا لنتمن هذه السبعة الأيام ونجعل صومنا في الربيع قال فصار خمسين".
كنز العمال: كان على النصارى صوم شهر رمضان وكان عليهم ملك فمرض فقال: لئن شفاني الله لأزيدن عشرا، ثم كان عليهم ملك بعده يأكل اللحم فوجع فقال: لئن شفاه الله ليزيدن ثمانية أيام، ثم كان ملك بعده فقال: ما ندع من هذه الأيام أن نتمها ونجعل صوما في الربيع ففعل فصارت خمسين يوما. (خ في تاريخه والنحاس في ناسخه طب عن دغفل بن حنظلة).
جامع الأحاديث: أخرجه البخارى فى التاريخ الكبير مرفوعا (3/ 254، رقم 880)، والطبرانى موقوفا (4/ 226، رقم 4203). قال الهيثمى (3/ 139): رواه الطبرانى فى الأوسط مرفوعا، ورواه الطبرانى فى الكبير موقوفا على دغفل، ورجال إسنادهما رجال الصحيح.

= {{أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة: 184]}}.
قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} فيه ست عشرة مسألة:
الأولى: قوله تعالى: {مَرِيضاً} للمريض حالتان: إحداهما: ألا يطيق الصوم بحال، فعليه الفطر واجبا. الثانية: أن يقدر على الصوم بضرر ومشقة، فهذا يستحب له الفطر ولا يصوم إلا جاهل.

الثالثة: اتفق العلماء على أن المسافر في رمضان لا يجوز له أن يبيت الفطر، لأن المسافر لا يكون مسافرا بالنية بخلاف المقيم، وإنما يكون مسافرا بالعمل والنهوض، والمقيم لا يفتقر إلى عمل، لأنه إذا نوى الإقامة كان مقيما في الحين، لأن الإقامة لا تفتقر إلى عمل فافترقا.
الرابعة: واختلف العلماء في الأفضل من الفطر أو الصوم في السفر، فقال مالك والشافعي في بعض ما روي عنهما: الصوم أفضل لمن قوي عليه. وجل مذهب مالك التخيير وكذلك مذهب الشافعي. قال الشافعي ومن اتبعه: هو مخير، ولم يفصل، لحديث أنس قال: "سافرنا مع النبي صلى اللّه عليه وسلم في رمضان فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم"
صحيح البخارى: عن أنس بن مالك قال: كنا نسافر مع النبي صلى الله عليه و سلم فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم.
صحيح مسلم: فمنا من صام ومنا من أفطر. فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم.
الخامسة: قوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ} أي من يكن منكم مريضا أو مسافرا فأفطر فليقض. والجمهور من العلماء على أن أهل البلد إذا صاموا تسعة وعشرين يوما وفي البلد رجل مريض لم يصح فإنه يقضي تسعة وعشرين يوما.
وقال قوم: إنه يقضي شهرا بشهر من غير مراعاة عدد الأيام. قال الكيا الطبري: وهذا بعيد، لقوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أخر} ولم يقل فشهر من أيام أخر. وقوله: "فعدة" يقتضي استيفاء عدد ما أفطر فيه، ولا شك أنه لو أفطر بعض رمضان وجب قضاء ما أفطر بعده بعدده، كذلك يجب أن يكون حكم إفطاره جميعه في اعتبار عدده.
السادسة- قوله تعالى: {فَعِدَّةٌ} أي فليصم عدة من أيام. وقيل: المعنى فعليه صيام عدة.

السابعة: اختلف الناس في وجوب تتابعها على قولين: فروي عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: نزلت {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ متتابعات} فسقطت "متتابعات". وعن أبي هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "من كان عليه صوم من رمضان فليسرده ولا يقطعه".
سنن الدارقطني: عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: لا صوم بعد النصف من شعبان حتى رمضان ومن كان عليه صوم من رمضان فليسرده ولا يقطعه عبد الرحمن بن إبراهيم ضعيف الحديث.
وعن ابن عباس في قضاء رمضان "صمه كيف شئت".
سنن الدارقطني: عن بن عباس في قضاء رمضان صمه كيف شئت وقال بن عمر: صمه كما أفطرت.
فتح الباري لابن حجر: عن بن عباس فيمن عليه قضاء من رمضان قال يقضيه مفرقا قال الله تعالى فعدة من أيام اخر وأخرجه الدارقطني من وجه آخر عن معمر بسنده قال صمه كيف شئت.
عمدة القاري شرح صحيح البخاري: عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس فيمن عليه قضاء رمضان قال يقضيه مفرقا قال الله تعالى فعدة من أيام أخر. وأخرجه الدارقطني من وجه آخر عن معمر بسنده قال صمه كيف شئت. وقال سعيد بن المسيب في صوم العشر لا يصلح حتى يبدأ برمضان معنى هذا الكلام أن سعيدا لما سئل عن صوم العشر والحال أن على الذي سأله قضاء رمضان فقال لا يصلح حتى يبدأ أولا بقضاء رمضان وهذه العبارة لا تدل على المنع مطلقا وإنما تدل على الأولوية والدليل عليه ما رواه ابن أبي شيبة عن عبدة عن سفيان عن قتادة عن سعيد أنه كان لا يرى بأسا أن يقضي رمضان في العشر.
وأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سئل عن تقطيع صيام رمضان فقال: "ذلك إليك أرأيت لو كان على أحدكم دين فقضى الدرهم والدرهمين ألم يكن قضاه فاللّه أحق أن يعفو ويغفر".

سنن الدارقطني: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سئل عن تقطيع قضاء صيام شهر رمضان فقال ذلك إليك أرأيت لو كان على أحدكم دين فقضى الدرهم والدرهمين ألم يكن قضاء فالله أحق أن يعفوا ويغفر إسناد حسن.
وعبدالله بن عمر كان يقول: يصوم رمضان متتابعا من أفطره متتابعا من مرض أو في سفر. ويحتمل أن يريد الإخبار عن الوجوب، ويحتمل أن يريد الإخبار عن الاستحباب، وعلى الاستحباب جمهور الفقهاء. وإنما وجب التتابع في الشهر لكونه معينا، وقد عدم التعيين في القضاء فجاز التفريق.
الثامنة: لما قال تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} دل ذلك على وجوب القضاء من غير تعيين لزمان، لأن اللفظ مسترسل على الأزمان لا يختص ببعضها دون بعض. وعن عائشة رضي اللّه عنها قالت: يكون عليّ الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان، الشغل من رسول اللّه، أو برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.
صحيح البخارى: عن أبي سلمة قال سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: كان يكون علي الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان. قال يحيى الشغل من النبي أو بالنبي صلى الله عليه و سلم. (الشغل من النبي) أي الشغل هو المانع لها من القضاء والمراد من الشغل أنها كانت مهيئة نفسها لرسول الله صلى الله عليه و سلم واستمتاعه بها في جميع الأوقات شأن جميع أزواجه صلى الله عليه و سلم و
Bهن اللواتي كن حريصات على سروره وإرضائه فكن لا يستأذنه بالصوم مخافة أن تكون له حاجة بإحداهن ويأذن لها تلبية لرغبتها فتفوت عليه رغبته صلى الله عليه و سلم وحاجته وأما في شعبان فإنه صلى الله عليه و سلم كان يصوم أكثر أيامه فتتفرغ إحداهن لصومها أو تضطر لاستئذانه في الصوم لضيق الوقت عليها].
و يستحب له تعجيل القضاء لئلا تدركه المنية فيبقى عليه الفرض.

التاسعة: من كان عليه قضاء أيام من رمضان فمضت عليه عدتها من الأيام بعد الفطر أمكنه فيها صيامه فأخر ذلك ثم جاءه مانع منعه من القضاء إلى رمضان آخر فلا إطعام عليه، لأنه ليس بمفرط حين فعل ما يجوز له من التأخير.
العاشرة: فإن أخر قضاءه عن شعبان الذي هو غاية الزمان الذي يقضى فيه رمضان فهل يلزمه لذلك كفارة أو لا، فقال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق: نعم. وقال أبو حنيفة والحسن والنخعي وداود: لا. وعن أبي هريرة مسندا فيمن فرط في قضاء رمضان حتى أدركه رمضان آخر قال: "يصوم هذا مع الناس، ويصوم الذي فرط فيه ويطعم لكل يوم مسكينا". ومن مرض ثم صح ولم يصم حتى أدركه رمضان آخر قال: " يصوم الذي أدركه ثم يصوم الشهر الذي أفطر فيه ويطعم لكل يوم مسكينا".
الحادية عشرة: فإن تمادى به المرض فلم يصح حتى جاء رمضان آخر، فروى الدارقطني عن ابن عمر "أنه يطعم مكان كل يوم مسكينا مدا من حنطة، ثم ليس عليه قضاء". وعن أبي هريرة أنه قال: "إذا لم يصح بين الرمضانين صام عن هذا وأطعم عن الثاني ولا قضاء عليه. وروي عن ابن عباس أن رجلا جاء إليه فقال: مرضت رمضانين؟ فقال له ابن عباس: "استمر بك مرضك، أو صححت بينهما؟ " فقال: بل صححت، قال: "صم رمضانين وأطعم ستين مسكينا".
الثانية عشرة: يطعم عن كل يوم مدا. وقال الثوري: يطعم نصف صاع عن كل يوم.
الثالثة عشرة: واختلفوا فيمن أفطر أو جامع في قضاء رمضان ماذا يجب عليه، فقال مالك: من أفطر يوما من قضاء رمضان ناسيا لم يكن عليه شيء غير قضائه. ومن أفطره عامدا أثم ولم يكن عليه غير قضاء ذلك اليوم ولا يتمادى. وقال مالك: ليس على من أفطر يوما من قضاء رمضان بإصابة أهله أو غير ذلك كفارة، وإنما عليه قضاء ذلك اليوم. وقال قتادة: على من جامع في قضاء رمضان القضاء والكفارة.
الرابعة عشرة: والجمهور على أن من أفطر في رمضان لعلة فمات من علته تلك، أو سافر فمات في سفره ذلك أنه لا شيء عليه.

الخامسة عشرة: واختلفوا فيمن مات وعليه صوم من رمضان لم يقضه، فقال مالك والشافعي والثوري: لا يصوم أحد عن أحد. وعن عائشة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "من مات وعليه صيام صام عنه وليه".
صحيح البخارى: عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال (من مات وعليه صيام صام عنه وليه). (عليه صيام) واجب من قضاء أو نذر أو كفارة. (وليه) كل قريب له ولو كان غير وارث]
شرح النووي على مسلم: اختلف العلماء فيمن مات وعليه صوم واجب من رمضان أو قضاء أو نذر أو غيره هل يقضى عنه وللشافعي في المسألة قولان مشهوران أشهرهما لا يصام عنه ولا يصح عن ميت صوم أصلا والثاني يستحب لوليه أن يصوم عنه ويصح صومه عنه ويبرأ به الميت ولا يحتاج إلى اطعام عنه وهذا القول هو الصحيح المختار الذي نعتقده.
سبل السلام للصنعاني: وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مات وعليه صيام صام عنه وليه" متفق عليه فيه دليل على أنه يجزيء الميت صيام وليه عنه إذا ما مات وعليه صوم واجب والإخبار في معنى الأمر أي ليصم عنه وليه والأصل فيه الوجوب إلا أنه قد ادعى الإجماع على أنه للندب والمراد من الولي كل قريب وقيل الوارث خاصة
وعن ابن عباس قال: جاءت امرأة إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالت: يا رسول اللّه، إن أمي قد ماتت وعليها صوم نذر - وفي رواية صوم شهر - أفأصوم عنها؟ قال: "أرأيت لو كان على أمك دين فقضيتيه أكان يؤدي ذلك عنها" قالت: نعم، قال: "فصومي عن أمك". وعن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: "لا يصلي أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد ولكن يطعم عنه مكان يوم مدا من حنطة".
مشكل الآثار للطحاوي: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «لا يصلي أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد، ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مد حنطة». المد: كيل يُساوي ربع صاع وهو ما يملأ الكفين وقيل غير ذلك.

السادسة عشرة: إن الصوم لا ينعقد في السفر وعليه القضاء أبدا. قال أنس: "سافرنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في رمضان فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم".
صحيح البخارى: كنا نسافر مع النبي صلى الله عليه و سلم فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم.
سبل السلام للصنعاني:
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان" سنة ثمان من الهجرة قال ابن إسحاق وغيره: إنه خرج يوم العاشر منه " فصام حتى بلغ كراع الغميم" فصام الناس ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه ثم شرب ليعلم الناس بإفطاره ثم قيل له بعد ذلك إن بعض الناس قد صام فقال: "أولئك العصاة". وفي لفظ فقيل: إن الناس قد شق عليهم الصيام وإنما ينتظرون فيما فعلت بقدح من ماء بعد العصر فشرب". الحديث دليل على أن المسافر له أن يصوم وله أن يفطر.
وعن أبي سعيد الخدري قال: "غزونا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لست عشرة مضت من رمضان فمنا من صام ومنا من أفطر، فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم".

قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} فيه خمس مسائل:

الأولى: عن ابن عباس "يطيقونه" بفتح الياء وتشديد الطاء والياء مفتوحتين بمعنى يطيقونه، يقال: طاق وأطاق وأطيق بمعنى. وعن ابن عباس أيضا وعائشة وطاوس وعمرو بن دينار "يطوقونه" بفتح الياء وشد الطاء مفتوحة، وهي صواب في اللغة، لأن الأصل يتطوقونه فأسكنت التاء وأدغمت في الطاء فصارت طاء مشددة، وليست من القرآن، خلافا لمن أثبتها قرآنا، وإنما هي قراءة على التفسير. وقرأ أهل المدينة والشام "فدية طعام" مضافا "مساكين" جمعا. وقرأ ابن عباس "طعام مسكين" بالإفراد فيما ذكر البخاري وأبو داود والنسائي عن عطاء عنه. وهي قراءة حسنة.
الثانية: واختلف العلماء في المراد بالآية فقيل: هي منسوخة. حدثنا أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم: نزل رمضان فشق عليهم فكان من أطعم كل يوم مسكينا ترك الصوم ممن يطيقه ورخص لهم في ذلك فنسختها {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ}.
صحيح البخارى: حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم: نزل رمضان فشق عليهم فكان من أطعم كل يوم مسكينا ترك الصوم ممن يطيقه ورخص لهم في ذلك
فنسختها {وأن تصوموا خير لكم}. فأمروا بالصوم. [ش (أصحاب محمد) أشار به إلى أنه روى هذا الحديث عن جماعة من الصحابة ولا يقال لهذا رواية مجهول لأن الصحابة كلهم عدول لا تضر جهالة أسمائهم. (نزل رمضان) أي فرض صيامه. (فنسختها) أي نسخت الفدية بدل الصوم. (خير لكم) المراد بالخيرية على هذا القول الوجوب] الناسخ والمنسوخ
*********************
"يطيقونه" أي يقدرون عليه، لأن فرض الصيام هكذا: من أراد صام ومن أراد أطعم مسكينا. وقال ابن عباس: نزلت هده الآية رخصة للشيوخ والعجزة خاصة إذا أفطروا وهم يطيقون الصوم، ثم نسخت بقوله {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ} [البقرة: 185] فزالت الرخصة إلا لمن عجز منهم.

{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ طَعَامٍ} قال: أثبتت للحبلى والمرضع. وروي "وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين" قال: كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصوم أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكينا، والحبلى والمرضع إذا خافتا على أولادهما أفطرتا وأطعمتا.
وخرج الدارقطني: رخص للشيخ الكبير أن يفطر ويطعم عن كل يوم مسكينا ولا قضاء عليه. وروي: "وعلى الذين يطيقونه فدية طعام" ليست بمنسوخة، هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما، فيطعما مكان كل يوم مسكينا. وروي: لأم ولد له حبلى أو مرضع: أنت من الذين لا يطيقون الصيام، عليك الجزاء ولا عليك القضاء. وفي رواية: كانت له أم ولد ترضع - من غير شك - فأجهدت فأمرها أن تفطر ولا تقضي. وعن ابن عباس أن الآية ليست بمنسوخة وأنها محكمة في حق من ذكر. والحامل والمرضع يفطران ولا إطعام عليهما، بمنزلة المريض يفطر ويقضي.
ابن المنذر.
الثالثة: واختلف من أوجب الفدية على من ذكر في مقدارها، فقال مالك: مد بمد النبي صلى اللّه عليه وسلم عن كل يوم أفطره، وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: كفارة كل يوم صاع تمر أو نصف صاع بر. وروي عن ابن عباس نصف صاع من حنطة، ذكره الدارقطني. وروي عن أبي هريرة قال: من أدركه الكبر فلم يستطع أن يصوم فعليه لكل يوم مد من قمح. وروي عن أنس بن مالك أنه ضعف عن الصوم عاما فصنع جفنة من طعام ثم دعا بثلاثين مسكينا فأشبعهم.
الرابعة: قوله تعالى: {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ} قال ابن شهاب: من أراد الإطعام مع الصوم. وقال مجاهد: من زاد في الإطعام على المد. ابن عباس: {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ} قال: مسكينا آخر فهو خير له.

الخامسة: قوله تعالى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} أي والصيام خير لكم. أي من الإفطار مع الفدية وكان هذا قبل النسخ. وقيل: {وَأَنْ تَصُومُوا} في السفر والمرض غير الشاق وعلى الجملة فإنه يقتضي الحض على الصوم، أي فاعلموا ذلك وصوموا.

الآية: 185 {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}: فيه إحدى وعشرون مسألة:
الأولى- قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ}: أول من صام رمضان نوح عليه السلام لما خرج من السفينة. ورمضان مأخوذ من رمض الصائم يرمض إذا حر جوفه من شدة العطش. والرمضاء ممدودة: شدة الحر، ومنه الحديث: "صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال".
الثانية: واختلف هل يقال "رمضان" دون أن يضاف إلى شهر، فكره ذلك مجاهد وقال: يقال كما قال اللّه تعالى. وفي الخبر: "لا تقولوا رمضان بل انسبوه كما نسبه اللّه في القرآن فقال {شَهْرُ رَمَضَانَ}. وعن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "إذا جاء رمضان فتحت أبواب الرحمة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين". وعن أبي هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "أتاكم رمضان شهر مبارك فرض اللّه عز وجل عليكم صيامه تفتح فيه أبواب السماء وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه مردة الشياطين لله فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم".
الثالثة: وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "إن اللّه تعالى فرض صيام رمضان [عليكم] وسننت لكم قيامه فمن صامه وقامه إيمانا واحتسابا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه".

صحيح ابن ماجة: لقيت أبا سلمة بن عبد الرحمن فقلت حدثني بحديث سمعته من أبيك يذكره في شهر رمضان قال نعم حدثني أبي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ذكر شهر رمضان فقال شهر كتب الله عليكم صيامه وسننت لكم قيامه فمن صامه وقامه إيمانا واحتسابا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه
فيض القدير للمناوى: (وسننت لكم قيامه) أي جعلت لكم الصلاة فيه ليلا سنة (فمن صامه وقامه) سالما من المعاصي قولا وفعلا (إيمانا) أي تصديقا بأنه حق وطاعة (واحتسابا) لوجهه تعالى لا رياء (ويقينا) تأكيدا لقوله إيمانا أو أراد احتسابا مجزوما به (كان كفارة لما مضى) من ذنوبه، والمراد الصغائر ما اجتنبت الكبائر.
**********************
عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فاكملوا العدد" في رواية "فإن غمي عليكم الشهر فعدوا ثلاثين".
صحيح البخارى: قال النبي صلى الله عليه و سلم أو قال قال أبو القاسم صلى الله عليه و سلم (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غبي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين). [ش: (غبي) من الغباوة وهي عدم الفطنة وهو استعارة لخفاء الهلال].
شرح النووي على مسلم: اذا كانت ليلة الثلاثين ليلة غيم قوله صلى الله عليه و سلم (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) المراد رؤية بعض المسلمين ولا يشترط رؤية كل انسان بل يكفي جميع الناس رؤية عدلين وكذا عدل على الأصح هذا في الصوم وأما الفطر فلا يجوز بشهادة عدل واحد على هلال شوال عند جميع العلماء الا أبا ثور فجوزه بعدل قوله صلى الله عليه و سلم (الشهر هكذا وهكذا) وفي رواية الشهر تسع وعشرون معناه أن الشهر قد يكون تسعا وعشرين وحاصله أن الاعتبار بالهلال فقد يكون تاما ثلاثين وقد يكون ناقصا تسعا وعشرين وقد لا يرى الهلال فيجب اكمال العدد ثلاثين قالوا وقد يقع النقص متواليا في شهرين وثلاثة وأربعة ولا يقع في أكثر من أربعة.

الرابعة: هل يثبت هلال رمضان بشهادة واحد أو شاهدين؟. فقال مالك: لا يقبل فيه شهادة الواحد لأنها شهادة على هلال فلا يقبل فيها أقل من اثنين. وقال الشافعي وأبو حنيفة: يقبل الواحد، لما رواه أبو داود عن ابن عمر قال: تراءى الناس الهلال فأخبرت به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أني رأيته، فصام وأمر الناس بصيامه. وروى الدارقطني "أن رجلا شهد عند علي بن أبي طالب على رؤية هلال رمضان فصام، أحسبه قال: وأمر الناس أن يصوموا، وقال: أصوم يوما من شعبان أحب إلى من أن أفطر يوما من رمضان.
الخامسة: واختلفوا فيمن رأى هلال رمضان وحده أو هلال شوال، فروى الربيع عن الشافعي: من رأى هلال رمضان وحده فليصمه، ومن رأى هلال شوال وحده فليفطر. وعن مالك في الذي يرى هلال رمضان وحده أنه يصوم، لأنه لا ينبغي له أن يفطر وهو يعلم أن ذلك اليوم من شهر رمضان. ومن رأى هلال شوال وحده فلا يفطر، لأن الناس يتهمون على أن يفطر منهم من ليس مأمونا، ثم يقول أولئك إذا ظهر عليهم: قد رأينا الهلال. وعن ابن حنبل: لا يصوم ولا يفطر. قال ابن المنذر: يصوم ويفطر.
السادسة: وأجمع أصحاب أبي حنيفة على أنه إذا صام أهل بلد ثلاثين يوما للرؤية، وأهل بلد تسعة وعشرين يوما أن على الذين صاموا تسعة وعشرين يوما قضاء يوم. لقوله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ} وثبت برؤية أهل بلد أن العدة ثلاثون فوجب على هؤلاء إكمالها. وأصحاب الشافعي لا يرون ذلك، إذ كانت المطالع في البلدان يجوز أن تختلف. لقوله صلى اللّه عليه وسلم: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته".
السابعة: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} أي أن تصوموا شهر رمضان.

الثامنة: {الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} نص في أن القرآن نزل في شهر رمضان. وهو يبين قوله عز وجل: {حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ. إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} [الدخان: 1 - 3] يعني ليلة القدر، ولقوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1]. وفي هذا دليل على أن ليلة القدر إنما تكون في رمضان لا في غيره.
التاسعة: قوله تعالى: {الْقُرْآنُ} كلام اللّه تعالى.
{وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} [الإسراء: 78] أي قراءة الفجر.
العاشرة: قوله تعالى: {هُدىً لِلنَّاسِ} أي هاديا لهم. {وَبَيِّنَاتٍ} عطف عليه. و {الْهُدَى} الإرشاد والبيان أي بيانا لهم وإرشادا. والمراد القرآن بجملته من محكم ومتشابه وناسخ ومنسوخ، والحلال والحرام والمواعظ والأحكام. "وبينات" جمع بينة، من بان الشيء يبين إذا وضح. {وَالْفُرْقَانَ} ما فرق بين الحق والباطل.
الحادية عشرة: قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} من شهد أي من حضر دخول الشهر وكان مقيما في أوله في بلده وأهله فليكمل صيامه، سافر بعد ذلك أو أقام، وإنما يفطر في السفر من دخل عليه رمضان وهو في سفر. فمن أدركه رمضان مسافرا أفطر وعليه عدة من أيام أخر، ومن أدركه حاضرا فليصمه. فعن ابن عباس أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خرج إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ الكديد أفطر فأفطر الناس.
وقال أبو حنيفة: من شهد الشهر بشروط التكليف غير مجنون ولا مغمى عليه فليصمه، ومن دخل عليه رمضان وهو مجنون وتمادى به طول الشهر فلا قضاء عليه، لأنه لم يشهد الشهر بصفة يجب بها الصيام. ومن جن أول الشهر وآخره فإنه يقضي أيام جنونه.

الثانية عشرة: قد تقرر أن فرض الصوم مستحق بالإسلام والبلوغ والعلم بالشهر، فإذا أسلم الكافر أو بلغ الصبي قبل الفجر لزمهما الصوم صبيحة اليوم، وإن كان الفجر استحب لهما الإمساك، وليس عليهما قضاء الماضي من الشهر ولا اليوم الذي بلغ فيه أو أسلم.
الثالثة عشرة: قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} اليسر" الفطر في السفر، و"العسر" الصيام في السفر. وروي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم "دين اللّه يسر "، وقال صلى اللّه عليه وسلم: "يسروا ولا تعسروا". واليسر من السهولة، ومنه اليسار للغنى.
الرابعة عشرة: دلت الآية على أن اللّه سبحانه مريد بإرادة قديمة أزلية زائدة على الذات.
الخامسة عشرة: قوله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ} فيه تأويلان: أحدهما: إكمال عدة الأداء لمن أفطر في سفره أو مرضه. الثاني: عدة الهلال سواء كانت تسعا وعشرين أو ثلاثين. قال جابر ابن عبدالله قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: "إن الشهر يكون تسعا وعشرين". وقوله صلى اللّه عليه وسلم: "شهرا عيد لا ينقصان رمضان وذو الحجة" أنهما لا ينقصان عن ثلاثين يوما. وتأوله جمهور العلماء على معنى أنهما لا ينقصان في الأجر وتكفير الخطايا، سواء كانا من تسع وعشرين أو ثلاثين.
السادسة عشرة: ولا اعتبار برؤية هلال شوال يوم الثلاثين من رمضان نهارا بل هو لليلة التي تأتي فعن شقيق قال: جاءنا كتاب عمر ونحن بخانقين قال في كتابه: "إن الأهلة بعضها أكبر من بعض، فإذا رأيتم الهلال نهارا فلا تفطروا حتى يشهد شاهدان أنهما رأياه بالأمس". وعن إبراهيم قال: كتب عمر إلى عتبة بن فرقد "إذا رأيتم الهلال نهارا قبل أن تزول الشمس لتمام ثلاثين فأفطروا، وإذا رأيتموه بعد ما تزول الشمس فلا تفطروا حتى تمسوا". وعن عائشة زوج النبي صلى اللّه عليه وسلم قالت: أصبح رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صائما صبح ثلاثين يوما، فرأى هلال شوال نهارا فلم يفطر حتى أمسى.

وقال سمعت سعيد بن المسيب: إن رئي هلال شوال بعد أن طلع الفجر إلى العصر أو إلى أن تغرب الشمس فهو من الليلة التي تجيء، قال أبو عبدالله: وهذا مجمع عليه.
السابعة عشرة: عن رجل من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم: قال: اختلف الناس في آخر يوم من رمضان فقدم أعرابيان فشهدا عند النبي صلى اللّه عليه وسلم لأهلا الهلال أمس عشية، " فأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الناس أن يفطروا وأن يغدوا إلى مصلاهم".
الثامنة عشرة: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} [الأنعام: 75] أي وليكون من الموقنين فعلنا ذلك
التاسعة عشرة: قوله تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ} معناه الحض على التكبير في آخر رمضان. وعن سعيد ابن المسيب وعروة وأبي سلمة أنهم كانوا يكبرون ليلة الفطر ويحمدون. ويكبر المرء من رؤية الهلال إلى انقضاء الخطبة، ويمسك وقت خروج الإمام ويكبر بتكبيره.
الموفية عشرين: ولفظ التكبير عند مالك: اللّه أكبر اللّه أكبر اللّه أكبر، ثلاثا.
ومن العلماء من يكبر ويهلل ويسبح أثناء التكبير. ومنهم من يقول: اللّه أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان اللّه بكرة وأصيلا. وكان ابن المبارك يقول إذا خرج من يوم الفطر: اللّه أكبر اللّه أكبر، لا إله إلا اللّه، واللّه أكبر ولله الحمد، اللّه أكبر على ما هدانا.
الحادية والعشرون - {عَلَى مَا هَدَاكُمْ} قيل: لما ضل فيه النصارى من تبديل صيامهم. وقيل: بدلا عما كانت الجاهلية تفعله من التفاخر بالآباء والتظاهر بالأحساب وتعديد المناقب. وقيل: لتعظموه على ما أرشدكم إليه من الشرائع، فهو عام وتقدم معنى {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.

= {{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البقرة: 187]}}.
في الاية ست وثلاثين مسألة:

الأولى: قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ} لفظ "أحل" يقتضي أنه كان محرما قبل ذلك ثم نسخ. قال: وكان الرجل إذا أفطر فنام قبل أن يأكل لم يأكل حتى يصبح، قال: فجاء عمر فأراد امرأته فقالت: إني قد نمت، فظن أنها تعتل فأتاها. فجاء رجل من الأنصار فأراد طعاما فقالوا: حتى نسحن؟؟ لك شيئا فنام، فلما أصبحوا أنزلت هذه الآية، وفيها: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ}. وعن البراء قال: كان أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم إذا كان الرجل صائما فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي، وأن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائما - وفي رواية: كان يعمل في النخيل بالنهار وكان صائما - فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال لها: أعندك طعام؟ قالت لا، ولكن أنطلق فأطلب لك، وكان يومه يعمل، فغلبته عيناه، فجاءته امرأته فلما رأته قالت: خيبة لك فلما انتصف النهار غشي عليه، فذكر ذلك للنبي صلى اللّه عليه وسلم فنزلت هذه الآية: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} ففرحوا فرحا شديدا، ونزلت: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}.

وعن البراء قال: لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله، وكان رجال يخونون أنفسهم، فأنزل اللّه تعالى: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ} يقال: خان واختان بمعنى من الخيانة، أي تخونون أنفسكم بالمباشرة في ليالي الصوم. ومن عصى اللّه فقد خان نفسه إذ جلب إليها العقاب. وقال القتبي: أصل الخيانة أن يؤتمن الرجل على شيء فلا يؤدي الأمانة فيه. وأن عمر رضي اللّه تعالى عنه رجع من عند النبي صلى اللّه عليه وسلم وقد سمر عنده ليلة فوجد امرأته قد نامت فأرادها فقالت له: قد نمت، فقال لها: ما نمت، فوقع بها. وصنع كعب بن مالك مثله، فغدا عمر على النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: أعتذر إلى اللّه وإليك، فإن نفسي زينت؟؟ لي فواقعت أهلي، فهل تجد لي من رخصة؟ فقال لي: "لم تكن حقيقا يا عمر" فلما بلغ بيته أرسل إليه فأنبأه بعذره في آية من القرآن. فنزلت: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ}.
الثانية: قوله تعالى: {لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ} والرفث: كناية عن الجماع لأن اللّه عز وجل كريم يكني. والرفث كلمة جامعة لكل ما يريد الرجل من امرأته. والرفث ههنا الجماع. والرفث: التصريح بذكر الجماع والإعراب به.
الثالثة: قوله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ} - {وأنْتُمُ لِبَاسٌ لَهُنَّ}: فسمي امتزاج كل واحد من الزوجين بصاحبه لباسا، لانضمام الجسد وامتزاجهما وتلازمهما تشبيها بالثوب. يقال لما ستر الشيء وداراه: لباس. فجائز أن يكون كل واحد منهما سترا لصاحبه عما لا يحل. وقيل: لأن كل واحد منهما ستر لصاحبه فيما يكون بينهما من الجماع من أبصار الناس.

الرابعة: قوله تعالى: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ} يستأمر بعضكم بعضا في مواقعة المحظور من الجماع والأكل بعد النوم في ليالي الصوم. {فَتَابَ عَلَيْكُمْ} يحتمل معنيين: أحدهما - قبول التوبة من خيانتهم لأنفسهم. والآخر - التخفيف عنهم بالرخصة والإباحة، كقوله تعالى: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ} [المزمل: 20] يعني خفف عنكم. قوله تعالى: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ} كناية عن الجماع، أي قد أحل لكم ما حرم عليكم. وسمي الوقاع مباشرة لتلاصق البشرتين فيه. وأن سبب الآية جماع عمر رضي اللّه عنه لا جوع قيس، لأنه لو كان السبب جوع قيس لقال: فالآن كلوا، ابتدأ به لأنه المهم الذي نزلت الآية لأجله.
الخامسة: قوله تعالى: {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}: معناه وابتغوا الولد، يدل عليه أنه عقيب قوله: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ}.
السادسة: قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} هذا جواب نازلة قيس، والأول جواب عمر، وقد ابتدأ بنازلة عمر لأنه المهم فهو المقدم.
السابعة: قوله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}: ذلك الفجر المعترض في الأفق يمنه ويسرة. قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال ولا بياض الأفق المستطيل هكذا حتى يستطير هكذا". وأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "هما فجران فأما الذي كأنه ذنب السرحان فإنه لا يحل شيئا ولا يحرمه وأما المستطيل الذي عارض الأفق ففيه تحل الصلاة ويحرم الطعام". وعن زر قال قلنا لحذيفة: أي ساعة تسحرت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؟ قال: "هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع".

وأن نبي اللّه قال: "كلوا وأشربوا ولا يغرنكم الساطع المصعد وكلوا واشربوا حتى يعرض لكم الأحمر". والذي قادهم إلى هذا الصوم إنما هو في النهار، والنهار عندهم من طلوع الشمس، وآخره غروبها. وتفسير رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ذلك بقوله: "إنما هو سواد الليل وبياض النهار".
وقوله "أياما معدودات". وعن عائشة رضي اللّه عنها عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: "من لم يبيت الصيام قبل طلوع الفجر فلا صيام له". وروي عن حفصة أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: "من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له".
الثامنة: وذلك أن الصيام من جملة العبادات فلا يصح إلا بنية، وقد وقتها الشارع قبل الفجر، فكيف يقال: إن الأكل والشرب بعد الفجر جائز؟.
فعن سهل بن سعد قال: نزلت {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ} ولم ينزل (("من الفجر")) وكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود، ولا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له رؤيتهما، فأنزل اللّه بعد (("من الفجر")) فعلموا أنه إنما يعني بذلك بياض النهار. وعن عدي بن حاتم قال قلت: يا رسول اللّه، ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود أهما الخيطان؟ قال: "إنك لعريض القفا إن أبصرت الخيطين - ثم قال - لا بل هو سواد الليل وبياض النهار".
صحيح البخارى: أخذ عدي عقالا أبيض وعقالا أسود حتى كان بعض الليل نظر فلم يستبينا فلما أصبح قال يا رسول الله جعلت تحت وسادي قال (إن وسادك إذا لعريض أن كان الخيط الأبيض والأسود تحت وسادتك).
[ش (وسادك إذا لعريض. .) الوساد هو المخدة وهذا الكلام كناية عن الوصف بالغباوة إذ فهم هذا الفهم وفعل هذا الفعل ومثله في الحديث الآتي (إنك لعريض القفا) وهو مؤخرة الرأس وعرضه عنوان الغباوة في المرء].

عمدة القاري شرح صحيح البخاري: قال يا رسول الله إنني جعلت تحت وسادتي عقالين عقالا أبيض وعقالا أسود أعرف الليل من النهار فقال رسول الله إن وسادك لعريض إنما هو سواد الليل وبياض النهار. وفي رواية أبي داود قال أخذت عقالا أبيض وعقالا أسود فوضعتهما تحت وسادتي فنظرت فلم أتبين فذكرت ذلك لرسول الله فضحك وقال إن وسادك إذا لعريض طويل إنما هو الليل والنهار وفي لفظ إنما هما سواد الليل وبياض النهار. وفي رواية أبي عوانة: فضحك وقال لا يا عريض القفا. قوله: (إن وسادك لعريض) كنى بالوساد عن النوم لأن النائم يتوسد أي إن نومك لطويل كثير وقيل كنى بالوساد عن موضع الوساد من رأسه وعنقه وتشهد له الرواية التي فيها إنك لعريض القفا فإن عرض القفا كناية عن السمن وقيل أراد من أكل مع الصبح في صومه أصبح عريض القفا لأن الصوم لا يؤثر فيه ويقال يكنى عن الأبله بعريض القفا فإن عرض القفا وعظم الرأس إذا أفرطا قيل إنه دليل الغباوة والحماقة
التاسعة: قوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} جعل اللّه جل ذكره الليل ظرفا للأكل والشرب والجماع، والنهار ظرفا للصيام، فبين أحكام الزمانين وغاير بينهما. فلا يجوز في اليوم شيء مما أباحه بالليل إلا لمسافر أو مريض. فمن أفطر في رمضان من غير من ذكر فلا يخلو إما أن يكون عامدا أو ناسيا، فإن كان الأول فقال مالك: من أفطر في رمضان عامدا بأكل أو شرب أو جماع فعليه القضاء والكفارة. فعن أبي هريرة أن رجلا أفطر في رمضان فأمره رسول اللّه صلى الله عليه وسلم " أن يكفر بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا".

العاشرة: واختلفوا أيضا فيما يجب على المرأة يطؤها زوجها في شهر رمضان، فقال مالك وأبو يوسف وأصحاب الرأي: عليها مثل ما على الزوج. وقال الشافعي: ليس عليها إلا كفارة واحدة، وسواء طاوعته أو أكرهها، لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم أجاب السائل بكفارة واحدة ولم يفصل. وروي عن أبي حنيفة: إن طاوعته فعلى كل واحد منهما كفارة، وإن أكرهها فعليه كفارة واحدة لا غير.
الحاديةعشرة: واختلفوا أيضا فيمن جامع ناسيا لصومه أو أكل: ليس عليه في الوجهين شيء، لا قضاء ولا كفارة. وقال مالك: عليه القضاء ولا كفارة. وعن عطاء أن عليه الكفارة إن جامع.
الثانية عشرة: إذا أكل ناسيا فظن أن ذلك قد فطّره فجامع عامدا أن عليه القضاء ولا كفارة عليه. وقيل عليه القضاء والكفارة إن كان قاصدا لهتك حرمة صومه جرأة وتهاونا. وقيل ليس بمفطر كل من أكل ناسيا لصومه. قلت ما قال به قال الجمهور: إن من أكل أو شرب ناسيا فلا قضاء عليه وإن صومه تام، لحديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "إذا أكل الصائم ناسيا أو شرب ناسيا فإنما هو رزق ساقه اللّه تعالى إليه ولا قضاء عليه - في رواية - وليتم صومه فإن اللّه أطعمه وسقاه". وحديث: "من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه".
الثالثة عشرة: ما بين سبحانه محظورات الصيام وهي الأكل والشرب والجماع، ولم يذكر المباشرة التي هي اتصال البشرة بالبشرة كالقبلة والجسة وغيرها، دل ذلك على صحة صوم من قبل وباشر. ويكره لمن لا يأمن على نفسه ولا يملكها، لئلا يكون سببا إلى ما يفسد الصوم. وأن عبدالله بن عمر رضي اللّه عنهما كان ينهي عن القبلة والمباشرة للصائم. وعن عائشة قالت: كان النبي صلى اللّه عليه وسلم يقبل ويباشر وهو صائم.
قيل من قبل فأمنى فعليه القضاء ولا كفارة. ولو قبل فأمذى لم يكن عليه شيء. وقال أحمد: من قبل فأمذى أو أمنى فعليه القضاء ولا كفارة عليه، إلا على من جامع فأولج عامدا أو ناسيا.

الرابعة عشرة: والجمهور من العلماء على صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب. وقد كان وقع فيه بين الصحابة كلام ثم استقر الأمر على أن من أصبح جنبا فإن صومه صحيح". لحديث عائشة رضي اللّه عنها وأم سلمة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يصبح جنبا من جماع غير احتلام ثم يصوم. وعن عائشة رضي اللّه عنها قالت: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يدركه الفجر في رمضان وهو جنب من غير احتلام فيغتسل ويصوم.
الخامسة عشرة: واختلفوا في الحائض تطهر قبل الفجر وتترك التطهر حتى تصبح، فجمهورهم على وجوب الصوم عليها وإجزائه، سواء تركته عمدا أو سهوا كالجنب.
السادسة عشرة- وإذا طهرت المرأة ليلا في رمضان فلم تدر أكان ذلك قبل الفجر أو بعده، صامت وقضت ذلك اليوم احتياطا، ولا كفارة عليها.
السابعة عشرة- روي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: "أفطر الحاجم والمحجوم". وقال مالك والشافعي والثوري: لا قضاء عليه، إلا أنه يكره له ذلك من أجل التغرير. وحديث أنس أنه قيل له: أكنتم تكرهون الحجامة للصائم؟ قال لا، إلا من أجل الضعف.
الثامنة عشرة-: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} أمر يقتضي الوجوب من غير خلاف.
التاسعة عشرة - ومن تمام الصوم استصحاب النية دون رفعها، فإن رفعها في بعض النهار ونوى الفطر إلا أنه لم يأكل ولم يشرب فجعله في المدونة مفطرا وعليه القضاء. وفي كتاب ابن حبيب أنه على صومه، قال: ولا يخرجه من الصوم إلا الإفطار بالفعل وليس بالنية.
الموفية عشرين - {إِلَى اللَّيْلِ} إذا تبين الليل سن الفطر شرعا، أكل أو لم يأكل. لقول النبي صلى اللّه عليه وسلم: "إذا جاء الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا فقد أفطر الصائم".

الحادية والعشرون - فإن ظن أن الشمس قد غابت لغيم أو غيره فأفطر ثم ظهرت الشمس فعليه القضاء في قول أكثر العلماء. وعن أسماء بنت أبي بكر رضي اللّه عنهما قالت: أفطرنا على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم غيم ثم طلعت الشمس فأمروا بالقضاء. وقيل: لا قضاء عليه، وبه قال الحسن البصري: لا قضاء عليه كالناسي.
الثانية والعشرون - فإن أفطر وهو شاك في غروبها كفر مع القضاء. ومن شك عنده في طلوع الفجر لزمه الكف عن الأكل. فإذا أكل على ظن أن الفجر لم يطلع فقد أكل بإذن الشرع في وقت جواز الأكل فلا قضاء عليه.
الثالثة والعشرون - {إِلَى اللَّيْلِ} فيه ما يقتضي النهي عن الوصال، إذ الليل غاية الصيام. قال صلى اللّه عليه وسلم: " إذا غابت الشمس من ههنا وجاء الليل من ههنا فقد أفطر الصائم". ونهى النبي عن الوصال، فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يوما ثم يوما ثم رأوا الهلال فقال: "لو تأخر الهلال لزدتكم" كالمنكل لهم حين أبوا أن ينتهوا. وقال صلى اللّه عليه وسلم: "إن فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر". وعن أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: "لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر" قالوا: فإنك تواصل يا رسول اللّه؟ قال: "لست كهيئتكم إني أبيت لي مطعم وساق يسقيني".
الرابعة والعشرون: ويستحب للصائم إذا أفطر أن يفطر على رطبات أو تمرات أو حسوات من الماء.

وعن أنس قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم تكن رطبات فعلى تمرات، فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من ماء. وكان النبي صلى اللّه عليه وسلم إذا أفطر قال: "لك صمنا وعلى رزقك أفطرنا فتقبل منا إنك أنت السميع العليم". وكان يقول إذا أفطر: "ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء اللّه". وأفطر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عند سعد بن معاذ فقال: " أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة". وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "من فطر صائما كان له مثل أجرهم من غير أن ينقص من أجورهم شيئا". وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "إن للصائم عند فطره لدعوة ما ترد". وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم: "للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه فرح بصومه".
الخامسة والعشرون: ويستحب له أن يصوم من شوال ستة أيام فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان له كصيام الدهر".
السادسة والعشرون: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} بين جل تعالى أن الجماع يفسد الاعتكاف. وأجمع أهل العلم على أن من جامع امرأته وهو معتكف عامدا لذلك في فرجها أنه مفسد لاعتكافه. فأما المباشرة من غير جماع فإن قصد بها التلذذ فهي مكروهة، وإن لم يقصد لم يكره، لأن عائشة كانت ترجل رأس رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو معتكف، وكانت لا محالة تمس بدن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بيدها، فدل بذلك على أن المباشرة بغير شهوة غير محظورة.

السابعة والعشرون: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ} والاعتكاف هو في عرف الشرع: ملازمة طاعة مخصوصة في وقت مخصوص على شرط مخصوص في موضع مخصوص. وأجمع العلماء على أنه ليس بواجب، وهو قربة من القرب ونافلة من النوافل عمل بها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه وأزواجه، ويلزمه إن ألزمه نفسه، ويكره الدخول فيه لمن يخاف عليه العجز عن الوفاء بحقوقه.
الثامنة والعشرون: أجمع العلماء على أن الاعتكاف لا يكون إلا في المسجد. والاعتكاف في كل مسجد جائز.
التاسعة والعشرون: وأقل الاعتكاف عند مالك وأبي حنيفة يوم وليلة.
الموفية ثلاثين: وليس للمعتكف أن يخرج من معتكفه إلا لما لا بد له منه، لما روى الأئمة عن عائشة قالت: "كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا اعتكف يدني إلى رأسه فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان" تريد الغائط والبول. ولا خلاف في هذا بين الأمة ولا بين الأئمة، فإذا خرج المعتكف لضرورة وما لا بد له منه ورجع في فوره بعد زوال الضرورة بنى على ما مضى من اعتكافه ولا شيء عليه. ومن الضرورة المرض البين والحيض.
الحادية والثلاثون: واختلفوا في خروجه للجمعة، فقالت طائفة: يخرج للجمعة ويرجع إذا سلم، لأنه خرج إلى فرض ولا ينتقض اعتكافه.
ورواه ابن الجهم عن مالك، وبه قال أبو حنيفة، واختاره ابن العربي وابن المنذر. ومشهور مذهب مالك أن
الثانية والثلاثون: المعتكف إذا أتى كبيرة فسد اعتكافه، لأن الكبيرة ضد العبادة، كما أن الحدث ضد الطهارة والصلاة، وترك ما حرم اللّه تعالى عليه أعلى منازل الاعتكاف في العبادة.
الثالثة والثلاثون: روى مسلم عن عائشة قالت: "كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه ... ".
الرابعة والثلاثون: استحب مالك لمن اعتكف العشر الأواخر أن يبيت ليلة الفطر في المسجد حتى يغدو منه إلى المصلى.

الخامسة والثلاثون: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} أي هذه الأحكام حدود اللّه فلا تخالفوها. وسميت حدود اللّه لأنها تمنع أن يدخل فيها ما ليس منها، وأن يخرج منها ما هو منها، ومنها سميت الحدود في المعاصي، لأنها تمنع أصحابها من العود إلى أمثالها.
السادسة والثلاثون: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ} أي كما بين هذه الحدود يبين جميع الأحكام لتتقوا مجاوزتها. والآيات: العلامات الهادية إلى الحق. و {لَعَلَّهُمْ} ترج في حقهم.

صحيح البخارى: كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى الله عليه و سلم أجود بالخير من الريح المرسلة. [ش: (أجود الناس) أسخى الناس أفعل تفضيل من الجود وهو العطاء. (فيدارسه) من المدارسة وأصلها تعهد الشيء حتى لا ينسى والمراد يتناوب معه القراءة على سرعة. (المرسلة) المطلقة التي يدوم هبوبها ويعم نفعها].
وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه).
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: (من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه). [ش: (قام رمضان) أحيا لياليه بالعبادة والقربات. (إيمانا واحتسابا) مصدقا بثوابه مخلصا بقيامه. (ما تقدم من ذنبه) من الصغائر].

اعتكف رسول الله صلى الله عليه و سلم عشر الأول من رمضان واعتكفنا معه فأتاه جبريل فقال إن الذي تطلب أمامك فاعتكف العشر الأوسط فاعتكفنا معه فأتاه جبريل فقال إن الذي تطلب أمامك قام النبي صلى الله عليه و سلم خطيبا صبيحة عشرين من رمضان فقال (من كان اعتكف مع النبي صلى الله عليه و سلم فليرجع فإني أريت ليلة القدر وإني نسيتها وإنها في العشر الأواخر وفي وتر وإني رأيت كأني أسجد في طين وماء). وكان سقف المسجد جريد النخل وما نرى في السماء شيئا فجاءت قزعة فأمطرنا فصلى بنا النبي صلى الله عليه و سلم حتى رأيت أثر الطين والماء على جبهة رسول الله صلى الله عليه و سلم وأرنبته تصديق رؤياه.
[ش (إن الذي تطلب أمامك) إن الذي تسعى إليه - وهو ليلة القدر - فيما يأتي قدامك من الليالي. (أريت ليلة القدر) أبصرت علامتها أو أعلمت وقتها. (نسيتها) نسيت علم تعيينها. (في وتر) الليالي الفردية. (قزعة) قطعة رقيقة من السحاب. (أرنبته) طرف أنفه].
فرض النبي صلى الله عليه و سلم صدقة الفطر أو قال رمضان على الذكر والأنثى والحر والمملوك صاعا من تمر أو صاعا من شعير فعدل الناس به نصف صاع من بر. فكان ابن عمر رضي الله عنهما يعطي التمر فأعوز أهل المدينة من التمر فأعطى شعيرا. فكان ابن عمر يعطي عن الصغير والكبير حتى إن كان يعطي عن بني. وكان ابن عمر رضي الله عنهما يعطيها الذين يقبلونها وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين. [ش (بر) قمح. فأعوز: احتاجوا ولم يقدروا عليه. (عن بني) عن أبناء نافع وكانوا موالي له أي عتقاء. (الذين يقبلونها) العمال الذين يجمعونها].

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كانوا يصومون عاشوراء قبل أن يفرض رمضان وكان يوما تستر فيه الكعبة فلما فرض الله رمضان قال رسول الله صلى الله عليه و سلم (من شاء أن يصومه فليصمه ومن شاء أن يتركه فليتركه). [ش (كانوا) أي المسلمون. (عاشوراء) اليوم العاشر من محرم. (تستر فيه) يوضع عليها الستار والكسوة في كل سنة في هذا اليوم].
سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول (إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فاقدروا له). [ش (رأيتموه) رأيتم هلال الشهر رمضان أولا وشوال ثانيا. (غم عليكم) ستر وغطي بالغيم أو غيره. (فاقدروا له) قدروا له تمام العدة ثلاثين يوما].
بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه و سلم إذ جاءه رجل فقال يا رسول الله هلكت. قال (مالك). قال وقعت على امرأتي وأنا صائم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم (هل تجد رقبة تعتقها). قال لا. قال (فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين). قال لا. فقال (فهل تجد إطعام ستين مسكينا). قال لا. قال فمكث النبي صلى الله عليه و سلم. فبينا نحن على ذلك أتي النبي صلى الله عليه و سلم بعرق فيه تمر والعرق المكتل قال (أين السائل). فقال أنا. قال (خذ هذا فتصدق به). فقال الرجل أعلى أفقر مني يا رسول الله؟. فوالله ما بين لابتيها يريد الحرتين أهل بيت أفقر من أهل بيتي. فضحك النبي صلى الله عليه و سلم حتى بدت أنيابه ثم قال (أطعمه أهلك). [ش: (هلكت) فعلت ما يستوجب الهلاك والعقوبة. (وقعت على امرأتي) جامعتها. (رقبة) عبد مملوكا أو أمة. (تعتقها) تحررها من الرق. (فمكث) جلس ينتظر. (الحرتين) مثنى حرة وهي أرض ذات حجارة سوداء والمدينة بين حرتين. (أنيابه) هي الأسنان الملاصقة للرباعيات وهو علامة شدة ضحكه صلى الله عليه و سلم وكان ذلك منه تعجبا من حال الرجل وسرورا من حسن توسله وتلطفه للوصول إلى مقصوده].

كان رسول الله صلى الله عليه و سلم في سفر فرأى زحاما ورجلا قد ظلل عليه فقال (ما هذا). فقالوا صائم فقال (ليس من البر الصوم في السفر). [ش: (زحاما) قوما مزحومين أي يضايق بعضهم بعضا في موضع. (رجلا) قيل هو أبو إسرائيل العامري. (البر) الطاعة والعبادة والإحسان والخير. (الصوم في السفر) إذا بلغ بالصائم هذا المبلغ من المشقة].

سنن النسائي الكبرى: عن عمر قال: هشئت يوما فقبلت وأنا صائم فأتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت: صنعت أمرا عظيما قبلت وأنا صائم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: أرأيت لو تمضمضت بماء وأنت صائم قلت لا بأس بذلك قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ففيم.
((أرأيت لو تمضمضت بماء وأنت صائم قلت لا بأس بذلك قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ففيم اي لابأس)). ويسمي ذلك في اصول الفقه القياس: فكما ان المضمضة لا تبطل الصوم, فكذلك القبلة.

فقه السنة للسيد سابق: عن عائشة رضي الله عنها قالت:" كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم، ويباشر وهو صائم (1)، وكان أملككم لاربه ". وعن عمر رضي الله عنه أنه قال: " هششت (2) يوما، فقبلت وأنا صائم، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: صنعت اليوم أمرا عظيما، قبلت وأنا صائم، فقال رسول الله عليه وسلم: " أرأيت لو تمضمضت بماء وأنت صائم؟ " قلت: لا بأس بذلك؟، قال: " ففيم ". (شرح: (1) والمقصود المداعبة (2) " هششت " أي نشطت. قال ابن المنذر رخص في القبلة عمر وابن عباس وأبو هريرة وعائشة.
وتكره المداعبة على من حركت شهوته، ولا تكره لغيره، لكن الاولى تركها. ولا فرق بين الشيخ والشاب في ذلك، والاعتبار بتحريك الشهوة، وخوف الانزال، فإن حركت شهوة شاب، أو شيخ قوي، كرهت. وإن لم تحركها لشيخ أو شاب ضعيف، لم تكره، والاولى تركها. وسواء قبل الخد أو الفم أو غيرهما. وهكذا المباشرة باليد والمعانقة لهما حكم القبلة.
)))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))

وقفة مع: انفقوا مما رزقناكم لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى انفقوا من طيبات ما كسبتم
**********************

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة: 254]}}.
تفسير القرطبي: {أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ}: هي الزكاة المفروضة. وقال ابن جريج وسعيد بن جبير: هذه الآية تجمع الزكاة المفروضة والتطوع. وإنفاق الأموال مرة واجبا ومرة ندبا بحسب تعين الجهاد وعدم تعينه. وأمر تعالى عباده بالإنفاق مما رزقهم الله وأنعم به عليهم وحذرهم من الإمساك إلى أن يجيء يوم لا يمكن فيه بيع ولا شراء ولا استدراك نفقة، كما قال: {فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ} [المنافقين: 10].
الحاوى في اتفسير القران للقماش: ولا خلّة: أي ولا صداقة ولا مودة بنافعة. وَلا خُلَّةٌ أي ولا صداقة تنفع يومئذ. وَلا خُلَّةٌ" أي لا تنفع فيه الصحبة والمودة والصداقة ولا تقبل فيه الفدية وقد سمي الفداء هنا بيعا لأنه شراء النفس من الهلاك. " وَلا شَفاعَةٌ" لأحد تخلصه من عذاب اللّه إلا لمن ارتضى.

تفسير الطبري: (أنفقوا مما رزقناكم): من الزكاة والتطوع.

يا أيها الذين آمنوا أنفقوا في سبيل الله مما رزقناكم من أموالكم، وتصدقوا منها، وآتوا منها الحقوق التي فرضناها عليكم. "من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة"، يقول: ادخروا لأنفسكم عند الله في دنياكم من أموالكم، بالنفقة منها في سبيل الله، والصدقة على أهل المسكنة والحاجة، وإيتاء ما فرض الله عليكم فيها، وابتاعوا بها ما عنده مما أعده لأوليائه من الكرامة، بتقديم ذلك لأنفسكم، ما دام لكم السبيل إلى ابتياعه، بما ندبتكم إليه، وأمرتكم به من النفقة من أموالكم"من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه"، يعني من قبل مجيء يوم لا بيع فيه، يقول: لا تقدرون فيه على ابتياع ما كنتم على ابتياعه- بالنفقة من أموالكم التي رزقتكموها- بما أمرتكم به، أو ندبتكم إليه في الدنيا قادرين، لأنه يوم جزاء وثواب وعقاب، لا يوم عمل واكتساب وطاعة ومعصية، فيكون لكم إلى ابتياع منازل أهل الكرامة بالنفقة حينئذ- أو بالعمل بطاعة الله.
تفسير الألوسي: {أَنفِقُواْ مِمَّا رزقناكم} قيل: أراد به الفرض كالزكاة دون النفل لأن الأمر حقيقة في الوجوب ولاقتران الوعيد به. وقيل: يدخل فيه الفرض والنفل، وجعل الأمر لمطلق الطلب وليس فيما بعد سوى الأخبار بأهوال يوم القيامة وشدائدها ترغيباً في الإنفاق وليس فيه وعيد على تركه ليتعين الوجوب، وقال الأصم: المراد به الانفاق في الجهاد، والدليل عليه أنه مذكور بعد الأمر بالجهاد معنى، وبذلك ترتبط الآية بما قبلها ولا يخفى أن هذا الدليل مما لا ينبغي أن يسمع لأن الارتباط على تقدير العموم حاصل أيضاً بدخول الانفاق المذكور فيه دخولاً أولياً، وكذا على تقدير إرادة الفرض لأن الانفاق في الجهاد قد يكون فرضاً إذا توقف الفرض عليه.

{مّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ} أي لا مودة ولا صداقة {وَلاَ شفاعة} أي لأحد إلا من بعد أن يأذن الرحمن لمن يشاء ويرضى وأراد بذلك يوم القيامة، والمراد من وصفه بما ذكر الإشارة إلى أنه لا قدرة لأحد فيه على تحصيل ما ينتفع به بوجه من الوجوه لأن من في ذمته حق مثلاً إما أن يأخذ بالبيع ما يؤديه به وإما أن يعينه أصدقاؤه وإما أن يلتجىء إلى من يشفع له في حطه والكل منتف ولا مستعان إلا بالله عز وجل.

صحيح البخارى: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله أي الصدقة أعظم أجرا؟ قال (أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان). [ش: (صحيح) ليس فيك مرض أو علة تقطع أملك في الحياة. (شحيح) من شأنك الشح وهو البخل مع الحرص. (تخشى الفقر) تخافه وتحسب له حسابا. (تأمل) تطمع وترجو. (تمهل) تؤخر. (بلغت الحلقوم) قاربت الروح الحلق والمراد شعرت بقرب الموت. (لفلان كذا) أخذت توصي وتتصدق. (وقد كان لفلان) وقد أصبح مالك ملكا لغيرك وهم ورثتك].
= أن بعض أزواج النبي صلى الله عليه و سلم قلن للنبي صلى الله عليه و سلم أينا أسرع بك لحوقا؟ قال (أطولكن يدا). فأخذوا قصبة يذرعونها فكانت سودة أطولهن يدا فعلمنا بعد أنما كانت طول يدها الصدقة وكانت أسرعنا لحوقا به وكانت تحب الصدقة. [ش: (يذرعونها) يقدرنها بذراع كل واحدة منهن كي يعلمن أيهن أطول يدا من غيرها ظنا منهن أن المراد طول اليد حقيقة. (طول يدها الصدقة) أي إن النبي صلى الله عليه و سلم أراد بطول يدها كثرة إنفاقها وصدقاتها].
= عن النبي صلى الله عليه و سلم (ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما صنعت يمينه). وقال الله تعالى {إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم} / البقرة 271 /

[ش (تبدوا الصدقات) تظهروا إعطاءها للمستحقين. (فنعما هي) فنعمت الصفة والخصلة هي أو فنعم شيئا إبداؤها. (تخفوها) أي الصدقات. (وتؤتوها الفقراء) تعطوها لهم سرا].
= عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال (قال رجل لأتصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق فأصبحوا يتحدثون تصدق على سارق فقال اللهم لك الحمد لأتصدقن بصدقة فخرد بصدقته فوضعها في يد زانية فأصبحوا يتحدثون تصدق الليلة على زانية فقال اللهم لك الحمد على زانية؟ لأتصدقن بصدقة فخرج بصدقته. فوضعها في يدي غني فأصبحوا يتحدثون تصدق على غني فقال اللهم لك الحمد على سارق وعلى زانية وعلى غني فأتي فقيل له أما صدقتك على سارق فلعله أن يستعف عن سرقته وأما الزانية فلعلها أن تستعف عن زناها وأما الغني فلعله يعتبر فينفق مما أعطاه الله). [ش: (رجل) قيل إنه من بني إسرائيل. (في يد سارق) أي وهو يظنه فقيرا ولا يعلم أنه سارق وكذلك الزانية والغني. (فأصبحوا) القوم الذين فيهم هذا الرجل المتصدق. (فأتي) رأى في المنام].
= بايعت رسول الله صلى الله عليه و سلم أنا وأبي وجدي وخطب علي فأنكحني وخاصمت إليه كان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدق بها فوضعها عند رجل في المسجد فجئت فأخذتها فأتيته بها فقال والله ما إياك أردت فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال (لك ما نويت يا يزيد ولك ما أخذت يا معن). [ش (خطب علي) طلب من ولي المرأة أن يزوجني إياها. (فأنكحني) فزوجني. (خاصمت إليه) احتكمت إلى النبي صلى الله عليه و سلم. (لك ما نويت) أجر ما قصدت من الصدقة]

= عن النبي صلى الله عليه و سلم قال (سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عدل وشاب نشأ في عبادة الله ورجل قلبه معلق في المساجد ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه).

صحيح مسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تصدق أحد بصدقة من طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، إلا أخذها الرحمن بيمينه. وإن كانت تمرة. فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل. كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله".
= عن أبي هريرة. قال: ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل البخيل والمتصدق. كمثل رجلين عليهما جنتان من حديد. قد اضطرت أيديهما إلى ثديهما وتراقيهما. فجعل المتصدق كلما تصدق بصدقة انبسطت عنه. حتى تغشي أنامله وتعفو أثره.
= عن أبي هريرة؛ قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أي الصدقة أعظم أجرا؟ فقال: " أما وأبيك لتنبأنه: أن تصدق وأنت صحيح شحيح. تخشى الفقر وتأمل البقاء. ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا. ولفلان كذا. وقد كان لفلان".
= أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعطي عمرو بن الخطاب رضي الله عنه العطاء. فيقول له عمر: أعطه، يا رسول الله! أفقر إليه مني. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"خذه فتموله أو تصدق به. وما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل، فخذه. ومالا، فلا تتبعه نفسك". قال سالم: فمن أجل ذلك كان ابن عمر لا يسأل أحدا شيئا أعطيه.

= عن أبي هريرة رضي الله نه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: هلكت. يا رسول الله! قال "وما أهلكك؟ " قال: وقعت على امرأتي في رمضان. قال: "هل تجد ما تعتق رقبة؟ " قال: لا. قال: "فهل تستطيع أن تصوم شهريين متتابعين؟ " قال: لا. قال: "فهل تجد ماتطعم ستين مسكينا؟ " قال: لا. قال: ثم جلس. فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر. فقال: "تصدق بهذا" قال: أفقر منا؟ فما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه. ثم قال "اذهب فأطعمه أهلك".

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [البقرة: 264]}}.
تفسير القرطبي: (لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى): فيه ثلاث مسائل:
الأولى: {بِالْمَنِّ وَالأَذَى} وعبر تعالى عن عدم القبول وحرمان الثواب بالإبطال، والمراد الصدقة التي يمن بها ويؤذي، لا غيرها. والعقيدة أن السيئات لا تبطل الحسنات ولا تحبطها، فالمن والأذى في صدقة لا يبطل صدقة غيرها. قال جمهور العلماء: إن الصدقة التي يعلم الله من صاحبها أنه يمن أو يؤذي بها فإنها لا تقبل. وقيل: بل قد جعل الله للملك عليها أمارة فهو لا يكتبها.
والعرب تقول لما يمن به: يد سوداء. ولما يعطى عن غير مسألة: يد بيضاء. ولما يعطى عن مسألة: يد خضراء.
وقال بعض البلغاء: من من بمعروفه سقط شكره، ومن أعجب بعمله حبط أجره.

وسمع ابن سيرين رجلا يقول لرجل: فعلت إليك وفعلت! فقال له: اسكت فلا خير في المعروف، إذا أحصي. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إياكم والامتنان بالمعروف فإنه يبطل الشكر ويمحق الأجر - ثم تلا - {لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى}.
{مَنّاً وَلا أَذىً} المن ذكر النعمة على معنى التعديد لها والتقريع بها مثل أن يقول: قد أحسنت إليك ونعشتك وشبهه. وقال بعضهم: المن: التحدث بما أعطى حتى يبلغ ذلك المعطى فيؤذيه. والمن من الكبائر.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة العاق لوالديه والمرأة المترجلة تتشبه بالرجال والديوث، وثلاثة لا يدخلون الجنة العاق لوالديه والمدمن الخمر والمنان بما أعطى ". وفي بعض طرق مسلم: " المنان هو الذي لا يعطي شيئا إلا منة ". والأذى: السب والتشكي، وهو أعم من المن لأن المن جزء من الأذى لكنه نص عليه لكثرة وقوعه. فمن أنفق في سبيل الله ولم يتبعه منا ولا أذى كقوله: ما أشد إلحاحك وخلصنا الله منك وأمثال هذا فقد تضمن الله له بالأجر، والأجر الجنة.
صحيح البخارى: (باب الرياء في الصدقة): لقوله {يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى - إلى قوله - الكافرين} / البقرة 264 /. وقال ابن عباس رضي الله عنهما {صلدا} ليس عليه شيء. وقال عكرمة {وابل} مطر شديد والطل الندى. [ش (تبطلوا) تذهبوا ثوابها. (بالمن والأذى) بأن تمنوا على من تصدقتم عليه أو تلحقوا به أذى أي شيئا يكرهه. وتتمه الآية {كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين}. (صفوان) حجر من صخر أملس. (الندى) ما يسقط آخر الليل من البلل وأصل الندى المطر ولفظ الطل من قوله تعالى {فإن لم يصبها وابل فطل} / البقرة 265 /].

الثانية: كره مالك لهذه الآية أن يعطي الرجل صدقته الواجبة أقاربه لئلا يعتاض منهم الحمد والثناء، ويظهر منته عليهم ويكافئوه عليها فلا تخلص لوجه الله تعالى. واستحب أن يعطيها الأجانب، واستحب أيضا أن يولى غيره تفريقها إذا لم يكن الإمام عدلا، لئلا تحبط بالمن والأذى والشكر والثناء والمكافأة بالخدمة من المعطى. وهذا بخلاف صدقة التطوع السر، لأن ثوابها إذا حبط سلم من الوعيد وصار في حكم من لم يفعل، والواجب إذا حبط ثوابه توجه الوعيد عليه لكونه في حكم من لم يفعل.
الثالثة: {كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ} مثل الله تعالى الذي يمن ويؤذي بصدقته بالذي ينفق ماله رئاء الناس لا لوجه الله تعالى، وبالكافر الذي ينفق ليقال جواد وليثنى عليه بأنواع الثناء. ثم مثل هذا المنفق أيضا بصفوان عليه تراب فيظنه الظان أرضا منبتة طيبة، فإذا أصابه وابل من المطر أذهب عنه التراب وبقي صلدا، فكذلك هذا المرائي. فالمن والأذى والرياء تكشف عن النية في الآخرة فتبطل الصدقة كما يكشف الوابل عن الصفوان، وهو الحجر الكبير الأملس.
وقيل: المراد بالآية إبطال الفضل دون الثواب، فالقاصد بنفقته الرياء غير مثاب كالكافر، لأنه لم يقصد به وجه الله تعالى فيستحق الثواب.
والصفوان جمع واحده صفوانة، قاله الأخفش. قال: وقال بعضهم: صفوان واحد، مثل حجر.

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ [البقرة: 267]}}.
تفسير القرطبي: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ}: فيه إحدى عشرة مسألة:

الاولي: ألا يتطوعوا إلا بمختار جيد. والآية تعم الوجهين، لكن صاحب الزكاة تعلق بأنها مأمور بها والأمر على الوجوب، وبأنه نهى عن الرديء وذلك مخصوص بالفرض، وأما التطوع فكما للمرء أن يتطوع بالقليل فكذلك له أن يتطوع بنازل في القدر، ودرهم خير من تمرة. تمسك أصحاب الندب بأن لفظة افْعَلْ صالح للندب صلاحيته للفرض، والرديء منهي عنه في النفل كما هو منهي عنه في الفرض، والله أحق من اختير له.
وروى البراء أن رجلا علق قِنْوَ حَشَف، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " بئسما علق" فنزلت الآية. والأمر على هذا القول على الندب، ندبوا إلى ألا يتطوعوا إلا بجيد مختار. وجمهور المتأولين قالوا: معنى {من طيبات} من جيد ومختار {ما كسبتم}. وقال ابن زيد: من حلال {ما كسبتم}.
{{وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ [البقرة: 158]}}.
صحيح مسلم: أسرت امرأة من الأنصار. وأصيبت العضباء. فكانت المرأة في الوثاق. وكان القوم يريحون نعمهم بين يدي بيوتهم. فانفلتت ذات ليلة من الوثاق فأتت الإبل. فجعلت إذا دنت من البعير رغا فتتركه. حتى تنتهي إلى العضباء. فلم ترغ. قال: وناقة منوقة. فقعدت في عجزها ثم زجرتها فانطلقت. ونذروا بها فطلبوها فأعجزتهم. قال: ونذرت لله؛ إن نجاها الله عليها لتنحرنها. فلما قدمت المدينة رآها الناس. فقالوا: العضباء، ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت: إنها نذرت؛ إن نجاها الله عليها لتنحرنها. فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له. فقال (سبحان الله! بئسما جزتها. نذرت لله إن نجاها الله عليها لتنحرنها. لا وفاء لنذر في معصية ولا فيما لا يملك العبد).
الثانية: الكسب يكون بتعب بدن وهي الإجارة، أو مقاولة في تجارة وهو البيع. والميراث داخل في هذا، لأن غير الوارث قد كسبه.

الثالثة: ولهذه الآية جاز للوالد أن يأكل من كسب ولده، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أولادكم من طيب أكسابكم فكلوا من أموال أولادكم هنيئا".
صحيح ابن ماجة: عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم.
تحفة الأحوذي للمباركفوري: (إن أطيب ما أكلتم) أي أحله وأهنأه (من كسبكم) أي مما كسبتموه من غير واسطة لقربه للتوكل وكذا بواسطة أولادكم كما بينه بقوله (وإن أولادكم من كسبكم) لأن ولد الرجل بعضه وحكم بعضه حكم نفسه وسمي الولد كسبا مجازا.
الرابعة: قوله تعالى: {وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} يعني النبات والمعادن والركاز، وهذه أبواب ثلاثة تضمنتها هذه الآية. أما النبات: فعن عائشة رضي الله عنها قالت: جرت السنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليس فيما دون خمسة أوسق زكاة". والوَسْق ستون صاعا، فذلك ثلاثمائة صاع من الحنطة والشعير والتمر والزبيب. وليس فيما أنبتت الأرض من الخضر زكاة.
سنن الدارقطني: جرت السنة من رسول الله صلى الله عليه و سلم: أنه ليس فيما دون خمسة أوساق زكاة والوسق ستون صاعا فذلك ثلاثمائة صاع من الحنطة والشعير والتمر والزبيب وليس فيما أنبتت الأرض من الخضر زكاة.
السنن الكبرى للبيهقي: عن علي رضي الله عنه قال ليس في الخضر والبقول صدقة.
وعن عائشة رضي الله عنها فيما ذكرت ان السنة جرت به وليس فيما انبتت الارض من الخضر زكوة. وعن عطاء قال لاصدقة الا في نخل أو عنب أو حب وليس في شئ من الخضر بعد والفواكه كلها صدقة.

وأما المعدن: فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " العجماء جرحها جُبَار والبئر جبار والمعدن جبار وفي الركاز الخمس ". قال علماؤنا: لما قال صلى الله عليه وسلم: "وفي الركاز الخمس " دل على أن الحكم في المعادن غير الحكم في الركاز، لأنه صلى الله عليه وسلم قد فصل بين المعادن والركاز بالواو الفاصلة، ولو كان الحكم فيهما سواء لقال والمعدن جبار وفيه الخمس، فلما قال "وفي الركاز الخمس" علم أن حكم الركاز غير حكم المعدن فيما يؤخذ منه. والركاز أصله في اللغة ما ارتكز بالأرض من الذهب والفضة والجواهر، لأنهم يقولون في الندرة التي توجد في المعدن مرتكزة بالأرض لا تنال بعمل ولا بسعي ولا نصب، فيها الخمس، لأنها ركاز. وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الركاز قال: "الذهب الذي خلق الله في الأرض يوم خلق السماوات والأرض".
ودفن الجاهلية لأموالهم عند جماعة العلماء ركاز أيضا لا يختلفون فيه إذا كان دفنه قبل الإسلام من الأموال العادية، وأما ما كان من ضرب الإسلام فحكمه عندهم حكم اللقطة.
صحيح البخارى:
وقال: الركاز دفن الجاهلية في قليله وكثيره الخمس وليس المعدن بركاز وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم في المعدن (جبار وفي الركاز الخمس). وأخذ عمر بن عبد العزيز من المعادن من كل مائتين خمسة. وقال الحسن ما كان من ركاز في أرض الحرب ففيه الخمس وما كان من أرض السلم ففيه الزكاة وإن وجدت اللقطة في أرض العدو فعرفها وإن كانت من العدو ففيها الخمس.

الخامسة: واختلفوا في حكم الركاز إذا وجد، فقال مالك: ما وجد من دفن الجاهلية في أرض العرب أو في فيافي الأرض التي ملكها المسلمون بغير حرب فهو لواجده وفيه الخمس، وأما ما كان في أرض الإسلام فهو كاللقطة. وما وجد من ذلك في أرض العنوة فهو للجماعة الذين افتتحوها دون واجده، وما وجد من ذلك في أرض الصلح فإنه لأهل تلك البلاد دون الناس، ولا شيء للواجد فيه إلا أن يكون من أهل الدار فهو له دونهم.
السادسة: وأما ما يوجد من المعادن ويخرج منها فاختلف فيه، فقال مالك وأصحابه: لا شيء فيما يخرج من المعادن من ذهب أو فضة حتى يكون عشرين مثقالا ذهبا أو خمس أواق فضة، فإذا بلغتا هذا المقدار وجبت فيهما الزكاة، وما زاد فبحساب ذلك ما دام في المعدن نيل، فإن انقطع ثم جاء بعد ذلك نيل آخر فإنه تبتدأ فيه الزكاة مكانه. والركاز عندهم بمنزلة الزرع تؤخذ منه الزكاة في حينه ولا ينتظر به حولا.
السابعة: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} تيمموا معناه تقصدوا، ودلت الآية على أن المكاسب فيها طيب وخبيث. وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة فجاء رجل من هذا السحل بكبائس قال سفيان: يعني الشيص - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من جاء بهذا"؟ وكان لا يجيء أحد بشيء إلا نسب إلى الذي جاء به. فنزلت: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ}.
الثامنة: {مِنْهُ تُنْفِقُونَ} وأنتم لا تأخذونه إلا إذا أغمضتم أي تساهلتم، كأن هذا المعنى عتاب للناس وتقريع.
التاسعة: {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} أي لستم بآخذيه في ديونكم وحقوقكم من الناس إلا أن تتساهلوا في ذلك وتتركوا من حقوقكم، وتكرهونه ولا ترضونه. أي فلا تفعلوا مع الله ما لا ترضونه لأنفسكم. ومعنى الآية: ولستم بآخذيه ولو وجدتموه في السوق يباع إلا أن يهضم لكم من ثمنه.

العاشرة: {إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} أغمض الرجل في أمر كذا إذا تساهل فيه ورضي ببعض حقه وتجاوز، لم
والاغماض يكون منتزعا إما من تغميض العين، لأن الذي يريد الصبر على مكروه يغمض عينيه.
الحادية عشرة: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} نبه سبحانه وتعالى على صفة الغني، أي لا حاجة به إلى صدقاتكم، فمن تقرب وطلب مثوبة فليفعل ذلك بما له قدر وبال، فإنما يقدم لنفسه. و"حميد" معناه محمود في كل حال.

= {{وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [الفرقان: 67]}}.

صحيح البخارى: {علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرؤوا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرؤوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة وآتو الزكاة وأقرضوا الله قرضا حسنا وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا} (المزمل 20). قال ابن عباس رضي الله عنهما نشأ قام بالحبشية. " وطاء " قال مواطأة القرآن أشد موافقة لسمعته وبصره وقلبه. {ليواطئوا} / التوبة 37 / ليوافقوا. [ش (المزمل) المتلفف بثيابه. (رتل القرآن) اقرأه مرتلا مبينا حروفه ومشبعا حركاته متثبتا في تلاوته متفهما لمعانيه. (قولا ثقيلا) شديدا لما فيه من التكاليف وهو القرآن الكريم. (ناشئة الليل) ساعاته والقيام فيه بعد النوم. (وطاء) هي القراة متواترة قرأ بها أبو عمرو وابن عامر والمعنى أكثر موافقة للقلب على تفهم القرآن. وقراءة حفص {وطأ} أي قيامها أثقل على النفس المصلية من ساعات النهار. (أقوم قيلا) أثبت قولا وأسرع في الاستجابة. (سبحا طويلا) فراغا طويلا تقضي به حوائجك وتتصرف فيه في أشغالك. (لن تحصوه) لن تطيقوا قيام الليل. (يضربون في الأرض) يسافرون. (يبتغون من فضل الله) يطلبون الرزق من الله تعالى. (أقرضوا الله) أنفقوا المال تطوعا في سبل الخير. (قرضا حسنا) إنفاقا من مال حلال عن طيب نفس وإخلاص نية. (ليواطئوا) يستشهد به على تفسير لفظ الوطاء والمواطاة]
وعن أبي مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم قال (إذا أنفق الرجل على أهله يحتسبها فهو له صدقة).
[ش: (أهله) هم الزوجة والولد وغيرهما ممن هم في رعايته. (يحتسبها) يريد بها وجه الله تعالى]
وعن أم سلمة قالت: قلت يا رسول الله ألي أجر أن أنفق على بني أبي سلمة إنما هم بني؟ فقال (أنفقي عليهم فلك أجر ما أنفقت عليهم).

صحيح مسلم: عن أبي هريرة. يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: " قال الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم! أنفق أنفق عليك ". وقال: " يمين الله ملآى (وقال ابن نمير ملآن) سحاء. لا يغيضها شيء الليل والنهار".
فتح الباري لابن حجر: وقوله يمين الله ملأى عبارة عن كثرة الجود وسعة العطاء.
شرح النووي على مسلم: (يمين الله ملأى سحاء لا يغيضها شيء الليل والنهار) سحاء صفة لليد والسح الصب الدائم في الليل والنهار. ومعنى لا يغيضها شيء أي لا ينقصها. يقال غاض الماء وغاضه الله لازم ومعتد قال القاضي قال الامام المازرى هذا مما يتأول لان اليمين اذا كانت بمعنى المناسبة للشمال لا يوصف بها البارى سبحانه وتعالى لأنها تتضمن اثبات الشمال وهذا يتضمن التحديد ويتقدس الله سبحانه عن التجسيم والحد وانما خاطبهم رسول الله صلى الله عليه و سلم بما يفهمونه وأراد الاخبار بأن الله تعالى لا ينقصه الانفاق ولا يمسك خشية الاملاق جل الله عن ذلك

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أفضل دينار ينفقه الرجل. دينار ينفقه على عياله. ودينار ينفقه الرجل على دابته في سبيل الله. ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله ". قال أبو قلابة: وبدأ بالعيال. ثم قال أبو قلابة: وأي رجل أعظم أجرا من رجل ينفق على عيال صغار. يعفهم، أوينفعهم الله به، ويغنيهم. فتح الباري لابن حجر: عن ثوبان رفعه أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله ودينار ينفقة على دابته في سبيل الله ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله قال أبو قلابة بدأ بالعيال وأي رجل أعظم أجرا من رجل ينفق على عياله يعفهم وينفعهم الله به قال الطبري البداءة في الإنفاق بالعيال يتناول النفس لأن نفس المرء من جملة عياله بل هي أعظم حقا عليه من بقية عياله إذ ليس لأحد أحياء غيره باتلاف نفسه ثم الإنفاق على عياله كذلك.

ودخل أبو بكر يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فوجد الناس جلوسا ببابه. لم يؤذن لأحد منهم. قال: فأذن لأبي بكر. فدخل. ثم أقبل عمر فاستأذن فأذن له. فوجد النبي صلى الله عليه وسلم جالسا، حوله نساؤه. واجما ساكتا. قال فقال: لأقولن شيئا أضحك النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: يا رسول الله! لو رأيت بنت خارجة! سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "هن حولي كما ترى. يسألنني النفقة. فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها. فقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها. كلاهما يقول: تسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده. فقلن: والله! لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا أبدا ليس عنده. ثم اعتزلهن شهرا أو تسعا وعشرين. ثم نزلت عليه هذه الآية: {يا أيها النبي قل لأزواجك، حتى بلغ، للمحسنات منكن أجرا عظيما}. قال: فبدأ بعائشة. فقال: "يا عائشة! إني أريد أن أعرض عليك أمرا أحب أن لا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك". قالت: وما هو؟ يا رسول الله! فتلا عليها الآية. قالت: أفيك، يا رسول الله! استشير أبوى؟ بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة. وأسألك أن لا تخبر امرأة من نساءك بالذي قلت. قال: "لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها. إن الله لم يبعثني معنتا ولا متعنتا. ولكن بعثني معلما ميسرا".

شرح مسند أبي حنيفة: تسألين رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ليس عنده ثم اعتزلهن شهرا أي كاملا، أو تسعا وعشرين يوما، ثم نزلت هذه الآية قال: فبدأ بعائشة فقال يا عائشة إني أريد أن أعرض عليك أمرا أحب أن لا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك قالت: وما هو يا رسول الله؟ فتلا عليها الآية قالت: فيك يا رسول الله أستشير أبوي، بل أختار الله ورسوله، والدار الآخرة، وأسألك أن لا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت قال: لا تسألني امرأة منهن، إلا أخبرتها أن الله لم يبعثني معنتا ولا متعنتا ولكن بعثني معلما ميسرا، وفي رواية كانت تحت رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ تسع نسوة، فلما نزلت آية التخيير بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة، وكانت أحبهن إليه فخيرها وقرأ عليها القرآن، فاختارت الله ورسوله، والدار الآخرة، ورؤي الفرح في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعنها على ذلك.

ودخلت هند بنت عتبة، امرأة أبي سفيان، على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت: يا رسول الله! إن أبا سفيان رجل شحيح. لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني. إلا ما أخذت من ماله بغير علمه. فهل علي في ذلك من جناح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خذي من ماله بالمعروف، ما يكفيك ويكفي بنيك).

شرح النووي على مسلم: فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك) في هذا الحديث فوائد منها 1 وجوب نفقة الزوجة ومنها 2 وجوب نفقة الأولاد الفقراء الصغار ومنها 3 أن النفقة مقدرة بالكفاية لا بالأمداد ومذهب أصحابنا أن نفقة القريب مقدرة بالكفاية كما هو ظاهر هذا الحديث ونفقة الزوجة مقدرة بالأمداد على الموسر كل يوم مدان وعلىلمعسر مد وعلى المتوسط مد ونصف وهذا الحديث يرد على أصحابنا ومنها 4 جواز سماع كلام الأجنبية عند الافتاء والحكم وكذا ما في معناه ومنها 5 جواز ذكر الإنسان بما يكرهه إذا كان للاستفتاء والشكوى ونحوهما ومنها 6 أن من له على غيره حق وهو عاجز عن استيفائه يجوز له أن يأخذ من ماله قدر حقه بغير إذنه وهذا مذهبنا ومنع ذلك) أبو حنيفة ومالك رضي الله عنهما ومنها 7 جواز إطلاق الفتوى ويكون المراد تعليقها بثبوت ما يقوله المستفتي ولا يحتاج المفتي أن يقول إن ثبت كان الحكم كذا وكذا بل يجوز له الاطلاق كما أطلق النبي صلى الله عليه و سلم فإن قال ذلك فلا بأس ومنها 8 أن للمرأة مدخلا في كفالة أولادها والأنفاق عليهم من مال أبيهم قال أصحابنا إذا امتنع الأب من الانفاق على الولد الصغير أو كان غائبا أذن القاضي لأمه في الأخذ من آل الأب أو الاستقراض عليه والانفاق على الصغير بشرط أهليتها وهل لها الاستقلال بالأخذ من ماله بغير اذن القاضي فيه وجهان مبنيان على وجهين لأصحابنا في أن إذن النبي صلى الله عليه و سلم لهند امرأة أبي سفيان كان إفتاء أم قضاء والأصح أنه كان إفتاء وأن هذا يجري في كل امرأة أشبهتها فيجوز والثاني كان قضاء فلا يجوز لغيرها إلا بإذن القاضي والله أعلم ومنها 9 اعتماد العرف في الأمور التي ليس فيها تحديد شرعي ومنها 10 جواز خروج المزوجة من بيتها لحاجتها إذا أذن لها زوجها في ذلك أو علمت رضاه به.

= {{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ [البقرة: 215]}}.
= {{وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ [البقرة: 219]}}.
= {{مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة: 261]}}.
)))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: ان تطيعوا فريقا من الذين اوتوا الكتاب
*********************************
= (احكام الحياة والسياسة قابلة للتغيير)

صحيح البخارى: عن النبي صلى الله عليه و سلم قال (مثلكم ومثل أهل الكتابين كمثل رجل استأجر أجراء فقال من يعمل لي من غدوة إلى نصف النهار على قيراط؟ فعملت اليهود ثم قال من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط؟ فعملت النصارى ثم قال من يعمل لي من العصر إلى أن تغيب الشمس على قيراطين؟ فأنتم هم فغضبت اليهود والنصارى فقالوا مالنا أكثر عملا وأقل عطاء؟ قال هل نقصتكم من حقكم؟ قالوا لا قال فذلك فضلي أوتيه من أشاء).

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ [آل عمران: 100]}}.
= {{لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا [آل عمران: 118]}}.
= {{إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ [آل عمران: 149]}}.

= {{لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ [آل عمران: 156]}}.

صحيح البخارى: لما نزل رسول الله صلى الله عليه و سلم طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد). يحذر ما صعنوا. [ش: (نزل) أي نزلت به سكرات الموت. (طفق) جعل وشرع. (يطرح خميصة) يلقي كساء مربعا أسود له أعلام أي خطوط. (اغتم) تسخن وأخذ بنفسه من شدة الحر. (اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) صاروا يصلون إليها (يحذر ما صنعوا) يحذر أمته أن يصنعوا بقبره مثل ما صنعوا].
تحفة الأحوذي للمباركفوري: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد كانوا يجعلونها قبلة يسجدون إليها في الصلاة كالوثن وأما من اتخذ مسجدا في جوار صالح أو صلى في مقبرة قاصدا به الاستظهار بروحه أو وصول أثر من اثار عبادته إليه لا التوجه نحوه والتعظيم له فلا حرج فيه ألا يرى أن مرقد إسماعيل في الحجر في المسجد الحرام والصلاة فيه أفضل.

شرح عمدة الأحكام للمنجد: (لعن الله اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) قال ذلك في آخر حياته، فلما علم أن أجله قد قرب خشي أن يتخذ قبره مسجداً. وأما إدخال القبر في المسجد -كما هو عليه الآن- فهذا حصل بعد ذهاب الصحابة، وبعد موت الصحابة بالمدينة كلهم، وفي عهد أحد خلفاء بني أمية لما أراد توسعة المسجد واضطر إلى توسعته من الجهات كلها أدخل في ذلك حجر أمهات المؤمنين، ورأى أن ذلك من الضرورة لتوسعته، ولكن جعلوا القبر في زاوية من زواياه، وجعلوا عليه ثلاثة جدران على هيئة المثلث، حتى لا يتمكن أحد من استقباله، وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم قد دعا الله بقوله: (اللهم! لا تجعل قبري وثناً يعبد)، فأجاب رب العالمين دعاءه فأحيط بثلاثة جدران. وعلى كل حال فلا يزال -بحمد الله- محفوظاً، لا أحد يعبده ولا يطوف به ولا يتمسح به ولا يهتف باسمه ولا غير ذلك، ولو كان في جانب المسجد، والمسجد معروف انفصاله ومعروف أصله، وعلى كل حال فلا يقال إنه وقع ما حذر منه، بل هو دفن في حجرته التي مات فيها، والتي هي حجرة عائشة، ودفن معه أبوها أبو بكر، ثم دفن معهما عمر، فالثلاثة دفنوا في حجرة عائشة، وكانت منفصلة عن المسجد، ولولا أنه خاف أنه إذا أبرز يأتي إليه الجهلة ويتمسحون به ويطوفون به ويذبحون عنده ويتخذونه وثناً أو يصورون صورته وينصبونها وينحتونها أو نحو ذلك، لولا ذلك لأبرز قبره، فلما سمعوا تحذيره من فعل اليهود والنصارى لم يبرزوه خوفاً عليه، بل تركوه بمكانه حتى يكون محفوظاً مراقباً من جهة أهل المسجد، ومن جهة سكان الحجرات ونحو ذلك.
************************

كان سقف المسجد من جريد النخل. وأمر عمر ببناء المسجد وقال أكن الناس من المطر وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس. وقال أنس يتباهون بها ثم لا يعمرونها إلا قليلا. وقال ابن عباس لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى. [ش (أكن) فعل أمر من الإكنان أي أصنع لهم كنانا وهو ما يسترهم من الشمس ويحميهم من المطر. (تحمر أو تصفر) احذر طلي المسجد بالأحمر أو الأصفر. (فتفتن) تفسد عليهم صلاتهم وتوقعهم في الإثم لاشتغالهم بالألوان عن الخشوع في الصلاة. (يتباهون. .) أي يتفاخرون ببناء المساجد ولا يحيونها بالصلاة والذكر والعلم. (لتزخرفنها) أي المساجد والزخرفة التزيين بالذهب وغيره].
************************************
أن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم لما ظهر على خيبر أراد إخراج اليهود منها وكانت الأرض حين ظهر عليها لله ولرسوله صلى الله عليه و سلم وللمسلمين وأراد إخراج اليهود منها فسألت اليهود رسول الله صلى الله عليه و سلم ليقرهم بها أن يكفوا عملها ولهم نصف الثمر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم (نقركم بها على ذلك ما شئنا). فقروا بها حتى أجلاهم عمر إلى تيماء وأريحاء. [ش: أخرجه مسلم في المساقاة باب المساقاة والمعاملة بجزء من الثمر والزرع. (ظهر) غلب وانتصر. (لله ولرسوله وللمسلمين) وذلك أن خيبر فتح بعضها صلحا وبعضها عنوة فالذي فتح عنوة كان خمسه لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه و سلم وأربعة أخماسه للمسلمين الغانمين والذي فتح صلحا كان لليهود ثم صار للمسلمين بعقد الصلح. (تيماء) موضع على طريق المدينة من الشام. (أريحاء) قرية من بلاد الشام].

عمدة القاري شرح صحيح البخاري: أن رسول الله عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع وقال لهم رسول الله نقركم بها على ذلك ما شئنا فقروا بها حتى أجلاهم عمر رضي الله تعالى عنه إلى تيماء وأريحاء. (احكام الحياة والسياسة قابلة للتغيير)
*************************************
أن النبي صلى الله عليه و سلم قال (لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه). قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال (فمن). ورواية الحاكم عن بن عباس في اخره: وحتى لو أن أحدكم جامع امرأته في الطريق لفعلتموه. [ش (سنن) سبل ومناهج وعادات. (شبرا بشبر) كناية عن شدة الموافقة لهم في عاداتهم رغم ما فيها من سوء وشر ومعصية لله تعالى ومخالفة لشرعه. (جحر ضب) ثقبه وحفرته التي يعيش فيها والضب دويبة تشبه الحرذون تأكله العرب والتشبيه بجحر الضب لشدة ضيقه ورداءته ونتن ريحه وخبثه وما أروع هذا التشبيه الذي صدق معجزة لرسول الله صلى الله عليه و سلم فنحن نشاهد تقليد أجيال الأمة لأمم الكفر في الأرض فيما هي عليه من أخلاق ذميمة وعادات فاسدة تفوح منها رائحة النتن وتمرغ أنف الإنسانية في مستنقع من وحل الرذيلة والإثم وتنذر بشر مستطير. (فمن) أي يكون غيرهم إذا لم يكونوا هم وهذا واضح أيضا فإنهم المخططون لكل شر والقدوة في كل رذيلة].
تحفة الأحوذي للمباركفوري: والسنة لغة الطريقة حسنة كانت أو سيئة والمراد هنا طريقة أهل الهواء والبدع التي ابتدعوها من تلقاء أنفسهم بعد أنبيائهم من تغيير دينهم وتحريف كتابهم كما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل وقال النووي المراد الموافقة في المعاصي والمخالفات لا في الكفر وفي هذا معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقد وقع ما أخبر به صلى الله عليه و سلم.

عمدة القاري شرح صحيح البخاري: لتتبعن سنن من قبلكم اتباعا بشبر ملتبس بشبر وذراع ملتبس بذراع وهذا كناية عن شدة الموافقة لهم في المخالفات والمعاصي لا في الكفر. وقوله: (لو سلكوا جحر ضب) والضب دويبة تشبه الورن تأكله الأعراب. ووجه التخصيص بجحر الضب لشدة ضيقه ورداءته ومع ذلك فإنهم لاقتفائهم آثارهم واتباعهم طرائقهم لو دخلوا في مثل هذا الضيق الرديء لوافقوهم.

تفسير القرطبي: {إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ}: نزلت في يهودي أراد تجديد الفتنة بين الأوس والخزرج بعد انقطاعها بالنبي صلى الله عليه وسلم، فجلس بينهم وأنشدهم شعرا قاله أحد الحَيَّين في حربهم. فقال الحي الآخر: قد قال شاعرنا في يوم كذا وكذا، فكأنهم دخلهم من ذلك شيء، فقالوا: تعالوا نرد الحرب جذعاء كما كانت. فنادى هؤلاء: يا آل أوس. ونادى هؤلاء. يا آل خزرج؛ فاجتمعوا وأخذوا السلاح واصطفوا للقتال, والذي فعل ذلك شاس بن قيس اليهودي، دس على الأوس والخزرج من يذكرهم ما كان بينهم من الحروب: فنزلت هذه الآية. وأن النبي صلى الله عليه وسلم أتاهم وذكرهم.
فجاء النبي صلى الله عليه وسلم حتى وقف بين الصفين فقرأها ورفع صوته، فلما سمعوا صوته أنصتوا له وجعلوا يستمعون، فلما فرغ ألقوا السلاح وعانق بعضهم بعضا وجعلوا يبكون, لما عرف القوم أنها نزعة من الشيطان، وكيد من عدوهم.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} يعني الأوس والخزرج. {إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} يعني شاسا وأصحابه {يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} قال جابر بن عبدالله: ما كان طالع أكره إلينا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأومأ إلينا بيده فكففنا وأصلح الله تعالى ما بيننا؛ فما كان شخص أحب إلينا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما رأيت يوما أقبح ولا أوحش أولا وأحسن آخرا من ذلك اليوم. ويدخل في هذه الآية من لم ير النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن ما فيهم من سنته يقوم مقام رؤيته.
والخطاب لجميع الأمة؛ لأن آثاره وعلاماته والقرآن الذي أوتى فينا مكان النبي صلى الله عليه وسلم فينا وإن وفي هذه الآية علمان بينان: كتاب الله ونبي الله: فأما نبي الله فقد مضى، وأما كتاب الله فقد أبقاه بين أظهرهم رحمة منه ونعمة؛ فيه حلاله وحرامه، وطاعته ومعصيته. {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ} أي يمتنع ويتمسك بدينه وطاعته. ومن يعتصم بالله أي يتمسك بحبل الله، وهو القرآن. {فَقَدْ هُدِيَ} وأرشد {إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.

صحيح البخارى: كنا في غزاة فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار فقال الأنصاري يا للأنصار وقال المهاجري يا للمهاجرين فسمعها الله رسوله صلى الله عليه و سلم قال (ما هذا). فقالوا كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار فقال الأنصاري يا للأنصار وقال المهاجري يا للمهاجرين فقال النبي صلى الله عليه و سلم (دعوها فإنها منتنة). قال جابر وكانت الأنصار حين قدم النبي صلى الله عليه و سلم أكثر ثم كثر المهاجرون بعد. فقال عبد الله بن أبي أو قد فعلوا والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق قال النبي صلى الله عليه و سلم (دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه).

فتح الباري لابن حجر: الكسع هو أن يضرب بيده على شيء أو برجله ويكون أيضا إذا رماه بسوء وقال الخليل أن يضرب بيده ورجله دبر إنسان.

فيض القدير للمناوى: والمؤمن أولى بموالاة المؤمن وإذا والى الكافر جره ذلك إلى تداعي ضعف إيمانه فزجر الشارع عن مخالطته بهذا التغليظ العظيم حسما لمادة الفساد: (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتتقلبوا خاسرين) [آل عمران: 149].
ولم يمنع من صلة أرحام من لهم من الكافرين ولا من مخالطتهم في أمر الدنيا بغير سكنى فيما يجري مجرى المعاملة من نحو بيع وشراء وأخذ وعطاء ليوالوا في الدين أهل الدين ولا يضرهم أن يبارزوا من لا يجاريهم من الكافرين. وفي الزهد لأحمد: أوحى الله إلى نبي من الأنبياء قل لقومك لا تدخلوا مداخل أعدائي ولا تلبسوا ملابس أعدائي ولا تركبوا مراكب أعدائي فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي.

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ [آل عمران: 118]}}.
تفسير القرطبي: (لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ): فيه ست مسائل:
الأولى: أكد الله تعالى الزجر عن الركون إلى الكفار. وبطانة الرجل خاصته الذين يستبطنون أمره، وأصله من البطن الذي هو خلاف الظهر. ((يستبطنون)): قال الزجاج البطانة الدخلاء الذين يستبطنون وينبسط إليهم يقال فلان بطانة لفلان أي مداخل له مؤانس. تاج العروس: (استبطن أمره) إذا (وقف على دخلته) أي باطنه وفى الاساس استبطنه دخل بطنه كما يستبطن العرق اللحم واستبطن أمره عرف باطنه.

الثانية: نهى الله عز وجل المؤمنين بهذه الآية أن يتخذوا من الكفار واليهود وأهل الأهواء دخلاء وولجاء، يفاوضونهم في الآراء، ويسندون إليهم أمورهم. وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل". وعن ابن مسعود أنه قال: اعتبروا الناس بإخوانهم. ثم بين تعالى المعنى الذي لأجله نهى عن المواصلة فقال: {لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً} يقول فسادا. يعني لا يتركون الجهد في فسادكم، يعني أنهم وإن لم يقاتلوكم في الظاهر فإنهم لا يتركون الجهد في المكر والخديعة.
وقدم أبو موسى الأشعري على عمر رضي الله عنهما بحساب فرفعه إلى عمر فأعجبه، وجاء عمر كتاب فقال لأبي موسى: أين كاتبك يقرأ هذا الكتاب على الناس؟ فقال: إنه لا يدخل المسجد. فقال لم! أجنب هو؟ قال: إنه نصراني؛ فانتهره وقال: لا تدنهم وقد أقصاهم الله، ولا تكرمهم وقد أهانهم الله، ولا تأمنهم وقد خونهم الله.
وعن عمر رضي الله عنه قال: لا تستعملوا أهل الكتاب فإنهم يستحلون الرِّشا، واستعينوا على أموركم وعلى رعيتكم بالذين يخشون الله تعالى. وقيل لعمر رضي الله عنه: إن ههنا رجلا من نصارى الحيرة لا أحد أكتب منه ولا أخط بقلم أفلا يكتب عنك؟ فقال: لا آخذ بطانة من دون المؤمنين. فلا يجوز استكتاب أهل الذمة، ولا غير ذلك من تصرفاتهم في البيع والشراء والاستنابة إليهم.

قلت: وقد انقلبت الأحوال في هذه الأزمان باتخاذ أهل الكتاب كتبة وأمناء وتسودوا بذلك عند الجهلة الأغبياء من الولاة والأمراء. فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه فالمعصوم من عصم الله تعالى". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تستضيؤوا بنار المشركين ولا تنقشوا في خواتيمكم غريبا". فسره الحسن بن أبي الحسن فقال: أراد عليه السلام لا تستشيروا المشركين في شيء من أموركم، ولا تنقشوا في خواتيمكم محمدا.
شرح السيوطي لسنن النسائي: لا تستضيئوا بنار المشركين قال في النهاية أراد بالنار هنا الرأي أي لا تشاوروهم فجعل الرأي مثل الضوء عند الحيرة ولا تنقشوا على خواتيمكم عربيا لا تنقشوا فيها محمد رسول الله لأنه كان نقش خاتم رسول الله صلى الله عليه و سلم.
النهاية في غريب الأثر: [لا تَسْتَضِيُئوا بنار المشركين] أي لا تستَشِيُروهم ولا تأْخُذوا آراءهم. جعل الضوءَ مَثلا للرأي عند الحيرة.
الثالثة: قوله تعالى: {مِنْ دُونِكُمْ} أي من سواكم.
الرابعة: قوله تعالى: {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} يعني ظهرت العداوة والتكذيب لكم من أفواههم. والبغضاء: البغض، وهو ضد الحب. وخص تعالى الأفواه بالذكر دون الألسنة إشارة إلى تشدقهم وثرثرتهم في أقوالهم هذه، فهم فوق المتستر الذي تبدو البغضاء في عينيه.
الخامسة: وفي هذه الآية دليل على أن شهادة العدو على عدوه لا يجوز، وبذلك قال أهل المدينة وأهل الحجاز. وأجمع العلماء على أنه لا تجوز شهادة العدو على عدوه في شيء وإن كان عدلا، والعداوة تزيل العدالة فكيف بعداوة كافر.

السادسة: قوله تعالى: {وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} إخبار وإعلام بأنهم يبطنون من البغضاء أكثر مما يظهرون بأفواههم. (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ): وقرأ عبدالله بن مسعود: "قد بدأ البغضاء" بتذكير الفعل؛ لما كانت البغضاء بمعنى البغض.

فيض القدير للمناوى: (المرء على دين خليله) أي عادة خليله فمن كانت عادته في خلق الله ما عودهم الله من لطائف مننه وأسبغ عليهم من جزيل نعمه وعطف بعضهم على بعض فلم يظهر في العالم غضبا لا يشوبه رحمة ولا عداوة لا يتخللها مودة فذلك الذي يستحق اسم الخلة لقيامه بحقها واستيفائه لشروطها (فائدة) قال بعض الصوفية: قلت لشيخنا يا سيدي إذا ارتقى الولي إلى المرتبة العظمى كالقطبية هل يرقى بعض جماعته كما هو الواقع في أبناء الدنيا من أهل الولايات؟ فتبسم وحسن رجائي وقال ما لا يحل كشفه.

صحيح ابن حبان: عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: (إن لله ملائكة فضلا عن كتاب الناس يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا: هلموا إلى حاجتكم فيحفون بهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا فيسألهم ربهم - وهو أعلم منهم - فيقول: ما يقول عبادي؟ فيقولون: يكبرونك ويمجدونك ويسبحونك ويحمدونك فيقول: هل رأوني؟ فيقولون: لا فيقول: فكيف لو رأوني؟ فيقولون: لو رأوك لكانوا لك أشد عبادة وأكثر تسبيحا وتحميدا وتمجيدا فيقول: وما يسألوني؟ قال: فيقولون: يسألونك الجنة فيقول: فهل رأوها؟ فيقولون: لا والله يا رب فيقول: فكيف لو رأوها؟ [فيقولون: لو رأوها] كانوا عليها أشد حرصا وأشد لها طلبا وأعظم فيها رغبة فيقول: ومم يتعوذون؟ فيقولون: من النار فيقول: وهل رأوها؟ فيقولون: لا والله يا رب فيقول: فكيف لو رأوها؟ فيقولون: لو رأوها لكانوا منها أشد فرارا وأشد هربا وأشد خوفا فيقول الله لملائكته: أشهدكم أني قد غفرت لهم قال: فقال: ملك من الملائكة: إن فيهم فلانا ليس منهم إنما جاء لحاجة قال: فهم الجلساء لا يشقى جليسهم).
******************************
= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ [آل عمران: 149]}}.
تفسير القرطبي: لما أمر الله تعالى بالاقتداء بمن تقدم من أنصار الأنبياء حذر طاعة الكافرين؛ يعني مشركي العرب: أبا سفيان وأصحابه. وقيل: اليهود والنصارى. وقال علي رضي الله عنه: يعني المنافقين في قولهم للمؤمنين عند الهزيمة: ارجعوا إلى دين آبائكم. {يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} أي إلى الكفر. {فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} أي فترجعوا مغبونين. ثم قال: {بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ} أي متولي نصركم وحفظكم إن أطعتموه. وقرئ "بل الله" بالنصب، على تقدير بل وأطيعوا الله مولاكم.

عون المعبود للابادي: إن موالاة الولي وموالاة العدو متنافيان وفيه إبرام وإلزام بالقلب في مجانبة أعداء الله ومباعدتهم والتحرز عن مخالطتهم ومعاشرتهم لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين. والمؤمن أولى بموالاة المؤمن وإذا والى الكافر جره ذلك إلى تداعي ضعف إيمانه فزجر الشارع عن مخالطته بهذا التغليظ العظيم حسما لمادة الفساد (ياأيها الذين امنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين). ولم يمنع من صلة أرحام من لهم من الكافرين ولا من مخالطتهم في أمر الدنيا بغير سكنى فيما يجري مجرى المعاملة من نحو بيع وشراء وأخذ وعطاء ليوالوا في الدين أهل الدين ولا يضرهم أن يبارزوا من يحاربهم من الكافرين. وفي الزهد لأحمد (أوحى الله إلى نبي من الأنبياء قل لقومك لا تدخلوا مداخل أعدائي ولا تلبسوا ملابس أعدائي ولا تركبوا مراكب أعدائي فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي).
******************************************
= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [آل عمران: 156]}}.
تفسير القرطبي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا} يعني المنافقين. {وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ} يعني في النفاق أو في النسب في السرايا التي بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى بئر معونة. {لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا} فنهي المسلمون أن يقولوا مثل قولهم. وقوله: {إِذَا ضَرَبُوا في الارض} سافروا فيها وساروا لتجارة أو غيرها فماتوا. "أو كانوا غزى" غزاة فقتلوا.
)))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))

وقفة مع: اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله
*************************************
= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران: 200]}}.
تفسير القرطبي: {اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} هذه الآية في انتظار الصلاة بعد الصلاة، ولم يكن في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم غزو يرابط فيه. وقال عليه السلام: "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط" ثلاثا. والقول الصحيح هو أن الرباط هو الملازمة في سبيل الله. أصلها من ربط الخيل، ثم سمي كل ملازم لثغر من ثغور الإسلام مرابطا، فارسا كان أو راجلا. وقول النبي صلى الله عليه وسلم "فذلكم الرباط" إنما هو تشبيه بالرباط في سبيل الله. وقوله: "ليس الشديد بالصرعة" وقوله "ليس المسكين بهذا الطواف". وكتب أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر بن الخطاب يذكر له جموعا من الروم، وما يتخوف منهم؛ فكتب إليه عمر رضي اللّه عنهما: أما بعد، فإنهم مهما ينزل بعبد مؤمن من منزل شدة، يجعل اللّه بعده فرجا، وإنه لن يغلب عسر يسرين، وإن اللّه تعالى يقول في كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.

صحيح البخارى: {اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون}. (اصبروا) على الطاعة والمصائب وعن المعاصي. (صابروا) كونوا أشد صبرا من أعدائكم. (رابطوا) من الرباط وهو ملازمة المكان بين المسلمين والكفار لحراسة المسلمين أي أقيموا على الجهاد. (تفلحون) تفوزون بالجنة وتنجون من النار].

وعن الصحابة: أتينا أنس بن مالك فشكونا إليه ما يلقون من الحجاج فقال اصبروا فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم سمعته من نبيكم صلى الله عليه و سلم. [ش (ما يلقون) من ظلمه لهم وتعديه عليهم وفيه التفات حيث انتقل من التكلم إلى الغيبة. (الذي بعده شر منه) يكون فيه الخير والشر أكثر منه أحيانا وقد يكون زمان خيرا من سابقه بكثير فلا حجة في هذا ونحوه لمن يؤثرون الراحة والانهزام فيتركون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويستسلمون للشر والفساد والظلم والطغيان. وفي بعض النسخ (أشر منه) بالهمزة والأولى أفصح وأصوب].

فتح الباري لابن حجر: وقول الله عز و جل: (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا) الرباط ملازمة المكان الذي بين المسلمين والكفار لحراسة المسلمين منهم.
وقال قتادة اصبروا على طاعة الله وصابروا أعداء الله في الجهاد ورابطوا في سبيل الله. وعن محمد بن كعب القرظي اصبروا على الطاعة وصابروا لانتظار الوعد ورابطوا العدو واتقوا الله فيما بينكم. وعن زيد بن أسلم اصبروا على الجهاد وصابروا العدو ورابطوا الخيل: وأصل الرباط أن يربط هؤلاء خيلهم وهؤلاء خيلهم استعدادا للقتال قال الله تعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل).

صحيح مسلم: عن أبي سعيد الخدري: أن ناسا من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأعطاهم. ثم سألوه فأعطاهم. حتى إذا نفذ ما عنده قال " ما يكن عندي من خير فلن أدخره عنكم. ومن يستعفف يعفه الله. ومن يستغن يغنه الله. ومن يصبر يصبره الله. وما أعطي أحد من عطاء خير وأوسع من الصبر ".
شعب الإيمان: قام رجل إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال يا أمير المؤمنين! ما الإيمان؟. فقال: الإيمان على أربع دعائم: على الصبر و العدل و اليقين و الجهاد.
وعن أبي الدرداء قال ذروة الإيمان أربع: الصبر للحكم و الرضا بالقدر و الإخلاص للتوكل و الاستسلام للرب عز و جل.

سمعت ذا النون يقول ثلاثة من أعلام التسليم: مقابلة القضاء بالرضا و الصبر على البلاء و الشكر على الرخاء و ثلاثة من أعلام التفويض: ترك الحكم في أقدار الله في وقت إلى وقت و تعطيل الإرادة لإرادة في النوافل و أسباب الدنيا و النظر إلى ما يقع به من تدبير الله عز و جل و ثلاثة من أعلام ذكاء القلب: رؤية كل شيء من الله و قبول كل شيء عنه و إضافة كل شيء إليه.
جامع الأحاديث للسيوطي: عن عمر قال: الصبر صبران صبر عند المصيبة حسن وصبر أحسن منه الصبر عن محارم الله.

صحيح ابن حبان: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: (كان ملك فيمن كان قبلكم له ساحر فلما كبر قال للملك: إني قد كبرت فابعث إلي غلاما أعلمه السحر فبعث له غلاما يعلمه فكان في طريقه إذا سلك راهب فقعد إليه وسمع كلامه وأعجبه فكان إذا الساحر ضربه وإذا رجع من عند الساحر قعد إلى الراهب وسمع كلامه فإذا أتى أهله ضربوه فشكا ذلك إلى الراهب فقال له: إذا خشيت الساحر فقل: حبسني أهلي وإذا خشيت أهلك فقل: حبسني الساحر فبينما هو كذلك إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس فقال: اليوم أعلم: الراهب أفضل أم الساحر؟ فأخذ حجرا ثم قال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس فرماها فقتلها ومضى الناس فأتى الراهب فأخبره فقال له الراهب: أي بني أنت اليوم أفضل مني وإنك ستبتلى فإن ابتليت فلا تدل علي فكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص ويداوي سائر الأدواء فسمع جليس للملك - كان قد عمي - فأتى الغلام بهدايا كثيرة فقال: ما هاهنا لك أجمع إن أنت شفيتني قال: إني لا أشفي أحدا إنما يشفي الله فإن آمنت بالله دعوت الله فشفاك فآمن بالله فشفاه الله فأتى الملك يمشي يجلس إليه كما كان يجلس فقال الملك: فلان! من رد عليك بصرك؟ قال: ربي قال: ولك رب غيري؟ قال: ربي وربك واحد فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام فجيء بالغلام فقال له الملك: أي بني قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل؟ قال: إني لاأشفي أحدا إنما يشفي الله فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب فجيء بالراهب فقيل له: ارجع عن دينك فأبى فدعا بالمنشار فوضع المنشار في مفرق رأسه فشق به حتى وقع شقاه ثم جيء بجليس الملك فقيل: ارجع عن دينك فأبى فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه ثم جيء بالغلام فقيل له: ارجع عن دينك فأبى فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل فإذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه

وإلا فاطرحوه فذهبوا به فصعدوا به الجبل فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت فرجف بهم الجبل فسقطوا وجاء يمشي إلى الملك فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله فدفعه إلى قوم من أصحابه فقال: اذهبوا به فاحملوه في قرقور فوسطوا به البحر فلججوا به فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه فذهبوا به فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت فانكفأت بهم السفينة وجاء يمشي إلى الملك فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله فقال للملك: وإنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به قال: وما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع ثم خذ سهما من كنانتك ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل: بسم الله رب الغلام ثم ارمني فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني فجمع الناس في صعيد واحد ثم صلبه على جذع ثم أخذ سهما من كنانته ثم وضع السهم في كبد قوسه ثم قال: بسم الله رب الغلام ثم رماه فوقع السهم في صدغه فوضع يده في موضع السهم فمات فقال الناس: آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام ثلاثا فأتي الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر قد والله نزل بك حذرك قد آمن الناس فأمر بالأخدود بأفواه السكك فخدت وأضرم النيران وقال: من لم يرجع عن دينه فأحموه ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها فقال لها الغلام: يا أمه اصبري فإنك على الحق).
وعن أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم مر بإمرأة عند قبر تبكي فقال: (يا هذه اصبري) فقالت: إنك لا تدري ما مصابي فقيل لها بعد ذلك: هذا رسول الله صلى الله عليه و سلم فأتته فقالت: لم أعرفك

شعب الإيمان: سمعت أنسا و هو يقول لبعض أهله: أتعرفين فلانة فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم مر بها و هي عند قبر تبكي فقال لها: اتقي الله و اصبري فقالت: إليك عني فإنك لا تبالي بمصيبتي فقيل لها إنه رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخذها مثل الموت فانتهت إلى باب فلم تجد بوابين فدخلت عليه فقالت يا رسول الله إني لم أعرفك فقال لها: الصبر في أو عند أو صدمة.
وقال الله عز و جل لنبيه صلى الله عليه و سلم: {فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل و لا تستعجل لهم}
و قال: {و إن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به و لئن صبرتم لهو خير للصابرين}. {و اصبر و ما صبرك إلا بالله و لا تحزن عليهم و لا تك في ضيق مما يمكرون}. فأمر أن يصبر على أذى قومه كما صبر إخوانه من النبيين الذين تقدموه و كانوا أولي جد في أمر الله و توطين القلب على احتمال ما يستقبلهم من قومهم و أن لا يستعجل بما لهم عند الله من الجزاء بكفرهم و شقاقهم و إيذائهم إياه
)))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: لا يحل لكم ان ترثوا النساء كرها
****************************
أنا رجل قد أكمل الله علي النعمة في صحة بدني ومعرفتي وما ملكت يميني، فلعلها بعثت عقوبة على ذنبي فأخاف إن فارقتها أن تنزل بي عقوبة هي أشد منها.

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [النساء: 19]}}.
تفسير القرطبي: {لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً} فيه ثمان مسائل:

الأولى: قوله تعالى: {لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً} المقصود نفي الظلم عنهن وإضرارهن؛ والخطاب للأولياء. أي لا يحل لكم وراثة النساء كرها. واختلفت الروايات وأقوال المفسرين في سبب نزولها: عن ابن عباس {لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} قال: كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته، إن شاء بعضهم تزوجها، وإن شاؤوا زوجوها، وإن شاؤوا لم يزوجوها، فهم أحق بها من أهلها. كان من عادتهم إذا مات الرجل يلقي ابنه من غيرها أو أقرب عصبته ثوبه على المرأة فيصير أحق بها من نفسها ومن أوليائها؛ فإن شاء تزوجها بغير صداق إلا الصداق الذي أصدقها الميت، وان شاء زوجها من غيره وأخذ صداقها ولم يعطها شيئا؛ وإن شاء عضلها لتفتدى منه بما ورثته من الميت أو تموت فيرثها. فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً}. فيكون المعنى: لا يحل لكم أن ترثوهن من أزواجهن فتكونوا أزواجا لهن.

الثانية: {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ} {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} اختلف الناس في معنى الفاحشة؛ فقال الحسن: هو الزنا، وإذا زنت البكر فإنها تجلد مائة وتنفى سنة، وترد إلى زوجها ما أخذت منه. وقال أبو قلابة؛ إذا زنت امرأة الرجل فلا بأس أن يضارها ويشق عليها حتى تفتدي منه. وقال السدي: إذا فعلن ذلك فخذوا مهورهن. وقال ابن سيرين: لا يحل له أن يأخذ منها فدية إلا أن يجد على بطنها رجلا، قال الله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}. وقال ابن مسعود وابن عباس والضحاك وقتادة: الفاحشة المبينة في هذه الآية البغض والنشوز، قالوا: فإذا نشزت حل له أن يأخذ مالها. وقال قوم: الفاحشة البذاء باللسان وسوء العشرة قولا وفعلا؛ وهذا في معنى النشوز. ومن أهل العلم من يجيز أخذ المال من الناشز على جهة الخلع؛ إلا أنه يرى ألا يتجاوز ما أعطاها ركونا إلى قوله تعالى: {لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ}.
وللزوج أن يأخذ من الناشز جميع ما تملك. والزنا أصعب على الزوج من النشوز والأذى، وكل ذلك فاحشة تحل أخذ المال.
{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} يعني في حسن العشرة والقيام بحق الزوج وقيامه بحقها {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} وقال الله عز وجل: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً} فهذه الآيات. وقال عطاء الخراساني: كان الرجل إذا أصابت امرأته فاحشة أخذ منها ما ساق إليها وأخرجها، فنسخ ذلك بالحدود. وقول رابع {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} إلا أن يزنين فيحبسن في البيوت، فيكون هذا قبل النسخ.

الثالثة: وإذا تنزلنا على القول بأن المراد بالخطاب في العضل الأولياء ففقهه أنه متى صح في ولي أنه عاضل نظر القاضي في أمر المرأة وزوجها. إلا الأب في بناته؛ فإنه إن كان في عضله صلاح فلا يعترض، قولا واحدا، وذلك بالخاطب والخاطبين وإن صح عضله ففيه قولان في مذهب مالك: أنه كسائر الأولياء، يزوج القاضي من شاء التزويج من بناته وطلبه.
الرابعة: يجوز أن يكون {تَعْضُلُوهُنَّ} جزما على النهى. {أَنْ تَرِثُوا} فتكون الواو مشتركة عطفت فعلا على فعل. وقرأ ابن مسعود "ولا أن تعضلوهن" فهذه القراءة تقوي احتمال النصب، وأن العضل مما لا يجوز بالنص.
الخامسة: {مُبَيِّنَةٍ} وقرأ ابن عباس "مبينة" بكسر الباء وسكون الياء، من أبان الشيء، يقال: أبان الأمر بنفسه، وأبنته وبين وبينته، وهذه القراءات كلها لغات فصيحة.
السادسة: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} أي على ما أمر الله به من حسن المعاشرة. والخطاب للجميع، إذ لكل أحد عشرة، زوجا كان أو وليا؛ ولكن المراد بهذا الأمر في الأغلب الأزواج، وهو مثل قوله تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ}. وذلك توفية حقها من المهر والنفقة، وألا يعبس في وجهها بغير ذنب، وأن يكون منطلقا في القول لا فظا ولا غليظا ولا مظهرا ميلا إلى غيرها. والعشرة: المخالطة والممازجة.
السابعة: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} على أن المرأة إذا كانت لا يكفيها خادم واحد أن عليه أن يخدمها قدر كفايتها، كابنة الخليفة والملك وشبههما ممن لا يكفيها خادم واحد، وأن ذلك هو المعاشرة بالمعروف.

الثامنة: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ} أي لدمامة أو سوء خلق من غير ارتكاب فاحشة أو نشوز؛ فهذا يندب فيه إلى الاحتمال، فعسى أن يؤول الأمر إلى أن يرزق الله منها أولادا صالحين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر". المعنى: أي لا يبغضها بغضا كليا يحمله على فراقها. أي لا ينبغي له ذلك بل يغفر سيئتها لحسنتها ويتغاضى عما يكره لما يحب. وقال ابن عمر: إن الرجل ليستخير الله تعالى فيخار له، فيسخط على ربه عز وجل فلا يلبث أن ينظر في العاقبة فإذا هو قد خير له.
وكان الشيخ أبو محمد بن أبي زيد من العلم والدين في المنزلة والمعرفة. وكانت له زوجة سيئة العشرة وكانت تقصر في حقوقه وتؤذيه بلسانها؛ فيقال له في أمرها ويعذل بالصبر عليها، فكان يقول: أنا رجل قد أكمل الله علي النعمة في صحة بدني ومعرفتي وما ملكت يميني، فلعلها بعثت عقوبة على ذنبي فأخاف إن فارقتها أن تنزل بي عقوبة هي أشد منها. قال علماؤنا: في هذا دليل على كراهة الطلاق مع الإباحة. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله لا يكره شيئا أباحه إلا الطلاق والأكل وإن الله ليبغض المِعى إذا امتلأ".

{وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً} و {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً}: فيه ست مسائل:
الأولى: أن للزوج أخذ المال منها للفراق الذي سببه الزوجة، وبين أنه إذا أراد الطلاق من غير نشوز وسوء عشرة فليس له أن يطلب منها مالا.

الثانية: واختلف العلماء إذا كان الزوجان يريدان الفراق وكان منهما نشوز وسوء عشرة؛ فقال مالك رضي الله عنه: للزوج أن يأخذ منها إذا تسببت في الفراق ولا يراعى تسببه هو. وقال جماعة من العلماء: لا يجوز له أخذ المال إلا أن تنفرد هي بالنشوز وتطلبه في ذلك.
الثالثة: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً} فيها دليل على جواز المغالاة في المهور؛ لأن الله تعالى لا يمثل إلا بمباح. وخطب عمر رضي الله عنه فقال: ألا لا تغالوا في صدقات النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها رسول الله؛ ما أصدق قط امرأة من نسائه ولا بناته فوق اثنتي عشرة أوقية. فقامت إليه امرأة فقالت: يا عمر، يعطينا الله وتحرمنا! أليس الله سبحانه وتعالى يقول: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً}؟ فقال عمر: أصابت امرأة وأخطأ عمر. وفي رواية فأطرق عمر ثم قال: كل الناس أفقه منك يا عمر!.
الرابعة: {فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً} لا يأخذ الزوج من المختلعة شيئا؛ لقول الله تعالى {فَلا تَأْخُذُوا} وجعلها ناسخة لآية "البقرة". وقال ابن زيد: هي منسوخة بقوله تعالى في سورة البقرة: {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا
مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً}. والصحيح أن هذه الآيات محكمة وليس فيها ناسخ ولا منسوخ وكلها يبنى بعضها على بعض. قال الطبري: هي محكمة، ولا معنى لقول بكر: إن أرادت هي العطاء؛ فقد جوز النبي صلى الله عليه وسلم لثابت أن يأخذ من زوجته ما ساق إليها. {بُهْتَاناً} مصدر في موضع الحال {وَإِثْماً} معطوف عليه {مُبِيناً} من نعته.

الخامسة: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ} تعليل لمنع الأخذ مع الخلوة. وقال بعضهم: الإفضاء إذا كان معها في لحاف واحد جامع أو لم يجامع. الإفضاء أن يخلو الرجل والمرأة وأن يجامعها. وقال ابن عباس: الإفضاء في هذه الآية الجماع. قال ابن عباس: ولكن الله كريم يكنى. وأصل الإفضاء في اللغة المخالطة.
والسؤل: هل يتقرر المهر بوجود الخلوة أم لا؟ اختلف علماؤنا في ذلك على أربعة أقوال:
1 - يستقر بمجرد الخلوة. 2 - لا يستقر إلا بالوطء. 3 - يستقر بالخلوة في بيت الإهداء. 4 - التفرقة بين بيته وبيتها. والصحيح استقراره بالخلوة مطلقا.
قالوا: إذا خلا بها خلوة صحيحة يجب كمال المهر والعدة دخل بها أو لم يدخل بها؛ لما رواه الدارقطني عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كشف خمار امرأة ونظر إليها وجب الصداق". وقال عمر: إذا أغلق بابا وأرخى سترا ورأى عورة فقد وجب الصداق وعليها العدة ولها الميراث. وعن علي: إذا أغلق بابا وأرخى سترا ورأى عورة فقد وجب الصداق.
السادسة: {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً} قوله عليه السلام: "فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله".

صحيح البخارى: عن ابن عباس {يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن}. قال كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته إن شاء بعضهم تزوجها وإن شاؤوا زوجوها وإن شاؤوالم يزوجوها فهم أحق بها من أهلها فنزلت هذه الآية في ذلك. [ش (لا يحل) لا يجوز. (أن ترثوا النساء) تأخذوهن كما تؤخذ الأموال على سبيل الإرث. (كرها) مكرهين لهن على ذلك. (تعضلوهن) تمنعوهن من الزواج بغيركم إذا طلقتموهن ولم ترغبوا بهن أو تضاروهن وتضيقوا عليهن ولا تطلقوهن. (لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن) لتأخذوا منهن بعض ما
أعطيتموهن من المهر. / النساء 19 /]

صحيح مسلم: عن أبي هريرة. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يفرك مؤمن مؤمنة. إن كره منها خلقا رضي منها آخر. شرح النووي على مسلم: (لا يفرك مؤمن مؤمنة) والفرك هو البغض. قال القاضي عياض هذا ليس على النهى قال هو خبر أي لا يقع منه بغض تام لها قال وبغض الرجال للنساء خلاف بغضهن لهم. ولهذا قال ان كره منها خلقا رضى منها آخر. والصواب أنه نهى أي ينبغى أن لا يبغضها لأنه ان وجد فيها خلقا يكره وجد فيها خلقا مرضيا بأن تكون شرسة الخلق لكنها دينة أو جميلة أو عفيفة أو رفيقة به.
فقه السنة للسيد سابق: (لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا، رضي منها خلقا آخر). لا يفرك: لا يبغض. ويجب على الزوج أن يصون زوجته، ويحفظها من كل ما يخدش شرفها, ويثلم عرضها، ويمتهن كرامتها، ويعرض سمعتها لقالة السوء، وهذا من الغيرة التي يحبها الله. وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله يغار، وإن المؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتي العبد ما حرم عليه ". وعن ابن مسعود أنه صلوات الله وسلامه عليه قال: " ما أحد أغير من الله، ومن غيرته حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وما أحد إليه المدح من الله، ومن أجل ذلك أثنى على نفسه، وما أحد أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين ومنذرين ". وقال سعد بن عبادة: " لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح. فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: " أتعجبون من غيرة سعد. لانا أغير منه، والله أغير مني، ومن أجل غيرة الله، حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ". وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا يدخلون الجنة: " العاق لوالديه، والديوث، ورجلة النساء ".

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدنيا متاع, وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة".

شرح السيوطي على مسلم: الدنيا متاع أي شيئا يتمتع به حينا ما وخير متاعها المرأة الصالحة قال القرطبي فسرت في الحديث بقوله التي إذا نظر إليها سرته وإذا أمرها أطاعته وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله
عمدة القاري شرح صحيح البخاري: وقال الله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا (آل عمران 14).
قوله زين للناس أي في هذه الدنيا من أنواع الملاذ من النساء فبدأ بهن لأن الفتنة بهن أشد لقوله في (الصحيح) ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء فإذا كان القصد بهن الإعفاف وكثرة الأولاد فهذا مطلوب مرغوب فيه مندوب إليه لقوله الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة. وفي الحديث تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المرأة كالضلع. إذا ذهبت تقيمها كسرتها. وإن تركتها استمتعت بها وفيها عوج". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المرأة خلقت من ضلع. لن تستقيم لك على طريقة. فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج. وإن ذهبت تقيمها كسرتها. وكسرها طلاقها ".
وقل النبي صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فإذا شهد أمرا فليتكلم بخير أو ليسكت. واستوصوا بالنساء. فإن المرأة خلقت من ضلع. وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه. إن ذهبت تقيمه كسرته. وإن تركته لم يزل أعوج. استوصوا بالنساء خيرا".
تحفة الأحوذي للمباركفوري: (إن المرأة كالضلع) وهو عظم الجنب وهو معوج يعني أن النساء في خلقهن أعوجاج في الأصل فلا يستطيع أحد أن يغيرهن عما جبلن عليه. وفي رواية مسلم إن المرأة خلقت من ضلع لن تستقيم على طريقة (إن ذهبت تقيمها) أي تردها إلى إقامة الاستقامة وبالغت فيها ما سامحتها في أمورها وما تغافلت عن بعض أفعالها (كسرتها) كما هو مشاهد في المعوج الشديد اليابس في الحس.
)))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))

وقفة مع: لا تأكلوا اموالكم بالباطل
***************************

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء: 29]}}.

تفسير القرطبي: (لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ): فيه تسع مسائل:
الأولى: {بِالْبَاطِلِ} أي بغير حق. ووجوه ذلك تكثر: كأكل أموال اليتامى بغير الواجب المباح لهم. وكالسرقة والنهب. ومن أكل المال بالباطل بيع العربان؛ وهو أن يأخذ منك السلعة أو يكتري منك الدابة ويعطيك درهما فما فوقه، على أنه إن اشتراها أو ركب الدابة فهو من ثمن السلعة أو كراء الدابة؛ وإن ترك ابتياع السلعة أو كراء الدابة فما أعطاك فهو لك. فهذا لا يصلح ولا يجوز لأنه من باب بيع القمار والغرر والمخاطرة.
الثانية: قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} هذا استثناء منقطع، أي ولكن تجارة عن تراض. والتجارة هي البيع والشراء؛ وهذا مثل قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا}.
الثالثة: {تِجَارَةً} التجارة في اللغة عبارة عن المعاوضة؛ ومنه الأجر الذي يعطيه البارئ سبحانه العبد عوضا عن الأعمال الصالحة التي هي بعض من فعله؛ قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}. وقال تعالى: {يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ}. وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ}. فسمى ذلك كله بيعا وشراء على وجه المجاز.
الرابعة: وكل معاوضة تجارة على أي وجه كان العوض إلا أن قوله "بالباطل" أخرج منها كل عوض لا يجوز شرعا من ربا أو جهالة أو تقدير عوض فاسد كالخمر والخنزير وغير ذلك.

الخامسة: لو اشتريت من السوق شيئا؛ فقال لك صاحبه قبل الشراء: ذقه وأنت في حل؛ فلا تأكل منه؛ لأن إذنه بالأكل لأجل الشراء؛ فربما لا يقع بينكما شراء فيكون ذلك شبهة، ولكن لو وصف لك صفة فاشتريته فلم تجده على تلك الصفة فأنت بالخيار.
السادسة: والجمهور على جواز الغبن في التجارة؛ مثل أن يبيع رجل ياقوتة به بدرهم وهي تساوي مائة فذلك جائز، وأن المالك الصحيح الملك جائز له أن يبيع ماله الكثير بالتافه اليسير، وهذا ما لا اختلاف فيه بين العلماء إذا عرف قدر ذلك، كما تجوز الهبة لو وهب. واختلفوا فيه إذا لم يعرف قدر ذلك؛ فقال قوم: عرف قدر ذلك أو لم يعرف فهو جائز إذا كان رشيدا حرا بالغا. وقالت فرقة: الغبن إذا تجاوز الثلث مردود، وإنما أبيح منه المتقارب المتعارف في التجارات، وأما المتفاحش الفادح فلا. لقوله عليه السلام في حديث الأمة الزانية. "فليبعها ولو بضفير" وقوله عليه السلام لعمر: "لا تبتعه يعني القرس - ولو أعطاكه بدرهم واحد" وقوله عليه السلام: "دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض" وقوله عليه السلام: "لا يبع حاضر لباد" وليس فيها تفصيل بين القليل والكثير من ثلث ولا غيره.
السابعة: {عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} أي عن رضى، إلا أنها جاءت من المفاعلة إذ التجارة من اثنين. واختلف العلماء في التراضي؛ فقالت طائفة: تمامه وجزمه بافتراق الأبدان بعد عقدة البيع، أو بأن يقول أحدهما لصاحبه: اختر؛ فيقول: قد اخترت، وذلك بعد العقدة أيضا فينجزم أيضا وإن لم يتفرقا. قال الأوزاعي: هما بالخيار ما لم يتفرقا؛ إلا بيوعا ثلاثة: بيع السلطان المغانم، والشركة في الميراث، والشركة في التجارة؛ فإذا صافقه في هذه الثلاثة فقد وجب البيع وليسا فيه بالخيار. وفي الحديث "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" أن البائع إذا قال: قد بعتك، فله أن يرجع ما لم يقل المشتري قد قبلت.

الثامنة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التاجر الصدوق الأمين المسلم مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة". ويكره للتاجر أن يحلف لأجل ترويج السلعة وتزيينها، أو يصلي على الني صلى الله عليه وسلم في عرض سلعته؛ وهو أن يقول: صلى الله على محمد! ما أجود هذا. ويستحب للتاجر ألا تشغله تجارته عن أداء الفرائض؛ فإذا جاء وقت الصلاة ينبغي أن يترك تجارته حتى يكون من أهل هذه الآية: {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ}.
التاسعة: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} والمراد بهذه الآية النهي أن يقتل بعض الناس بعضا. ثم لفظها يتناول أن يقتل الرجل نفسه بقصد منه للقتل في الحرص على الدنيا وطلب المال بأن يحمل نفسه على الغرر المؤدي إلى التلف. ويحتمل أن يقال: "ولا تقتلوا أنفسكم" في حال ضجر أو غضب؛ فهذا كله يتناول النهي. وقد احتج عمرو بن العاص بهذه الآية حين امتنع من الاغتسال بالماء البارد حين أجنب في غزوة ذات السلاسل خوفا على نفسه منه؛ فقرر النبي صلى الله عليه وسلم احتجاجه وضحك عنده ولم يقل شيئا.

صحيح البخارى: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو قال حتى يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما). [ش: (البيعان) المتبايعان وهما البائع والمشتري. (بالخيار) لهما حق الخيار في أن يمضيا البيع أو ينقضاه. (لم يتفرقا) من مجلس العقد. (بينا) بين كل منهما للآخر ما يحتاج إلى بيانه من عيب ونحوه في المبيع أو الثمن. (كذبا) في الأوصاف. (محقت) من المحق وهو النقصان وذهاب البركة].
فتح الباري لابن حجر:
وعن جرير عن مغيرة عن وكيع عن الشعبي أنه أتى في رجل اشترى من رجل برذونا فأراد أن يرده قبل أن يتفرقا فقضى الشعبي أنه قد وجب البيع فشهد عنده أبو الضحى أن شريحا أتى في مثل ذلك فرده على البائع فرجع الشعبي إلى قول شريح.

صحيح الترغيب والترهيب: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء.
تحفة الأحوذي للمباركفوري: (التاجر الصدوق) أي من تحرى الصدق والأمانة كان في زمرة الأبراء من النبيين والصديقين ومن توخى خلافهما كان في قرن الفجار من الفسقة والعاصين. وكلاهما من صيغ المبالغة تنبيه على رعاية الكمال في هذين الصفتين حتى ينال هذه الدرجة الرفيعة.
))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: خذوا حذركم فانفروا ثبات
*************************
= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا [النساء: 71]}}.

تفسير القرطبي: {خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعا ً}: فيه خمس مسائل:
الأولى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} هذا خطاب للمؤمنين المخلصين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وأمر لهم بجهاد الكفار والخروج في سبيل الله وحماية الشرع. ولما ذكر طاعة الله وطاعة رسوله، أمر أهل الطاعة بالقيام بإحياء دينه وإعلاء دعوته، وأمرهم ألا يقتحموا على عدوهم على جهالة حتى يتحسسوا إلى ما عندهم، ويعلموا كيف يردون عليهم، فذلك أثبت لهم فقال: "خذوا حذركم "فعلمهم مباشرة الحروب. ولا ينافي هذا التوكل بل هو مقام عين التوكل.
الثانية: ليس في الآية دليل على أن الحذر ينفع من القدر شيئا؛ ولكنا تعبدنا بألا نلقي بأيدينا إلى التهلكة؛ ومنه الحديث "اعقلها وتوكل ". وإن كان القدر جاريا على ما قضى، ويفعل الله ما يشاء، فالمراد منه طمأنينة النفس، لا أن ذلك ينفع من القدر. والدليل على ذلك أن الله تعالى أثنى على أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا}.

صحيح ابن حبان: قال رجل للنبي صلى الله عليه و سلم: أرسل ناقتي وأتوكل؟ قال: (اعقلها وتوكل).
فتح الباري لابن حجر: الأخذ بالحذر والاحتراس من العدو وأن على الناس أن يحرسوا سلطانهم خشية القتل وفيه الثناء على من تبرع بالخير وتسميته صالحا وإنما عانى النبي صلى الله عليه و سلم ذلك مع قوة توكله للاستنان به في ذلك وقد ظاهر بين درعين مع أنهم كانوا إذا أشتد البأس كان أمام الكل وأيضا فالتوكل لا ينافي تعاطي الأسباب لأن التوكل عمل القلب وهي عمل البدن وقد قال إبراهيم عليه السلام ولكن ليطمئن قلبي وقال عليه الصلاة و السلام اعقلها وتوكل.
الثالثة: {فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ} اي انهضوا لقتال العدو. واستنفر الإمام الناس دعاهم إلى النفر، أي للخروج إلى قتال العدو. {ثُبَاتٍ} كناية عن السرايا.
تفسير ابن كثير: {ثبات} أي جماعة بعد جماعة وفرقة بعد فرقة وسرية بعد سرية.
الرابعة: {أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً} معناه الجيش الكثيف مع الرسول عليه السلام. ولا تخرج السرايا إلا بإذن الإمام ليكون متجسسا لهم، عضدا من ورائهم، وربما احتاجوا إلى درئه.
الخامسة: وقيل إن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً} وبقوله: {إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ}؛ ولأن يكون {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً} منسوخا بقوله: {فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً} و بقوله: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} أولى؛ لأن فرض الجهاد تقرر على الكفاية، فمتى سد الثغور بعض المسلمين أسقط الفرض عن الباقين. والصحيح أن الآيتين جميعا محكمتان، إحداهما في الوقت الذي يحتاج فيه إلى تعين الجميع، والأخرى عند الاكتفاء بطائفة دون غيرها.

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ [التوبة: 38]}}.
= {{إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [التوبة: 39]}}.

القاموس الفقهي: الاستنفار: لغة: مصدر: استنفر من نفر القوم- نفير-: أى أسرعوا إلى الشي ء، و أصل النفير مفارقة مكان إلى مكان آخر لأمر حرك ذلك، و يقال للقوم النافرين لحرب أو لغيرها. والنفير اصطلاحا: الخروج إلى قتال العدو و نحوه من الأعمال الصالحة بدعوة من الإمام أو غيره أو للحاجة إلى ذلك، و لكن غلب استعماله عند الفقهاء في قتال العدو.
مفردات الفاظ القران: والاستنفار: حث القوم على النفر إلى الحرب، والاستنفار: حمل القوم على أن ينفروا. أي: من الحرب، والاستنفار أيضا: طلب النفار، وقوله تعالى: {كأنهم حمر مستنفرة} [المدثر/50].
المعجم الوسيط: (نفر): نفرا ونفورا هجر وطنه وضرب في الأرض وفي التنزيل العزيز (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين (وفي التنزيل العزيز) وما كان المؤمنون لينفروا كافة (والجلد نفورا و ورم وتجافى عن اللحم ومن الشيء نفورا ونفارا فزع وانقبض غير راض به ويقال نفرت المرأة من زوجها أعرضت وصدت ومن المكان نفرا تركه إلى غيره يقال نفر الحاج من منى دفعوا إلى مكة والناس إلى العدو أسرعوا في الخروج لقتاله وفي التنزيل العزيز) انفروا خفافا وثقالا (وفلانا نفرا غلبه في المنافرة).
(أنفر) القوم تفرقت دوابهم والدابة ونحوها جعلها نافرة والرجل أمده وأعانه يقال استنفرهم فأنفروه أمدوه وأعانوه وفلانا على فلان قضى له عليه بالغلبة

(الثبات) ما يشد به الشيء ليثبت يقال ثبات الحمل و ثبات السرج. (الثبت) الشجاع الثابت القلب و العاقل الثابت الرأي و يقال فلان ثبت الخصومة لا يزل لسانه عند الخصومة. (الثبت) الحجة و الصحيفة يثبت فيها الأدلة و ثبت المحدث ما يجمع فيه مروياته و أسماء شيوخه و فهرس الكتاب و رجل ثبت حجة يوثق به. (المثبت) كلام مثبت غير منفي و رجل مثبت أثقله المرض فلزم الفراش.
)))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: كونوا قوامين بالقسط شهداء لله
*****************************
= أخذ الله عز وجل على الحكام ثلاثة أشياء: ألا يتبعوا الهوى، وألا يخشوا الناس ويخشوه، وألا يشتروا بآياته ثمنا قليلا.

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [النساء: 135]}}.
تفسير القرطبي: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ}: فيه عشر مسائل:
الأولى: {كُونُوا قَوَّامِينَ} أي ليتكرر منكم القيام بالقسط، وهو العدل في شهادتكم على أنفسكم، وشهادة المرء على نفسه إقراره بالحقوق عليها. ثم ذكر الوالدين لوجوب برهما وعظم قدرهما، ثم ثنى بالأقربين إذ هم مظنة المودة والتعصب؛ فكان الأجنبي من الناس أحرى أن يقام عليه بالقسط ويشهد عليه، فجاء الكلام في السورة في حفظ حقوق الخلق في الأموال.

الثانية: لا خلاف بين أهل العلم في صحة أحكام هذه الآية، وأن شهادة الولد على الوالدين الأب والأم ماضية، ولا يمنع ذلك من برهما، بل من برهما أن يشهد عليهما ويخلصهما من الباطل، وهو معنى قوله تعالى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} فإن شهد لهما أو شهدا له.
الثالثة: كان من مضى من السلف الصالح يجيزون شهادة الوالدين والأخ، ويتأولون في ذلك قول الله تعالى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} فلم يكن أحد يتهم في ذلك من السلف الصالح رضوان الله عليهم. ثم ظهرت من الناس أمور حملت الولاة على اتهامهم، فتركت شهادة من يتهم، وصار ذلك لا يجوز في الولد والوالد والأخ والزوج والزوجة.
وقد أجاز قوم شهادة بعضهم لبعض إذا كانوا عدولا. وروي عن عمر بن الخطاب أنه أجازه.
ومذهب مالك جواز شهادة الأخ لأخيه إذا كان عدلا إلا في النسب.
وقيل أنها لا تجوز إذا كان في عياله أو في نصيب من مال يرثه.
وقال مالك وأبو حنيفة: شهادة الزوج لزوجته لا تقبل؛ لتواصل منافع الأملاك بينهما وهي محل الشهادة. وقال الشافعي: تجوز شهادة الزوجين بعضهما لبعض؛ لأنهما أجنبيان، وإنما بينهما عقد الزوجية وهو معرض للزوال.
وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد شهادة الخائن والخائنة وذي الغمر على أخيه، ورد شهادة القانع لأهل البيت وأجازها لغيرهم. قال الخطابي: ذو الغمر الذي بينه وبين المشهود عليه عداوة ظاهرة، فترد شهادته عليه للتهمة.
الرابعة: {شُهَدَاءَ لِلَّهِ} أي كونوا قوامين بالعدل عند شهادتكم.
الخامسة: {لِلَّهِ} معناه لذات الله ولوجهه ولمرضاته وثوابه. {وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} وإن هذه الشهادة المذكورة هي في الحقوق فيقر بها لأهلها، فذلك قيامه بالشهادة على نفسه.

السادسة: {إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} في الكلام إضمار وهو اسم كان؛ أي إن يكن الطالب أو المشهود غنيا فلا يراعى لغناه ولا يخاف منه، وإن يكن فقيرا فلا يراعى إشفاقا عليه. {فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} أي فيما اختار لهما من فقر وغنى. قال السدي: اختصم إلى النبي صلى الله عليه وسلم غني وفقير، فكان ضلعه صلى الله عليه وسلم مع الفقير، ورأى أن الفقير لا يظلم الغني؛ فنزلت الآية.
السابعة: {فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} فالله أولى بكل واحد منهما.
الثامنة: {فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى} نهي، فإن اتباع الهوى مرد، أي مهلك؛ قال الله تعالى: {فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} فاتباع الهوى يحمل على الشهادة بغير الحق، وعلى الجور في الحكم. وقال الشعبي: أخذ الله عز وجل على الحكام ثلاثة أشياء: ألا يتبعوا الهوى، وألا يخشوا الناس ويخشوه، وألا يشتروا بآياته ثمنا قليلا.
قوله تعالى: {وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا} فاللي على هذا مطل الكلام وجره حتى يفوت فصل القضاء وإنفاذه للذي يميل القاضي إليه. وهي في الشهود يلوي الشاهد الشهادة بلسانه ويحرفها فلا يقول الحق فيها، أو يعرض عن أداء الحق فيها. ولفظ الآية يعم القضاء والشهادة، وكل إنسان مأمور بأن يعدل. وفي الحديث: "لي الواجد يحل عرضه وعقوبته ". قال ابن الأعرابي: عقوبته حبسه، وعرضه شكايته.
العاشرة: وقد استدل بعض العلماء في رد شهادة العبد بهذه الآية؛ فقال: جعل الله تعالى الحاكم شاهدا في هذه الآية، وذلك أدل دليل على أن العبد ليس من أهل الشهادة؛ لأن المقصود منه الاستقلال بهذا المهم إذا دعت الحاجة إليه، ولا يتأتى ذلك من العبد أصلا فلذلك ردت الشهادة.

صحيح البخارى: لقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب عما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لكم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل أحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى أن لا ترتابوا إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح أن لا تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضار كاتب ولا شهيد وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم} / البقرة 282 /

قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين أو الأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما ولا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا} (النساء 135). [ش (مسمى) معلوم. (بالعدل) بالحق والإنصاف لا يزيد ولا ينقص ولا يقدم ولا يؤخر. (ليملل) الإملال والإملاء بمعنى واحد وهو أن يقرأ على الكاتب ما يكتبه ليكون إقرارا منه على نفسه بما عليه. (يبخس) ينقص. (سفيها) مبذرا محجورا عليه لعدم حسن تصرفه في المال. (ضعيفا) عن الإملاء لصغر أو كبر. (وليه) القائم بأمره من والد أو وصي. (تضل) تنسى. (تسأموا) من السآمة وهي الملل. (أقسط) أعدل. (أقوم) أعون على إقامتها. (أدنى أن لا ترتابوا) أقرب إلى عدم الشك في قدر الحق أو أجله. (قوامين بالقسط) قائمين بالعدل. (شهداء لله) تشهدون بالحق إرضاء لله تعالى. (الهوى) الرغبة النفسية. (أن تعدلوا) كراهة أن تعدلوا فتميلوا عن الحق. (تلووا) تحرفوا وتتعمدوا الكذب. (تعرضوا) تمتنعوا عن أداء ما عندكم من الشهادة].
)))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين
***************************************
= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا [النساء: 144]}}.

تفسير القرطبي: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ُ}: فيه مسألتان:

الأولى: -قال ابن عباس: نهى الله المؤمنين أن يلاطفوا الكفار فيتخذوهم أولياء؛ ومثله {لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ} [آل عمران 118]. ومعنى {فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} أي فليس من حزب الله ولا من أوليائه في شيء.
الثانية: {إلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} كانت التقية في جدة الإسلام قبل قوة المسلمين؛ فأما اليوم فقد أعز الله الإسلام أن يتقوا من عدوهم. قال ابن عباس: هو أن يتكلم بلسانه وقلبه مطمئن بالإيمان، ولا يقتل ولا يأتي مأثما. وقال الحسن: التقية جائزة للإنسان إلى يوم القيامة، ولا تقية في القتل. وعن ابن عباس أن هذه الآية نزلت في عبادة بن الصامت الأنصاري وكان بدريا تقيا وكان له حلف من اليهود؛ فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب قال عبادة: يا نبي الله، إن معي خمسمائة رجل من اليهود، وقد رأيت أن يخرجوا معي فأستظهر بهم على العدو. فأنزل الله تعالى: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}.
تفسير الطبري: {لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}: وهذا نهي من الله عبادَه المؤمنين أن يتخلَّقوا بأخلاق المنافقين، الذين يتخذون الكافرين أولياءَ من دون المؤمنين، فيكونوا مثلهم في ركوب ما نهاهم عنه من موالاة أعدائه. ولا توالوا الكفَّار فتؤازروهم من دون أهل ملَّتكم ودينكم من المؤمنين، فتكونوا كمن أوجبت له النار من المنافقين.
تفسير الرازي: {يَأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الكافرين أَوْلِيَاء مِن دُونِ المؤمنين}:

الوجه الاول: لما ذم الله سبحانه وتعالي المنافقين بأنهم مرة إلى الكفرة ومرة إلى المسلمين من غير أن يستقروا مع أحد الفريقين نهى المسلمين في هذه الآية أن يفعلوا مثل فعلهم فقال: {يَأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الكافرين أَوْلِيَاء مِن دُونِ المؤمنين} والسبب فيه أن الأنصار بالمدينة كان لهم في بني قريظة رضاع وحلف ومودة، فقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: من نتولى؟ فقال: المهاجرين؟ فنزلت هذه الآية.
والوجه الثاني: ما قاله القفال رحمه الله: وهو أن هذا نهي للمؤمنين عن موالاة المنافقين يقول: قد بينت لكم أخلاق المنافقين ومذاهبهم فلا تتخذوا منهم أولياء.
ثم قال تعالى: {أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ للَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً}: فإن حملنا الآية الأولى على أنه تعالى نهى المؤمنين عن موالاة الكفار كان معنى الآية أتريدون أن تجعلوا لله سلطاناً مبيناً على كونكم منافقين، والمراد أتريدن أن تجعلوا لأهل دين الله وهم الرسول وأمته. وإن حملنا الآية الأولى على المنافقين كان المعنى: أتريدون أن تجعلوا لله عليكم في عقابكم حجة بسبب موالاتكم للمنافقين ثم قال تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا).

= {{{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة: 55]}}. - {{{وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة: 56]}}.
تفسير القرطبي: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا}: فيه مسألتان:

الأولى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} قال جابر بن عبدالله قال عبدالله بن سلام للنبي صلى الله عليه وسلم: إن قومنا من قريظة والنضير قد هجرونا وأقسموا ألا يجالسونا، ولا نستطيع مجالسة أصحابك لبعد المنازل، فنزلت هذه الآية، فقال: رضينا بالله وبرسوله وبالمؤمنين أولياء. {وَالَّذِينَ} عام في جميع المؤمنين. وقد سئل أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم عن معنى {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} هل هو علي بن أبي طالب؟ فقال: علي من المؤمنين؛ يذهب إلى أن هذا لجميع المؤمنين.
الثانية: وذلك أن سائلا سأل في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يعطه أحد شيئا، وكان علي في الصلاة في الركوع وفي يمينه خاتم، فأشار إلى السائل بيده حتى أخذه. وهذا يدل على أن العمل القليل لا يبطل الصلاة؛ فإن التصدق بالخاتم في الركوع عمل جاء به في الصلاة ولم تبطل به الصلاة. وقوله: {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} يدل على أن صدقة التطوع تسمى زكاة.؛ فإن عليا تصدق بخاتمه في الركوع، وهو نظير قوله تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} وقد انتظم الفرض والنفل، فصار اسم الزكاة شاملا للفرض والنفل، كاسم الصدقة وكاسم الصلاة ينتظم الأمرين.
{يُقِيمُونَ الصَّلاةَ} ومعنى يقيمون الصلاة يأتون بها في أوقاتها بجميع حقوقها، والمراد صلاة الفرض. ثم قال: {وَهُمْ رَاكِعُونَ} أي النفل. وقيل: أفرد الركوع بالذكر تشريفا. وقيل: المؤمنون وقت نزول الآية كانوا بين متمم للصلاة وبين راكع. {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} تضمنت جواز العمل اليسير في الصلاة؛ وذلك أن هذا خرج مخرج المدح، وأقل ما في باب المدح أن يكون مباحا.
)))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))

وقفة مع: أوفوا بالعقود أحلت لكم بهيمة الانعام
*********************************
= إني فتحت المصحف فخرجت سورة {المائدة} فنظرت فإذا هو قد نطق بالوفاء ونهى عن النكث، وحلل تحليلا عاما، ثم استثنى استثناء بعد استثناء، ثم أخبر عن قدرته وحكمته في سطرين، ولا يقدر أحد أن يأتي بهذا إلا في أجلاد
= فللمقترض أن يقضي خيرا من القرض في الصفة أو يزيد عليه في المقدار، أو يبيع منه داره إن كان قد شرط أن يبيعها منه، وللمقرض حق الاخذ دون كراهة.
= ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط كتاب الله أحق وشرط الله أوثق والولاء لمن أعتق

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ [المائدة: 1]}}.
تفسير القرطبي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}: فيه سبع مسائل:
الأولى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} كل ما في القرآن {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فهو مدني و {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} فهو مكي. وهذه الآية مما تلوح فصاحتها وكثرة معانيها على قلة ألفاظها لكل ذي بصيرة بالكلام؛ فإنها تضمنت خمسة أحكام: الأول: الأمر بالوفاء بالعقود؛ الثاني: تحليل بهيمة الأنعام؛ الثالث: استثناء ما يلي بعد ذلك؛ الرابع: استثناء حال الإحرام فيما يصاد؛ الخامس: ما تقتضيه الآية من إباحة الصيد لمن ليس بمحرم.

وحكى النقاش أن أصحاب الكندي قالوا له: أيها الحكيم أعمل لنا مثل هذا القرآن فقال: نعم! أعمل مثل بعضه؛ فأحتجب أياما كثيرة ثم خرج فقال: والله ما أقدر ولا يطيق هذا أحد؛ إني فتحت المصحف فخرجت سورة {المائدة} فنظرت فإذا هو قد نطق بالوفاء ونهى عن النكث، وحلل تحليلا عاما، ثم استثنى استثناء بعد استثناء، ثم أخبر عن قدرته وحكمته في سطرين، ولا يقدر أحد أن يأتي بهذا إلا في أجلاد.
القاموس المحيط: الجِلْدُ: المَسْكُ من كُلِّ حَيَوانٍ زالجمع: أجْلاَدٌ وجُلودٌ.
الثانية: {أَوْفُوا} قال الله تعالى: {وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ}، وقال تعالى: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى}.
{بِالْعُقُودِ} العقود الربوط، واحدها عقد؛ يقال: عقدت العهد والحبل، وعقدت العسل فهو يستعمل في المعاني والأجسام. فأمر الله سبحانه بالوفاء بالعقود؛ قال الحسن: يعني بذلك عقود الدين وهي ما عقده المرء على نفسه؛ من بيع وشراء وإجارة وكراء ومناكحة وطلاق ومزارعة ومصالحة وتمليك وتخيير وعتق وتدبير. وكذلك ما عقده على نفسه لله من الطاعات، كالحج والصيام والاعتكاف والقيام والنذر. وأما نذر المباح فلا يلزم بإجماع من الأمة. ولفظ المؤمنين يعم مؤمني أهل الكتاب؛ لأن بينهم وبين الله عقدا في أداء الأمانة فيما في كتابهم من أمر محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإنهم مأمورون بذلك.
{أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} معناه بما أحل وبما حرم وبما فرض وبما حد في جميع الأشياء. وأوفوا بعقد الله عليكم وبعقدكم بعضكم على بعض. وقال صلى الله عليه وسلم: "المؤمنون عند شروطهم" وقال: "كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط" فبين أن الشرط أو العقد الذي يجب الوفاء به ما وافق كتاب الله أي دين الله؛ فإن ظهر فيها ما يخالف رد؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد".

وقد اجتمعت قبائل من قريش في دار عبدالله بن جدعان - لشرفه ونسبه - فتعاقدوا وتعاهدوا على ألا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها أو غيرهم إلا قاموا معه حتى ترد عليه مظلمته؛ فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول، وهو الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: "لقد شهدت في دار عبدالله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم ولو أدعي به في الإسلام لأجبت". وهو المراد في قوله عليه السلام: "وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة" لأنه موافق للشرع إذ أمر بالانتصاف من الظالم؛ فأما ما كان من عهودهم الفاسدة وعقودهم الباطلة على الظلم والغارات فقد هدمه الإسلام.
الثالثة: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ} والبهيمة اسم لكل ذي أربع؛ سميت بذلك لإبهامها من جهة نقص نطقها وفهمها وعدم تمييزها وعقلها. و {الأَنْعَامِ}: الإبل والبقر والغنم، سميت بذلك للين مشيها؛ قال الله تعالى: {وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ} إلى قوله: {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ} وقال تعالى: {وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً} يعني كبارا وصغارا. {إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} ذكاة الذبيحة ذكاة لجنينها إذا لم يدرك حيا وكان قد نبت شعره وتم خلقه؛ فإن لم يتم خلقه ولم ينبت شعره لم يؤكل إلا أن يدرك حيا فيذكى.
الرابعة: {إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} أي يقرأ عليكم في القرآن والسنة من قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} وقوله عليه الصلاة والسلام: "وكل ذي ناب من السباع حرام".
فإن قيل: الذي يتلى علينا الكتاب ليس السنة؛ قلنا: كل سنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فهي من كتاب الله؛ والدليل عليه أمران: أحدهما: حديث العسيف "لأقضين بينكما بكتاب الله" والرجم ليس منصوصا في كتاب الله. الثاني: حديث ابن مسعود: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله.

الخامسة: {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ} أي ما كان صيدا فهو حلال في الإحلال دون الإحرام، وما لم يكن صيدا فهو حلال في الحالين.
السادسة: {وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} يعني الإحرام بالحج والعمرة. وسمي ذلك إحراما لما يحرمه من دخل فيه على نفسه من النساء والطيب وغيرهما. ويقال: أحرم دخل في الحرم؛ فيحرم صيد الحرم.
السابعة: {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} تقوية لهذه الأحكام الشرعية المخالفة لمعهود أحكام العرب؛ أي فأنت يا محمد السامع لنسخ تلك التي عهدت من أحكامهم تنبه، فإن الذي هو مالك الكل {يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} {لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} يشرع ما يشاء كما يشاء.

صحيح البخارى: وقال النبي صلى الله عليه و سلم (المسلمون عند شروطهم). [ش: (المسلمون. .) يوفي بعضهم بعضا ما اتفق عليه من الشروط إذا لم تكن متعارضة مع نص أو أصل شرعي].
ولم ير ابن سيرين وعطاء وإبراهيم والحسن بأجر السمسار بأسا
وقال ابن عباس لا بأس أن يقول بع هذا الثوب فما زاد على كذا وكذا فهو لك
وقال ابن سيرين إذا قال بعه بكذا فما كان من ربح فهو لك أو بيني وبينك فلا بأس به
سنن الدارقطني: عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: المسلمون عند شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما.
فتح الباري لابن حجر: (المسلمون عند شرطهم ما وافق الحق): فعن جابر أن النبي صلى الله عليه و سلم خطب أم مبشر بنت البراء بن معرور فقالت إني شرطت لزوجي أن لا أتزوج بعده فقال النبي صلى الله عليه و سلم أن هذا لا يصلح.

فقه السنة للسيد سابق: " المسلمون عند شروطهم ". ما يصح فيه القرض: يجوز قرض الثياب والحيوان، فقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم استلف بكرا. كما يجوز قرض ما كان مكيلا أو موزونا، أو ما كان من عروض التجارة. كما يجوز قرض الخبز والخمير، لحديث عائشة: " قلت يارسول الله، إن الجيران يستقرضون الخبز والخمير، ويردون زيادة ونقصانا، فقال: لا بأس. إنما ذلك من مرافق الناس، لا يراد به الفضل ". وعن معاذ أنه سئل عن اقتراض الخبز والخمير فقال: " سبحان الله، إنما هذا من مكارم الاخلاق، فخذ الكبير وأعط الصغير، وخذ الصغير وأعط الكبير، خيركم أحسنكم قضاء. سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول ذلك ". كل قرض جرنفعا فهو ربا: إن عقد القرض يقصد به الرفق بالناس ومعاونتهم على شئون العيش وتيسير وسائل الحياة. وليس هو وسيلة وسائل الكسب، ولا أسلوبا من أساليب الاستغلال. ولهذا لا يجوز أن يرد المقترض إلى المقرض إلا ما اقترضه منه أو مثله، تبعا للقاعدة الفقهية القائلة: كل قرض جر نفعا فهو ربا. والحرمة مقيدة هنا بما إذا كان نفع القرض مشروطا أو متعارفا عليه. فإن لم يكن مشروطا ولامتعارفا عليه، فللمقترض أن يقضي خيرا من القرض في الصفة أو يزيد عليه في المقدار، أو يبيع منه داره إن كان قد شرط أن يبيعها منه، وللمقرض حق الاخذ دون كراهة.
فعن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: استسلف رسول الله صلى الله عليه و سلم بكرا فجاءته إبل من الصدقة قال أبو رافع فأمرني رسول الله صلى الله عليه و سلم أن أقضي الرجل بكره فقلت لا أجد في الإبل إلا جملا خيارا رباعيا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أعطه إياه فإن خيرا الناس أحسنهم قضاء. (سنن الترمذي).

صحيح ابن ماجة: عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم أن بريرة أتتها وهي مكاتبة قد كاتبها أهلها على تسع أواق فقالت لها إن شاء أهلك عددت لهم عدة واحدة وكان الولاء لي قال فأتت أهلها فذكرت ذلك لهم فأبوا إلا أن تشترط الولاء لهم فذكرت عائشة ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم فقال افعلي قال فقام النبي صلى الله عليه و سلم فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط كتاب الله أحق وشرط الله أوثق والولاء لمن أعتق.
صحيح البخارى: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم (أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج).
{ش: (أحق الشروط) أولاها بالوفاء به. (ما استحللتم به الفروج) ما كان سببا في حل التمتع بها وهي الشروط المتفق عليها في عقد الزواج إذا كانت لا تخالف ما ثبت في الكتاب والسنة ولا تتعارض مع أصل شرعي}.
فتح الباري لابن حجر: (أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج). أي أحق الشروط بالوفاء شروط النكاح لأن أمره احوط وبابه اضيق وقال الخطابي الشروط في النكاح مختلفة فمنها ما يجب الوفاء به اتفاقا وهو ما أمر الله به من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.
ومنها ما لا يوفى به اتفاقا كسؤال طلاق أختها. ومنها ما اختلف فيه كاشتراط أن لا يتزوج عليها أو لا يتسرى أو لا ينقلها من منزلها إلى منزله.
والشروط في النكاح على ضربين منها ما يرجع إلى الصداق فيجب الوفاء به وما يكون خارجا عنه فيختلف الحكم فيه فمنه ما يتعلق بحق الزوج, ومنه ما يشترطه العاقد لنفسه خارجا عن الصداق وبعضهم يسميه الحلوان فقيل هو للمرأة مطلقا.

شرح النووي على مسلم: (إن أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج) وهذا محمول على شروط لا تنافي مقتضي النكاح بل تكون من مقتضياته ومقاصده كاشتراط العشرة بالمعروف والانفاق عليها وكسوتها وسكناها بالمعروف وأنه لا يقصر في شيء من حقوقها ويقسم لها كغيرها وأنها لا تخرج من بيته إلا بإذنه ولا تنشز عليه ولا تصوم تطوعا بغير إذنه ولا تأذن في بيته إلا بإذنه ولا تتصرف في متاعه إلا برضاه ونحو ذلك وأما شرط يخالف مقتضاه كشرط أن لا يقسم لها ولا يتسرى عليها ولا ينفق عليها ولا يسافر بها ونحو ذلك فلا يجب الوفاء به بل يلغي الشرط ويصح النكاح بمهر المثل.
)))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام
********************************
= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة: 2]}}.
تفسير القرطبي: {لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ}: فيه ثلاث عشرة مسألة:

الأولى: {لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ} أي لا تتعدوا حدود الله في أمر من الأمور. والشعائر جمع شعيرة. والشعيرة البدنة تهدى، وإشعارها أن يجز سنامها حتى يسيل منه الدم فيعلم أنها هدي. فالشعائر على قول ما أشعر من الحيوانات لتهدى إلى بيت الله، وعلى قول جميع مناسك الحج: الصفا والمروة والهدي والبدن كل ذلك من الشعائر. وكان المشركون يحجون ويعتمرون ويهدون فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم؛ فأنزل الله تعالى: {لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ}. وشعائر الله جميع ما أمر الله به ونهى عنه. وقال الحسن: دين الله كله؛ كقوله: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} أي دين الله.
قاموس القران الوجوه والنظائر: لا تحلوا شعائر الله " يريد لا تستحلوا ترك المناسك.
ان الصفا والمروة من شعائر الله " أي مناسك الله.
الثانية: واختلف العلماء في إشعار الهدي: فأجازه الجمهور؛ ثم اختلفوا في أي جهة يشعر. وثبت عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أشعر ناقته في صفحة سنامها الأيمن. وروي أنه أشعر بدنه من الجانب الأيسر.
الثالثة: {وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ} والأشهر الحرم وهي أربعة: واحد فرد وثلاثة سرد: أن النبي صلى اللّه عليه وسلم خطب في حجته قال: "إنَّ الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللّه السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعةٌ حرمٌ: ثلاثٌ متوالياتٌ ذو القعدة، وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان". (سنن ابي داود). والمعنى: لا تستحلوها للقتال ولا للغارة ولا تبدلوها؛ فإن استبدالها استحلال.
الرابعة: {وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ} الهدي ما أهدي إلى بيت الله تعالى من ناقة أو بقرة أو شاة؛ الواحدة هدية وهدية وهدي. وقوله عليه الصلاة والسلام: "المبكر إلى الجمعة كالمهدي بدنة" إلى أن قال: "كالمهدي بيضة" فسماها هديا.

{وَالْقَلائِدَ} القلائد هي كل ما علق على أسنمة الهدايا وأعناقها علامة أنه لله سبحانه؛ من نعل أو غيره، وهي سنة إبراهيمية بقيت في الجاهلية وأقرها الإسلام، وهي سنة البقر والغنم. قالت عائشة رضي الله عنها: أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة إلى البيت غنما فقلدها.
الخامسة: واتفقوا فيمن قلد بدنة على نية الإحرام وساقها أنه يصير محرما؛ قال الله تعالى: {لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ}.
السادسة: فإن بعث بالهدي ولم يسق بنفسه لم يكن محرما؛ لحديث عائشة قالت: أنا فتلت قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي؛ ثم قلدها بيديه، ثم بعث بها مع أبي فلم يحرم على رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء أحله الله له حتى نحر الهدي.
السابعة: ولا يجوز بيع الهدي ولا هبته إذا قلد أو أشعر؛ لأنه قد وجب.
الثامنة: {وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} يعني القاصدين له. والمعنى: لا تمنعوا الكفار القاصدين البيت الحرام على جهة التعبد والقربة؛ وعليه فقيل: ما في هذه الآيات من نهي عن مشرك، أو مراعاة حرمة له بقلادة، أو أم البيت فهو كله منسوخ بآية السيف في قوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} وقوله: {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} فلا يمكن المشرك من الحج.
التاسعة: {لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ} يوجب إتمام أمور المناسك؛ ولهذا قال العلماء: إن الرجل إذا دخل في الحج ثم أفسده فعليه أن يأتي بجميع أفعال الحج، ولا يجوز أن يترك شيئا منها وإن فسد حجه؛ ثم عليه القضاء في السنة الثانية.
{وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ} منسوخ بقوله: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} وقوله: {وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ} محكم لم ينسخ؛ فكل من قلد الهدي ونوى الإحرام صار محرما لا يجوز له أن يحل بدليل هذه الآية؛ فهذه الأحكام معطوف بعضها على بعض؛ بعضها منسوخ وبعضها غير منسوخ.

العاشرة: {يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَاناً} معناه يبتغون الفضل والأرباح في التجارة، ويبتغون مع ذلك رضوانه في ظنهم وطمعهم. وهذه الآية نزلت عام الفتح فنسخ الله ذلك كله بعد عام سنة تسع.
الحادية عشرة: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} أمر إباحة ورفع ما كان محظورا بالإحرام.
الثانية عشرة: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} أي لا يحملنكم وأي لا يكسبنكم بغض قوم أن تعتدوا الحق إلى الباطل، والعدل إلى الظلم، قال عليه السلام: "أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك". ونظير هذه الآية {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}.
الثالثة عشرة: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} وهو أمر لجميع الخلق بالتعاون على البر والتقوى؛ أي ليعن بعضكم بعضا، وتحاثوا على ما أمر الله تعالى وأعملوا به، وانتهوا عما نهى الله عنه وامتنعوا منه؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الدال على الخير كفاعله".
فعن أنس بن مالك: قال أتى النبي صلى الله عليه و سلم رجل يستحمله فلم يجد عنده ما يتحمله فدله على آخر فحمله فأتى النبي صلى الله عليه و سلم فأخبره فقال الدال على الخير كفاعله (سنن الترمذي).
)))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء
******************************
= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة: 51]}}.
تفسير القرطبي: (لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ): فيه مسألتان:

الأولى: {لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ} وهذا يدل على قطع الموالاة شرعا. وقيل: المراد به المنافقون؛ المعنى يا أيها الذين آمنوا بظاهرهم، وكانوا يوالون المشركين ويخبرونهم بأسرار المسلمين. وقيل: نزلت في أبي لبابة. قال السدي: نزلت في قصة يوم أحد حين خاف المسلمون حتى هم قوم منهم أن يوالوا اليهود والنصارى. وقيل: نزلت في عبادة بن الصامت وعبدالله بن أبي بن سلول؛ فتبرأ عبادة رضي الله عنه من موالاة اليهود، وتمسك بها ابن أبي وقال: إني أخاف أن تدور الدوائر.
{بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} وهو بدل على إثبات الشرع الموالاة فيما بينهم حتى يتوارث اليهود والنصارى بعضهم من بعض.
الثانية: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ} أي يعضدهم على المسلمين {فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} بين تعالى أن حكمه كحكمهم؛ وهو يمنع إثبات الميراث للمسلم من المرتد، وكان الذي تولاهم ابن أبي ثم هذا الحكم باق إلى يوم القيامة في قطع المولاة؛ وقد قال تعالى: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} وقال تعالى في {آل عمران}: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} وقال تعالى: {لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ}. وقيل: إن معنى {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} أي في النصر {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} أي أنه قد خالف الله تعالى ورسوله كما خالفوا، ووجبت معاداته كما وجبت معاداتهم، ووجبت له النار كما وجبت لهم؛ فصار منهم أي من أصحابهم.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ [المائدة: 57]

تفسير القرطبي: {لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً}: روي عن ابن عباس رضي الله عنه أن قوما من اليهود والمشركين ضحكوا من المسلمين وقت سجودهم فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً}. {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} فنهاهم الله أن يتخذوا اليهود والمشركين أولياء، وأعلمهم أن الفريقين اتخذوا دين المؤمنين هزوا ولعبا.
{وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً} معناه لا تتخذوا أحكام الله تعالى في طريق الهزو بالهزو فإنها جد كلها، فمن هزل فيها لزمته. قال أبو الدرداء: كان الرجل يطلق في الجاهلية ويقول: إنما طلقت وأنا لاعب، وكان يعتق وينكح ويقول: كنت لاعبا، فنزلت هذه الآية، فقال عليه السلام: "من طلق أو حرر أو نكح أو أنكح فزعم أنه لاعب فهو جد".
{وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً}: لأنه يقال لمن سخر من آيات الله: اتخذها هزوا. ويقال ذلك لمن كفر بها، ويقال ذلك لمن طرحها ولم يأخذ بها وعمل بغيرها، فعلى هذا تدخل هذه الأقوال في الآية. وآيات الله: دلائله وأمره ونهيه.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ [التوبة: 23]
وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ [النحل: 51]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ [الممتحنة: 1]
لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران: 28]
)))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم

****************************************
= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [المائدة: 54]}}.
تفسير القرطبي: (مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ): فيه أربع مسائل:
الأولى: {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ} شرط وجوابه {فَسَوْفَ}. وقراءة أهل المدينة والشام {مَنْ يَرْتَدِدْ} بدالين. الباقون {مَنْ يَرْتَدَّ}. وهذا من إعجاز القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم: إذ أخبر عن ارتدادهم ولم يكن ذلك في عهده وكان ذلك غيبا، فكان على ما أخبر بعد مدة، وأهل الردة كانوا بعد موته صلى الله عليه وسلم. قال ابن إسحاق: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب إلا ثلاثة مسجد المدينة، ومسجد مكة، ومسجد جؤاثى، وكانوا في ردتهم على قسمين: قسم نبذ الشريعة كلها وخرج عنها، وقسم نبذ وجوب الزكاة واعترف بوجوب غيرها؛ قالوا نصوم ونصلي ولا نزكي؛ فقاتل الصديق جميعهم؛ وبعث خالد بن الوليد إليهم بالجيوش فقاتلهم وسباهم؛ على ما هو مشهور من أخبارهم.

الثانية: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} نزلت في أبي بكر الصديق وأصحابه. وقال السدي: نزلت في الأنصار. وقيل: هي إشارة إلى قوم لم يكونوا موجودين في ذلك الوقت، وأن أبا بكر قاتل أهل الردة بقوم لم يكونوا وقت نزول الآية؛ وهم أحياء من اليمن من كندة وبجيلة، ومن أشجع. وقيل: إنها نزلت في الأشعريين؛ ففي الخبر أنها لما نزلت قدم بعد ذلك بيسير سفائن الأشعريين، وقبائل اليمن من طريق البحر، فكان لهم بلاء في الإسلام في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت عامة فتوح العراق في زمن عمر رضي الله عنه على يدي قبائل اليمن. وأن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى أبي موسى الأشعري لما نزلت هذه الآية فقال: "هم قوم هذا".
الثالثة: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} {أَذِلَّةٍ} نعت لقوم، وكذلك {أَعِزَّةٍ} أي يرأفون بالمؤمنين ويرحمونهم ويلينون لهم.
الرابعة: {يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} و {وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} بخلاف المنافقين يخافون الدوائر؛ فدل بهذا على تثبيت إمامة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم؛ لأنهم جاهدوا في الله عز وجل في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقاتلوا المرتدين بعده، ومعلوم أن من كانت فيه هذه الصفات فهو ولي
لله تعالى. وقيل: الآية عامة في كل من يجاهد الكفار إلى قيام الساعة .. {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} ابتداء وخبر {وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} أي واسع الفضل، عليم بمصالح خلقه.

= {{وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة: 217]}}.

تفسير القرطبي: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} فمن ارتد لم تنفعه طاعاته السابقة ولكن إحباط الردة العمل مشروط بالوفاة على الكفر. ولهذا قلنا: من حج ثم ارتد ثم عاد إلى الإسلام لا يجب عليه إعادة الحج. قلت: هذا مذهب الشافعي. وعند مالك تجب عليه الإعادة

صحيح البخارى: سأل معاذ أبا موسى عن رجل موثق فقال ما هذا؟ فقال أبو موسى يهودي أسلم ثم ارتد فقال معاذ لأضربن عنقه.
صحيح ابن حبان: عن ابن عباس قال: كان رجل من الأنصار أسلم ثم ارتد فلحق بالشرك ثم ندم فأرسل إلى قومه: أن سلوا رسول الله صلى الله عليه و سلم: هل لي من توبة؟ قال: فنزلت {كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات} إلى قوله {إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم} فأرسل إليه قومه فأسلم.
سنن النسائي الكبرى: عن بن عمر أن عثمان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث رجل زنى بعد إحصانه فعليه الرجم أو قتل عمدا فعليه القود أو ارتد بعد إسلامه فعليه القتل.
شرح النووي على مسلم: أن اهل الردة كانوا اصنافا منهم من ارتد عن الملة ودعا إلى نبوة مسيلمة وغيره ومنهم من ترك الصلاة والزكاة وانكر الشرائع كلها وهؤلاء هم الذين سماهم الصحابة كفارا ولذلك رأى ابو بكر رضى الله عنه سبى ذراريهم وساعده على ذلك أكثر الصحابة.
و (جاءه رجل فقال بن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال اقتلوه) قال العلماء انما قتله لأنه كان قد ارتد عن الاسلام.

وقال صلى الله عليه و سلم (لا يقتل قرشي صبرا بعد هذا اليوم إلى يوم القيامة) قال العلماء معناه الاعلام بأن قريشا يسلمون كلهم ولا يرتد أحد منهم كما ارتد غيرهم بعده صلى الله عليه و سلم ممن حورب وقتل صبرا وليس المراد أنهم لا يقتلون ظلما صبرا فقد جرى على قريش بعد ذلك ما هو معلوم والله أعلم قوله (ولم يكن أسلم من عصاة قريش غير مطيع كان اسمه العاصي فسماه النبي صلى الله عليه و سلم مطيعا).
)))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: لا تحرموا طيبات ما احل الله لكم
*****************************
= ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فليس له وإن اشترط مائة مرة
= لكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني
= لا تشددوا فتحرموا حلالا، ولا تترخصوا فتحلوا حراما
= أن علمه بالله مستند إلى عين اليقين
= زاد المعاد لابن القيم (هَلْ رَأيْتَ رَبَّكَ؟)

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [المائدة: 87]}}.
تفسير القرطبي: {لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ} فيه خمس مسائل:
الأولى: الآية نزلت بسبب رجل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني إذا أصبت من اللحم انتشرت وأخذتني شهوتي فحرمت اللحم؛ فأنزل الله هذه الآية. وقيل: إنها نزلت بسبب جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمعوا في دار عثمان بن مظعون، واتفقوا على أن يصوموا النهار ويقوموا الليل ولا يناموا على الفرش، ولا يأكلوا اللحم ولا الودك ولا يقربوا النساء والطيب، ويلبسوا المسوح ويرفضوا الدنيا ويسيحوا في الأرض، ويترهبوا ويجبوا المذاكير؛ فأنزل الله تعالى هذه الآية.

الثانية: أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر؛ فقال بعضهم: لا أتزوج النساء؛ وقال بعضهم: لا آكل اللحم؛ وقال بعضهم: لا أنام على الفراش؛ فحمد الله وأثنى عليه فقال: "وما بال أقوام قالوا كذا وكذا لكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني".
وأراد عثمان بن مظعون أن يتبتل فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم ولو أجاز له ذلك لاختصينا. وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية من سراياه؛ قال: فمر رجل بغار فيه شيء من الماء فحدث نفسه بأن يقيم في ذلك الغار فيقوته ما كان فيه من ماء، ويصيب ما حوله من البقل، ويتخلى عن الدنيا؛ قال: لو أني أتيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك، فإن أذن لي فعلت وإلا لم أفعل؛ فأتاه فقال: يا نبي الله إني مررت بغار فيه ما يقوتني من الماء والبقل، فحدثتني نفسي بأن أقيم فيه وأتخلى عن الدنيا؛ قال: فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "إني لم أبعث باليهودية ولا النصرانية ولكني بعثت بالحنيفية السمحة والذي نفس محمد بيده لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها ولمقام أحدكم في الصف خير من صلاته ستين سنة".

الثالثة: هذه الآية وما شابهها رد على غلاة المتزهدين، وعلى أهل البطالة من المتصوفين؛ إذ كل فريق منهم قد عدل عن طريقه، وحاد عن تحقيقه؛ قال الطبري: لا يجوز لأحد من المسلمين تحريم شيء مما أحل الله لعباده المؤمنين على نفسه من طيبات المطاعم والملابس والمناكح إذا خاف على نفسه بإحلال ذلك بها بعض العنت والمشقة؛ ولذلك رد النبي صلى الله عليه وسلم التبتل على ابن مظعون فثبت أنه لا فضل في ترك شيء مما أحله الله لعباده، وأن الفضل والبر إنما هو في فعل ما ندب عباده إليه، وعمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسنة أمته، واتبعه على منهاجه الأئمة الراشدون، إذ كان خير الهدي هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
وبكذلك تبين خطأ من آثر لباس الشعر والصوف على لباس القطن والكتان إذا قدر على لباس ذلك من حله، وآثر أكل الخشن من الطعام وترك اللحم وغيره حذرا من عارض الحاجة إلى النساء. وقد جاء رجل إلى الحسن البصري؛ فقال: إن لي جارا لا يأكل الفالوذج فقال: ولم؟ قال: يقول لا يؤدي شكره؛ فقال الحسن: أفيشرب الماء البارد؟ فقال: نعم. فقال: إن جارك جاهل، فإن نعمة الله عليه في الماء البارد أكثر من نعمته عليه في الفالوذج.
إنما نهى صلى الله عليه وسلم عن التبتل والترهب من أجل أنه مكاثر بأمته الأمم يوم القيامة، وأنه في الدنيا مقاتل بهم طوائف الكفار، وفي آخر الزمان يقاتلون الدجال؛ فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكثر النسل.
فتح الباري لابن حجر: التبتل هو ترك النكاح والبتول المنقطعة عن الزوج. والمراد بالتبتل هنا الانقطاع عن النكاح وما يتبعه من الملاذ إلى العبادة وأما المأمور به في قوله تعالى وتبتل إليه تبتيلا فقد فسره مجاهد فقال اخلص له اخلاصا.

شرح النووي على مسلم: قال العلماء التبتل هو الانقطاع عن النساء وترك النكاح انقطاعا إلى عبادة الله وأصل التبتل القطع ومنه مريم البتول وفاطمة البتول لانقطاعهما عن نساء زمانهما دينا وفضلا ورغبة فى الآخرة.
الرابعة: {وَلا تَعْتَدُوا} قيل: المعنى لا تعتدوا فتحلوا ما حرم الله فالنهيان على هذا تضمنا الطرفين؛ أي لا تشددوا فتحرموا حلالا، ولا تترخصوا فتحلوا حراما.
الخامسة: من حرم على نفسه طعاما أو شرابا أو أمة له، أو شيئا مما أحل الله فلا شيء عليه، ولا كفارة في شيء من ذلك عند مالك.

صحيح مسلم: عن أنس أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر؟ فقال بعضهم: لا أتزوج النساء. وقال بعضهم لا آكل اللحم. وقال بعضهم: لا أنام على فراش. فحمد الله وأئنى عليه فقال: "ما بال أقوام قالوا كذا وكذا؟ لكني أصلي وأنام. وأصوم وأفطر. وأتزوج النساء. فمن رغب عن سنتي فليس مني".
صحيح البخارى: أتت بريرة تسألها في متابها فقالت 'ن شئت أعطيت أهلك ويكون الولاء لي وقال أهلها إن شئت أعطيتها ما بقي - وقال سفيان مرة إن شئت أعتقتها - ويكون الولاء لنا. فلما جاء رسول الله صلى الله عليه و سلم ذكرته ذلك فقال (ابتاعيها فأعتقيها فإن الولاء لمن أعتق). ثم قام رسول الله صلى الله عليه و سلم على المنبر - وقال سفيان مرة فصعد رسول الله صلى الله عليه و سلم على المنبر - فقال (ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فليس له وإن اشترط مائة مرة) [ش (تسألها في كتابها) تستعين بها على أداء ما كاتبت عليه مالكها والكتابة أن يتعاقد العبد مع سيده على قدر من المال إذا أداه أصبح حرا. (أعطيت أهلك) دفعت لمواليك ما لهم عليك من مال. (الولاء) التناصر والإرث. (ما بال أقوام) ما شأنهم ولم يفعلون ذلك. (ليس في كتاب الله) لا يوافق شرع الله تعالى وحكمه من كتاب أو سنة].

وعن مسروق قالت عائشة: صنع النبي صلى الله عليه و سلم شيئا فرخص فيه فتنزه عنه قوم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه و سلم فخطب فحمد الله ثم قال (ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه فوالله إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية).
فتح الباري لابن رجب: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمرهم أمرهم من الأعمال بما يطيقون قالوا: إنا لسنا كهيئتك يا رسول الله، إن الله قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فيغضب حتى يعرف الغضب في وجهه ثم يقول: " إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا ". فكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه بما يطيقون من الأعمال، وكانوا لشدة حرصهم على الطاعات يريدون الاجتهاد في العمل، فربما اعتذروا عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالرفق واستعماله له في نفسه أنه غير محتاج إلى العمل بضمان المغفرة له وهم غير مضمون لهم المغفرة، فهم يحتاجون إلى الاجتهاد ما لا يحتاج هو إلى ذلك، فكان صلى الله عليه وسلم يغضب من ذلك ويخبرهم أنه أتقاهم وأعلمهم به. فكونه أتقاهم لله يتضمن شدة اجتهاده في خصال التقوى وهو العمل، وكونه أعلمهم به يتضمن أن علمه بالله أفضل من علمهم بالله وإنما زاد علمه بالله لمعنيين:
أحدهما: زيادة معرفته بتفاصيل أسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه وعظمته وكبريائه وما يستحقه من الجلال والإكرام والإعظام.
والثاني: أن علمه بالله مستند إلى عين اليقين، فإنه رآه إما بعين بصره أو بعين بصيرته، كما قال ابن مسعود وابن عباس: رآه بفؤاده مرتين. ولهذا سأل إبراهيم عليه السلام ربه أن يرقيه من مرتبة علم اليقين إلى مرتبة عين اليقين بالنسبة إلى رؤية إحياء الموتى.

فلما زادت معرفة الرسول بربه زادت خشيته له وتقواه، فإن العلم التام يستلزم الخشية كما قال تعالى {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [فاطر: 28] فمن كان بالله وبأسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه أعلم كان له أخشى وأتقى. وإنما تنقص الخشية والتقوى بحسب نقص المعرفة بالله.
صحيح مسلم: عن ابن عباس؛ قال: {ما كذب الفؤاد ما رأى} [53/النجم/ الآية-11]، {ولقد رآه نزلة أخرى} [53/النجم/ الآية-13] قال: رآه بفؤاده مرتين.
زاد المعاد لابن القيم (هَلْ رَأيْتَ رَبَّكَ؟):
*******************************
واختلف الصحابةُ: هل رأى ربَّهُ تلك الليلةَ، أم لا؟ فصحَّ عن ابن عَبَّاس أنه رأى ربَّهُ، وصحَّ عنه أنه قال: "رَآهُ بِفُؤَادِهِ". وصحَّ عَنْ عَائِشَةَ وابْن مًَسْعُودٍ إِنْكَارُ ذلِكَ، وقَالاَ: إِنَّ قَوْلَه: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى} [النجم: 13 - 14] إِنَّمَا هُوَ جِبْريلُ.
وَصَحَّ عَنْ أبى ذَرَّ أَنَّه سَأَلَهُ: هَلْ رَأيْتَ رَبَّكَ؟ فقالَ: "نُورُ أَنَّى أرَاهُ" أى: حال بينى وبين رؤيته النور، كما قال فى لفظ آخر: "رَأَيْتُ نُورَاً". وقد حكى عثمانُ بن سعيد الدَّارمى اتفاقَ الصَّحَابة على أنه لم يره.

قال شيخُ الإسلام ابنُ تيمية قدَّس الله روحَه: وليس قولُ ابن عباس: "إنه رآه" مناقِضاً لهذا، ولا قولُه: "رآهُ بفُؤاده" وقد صحَّ عنه أنه قال: "رأيتُ ربِّى تَبَارَكَ وتَعَالَى ولكن لم يكن هذا فى الإسراء، ولكن كان فى المدينة لما احتُبِسَ عنهم فى صلاة الصبح، ثم أخبرهم عن رؤيةِ رَبِّه تبارك وتعالى تِلْكَ اللَّيْلَةَ فى منامه. وعلى هذا بنى الإمامُ أحمد رحمه الله تعالى، وقال: "نعم رآه حقاً، فإنَّ رؤيا الأنبياء حق، ولا بُدَّ"، ولكن لم يَقُلْ أحمد رحمه الله تعالى: إنَّه رآهُ بِعَيْنَىْ رأسِهِ يقظةً. ولكن قال مرّة: "رآه"، ومرَّة قال: "رآه بفؤاده"، فَحُكِيَتْ عنه رِوايتان، وحُكِيَت عنه الثالثة مِن تصُّرفِ بعض أصحابه: أنه رآه بعينى رأسه، وهذه نصوصُ أحمد موجودة، ليس فيها ذلك.
وأمَّا قولُ ابنِ عباس: "إنَّه رآهُ بفُؤادِهِ مرتين"، فإن كان استنادُه إلى قوله تعالى: {مَا كَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم: 11]، ثم قال: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم: 13] والظاهر أنه مستندُه، فقد صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أن هذا المرئى جبريلُ، رآهُ مرَّتَيْنِ فى صُورته التى خُلِقَ عَلَيْهَا.
)))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس
**************************************
= فأول ما نزل في أمر الخمر {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} ثم بعده: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43] ثم قوله: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 91].

= والميسر مأخوذ من اليسر، وهو وجوب الشيء لصاحبه، يقال: يسر لي كذا إذا وجب فهو ييسر يسرا وميسرا.
= إثم الخمر ما يصدر عن الشارب من المخاصمة والمشاتمة وقول الفحش والزور، وزوال العقل الذي يعرف به ما يجب لخالقه
= قال: زيدوني، فلم يرم حتى وقع عليها، وقتل النفس، فاجتنبوا الخمر، فإنها والله لا يجتمع الإيمان وإدمان الخمر، إلا ليوشك أن يخرج أحدهما صاحبه.
= قد كنت أشربها إذ يقام علي الحد وأطهر منها، وأما إذ بهرجتني فوالله لا أشربها أبدا.
= العبرة في تحريم الخمر علي مراحل

= {{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ [البقرة: 219]}}.
= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ [النساء: 43]}}.
= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة: 90]}}.
تفسير القرطبي: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} فيه تسع مسائل:

{يَسْأَلونَكَ} السائلون هم المؤمنون. والخمر مأخوذة من خمر إذا ستر، ومنه خمار المرأة. وكل شيء غطى شيئا فقد خمره، ومنه " خمروا آنيتكم" فالخمر تخمر العقل، أي تغطيه وتستره، ومن ذلك الشجر الملتف يقال له: الخمر " لأنه يغطي ما تحته ويستره، يقال منه: أخمرت الأرض كثر خمرها. ومنه قولهم: دخل في غمار الناس وخمارهم، أي هو في مكان خاف. فلما كانت الخمر تستر العقل وتغطيه سميت بذلك وقيل: إنما سميت الخمر خمرا لأنها تركت حتى أدركت كما يقال: قد اختمر العجين، أي بلغ إدراكه. وخمر الرأي، أي ترك حتى يتبين فيه الوجه. وقيل: إنما سميت الخمر خمرا لأنها تخالط العقل، من المخامرة وهي المخالطة، ومنه قولهم: دخلت في خمار الناس، أي اختلطت بهم. فالمعاني الثلاثة متقاربة، فالخمر تركت وخمرت حتى أدركت، ثم خالطت العقل، ثم خمرته، والأصل الستر. والخمر: ماء العنب الذي غلى أو طبخ، وما خامر العقل من غيره فهو في حكمه، لأن إجماع العلماء أن القمار كله حرام. وإنما ذكر الميسر من بينه فجعل كله قياسا على الميسر، والميسر إنما كان قمارا في الجزر خاصة، فكذلك كل ما كان كالخمر فهو بمنزلتها.
الثانية: والجمهور من الأمة على أن ما أسكر كثيره من غير خمر العنب فمحرم قليله وكثيره، والحد في ذلك واجب.
الثالثة: إن الله تعالى لم يدع شيئا من الكرامة والبر إلا أعطاه هذه الأمة، ومن كرامته وإحسانه أنه لم يوجب عليهم الشرائع دفعة واحدة، ولكن أوجب عليهم مرة بعد مرة، فكذلك تحريم الخمر.
فأول ما نزل في أمر الخمر {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} ثم بعده: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43] ثم قوله: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 91].

الرابعة: {وَالْمَيْسِرُ} الميسر: قمار العرب بالأزلام. قال ابن عباس: "كان الرجل في الجاهلية يخاطر الرجل على أهله وماله فأيهما قمر صاحبه ذهب بماله وأهله" فنزلت الآية. وعن ابن عباس: "كل شيء فيه قمار من نرد وشطرنج فهو الميسر، حتى لعب الصبيان بالجوز والكعاب، إلا ما أبيح من الرهان في الخيل والقرعة في إفراز الحقوق". وقال مالك: الميسر ميسران: ميسر اللهو، وميسر القمار، فمن ميسر اللهو النرد والشطرنج والملاهي كلها. وميسر القمار: ما يتخاطر الناس عليه. قال علي بن أبي طالب: الشطرنج ميسر العجم. وكل ما قومر به فهو ميسر. والميسر مأخوذ من اليسر، وهو وجوب الشيء لصاحبه، يقال: يسر لي كذا إذا وجب فهو ييسر يسرا وميسرا.
الخامسة: كان من ميسر أهل الجاهلية بيع اللحم بالشاة والشاتين وهو من باب المزابنة والغرر والقمار، لأنه لا يدرى هل في الحيوان مثل اللحم الذي أعطى أو أقل أو أكثر.
وروي عن ابن عباس "أن جزورا نحرت على عهد أبي بكر الصديق فقسمت على عشرة أجزاء، فقال رجل: أعطوني جزءا منها بشاة، فقال أبو بكر: لا يصلح هذا".
السادسة: {قُلْ فِيهِمَا} يعني الخمر والميسر {إِثْمٌ كَبِيرٌ} إثم الخمر ما يصدر عن الشارب من المخاصمة والمشاتمة وقول الفحش والزور، وزوال العقل الذي يعرف به ما يجب لخالقه، وتعطيل الصلوات والتعوق عن ذكر الله. وعن عثمان رضي الله عنه قال: اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث.

فإنه كان رجل ممن كان قبلكم تعبد فعلقته امرأة غوية، فأرسلت إليه جاريتها فقالت له: إنا ندعوك للشهادة، فانطلق مع جاريتها فطفقت كلما دخل بابا أغلقته دونه، حتى أفضى إلى امرأة وضيئة عندها غلام وباطية خمر، فقالت: إني والله ما دعوتك للشهادة، ولكن دعوتك لتقع علي، أو تشرب من هذه الخمر كأسا، أو تقتل هذا الغلام. قال: فاسقيني من هذه الخمر كأسا، فسقته كأسا. قال: زيدوني، فلم يرم حتى وقع عليها، وقتل النفس، فاجتنبوا الخمر، فإنها والله لا يجتمع الإيمان وإدمان الخمر، إلا ليوشك أن يخرج أحدهما صاحبه.
وروي أن الأعشى لما توجه إلى المدينة ليسلم فلقيه بعض المشركين في الطريق فقالوا له: أين تذهب؟ فأخبرهم بأنه يريد محمدا صلى الله عليه وسلم، فقالوا: لا تصل إليه، فإنه يأمرك بالصلاة، فقال: إن خدمة الرب واجبة. فقالوا: إنه يأمرك بإعطاء المال إلى الفقراء. فقال: اصطناع المعروف واجب. فقيل له: إنه ينهى عن الزنى. فقال: هو فحش وقبيح في العقل، وقد صرت شيخا فلا أحتاج إليه. فقيل له: إنه ينهى عن شرب الخمر. فقال: أما هذا فإني لا أصبر عليه! فرجع، وقال: أشرب الخمر سنة ثم أرجع إليه، فلم يصل إلى منزله حتى سقط عن البعير فانكسرت عنقه فمات.
وشرب أبو محجن فجلده عمر الحد عليها مرارا، ونفاه إلى جزيرة في البحر، فلحق بسعد فكتب إليه عمر أن يحبسه فحبسه، وكان أحد الشجعان البهم، فلما كان من أمره في حرب القادسية ما هو معروف حل قيوده وقال لا نجلدك على الخمر أبدا. قال أبو محجن: وأنا والله لا أشربها أبدا، فلم يشربها بعد ذلك. وفي رواية: قد كنت أشربها إذ يقام علي الحد وأطهر منها، وأما إذ بهرجتني فوالله لا أشربها أبدا.
السابعة: {وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} أما في الخمر فربح التجارة، فإنهم كانوا يجلبونها من الشام برخص فيبيعونها في الحجاز بربح، وكانوا لا يرون المماسكة فيها، فيشتري طالب الخمر الخمر بالثمن الغالي.

الثامنة: {وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} أعلم الله جل وعز أن الإثم أكبر من النفع، وأعود بالضرر في الآخرة، فالإثم الكبير بعد التحريم، والمنافع قبل التحريم.
التاسعة: حرمت الخمر بهذه الآية {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 91].

الاستذكار لابن عبد البر: ونزلت سورة المائدة بالمدينة وهي من آخر ما نزل وفيها تحريم الخمر المجتمع على تحريمها. وعن النبي صلى الله عليه و سلم أن كل مسكر خمر وكل ما أسكر فهو حرام وأن تحريم الخمر نزل بالمدينة وخمرهم كانت يومئذ كانت من التمر وفهموا ذلك فأهرقوها.
وقال بن عباس أهدى رجل لرسول الله صلى الله عليه و سلم راوية خمر فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم أما علمت أن الله حرمها قال لا فساره رجل إلى جنبه فقال له صلى الله عليه و سلم بم ساررته فقال أمرته أن يبيعها فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الذي حرم شربها حرم بيعها ففتح الرجل المزادتين حتى ذهب ما فيهما. وهذا دليل على أن الخمر لا يجوز لأحد تخليلها ولو جاز لمسلم تخليلها ما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يدع الرجل يفتح من أذنيه حتى يذهب ما فيها منها لأن الخل مال وقد نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن إضاعة المال. وعن أبي سعيد الخدري قال كان عندي خمر لأيتام فلما نزل تحريم الخمر أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن نهرقها. نيل الاوطار للشوكاني: عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن عن علي رضي الله عنه دعانا رجل من الأنصار قبل تحريم الخمر فحضرت صلاة المغرب فتقدم رجل فقرأ يا أيها الكافرون فالبس عليه فنزلت لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى.

صحيح البخارى: عن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أنه قال: أصبت شارفا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في مغنم يوم بدر قال وأعطاني رسول الله صلى الله عليه و سلم شارفا أخرى فأنختهما يوما عند باب رجل من الأنصار وأنا أريد أن أحمل عليهما إذخرا لأبيعه ومعي صائغ من بني قينقاع فأستعين به على وليمة فاطمة وحمزة بن عبد المطلب يشرب في ذلك البيت معه قينة فقالت ألا يا حمز للشرف النواء. فثار إليهما حمزة بالسيف فجب أسنمتهما وبقر خواصرهما ثم أخذ من أكبادهما. قلت لابن شهاب ومن السنام؟ قال قد جب أسنمتهما فذهب بها. قال ابن شهاب قال علي رضي الله عنه فنظرت إلى منظر أفظعني فأتيت نبي الله صلى الله عليه و سلم وعنده زيد بن حارثة فأخبرته الخبر فخرج ومعه زيد فانطلقت معه فدخل على حمزة فتغيظ عليه فرفع حمزة بصره وقال هل أنتم إلا عبيد لآبائي. فرجع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقهقر حتى خرج عنهم وذلك قبل تحريم الخمر. [ش: (قينة) مغنية. (ألا) أداة عرض وتنبيه. (حمز) حمزة منادى مرخم والترخيم حذف آخر الكلمة لسهولة النطق. (للشرف) جمع شارف وهي الناقة المسنة. (النواء) جمع ناوية وهي السمينة. (فجب) فقطع. (أسنمتهما) جمع سنام وهو أعلى ظهر البعير. (بقر) شق. (أكبادهما) جمع كبد. (فتغيظ عليه) أظهر الغيظ عليه والغيظ أشد الغضب. (يقهقر) رجع إلى ورائه].

العبرة في تحريم الخمر علي مراحل:
**************************

ان الأمة الإسلامية في بدايتها دعوتها للاسلام كانت تعاني فترة انتقال شاق؛ بل كانت أشق ما يكون عليها في ترك عقائدها وموروثاتها وعاداتها, ومن هنا جاءت الشريعة الإسلامية تسير على مهل. فالخمر شيء اعتاده العرب في جاهليتهم بل إنك لا ترى بيتاً إلا وفيه خمر, وأمام هذه الغريزة العاتية جاء القرآن بمراحل عدة في تحريم الخمر؛ فمن غير المعقول أن ينجح الإسلام في فطامهم عنها, لو لم يتألفهم وينطلق بهم إلى درجه أن يمن عليهم بها أول الأمر وكأنه يشاركهم في شعورهم, وإلى حد أن يحرمها عليهم في وقت استعدت فيه بعض الأفكار لتسمع كلمة تحريمه حين سألوه صلى الله عليه وسلم: {{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ [البقرة: 219]}}. وجاء أمر الله عزوجل في ذلك على أربع مراحل كان ينسخ اللاحق السابق من الحكم مع بقاء التلاوة, وذلك في تسجيل تلك الظاهرة الحكيمة ظاهرة مراحل التحريم حتى يشهدوا أنه هو الدين الحق وأن نبيه صلى الله عليه وسلم نبي الصدق.
المرحلة الأولى: (مرحلة المنة والعتاب):
{{وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [النحل: 67])). قال المفسرون: إن هذه أول آية نزلت في تحريم الخمر.
المرحلة الثانية: (مرحلة السؤال والإجابة):

فلفت الله سبحانه وتعالى أنظار الناس بهذه الإيماءة وأيقظ شعورهم وهيأ نفوسهم لتقبل ما يأتي من حكم فجاء قوله تعالى: {{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا [البقرة: 219]}}. والمراد بالإثم هنا كل ما ينقص من الدين عند شربها وما فيها من إلقاء العداوة والبغضاء والصد عن ذكر الله، والنفع ما يستعان به في الوصول إلى الخيرات, وما يتوصل به إلى الخير فهو الخير فالنفع خير وضده ضير، والمنفعة التي في الخمر ما يحصل من أرباح واكتساب وذهاب الهم وحصول الفرح وزيادة الكرم والشجاعة.
المرحلة الثالثة: (النهي عن قرب الصلاة في حالة السكر):
{{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ [النساء: 43]}}.
والمراد في هذه الآية قولان هما الأول: لا تتعرضوا بالسكر في أوقات الصلاة، الثاني: لا تدخلوا في الصلاة في حالة السكر وبعد نزول هذه الآية اجتنب المسلمون شرب الخمر في أوقات الصلاة فكانوا لا يشربون إلا بعد صلاة العشاء وبعد صلاة الصبح لبعد ما بين هاتين الصلاتين وبين ما تليانهما.
المرحلة الرابعة: (الأمر بالاجتناب):
بعد التمهيد الرباني في الآيات السابقة وبقاء الأمر بين التحليل والتحريم نزل الأمر الإلهي الجازم بتحريم الخمر تحريماً شاملاً بقوله تعالى: {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة: 90]}}. و {{إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ [المائدة: 91]}}.

وثبت التحريم القاطع بهذه الاية.

ولم يكن تحريم الخمر هو الذى يحتاج الي التدريج, بل التدرج لازم في جميع احكام الشريعة الاسلام:
فأول ما فرضت الصلاة فرضت ركعتين ركعتين؛ فزيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر, ولتشريع الصيام فرض الله صيام عاشوراء ثلاثة أيام من كل شهر؛ ثم فرض الله صيام رمضان، وكان في أول الأمر على التخيير بين الصيام والإطعام، ثم استقر على الصيام.
ولابد ان يتنبه العقل الي ضرورة التدرج في مخاطبة الناس حتي يأتلفوا مع احكام الاسلام: فاذا رايت من لا يصلي فعلي ان ادعوه الي الصلاة بالرفق واليسر, ولا اطالبة بالفرائض والنوافل مجتمعة, فلن يصلي هذه ولا هذه. {{قال النبي صلى الله عليه و سلم (يسروا ولا تعسروا وسكنوا ولا تنفروا). صحيح البخارى}}.

صحيح مسلم: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع؟ فقال: (كل شراب أسكر فهو حرام).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كل مسكر خمر. وكل مسكر حرام. ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها، لم يتب، لم يشربها في الآخرة).
سنن الترمذي: عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ما أسكر كثيره فقليله حرام.
شعب الإيمان: إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: لا يزني الزاني حين يزني و هو مؤمن و لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن و لا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن.
فتح الباري لابن حجر: قوله ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن: قال بن بطال هذا أشد ما ورد في شرب الخمر وبه تعلق الخوارج فكفروا مرتكب الكبيرة عامدا عالما بالتحريم.
وحمل أهل السنة الإيمان هنا على الكامل لأن العاصي يصير أنقص حالا في الإيمان ممن لا يعصي.

شرح النووي على مسلم: (باب بيان نقصان الايمان بالمعاصى (ونفيه عن المتلبس بالمعصية على ارادة نفى كماله): (لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن). معناه لا يفعل هذه المعاصى وهو كامل الايمان وهذا من الالفاظ التى تطلق على نفى الشيء ويراد نفى كماله ومختاره كما يقال لا علم الا ما نفع ولا مال الا الابل ولا عيش الا عيش الآخرة وانما تأولناه على ما ذكرناه لحديث أبى ذر: (من قال لا اله الا الله دخل الجنة وان زنى وان سرق).
وحديث عبادة بن الصامت: أنهم بايعوه صلى الله عليه و سلم على أن لا يسرقوا ولا يزنوا ولا يعصوا إلى آخره. ثم قال لهم صلى الله عليه و سلم فمن وفى منكم فأجره على الله ومن فعل شيئا من ذلك فعوقب فى الدنيا فهو كفارته ومن فعل ولم يعاقب فهو إلى الله تعالى ان شاء عفا عنه وان شاء عذبه.
وقول الله عز و جل: (ان الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء). مع اجماع أهل الحق على أن الزانى والسارق والقاتل وغيرهم من أصحاب الكبائر غير الشرك لا يكفرون بذلك بل هم مؤمنون ناقصو الايمان ان تابوا سقطت عقوبتهم وان ماتوا مصرين على الكبائر كانوا فى المشيئة فان شاء الله تعالى عفا عنهم وأدخلهم الجنة أولا وان شاء عذبهم ثم أدخلهم الجنة.

صحيح ابن حبان: أنه سمع ابن عباس يقول: إن رسول الله صلى الله عليه و سلم أتاه جبريل فقال: (يا محمد إن الله لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وشاربها وبائعها ومبتاعها وساقيها ومسقاها).

جوامع السيرة: وأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرهم بما أوحى الله تعالى إليه مما أرادته اليهود، وأمر أصحابه بالتهيؤ لحربهم، واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم. ونهض إلى بني النضير في أول السنة الرابعة من الهجرة، فحاصرهم ست ليال، وحينئذ نزل تحريم الخمر.

سبل الهدى والرشاد: (حوادث السنة الرابعة): وفيها: تحريم الخمر. وعن عائشة قالت: لما نزلت الآيات الأواخر من سورة البقرة خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقرأهن علينا، وقال: حرمت التجارة في الخمر. وفيها نهي أو أوحى إليه بمنع بيع الخمر، لأن سورة المائدة التي فيها تحريم الخمر من آخر ما نزل من القرآن، وآية الربا آخر ما نزل، ويحتمل أن يكون هذا بعد بيان النبي - صلى الله عليه وسلم - تحريم الخمر، فلما نزلت آية الربا اشتملت على تحريم ما عدا البيع الصحيح أكد تحريم ذلك.
)))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل اذا اهتديتم
************************************
= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [المائدة: 105]}}.
تفسير القرطبي: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}: فيه أربع مسائل:
الأولى: وظاهر هذه الآية يدل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس القيام به بواجب إذا استقام الإنسان، وأنه لا يؤاخذ أحد بذنب غيره.
الثانية: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} معناه احفظوا أنفسكم من المعاصي
الثالثة: عن قيس قال: خطبنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقال: إنكم تقرؤون هذه الآية وتتأولونها على غير تأويلها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعذاب من عنده".
لا يصح عن أبي بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا حديث واحد.

وعن أبي أمية الشعباني قال: أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت له: كيف تصنع بهذه الآية؟ فقال: أية آية؟ قلت: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} قال: أما والله لقد سألت عنها خبيرا، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شُحّاً مُطاعا وهَوىً مُتبعاً ودنيا مُؤثَرةً وإعجابَ كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك ودع عنك أمر العامة فإن من ورائكم أياما الصبر فيهن مثل القبض على الجمر للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم". قيل: يا رسول الله أجر خمسين منا أو منهم؟ قال: "بل أجر خمسين منكم".
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنكم في زمان من ترك منكم عشر ما أمر به هلك ثم يأتي زمان من عمل منهم بعشر ما أمر به نجا". وعن ابن مسعود أنه قال: قولوا الحق ما قُبل منكم، فإذا رُد عليكم فعليكم أنفسكم.
ومعنى الآية لا يضركم من ضل إذا اهتديتم بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وتضمنت الآية اشتغال الإنسان بخاصة نفسه، وتركه التعرض لمعائب الناس، والبحث عن أحوالهم فإنهم لا يسألون عن حاله فلا يسأل عن حالهم وهذا كقوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}، {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "كن جليس بيتك وعليك بخاصة نفسك". ويجوز أن يكون أريد به الزمان الذي يتعذر فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فينكر بقلبه، ويشتغل بإصلاح نفسه. وقيل: نزلت في الأسارى الذين عذبهم المشركون حتى ارتد بعضهم، فقيل لمن بقي على الإسلام: عليكم أنفسكم لا يضركم ارتداد أصحابكم. وقال سعيد بن جبير: هي في أهل الكتاب وقال مجاهد: في اليهود والنصارى ومن كان مثلهم؛ يذهبان إلى أن المعنى لا يضركم كفر أهل الكتاب إذا أدوا الجزية.

الرابعة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر متعين متى رجي القبول، أو رجي رد الظالم ولو بعنف، ما لم يخف الآمر ضررا يلحقه في خاصته، أو فتنة يدخلها على المسلمين؛ إما بشق عصا، وإما بضرر يلحق طائفة من الناس؛ فإذا خيف هذا فـ {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} محكم واجب أن يوقف عنده.

= {{لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ [البقرة: 233]}}.
تفسير القرطبي: {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} المعنى: لا تأبى الأم أن ترضعه إضرارا بأبيه أو تطلب أكثر من أجر مثلها، ولا يحل للأب أن يمنع الأم من ذلك مع رغبتها في الإرضاع. أي لا ينزع الولد منها إذا رضيت بالإرضاع وألفها الصبي.
{وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ} هو خطاب للأزواج والزوجات؛ أي وليقبل بعضكم من بعض ما أمره به من المعروف الجميل. والجميل منها إرضاع الولد من غير أجرة. والجميل منه توفير الأجرة عليها للإرضاع. وقيل: ائتمروا في رضاع الولد فيما بينكم بمعروف حتى لا يلحق الولد إضرار. وقيل: هو الكسوة والدثار. وقيل: معناه لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده.
{وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ} أي في أجرة الرضاع فأبى الزوج أن يعطي الأم رضاعها وأبت الأم أن ترضعه فليس له إكراهها؛ وليستأجر مرضعة غير أمه. وقيل: معناه وإن تضايقتم وتشاكستم فليسترضع لولده غيرها؛ وهو خبر في معنى الأمر. وقال الضحاك: إن أبت الأم أن ترضع استأجر لولده أخرى، فإن لم يقبل أجبرت أمه على الرضاع بالأجر. وقد اختلف العلماء فيمن يجب عليه رضاع الولد على ثلاثة أقوال: قال علماؤنا: رضاع الولد على الزوجة ما دامت الزوجية؛ إلا لشرفها وموضعها فعلى الأب رضاعه يومئذ في ماله. الثاني: قال أبو حنيفة: لا يجب على الأم بحال. الثالث: يجب عليها في كل حال.

فإن طلقها فلا يلزمها رضاعه إلا أن يكون غير قابل ثدي غيرها فيلزمها حينئذ الإرضاع. فإن اختلفا في الأجر فإن دعت إلى أجر مثلها وامتنع الأب إلا تبرعا فالأم أولى بأجر المثل إذا لم يجد الأب متبرعا. وإن دعا الأب إلى أجر المثل وامتنعت الأم لتطلب شططا فالأب أولى به. فإن أعسر الأب بأجرتها أخذت جبرا برضاع ولدها.

= {{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [لقمان: 33]}}.
تفسير القرطبي:
{وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً} قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث لم تمسه النار إلا تحله القسم". وقال: "من ابتلي بشيء من هذه البنات فأحسن إليهّن كّن له حجابا من النار". قيل له: المعنّي بهذه الآية أنه لا يحمل والد ذنب ولده، ولا مولود ذنب والده، ولا يؤاخذ أحدهما عن الآخر.

= {{{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 256]}}.
تفسير القرطبي: ({لا إِكْرَاهَ فِي الدِّين): نزلت الآية في رجل من الأنصار يقال له أبو حصين كان له ابنان، فقدم تجار من الشام إلى المدينة يحملون الزيت، فلما أرادوا الخروج أتاهم ابنا الحصين فدعوهما إلى النصرانية فتنصرا ومضيا معهم إلى الشام، فأتى أبوهما رسول الله صلى الله عليه وسلم مشتكيا أمرهما، ورغب في أن يبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم من يردهما فنزلت: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّين}.

ومن معطيات اية: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}:
*************************************************
1 - المسلم ليس له ان يتجسس علي الغير بدافع معرفة سلوك اسلامي او غير اسلامي.
2 - ليس لمسلم ان يكفر مسلما بشبهة, فالايمان علاقة بين العبد وربه. وكذا سائر العبادات.
3 - لم يعين رسول الله صلي الله عليه وسلم جماعة للامر بالمعروف والنهي عن المنكر, فكيف تنصب جماعة نفسها للامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
4 - {{{لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا} [لقمان: 33]}}. الا اذا كان سببا في الاضلال.
ويكفي ان يخاطب الله سبحانه وتعالي حبيبه محمد: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران: 128].
تفسير القرطبي: أن النبي صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أحد، وشج في رأسه، فجعل يسلت الدم عنه ويقول: "كيف يفلح قوم شجوا رأس نبيهم وكسروا رباعيته وهو يدعوهم إلى الله تعالى" فأنزل الله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ}.
قال الضحاك: هَمَّ النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو على المشركين فأنزل الله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ}.
وقيل: استأذن في أن يدعو في استئصالهم، فلما نزلت هذه الآية علم أن منهم من سيسلم وقد آمن كثير منهم خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعكرمة بن أبي جهل وغيرهم.
وعن ابن عامر قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو على أربعة نفر فأنزل الله عز وجل: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ}. فهداهم الله للإسلام.
صحيح مسلم: (يعترف علي نفسه بالزنا): أن رجلا من أسلم يقال له ماعز بن مالك، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: إني أصبت فاحشة. فأقمه علي. فرده النبي صلى الله عليه وسلم مرارا.

قال: ثم سأل قومه؟ فقالوا: ما نعلم به بأسا.
إلا أنه أصاب شيئا، يرى أنه لا يخرجه منه إلا أن يقام فيه الحد. قال: فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فأمرنا أن نرجمه. قال: فانطلقنا به إلى بقيع الغرقد. قال: فما أوثقناه ولا حفرنا له. قال: فرميناه بالعظم والمدر والخزف. قال: فاشتد واشتددنا خلفه. حتى أتى عرض الحرة. فانتصب لنا. فرميناه بجلاميد الحرة حتي الموت.
ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم جلوس فسلم ثم جلس. فقال (استغفروا لماعز بن مالك). قال: فقالوا: غفر الله لماعز بن مالك. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم).
فماعز اعترف علي نفسه بالزنا لانه يريد ان يتطهر, والسؤال الواجب طرحه: فهل سأله الرسول عمن زني بها؟. بالطبع لا. اذا الاسلام مبني علي الستر.
)))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: اطيعوا الله ورسوله - اطيعوا الله واطيعوا الرسول
استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم
لا تخونوا الله والرسول
ان تتقوا الله يجعل لكم فرقان - ان تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم
لا تقدموا بين يدى الله ورسوله
لا ترفعوا اصواتكم فوق صوت النبي
*******************************************
= تنوع القراءة: ((وقرأ الضحاك ويعقوب الحضرمي
= ومن قدم قوله أو فعله على الرسول صلى الله عليه وسلم فقد قدمه على الله تعالى، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما يأمر عن أمر الله عز وجل.
= ((فإن ما قامت دلالته فليس في فعله تقديم بين يديه. وقد قامت دلالة الكتاب والسنة على وجوب القول بالقياس في فروع الشرع، فليس إذاً تقدمٌ بين يديه))
= ترجمة ثابت بن قيس بن شماس الخزرجي: يكنى أبا محمد بابنه محمد.

= فكما لا يكون الكافر مؤمنا إلا باختياره الإيمان على الكفر، كذلك لا يكون المؤمن كافرا من حيث لا يقصد إلى الكفر ولا يختاره بإجماع. كذلك لا يكون الكافر كافرا من حيث لا يعلم.
= لما نزلت {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} قال أبو بكر رضي الله عنه: والله لا أرفع صوتي إلا كأخي السرار.
)))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
ايات الاداب مع الله والرسول
*********************
= من أطاعني فقد أطاع الله هذه الجملة منتزعة من قوله تعالى من يطع الرسول فقد أطاع الله أي لأني لا آمر الا بما أمر الله به فمن فعل ما آمره به فانما أطاع من أمرني

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ [الأنفال: 20]}}.
= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [محمد: 33]}}.
تفسير القرطبي: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الخطاب للمؤمنين المصدقين. أفردهم بالخطاب دون المنافقين إجلالا لهم. جدد الله عليهم الأمر بطاعة الله والرسول، ونهاهم عن التولي عنه.
وقالت فرقة: الخطاب بهذه الآية إنما للمنافقين. والمعنى: يا أيها الذين آمنوا بألسنتهم فقط. قال ابن عطية: وهذا وإن كان محتملا على بعد فهو ضعيف جدا؛ لأن الله تعالى وصف من خاطب في هذه الآية بالإيمان. والإيمان التصديق، والمنافقون لا يتصفون من التصديق بشيء.
{وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ} التولي الإعراض. وقال {عَنْهُ} ولم يقل عنهما لأن طاعة الرسول طاعته؛ وهو كقوله تعالى: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} [التوبة: 62]. {وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ} ابتداء وخبر في موضع الحال. والمعنى: وأنتم تسمعون ما يتلى عليكم من الحجج والبراهين في القرآن.

صحيح البخارى: عن هريرة رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: (من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني وإنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به فإن أمر بتقوى الله وعدل فإن له بذلك أجرا وإن قال بغيره فإن عليه منه). [ش: (الأمير) أمير السرية أو ولاة الأمور مطلقا. (الإمام) الحاكم الأعلى القائم بشؤون الأمة. (جنة) سترة ووقاية لأنه يمنع العدو من أذى المسلمين ويمنع الناس من أذى بعضهم بعضا. (يقاتل من ورائه) يقاتل معه الكفار والبغاة وسائر أهل الفساد. (يتقى به) يحتمى به ويتقوى وقيل يرجع إليه في الرأي والتدبير. (بغيره) أمر بغير تقوى الله تعالى وعدله. (فإن عليه منه) فإن الوبال الحاصل منه عليه لا على المأمور].
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى). قالوا يا رسول الله ومن يأبى؟ قال (من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى).
وعن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: (إنما مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قوما فقال يا قوم إني رأيت الجيش بعيني وإني أنا النذير العريان فالنجاء فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا فانطلقوا على مهلهم فنجوا وكذبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم فذلك مثل من أطاعني فاتبع ما جئت به ومثل من عصاني وكذب بما جئت به من الحق).
فتح الباري لابن حجر: من أطاعني فقد أطاع الله هذه الجملة منتزعة من قوله تعالى من يطع الرسول فقد أطاع الله أي لأني لا آمر الا بما أمر الله به فمن فعل ما آمره به فانما أطاع من أمرني.

تفسير القرطبي: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ}: فيه مسألتان:

الأولى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} لما بين حال الكفار أمر المؤمنين بلزوم الطاعة في أوامره والرسول في سننه. {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} أي حسناتكم بالمعاصي، قال الحسن. وقال الزهري: بالكبائر. ابن جريج: بالرياء والسمعة. وفيه إشارة إلى أن الكبائر تحبط الطاعات، والمعاصي تخرج عن الإيمان.
الثانية: احتج علماؤنا وغيرهم بهذه الآية على أن التحلل من التطوع - صلاة كان أو صوما - بعد التلبس به لا يجوز، لأن فيه إبطال العمل وقد نهى الله عنه. وقال الشافعي: المراد بذلك إبطال ثواب العمل المفروض، فنهى الرجل عن إحباط ثوابه. فأما ما كان نفلا فلا، لأنه ليس واجبا عليه.
وكانوا يرون أنه لا يضر مع الإسلام ذنب، حتى نزلت هذه الآية فخافوا الكبائر أن تحبط الأعمال. وقال مقاتل: يقول الله تعالى إذا عصيتم الرسول فقد أبطلتم أعمالكم.

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [الأنفال: 24]}}.
تفسير القرطبي: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ}: فيه ثلاث مسائل:
الأولى: هذا الخطاب للمؤمنين المصدقين بلا خلاف والاستجابة: الإجابة. {اسْتَجِيبُوا} أجيبوا. والمجاوبة والتجاوب: التحاور. {لِمَا يُحْيِيكُمْ} متعلق بقوله: {اسْتَجِيبُوا}. المعنى: استجيبوا لما يحييكم إذا دعاكم.

وقيل: أي إلى ما يحيي به قلوبكم فتوحدوه، وهذا إحياء مستعار؛ لأنه من موت الكفر والجهل.: المعنى استجيبوا للطاعة وما تضمنه القرآن من أوامر ونواهي؛ ففيه الحياة الأبدية، والنعمة السرمدية.، وقيل: المراد بقوله {لِمَا يُحْيِيكُمْ} الجهاد. والموت في الجهاد الحياة الأبدية؛ قال الله عز وجل: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ} [آل عمران: 169] والصحيح العموم كما قال الجمهور.
الثانية: روى البخاري عن أبي سعيد بن المعلى قال: كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبه، ثم أتيته فقلت: يا رسول الله، إني كنت أصلي. فقال: "ألم يقل الله عز وجل {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}. وقال الشافعي رحمه الله: هذا دليل على أن الفعل الفرض أو القول الفرض إذا أتي به في الصلاة لا تبطل؛ لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإجابة وإن كان في الصلاة.

الثالثة: قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} قيل: إنه يقتضي النص منه على خلقه تعالى الكفر والإيمان فيحول بين المرء الكافر وبين الإيمان الذي أمره به، فلا يكتسبه إذا لم يقدره عليه بل أقدره على ضده وهو الكفر. وهكذا المؤمن يحول بينه وبين الكفر. فبان بهذا النص أنه تعالى خالق لجميع اكتساب العباد خيرها وشرها. وهذا معنى قوله عليه السلام: "لا، ومقلب القلوب". وكان فعل الله تعالى ذلك عدلا فيمن أضله وخذله؛ إذ لم يمنعهم حقا وجب عليه فتزول صفة العدل، وإنما منعهم ما كان له أن يتفضل به عليهم لا ما وجب لهم. قال السدي: يحول بين المرء وقلبه فلا يستطيع أن يؤمن إلا بإذنه، ولا يكفر أيضا إلا بإذنه؛ أي بمشيئته. والقلب موضع الفكر. وهو بيد الله، متى شاء حال بين العبد وبينه بمرض أو آفة كيلا يعقل. أي بادروا إلى الاستجابة قبل ألا تتمكنوا منها بزوال العقل. وقال مجاهد: المعنى يحول بين المرء
وعقله حتى لا يدري ما يصنع. وفي التنزيل: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} [ق: 37] أي عقل. وقيل: يحول بينه وبينه بالموت، فلا يمكنه استدراك ما فات. وقيل: خاف المسلمون يوم بدر كثرة العدو فأعلمهم الله أنه يحول بين المرء وقلبه بأن يبدلهم بعد الخوف أمنا، ويبدل عدوهم من الأمن خوفا. وقيل: المعنى يقلب الأمور من حال إلى حال. وأن يكون ذلك إخبارا من الله عز وجل بأنه أملك لقلوب العباد منهم، وأنه يحول بينهم وبينها إذا شاء؛ حتى لا يدرك الإنسان شيئا إلا بمشيئة الله عز وجل.

وعن أبي سعيد قال: كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبه فقلت: يا رسول الله إني كنت أصلي فقال: ألم يقل الله {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} [الأنفال: 24]- ثم قال: - " إني لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد ثم أخذ بيدي فلما أراد أن يخرج قلت له: ألم تقل لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن؟ قال: الحمد لله رب العالمين هي السبع الثماني والقرآن العظيم الذي أوتيته".

صحيح البخارى: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول جاء ثلاث رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه و سلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه و سلم فلما أخبروا كأنهم تقالوها فقالوا أين نحن من النبي صلى الله عليه و سلم؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال أحدهم أما أنا فإني أصلي الليل أبدا وقال آخر أنا أصوم الدهر ولا أفطر وقال آخر أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا فجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال (أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله أتي لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني).

صحيح مسلم: سمعت حذيفة بن اليمان يقول: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير. وكنت أسأله عن الشر. مخافة أن يدركني. فقلت: يا رسول الله! إنا كنا في جاهلية وشر. فجاءنا الله بهذا الخير. فهل بعد هذا الخير شر؟ قال (نعم) فقلت: هل بعد ذلك الشر من خير؟ قال (نعم. وفيه دخن). قلت: وما دخنه؟ قال (قوم يستنون بغير سنتي. ويهدون بغير هديي. عرف منهم وتنكر). فقلت: هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال (نعم. دعاة على أبواب جهنم. من أجابهم إليها قذفوه فيها). فقلت: يا رسول الله! فقلت: يا رسول الله! صفهم لنا. قال (نعم. قوم من جلدتنا. ويتكلمون بألسنتنا) قلت: يا رسول الله! فما ترى إن أدركني ذلك! قال (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم) فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال (فاعتزل تلك الفرق كلها. ولو أن تعض على أصل شجرة. حتى يدركك الموت، وأنت على ذلك).
المستدرك للحاكم: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: إني قد تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله و سنتي و لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض.
وعن عبد الرحمن بن عمرو السلمي: أنه سمع العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه و سلم موعظة ذرفت منها العيون و وجلت منها القلوب فقلنا يا رسول الله إن هذا لموعظة مودع فإذا تعهد إلينا قال: قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك و من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بما عرفتم من سنتي و سنة الخلفاء المهديين الراشدين من بعدي و عليكم بالطاعة و إن كان عبدا حبشيا عضوا عليها بالنواجذة.

صحيح البخارى: جاء ثلاث رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه و سلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه و سلم فلما أخبروا كأنهم تقالوها فقالوا أين نحن من النبي صلى الله عليه و سلم؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال أحدهم أما أنا فإني أصلي الليل أبدا وقال آخر أنا أصوم الدهر ولا أفطر وقال آخر أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا فجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال (أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله أتي لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني)
شرح النووي على مسلم: فمن رغب عن سنتي فليس مني فمعناه من رغب عنها اعراضا عنها غير معتقد على ما هي. أما من ترك النكاح على الصفة التى يستحب له تركه كما سبق أو ترك النوم على الفراش لعجزه عنه أو لاشتغاله بعبادة مأذون فيها أو نحو ذلك فلا يتناوله هذا الذم والنهي.

صحيح ابن خزيمة: عن عبد بن عمرو قال: كنت رجلا مجتهدا فزوجني أبي ثم زارني فقال للمرأة: كيف تجدين بعلك؟ فقالت: نعم الرجل من رجل لا ينام و لا يفطر قال: فوقع بي أبي ثم قال: زوجتك امرأة من المسلمين فعضلتها فلم أبال ما قال لي مما أجد من القوة و الاجتهاد إلى أن بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال: لكني أنام و أصلي و أصوم و أفطر فنم و صل و أفطر و صم من كل شهر ثلاثة أيام فقلت: يا رسول الله أنا أقوى من ذلك قال: فصم صوم داوود صم يوما و أفطر يوما و اقرأ القرآن في كل شهر قلت: يا رسول الله أنا أقوى من ذلك قال: اقرأه في خمس عشرة قلت: يا رسول الله صلى الله عليه و سلم أنا أقوى من ذلك قال حصين فذكر لي منصور عن مجاهد أنه بلغ سبعا ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: إن لكل عمل شرة و لكل شرة فترة فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى و من كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك فقال عبد الله: لأن أكون قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه و سلم أحب إلي من أن يكون لي مثل أهلي و مالي وأنا اليوم شيخ قد كبرت و ضعفت و أكره أن أترك ما أمرني به رسول الله صلى الله عليه و سلم.
صحيح البخارى: أن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: أخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم إني أقول واله لأصومن النهار ولأقومن الليل ما عشت فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم (أنت الذي تقول والله لأصومن النهار ولأقومن الليل ما عشت). قلت قد قلته قال (إنك لا تستطيع ذلك فصم وأفطر وقم ونم وصم من الشهر ثلاثة أيام فإن الحسنة بعشر أمثالها وذلك مثل صيام الدهر). فقلت إني أطيق أفضل من ذلك يا رسول الله قال (فصم يوما وأفطر يومين). قال قلت إني أطيق أفضل من ذلك قال (فصم يوما وأفطر يوما وذلك صيام داود وهو عدل الصيام). قلت إني أطيق أفضل منه يا رسول الله قال (لا أفضل من ذلك).

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنفال: 27]
تفسير القرطبي: {لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ}: روي أنها نزلت في أبي لبابة بن عبدالمنذر حين أشار إلى بني قريظة بالذبح. قال أبو لبابة: والله ما زالت قدماي حتى علمت أني قد خنت الله ورسوله؛ فنزلت هذه الآية. فلما نزلت شد نفسه إلى سارية من سواري المسجد، وقال: والله لا أذوق طعاما ولا شرابا حتى أموت، أو يتوب الله علي. وعن عكرمة قال: لما كان شأن قريظة بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليا رضي الله عنه فيمن كان عنده من الناس؛ فلما انتهى إليهم وقعوا في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء جبريل عليه السلام على فرس أبلق فقالت عائشة رضي الله عنها: فلكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح الغبار عن وجه جبريل عليهما السلام؛ فقلت: هذا دحية يا رسول الله؟ فقال: "هذا جبريل عليه السلام". قال: "يا رسول الله ما يمنعك من بني قريظة أن تأتيهم"؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فكيف لي بحصنهم"؟ فقال جبريل: "فإني أدخل فرسي هذا عليهم".
فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا معروري؛ فلما رآه علي رضي الله عنه قال: يا رسول الله، لا عليك ألا تأتيهم، فإنهم يشتمونك. فقال: "كلا إنها ستكون تحية". فأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا إخوة القردة والخنازير" فقالوا: يا أبا القاسم، ما كنت فحاشا! فقالوا: لا ننزل على حكم محمد، ولكنا ننزل على حكم سعد بن معاذ؛ فنزل. فحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم.

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الأنفال: 29]}}.

تفسير القرطبي: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً} أي فرجا ومخرجا وقيل: إنه الحجة والبيان. ووعد من الله تعالى بأن من اتقاه علمه، أي يجعل في قلبه نورا يفهم به ما يلقى إليه، وقد يجعل الله في قلبه ابتداء فرقانا، أي فيصلا يفصل به بين الحق والباطل. فإذا اتقى العبد ربه - وذلك باتباع أوامره واجتناب نواهيه - وترك الشبهات مخافة الوقوع في المحرمات، وشحن قلبه بالنية الخالصة، وجوارحه بالأعمال الصالحة، وتحفظ من شوائب الشرك الخفي والظاهر بمراعاة غير الله في الأعمال، والركون إلى الدنيا بالعفة عن المال، جعل له بين الحق والباطل فرقانا، ورزقه فيما يريد من الخير إمكانا. قال ابن وهب: سألت مالكا عن قوله سبحانه وتعالى: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً} قال: مخرجا، ثم قرأ {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً} [الطلاق: 2].
{فُرْقَاناً} فصلا بين الحق والباطل؛ وقال ابن زيد. السدي: نجاة. الفراء: فتحا ونصرا. وقيل: في الآخرة، فيدخلكم الجنة ويدخل الكفار النار.

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد: 7]}}.
تفسير القرطبي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ} أي إن تنصروا دين الله ينصركم على الكفار. نظيره: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} [الحج: 40]. وقال قطرب: إن تنصروا نبي الله ينصركم الله، والمعنى واحد. {وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} أي عند القتال. وقيل على الإسلام. وقيل على الصراط. وقيل: المراد تثبيت القلوب بالأمن، فيكون تثبيت الأقدام عبارة عن النصر والمعونة في موطن الحرب.

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الحجرات: 1]}}.

تفسير القرطبي: {لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}: فيه ثلاث مسائل:
الأولى: {لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} قال العلماء: كان في العربي جفاء وسوء أدب في خطاب النبي صلى الله عليه وسلم وتلقيب الناس. فالسورة في الأمر بمكارم الأخلاق ورعاية الآداب.
تنوع القراءة: ((وقرأ الضحاك ويعقوب الحضرمي: {لا تَقَدَّموا} بفتح التاء والدال من التقدم. والباقون {تُقدِموا} بضم التاء وكسر الدال من التقديم)). ومعناهما ظاهر، أي لا تقدموا قولا ولا فعلا بين يدي الله وقول رسوله وفعله فيما سبيله أن تأخذوه عنه من أمر الدين والدنيا.
ومن قدم قوله أو فعله على الرسول صلى الله عليه وسلم فقد قدمه على الله تعالى، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما يأمر عن أمر الله عز وجل.
الثانية: واختلف في سبب نزولها على أقوال:
الأول: أنه قدم ركب من بني تميم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر: أمر القعقاع بن معبد. وقال عمر: أمر الأقرع بن حابس. فقال أبو بكر: ما أردت إلا خلافي. وقال عمر: ما أردت خلافك. فتماديا حتى ارتفعت أصواتهما، فنزل: {لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}.
الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يستخلف على المدينة رجلا إذا مضى إلى خيبر، فأشار عليه عمر برجل آخر، فنزل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}.
الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أنفذ أربعة وعشرين رجلا من أصحابه إلى بني عامر فقتلوهم، إلا ثلاثة تأخروا عنهم فسلموا وانكفؤوا إلى المدينة، فلقوا رجلين من بني سليم فسألوهما عن نسبهما فقالا: من بني عامر، لأنهم أعز من بني سليم فقتلوهما، فجاء نفر من بني سليم إلى رسول الله صلى فقالوا: ان بيننا وبينك عهدا، وقد قتل منا رجلان، فوداهما النبي صلى الله عليه وسلم بمائة بعير، ونزلت عليه هذه الآية في قتلهم الرجلين.

الثالثة: {لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} أصل في ترك التعرض لأقوال النبي صلى الله عليه وسلم، وإيجاب اتباعه والاقتداء به، وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه: "مروا أبا بكر فليصل بالناس". فقالت عائشة لحفصة رضي الله عنهما: قولي له إن أبا بكر رجل أسيف وإنه متى يقم مقامك لا يُسْمع الناس من البكاء، فَمُرْ عمر فليصل بالناس. فقال صلى الله عليه وسلم: "إنكن لأنتن صواحب يوسف. مروا أبا بكر فليصل بالناس". فمعنى قول (صواحب يوسف): الفتنة بالرد عن الجائز إلى غير الجائز.
{{وربما احتج بُغَاةُ القياس بهذه الآية, وهو باطل منهم: ((فإن ما قامت دلالته فليس في فعله تقديم بين يديه. وقد قامت دلالة الكتاب والسنة على وجوب القول بالقياس في فروع الشرع، فليس إذاً تقدمٌ بين يديه))}}.

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ [الحجرات: 2]}}.
تفسير القرطبي: {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ}: فيه ست مسائل:
الأولى: {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} أن الأقرع بن حابس قدم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر: يا رسول الله استعمله على قومه، فقال عمر: لا تستعمله يا رسول الله، فتكلما عند النبي صلى الله عليه وسلم حتى ارتفعت أصواتهما، فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلا خلافي. فقال عمر: ما أردت خلافك، قال: فنزلت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} قال: فكان عمر بعد ذلك إذا تكلم عند النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمع كلامه حتى يستفهمه.

وعن علي رضي الله عنه: نزل قوله: {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} فينا لما ارتفعت أصواتنا أنا وجعفر وزيد بن حارثة، نتنازع ابنة حمزة لما جاء بها زيد من مكة، فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لجعفر، لأن خالتها عنده.
وعن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم افتقد ثابت بن قيس فقال رجل: يا رسول الله، أنا أعلم لك علمه، فأتاه فوجده جالسا في بيته منكسا رأسه، فقال له: ما شأنك؟ فقال: شر كان يرفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم فقد حبط عمله وهو من أهل النار. فأتى الرجل النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه قال كذا وكذا. فقال موسى: فرجع إليه المرة الآخرة ببشارة عظيمة، فقال: "اذهب إليه فقل له إنك لست من أهل النار ولكنك من أهل الجنة".
ترجمة ثابت بن قيس بن شماس الخزرجي: يكنى أبا محمد بابنه محمد. وقيل: أبا عبدالرحمن. قتل له يوم الحرة ثلاثة من الولد: محمد، ويحيى، وعبدالله. وكان خطيبا بليغا معروفا بذلك، كان يقال له خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما يقال لحسان شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الثانية: {وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ} أي لا تخاطبوه: يا محمد، ويا أحمد. ولكن: يا نبي الله، ويا رسول الله، توقيرا له. وقيل: كان المنافقون يرفعون أصواتهم عند النبي صلى الله عليه وسلم، ليقتدي بهم ضعفة المسلمين فنهي المسلمون عن ذلك. وقيل: {لا تَجْهَرُوا لَهُ} أي لا تجهروا عليه. {كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} أي لا تجهروا له جهرا مثل جهر بعضكم لبعض. وفي هذا دليل على أنهم لم ينهوا عن الجهر مطلقا حتى لا يسوغ لهم إلا أن يكلموه بالهمس والمخافتة، وإنما نهوا عن جهر مخصوص مقيد بصفة، أعني الجهر المنعوت بمماثلة ما قد اعتادوه منهم فيما بينهم، وهو الخلو من مراعاة أبهة النبوة وجلالة مقدارها وانحطاط سائر الرتب وإن جلت عن رتبتها.

الثالثة: معنى الآية الأمر بتعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوقيره، وخفض الصوت بحضرته وعند مخاطبته، أي إذا نطق ونطقتم فعليكم ألا تبلغوا بأصواتكم وراء الحد الذي يبلغه بصوته، وأن تغضوا منها بحيث يكون كلامه غالبا لكلامكم، وجهره باهرا لجهركم.
الرابعة: وقد كره رفع الصوت عند قبره عليه السلام. وكره بعض العلماء رفع الصوت في مجالس العلماء تشريفا لهم، إذ هم ورثة الأنبياء. فحرمة النبي صلى الله عليه وسلم ميتا كحرمته حيا، وكلامه المأثور بعد موته في الرفعة مثال كلامه المسموع من لفظه.
الخامسة: وليس الغرض برفع الصوت ولا الجهر ما يقصد به الاستخفاف والاستهانة، لأن ذلك كفر والمخاطبون مؤمنون. وإنما الغرض صوت هو في نفسه والمسموع من جَرْسِه غير مناسب لما يهاب به العظماء ويوقر الكبراء، فيتكلف الغض منه ورده إلى حد يميل به إلى ما يستبين فيه المأمور به من التعزير والتوقير.
السادسة: {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ} التقدير لأن تحبط، أي فتحبط أعمالكم، فاللام المقدرة لام الصيرورة وليس قوله: {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} بموجب أن يكفر الإنسان وهو لا يعلم، فكما لا يكون الكافر مؤمنا إلا باختياره الإيمان على الكفر، كذلك لا يكون المؤمن كافرا من حيث لا يقصد إلى الكفر ولا يختاره بإجماع. كذلك لا يكون الكافر كافرا من حيث لا يعلم.
لما نزلت {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} قال أبو بكر رضي الله عنه: والله لا أرفع صوتي إلا كأخي السرار.
لما نزلت: {لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات: 1] قال أبو بكر: والذي بعثك بالحق لا أكلمك بعد هذا إلا كأخي السرار.

لما نزلت: {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} ما حدث عمر عند النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك فسمع كلامه حتى يستفهمه مما يخفض، فنزلت: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى}. أي أخلصها للتقوى. أي اختصها للتقوى. وقال ابن عباس: {امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى} طهرهم من كل قبيح، وجعل في قلوبهم الخوف من الله والتقوى.
)))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: ليبلوكم الله بشيء من الصيد
لا تقتلوا الصيد وانتم حرم
**************************
= وكان الصيد أحد معايش العرب العاربة، وشائعا عند الجميع منهم، مستعملا جدا، فابتلاهم الله فيه مع الإحرام والحرم، كما ابتلى بني إسرائيل في ألا يعتدوا في السبت
= هذا أمير المؤمنين لا يستطيع أن يحكم في ظبي حتى دعا رجلا يحكم معه، فسمع عمر بن الخطاب قول الرجل فدعاه فسأله، هل تقرأ سورة {المائدة}؟ فقال: لا؛ قال: هل تعرف الرجل الذي حكم معي؟ فقال: لا، فقال عمر رضي الله عنه: لو أخبرتني أنك تقرأ سورة {المائدة} لأوجعتك ضربا، ثم قال: إن الله سبحانه يقول في كتابه: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ} وهذا عبدالرحمن بن عوف.
= ذاق طعم الإيمان، من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا
= الإيمان بضع وستون شعبة. فأفضلها قول لا إله إلا الله. وأدناها إماطة الأذى عن الطريق. والحياء شعبة من الإيمان

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ [المائدة: 94]}}.

تفسير القرطبي: {لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ ٌ}: فيه ثمان مسائل:
الأولى: {لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ} أي ليختبرنكم، والابتلاء الاختبار. وكان الصيد أحد معايش العرب العاربة، وشائعا عند الجميع منهم، مستعملا جدا، فابتلاهم الله فيه مع الإحرام والحرم، كما ابتلى بني إسرائيل في ألا يعتدوا في السبت.
وقيل: إنها نزلت عام الحديبية؛ أحرم بعض الناس مع النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحرم بعضهم، فكان إذا عرض صيد اختلف فيه أحوالهم وأفعالهم، واشتبهت أحكامه عليهم، فأنزل الله هذه الآية بيانا لأحكام أحوالهم وأفعالهم، ومحظورات حجهم وعمرتهم.
الثانية: اختلف العلماء من المخاطب بهذه الآية على قولين: أحدهما: أنهم المحلون. الثاني: أنهم المحرمون.
{لَيَبْلُوَنَّكُمُ} فإن تكليف الامتناع الذي يتحقق به الابتلاء هو مع الإحرام. والخطاب في الآية لجميع الناس مُحلِهم ومُحرِمهم؛ لقوله تعالى: {لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ} أي: ليكلفنكم، والتكليف كله ابتلاء وإن تفاضل في الكثرة والقلة، وتباين في الضعف والشدة.
الثالثة: {بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ} يريد ببعض الصيد، ولم يعم الصيد كله لأن للبحر صيدا. وأراد بالصيد المصيد؛ لقوله: {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ}.
الرابعة: {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} بيان لحكم صغار الصيد وكباره. الأيدي تنال الفراخ والبيض وما لا يستطيع أن يفر، والرماح تنال كبار الصيد. وكل شيء يناله الإنسان بيده أو برمحه أو بشيء من سلاحه فقتله فهو صيد كما قال الله تعالى.
الخامسة: خص الله تعالى الأيدي بالذكر لأنها عظم التصرف في الاصطياد؛ وفيها تدخل الجوارح والحبالات، وما عمل باليد من فخاخ وشباك؛ وخص الرماح بالذكر لأنها عظم ما يجرح به الصيد، وفيها يدخل السهم ونحوه.

السادسة: ما وقع في الفخ والحبالة فلربها، فإن ألجأ الصيد إليها أحد ولولاها لم يتهيأ له أخذه فربها فيه شريكه. وما وقع في الجبح المنصوب في الجبل من ذباب النحل فهو كالحبالة والفخ، وحمام الأبرجة ترد على أربابها إن استطيع ذلك، وكذلك نحل الجبال.
السابعة: احتج بعض الناس على أن الصيد للآخذ لا للمثير؛ لأن المثير لم تنل يده ولا رمحه بعدُ شيئا.
، وهو قول أبي حنيفة.
الثامنة: كره مالك صيد أهل الكتاب ولم يحرمه، لقوله تعالى: {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} يعني أهل الإيمان، ولقوله تعالى في صدر الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فخرج عنهم أهل الكتاب. وخالفه جمهور أهل العلم، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} وهو عندهم مثل ذبائحهم. وأجاب علماؤنا بأن الآية إنما تضمنت أكل طعامهم، والصيد باب آخر فلا يدخل في عموم الطعام، ولا يتناوله مطلق لفظه.
قلت: هذا بناء على أن الصيد ليس مشروعا عندهم فلا يكون من طعامهم، فيسقط عنا هذا الإلزام؛ فأما إن كان مشروعا عندهم في دينهم فيلزمنا أكله لتناول اللفظ له، فإنه من طعامهم.

بداية المجتهد ونهاية المقتصد: كتاب الصيد: وأصوله أربعة أبواب: الباب الأول: في حكم الصيد وفي محل الصيد. الثاني: فيما به يكون الصيد. الثالث: في صفة ذكاة الصيد والشرائط المشترطة في عمل الذكاة في الصيد. الرابع: فيمن يجوز صيده.

الباب الأول في حكم الصيد ومحله: أنه مباح لقوله تعالى {أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما} ثم قال {وإذا حللتم فاصطادوا}. وأما محل الصيد فإنهم أجمعوا على أن محله من الحيوان البحري وهو السمك وأصنافه، ومن الحيوان البري الحلال الأكل الغير مستأنس. واختلفوا فيما استوحش من الحيوان المستأنس فلم يقدر على أخذه ولا ذبحه أو نحره، فقال مالك: لا يؤكل إلا أن ينحر، من ذلك ما ذكاته النحر، ويذبح ما ذكاته الذبح، أو يفعل به أحدهما إن كان مما يجوز فيه الأمران جميعا.
عن رافع بن خديج قال "فند منها بعير وكان في القوم خيل يسيرة فطلبوه فأعياهم، فأهوى إليه رجل بسهم فحبسه الله تعالى به، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: "إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش فما ند عليكم فاصنعوا به هكذا". وذلك أن العلة في كون العقر ذكاة في بعض الحيوان ليس شيئا أكثر من عدم القدرة عليه، لا لأنه وحشي فقط، فإذا وجد هذا المعنى من الإنسي جاز أن تكون ذكاته ذكاة الوحشي، فيتفق القياس والسماع.
صحيح البخارى: كنا مع النبي صلى الله عليه و سلم بذي الحليفة فأصاب الناس جوع فأصابوا إبلا وغنما قال وكان النبي صلى الله عليه و سلم في أخريات القوم فعجلوا فذبحوا ونصبوا القدور فأمر النبي صلى الله عليه و سلم بالقدور فأكفئت ثم قسم فعدل عشرة من الغنم ببعير فند منها بعير فطلبوه فأعياهم وكان في القوم خيل يسيرة فأهوى رجل منهم بسهم فحبسه الله ثم قال (إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش فما غلبكم منها فاصنعوا به هكذا). فقال جدي إنا نرجو أو نخاف العدو غدا وليست معنا مدى أفنذبح بالقصب؟ قال (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه ليس السن والظفر وسأحدثكم عن ذلك أما السن فعظم وأما الظفر فمدى الحبشة).
الباب الثاني فيما يكون به الصيد: والأصل في هذا الباب آيتان وحديثان:

الآية الأولى: {يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم}. والاية الثانية {قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين} الآية.
وأما الحديثان: الحديث الاول: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله عليها فكل مما أمسكن عليك، وإن أكل الكلب فلا تأكل فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه، وإن خالطها كلاب غيرها فلا تأكل فإنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره" (صحيح البخارى). وسأله عن المعراض فقال "إذا أصاب بعرضه فلا تأكل فإنه وقيذ".
سألت النبي صلى الله عليه و سلم عن المعراض فقال (إذا أصاب بحده فكل وإذا أصاب بعرضه فلا تأكل فإنه وقيذ). قلت يا رسول الله أرسل كلبي وأسمي فأجد معه على الصيد كلبا آخر لم أسم عليه ولا أدري أيهما أخذ؟. قال (لا تأكل إنما سميت على كلبك ولم تسم على الآخر). [ش: (المعراض) سهم لا ريش عليه وفيه خشبة ثقيلة أو عصا وقيل هو عود دقيق الطرفين غليظ الوسط إذا رمي به ذهب مستويا. (وقيذ) موقوذ وهو المقتول بالخشب ونحوه. (أخذ) أي الصيد] (صحيح البخارى).
والحديث الثاني: قوله عليه الصلاة والسلام "ما أصبت بقوسك فسم الله ثم كل، وما صدت بكلبك المعلم فاذكر اسم الله ثم كل، وما صدت بكلبك الذي ليس بمعلم وأدركت ذكاته فكل".
الباب الثالث في معرفة الذكاة المختصة بالصيد وشروطها: الشروط المشترطة في الآلة وفي الصائد وجدتها ثمانية شروط:
اثنان يشتركان في الذكاتين أعني ذكاة المصيد وغير المصيد وهي النية والتسمية.
وستة تختص بهذه الذكاة: أحدها أنها لم تكن الآلة أو الجارح الذي أصاب الصيد قد أنفذ مقاتله فإنه يجب أن يذكى بذكاة الحيوان الإنسي إذا قدر عليه قبل أن يموت مما أصابه من الجارح أو من الضرب. وأما إن كان قد أنفذ مقاتله فليس يجب ذلك وإن كان قد يستحب.

والثاني أن يكون الفعل الذي أصيب به الصيد مبدؤه من الصائد لا من غيره: أعني لا من الآلة كالحال في الحبالة، ولا من الجارح كالحال فيما يصيب الكلب الذي ينشلى من ذاته.
والثالث أن لا يشاركه في العقر من ليس عقره ذكاة.
والرابع أن لا يشك في عين الصيد الذي أصابه وذلك عند غيبته عن عينه.
والخامس أن لا يكون الصيد مقدورا عليه في وقت الإرسال عليه.
والسادس أن لا يكون موته من رعب من الجارح أو بصدمه منه.
الباب الرابع في شروط القانص: جمع خمسة شروط: الإسلام والذكورية والبلوغ والعقل وترك تضيع الصلاة. فأما أهل الكتاب فالعلماء مجمعون على جواز ذبائحهم لقوله تعالى {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم}.

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ [المائدة: 95]}}.
تفسير القرطبي: (لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ): فيه ثلاثون مسألة:

الأولى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} هذا خطاب عام لكل مسلم ذكر وأنثى. وروي أن أبا اليسر واسمه عمرو بن مالك الأنصاري كان محرما عام الحديبية بعمرة فقتل حمار وحش فنزلت فيه {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ}.
الثانية: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ} القتل هو كل فعل يميت الروح، وهو أنواع: منها النحر والذبح والخنق والرضخ وشبهه؛ فحرم الله تعالى على المحرم في الصيد كل فعل يكون مقيتا للروح.

الثالثة: من قتل صيدا أو ذبحه فأكل منه فعليه جزاء واحد لقتله دون أكله. وقال أبو حنيفة: عليه جزاء ما أكل: يعني قيمته، وخالفه صاحباه فقالا: لا شيء عليه سوى الاستغفار.
الرابعة: لا يجوز عندنا ذبح المحرم للصيد، لنهي الله سبحانه المحرم عن قتله.
الخامسة: {الصَّيْدَ} ولفظ الصيد هنا عام في كل صيد بري وبحري حتى جاء قوله تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً} فأباح صيد البحر إباحة مطلقة.
السادسة: اختلف العلماء في خروج السباع من صيد البر وتخصيصها منه؛ فقال مالك: كل شيء لا يعدو من السباع مثل الهر والثعلب والضبع وما أشبهها فلا يقتله المحرم، وإن قتله فداه.
قال عليه السلام: "خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم". {{عن النبي صلى الله عليه و سلم قال (خمس فواسق يقتلن في الحرم الفأرة والعقرب والحديا والغراب والكلب العقور) صحيح البخارى}}.
إنما أذن في قتل العقرب لأنها ذات حمة؛ وفي الفأرة لقرضها السقاء والحذاء اللذين بهما قوام المسافر. وفي الغراب لوقوعه على الظهر ونقبه عن لحومها.
السابعة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح: الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور". وقال: " خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم الحية والغراب الأبقع والفأرة والكلب العقور والحديا". وعن النبي صلى الله عليه وسلم: "ويرمي الغراب ولا يقتله".
الثامنة: {وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} عام في النوعين من الرجال والنساء.
التاسعة- حرم المكان حرمان، حرم المدينة وحرم مكة. وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من وجدتموه يصيد في حدود المدينة أو يقطع شجرها فخذوا سلبه"

العاشرة: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً} ذكر الله سبحانه المتعمد ولم يذكر المخطئ والناسي؛ والمتعمد هنا هو القاصد للشيء مع العلم بالإحرام. والمخطئ هو الذي يقصد شيئا فيصيب صيدا، والناسي هو الذي يتعمد الصيد ولا يذكر إحرامه. واختلف العلماء في ذلك على خمسة أقوال:
الأول: عن ابن عباس قال: إنما التكفير في العمد، وإنما غلظوا في الخطأ لئلا يعودوا.
الثاني: أن قوله: {مُتَعَمِّداً} خرج على الغالب، فألحق به النادر كأصول الشريعة.
الثالث: أنه لا شيء على المخطئ والناسي.
الرابع: أنه يحكم عليه في العمد والخطأ والنسيان: وجب الجزاء في العمد بالقرآن، وفي الخطأ والنسيان بالسنة؛ قال ابن العربي: إن كان يريد بالسنة الآثار التي وردت عن ابن عباس وعمر فنعما هي، وما أحسنها أسوة.
الخامس: أن يقتله متعمدا لقتله ناسيا لإحرامه.
الحادية عشرة: فإن قتله في إحرامه مرة بعد مرة حكم عليه كلما قتله في قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وغيرهم؛ لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} فالنهي دائم مستمر عليه ما دام محرما فمتى قتله فالجزاء لأجل ذلك لازم له. وروي عن ابن عباس قال: لا يحكم عليه مرتين في الإسلام، ولا يحكم عليه إلا مرة واحدة، فإن عاد ثانية فلا يحكم عليه، ويقال له: ينتقم الله منك؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ}.
الثانية عشرة: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} أي فعليه جزاء مثل ما قتل.
الثالثة عشرة: الجزاء إنما يجب بقتل الصيد لا بنفس أخذه.
فمن اصطاد طائرا فنتف ريشه ثم حبسه حتى نسل ريشه فطار لا جزاء عليه.
وكذلك لو قطع يد صيد أو رجله أو شيئا من أعضائه وسلمت نفسه وصح ولحق بالصيد فلا شيء عليه.

الرابعة عشرة: ما يُجزَى من الصيد شيئان: دواب وطير؛ فيُجزَى ما كان من الدواب بنظيره في الخلقة والصورة، ففي النعامة بدنة، وفي حمار الوحش وبقرة الوحش بقرة، وفي الظبي شاة. وأقل ما يجزي عند مالك ما استيسر من الهدي وكان أضحية؛ وذلك كالجذع من الضأن والثني مما سواه، وما لم يبلغ جزاؤه ذلك ففيه إطعام أو صيام.
الخامسة عشرة: من أحرم من مكة فأغلق باب بيته على فراخ حمام فماتت فعليه في كل فرخ شاة.
السادسة عشرة: في بيض النعامة عشر ثمن البدنة عند مالك. وفي بيض الحمامة المكية عنده عشر ثمن الشاة. وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "في كل بيضة نعام صيام يوم أو إطعام مسكين".
السابعة عشرة: وأما ما لا مثل له كالعصافير والفيلة فقيمة لحمه أو عدله من الطعام، دون ما يراد له من الأغراض؛ لأن المراعى فيما له مثل وجوب مثله، فإن عدم المثل فالقيمة قائمة مقامه كالغصب وغيره.
الثامنة عشرة: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} أن رجلا جاء إلى عمر بن الخطاب فقال: إني أجريت أنا وصاحب لي فرسين نستبق إلى ثغرة ثنية، فأصبنا ظبيا ونحن محرمان فماذا ترى؟ فقال عمر لرجل إلى جنبه: تعال حتى أحكم أنا وأنت؛ فحكما عليه بعنز؛ فولى الرجل وهو يقول: هذا أمير المؤمنين لا يستطيع أن يحكم في ظبي حتى دعا رجلا يحكم معه، فسمع عمر بن الخطاب قول الرجل فدعاه فسأله، هل تقرأ سورة {المائدة}؟ فقال: لا؛ قال: هل تعرف الرجل الذي حكم معي؟ فقال: لا، فقال عمر رضي الله عنه: لو أخبرتني أنك تقرأ سورة {المائدة} لأوجعتك ضربا، ثم قال: إن الله سبحانه يقول في كتابه: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ} وهذا عبدالرحمن بن عوف.
التاسعة عشرة: إذا اتفق الحَكَمان لزم الحكم؛ وبه قال الحسن والشافعي. وإن اختلفا نظر في غيرهما. وقال محمد بن المواز: لا يأخذ بأرفع من قوليهما؛ لأنه عمل بغير تحكيم.

الموفية عشرين: ويستأنف الحكم في كل ما مضت فيه حكومة أو لم تمض، ولو اجتزأ بحكومة الصحابة رضي الله عنهم فيما حكموا به من جزاء الصيد كان حسنا. وقد روي عن مالك أنه ما عدا حمام مكة وحمار الوحش والظبي والنعامة لا بد فيه من الحكومة، ويجتزأ في هذه الأربعة بحكومة من مضى من السلف رضي الله عنهم.
الحادية والعشرون: لا يجوز أن يكون الجاني أحد الحكمين.
الثانية والعشرون: إذا اشترك جماعة محرمون في قتل صيد فقال مالك وأبو حنيفة: على كل واحد جزاء كامل. وقال الشافعي: عليهم كلهم كفارة واحدة لقضاء عمر وعبدالرحمن. وروى الدارقطني أن موالي لابن الزبير أحرموا إذ مرت بهم ضبع فحذفوها بعصيهم فأصابوها، فوقع في أنفسهم، فأتوا ابن عمر فذكروا له فقال: عليكم كلكم كبش؛ قالوا: أو على كل واحد منا كبش؛ قال: إنكم لمعزز بكم، عليكم كلكم كبش. قال اللغويون: لمعزز بكم أي لمشدد عليكم.
الثالثة والعشرون: قال أبو حنيفة: إذا قتل جماعة صيدا في الحرم وكلهم محلون، عليهم جزاء واحد، بخلاف ما لو قتله المحرمون في الحل والحرم؛ فإن ذلك لا يختلف. وقال مالك: على كل واحد منهم جزاء كامل، بناء على أن الرجل يكون محرما بدخوله الحرم، كما يكون محرما بتلبيته بالإحرام، وكل واحد من الفعلين قد أكسبه صفة تعلق بها نهي.
الرابعة والعشرون: {هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ} المعنى أنهما إذا حكما بالهدي فإنه يفعل به ما يفعل بالهدي من الإشعار والتقليد، ويرسل من الحل إلى مكة، وينحر ويتصدق به فيها؛ لقوله: {هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ} ولم يرد الكعبة بعينها فإن الهدي لا يبلغها.
الخامسة والعشرون: {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} الكفارة إنما هي عن الصيد لا عن الهدي.
أحسن ما سمعت في الذي يقتل الصيد فيحكم عليه فيه، أنه يقوم الصيد الذي أصاب، فينظركم ثمنه من الطعام، فيطعم لكل مسكين مدا، أو يصوم مكان كل مد يوما.

إذا قتل المحرم ظبيا أو نحوه فعليه شاة تذبح بمكة؛ فإن لم يجد فإطعام ستة مساكين، فإن لم يجد فعليه صيام ثلاثة أيام؛ وإن قتل إيلا أو نحوه فعليه بقرة، فإن لم يجد أطعم عشرين مسكينا، فإن لم يجد صام عشرين يوما؛ وإن قتل نعامة أو حمارا فعليه بدنة، فإن لم يجد فإطعام ثلاثين مسكينا، فإن لم يجد فصيام ثلاثين يوما. والطعام مد مد لشبعهم.
السادسة والعشرون: يلزم المتلف أكثر القيمتين، من يوم الإتلاف إلى يوم الحكم. قال ابن العربي: واختلف علماؤنا كاختلافهم، والصحيح أنه تلزمه القيمة يوم الإتلاف؛ والدليل على ذلك أن الوجود كان حقا للمتلف عليه، فإذا أعدمه المتلف لزمه إيجاده بمثله، وذلك في وقت العدم.
السابعة والعشرون: أما الهدي فلا خلاف أنه لا بد له من مكة؛ لقوله تعالى: {هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ}. وأما الإطعام فاختلف فيه قول مالك هل يكون بمكة أو بموضع الإصابة؛ وإلى كونه بمكة ذهب الشافعي.
الثامنة والعشرون: {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً} يصوم عن كل مد يوما، وإن زاد على شهرين أو ثلاثة.
التاسعة والعشرون: {لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} الذوق هنا مستعار كقوله تعالى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} وقال: {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} وحقيقة الذوق إنما هي في حاسة اللسان، وهي في هذا كله مستعارة ومنه الحديث " ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا ".
صحيح مسلم: عن العباس بن عبدالمطلب؛ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول" ذاق طعم الإيمان، من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا".
وعن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإيمان بضع وستون شعبة. فأفضلها قول لا إله إلا الله. وأدناها إماطة الأذى عن الطريق. والحياء شعبة من الإيمان".
الموفية ثلاثين: {عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ} بمعنى في جاهليتكم من قتلكم الصيد. قبل نزول الكفارة.

{وَمَنْ عَادَ} يعني للمنهي {فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} أي بالكفارة. وقيل: المعنى {فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} يعني في الآخرة إن كان مستحلا؛ ويكفر في ظاهر الحكم.
))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: لا تسألوا عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم
***************************************
= ترجمة صحابي: وعبدالله بن حذافة أسلم قديما، وهاجر إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية
= والذي نفسي بيده لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت ما أطقتموها ولو لم تطيقوها لكفرتم
= إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات وواد البنات ومنعا وهات وكره لكم ثلاثا، قيل، وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال
= والمراد بكثرة المسائل السؤال عما لا يعني من أحوال الناس بحيث يؤدي ذلك إلى كشف عوراتهم والاطلاع على مساوئهم
= وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يلعن من سأل عما لم يكن.
= ما سألوه إلا عن ثلاث عشرة مسألة حتى قبض، كلهن في القرآن؛ منهن {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ}
= والذي ينبغي للعالم أن يشتغل به هو بسط الأدلة، وإيضاح سبل النظر، وتحصيل مقدمات الاجتهاد
= وذلك أن في أول الآية النهي عن السؤال ثم قال: {وَإِنْ تَسْأَلوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ} فأباحه لهم
= إن الله أحل وحرم، فما أحل فاستحلوه، وما حرم فاجتنبوه، وترك بين ذلك أشياء لم يحلها ولم يحرمها، فذلك عفو من الله.
= إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها وحرم حرمات فلا تنتهكوها وحدد حدودا فلا تعتدوها وسكت عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ [المائدة: 101]}}.

تفسير القرطبي: {لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}: فيه عشر مسائل:
الأولى: عن أنس قال، قال رجل: يا نبي الله، من أبي؟ قال: "أبوك فلان" قال فنزلت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} الآية. وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: "فوالله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به ما دمت في مقامي هذا" فقام إليه رجل فقال: أين مدخلي يا رسول الله؟ قال: "النار". فقام عبدالله بن حذافة فقال: من أبي يا رسول الله فقال: "أبوك حذافة".
ترجمة صحابي: وعبدالله بن حذافة أسلم قديما، وهاجر إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية، وشهد بدرا وكانت فيه دعابة، وكان رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أرسله إلى كسرى بكتاب رسول الله صلى الله عليه سلم؛ ولما قال من أبي يا رسول الله؛ قال: "أبوك حذافة" قالت له أمه: ما سمعت بابن أعق منك آمنت أن تكون أمك قارفت ما يقارف نساء الجاهلية فتفضحها على أعين الناس! فقال: والله لو ألحقني بعبد أسود للحقت به.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس كتب عليكم الحج" فقام رجل فقال: في كل عام يا رسول الله؟ فأعرض عنه، ثم عاد فقال: في كل عام يا رسول الله؟ فقال: "ومن القائل"؟ قالوا: فلان؛ قال: "والذي نفسي بيده لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت ما أطقتموها ولو لم تطيقوها لكفرتم" فأنزل الله تعالى: {لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} الآية.
الثانية: عن المغيرة بن شعبة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات وواد البنات ومنعا وهات وكره لكم ثلاثا، قيل، وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال " قال كثير من العلماء: المراد بقوله "وكثرة السؤال" التكثير من السؤال في المسائل الفقهية تنطعا، وتكلفا فيما لم ينزل.

وقيل: المراد بكثرة المسائل كثرة سؤال الناس الأموال والحوائج إلحاحا واستكثار.
والمراد بكثرة المسائل السؤال عما لا يعني من أحوال الناس بحيث يؤدي ذلك إلى كشف عوراتهم والاطلاع على مساوئهم. وهذا مثل قوله تعالى: {وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً}.
الثالثة: اعتقد قوم من الغافلين تحريم أسئلة النوازل حتى تقع تعلقا بهذه الآية وليس كذلك لأن هذه الآية مصرحة بأن السؤال المنهي عنه إنما كان فيما تقع المساءة في جوابه ولا مساءة في جواب نوازل الوقت فافترقا. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يلعن من سأل عما لم يكن.
وعن ابن عباس قال: ما رأيت قوما كانوا خيرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما سألوه إلا عن ثلاث عشرة مسألة حتى قبض، كلهن في القرآن؛ منهن {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ}، {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} وشبهه ما كانوا يسألون إلا عما ينفعهم.
الرابعة: السؤال اليوم لا يخاف منه أن ينزل تحريم ولا تحليل من أجله، فمن سأل مستفهما راغبا في العلم ونفي الجهل عن نفسه، باحثا عن معنى يجب الوقوف في الديانة عليه، فلا بأس به فشفاء العي السؤال.
والذي ينبغي للعالم أن يشتغل به هو بسط الأدلة، وإيضاح سبل النظر، وتحصيل مقدمات الاجتهاد، وإعداد الآلة المعينة على الاستمداد؛ فإذا عرضت نازلة أتيت من بابها، ونشدت في مظانها، والله يفتح في صوابها.
الخامسة: {وَإِنْ تَسْأَلوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ} وفيه غموض: وذلك أن في أول الآية النهي عن السؤال ثم قال: {وَإِنْ تَسْأَلوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ} فأباحه لهم. فقيل: المعنى وإن تسألوا عن غيرها فيما مست الحاجة إليه، فحذف المضاف، ولا يصح حمله على غير الحذف.

فالمعنى وإن تسألوا عن أشياء حين ينزل القرآن من تحليل أو تحريم أو حكم، أو مست حاجتكم إلى التفسير، فإذا سألتم فحينئذ تبد لكم؛ فقد أباح هذا النوع من السؤال: ومثاله أنه بين عدة المطلقة والمتوفى عنها زوجها والحامل، ولم يجز ذكر عدة التي ليست بذات قرء ولا حامل، فسألوا عنها فنزل {وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ}. فالنهي إذا في شيء لم يكن بهم حاجة إلى السؤال فيه؛ فأما ما مست الحاجة إليه فلا.
السادسة: {عَفَا اللَّهُ عَنْهَا} أي عن المسألة التي سلفت منهم. وقيل: عن الأشياء التي سألوا عنها من أمور الجاهلية وما جرى مجراها. وقيل: العفو بمعنى الترك؛ أي تركها ولم يعرف بها في حلال ولا حرام فهو معفو عنها فلا تبحثوا عنه فلعله إن ظهر لكم حكمه من ساءكم.
وكان عبيد بن عمير يقول: إن الله أحل وحرم، فما أحل فاستحلوه، وما حرم فاجتنبوه، وترك بين ذلك أشياء لم يحلها ولم يحرمها، فذلك عفو من الله.
وعن أبي ثعلبة الخشني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها وحرم حرمات فلا تنتهكوها وحدد حدودا فلا تعتدوها وسكت عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها ".
السابعة: {قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ} أخبر تعالى أن قوما من قبلنا قد سألوا آيات مثلها، فلما أعطوها وفرضت عليهم كفروا بها، وقالوا: ليست من عند الله؛ وذلك كسؤاله قوم صالح الناقة، وأصحاب عيسى المائدة؛ وهذا تحذير مما وقع فيه من سبق من الأمم.
الثامنة: إن قال قائل: ما ذكرتم من كراهية السؤال والنهى عنه، يعارضه قوله تعالى: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} فالجواب؛ أن هذا الذي أمر الله به عباده هو ما تقرر وثبت وجوبه مما يجب عليهم العمل به، والذي جاء فيه النهي هو ما لم يتعبدالله عباده به؛ ولم يذكره في كتابه.

التاسعة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم على المسلمين فحرم عليهم من أجله مسألته.
العاشرة: لا تعلق للقدرية بهذا الحديث في أن الله تعالى يفعل شيئا من أجل شيء وبسببه، تعالى الله عن ذلك؛ فإن الله على كله شيء قدير، وهو بكل شيء عليم؛ بل السبب والداعي فعله من أفعاله، لكن سبق القضاء والقدر أن يحرم من الشيء المسؤول عنه إذا وقع السؤال فيه؛ لا أن السؤال موجب للتحريم، وعلة {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}.

صحيح البخارى: خطب رسول الله صلى الله عليه و سلم خطبة ما سمعت مثلها قط قال (لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا). قال فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم وجوههم لهم خنين فقال رجل من أبي؟ قال (فلان). فنزلت هذه الآية {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم}. [ش: (ما أعلم) من عظمة الله تعالى وشدة عقابه لأهل المعاصي ومن أهوال يوم القيامة. (خنين) خروج الصوت من الأنف مع البكاء وفي رواية (حنين) وهو صوت مرتفع بالبكاء يخرج من الصدر. (رجل) قيل هو عبد الله بن حذافة رضي الله عنه وقيل غيره. (إن تبد لكم) تظهر. (تسؤكم) يصبكم بها السوء لما فيها من مشقة عليكم / المائدة 101 /].
وكان قوم يسألون رسول الله صلى الله عليه و سلم استهزاء فيقول الرجل من أبي؟ ويقول الرجل تضل ناقته أين ناقتي؟ فأنزل الله فيهم هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم}. حتى فرغ من الآية كلها.

وعن أنس رضي الله عنه: سألوا رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أحفوه بالمسألة فغضب فصعد المنبر فقال (لا تسألونني اليوم عن شيء إلا بينته لكم). فجعلت أنظر يمينا وشمالا فإذا كل رجل لاف رأسه في ثوبه يبكي فإذا رجل كان إذا لاحى الرجال يدعى لغير أبيه فقال يا رسول الله من أبي؟ قال (حذافة). ثم أنشأ عمر فقال رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه و سلم رسولا نعوذ بالله من الفتن فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم (ما رأيت في الخير والشر كاليوم قط إنه صورت لي الجنة والنار حتى رأيتهما وراء الحائط). [ش: (أحفوه المسألة) ألحوا عليه في السؤال وأكثروا من سؤاله فيما يكره الجواب عنه. (لاحى) خاصم ونازع. (يدعى) ينسب. (لغير أبيه) المشهور به (أنشأ) شرع. (إن تبد لكم تسؤكم) إن أظهرت لكم وبينت أصابكم ما تكرهون وما يوقعكم في الغم والهم. / المائدة 101 /].

فتح الباري لابن حجر: قوله تعالى: (لا تسألوا عن أشياء أن تبد لكم تسؤكم): ويحتمل أن يكون المعنى أقرءوا والزموا الائتلاف على ما دل عليه وقاد إليه فإذا وقع الاختلاف أو عرض عارض شبهة يقتضي المنازعة الداعية إلى الافتراق فاتركوا القراءة وتمسكوا بالمحكم الموجب للالفة وأعرضوا عن المتشابه المؤدي إلى الفرقة. وهو كقوله صلى الله عليه و سلم: (فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فاحذروهم). ويحتمل أنه ينهى عن القراءة إذا وقع الاختلاف في كيفية الأداء بأن يتفرقوا عند الاختلاف ويستمر كل منهم على قراءته. ومثله ما تقدم عن بن مسعود لما وقع بينه وبين الصحابيين الآخرين الاختلاف في الأداء فترافعوا إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال كلكم محسن وبهذه النكتة تظهر الحكمة.

تعريف المبتوتة: المطلَّقة طلاقا بائنا لا رجعة فيه
**********************************

سنن النسائي الكبرى: أن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان طلق ابنة سعيد بن زيد وأمها حمنة بنت قيس البتة فأمرتها خالتها فاطمة بنت قيس بالانتقال من بيت عبد الله بن عمرو فسمع بذلك مروان فأرسل إليها فأمرها أن ترجع إلى مسكنها حتى تنقضي عدتها فأرسلت إليه تخبره أن خالتها فاطمة أفتتها بذلك وأخبرتها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أفتاها بالانتقال حين طلقها أبو عمرو بن حفص المخزومي فأرسل مروان قبيصة بن ذؤيب إلى فاطمة يسألها عن ذلك فزعمت أنها كانت تحت أبي عمرو فلما أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم علي بن أبي طالب على اليمن خرج معه فأرسل إليها بتطليقه وهي بقية طلاقها وأمر لها الحارث بن هشام وعياش بن أبي ربيعة بنفقتها وأرسلت إلى الحارث وعياش تسألهما النفقة التي أمر لها بها زوجها فقالا والله ما لها علينا نفقة إلا أن تكون حاملا ومالها أن تسكن في مسكننا إلا بإذننا.
فزعمت فاطمة أنها أتت رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكرت ذلك له فصدقهما قالت فقلت فأين أنتقل يا رسول الله فقال انتقلي عند بن أم مكتوم وهو الأعمى الذي عاتبه الله عز و جل في كتابه فانتقلت عنده فكنت أضع ثيابي عنده حتى أنكحها رسول الله صلى الله عليه و سلم زعمت أسامة بن زيد.

معرفة السنن والآثار للبيهقي: عن عمرو بن ميمون بن مهران، عن أبيه قال: قدمت المدينة فسألت عن أعلم أهلها، فرفعت إلى سعيد بن المسيب فسألته عن المبتوتة، فقال: «تعتد في بيت زوجها»، قلت: فأين حديث فاطمة بنت قيس؟.
فقال: «هاه، ووصف أنه تغيظ»، وقال: فتنت فاطمة الناس، كانت للسانها ذرابة، فاستطالت على أحمائها، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم.

سبل السلام للصنعاني: أن سبيعة الأسلمية نفست بعد وفاة زوجها هو سعيد بن خولة توفي بمكة بعد حجة الوداع بليال: (أنها وضعت بعد وفاة زوجها بأربعين ليلة). فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنته أن تنكح فأذن لها فنكحت. قال الزهري ولا أرى بأسا أن تزوج وهي في دمها أي دم نفاسها غير أنه لا يقربها زوجها حتى تطهر. والحديث دليل على أن الحامل المتوفى عنها زوجها تنقضي عدتها بوضع الحمل وإن لم يمض عليها أربعة أشهر وعشر.
))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: شهادة بينكم اذا حضر احدكم الموت حين الوصية
***************************************
= كلمة {شَهِدَ} في كتاب الله تعالى اتت يمعاني مختلفة
= {إِذَا حَضَرَ} معناه إذا قارب الحضور، وإلا فإذا حضر الموت لم يشهد ميت
= {ذَوَا عَدْلٍ} بين أنه أراد رجلين؛ لأنه لفظ لا يصلح إلا للمذكر، كما أن {ذَوَاتَا} لا يصلح إلا للمؤنث.
= وأن النبي صلى الله عليه وسلم حبس رجلا في تهمة
= {مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ} يريد صلاة العصر؛ لأن أهل الأديان يعظمون ذلك الوقت ويتجنبون فيه الكذب واليمين الكاذبة
= لا تكون اليمين في مقطع الحق في أقل من ثلاثة دراهم قياسا على القطع - لا تكون اليمين في ذلك في أقل من عشرين دينارا قياسا على الزكاة
= (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك). وأن الحلف بغير الله كفر أو شرك، ولكن إنه كفر فهو كفر دون كفر، إنما هو كفر جزئي، بمعنى أنه جهل لما أمرنا به من الحلف بالله تعالى

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ [المائدة: 106]}}.

صحيح البخارى: {{[ش: (شهادة بينكم) ليشهد بينكم. (حضر أحدكم الموت) حضرته أسبابه. (ذوا عدل) عادلان. (منكم) من المسلمين. (من غيركم) من غير المسلمين. (ضربتم في الأرض) سافرتم. (أصابتكم مصيبة الموت) نزلت فيكم أسبابه. (تحبسونهما) توقفونهما. (ارتبتم) شككتم أنهما خانا. (لا نشتري به) لا نعتاض بالقسم. (ثمنا) عوضا نأخذه من أعراض الدنيا. (ولو كان ذا قربى) ولو كان المشهود عليه قريبا منا فإننا لا نحابيه. (عثر) اطلع بعد حلفهما. (إثما) فعل ما يوجب الإثم من خيانة أو كذب في الشهادة. (يقومان مقامهما) في توجيه اليمين عليهما. (من الذين استحق عليهم) من الذين جني عليهم وهم أهل الميت وعشيرته. (الأوليان) أي هما الأحقان بالشهادة لقرابتهما ومعرفتهما الذين يستحقون الوصية. (ذلك) الذي تقدم من بيان الحكم. (أدنى) أقرب أن يأتي الشهداء أو الأوصياء. (على وجهها) حقيقتها التي تحملوها عليها من غير تحريف ولا خيانة. (ترد أيمان) تكرر أيمان بشهود آخرين فيفتضحوا بظهور كذبهم]}}.

فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري وعدي بن بداء فمات السهمي بأرض ليس بها مسلم فلما قدما بتركته فقدوا جاما من فضة مخوصا من ذهب فأحلفهما رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم وجد الجام بمكة فقالوا ابتعناه من تميم وعدي فقام رجلان من أوليائه فحلفا لشهادتنا أحق من شهادتهما وإن الجام لصاحبهم. قال وفيهم نزلت هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم}. [ش: (تميم. . عدي) كانا نصرانيين عندما حدثت القصة المذكورة في الحديث وتميم أسلم بعد ذلك رضي الله عنه وأما عدي فلم يسلم. (جاما) كأسا. (مخوصا) منقوشا فيه خطوط دقيقة طويلة كالخوص وهو ورق النخل. (أوليائه) من أولياء السهمي والرجلان هما عمرو بن العاص والآخر قيل هو المطلب بن أبي وداعة رضي الله عنهما].
تفسير القرطبي: (شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ): فيه سبع وعشرون مسألة:
الأولى: وعن تميم الداري في هذه الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} برئ منها الناس غيري وغير عدي بن بداء وكانا نصرانيين يختلفان إلى الشام قبل الإسلام، فأتيا الشام بتجارتهما، وقدم عليهما مولى لبني سهم يقال له: بديل بن أبي مريم بتجارة، ومعه جام من فضة يريد به الملك، وهو عُظْم تجارته، فمرض فأوصى إليهما، وأمرهما أن يبلغا ما ترك أهله؛ قال تميم: فلما مات أخذنا ذلك الجام فبعناه بألف درهم ثم

اقتسمناها أنا وعدي بن بداء، فلما قدمنا إلى أهله دفعنا إليهم ما كان معنا، وفقدوا الجام فسألونا عنه فقلنا: ما ترك غير هذا، وما دفع إلينا غيره؛ قال تميم: فلما أسلمت بعد قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة تأثمت من ذلك، فأتيت أهله وأخبرتهم الخبر، وأديت إليهم خمسمائة درهم، وأخبرتهم أن عند صاحبي مثلها، فأتوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألهم البينة فلم يجدوا، فأمرهم أن يستحلفوه بما يقطع به على أهل دينه، فحلف فأنزل الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} إلى قوله {بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ} فقام عمرو بن العاص ورجل آخر منهم فحلفا فنزعت الخمسمائة من يدي عدي بن بداء.
الثانية: {شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ}: كلمة {شَهِدَ} في كتاب الله تعالى اتت يمعاني مختلفة: منها قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} قيل: معناه أحضروا. ومنها {شَهِدَ} بمعنى قضى أي أعلم؛ قاله أبو عبيدة كقوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} ومنها {شَهِدَ} بمعنى أقر؛ كقوله تعالى: {وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ} ومنها {شَهِدَ} بمعنى حكم؛ قال الله تعالى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا}. ومنها {شَهِدَ} بمعنى حلف؛ كما في اللعان. {و شَهِدَ} بمعنى وصى؛ كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} وقيل: معناه هنا الحضور للوصية؛ يقال: شهدت وصية فلان أي حضرتها.
وذهب الطبري إلى أن الشهادة بمعنى اليمين؛ فيكون المعنى يمين ما بينكم أن يحلف اثنان؛ واستدل على أن ذلك غير الشهادة التي تؤدى للمشهود له بأنه لا يعلم لله حكم يجب فيه على الشاهد يمين. وسميت اليمين شهادة؛ لأنه يثبت بها الحكم كما يثبت بالشهادة. واختار ابن عطية أن الشهادة هنا هي الشهادة التي تحفظ فتؤدى، وضعف كونها بمعنى الحضور واليمين.
الثالثة: {بَيْنِكُمْ} قيل: معناه ما بينكم

الرابعة: {إِذَا حَضَرَ} معناه إذا قارب الحضور، وإلا فإذا حضر الموت لم يشهد ميت. وهذا كقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ}. وكقوله: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ} ومثله كثير. والعامل في {إِذَا} المصدر الذي هو {شَهَادَةً}.
الخامسة: {حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ} {حِينَ} ظرف زمان والعامل فيه {حَضَرَ} وقوله: {اثْنَانِ} يقتضي بمطلقه شخصين، ويحتمل رجلين، إلا أنه لما قال بعد ذلك: {ذَوَا عَدْلٍ} بين أنه أراد رجلين؛ لأنه لفظ لا يصلح إلا للمذكر، كما أن {ذَوَاتَا} لا يصلح إلا للمؤنث.
السادسة: {ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} {ذَوَا عَدْلٍ} صفة لقوله: {اثْنَانِ} و {مِنْكُمْ} صفة بعد صفة. وقوله: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} أي أو شهادة آخرين من غيركم؛ فمن غيركم صفة لآخرين.
وهذا الفصل هو المشكل في هذه الآية، والتحقيق فيه أن يقال: اختلف العلماء فيه على ثلاثة أقوال:
الأول: {مِنْكُمْ} ضمير للمسلمين {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} للكافرين فعلى هذا تكون شهادة أهل الكتاب على المسلمين جائزة في السفر إذا كانت وصية. وأن الله تعالى أخبر أن حكمه في الشهادة على الموصي إذا حضر الموت أن تكون شهادة عدلين فإن كان في سفر وهو الضرب في الأرض، ولم يكن معه أحد من المؤمنين، فليشهد شاهدين ممن حضره من أهله الكفر، فإذا قدما وأديا الشهادة على وصيته حلفا بعد الصلاة أنهما ما كذبا وما بدلا، وأن ما شهدا به حق، ما كتما فيه شهادة وحكم بشهادتهما؛ فإن عثر بعد ذلك على أنهما كذبا أو خانا، ونحو هذا مما هو إثم حلف رجلان من أولياء الموصي في السفر، وغرم الشاهدان ما ظهر عليهما.
القول الثاني: {أوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} منسوخ. وقال ابو حنيفة: تجوز شهادة الكفار بعضهم على بعض؛ ولا تجوز على المسلمين.

القول الثالث: {مِنْكُمْ} أي من عشيرتكم وقرابتكم؛ لأنهم أحفظ وأضبط وأبعد عن النسيان. ومعنى قوله: {وْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} أي من غير القرابة والعشيرة.
السابعة- استدل أبو حنيفة بهذه الآية على جواز شهادة الكفار من أهل الذمة فيما بينهم.
الثامنة: {إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ} أي سافرتم.
التاسعة: {تَحْبِسُونَهُمَا} وهذه الآية أصل في حبس من وجب عليه حق؛ والحقوق على قسمين: منها ما يصلح استيفاؤه معجلا؛ ومنها ما لا يمكن استيفاؤه إلا مؤجلا؛ فإن خلي من عليه الحق غاب واختفى وبطل الحق وتوي فلم يكن بد من التوثق منه فإما بعوض عن الحق وهو المسمى رهنا؛ وإما بشخص ينوب منابه في المطالبة والذمة وهو الحميل؛ وهو دون الأول؛ لأنه يجوز أن يغيب كمغيبه ويتعذر وجوده كتعذره؛ ولكن لا يمكن أكثر من هذا فإن تعذرا جميعا لم يبق إلا التوثق بحبسه حتى تقع منه التوفية لما كان عليه من حق؛ أو تبين عسرته.
العاشرة: فإن كان الحق بدنيا لا يقبل البدل كالحدود والقصاص ولم يتفق استيفاؤه معجلا؛ لم يكن فيه إلا التوثق بسجنه؛ ولأجل هذه الحكمة شرع السجن. وأن النبي صلى الله عليه وسلم حبس رجلا في تهمة.
قال الخطابي: الحبس على ضربين؛ حبس عقوبة، وحبس استظهار، فالعقوبة لا تكون إلا في واجب، وأما ما كان في تهمة فإنما يستظهر بذلك ليستكشف به ما وراءه. وقد روي أنه حبس رجلا في تهمة ساعة من نهار ثم خلى عنه. السجن.
الحادية عشرة: {مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ} يريد صلاة العصر؛ لأن أهل الأديان يعظمون ذلك الوقت ويتجنبون فيه الكذب واليمين الكاذبة. وقال الحسن: صلاة الظهر. وقيل: أي صلاة كانت.
وفي الصحيح "من حلف على يمين كاذبة بعد العصر لقي الله وهو عليه غضبان".

صحيح البخارى: عن النبي صلى الله عليه و سلم قال (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم رجل حلف على سلعة لقد أعطى بها أكثر مما أعطى وهو كاذب ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر ليقتطع بها مال رجل مسلم ورجل منع فضل ماء فيقول الله اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك). احكام القران للجصاص: عن ابن سيرين وقتادة: استحلفا بعد العصر; وإنما استحلفا بعد العصر تغليظا لليمين في الوقت المعظم كما قال تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] قيل صلاة العصر.
الثانية عشرة- هذه الآية أصل في التغليظ في الأيمان، والتغليظ يكون بأربعة أشياء: أحدها: الزمان كما ذكرنا. الثاني: المكان كالمسجد والمنبر. الثالث: الحال يحلف قائما مستقبل القبلة؛ لأن ذلك أبلغ في الردع والزجر. ويحلف كما يحكم عليه بها إن كان قائما فقائما وإن جالسا فجالسا.
الرابع: التغليظ باللفظ؛ فذهبت طائفة إلى الحلف بالله لا يزيد عليه لقوله تعالى: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ}. وقوله عليه السلام: "من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت".
صحيح البخارى: عن عبد الله رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه و سلم قال (من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت). [ش: (حالفا) يريد أن يحلف. (ليصمت) ليسكت ولا يحلف أصلا].
فتح الباري لابن حجر: (فليحلف بالله أو ليصمت): قال العلماء السر في النهي عن الحلف بغير الله ان الحلف بالشيء يقتضي تعظيمه والعظمة في الحقيقة انما هي لله وحده.

شرح عمدة الأحكام للمنجد: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت)، وذلك لأن الحلف تعظيم للمحلوف به، فالذي تحلف به يكون قدره في قلبك عظيماً، فتعظمه بهذه اليمين. والتعظيم لا يصلح إلا لله تعالى، فلا يجوز لأحد أن يعظم مخلوقاً، ولهذا جاء الأمر بالحلف بالله وحده، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من حلف بالله فليصدق، ومن حُلف له بالله فليرض، ومن لم يرض فليس من الله)، فأمر الذي يحلف بالله أن يحلف وهو صادق، ونهاه أن يحلف بغير الله أياً كان ذلك المحلوف به.
وكان أهل الجاهلية يحلفون بآبائهم، وبقي ذلك عند بعض من أسلم، حتى إن عمر رضي الله عنه -وهو من أذكى الناس وأفطنهم- حلف مرة بعدما أسلم بأبيه، فقال: بأبي إن الأمر كذا وكذا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت)، ولما سمعه عمر رضي الله عنه امتثل ذلك، فتوقف عن هذا منذ أن نهاه. وذلك لأن الصحابة وقافون عند حدود الله، ومتى أمرهم الله بأمر توقفوا عنده، ومتى أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأمر امتثلوه ولم يتجاوزوه، فلذلك يقول عمر (والله ما حلفت بأبي بعد ذلك ذاكراً ولا آثراً. يعني: لا ذاكراً له مبتدئاً له من نفسي، ولا آثراً ناقلاً لكلامي عن غيري.

قال صلى الله عليه وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك). وأن الحلف بغير الله كفر أو شرك، ولكن إنه كفر فهو كفر دون كفر، إنما هو كفر جزئي، بمعنى أنه جهل لما أمرنا به من الحلف بالله تعالى، وإذا قيل: إنه شرك فإنه من الشرك الأصغر الذي هو دون الأكبر، ولا يخرج من الملة، ولكن ما دام أن اسمه شرك فإنه لا يغفر إلا بالتوبة، وهو داخل في الآية الكريمة: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء:48]، فالذي يموت وهو مصر على نوع من الشرك كالحلف بغير الله يعتبر من الذين لا يغفر شركهم، بل لابد من عقوبتهم على قدر شركهم بما يقدره الله تعالى.
الثالثة عشرة: لا تكون اليمين في مقطع الحق في أقل من ثلاثة دراهم قياسا على القطع، وكل مال تقطع فيه اليد وتسقط به حرمة العضو فهو عظيم. وقال الشافعي: لا تكون اليمين في ذلك في أقل من عشرين دينارا قياسا على الزكاة.
الرابعة عشرة: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} أي لليمين.
الخامسة عشرة: {فَيُقْسِمَانِ}؟ فقيل: الوصيان إذا ارتيب في قولهما وقيل: الشاهدان إذا لم يكونا عدلين وارتاب بقولهما الحاكم حلفهما.
السادسة عشرة: {إِنِ ارْتَبْتُمْ} شرط لا يتوجه تحليف الشاهدين إلا به، ومتى لم يقع ريب ولا اختلاف فلا يمين. ويظهر من حكم أبي موسى في تحليف الذميين أنه باليمين تكمل شهادتهما وتنفذ الوصية لأهلها.
السابعة عشرة: {إِنِ ارْتَبْتُمْ} يتعلق بقوله: {تَحْبِسُونَهُمَا} لا بقوله {فَيُقْسِمَانِ} لأن هذا الحبس سبب القسم.
الثامنة عشرة: {لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} أي يقولان في يمينهما لا نشتري بقسمنا عوضا نأخذه بدلا مما أوصى به ولا ندفعه إلى أحد ولو كان الذي نقسم له ذا قربى منا.
التاسعة عشرة: {لا نَشْتَرِي} والمعنى: لا نبيع حظنا من الله تعالى بهذا العرض. كما قال صلى الله عليه وسلم: "واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب.

الموفية عشرين: {ثَمَناً} المعنى ذا ثمن أي سلعة ذا ثمن. وإذا أفلس المبتاع ووجد البائع متاعه هل يكون أولى به؟ قال أبو حنيفة: لا يكون أولى به. وقال مالك: هو أحق بها في الفلس دون الموت.
الحادية والعشرون: {وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ} أي ما أعلمنا الله من الشهادة.
الثانية والعشرون: {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً} الإثم هنا اسم الشيء المأخوذ؛ لأن آخذه بأخذه آثم، فسمي إثما كما سمي ما يؤخذ بغير حق مظلمة
الثالثة والعشرون: {فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا} يعني في الأيمان أو في الشهادة؛ وقال {آخَرَانِ} بحسب أن الورثة كانا اثنين.
الرابعة والعشرون: {مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ} المعنى استحق عليهم الإيصاء.
الخامسة والعشرون: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} أي يحلفان الآخران اللذان يقومان مقام الشاهدين "أن الذي قال صاحبنا في وصيته حق، وأن المال الذي وصى به إليكما كان أكثر مما أتيتمانا به وأن هذا الإناء لمن متاع صاحبنا الذي خرج به معه وكتبه في وصيته، وأنكما خنتما" فذلك قوله: {لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا} أي يميننا أحق من يمينهما.
السادسة والعشرون: {ذَلِكَ أَدْنَى} أي أحرى أن يحذر الناس الخيانة فيشهدوا بالحق خوف الفضيحة في رد اليمين على المدعي.
السابعة والعشرون: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا} أي اسمعوا ما يقال لكم، قابلين له متبعين. {وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} إذا خرج من الطاعة إلى المعصية.
)))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: ما لكم اذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم
اذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكر الله
قاتلوا الذين يلونكم من الكفار
****************************************
= غزوة تبوك، وكانت سنة تسع من الهجرة بعد الفتح بعام

= اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ - وقرأ الأعمش {تَثَاقَلْتُمْ}
= (أثاقلتم) تباطأتم وتكاسلتم وملتم إلى المقام وترك الجهاد (صحيح البخارى)
= اذكروا الله عند جزع قلوبكم، فإن ذكره يعين على الثبات في الشدائد - اثبتوا بقلوبكم، واذكروه بألسنتكم، فإن القلب لا يسكن عند اللقاء ويضطرب اللسان - اذكروا ما عندكم من وعد الله لكم في ابتياعه أنفسكم ومثامنته لكم
= ففرض الله جهاد المشركين، ثم أبان من الذين يبدأ بجهادهم من المشركين، فاعلم أنهم الذين يلون المسلمين

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ [التوبة: 38]}}.
تفسير القرطبي: {مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ٌ}: فيه مسألتان:
الأولى: {مَا لَكُمْ} {مَا} حرف استفهام معناه التقرير والتوبيخ التقدير: أي شيء يمنعكم عن كذا كما تقول: مالك عن فلان معرضا. ولا خلاف أن هذه الآية نزلت عتابا على تتخلف من تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وكانت سنة تسع من الهجرة بعد الفتح بعام. والنفر: هو التنقل بسرعة من مكان إلى مكان لأمر يحدث. ومنه قوله تعالى: {وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً} [الإسراء: 46].

الثانية: {اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ} معناه أثاقلتم إلى نعيم الأرض، أو إلى الإقامة بالأرض. وهو توبيخ على ترك الجهاد وعتاب على التقاعد عن المبادرة إلى الخروج، وهو نحو من أخلد إلى الأرض. وأصله تثاقلتم، أدغمت التاء في الثاء لقربها منها، واحتاجت إلى ألف الوصل لتصل إلى النطق بالساكن، ومثله {ادَّارَكُوا} [الأعراف: 38] و {ادَّارَأْتُمْ} [البقرة: 72] و {اطَّيَّرْنَا} [النمل: 47] و {وَازَّيَّنَتْ} [يونس: 24].
وقرأ الأعمش {تَثَاقَلْتُمْ}. حكاه المهدوي. وكانت تبوك - ودعا الناس إليها - في حرارة القيظ وطيب الثمار وبرد الظلال - كما جاء في الحديث الصحيح على ما يأتي - فاستولى على الناس الكسل فتقاعدوا وتثاقلوا فوبخهم الله بقوله هذا وعاب عليهم الإيثار للدنيا على الآخرة. ومعنى: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ} أي بدلا، التقدير: أرضيتم بنعيم الدنيا بدلا من نعيم الآخرة.
{إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ}: إِلاّ تَنْفِرُوا: شرط والجواب {يُعَذِّبْكُمْ}، {وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ} وهذا تهديد شديد ووعيد مؤكد في ترك النفير. قال ابن العربي: ومن محققات الأصول أن الأمر إذا ورد فليس في وروده أكثر من اقتضاء الفعل. فأما العقاب عند الترك فلا يؤخذ من نفس الأمر ولا يقتضيه الاقتضاء، وإنما يكون العقاب بالخبر عنه، كقوله: إن لم تفعل كذا عذبتك بكذا. فوجب بمقتضاها النفير للجهاد والخروج إلى الكفار لمقاتلتهم على أن تكون كلمة الله هي العليا.

وعن ابن عباس قال: {إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً} و {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ - إلى قوله - يَعْمَلُونَ} [التوبة: 120] نسختها الآية التي تليها: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} [التوبة: 122]. {يُعَذِّبْكُمْ} قال ابن عباس: هو حبس المطر عنهم. وإلا فالعذاب الأليم هو في الدنيا باستيلاء العدو وبالنار في الآخرة. وسألت ابن عباس عن هذه الآية {إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً} قال: فأمسك عنهم المطر فكان عذابهم.
وعن ابن عباس قال: استنفر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبيلة من القبائل فقعدت، فأمسك الله عنهم المطر وعذبها به. و {أَلِيماً} بمعنى مؤلم، أي موجع. {وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ} توعد بأن يبدل لرسوله قوما لا يقعدون عند استنفاره إياهم. {وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً}.

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الأنفال: 45]}}.
تفسير القرطبي:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً} أي جماعة {فَاثْبُتُوا} أمر بالثبات عند قتال الكفار، النهي عن الفرار عنهم، فالتقى الأمر والنهي على سواء. وهذا تأكيد على الوقوف للعدو والتجلد له.
و {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}: للعلماء في هذا الذكر ثلاثة أقوال:
الأول: اذكروا الله عند جزع قلوبكم، فإن ذكره يعين على الثبات في الشدائد.

الثاني: اثبتوا بقلوبكم، واذكروه بألسنتكم، فإن القلب لا يسكن عند اللقاء ويضطرب اللسان، فأمر بالذكر حتى يثبت القلب على اليقين، ويثبت اللسان على الذكر، ويقول ما قاله أصحاب طالوت: {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 250]. وهذه الحالة لا تكون إلا عن قوة المعرفة، واتقاد البصيرة، وهي الشجاعة المحمودة في الناس.
الثالث: اذكروا ما عندكم من وعد الله لكم في ابتياعه أنفسكم ومثامنته لكم.

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [التوبة: 123]}}.
تفسير القرطبي: (قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ) فالله سبحانه عرفهم كيفية الجهاد وأن الابتداء بالأقرب فالأقرب من العدو ولهذا بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرب، فلما فرغ قصد الروم وكانوا بالشام. وقال الحسن: نزلت قبل أن يؤمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتال المشركين؛ فهي من التدريج الذي كان قبل الإسلام.
والمراد بهذه الآية وقت نزولها العرب، فلما فرغ منهم نزلت في الروم وغيرهم: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [التوبة: 29]. وقد روي عن ابن عمر أن المراد بذلك الديلم. وروي عنه أنه سئل بمن يبدأ بالروم أو بالديلم؟ فقال بالروم. وقال الحسن: هو قتال الديلم والترك والروم. وقال قتادة: الآية على العموم في قتال الأقرب فالأقرب، والأدنى فالأدنى.
وعن ابن عمر ان الاية لها ثلاثة اوجه: أحدها أنهم أهل كتاب، فالحجة عليهم أكثر وأكد. الثاني: أنهم إلينا أقرب أعني أهل المدينة. الثالث: أن بلاد الأنبياء في بلادهم أكثر فاستنقاذها منهم أوجب.

معرفة السنن والآثار للبيهقي: (قاتلوا الذين يلونكم من الكفار): «ففرض الله جهاد المشركين، ثم أبان من الذين يبدأ بجهادهم من المشركين، فاعلم أنهم الذين يلون المسلمين» ثم ساق الكلام في التفريع إلى أن قال: فإن اختلف حال العدو فكان بعضهم أنكا من بعض، أو أخوف، فليبدأ بالأخوف أو الأنكا، فقد بلغ النبي صلى الله عليه وسلم عن الحارث بن أبي ضرار أنه يجمع له، فأغار النبي صلى الله عليه وسلم وقربه عدو أقرب منه ثم ساق الكلام في التفريع، وأقل ما يجب عليه أن لا يأتي عام إلا وله فيه غزوة، حتى لا يكون الجهاد معطلا في عام إلا من عذر واحتج بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخل من حين فرض عليه الجهاد من أن غزا بنفسه أو غيره في عام من غزو أو غزوين أو سرايا، وقد كان يأتي عليه الوقت لا يغزو فيه ولا يسرى سرية وقد يمكنه، ولكنه يستجم ويجم له، ويدعو أو يظاهر الحجج على من دعاه ثم ساق الكلام في التفريع إلى أن قال: وإن كانت دار من المسلمين ممتنعة فأكثر من يجوز له أن يغزي من كل رجلين رجلا فيخلف المقيم الظاعن في أهله وماله، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجهر إلى تبوك فأراد الروم وكثرة جموعهم قال: «ليخرج من كل رجلين رجل»، والمدينة ممتنعة بأقل ممن خلف فيها.
وعن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى بني لحيان وقال: «ليخرج من كل رجلين رجل»، ثم قال للقاعد: «أيكم خلف الخارج في أهله وماله بخير كان له مثل نصف أجر الخارج».

شعب الإيمان: قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار}: و كانت للنبي صلى الله عليه و سلم قبل فرض الجهاد منازل مع المشركين فأول ذلك أنه كان يوحى إليه و لا يؤمر في غير نفسه بشيء.

ثم أمر بالتبليغ فقيل له (قم فأنذر) فأشفق من ذلك فنزل {يا أيها الرسول بلغ} إلى قوله {والله يعصمك من الناس} فلما بلغ كذبوه و استهزأوا به فأمر بالصبر و قيل {فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين} و {إنا كفيناك المستهزئين}.
ثم أمر باعتزالهم فنزل {واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا} ونزل {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين}.
ثم أذن لمن آمن به في الهجرة دونه فنزل {ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة}. ثم أمر الرسول بالهجرة ونزل {وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق} فهاجر رسول الله صلى الله عليه و سلم.
ثم أن الله تعالى أذن لهم في قتال من قاتلهم فنزل {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين}. ثم أذن لهم في الابتداء فنزل {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير} ثم إن الله عز و جل فرض الجهاد على رسوله صلى الله عليه و سلم و فرض الهجرة على المتخلفين بمكة من المسلمين فأنزل الله عز و جل في فرض الجهاد {كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم} و {كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم} و {وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم}.

ثم ألزم الجهاد إلزاما لا مخرج منه فقال: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به} و المراد بهذا أنه لما فرض الجهاد صار قبوله و الطاعة له من الإيمان و كان فرضه بشرط أنه من قتل أو قتل في سبيل الله فله الجنة فمن قبله على هذا كان باذلا نفسه و ذلك في صورة المبايعة فكانوا بائعين و الله جل جلاله مشتريا من هذا الوجه و ذلك بائع بثمن إلى أجل مكلف أن تسلم فتبين بذلك فرض الجهاد و لزومه.

جاء في الحث على الجهاد و التحريض عليه و الإشاراة إلى فضله و ضمان الثواب عليه قول الله عز و جل {يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم} و {تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون} و {يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم} و {وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين} فدلهم على ما في الجهاد من عاجل الفائدة و أجلها فأما العاجل فهو النصر على الأعداء و ما يرزقونه من فتح بلادهم و نعيم أموالهم و أهليهم و أولادهم و أما الأجل فهو الجنة و النعيم المقيم و قال: {فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما} و قال في مدح المجاهدين و الثناء عليهم {والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم} و قال: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما} {درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفورا رحيما} و قال: {ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطؤون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين} {ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون} و قال: في حياة الشهداء: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون} و قال: {ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون}.
)))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))

وقفة مع: لا تتخذوا اباءكم واخوانكم أولياء
*********************************
= ليبين أن القرب قرب الأديان لا قرب الأبدان
= هو مشرك مثلهم لأن من رضي بالشرك فهو مشرك
= وفي الآية دليل على وجوب حب الله ورسوله، ولا خلاف في ذلك بين الأمة، وأن ذلك مقدم على كل محبوب.
= فمن فعل ذلك فمات كان حقا على الله أن يدخله الجنة أو قتل كان حقا على الله أن يدخله الجنة وإن غرق كان حقا على الله أن يدخله الجنة أو وقصته دابة كان حقا على الله أن يدخله الجنة

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [التوبة: 23]}}.
تفسير القرطبي: ظاهر هذه الآية أنها خطاب لجميع المؤمنين كافة، وهي باقية الحكم إلى يوم القيامة في قطع الولاية بين المؤمنين والكافرين. وروت فرقة أن هذه الآية إنما نزلت في الحض على الهجرة ورفض بلاد الكفرة. فالمخاطبة على هذا إنما هي للمؤمنين الذين كانوا بمكة وغيرها من بلاد العرب، خوطبوا بألا يوالوا الآباء والإخوة فيكونوا لهم تبعا في سكنى بلاد الكفر. {إِنِ اسْتَحَبُّوا} أي أحبوا، واستجاب بمعنى أجاب. أي لا تطيعوهم ولا تخصوهم. وخص الله سبحانه الآباء والإخوة إذ لا قرابة أقرب منها. فنفى الموالاة بينهم كما نفاها بين الناس بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ} [المائدة: 51] ليبين أن القرب قرب الأديان لا قرب الأبدان.

ولم يذكر الأبناء في هذه الآية إذ الأغلب من البشر أن الأبناء هم التبع للآباء. والإحسان والهبة مستثناة من الولاية. قالت أسماء: يا رسول الله، إن أمي قدمت علي راغبة وهي مشركة أفأصلها؟ قال: (صلي أمك). {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} قال ابن عباس: هو مشرك مثلهم لأن من رضي بالشرك فهو مشرك.

= {{قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [التوبة: 24]}}.
تفسير القرطبي: (لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ):
لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجرة من مكة إلى المدينة جعل الرجل يقول لأبيه والأب لابنه والأخ لأخيه والرجل لزوجته: إنا قد أمرنا بالهجرة، فمنهم من تسارع

لذلك، ومنهم من أبى أن يهاجر، فيقول: والله لئن لم تخرجوا إلى دار الهجرة لا أنفعكم ولا أنفق عليكم شيئا أبدا. ومنهم من تتعلق به امرأته وولده ويقولون له: أنشدك بالله ألا تخرج فنضيع بعدك، فمنهم من يرق فيدع الهجرة ويقيم معهم، فنزلت {لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْأِيمَانِ}. فإن اختاروا الإقامة على الكفر بمكة على الإيمان بالله والهجرة إلى المدينة. {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ} بعد نزول الآية {فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}. ثم نزل في الذين تخلفوا ولم يهاجروا: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ} وهي الجماعة التي ترجع إلى عقد واحد كعقد العشرة فما زاد، ومنه المعاشرة وهي الاجتماع على الشيء. {وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا} اكتسبتموها بمكة. وأصل الاقتراف اقتطاع الشيء من مكانه إلى غيره. {وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا} قال ابن المبارك: هي البنات والأخوات إذا كسدن في البيت لا يجدن لهن خاطبا.
وفي الآية دليل على وجوب حب الله ورسوله، ولا خلاف في ذلك بين الأمة، وأن ذلك مقدم على كل محبوب. {وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا} صيغته صيغة أمر ومعناه التهديد. يقول: انتظروا. {حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} يعني القتال وفتح مكة.
{وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ} دليل على فضل الجهاد، وإيثاره على راحة النفس وعلائقها بالأهل والمال.
وفي الحديث "إن الشيطان قعد لابن آدم ثلاث مقاعد قعد له في طريق الإسلام فقال لم تذر دينك ودين آبائك فخالفه وأسلم وقعد له في طريق الهجرة فقال له أتذر مالك وأهلك فخالفه وهاجر ثم قعد في طريق الجهاد فقال له تجاهد فتقتل فينكح أهلك ويقسم مالك فخالفه وجاهد فحق على الله أن يدخله الجنة".

صحيح ابن حبان: عن سبرة بن أبي فاكه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: إن الشيطان قعد لابن آدم بطريق الإسلام فقال له: تسلم وتذر دينك ودين آبائك فعصاه فأسلم فغفر له فقعد له بطريق الهجرة فقال له: تهاجر وتذر أرضك وسماءك فعصاه فهاجر فقعد له بطريق الجهاد فقال له: تجاهد وهو جهد النفس والمال فتقاتل فتقتل فتنكح المرأة ويقسم المال فعصاه فجاهد فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (فمن فعل ذلك فمات كان حقا على الله أن يدخله الجنة أو قتل كان حقا على الله أن يدخله الجنة وإن غرق كان حقا على الله أن يدخله الجنة أو وقصته دابة كان حقا على الله أن يدخله الجنة).
))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: انما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام
*****************************************
= في هذه الآية دليل على أن تعلق القلب بالأسباب في الرزق جائز وليس ذلك بمناف للتوكل وإن كان الرزق مقدرا وأمر الله وقسمه مفعولا ولكنه علقه بالأسباب حكمة ليعلم القلوب التي تتعلق بالأسباب من القلوب التي تتوكل على رب الأرباب.
= وقد سئل أحمد عن رجل جلس في بيته أو في المسجد وقال لا أعمل شيئا حتى يأتيني رزقي فقال هذا رجل جهل العلم فقد قال النبي صلى الله عليه و سلم: (ان الله جعل رزقي تحت ظل رمحي).

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة: 28]}}.
تفسير القرطبي: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ}: فيه سبع مسائل:
الأولى: ابتداء وخبر. واختلف العلماء في معنى وصف المشرك بالنجس:

لأنه جنب إذ غسله من الجنابة ليس بغسل. وقال ابن عباس: بل معنى الشرك هو الذي نجسه. قال الحسن البصري من صافح مشركا فليتوضأ. والمذهب كله على إيجاب الغسل على الكافر إذا أسلم. وأن النبي صلى الله عليه وسلم مر بثمامة يوما فأسلم فبعث به إلى حائط أبي طلحة فأمره أن يغتسل، فاغتسل وصلى ركعتين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد حسن إسلام صاحبكم".

الثانية: {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} {فَلا يَقْرَبُوا} نهي. {الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} هذا اللفظ يطلق على جميع الحرم، فإذا يحرم تمكين المشرك من دخول الحرم أجمع. فإذا جاءنا رسول منهم خرج الإمام إلى الحل ليسمع ما يقول. ولو دخل مشرك الحرم مستورا ومات نبش قبره وأخرجت عظامه. فليس لهم الاستيطان ولا الاجتياز. وأما جزيرة العرب، وهي مكة والمدينة واليمامة واليمن ومخاليفها، فقال مالك: يخرج من هذه المواضع كل من كان على غير الإسلام، ولا يمنعون من التردد بها مسافرين. غير أنه استثنى من ذلك اليمن. ويضرب لهم أجل ثلاثة أيام كما ضربه لهم عمر رضي الله عنه حين أجلاهم. ولا يدفنون فيها ويلجؤون إلى الحل.
الثالثة: واختلف العلماء في دخول الكفار المساجد والمسجد الحرام على خمسة أقوال: فقال أهل المدينة الآية عامة في سائر المشركين وسائر المساجد.
فقال النبي: "إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من البول والقذر ... ".
الرابعة: {بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} فيه قولان: أحدهما: أنه سنة تسع التي حج فيها أبو بكر. الثاني سنة عشر.
والصحيح: إنه سنة تسع وهو العام الذي وقع فيه الأذان.

الخامسة: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً}: المعنى وإذ خفتم. وكان المسلمون لما منعوا المشركين من الموسم وهم كانوا يجلبون الأطعمة والتجارات، قذف الشيطان في قلوبهم الخوف من الفقر وقالوا: من أين نعيش. فوعدهم الله أن يغنيهم من فضله. قال الضحاك: ففتح الله عليهم باب الجزية من أهل الذمة بقوله عز وجل: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة: 29] الآية. وقال عكرمة: أغناهم الله بإدرار المطر والنبات وخصب الأرض فأخصبت تبالة وجرش وحملوا إلى مكة الطعام والودك وكثر الخير وأسلمت العرب: أهل نجد وصنعاء وغيرهم فتمادى حجهم وتجرهم وأغنى الله من فضله بالجهاد والظهور على الأمم. والعيلة: الفقر.
السادسة: في هذه الآية دليل على أن تعلق القلب بالأسباب في الرزق جائز وليس ذلك بمناف للتوكل وإن كان الرزق مقدرا وأمر الله وقسمه مفعولا ولكنه علقه بالأسباب حكمة ليعلم القلوب التي تتعلق بالأسباب من القلوب التي تتوكل على رب الأرباب. وقد تقدم أن السبب لا ينافي التوكل قال صلى الله عليه وسلم: "لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا".
المستدرك للحاكم: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يزرق الطير تغدو خماصا و تروح بطانا.
شعب الإيمان: قال الجنيد بن محمد الفقراء ثلاثة: فقير لا يسأل و إن أعطي لم يأخذ فذاك من الروحانيين و فقير لا يسأل و إن أعطي أخذ فذلك من المقربين و فقير يسأل و كفارة مسألته صدقة. وشرط الطلب أن يكون الطالب غير معتقد أولا أن لا سبب للطلب و لا مميز و لا قاصد إلى زيد دون عمرو و لا إلى عمرو دون زيد بل يعتقد أن الله هو الرزاق و يطلب الرزق من حيث أمر فيكون الله المعطي و العبد سببا و الله المسيب و هو قول النبي صلى الله عليه و سلم: (لو توكلتم على الله حق توكله).

قال البيهقي رحمه الله: فمن ذهب إلى هذا فتكسب بإذن الله تعالى في ذلك و شكر الله تعالى على أنه جعله سببا لمعاشه و أنه هداه له و أعانه عليه و نفعه به ثم من زهد منهم في الدنيا و رغب في الآخرة اكتفى بأقل ما يكون قوتا و تصدق بالباقي كما كان القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم يصنعونه أو اقتصر على اكتساب أقل ما يكون قوتا ثم اشتغل بعد ذلك في العبادة.
فتح الباري لابن حجر: والمراد بالتوكل اعتقاد ما دلت عليه هذه الآية: (وما من دابة في الأرض الا على الله رزقها) وليس المراد به ترك التسبب والاعتماد على ما يأتي من المخلوقين لأن ذلك قد يجر إلى ضد ما يراه من التوكل وقد سئل أحمد عن رجل جلس في بيته أو في المسجد وقال لا أعمل شيئا حتى يأتيني رزقي فقال هذا رجل جهل العلم فقد قال النبي صلى الله عليه و سلم: (ان الله جعل رزقي تحت ظل رمحي).وقال: (لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا). فذكر انها تغدو وتروح في طلب الرزق قال وكان الصحابة يتجرون ويعملون في تخيلهم والقدوة بهم.

قوله تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا) من كل شيء ضاق على الناس.
فأخبر أن التوكل الحقيقي لا يضاده الغدو والرواح في طلب الرزق والدليل عليه أمران:
أحدهما: قوله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ} [طه: 132].
الثاني: قوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] فليس ينزل الرزق من محله، وهو السماء، إلا ما يصعد وهو الذكر الطيب والعمل الصالح وليس بالسعي في الأرض فإنه ليس فيها رزق.

والصحيح ما أحكمته السنة وهو العمل بالأسباب الدنيوية من الحرث والتجارة في الأسواق والعمارة للأموال وغرس الثمار. وقد كانت الصحابة تفعل ذلك والنبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم. وقد أمر الله سبحانه عباده بالإنفاق من طيبات ما كسبوا.
فأحل للمضطر ما كان حرم عليه عند عدمه للغذاء الذي أمره باكتسابه والاغتذاء به، ولم يأمره بانتظار طعام ينزل عليه من السماء، ولو ترك السعي في ترك ما يتغذى به لكان لنفسه قاتلا. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلوى من الجوع ما يجد ما يأكله، ولم ينزل عليه طعام من السماء، وكان يدخر لأهله قوت سنته حتى فتح الله عليه الفتوح. وقد روى أنس بن مالك أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم ببعير فقال: يا رسول الله، أعقله وأتوكل أو أطلقه وأتوكل؟ قال: "اعقله وتوكل".
السابعة: {إِنْ شَاءَ} دليل على أن الرزق ليس بالاجتهاد، وإنما هو من فضل الله تولى قسمته بين عباده وذلك بين في قوله تعالى: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الزخرف: 32].
)))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: ان كثيرا من الاحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل
والاية تحذر ان يكون مسلك المسلم كمسلك من سبقنا من اليهود والنصارى
*************************************************
= كانوا يرتشون في الأحكام، كما يفعله اليوم كثير من الولاة والحكام
= المراد بها أهل الكتاب وغيرهم من المسلمين
= مررت بالربذة فإذا أنا بأبي ذر فقلت له: ما أنزلك منزلك هذا؟ - ولو أمروا علي حبشيا لسمعت وأطعت.
= زكاة العين، وهي تجب بأربعة شروط: حرية، وإسلام، وحول، ونصاب سليم من الدين.
= وروي أن الآية نزلت في وقت شدة الحاجة وضعف المهاجرين وقصر يد رسول الله صلى الله عليه وسلم
= واختلف العلماء في زكاة الحلي:

= فإن من بذر ماله في المعاصي عصى من جهتين: بالإنفاق والتناول، كشراء الخمر وشربها.
= لتتبعن سنن من قبلكم اتباعا شبرا ملتبس بشبر وذراع ملتبس بذراع وهذا كناية عن شدة الموافقة لهم في المخالفات والمعاصي لا في الكفر.
= فيقول هذا الرجل يهديني السبيل
= فكان أول النهار جاهدا على نبي الله صلى الله عليه و سلم وكان آخر النهار مسلحة له.
= ويقولون جاء نبي الله جاء نبي الله فأقبل يسير حتى نزل جانب دار أبي أيوب.
= جاء عبد الله بن سلام فقال أشهد أنك رسول الله وأنك جئت بحق
= فقال يا معشر اليهود اتقوا الله فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله وأنه جاء بحق
= كان أبي من أبناء الأساورة وكنت أختلف إلى الكتاب وكان معي غلامان إذا رجعا من الكتاب دخلا على قس فدخلت معهما
= وَكَانَ رَجُلُ سَوْءٍ يَأْمُرُهُمْ بِالصّدَقَةِ وَيُرَغّبُهُمْ فِيهَا، فَإِذَا جَمَعُوا إلَيْهِ شَيْئًا مِنْهَا اكْتَنَزَهُ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يُعْطِهِ الْمَسَاكِينَ حَتّى جَمَعَ سَبْعَ قِلَالٍ مِنْ ذَهَبٍ وَوَرِقٍ
= قَدْ أَظَلّ زَمَانُ نَبِيّ وَهُوَ مَبْعُوثٌ بِدِينِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلَامُ يَخْرُجُ بِأَرْضِ الْعَرَبِ، مُهَاجَرُهُ إلَى أَرْضٍ بَيْنَ حَرّتَيْنِ بَيْنَهُمَا نَخْلٌ بِهِ عَلَامَاتٌ لَا تَخْفَى، يَأْكُلُ الْهَدِيّةَ وَلَا يَأْكُلُ الصّدَقَةَ وَبَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النّبُوّةِ فَإِنْ اسْتَطَعْت أَنْ تَلْحَقَ بِتِلْكَ الْبِلَادِ فَافْعَلْ
= يَا فُلَانُ قَاتَلَ اللّهُ بَنِي قَيْلَةَ وَاَللّهِ إنّهُمْ الْآنَ لَمُجْتَمِعُونَ بِقُبَاءَ عَلَى رَجُلٍ قَدِمَ عَلَيْهِمْ مِنْ مَكّةَ الْيَوْمَ يَزْعُمُونَ أَنّهُ نَبِيّ
= فَأَلْقَى رِدَاءَهُ عَنْ ظَهْرِهِ فَنَظَرْت إلَى الْخَاتَمِ فَعَرَفْتُهُ فَأَكْبَبْتُ عَلَيْهِ أُقَبّلُهُ وَأَبْكِي

صحيح البخارى: عن أبي سعيد رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه و سلم قال (لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه). قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال (فمن). [ش: (سنن) سبل ومناهج وعادات. (شبرا بشبر) كناية عن شدة الموافقة لهم في عاداتهم رغم ما فيها من سوء وشر ومعصية لله تعالى ومخالفة لشرعه. (جحر ضب) ثقبه وحفرته التي يعيش فيها والضب دويبة تشبه الحرذون تأكله العرب والتشبيه بجحر الضب لشدة ضيقه ورداءته ونتن ريحه وخبثه وما أروع هذا التشبيه الذي صدق معجزة لرسول الله صلى الله عليه و سلم فنحن نشاهد تقليد أجيال الأمة لأمم الكفر في الأرض فيما هي عليه من أخلاق ذميمة وعادات فاسدة تفوح منها رائحة النتن وتمرغ أنف الإنسانية في مستنقع من وحل الرذيلة والإثم وتنذر بشر مستطير. (فمن) أي يكون غيرهم إذا لم يكونوا هم وهذا واضح أيضا فإنهم المخططون لكل شر والقدوة في كل رذيلة].
عمدة القاري شرح صحيح البخاري: (لتتبعن سنن من قبلكم): أي طريق الذين كانوا قبلكم والسنن السبيل والمنهاج. (شبرا بشبر) لتتبعن سنن من قبلكم اتباعا شبرا ملتبس بشبر وذراع ملتبس بذراع وهذا كناية عن شدة الموافقة لهم في المخالفات والمعاصي لا في الكفر.
(لو سلكوا جحر ضب): ووجه التخصيص بجحر الضب لشدة ضيقه ورداءته ومع ذلك فإنهم لاقتفائهم آثارهم واتباعهم طرائقهم لو دخلوا في مثل هذا الضيق الرديء لوافقوهم
(قالوا يا رسول الله هم اليهود والنصارى): قال فمن أي قال رسول الله فمن غيرهم وهذا استفهام على وجه الإنكار أي ليس المراد غيرهم.

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [التوبة: 34]
تفسير القرطبي: {لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ}: فيه إحدى عشرة مسألة:
الأولى: {لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ} والأحبار علماء اليهود. والرهبان مجتهدو النصارى في العبادة. {بِالْبَاطِلِ} قيل: إنهم كانوا يأخذون من أموال أتباعهم ضرائب وفروضا باسم الكنائس والبيع وغير ذلك، مما يوهمونهم أن النفقة فيه من الشرع والتزلف إلى الله تعالى، وهم خلال ذلك يحجبون تلك الأموال، كالذي ذكره سلمان الفارسي عن الراهب الذي استخرج كنزه. وقيل: كانوا يأخذون من غلاتهم وأموالهم ضرائب باسم حماية الدين والقيام بالشرع. وقيل: كانوا يرتشون في الأحكام، كما يفعله اليوم كثير من الولاة والحكام. {بِالْبَاطِلِ} يجمع ذلك كله. {وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} أي يمنعون أهل دينهم عن الدخول في دين الإسلام، واتباع محمد صلى الله عليه وسلم.
الثانية: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} الكنز أصله في اللغة الضم والجمع ولا يختص ذلك بالذهب والفضة. ألا ترى قوله عليه السلام: "ألا أخبركم بخير ما يكنز المرء المرأة الصالحة".
الثالثة: واختلف الصحابة في المراد بهذه الآية، فذهب معاوية إلى أن المراد بها أهل الكتاب وإليه ذهب الأصم لأن قوله: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ} مذكور بعد قوله: {إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ}. وقال أبو ذر: المراد بها أهل الكتاب وغيرهم من المسلمين. والكفار مخاطبون بفروع الشريعة.

وعن زيد بن وهب قال: مررت بالربذة فإذا أنا بأبي ذر فقلت له: ما أنزلك منزلك هذا؟ قال: كنت بالشأم فاختلفت أنا ومعاوية في {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ}، فقال معاوية: نزلت في أهل الكتاب. فقلت: نزلت فينا وفيهم، وكان بيني وبينه في ذلك. فكتب إلى عثمان يشكوني، فكتب إلي عثمان أن أقدم المدينة، فقدمتها فكثر علي الناس حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك، فذكرت ذلك لعثمان فقال: إن شئت تنحيت فكنت قريبا، فذاك الذي أنزلني هذا المنزل ولو أمروا علي حبشيا لسمعت وأطعت.
الرابعة: تضمنت هذه الآية زكاة العين، وهي تجب بأربعة شروط: حرية، وإسلام، وحول، ونصاب سليم من الدين. والنصاب مائتا درهم أو عشرون دينارا. أو يكمل نصاب أحدهما من الآخر وأخرج ربع العشر من هذا وربع العشر من هذا.
وإنما قلنا إن الحرية شرط، فلأن العبد ناقص الملك.
وإنما قلنا إن الإسلام شرط، فلأن الزكاة طهرة والكافر لا تلحقه طهرة، ولأن الله تعالى قال: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] فخوطب بالزكاة من خوطب بالصلاة.
وإنما قلنا إن الحول شرط، فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول".
وإنما قلنا إن النصاب شرط، فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس في أقل من مائتي درهم زكاة وليس في أقل من عشرين دينارا زكاة". ولا يراعى كمال النصاب في أول الحول، وإنما يراعى عند آخر الحول، لاتفاقهم أن الربح في حكم الأصل. يدل على هذا أن من كانت معه مائتا درهم فتجر فيها فصارت آخر الحول ألفا أنه يؤدي زكاة الألف، ولا يستأنف للربح حولا. فإذا كان كذلك لم يختلف حكم الربح، كان صادرا عن نصاب أو دونه. وكذلك اتفقوا أنه لو كان له أربعون من الغنم، فتوالدت له رأس الحول ثم ماتت الأمهات إلا واحدة منها، وكانت السخال تتمة النصاب فإن الزكاة تخرج عنها.

الخامسة: واختلف العلماء في المال الذي أديت زكاته هل يسمى كنزا أم لا؟ فقال قوم: نعم.
وقال علي: أربعة آلاف فما دونها نفقة، وما كثر فهو كنز وإن أديت زكاته، ولا يصح. وقال قوم: ما أديت زكاته منه أو من غيره عنه فليس بكنز. قال ابن عمر: ما أدي زكاته فليس بكنز وإن كان تحت سبع أرضين، وكل ما لم تؤد زكاته فهو كنز وإن كان فوق الأرض.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه - يعني شدقيه - ثم يقول أنا مالك أنا كنزك - ثم تلا - {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} [آل عمران: 180] الآية. وقال النبي: "والذي نفسي بيده - أو والذي لا إله غيره أو كما حلف - ما من رجل تكون له إبل أو بقر أو غنم لا يؤدي حقها إلا أتي بها يوم القيامة أعظم ما تكون وأسمنه تطؤه بأخفافها وتنطحه بقرونها كلما جازت أخراها ردت عليه أولاها حتى يقضى بين الناس".
وروي أن الآية نزلت في وقت شدة الحاجة وضعف المهاجرين وقصر يد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كفايتهم، ولم يكن في بيت المال ما يسعهم، وكانت السنون الجوائح هاجمة عليهم، فنهوا عن إمساك شيء من المال إلا على قدر الحاجة ولا يجوز ادخار الذهب والفضة في مثل ذلك الوقت.
فلما فتح الله على المسلمين ووسع عليهم أوجب صلى الله عليه وسلم في مائتي درهم خمسة دراهم وفي عشرين دينارا نصف دينار ولم يوجب الكل واعتبر مدة الاستنماء، فكان ذلك منه بيانا صلى الله عليه وسلم. وقيل: الكنز ما لم تؤد منه الحقوق العارضة، كفك الأسير وإطعام الجائع وغير ذلك. وقيل: الكنز لغة المجموع من النقدين، وغيرهما من المال محمول عليهما بالقياس. وقيل: المجموع منهما ما لم يكن حليا، لأن الحلي مأذون في اتخاذه ولا حق فيه. والصحيح ما بدأنا بذكره، وأن ذلك كله يسمى كنزا لغة وشرعا.
السادسة: واختلف العلماء في زكاة الحلي:

فذهب مالك: لا زكاة فيه. والحجة: قصد النماء يوجب الزكاة في العروض وهي ليست بمحل لإيجاب الزكاة، كذلك قطع النماء في الذهب والفضة باتخاذهما حليا للقنية يسقط الزكاة.
وقال الثوري وأبو حنيفة: في ذلك كله الزكاة. واحتج أبو حنيفة بعموم الألفاظ في إيجاب الزكاة في النقدين ولم يفرق بين حلي وغيره.
السابعة: عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} قال: كبر ذلك على المسلمين، فقال عمر: أنا أفرج عنكم فانطلق فقال: يا نبي الله إنه كبر على أصحابك هذه الآية. فقال: "إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب ما بقي من أموالكم وإنما فرض المواريث - وذكر كلمة - لتكون لمن بعدكم" قال: فكبر عمر. ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء المرأة الصالحة إذا نظر إليها سرته وإذا أمرها أطاعته وإذا غاب عنها حفظته".
الثامنة: {وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} ولم يقل ينفقونهما، ففيه أجوبة ستة:
الأول: قصد الأغلب والأعم وهي الفضة، ومثله قوله: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ} [البقرة: 45] رد الكناية إلى الصلاة لأنها أعم. ومثله {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا} [الجمعة: 11] فأعاد الهاء إلى التجارة لأنها الأهم وترك اللهو قاله كثير من المفسرين. وأباه بعضهم وقال: لا يشبهها، لأن {أَوْ} قد فصلت التجارة من اللهو فحسن عود الضمير على أحدهما.
الثاني: العكس وهو أن يكون "ينفقونها" للذهب والثاني معطوفا عليه.
الثالث: أن يكون الضمير للكنوز.
الرابع: للأموال المكنوزة.
الخامس: للزكاة التقدير ولا ينفقون زكاة الأموال المكنوزة.
السادس: الاكتفاء بضمير الواحد عن ضمير الآخر إذا فهم المعنى.

التاسعة: إن قيل: من لم يكنز ولم ينفق في سبيل الله وأنفق في المعاصي، هل يكون حكمه في الوعيد حكم من كنز ولم ينفق في سبيل الله. قيل له: إن ذلك أشد، فإن من بذر ماله في المعاصي عصى من جهتين: بالإنفاق والتناول، كشراء الخمر وشربها. بل من جهات إذا كانت المعصية مما تتعدى، كمن أعان على ظلم مسلم من قتله أو أخذ ماله إلى غير ذلك. والكانز عصى من جهتين، وهما منع الزكاة وحبس المال لا غير.
العاشرة: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم هذا العذاب بقوله: "بشر الكنازين بكي في ظهورهم يخرج من جنوبهم وبكي من قبل أقفائهم يخرج من جباههم".
وفي رواية: "بشر الكنازين برضف يحمى عليه في نار جهنم فيوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج من نغض كتفيه ويوضع على نغض كتفيه حتى يخرج من حلمة ثدييه فيتزلزل".
قال علماؤنا: فخروج الرضف من حلمة ثديه إلى نغض كتفه لتعذيب قلبه وباطنه حين امتلأ بالفرج بالكثرة في المال والسرور في الدنيا، فعوقب في الآخرة بالهم والعذاب.
الحادية عشرة: قال علماؤنا: ظاهر الآية تعليق الوعيد على من كنز ولا ينفق في سبيل الله ويتعرض للواجب وغيره، غير أن صفة الكنز لا ينبغي أن تكون معتبرة، فإن من لم يكنز ومنع الإنفاق في سبيل الله فلا بد وأن يكون كذلك، إلا أن الذي يخبأ تحت الأرض هو الذي يمنع إنفاقه في الواجبات عرفا، فلذلك خص الوعيد به.

= {{يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة: 35]}}.
تفسير القرطبي: {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ}: فيه أربع مسائل:

الأولى: {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ} {يَوْمَ} فبشرهم يوم يحمى عليها. ومعنى الإحماء الإيقاد. أي يوقد عليها فتكوى. والكي: إلصاق الحار من الحديد والنار بالعضو حتى يحترق الجلد. والجباه جمع الجبهة، وهو مستوى ما بين الحاجب إلى الناصية.
الثانية: واختلفت الآثار في كيفية الكي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ... ".
وقال ابن مسعود: "والله لا يعذب الله أحدا بكنز فيمس درهم درهما ولا دينار دينارا، ولكن يوسع جلده حتى يوضع كل درهم ودينار على حدته" وهذا إنما يصح في الكافر - كما ورد في الحديث - لا في المؤمن.
الثالثة: عن أبي أمامة الباهلي قال: مات رجل من أهل الصفة فوجد في بردته دينار. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كية". ثم مات آخر فوجد له ديناران. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كيتان".
وعن أبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من جمع دينارا أو درهما أو تبرا أو فضة ولا يعده لغريم ولا ينفقه في سبيل الله فهو كنز يكوى به يوم القيامة".
وعن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من رجل يموت وعنده أحمر أو أبيض إلا جعل الله له بكل قيراط صفيحة يكوى بها من فرقه إلى قدمه مغفورا له بعد ذلك أو معذبا".
الرابعة: قوله تعالى: {هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لانْفُسِكُمْ} أي يقال لهم هذا ما كنزتم. {فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} أي عذاب ما كنتم تكنزون.

شعب الإيمان: سمعت الحسن بن عيسى مولى ابن المبارك يقول: سمعت ابن المبارك يقول أما الناس العلماء و الملوك الزهاد و السفلة الذي يأكل بدينه أموال الناس بالباطل ثم قرأ: {يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل} قال: يأكلون الدنيا بالدين قال: فبكى فضيل بن عياض بكاء شديد ثم قال: كذب من قال أنه لا يأكل بدينه أنا و الله آكل بديني.
سنن الدارمي: قال الله تعالى {أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا} فعليكم بالوقوف عند الشبهات حتى يبرز لكم واضح الحق بالبينة فإن الداخل فيما لا يعلم بغير علم آثم ومن نظر لله نظر الله له عليكم بالقرآن فأتموا به وأموا به وعليكم بطلب أثر الماضين فيه ولو ان الأحبار والرهبان لم يتقوا زوال مراتبهم وفساد منزلتهم بإقامة الكتاب وتبيانه ما حرفوه ولا كتموه ولكنهم لما خالفوا الكتاب بأعمالهم التمسوا ان يخدعوا قومهم عما صنعوا مخافة ان تفسد منازلهم وان يتبين للناس فسادهم فحرفوا الكتاب بالتفسير وما لم يستطيعوا تحريفه كتموه فسكتوا عن صنيع أنفسهم إبقاء على منازلهم وسكتوا عما صنع قومهم مصانعة لهم وقد أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب ليبيننه للناس ولا يكتمونه بل مالوا عليه ورفقوا لهم فيه ورققوا لهم فيه

صحيح البخارى: أقبل نبي الله صلى الله عليه و سلم إلى المدينة وهو مردف أبا بكر وأبو بكر شيخ يعرف ونبي الله شاب لا يعرف قال فيلقى الرجل أبا بكر فيقول يا أبا بكر من هذا الرجل الذي بين يديك فيقول هذا الرجل يهديني السبيل. قال فيحسب الحاسب أنه إنما يعني الطريق وإنما يعني سبيل الخير.

فالتفت أبو بكر فإذا هو بفارس قد لحقهم فقال يا رسول الله هذا فارس قد لحق بنا. فالتفت نبي الله صلى الله عليه و سلم فقال (اللهم اصرعه). فصرعه الفرس ثم قامت تحمحم فقال يا نبي الله مرني بما شئت قال (فقف مكانك لا تتركن أحدا يلحق بنا). قال فكان أول النهار جاهدا على نبي الله صلى الله عليه و سلم وكان آخر النهار مسلحة له.
فنزل رسول الله صلى الله عليه و سلم جانب الحرة ثم بعث إلى الأنصار فجاؤوا إلى نبي الله صلى الله عليه و سلم وأبي بكر فسلموا عليهما وقالوا اركبا آمنين مطاعين. فركب نبي الله صلى الله عليه و سلم وأبو بكر وحفوا دونهما بالسلاح فقيل في المدينة جاء نبي الله جاء نبي الله صلى الله عليه و سلم فأشرفوا ينظرون ويقولون جاء نبي الله جاء نبي الله فأقبل يسير حتى نزل جانب دار أبي أيوب.
فإنه ليحدث أهله إذ سمع به عبد الله بن سلام وهو في نخل لأهله يخترف لهم فعجل أن يضع الذي يخترف لهم فيها فجاء وهي معه فسمع من نبي الله صلى الله عليه و سلم ثم رجع إلى أهله. فقال نبي الله صلى الله عليه و سلم (أي بيوت أهلنا أقرب). فقال أبو أيوب أنا يا نبي الله هذه داري وهذا بابي قال (فانطلق فهيئ لنا مقيلا).
قال قوما على بركة الله فلما جاء نبي الله صلى الله عليه و سلم جاء عبد الله بن سلام فقال أشهد أنك رسول الله وأنك جئت بحق وقد علمت يهود أني سيدهم وابن سيدهم وأعلمهم وابن أعلمهم فادعهم فاسألهم عني قبل أن يعلموا أني قد أسلمت فإنهم إن يعلموا أني قد أسلمت قالوا في ما ليس في. فأرسل نبي الله صلى الله عليه و سلم فأقبلوا فدخلوا عليه فقال لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم (يا معشر اليهود ويلكم اتقوا الله فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله حقا وأني جئتكم بحق فأسلموا). قالوا ما نعلمه قالوا للنبي صلى الله عليه و سلم قالها ثلاث مرار.

قال (فأي رجل فيكم عبد الله بن سلام). قالوا ذاك سيدنا وابن سيدنا وأعلمنا وابن أعلمنا. قال (أفرأيتم إن أسلم). قالوا حاشى لله ما كان ليسلم قال (أفرأيتم إن أسلم). قالوا حاشى لله ما كان ليسلم قال (أفرأيتم إن أسلم). قالوا حاشى لله ما كان ليسلم قال (يا ابن سلام اخرج عليهم). فخرج فقال يا معشر اليهود اتقوا الله فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله وأنه جاء بحق. فقالوا كذبت فأخرجهم رسول الله صلى الله عليه و سلم. [ش: (مردف أبا بكر) مركبه خلفه على نفس الراحلة أو على راحلة غيرها. (شيخ يعرف) أي قد شاب شعر رأسه وكان يعرفه أهل المدينة لمروره عليهم في سفر التجارة. (شاب) أي من حيث عدم انتشار الشيب في رأسه وإلا فهو صلى الله عليه و سلم أسن من أبي بكر رضي الله عنه. (لا يعرف) لم يعرفه الناس لعدم خروجه من مكة غالبا وعدم التقائه بهم. (بفارس) هو سراقة بن مالك رضي الله عنه. (اصرعه) اطرحه على الأرض واكفنا شره. (تحمحم) من الحمحمة وهي صوت الفرس. (مسلحة له) مراقبا يدفع عنه الأذى ويحول عنه العيون. (الحرة) أرض ذات حجارة سوداء. (حفوا) أحدقوا وأحاطوا. (فأشرفوا) اطلعوا من فوق السطوح ونحوها. (ليحدث أهله) لعل المراد بعض من حوله من أقاربه. (يخترف لهم) يجتني من الثمار. (أهلنا) قرابتنا لأن جدته صلى الله عليه و سلم من بني النجار. (مقيلا) مكانا يقيل فيه من القيلولة وهي النوم وسط النهار. (ويلكم) وقع بكم الشر والعذاب].

صحيح ابن حبان: عن سلمان قال: كان أبي من أبناء الأساورة وكنت أختلف إلى الكتاب وكان معي غلامان إذا رجعا من الكتاب دخلا على قس فدخلت معهما فقال لهما: ألم أنهكما أن تأتياني بأحد قال: فكنت أختلف إليه حتى كنت أحب إليه منهما فقال لي: يا سلمان إذا سألك أهلك من حبسك؟ فقل: معلمي وإذا سألك معلمك: من حبسك؟ فقل: أهلي وقال لي: يا سلمان إني أريد أن أتحول قال: قلت: أنا معك قال: فتحول فأتى قرية فنزلها وكانت امرأة تختلف إليه فلما حضر قال: يا سلمان احتفر قال: فاحتفرت فأخرجت جرة من دراهم قال: صبها على صدري فصببتها فجعل يضرب بيده على صدري ويقول: ويل للقس فمات فنفخت في بوقهم ذلك فاجتمع القسيسون والرهبان فحضروه وقال: وهممت بالمال أن احتمله ثم إن الله صرفني عنه فلما اجتمع القسيسون والرهبان قلت: إنه قد ترك مالا فوثب شباب من أهل القرية وقالوا: هذا مال أبينا كانت سريته تأتيه فأخذوه فلما دفن قلت: يا معشر القسيسين دلوني على عالم أكون معه قالوا: ما نعلم في الأرض أعلم من رجل كان يأتي بيت المقدس وإن انطلق الآن وجدت حماره على باب بيت المقدس فانطلقت فإذا أنا بحمار فجلست عنده حتى خرج فقصصت عليه القصة فقال: اجلس حتى أرجع إليك قال: فلم أره إلى الحول وكان لا يأتي بيت المقدس إلا في كل سنة في ذلك الشهر فلما جاء قلت: ما صنعت في؟ قال: وإنك لها هنا بعد؟ قلت: نعم قال: لا أعلم في الأرض أحدا أعلم من يتيم خرج في أرض تهامة وإن تنطلق الآن توافقه وفيه ثلاث: يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة وعند غضروف كتفه اليمنى خاتم نبوة مثل بيضة لونها لون جلده وإن انطلقت الآن وافقته فانطلقت ترفعني أرض وتخفضني أخرى حتى أصابني قوم من الأعراب فاستعبدوني فباعوني حتى وقعت إلى المدينة فسمعتهم يذكرون النبي صلى الله عليه و سلم وكان العيش عزيزا فسألت أهلي أن يهبوا لي يوما ففعلوا فانطلقت فاحتطبت فبعته بشيء يسير ثم جئت به فوضعته بين يديه فقال صلى الله

عليه و سلم: (ما هو)؟ فقلت: صدقة فقال لأصحابه: (كلوا) وأبى أن يأكل قلت: هذه واحدة ثم مكثت ما شاء الله ثم استوهبت أهلي يوما فوهبوا لي يوما فانطلقت فاحتطبت فبعته بأفضل من ذلك فصنعت طعاما فأتيته فوضعته بين يديه فقال: (ما هذا)؟ قلت: هدية فقال بيده: (باسم الله خذوا) فأكل وأكلوا معه وقمت إلى خلفه فوضع رداءه فإذا خاتم النبوة كأنه بيضة قلت: أشهد أنك رسول الله قال: (وما ذاك)؟ قال: فحدثته فقلت: يارسول الله القس هل يدخل الجنة فإنه زعم أنك نبي؟ قال: (لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة) قلت: يا رسول الله أخبرني أنك نبي قال: (لن يدخل الجنة إلا نفس مسلمة).

سيرة ابن هشام: عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ، قَالَ حَدّثَنِي سَلْمَانُ الْفَارِسِيّ، وَأَنَا أَسْمَعُ مِنْ فِيهِ قَالَ كُنْتُ: رَجُلًا فَارِسِيّا مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ مِنْ قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا جَيّ، وَكَانَ أَبِي دِهْقَانَ قَرْيَتِهِ وَكُنْتُ أَحَبّ خَلْقِ اللّهِ إلَيْهِ لَمْ يَزَلْ بِهِ حُبّهُ إيّايَ حَتّى حَبَسَنِي فِي بَيْتِهِ كَمَا تُحْبَسُ الْجَارِيَةُ وَاجْتَهَدْت فِي الْمَجُوسِيّةِ حَتّى كُنْتُ قَطْنَ النّارِ. قَالَ وَكَانَتْ لِأَبِي ضَيْعَةٌ عَظِيمَةٌ فَشُغِلَ فِي بُنْيَانٍ لَهُ يَوْمًا، فَقَالَ لِي: يَا بُنَيّ إنّي قَدْ شُغِلْت فِي بُنْيَانِي هَذَا الْيَوْمَ عَنْ ضَيْعَتِي، فَاذْهَبْ إلَيْهَا فَاطّلَعَهَا. وَأَمَرَنِي فِيهَا بِبَعْضِ مَا يُرِيدُ ثُمّ قَالَ لِي: وَلَا تَحْتَبِسُ عَنّي فَإِنّك إنْ احْتَبَسْتَ عَنّي كُنْت أَهَمّ إلَيّ مِنْ ضَيْعَتِي، وَشَغَلَتْنِي عَنْ كُلّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِي.

قَالَ فَخَرَجْت أُرِيدُ ضَيْعَتَهُ الّتِي بَعَثَنِي إلَيْهَا، فَمَرَرْتُ بِكَنِيسَةٍ مِنْ كَنَائِسِ النّصَارَى، فَسَمِعْت أَصْوَاتَهُمْ فِيهَا وَهُمْ يُصَلّونَ وَكُنْت لَا أَدْرِي مَا أَمْرُ النّاسِ لِحَبْسِ أَبِي إيّايَ فِي بَيْتِهِ فَلَمّا سَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ دَخَلْتُ عَلَيْهِمْ أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُونَ فَلَمّا رَأَيْتُهُمْ أَعْجَبَتْنِي صَلَاتُهُمْ وَرَغِبْت فِي أَمْرِهِمْ وَقُلْت: هَذَا وَاَللّهِ خَيْرٌ مِنْ الدّينِ الّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ فَوَاَللّهِ مَا بَرِحْتُهُمْ حَتّى غَرَبَتْ الشّمْسُ وَتَرَكْت ضَيْعَةَ أَبِي فَلَمْ آتِهَا؛ ثُمّ قُلْت لَهُمْ أَيْنَ أَصْلُ هَذَا الدّينِ؟ قَالُوا: بِالشّامِ. فَرَجَعْت إلَى أَبِي، وَقَدْ بَعَثَ فِي طَلَبِي، وَشَغَلْته عَنْ عَمَلِهِ كُلّهِ فَلَمّا جِئْته قَالَ أَيْ بُنَيّ أَيْنَ كُنْتَ؟ أَوَلَمْ أَكُنْ عَهِدْتُ إلَيْك مَا عَهِدْتُ؟ قَالَ قُلْت لَهُ يَا أَبَتِ مَرَرْتُ بِأُنَاسٍ يُصَلّونَ فِي كَنِيسَةٍ لَهُمْ فَأَعْجَبَنِي مَا رَأَيْتُ مِنْ دِينِهِمْ فَوَاَللّهِ مَا زِلْت عِنْدَهُمْ حَتّى غَرَبَتْ الشّمْسُ قَالَ أَيّ بُنَيّ لَيْسَ فِي ذَلِكَ الدّينِ خَيْرٌ دِينُك وَدِينُ آبَائِك خَيْرٌ مِنْهُ قَالَ قُلْت لَهُ كَلّا وَاَللّهِ إنّهُ لَخَيْرٌ مِنْ دِينِنَا. قَالَ فَخَافَنِي، فَجَعَلَ فِي رِجْلِي قَيْدًا، ثُمّ حَبَسَنِي فِي بَيْتِهِ

وَبَعَثْت إلَى النّصَارَى فَقُلْت لَهُمْ إذَا قَدِمَ عَلَيْكُمْ رَكْبٌ مِنْ الشّامِ فَأَخْبَرُونِي بِهِمْ. قَالَ فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ رَكْبٌ مِنْ الشّامِ تُجّارٌ مِنْ النّصَارَى، فَأَخْبَرُونِي بِهِمْ فَقُلْت لَهُمْ إذَا قَضَوْا حَوَائِجَهُمْ وَأَرَادُوا الرّجْعَةَ إلَى بِلَادِهِمْ فَآذَنُونِي بِهِمْ. قَالَ فَلَمّا أَرَادُوا الرّجْعَةَ إلَى بِلَادِهِمْ أَخْبَرُونِي بِهِمْ فَأَلْقَيْتُ الْحَدِيدَ مِنْ رِجْلَيّ ثُمّ خَرَجْتُ مَعَهُمْ حَتّى قَدِمْتُ الشّامَ. فَلَمّا قَدِمْتُهَا، قُلْتُ مَنْ أَفَضْلُ أَهْلُ هَذَا الدّينِ عِلْمًا؟ قَالُوا: الْأُسْقُفُ فِي الْكَنِيسَةِ. قَالَ فَجِئْته فَقُلْت لَهُ إنّي قَدْ رَغِبْتُ فِي هَذَا الدّينِ فَأَحْبَبْتُ أَنّ أَكُونَ مَعَك، وَأَخْدُمُك فِي كَنِيسَتِك، فَأَتَعَلّمَ مِنْك، وَأُصَلّيَ مَعَك؛ قَالَ اُدْخُلْ فَدَخَلْتُ مَعَهُ. قَالَ وَكَانَ رَجُلُ سَوْءٍ يَأْمُرُهُمْ بِالصّدَقَةِ وَيُرَغّبُهُمْ فِيهَا، فَإِذَا جَمَعُوا إلَيْهِ شَيْئًا مِنْهَا اكْتَنَزَهُ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يُعْطِهِ الْمَسَاكِينَ حَتّى جَمَعَ سَبْعَ قِلَالٍ مِنْ ذَهَبٍ وَوَرِقٍ.

قَالَ فَأَبْغَضْتُهُ بُغْضًا شَدِيدًا لِمَا رَأَيْته يَصْنَعُ ثُمّ مَاتَ فَاجْتَمَعَتْ إلَيْهِ النّصَارَى لِيَدْفِنُوهُ فَقُلْت لَهُمْ إنّ هَذَا كَانَ رَجُلَ سَوْءٍ يَأْمُركُمْ بِالصّدَقَةِ وَيُرَغّبُكُمْ فِيهَا، فَإِذَا جِئْتُمُوهُ بِهَا، اكْتَنَزَهَا لِنَفْسِهِ وَلَمْ يُعْطِ الْمَسَاكِينَ مِنْهَا شَيْئًا. قَالَ فَقَالُوا لِي: وَمَا عِلْمُكَ بِذَلِكَ؟ قَالَ قُلْت لَهُمْ أَنَا أَدُلّكُمْ عَلَى كَنْزِهِ قَالُوا: فَدُلّنَا عَلَيْهِ قَالَ فَأَرَيْتُهُمْ مَوْضِعَهُ فَاسْتَخْرَجُوا مِنْهُ سَبْعَ قِلَالٍ مَمْلُوءَةً ذَهَبًا وَوَرِقًا. قَالَ فَلَمّا رَأَوْهَا قَالُوا: وَاَللّهِ لَا نَدْفِنُهُ أَبَدًا. قَالَ فَصَلَبُوهُ وَرَجَمُوهُ بِالْحِجَارَةِ وَجَاءُوا بِرَجُلٍ آخَرَ فَجَعَلُوهُ مَكَانَهُ.
قَالَ يَقُولُ سَلْمَانُ: فَمَا رَأَيْتُ رَجُلًا لَا يُصَلّي الْخَمْسَ أَرَى أَنّهُ كَانَ أَفْضَلَ مِنْهُ (وَ) أَزْهَدَ فِي الدّنْيَا، وَلَا أَرْغَبَ فِي الْآخِرَةِ وَلَا أَدْأَبَ لَيْلًا وَنَهَارًا مِنْهُ. قَالَ فَأَحْبَبْته حُبّا لَمْ أُحِبّهُ شَيْئًا قَبْلَهُ. قَالَ فَأَقَمْتُ مَعَهُ زَمَانًا طَوِيلًا، ثُمّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فَقُلْتُ لَهُ يَا فُلَانُ إنّي قَدْ كُنْت مَعَك وَأَحْبَبْتُك حُبّا لَمْ أُحِبّهُ شَيْئًا قَبْلَك، وَقَدْ حَضَرَك مَا تَرَى مِنْ أَمْرِ اللّهِ تَعَالَى، فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي؟ وَبِمَ تَأْمُرُنِي؟ قَالَ أَيْ بُنَيّ وَاَللّهِ مَا أَعْلَمُ الْيَوْمَ أَحَدًا عَلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ فَقَدْ هَلَكَ النّاسُ وَبَدّلُوا وَتَرَكُوا أَكْثَرَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ إلّا رَجُلًا بِالْمَوْصِلِ وَهُوَ فُلَانٌ وَهُوَ عَلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ فَالْحَقْ بِهِ.

قَالَ فَلَمّا مَاتَ وَغُيّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ الْمَوْصِلِ، فَقُلْت لَهُ يَا فُلَانُ إنّ فُلَانًا أَوْصَانِي عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ أَلْحَقَ بِك، وَأَخْبَرَنِي أَنّك عَلَى أَمْرِهِ فَقَالَ لِي: أَقِمْ عِنْدِي، فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ فَوَجَدْتُهُ خَيْرَ رَجُلٍ عَلَى أَمْرِ صَاحِبِهِ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَاتَ. فَلَمّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قُلْت لَهُ يَا فُلَانُ إنّ فُلَانًا أَوْصَى بِي إلَيْك، وَأَمَرَنِي بِاللّحُوقِ بِك، وَقَدْ حَضَرَك مِنْ أَمْرِ اللّهِ مَا تَرَى، فَإِلَى مِنْ تُوصِي بِي؟ وَبِمَ تَأْمُرُنِي؟ قَالَ يَا بُنَيّ وَاَللّهِ مَا أَعْلَمُ رَجُلًا عَلَى مِثْلِ مَا كُنّا عَلَيْهِ إلّا رَجُلًا بِنَصِيبِينَ وَهُوَ فُلَانٌ فَالْحَقْ بِهِ.
فَلَمّا مَاتَ وَغُيّبَ لَحِقْت بِصَاحِبِ نَصِيبِينَ، فَأَخْبَرْته خَبَرِي، وَمَا أَمَرَنِي بِهِ صَاحِبُهُ فَقَالَ أَقِمْ عِنْدِي، فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ فَوَجَدْته عَلَى أَمْرِ صَاحِبِيهِ. فَأَقَمْتُ مَعَ خَيْرِ رَجُلٍ فَوَاَللّهِ مَا لَبِثَ أَنْ نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ فَلَمّا حُضِرَ قُلْت لَهُ يَا فُلَانُ إنّ فُلَانًا كَانَ أَوْصَى بِي إلَى فُلَانٍ ثُمّ أَوْصَى بِي فُلَانٌ إلَيْك؛ قَالَ فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي؟ وَبِمَ تَأْمُرُنِي؟ قَالَ يَا بُنَيّ وَاَللّهِ مَا أَعْلَمُهُ بَقِيَ أَحَدٌ عَلَى أَمْرِنَا آمُرُك أَنْ تَأْتِيَهُ إلّا رَجُلًا بِعَمُورِيّةَ مِنْ أَرْضِ الرّومِ، فَإِنّهُ عَلَى مِثْلِ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ فَإِنْ أَحْبَبْتَ فَأْتِهِ فَإِنّهُ عَلَى أَمْرِنَا.

فَلَمّا مَاتَ وَغُيّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ عَمُورِيّةَ، فَأَخْبَرْته خَبَرِي؛ فَقَالَ أَقِمْ عِنْدِي، فَأَقَمْت عِنْدَ خَيْرِ رَجُلٍ عَلَى هُدَى أَصْحَابِهِ وَأَمْرِهِمْ. قَالَ وَاكْتَسَبْتُ حَتّى كَانَتْ لِي بَقَرَاتٌ وَغُنَيْمَةٌ. قَالَ ثُمّ نَزَلَ بِهِ أَمْرُ اللّهِ تَعَالَى، فَلَمّا حُضِرَ قُلْت لَهُ يَا فُلَانُ إنّي كُنْتُ مَعَ فُلَانٍ فَأَوْصَى بِي إلَى فُلَانٍ ثُمّ أَوْصَى بِي فُلَانٌ إلَى تُوصِي بِي؟ وَبِمَ تَأْمُرُنِي؟ قَالَ أَيْ بُنَيّ وَاَللّهِ مَا أَعْلَمُهُ أَصْبَحَ الْيَوْمَ أَحَدٌ عَلَى مِثْلِ مَا كُنّا عَلَيْهِ مِنْ النّاسِ آمُرُك بِهِ أَنْ تَأْتِيَهُ وَلَكِنّهُ قَدْ أَظَلّ زَمَانُ نَبِيّ وَهُوَ مَبْعُوثٌ بِدِينِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلَامُ يَخْرُجُ بِأَرْضِ الْعَرَبِ، مُهَاجَرُهُ إلَى أَرْضٍ بَيْنَ حَرّتَيْنِ بَيْنَهُمَا نَخْلٌ بِهِ عَلَامَاتٌ لَا تَخْفَى، يَأْكُلُ الْهَدِيّةَ وَلَا يَأْكُلُ الصّدَقَةَ وَبَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النّبُوّةِ فَإِنْ اسْتَطَعْت أَنْ تَلْحَقَ بِتِلْكَ الْبِلَادِ فَافْعَلْ.

قَالَ ثُمّ مَاتَ وَغُيّبَ وَمَكَثْت بِعَمُورِيّةَ مَا شَاءَ اللّهُ أَنْ أَمْكُثَ ثُمّ مَرّ بِي نَفَرٌ مِنْ كَلْبٍ تُجّارٌ فَقُلْت لَهُمْ احْمِلُونِي إلَى أَرْضِ الْعَرَبِ وَأُعْطِيكُمْ بَقَرَاتِي هَذِهِ وَغُنَيْمَتِي هَذِهِ قَالُوا: نَعَمْ. فأعْطَيْتُهُمُوها وَحَمَلُونِي مَعَهُمْ حَتّى إذَا بَلَغُوا وَادِيَ الْقُرَى ظَلَمُونِي، فَبَاعُونِي مِنْ رَجُلٍ يَهُودِيّ عَبْدًا، فَكُنْت عِنْدَهُ وَرَأَيْت النّخْلَ فَرَجَوْت أَنْ يَكُونَ الْبَلَدَ الّذِي وَصَفَ لِي صَاحِبِي، وَلَمْ يَحِق فِي نَفْسِي، فَبَيْنَا أَنَا عِنْدَهُ إذْ قَدِمَ عَلَيْهِ ابْنُ عَمّ لَهُ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ مِنْ الْمَدِينَةِ، فَابْتَاعَنِي مِنْهُ فَاحْتَمَلَنِي إلَى الْمَدِينَةِ، فَوَاَللّهِ مَا هُوَ إلّا أَنْ رَأَيْتُهَا فَعَرَفْتهَا بِصِفَةِ صَاحِبِي، فَأَقَمْتُ بِهَا، وَبُعِثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَقَامَ بِمَكّةَ مَا أَقَامَ لَا أَسْمَعُ لَهُ بِذكَرٍ مَعَ مَا أَنَا فِيهِ مِنْ شُغْلِ الرّقّ ثُمّ هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ، فَوَاَللّهِ إنّي لَفِي رَأْسِ عِذْقٍ لِسَيّدِي أَعْمَلُ لَهُ فِيهِ بَعْضَ الْعَمَلِ وَسَيّدِي جَالِسٌ تَحْتِي، إذْ أَقْبَلَ ابْنُ عَمّ لَهُ حَتّى وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ يَا فُلَانُ قَاتَلَ اللّهُ بَنِي قَيْلَةَ وَاَللّهِ إنّهُمْ الْآنَ لَمُجْتَمِعُونَ بِقُبَاءَ عَلَى رَجُلٍ قَدِمَ عَلَيْهِمْ مِنْ مَكّةَ الْيَوْمَ يَزْعُمُونَ أَنّهُ نَبِيّ.

قال سلمان: وَقَدْ كَانَ عِنْدِي شَيْءٌ قَدْ جَمَعْته فَلَمّا أَمْسَيْتُ أَخَذْتُهُ ثُمّ ذَهَبْت بِهِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ بِقُبَاءَ فَدَخَلْت عَلَيْهِ فَقُلْت لَهُ إنّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنّك رَجُلٌ صَالِحٌ وَمَعَك أَصْحَابٌ لَك غُرَبَاءُ ذَوُو حَاجَةٍ وَهَذَا شَيْءٌ قَدْ كَانَ عِنْدِي لِلصّدَقَةِ فَرَأَيْتُكُمْ أَحَقّ بِهِ مِنْ غَيْرِكُمْ قَالَ فَقَرّبْته إلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأَصْحَابِهِ كُلُوا، وَأَمْسَكَ يَدَهُ فَلَمْ يَأْكُلْ. قَالَ فَقُلْت فِي نَفْسِي: هَذِهِ وَاحِدَةٌ.
قَالَ ثُمّ انْصَرَفْتُ عَنْهُ فَجَمَعْت شَيْئًا، وَتَحَوّلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ، ثُمّ جِئْته بِهِ فَقُلْت لَهُ إنّي قَدْ رَأَيْتُك لَا تَأْكُلُ الصّدَقَةَ وَهَذِهِ هَدِيّةٌ أَكْرَمْتُكَ بِهَا. قَالَ فَأَكَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْهَا، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَأَكَلُوا مَعَهُ. قَالَ فَقُلْت فِي نَفْسِي: هَاتَانِ ثِنْتَانِ.

تَبِعَ الرسول جِنَازَةَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ (وَ) عَلَيّ شَمْلَتَانِ لِي، وَهُوَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ فَسَلّمْت عَلَيْهِ ثُمّ اسْتَدَرْت أَنْظُرُ إلَى ظَهْرِهِ هَلْ أَرَى الْخَاتَمَ الّذِي وَصَفَ لِي صَاحِبِي؛ فَلَمّا رَآنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اسْتَدْبَرْتُهُ عَرَفَ أَنّي أَسْتَثْبِتُ فِي شَيْءٍ وُصِفَ لِي، فَأَلْقَى رِدَاءَهُ عَنْ ظَهْرِهِ فَنَظَرْت إلَى الْخَاتَمِ فَعَرَفْتُهُ فَأَكْبَبْتُ عَلَيْهِ أُقَبّلُهُ وَأَبْكِي؛ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَحَوّلْ فَتَحَوّلْت فَجَلَسْت بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَصَصْت عَلَيْهِ حَدِيثِي كَمَا حَدّثْتُك يَا ابْنَ عَبّاسٍ، فَأَعْجَبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلّمَ أَنْ يُسْمِعَ ذَلِكَ أَصْحَابَهُ. ثُمّ شَغَلَ سَلْمَانَ الرّقّ حَتّى فَاتَهُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَدْرٌ وَأُحُدٌ.

قَالَ سَلْمَانُ: ثُمّ قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَاتِبْ يَا سَلْمَانُ؛ فَكَاتَبْتُ صَاحِبِي عَلَى ثَلَاثِ مِئَةِ نَخْلَةٍ أُحْيِيهَا لَهُ بِالْفَقِيرِ وَأَرْبَعِينَ أُوقِيّةً. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهِ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأَصْحَابِهِ أَعِينُوا أَخَاكُمْ فَأَعَانُونِي بِالنّخْلِ الرّجُلُ بِثَلَاثِينَ وَدِيّةً وَالرّجُلُ بِعِشْرِينَ وَدِيّةً وَالرّجُلُ بِخَمْسَ عَشْرَةَ وَدِيَةً وَالرّجُلُ بِعَشْرٍ يُعِينُ الرّجُلُ بِقَدْرِ مَا عِنْدَهُ حَتّى اجْتَمَعَتْ لِي ثَلَاثُ مِئَةِ وَدِيّةٍ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اذْهَبْ يَا سَلْمَانُ فَفَقّرْ لَهَا، فَإِذَا فَرَغْتَ قَالَ فَفَقّرْتُ وَأَعَانَنِي أَصْحَابِي، حَتّى إذَا فَرَغْتُ جِئْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَعِي إلَيْهَا، فَجَعَلْنَا نُقَرّبُ إلَيْهِ الْوَدِيّ وَيَضَعُهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِيَدِهِ حَتّى فَرَغْنَا. فَوَاَلّذِي نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ. مَا مَاتَتْ مِنْهَا وَدِيّةٌ وَاحِدَةٌ. قَالَ فَأَدّيْتُ النّخْلَ وَبَقِيَ عَلَيّ الْمَالُ. فَأُتِيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمِثْلِ بَيْضَةِ الدّجَاجَةِ مِنْ ذَهَبٍ مِنْ بَعْضِ الْمَعَادِنِ فَقَالَ مَا فَعَلَ الْفَارِسِيّ الْمُكَاتَبُ؟ قَالَ فَدُعِيت لَهُ فَقَالَ خُذْ هَذِهِ فَأَدّهَا مِمّا عَلَيْك يَا سَلْمَانُ " قَالَ قُلْت: وَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ يَا رَسُولَ اللّهِ مِمّا عَلَيّ؟ فَقَالَ خُذْهَا فَإِنّ اللّهَ سَيُؤَدّي بِهَا عَنْك. قَالَ فَأَخَذْتهَا فَوَزَنْت لَهُمْ مِنْهَا، وَاَلّذِي نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ أَرْبَعِينَ أُوقِيّةً فَأَوْفَيْتُهُمْ حَقّهُمْ مِنْهَا، وَعَتَقَ سَلْمَانُ.

فَشَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ الْخَنْدَقَ حُرّا، ثُمّ لَمْ يَفُتْنِي مَعَهُ مَشْهَدٌ.
)))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: لا تتولوا قوما غضب الله عليهم
********************************
= لا توالوهم ولا تناصحوهم؛ رجع تعالى بطوله وفضله على حاطب بن أبي بلتعة
= وما فعلت كفرا ولا ارتدادا ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم (لقد صدقكم)
= يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا وحرزا للأميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل
= في السطر الأول محمد رسول الله عبدي المختار

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ [الممتحنة: 13]}}.
تفسير القرطبي: {لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} يعني اليهود. وذلك أن ناسا من فقراء المسلمين كانوا يخبرون اليهود بأخبار المؤمنين ويواصلونهم فيصيبون بذلك من ثمارهم فنهوا عن ذلك. {قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ} يعني اليهود. وقيل: هم المنافقون. وقال الحسن: هم اليهود والنصارى. قال ابن مسعود: معناه أنهم تركوا العمل للآخرة وآثروا الدنيا. وقيل: المعنى يئسوا من ثواب الآخرة. {كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ} أي الأحياء من الكفار. {مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ} أن رجعوا اليهم. قال ابن عرفة: وهم الذين قالوا: {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ} وقال مجاهد: المعنى كما يئس الكفار الذين في القبور أن يرجعوا إلى الدنيا. وقيل: إن الله تعالى ختم السورة بما بدأها من ترك موالاة الكفار؛ وهي خطاب لحاطب بن أبي بلتعة وغيره.

قال ابن عباس: {لا تَتَوَلَّوْا} أي لا توالوهم ولا تناصحوهم؛ رجع تعالى بطوله وفضله على حاطب بن أبي بلتعة. يريد أن كفار قريش قد يئسوا من خير الآخرة كما يس الكفار المقبورون من حظ يكون لهم في الآخرة من رحمة الله تعالى. {قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ} قال: من مات من الكفار يئس من الخير.

تفسير الألوسي: {لاَ تَتَوَلَّوْاْ قوْماً غَضِبَ الله عَلَيْهِمْ} أنهم اليهود لأنه عز وجل قد عبر عنهم في غير هذه الآية بالمغضوب عليهم، وروي أن قوماً من فقراء المؤمنين كانوا يواصلون اليهود ليصيبوا من ثمارهم فنزلت، وقيل: هم اليهود والنصارى. وعن ابن عباس أنهم كفار قريش. هم عامة الكفرة.
وهذه الآية متصلة بخاتمة قصة المشركين الذين نهى المؤمنون عن اتخاذهم أولياء بقوله تعالى: {لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء} [الممتحنة: 1] وهي قوله سبحانه: {وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظالمون} [الممتحنة: 9] وقوله تعالى: {الظالمون ياأيها الذين ءامَنُواْ إِذَا جَاءكُمُ المؤمنات} [الممتحنة: 10]. مستطرد فإنه لما جرى حديث المعاملة مع الذين لا يقاتلون المسلمين والذين يقاتلونهم وقد أخرجوهم من ديارهم من الأمر بمبرة أولئك والنهي عن مبرة هؤلاء أتى بحديث المعاملة مع نسائهم، ولما فرغ من ذلك أوصل الخاتمة بالفاتحة على منوال رد العجز على الصدر من حيث المعنى، وفي الانتصاف جعل هذه الآية نفسها من باب الاستطراد وهو ظاهر على القول: بأن المراد بالقوم اليهود أو أهل الكتاب مطلقاً، وقوله تعالى: {قَدْ يَئِسُواْ مِنَ الاخرة} قد يئسوا من خير الآخرة وثوابها لعنادهم الرسول صلى الله عليه وسلم المؤيد بالآيات البينات والمعجزات الباهرات، وإذا أريد بالقوم الكفرة فيأسهم من الآخرة لكفرهم بها.

{كَمَا يَئِسَ الكفار مِنْ أصحاب القبور} والمعنى أن يأس هؤلاء من الآخرة كيأس الكفار الذين ماتوا وسكنوا القبور وتبينوا حرمانهم من نعيمها المقيم، وقيل: كيأسهم من أن ينالهم خير من هؤلاء الأحياء، والمراد وصفهم بكمال اليأس من الآخرة. والمعنى أن هؤلاء القوم المغضوب عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئسوا من موتاهم أن يبعثوا ويلقوهم في دار الدنيا. والمراد بالكفار أولئك القوم، ووضع الظاهر موضع ضميرهم تسجيلاً لكفرهم وإشعاراً بعلة يأسهم.
هذا ومن باب الإشارة في بعض الآيات: {الحكيم ياأيها الذين ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء} [الممتحنة: 1]. إشارة للسالك إلى ترك موالاة النفس الامارة وإلقاء المودة إليها فإنها العدو الأكبر كما قيل: أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك، وهي لا تزال كارهة للحق ومعارضة لرسول العقل نافرة له ولا تنفك عن ذلك حتى تكون مطمئنة راضية مرضية، وإليه الإشارة بقوله تعالى:

{عَسَى الله أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الذين عَادَيْتُم مّنْهُم مَّوَدَّةً} [الممتحنة: 7] وقوله سبحانه: {لاَّ ينهاكم الله} [الممتحنة: 8]. إشارة إلى أنه متى أطاعت النفس وأمن جماحها جاز إعطاؤها حظوظها المباحة، وإليه الإشارة بما روي أن «لنفسك عليك حقاً» وفي قوله سبحانه: {يأَيُّهَا النبى إِذَا جَاءكَ المؤمنات يُبَايِعْنَكَ} [الممتحنة: 12] إشارة إلى مبايعة المرشد المريد الصادق ذا النفس المؤمنة وذلك أن يبايعه على ترك الاختيار وتفويض الأمور إلى الله عز وجل وأن لا يرغب فيما ليس له بأهل، وأن لا يلج في شهوات النفس، وأن لا يئد الوارد الإلهامي تحت تراب الطبيعة، وأن لا يفتري فيزعم أن الخاطر السرى خاطر الروح وخاطر الروح خاطر الحق إلى غير ذلك، وأن لا يعصى في معروف يفيده معرفة الله عز وجل، وأن يطلب من الله سبحانه في ضمن المبالغة أن يستر صفاته بصفاته ووجوده بوجوده، وحاصله أن يطلب له البقاء بعد الفناء وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

صحيح البخارى: سمعت عليا رضي الله عنه يقول: بعثني رسول الله صلى الله عليه و سلم أنا والزبير والمقداد بن الأسود قال (انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة ومعها كتاب فخذوه منها). فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى انتهينا إلى الروضة فإذا نحن بالظعينة فقلنا أخرجي الكتاب فقالت ما معي من كتاب فقلنا لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله صلى الله عليه و سلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم (يا حاطب ما هذا).

قال يا رسول الله لا تعجل علي إني كنت أمرأ ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون بها أهليهم وأموالهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدا يحمون بها قرابتي وما فعلت كفرا ولا ارتدادا ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم (لقد صدقكم). قال عمر يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق قال: (إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم). [ش: (روضة خاخ) موضع بين مكة والمدينة. (ظعينة) المرأة في الهودج وقيل المرأة عامة واسمها سارة وقيل كنود. (تعادى بنا) تباعد وتجاري. (عقاصها) هو الشعر المضفور. (ملصقا) مضافا إليهم ولست منهم وقيل معناه حليفا ولم يكن من نفس قريش وأقربائهم. (يدا) نعمة ومنة عليهم. (اطلع) نظر إليهم وعلم حالهم وما سيكون منهم].

صحيح البخارى: (سمات رسول الله صلي الله عليه وسلم): {عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن هذه الآية التي في القرآن {يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا}. قال في التوراة يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا وحرزا للأميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب بالأسواق ولا يدفع السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويصفح ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله فيفتح بها أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا}.
فتح الباري لابن حجر: سئل عبد الله بن عمرو عن صفة النبي صلى الله عليه و سلم في التوراة فقال:

(في السطر الأول محمد رسول الله عبدي المختار): هي التي في القرآن (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا) أي شاهدا على الأمة ومبشرا للمطيعين بالجنة وللعصاة بالنار أو شاهدا علي المرسل قبله بالإبلاغ. (وحرزا) أي حصنا والاميين هم العرب. (سميتك المتوكل) أي على الله لقناعته باليسير والصبر على ما كان يكره. (ولا غليظ) هو موافق لقوله تعالى: (فبما رحمة الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك). ولا يعارض من قوله تعالى: (واغلظ عليهم). لأن النفي محمول على طبعه الذي جبل عليه والأمر محمول على المعالجة أو النفي بالنسبة للمؤمنين والأمر بالنسبة للكفار والمنافقين. (ولا يدفع السيئه بالسيئة) هو مثل قوله تعالى ادفع بالتي هي أحسن.
زاد في رواية كعب (مولده بمكة ومهاجره طيبة وملكه بالشام). قوله: (وإن يقبضه) أي يميته. (حتى يقيم به) أي حتى ينفي الشرك ويثبت التوحيد والملة العوجاء ملة الكفر. (فيفتح بها) أي بكلمة التوحيد أعينا عميا أي عن الحق وليس هو على حقيقته. ليس بوهن ولا كسل ليختن قلوبا غلفا ويفتح أعينا عميا ويسمع أذانا صما ويقيم ألسنة عوجاء حتى يقال لا إله إلا الله وحده.
)))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: لا تتبعوا خطوات الشيطان
**************************
((أرجى آية)):
****************
= هذه أرجى آية في كتاب الله تعالى؛ فقال أبو بكر: والله إني لأحب أن يغفر الله لي؛ فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه وقال: لا أنزعها منه أبدا
= أرجى آية في كتاب الله عز وجل قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً}
= ولا يحبط الأعمال غير الشرك بالله
= من حلف على شيء لا يفعله فرأى فعله أولى منه أتاه وكفر عن يمينه، أو كفر عن يمينه وأتاه

= كما تحبون عفو الله عن ذنوبكم فكذلك اغفروا لمن دونكم. وهذا المعنى في قوله عليه السلام: "من لا يرحم لا يرحم".
((حديث الافك)):
= بعد ما أنزل الحجاب
= بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش فلما قضيت شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقد لي من جزع أظفار قد انقطع
= فأممت منزلي الذي كنت به فظننت أنهم سيفقدونني فيرجعون
= صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فأتاني وكان يراني قبل الحجاب
= وكان الذي تولى الإفك عبد الله بن أبي ابن سلول
= أني لا أرى من النبي صلى الله عليه و سلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أمرض وإنما يدخل فيسلم ثم يقول (كيف تيكم)
= فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا إلى مرضي
= فقلت لأمي ما يتحدث به الناس؟ فقالت يا بنية هوني على نفسك الشأن فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها
= فدعا رسول الله صلى الله عليه و سلم علي بن أبي طالب وأسامة ابن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله
= وأما علي بن أبي طالب فقال يا رسول الله لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير وسل الجارية تصدقك
= فقالت بريرة لا والذي بعثك بالحق إن رأيت منها أمرا أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن العجين فتأتي الدواجن فتأكله.
= فقام سعد ابن عبادة وهو سيد الخزرج وكان قبل ذلك رجلا صالحا ولكن احتملته الحمية فقال كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على ذلك.
= فبينا نحن كذلك إذ دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم فجلس ولم يجلس عندي من يوم قيل في ما قيل قبلها وقد مكث شهرا لا يوحى إليه في شأني شيء
= يا عائشة فإنه بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بشيء فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه

= ولئن قلت لكم إني بريئة والله يعلم إني لبريئة لا تصدقوني بذلك ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقني والله ما أجد لي ولم مثلا إلا أبا يوسف إذ قال {فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون}
= فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يضحك فكان أول كلمة تكلم بها أن قال لي (يا عائشة احمدي الله فقد برأك الله)
= فقالت لي أمي قومي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت لا والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله
= قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد ما قال لعائشة

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [النور: 21]}}.
تفسير القرطبي:
الاولي: {لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} يعني مسالكه ومذاهبه؛ المعنى: لا تسلكوا الطريق الذي يدعوكم إليها الشيطان. وواحد الخطوات خطوة هو ما بين القدمين. الحديث: أنه رأى رجلا يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة.
وقرأ الجمهور {خُطُوات} بضم الطاء. وسكنها عاصم والأعمش. وقرأ الجمهور {مَا زَكَى} بتخفيف الكاف؛ أي ما اهتدى ولا أسلم ولا عرف رشدا. وقيل: {ما زكى} أي ما صلح؛ يقال: زكا يزكو زكاء؛ أي صلح. أي أن تزكيته لكم وتطهيره وهدايته إنما هي بفضله لا بأعمالكم. وقال الكسائي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} معترض، وقوله: {مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً} جواب لقوله أولا وثانيا: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ}.

الثانية: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} هذه الآية نزلت في قصة أبي بكر بن أبي قحافة رضي الله عنه ومسطح بن أثاثة. وذلك أنه كان ابن بنت خالته وكان من المهاجرين البدريين المساكين. وهو مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف. وقيل: اسمه عوف، ومسطح لقب. وكان أبو بكر رضي الله عنه ينفق عليه لمسكنته وقرابته؛ فلما وقع أمر الإفك وقال فيه مسطح ما قال، حلف أبو بكر ألا ينفق عليه ولا ينفعه بنافعة أبدا، فجاء مسطح فاعتذر وقال: إنما كنت أغشى مجالس حسان فأسمع ولا أقول. فقال له أبو بكر: لقد ضحكت وشاركت فيما قيل؛ ومر على يمينه، فنزلت الآية.
والآية تتناول الأمة إلى يوم القيامة بألا يغتاظ ذو فضل وسعة فيحلف ألا ينفع في هذه صفته غابر الدهر. وروي أن الله تبارك وتعالى لما أنزل: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} العشر آيات، قال أبو بكر وكان ينفق على مسطح لقرابته وفقره: والله لا أنفق عليه شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة؛ فأنزل الله تعالى: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} إلى قوله: {أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ}.
و قال عبد الله بن المبارك: هذه أرجى آية في كتاب الله تعالى؛ فقال أبو بكر: والله إني لأحب أن يغفر الله لي؛ فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه وقال: لا أنزعها منه أبدا.
الثالثة: في هذه الآية دليل على أن القذف وإن كان كبيرا لا يحبط الأعمال؛ لأن الله تعالى وصف مسطحا بعد قوله بالهجرة والإيمان؛ وكذلك سائر الكبائر؛ ولا يحبط الأعمال غير الشرك بالله، قال الله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65].
الرابعة: من حلف على شيء لا يفعله فرأى فعله أولى منه أتاه وكفر عن يمينه، أو كفر عن يمينه وأتاه.

الخامسة: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ} معناه يحلف. ومنه قوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ}. ألوت في كذا إذا قصرت فيه؛ ومنه قوله تعالى: {لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً} [آل عمران: 118].
السادسة: {أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} تمثيل وحجة أي كما تحبون عفو الله عن ذنوبكم فكذلك اغفروا لمن دونكم. وهذا المعنى في قوله عليه السلام: "من لا يرحم لا يرحم".
السابعة: هذه أرجى آية في كتاب الله تعالى، من حيث لطف الله بالقذفة العصاة بهذا اللفظ. وقيل: أرجى آية في كتاب الله عز وجل قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً} [الأحزاب: 47]. وقد قال تعالى في آية أخرى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} [الشورى: 22]. ومن آيات الرجاء قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الزمر: 53]. وقوله تعالى: {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ} [الشورى: 19]. وقال بعضهم: أرجى آية في كتاب الله عز وجل: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى: 5] وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرضى ببقاء أحد من أمته في النار.

((أرجى آية)):
****************
= وقال بن عباس: أرجى آية في كتاب الله تعالى: (وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم) [الرعد: 6]
= {وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى} أي من اتبع الهدى سلم من سخط الله عز وجل وعذابه. قال ابن عباس: هذه أرجى آية للموحدين لأنهم لم يكذبوا ولم يتولوا. [طه: 47]

= {أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} أرجى آية في كتاب الله تعالى؛ فقال أبو بكر: والله إني لأحب أن يغفر الله لي؛ فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه وقال: لا أنزعها منه أبدا. [النور: 22]
= أرجى آية في كتاب الله عز وجل: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى: 5]؛ وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرضى ببقاء أحد من أمته في النار.
= {وبشر المؤمنين}: أمر الله رسوله أن يبشر المؤمنين بالفضل الكبير من الله تعالى. {{وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [البقرة: 223] و وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [التوبة: 112] و وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [يونس: 87] و وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا [الأحزاب: 47] و وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [الصف: 13]. هذه من أرجى آية عندي في كتاب الله تعالى لأن الله عز وجل قد أمر نبيه أن يبشر المؤمنين بأن لهم عنده فضلا كبيرا
= وقال علي بن أبي طالب: ما في القرآن آية أوسع من هذه الآية: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر: 53].
وقال عبدالله بن عمر: وهذه أرجى آية في القرآن فرد عليهم ابن عباس وقال: أرجى آية في القرآن قوله تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} [الرعد: 6].

صحيح البخارى: ((حديث الافك)):

قالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين أزواجه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه فأقرع بيننا في غزاة غزاها فخرج سهمي فخرجت معه بعد ما أنزل الحجاب فأنا أحمل في هودج وأنزل فيه فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه و سلم من غزوته تلك وقفل ودنونا من المدينة آذن ليلة بالرحيل فقمت حين آذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش فلما قضيت شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقد لي من جزع أظفار قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه فأقبل الذين يرحلون لي فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يثقلن ولم يغشهن اللحهم وإنما يأكلن العلقة من الطعام فلم يستنكر القوم حين رفعوه ثقل الهودج فاحتملوه وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا.
فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش فجئت منزلهم وليس فيه أحد فأممت منزلي الذي كنت به فظننت أنهم سيفقدونني فيرجعون إلي.
فبينا أنا جالسة غلبتني عيناي فنمت وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فأتاني وكان يراني قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين أناخ راحلته فوطئ يدها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أيتنا الجيش بعد ما نزلوا معرسين في نحر الظهيرة فهلك من هلك
وكان الذي تولى الإفك عبد الله بن أبي ابن سلول فقدمنا المدينة فاشتكيت بها شهرا يفيضون من قول أصحاب الإفك ويريبني في وجعي أني لا أرى من النبي صلى الله عليه و سلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أمرض وإنما يدخل فيسلم ثم يقول (كيف تيكم).

لا أشعر بشيء من ذلك حتى نقهت فخرجت أنا وأم مسطح قبل المناصع متبرزنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا وأمرنا أمر العرب الأول في البرية أو في التنزه فأقبلت أنا وأم مسطح بنت أبي رهم نمشي فعثرت في مرطها فقالت تعس مسطح فقلت لها بئس ما قلت أتسبين رجلا شهد بدرا فقالت يا هنتاه ألم تسمعي ما قالوا فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا إلى مرضي فلما رجعت إلى بيتي دخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم فسلم فقال (كيف تيكم).
فقلت ائذن لي إلى أبوي قالت وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما فأذن لي رسول الله صلى الله عليه و سلم فأتيت أبوي فقلت لأمي ما يتحدث به الناس؟ فقالت يا بنية هوني على نفسك الشأن فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها. فقلت سبحان الله ولقد يتحدث الناس بهذا؟ قالت فبت الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ثم أصبحت.
فدعا رسول الله صلى الله عليه و سلم علي بن أبي طالب وأسامة ابن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله. فأما أسامة فأشار عليه بالذي يعلم في نفسه من الود لهم فقال أسامة أهلك يا رسول الله ولا نعلم والله إلا خيرا وأما علي بن أبي طالب فقال يا رسول الله لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير وسل الجارية تصدقك فدعا رسول الله صلى الله عليه و سلم بريرة فقال (يا بريرة هل رأيت شيئا يريبك).
فقالت بريرة لا والذي بعثك بالحق إن رأيت منها أمرا أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن العجين فتأتي الدواجن فتأكله. فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم من يومه فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم (من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا وقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي).

فقام سعد بن معاذ فقال يا رسول الله أنا والله أعذرك منه إن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه أمرك. فقام سعد ابن عبادة وهو سيد الخزرج وكان قبل ذلك رجلا صالحا ولكن احتملته الحمية فقال كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على ذلك. فقام أسيد بن الحضير فقال كذبت لعمر الله والله لتقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين. فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا ورسول الله صلى الله عليه و سلم على المنبر فنزل فخفضهم حتى سكتوا وسكت.
وبكيت يومي لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم فأصبح عندي أبواي قد بكيت ليلتين ويوما حتى أظن أن البكاء فالق كبدي قالت فبينا هما جالسان عندي وأنا أبكي إذ استأذنت امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي معي.
فبينا نحن كذلك إذ دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم فجلس ولم يجلس عندي من يوم قيل في ما قيل قبلها وقد مكث شهرا لا يوحى إليه في شأني شيء قالت فتشهد ثم قال (يا عائشة فإنه بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بشيء فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه)
فلما قضى رسول الله صلى الله عليه و سلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة وقلت لأبي أجب عني رسول الله صلى الله عليه و سلم قال والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت لأمي أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما قال قالت والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه و سلم قالت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن فقلت إني والله لقد علمت أنكم سمعتم ما يتحدث به الناس ووقر في أنفسكم وصدقتم به ولئن قلت لكم إني بريئة والله يعلم إني لبريئة لا تصدقوني بذلك ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقني والله ما أجد لي ولم مثلا إلا أبا يوسف إذ قال {فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون}.

ثم تحولت إلى فراشي وأنا أرجو أن يبرئني الله ولكن والله ما ظننت أن ينزل في شأني وحيا ولأنا أحقر في نفسي من أن يتكلم بالقرآن في أمري ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه و سلم في النوم رؤيا يبرئني الله فوالله ما رام مجلسه ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه الوحي فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في يوم شات فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يضحك فكان أول كلمة تكلم بها أن قال لي (يا عائشة احمدي الله فقد برأك الله).
فقالت لي أمي قومي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت لا والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله فأنزل الله تعالى {إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم}.
فلما أنزل الله هذا في براءتي قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد ما قال لعائشة. فأنزل الله تعالى {ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة - إلى قوله ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم}.
فقال أبو بكر بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي فرجع إلى مسطح الذي كان يجري عليه. وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يسأل زينب بنت جحش عن أمري فقال (يا زينب ما علمت ما رأيت). فقالت يا رسول الله أحمي سمعي وبصري والله ما علمت عليها إلا خيرا. قالت وهي التي كانت تساميني فعصمها الله بالورع.

{{شرح مفردات حديث الافك: (طائفة) قطعة. (أوعى) أحفظ وأحسن إيرادا وسردا للحديث. (اقتصاصا) حفظا وتتبعا لأجزائه. (زعموا) قالوا والزعم قد يراد به القول المحقق الصريح وقد يراد به غير ذلك. (أنزل الحجاب) أنزلت الآيات التي تفرض الحجاب على زوجات النبي صلى الله عليه و سلم وعلى النساء المؤمنات. (قفل) رجع. (آذن) أعلم. (جاوزت الجيش) خرجت من معسكرهم وابتعدت. (شأني) حاجتي التي خرجت من أجلها. (عقد) ما يوضع في العنق من الحلي والزينة. (جزع أظفار) خرز في سواده بياض كالعروق نسبة إلى بلدة باليمن يؤتى به منها. (فالتمست) طلبت. (فحبسني ابتغاؤه) أخرني طلبه والبحث عنه. (لم يغشهن اللحم) لم يغط جسمهن أي لم يكن سمينات. (العلقة) القليل من الطعام الذي يسد الجوع. (فلم يستنكر القوم) لم يشعروا بخفة الوزن ولم يختلف عليهم وجودها فيه وعدمه. (استمر) ذهب ومضى. (فأممت منزلي) قصدت مكاني الذي كنت فيه. (باسترجاعه) بقوله {إنا لله وإنا إليه لراجعون}. (فوطئ يدها) وضع قدمه على يد الراحلة ليسهل الركوب عليها. (معرسين) من التعريس وهو النزول ويغلب على النزول في آخر الليل. (نحر الظهيرة) النحر أعلى الصدر أو أوله ونحر كل شيء أوله أو أعلاه والمراد بنحر الظهيرة وقت اشتداد الحر وبلوغ الشمس منتهاها في الارتفاع. (فهلك من هلك) تسبب بالهلاك لنفسه وبالحديث في شأني. (تولى الإفك) تصدى له وتصدر الحديث عنه والإفك البهتان والكذب والمراد افتراؤهم على أم المؤمنين رضي الله عنها الوقوع في الفاحشة. (فاشتكيت) مرضت. (يفيضون) يشيعون من الإفاضة وهي التوسعة والتكثير. (يريبني) يشككني ويوهمني حصول أمر. (تيكم) إشارة للمؤنث. (بشيء من ذلك) الذي يقوله أهل الإفك. (نقهت) برئت من مرضي ولم يرجع لي كمال الصحة. (المناصع) مواضع خارج المدينة كانوا يخرجون إليها لقضاء حاجتهم.

(متبرزنا) الموضع الذي نتبرز فيه من البراز وهو اسم لما يخرج من الإنسان من فضلات وقد يطلق على الموضع الذي يتبرز فيه. (الكنف) جمع كنيف وهو الساتر سمي به المكان المتخذ لقضاء الحاجة لأن قاضي الحاجة يستتر به. (البرية) الصحراء خارج المدينة. (التنزه) طلب النزاهة أي البعد عن البيوت لإلقاء الفضلات. (مرطها) كساء من صوف أو غيره يلتحف به أو يؤتزر. (يا هنتاه) يا هذه نداء للبعيد خاطبتها بذلك لبعدها عما يخوض فيه الناس. (إلى أبوي) أن آتي أبوي. (أستيقن الخبر) أحصل على حقيقته. (وضيئة) جميلة حسنة من الوضاءة وهي الحسن. (ضرائر) جمع ضرة وهي من كانت تشاركها في زوجها أخرى أو زوجات سميت بذلك لأنها تتضرر بغيرها بالغيرة والقسم ونحو ذلك. (أكثرن عليها) القول في عيبها ونقصها. (يرقأ) يتقطع. (لا أكتحل بنوم) استعارة لعدم النوم من كثرة الهم والحزن. (استلبث الوحي) أبطأ نزوله وتأخر. (الود) الثقة بهم والمحبة لهم وحسن الصلة. (قبل ذلك) قبل أن يقول ما قاله الآن ولا تعني نفي الصلاح عنه بعده وإنما تعني أنه لم يسبق منه موقف يتعلق بالحمية لقومه. (احتملته الحمية) أغضبه التعصب لقومه وحمله على الجهالة. (هموا) تناهضوا للنزاع وقصدوا المحاربة. (فخفضهم) تلطف بهم حتى سكتوا. (فالق) من فلق إذا شق. (ألممت) فعلت ذنبا ليس من عادتك من الإلمام وهو النزول النادر غير المتكرر. (قلص) انقبض وارتفع. (وقر) ثبت واستقر. (ما تصفون) ما تذكرون عني مما يعلم الله تعالى براءتي عنه. / يوسف 18 /. (ما رام مجلسه) ما فارقه ولا قام منه. (البرحاء) العرق الشديد من البرح وهو شدة الحر أو الكرب أو غير ذلك من الشدائد. (ليتحدر) ينزل ويقطر. (الجمان) الؤلؤ واحده جمانة. (سري) كشف وأزيل. (عصبة) جماعة من العشرة إلى الأربعين. (الآيات) النور 11 - 20. (يأتل) يحلف. (أولو الفضل) أصحاب الإحسان والصدقة. (السعة) البحبوحة في العيش والمال. / النور 22 /.

(تساميني) تضاهيني بجمالها ومكانتها عند النبي صلى الله عليه و سلم من السمو وهو العلو والارتفاع. (فعصمها) حفظها ومنعها من الخوض في الباطل. (الورع) شدة المحافظة على الدين}}.
))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتي تستأنسوا
فان لم تجدوا فيها احدا فلا تدخلوها
ليس عليكم جناح ان تدخلوا بيوتا غير مسكونة
ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم
واذا بلغ الاطفال منكم الحلم فليستاذنوا
والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا
***************************************
= والخبر إذا كان مخالفا لكتاب الله تعالى لا يجوز العمل به
= فأن عباس بن مرداس لما مدحه قال لبلال: "قم فاقطع لسانه" وإنما أراد بذلك أن يدفع إليه شيئا، ولم يرد به القطع في الحقيقة.
= أن امرأة من الأنصار قالت: يا رسول الله، إني أكون في بيتي على حال لا أحب أن يراني عليها أحد
= فأنزل الله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ} [النور: 29].
= قل السلام عليكم أأدخل" فسمعه الرجل فقال: السلام عليكم أأدخل؟ فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم فدخل.
= ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا حتى يفهم عنه، وإذا سلم على قوم سلم عليهم ثلاثا
= وعليك السلام يا رسول الله، إنما أردنا أن نستكثر من تسليمك
= وذلك أن الدور لم يكن عليها يومئذ ستور.
= كان في حائط بالمدينة على قُف البئر فمد رجليه في البئر فدق الباب أبو بكر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إيذن له وبشره بالجنة".
= عن عمر بن الخطاب أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مشربة له فقال: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليكم أيدخل عمر؟.
= إذا قال الرجل أدخل؟ ولم يسلم فقل لا حتى تأتي بالمفتاح؛ فقلت السلام عليكم؟ قال نعم.

= "أتحب أن تراها عريانة"؟ قال لا؛ قال: "فاستأذن عليها".
= أباح الله تعالى فيها رفع الاستئذان في كل بيت لا يسكنه أحد لأن العلة في الاستئذان إنما هي لأجل خوف الكشفة على الحرمات فإذا زالت العلة زال الحكم.
= والاية نزلت في أسماء بنت مرثد، دخل عليها غلام لها كبير، فاشتكت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فنزلت عليه الآية.
= {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ليست بمنسوخة. قلت: إن الناس لا يعملون بها؛ قال: الله عز وجل المستعان.
= وددت أن الله نهى أبناءنا ونساءنا وخدمنا عن الدخول علينا في هذه الساعات إلا بإذن؛ ثم انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد هذه الآية قد أنزلت، فخر ساجدا شكرا لله.
= ما حد الطفل الذي يستأذن؟ قال: أربع سنين، قال لا يدخل على امرأة حتى يستأذن.
= أن الذي في الآية التي تلونا عندهم على التقديم والتأخير كمثل ما في قوله عز وجل من بعد وصية يوصي بها أو دين على التقديم والتأخير
= (إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له، فليرجع). فقال عمر: أقم عليه البينة. وإلا أوجعتك.

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النور: 27]}}.
تفسير القرطبي: {لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً}: فيه سبع عشرة مسألة:

الأولى: {لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً} لما خصص الله سبحانه ابن آدم الذي كرمه وفضله بالمنازل وسترهم فيها عن الأبصار، وملكهم الاستمتاع بها على الانفراد، وحجر على الخلق أن يطلعوا على ما فيها من خارج أو يلجوها من غير إذن أربابها، أدبهم بما يرجع إلى الستر عليهم لئلا يطلع أحد منهم على عورة. فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من اطلع في بيت قوم من غير إذنهم حل لهم أن يفقؤوا عينه". وقد اختلف في تأويله فقال بعض العلماء: ليس هذا على ظاهره, فإن فقأ فعليه الضمان، والخبر منسوخ، وكان قبل نزول قوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا} [النحل: 126] ويحتمل أن يكون خرج على وجه الوعيد لا على وجه الحتم، والخبر إذا كان مخالفا لكتاب الله تعالى لا يجوز العمل به.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتكلم بالكلام في الظاهر وهو يريد شيئا آخر؛ فأن عباس بن مرداس لما مدحه قال لبلال: "قم فاقطع لسانه" وإنما أراد بذلك أن يدفع إليه شيئا، ولم يرد به القطع في الحقيقة.
الثانية: سبب نزول هذه الآية: عن عدي بن ثابت أن امرأة من الأنصار قالت: يا رسول الله، إني أكون في بيتي على حال لا أحب أن يراني عليها أحد، لا والد ولا ولد فيأتي الأب فيدخل عليّ وإنه لا يزال يدخل عليّ رجل من أهلي وأنا على تلك الحال، فكيف أصنع؟ فنزلت الآية. فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله، أفرأيت الخانات والمساكن في طرق الشام ليس فيها ساكن؛ فأنزل الله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ} [النور: 29].
الثالثة: مد الله سبحانه وتعالى التحريم في دخول بيت ليس هو بيتك إلى غاية هي الاستئناس، وهو الاستئذان. وعن أبي أيوب الأنصاري قال قلنا: يا رسول الله، هذا السلام، فما الاستئذان؟ قال: "يتكلم الرجل بتسبيحة وتكبيرة وتحميدة ويتنحنح ويؤذن أهل البيت".

الرابعة: وقد قال عمر للنبي صلى الله عليه وسلم: أستأنس يا رسول الله؛ وعمر واقف على باب الغرفة. وأن الاستئناس إنما يكون قبل السلام، وتكون الآية على بابها لا تقديم فيها ولا تأخير، وأنه إذا دخل سلم.
الخامسة: السنة في الاستئذان ثلاث مرات لا يزاد عليها. وصورة الاستئذان أن يقول الرجل: السلام عليكم أأدخل؛ فإن أذن له دخل، وإن أمر بالرجوع انصرف، وإن سكت عنه استأذن ثلاثا؛ ثم ينصرف من بعد الثلاث. وقد قيل لعمر: ما منعك أن تأتينا؟ فقلت: أتيت فسلمت على بابك ثلاث مرات فلم ترد علي فرجعت، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع".
وان رجلا من بني عامر استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيت، فقال: ألج؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه: "أخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان: قل السلام عليكم أأدخل" فسمعه الرجل فقال: السلام عليكم أأدخل؟ فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم فدخل.
السادسة: إنما خص الاستئذان بثلاث لأن الغالب من الكلام إذا كرر ثلاثا سمع وفهم؛ ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا حتى يفهم عنه، وإذا سلم على قوم سلم عليهم ثلاثا.
فإذا لم يؤذن له بعد ثلاث ظهر أن رب المنزل لا يريد الإذن، أو لعله يمنعه من الجواب عنه عذر لا يمكنه قطعه؛ فينبغي للمستأذن أن ينصرف؛ لأن الزيادة على ذلك قد تقلق رب المنزل، وربما يضره الإلحاح حتى ينقطع عما كان مشغولا به.؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي أيوب حين استأذن عليه فخرج مستعجلا فقال: "لعلنا أعجلناك ".

أما سنة التسليمات الثلاث فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى سعد بن عبادة فقال: "السلام عليكم" فلم يردوا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "السلام عليكم" فلم يردوا، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلما فقد سعد تسليمه عرف أنه قد انصرف؛ فخرج سعد في أثره حتى أدركه، فقال: وعليك السلام يا رسول الله، إنما أردنا أن نستكثر من تسليمك، وقد والله سمعنا؛ فأنصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم مع سعد حتى دخل بيته.
السابعة: روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الاستئذان ترك العمل به الناس. وذلك لاتخاذ الناس الأبواب وقرعها. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر فيقول: "السلام عليكم السلام عليكم" وذلك أن الدور لم يكن عليها يومئذ ستور.
الثامنة: فإن كان الباب مردودا فله أن يقف حيث شاء منه ويستأذن، وإن شاء دق الباب.
فأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في حائط بالمدينة على قُف البئر فمد رجليه في البئر فدق الباب أبو بكر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إيذن له وبشره بالجنة".
التاسعة: وصفة الدق أن يكون خفيفا بحيث يسمع، ولا يعنف في ذلك. وروى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كانت أبواب النبي صلى الله عليه وسلم تقرع بالأظافير.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: استأذنت على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "من هذا"؟ فقلت أنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا أنا"! كأنه كره ذلك. وإنما كره النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لأن قوله أنا لا يحصل بها تعريف. فقد ثبت عن عمر بن الخطاب أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مشربة له فقال: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليكم أيدخل عمر؟.

الحادية عشرة: عن علي بن عاصم الواسطي قال: قدمت البصرة فأتيت منزل شعبة فدققت عليه الباب فقال: من هذا؟ قلت أنا؛ فقال: يا هذا ما لي صديق يقال له أنا. ثم خرج إليّ فقال: عن جابر بن عبد الله قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة لي فطرقت عليه الباب فقال: "من هذا"؟ فقلت أنا؛ فقال: "أنا أنا" كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره قولي هذا.
الثانية عشرة: ثم لكل قوم في الاستئذان عرفهم في العبارة
؛ كما رواه أبو بكر الخطيب مسندا عن أبي عبد الملك: أرسلتني مولاتي إلى أبي هريرة فجاء معي، فلما قام بالباب قال: أندر؟ قالت أندرون. وترجم عليه باب الاستئذان بالفارسية.
الثالثة عشرة: عن كلدة بن حنبل أن صفوان بن أمية بعثه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بلبن والنبي صلى الله عليه وسلم بأعلى مكة، فدخلت ولم أسلم فقال: "ارجع فقل السلام عليكم" وذلك بعدما أسلم صفوان بن أمية. وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من لم يبدأ بالسلام فلا تأذنوا له".
قال ابو هريرة: إذا قال الرجل أدخل؟ ولم يسلم فقل لا حتى تأتي بالمفتاح؛ فقلت السلام عليكم؟ قال نعم. وروي أن حذيفة جاءه رجل فنظر إلى ما في البيت فقال: السلام عليكم أأدخل؟ فقال حذيفة: أما بعينك فقد دخلت وأما باستك فلم تدخل.
الرابعة عشرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رسول الرجل إلى الرجل إذنه": أي إذا أرسل إليه فقد أذن له في الدخول، يبينه قوله عليه السلام: "إذا دعي أحدكم إلى طعام فجاء مع الرسول فإن ذلك له إذن".
الخامسة عشرة: فإن وقعت العين على العين فالسلام قد تعين، ولا تعد رؤيته إذنا لك في دخولك عليه، فإذا قضيت حق السلام لأنك الوارد عليه تقول: أدخل؟ فإن أذن لك وإلا رجعت.

السادسة عشرة: هذه الأحكام كلها إنما هي في بيت ليس لك، فأما بيتك الذي تسكنه فإن كان فيه أهلك فلا إذن عليها، إلا أنك تسلم إذا دخلت. قال قتادة: إذا دخلت بيتك فسلم على أهلك، فهم أحق من سلمت عليهم. فإن كان فيه معك أمك أو أختك فقالوا: تنحنح واضرب برجلك حتى ينتبها لدخولك؛ لأن الأهل لا حشمة بينك وبينها. وأما الأم والأخت فقد يكونا على حالة لا تحب أن تراهما فيها.
وعن عطاء بن يسار أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أستأذن على أمي؟ قال "نعم" قال: إني أخدمها؟ قال: "استأذن عليها" فعاوده ثلاثا؛ قال "أتحب أن تراها عريانة"؟ قال لا؛ قال: "فاستأذن عليها".
السابعة عشرة: فإن دخل بيت نفسه وليس فيه أحد يقول السلام علينا من ربنا التحيات الطيبات المباركات، لله السلام. وقال قتادة: إذا دخلت بيتا ليس فيه أحد فقل السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين

= {{فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [النور: 28]
تفسير القرطبي: {فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً}: فيه أربع مسائل:
الأولى: {فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً} الضمير في {تَجِدُوا فِيهَا} للبيوت التي هي بيوت الغير. وأن البيوت غير المسكونة إنما تدخل دون إذن إذا كان للداخل فيها متاع.

{المتاع} متاع البيت، الذي هو البسط والثياب. والصحيح أن هذه الآية مرتبطة بما قبلها: والتقدير: يا أيها الذين أمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا، فإن أذن لكم فادخلوا وإلا فارجعوا؛ كما فعل عليه السلام مع سعد، وأبو موسى مع عمر رضي الله عنهما. فإن لم تجدوا فيها أحدا يأذن لكم فلا تدخلوها حتى تجدوا إذنا. وقال رجل من المهاجرين: لقد طلبت عمري هذه الآية فما أدركتها أن أستأذن على بعض إخواني فيقول لي ارجع فارجع وأنا مغتبط؛ لقوله تعالى: {هُوَ أَزْكَى لَكُمْ}.
الثانية: سواء كان الباب مغلقا أو مفتوحا؛ لأن الشرع قد أغلقه بالتحريم للدخول حتى يفتحه الإذن من ربه، بل يجب عليه أن يأتي الباب ويحاول الإذن على صفة لا يطلع منه على البيت لا في إقباله ولا في انقلابه.
فعن عمر بن الخطاب أنه قال: "من ملأ عينيه من قاعة بيت فقد فسق".
وعن سهل بن سعد أن رجلا اطلع في جحر في باب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم مدرى يرجل به رأسه؛ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أعلم أنك تنظر لطعنت به في عينك إنما جعل الله الإذن من أجل البصر".
وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لو أن رجلا اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك من جناح ".
الثالثة: إذا ثبت أن الإذن شرط في دخول المنزل فإنه يجوز من الصغير والكبير. وقد كان أنس بن مالك دون البلوغ يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك الصحابة مع أبنائهم وغلمانهم رضي الله عنهم.
الرابعة: قوله تعالى: {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} توعد لأهل التجسس على البيوت وطلب الدخول على غفلة للمعاصي والنظر إلى ما لا يحل ولا يجوز، ولغيرهم ممن يقع في محظور.

= {{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ [النور: 29]}}.
تفسير القرطبي: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ): فيه مسألتان:
الأولى: روي أن بعض الناس لما نزلت آية الاستئذان تعمق في الأمر، فكان لا يأتي موضعا خربا ولا مسكونا إلا سلم واستأذن؛ فنزلت هذه الآية. أباح الله تعالى فيها رفع الاستئذان في كل بيت لا يسكنه أحد لأن العلة في الاستئذان إنما هي لأجل خوف الكشفة على الحرمات فإذا زالت العلة زال الحكم.
الثانية: اختلف العلماء في المراد بهذه البيوت: هي الفنادق التي في طرق السابلة, فلا يسكنها أحد بل هي موقوفة ليأوي إليها كل ابن سبيل، وفيها متاع لهم؛ أي استمتاع بمنفعتها. هي حوانيت القيساريات لأنهم جاؤوا بيوعهم فجعلوها فيها، وقالوا للناس هلم. والخرب التي يدخلها الناس للبول والغائط؛ ففي هذا أيضا متاع. والخانكات وهي المدارس لطلب العلم، والساكن يدخل الخانات.

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [النور: 58]}}.
تفسير القرطبي: (لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا): فيه ثمان مسائل:

الأولى: هذه الآية خاصة والتي قبلها عامة؛ لأنه قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} [النور: 27] ثم خص هنا فقال: {لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} فخص في هذه الآية بعض المستأذنين. وكذلك أيضا يتأول القول في الأولى في جميع الأوقات عموما. وخص في هذه الآية بعض الأوقات. والاية نزلت في أسماء بنت مرثد، دخل عليها غلام لها كبير، فاشتكت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فنزلت عليه الآية.
الثانية: اختلف العلماء في المراد بقوله تعالى {لِيَسْتَأْذِنْكُمُ} على ستة أقوال:
الأول: أنها منسوخة.
الثاني: أنها ندب غير واجبة وإنما أمروا بهذا نظرا لهم.
الثالث: عنى بها النساء.
الرابع: هي في الرجال دون النساء.
الخامس: كان ذلك واجبا، إذ كانوا لا غلق لهم ولا أبواب، ولو عاد الحال لعاد الوجوب.
السادس: أنها محكمة واجبة ثابتة على الرجال والنساء؛ وهو قول أكثر أهل العلم.
{الَّذِينَ} آية لم يؤمر بها أكثر الناس آية الاستئذان وإني لآمر جاريتي هذه تستأذن علي.
قال ابن عباس: إن الله حليم رحيم بالمؤمنين يحب الستر، وكان الناس ليس لبيوتهم ستور ولا حجال، فربما دخل الخادم أو الولد أو يتيمة الرجل والرجل على أهله، فأمرهم الله بالاستئذان في تلك العورات، فجاءهم الله بالستور والخير، فلم أر أحدا يعمل بذلك بعد.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ليست بمنسوخة. قلت: إن الناس لا يعملون بها؛ قال: الله عز وجل المستعان.

الثالثة: إن الاستئذان ثلاثا مأخوذ من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ} قال يزيد: ثلاث دفعات. قال: فورد القرآن في المماليك والصبيان، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجميع.
{ثَلاثَ مَرَّاتٍ} أي في ثلاث أوقات. ويدل على صحة هذا القول ذكره فيها {مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ}.
الرابعة: أدب الله عز وجل عباده في هذه الآية بأن يكون العبيد إذ لا بال لهم، والأطفال الذين لم يبلغوا الحلم إلا أنهم عقلوا معاني الكشفة ونحوها، يستأذنون على أهليهم في هذه الأوقات الثلاثة، وهي الأوقات التي تقتضي عادة الناس الانكشاف فيها وملازمة التعري. فما قبل الفجر وقت انتهاء النوم ووقت الخروج من ثياب النوم ولبس ثياب النهار. ووقت القائلة وقت التجرد أيضا وهي الظهيرة، لأن النهار يظهر فيها إذا علا شعاعه واشتد حره. وبعد صلاة العشاء وقت التعري للنوم؛ فالتكشف غالب في هذه الأوقات.
ويروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث غلاما من الأنصار يقال له مدلج إلى عمر بن الخطاب ظهيرة ليدعوه، فوجده نائما قد أغلق عليه الباب، فدق عليه الغلام الباب فناداه، ودخل، فاستيقظ عمر وجلس فانكشف منه شيء، فقال عمر: وددت أن الله نهى أبناءنا ونساءنا وخدمنا عن الدخول علينا في هذه الساعات إلا بإذن؛ ثم انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد هذه الآية قد أنزلت، فخر ساجدا شكرا لله.
الخامسة: {وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ} أي الذين لم يحتلموا من أحراركم. وليستأذنكم الذين لم يبلغوا الحلم مما ملكت أيمانكم، على التقديم والتأخير، وأن الآية في الإماء.

{ثَلاثَ مَرَّاتٍ} لأنهم لم يؤمروا بالاستئذان ثلاثا، إنما أمروا بالاستئذان في ثلاثة مواطن. {مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ}.
{ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ} المعنى ليستأذنكم أوقات ثلاث عورات و {عَوْرات} جمع عورة
السادسة: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ} أي في الدخول من غير أن يستأذنوا وإن كنتم متبذلين. فمعنى {طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ} أي يطوفون عليكم وتطوفون عليهم؛ ومنه الحديث في الهرة "إنما هي من الطوافين عليكم أو الطوافات". فمنع في الثلاث العورات من دخولهم علينا؛ لأن حقيقة العورة كل شيء لا مانع دونه، ومنه قوله: {إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ} [الأحزاب: 13] أي سهلة للمدخل، فبين العلة الموجبة للإذن، وهي الخلوة في حال العورة؛ فتعين امتثاله وتعذر نسخه. ثم رفع الجناح بقوله: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ} أي يطوف بعضكم على بعض. {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ} أي يبين الله لكم آياته الدالة على متعبداته بيانا مثل ما يبين لكم هذه الأشياء. {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.
السابعة: {وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ} يريد العتمة. قال رسول الله صلى: "لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم ألا إنها العشاء وهم يعتمون بالإبل". وفي رواية "فإنها في كتاب الله العشاء وإنها تعتم بحلاب الإبل".
الثامنة: عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: "من صلى في جماعة أربعين ليلة لا تفوته الركعة الأولى من صلاة العشاء كتب الله بها عتقا من النار".
وعن عثمان بن عفان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله".

= {{وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [النور: 59]}}.
تفسير القرطبي: (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا): والمعنى: أن الأطفال أمروا بالاستئذان في الأوقات الثلاثة المذكورة؛ وأبيح لهم الأمر في غير ذلك كما ذكرنا. ثم أمر تعالى في هذه الآية أن يكونوا إذا بلغوا الحلم على حكم الرجال في الاستئذان في كل وقت. وهذا بيان من الله عز وجل لأحكامه وإيضاح حلاله وحرامه، وقال {فَلْيَسْتَأْذِنُوا} ولم يقل فليستأذنوكم.
وقال في الأولى {لِيَسْتَأْذِنْكُمُ} لأن الأطفال غير مخاطبين ولا متعبدين. وقال ابن جريج: قلت لعطاء {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} قال: واجب على الناس أن يستأذنوا إذا احتلموا، أحرارا كانوا أو عبيدا. ما ما حد الطفل الذي يستأذن؟ قال: أربع سنين، قال لا يدخل على امرأة حتى يستأذن.

= {{وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [النور: 60]}}.
تفسير القرطبي: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ}: فيه خمس مسائل:
الأولى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ} القواعد واحدتها قاعد.
الثانية: القواعد: العجز اللواتي قعدن عن التصرف من السن، وقعدن عن الولد والمحيض
وقال ربيعة: هي التي إذا رأيتها تستقذرها من كبرها.
الثالثة: {فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ} إنما خص القواعد بذلك لانصراف الأنفس عنهن؛ إذ لا يذهب للرجال فيهن، فأبيح لهن ما لم يبح لغيرهن، وأزيل عنهم كلفة التحفظ المتعب لهن.

الرابعة: {أَنْ يَضَعْنَ مِنْ ثِيَابِهِنّ} وهو الجلباب. الكبيرة التي أيست من النكاح، لو بدا شعرها فلا بأس؛ فعلى هذا يجوز لها وضع الخمار. والصحيح أنها كالشابة في التستر؛ إلا أن الكبيرة تضع الجلباب الذي يكون فوق الدرع والخمار.
الخامسة: {غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} أي غير مظهرات ولا متعرضات بالزينة لينظر إليهن؛ فإن ذلك من أقبح الأشياء وأبعده عن الحق. والتبرج: التكشف والظهور للعيون؛ ومنه: بروج مشيدة. وبروج السماء والأسوار؛ أي لا حائل دونها يسترها.
وقيل لعائشة رضي الله عنها: يا أم المؤمنين، ما تقولين في الخضاب والصباغ والتمائم والقرطين والخلخال وخاتم الذهب ورقاق الثياب؟ فقالت: يا معشر النساء، قصتكن قصة امرأة واحدة، أحل الله لكنّ الزينة غير متبرجات لمن لا يحل لكنّ أن يروا منكن محرما.
وقال عطاء: هذا في بيوتهن، فإذا خرجت فلا يحل لها وضع الجلباب. وعلى هذا {غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ} غير خارجات من بيوتهن.
وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا".
و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمص منها ما يبلغ الثدي ومنها ما دون ذلك ومر عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره" قالوا: ماذا أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: "الدين". فتأويله صلى الله عليه وسلم القميص بالدين مأخوذ من قوله تعالى: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ}. وقال صلى الله عليه وسلم: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء".

شعب الإيمان: {لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها} فيحتمل معنى تستأنسوا تستبصروا أي يكون دخولكم على بصيرة فلا يوافق دخولكم الدار ما لا يكره صاحبها أن تطلعوا عليها.
مشكل الآثار للطحاوي: (لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها): والاستئناس هاهنا هو الاستئذان كذلك هو في لغة أهل اليمن.
ففي الآية التي تلونا تقديم الاستئناس على السلام, وفي حديث أبي موسى تقديم السلام على الاستئذان فكان جوابنا: أن الذي في الآية التي تلونا عندهم على التقديم والتأخير كمثل ما في قوله عز وجل من بعد وصية يوصي بها أو دين على التقديم والتأخير، وكمثل ما في قوله عز وجل: يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين على التقديم والتأخير؛ لأن الركوع في الصلوات قبل السجود فيها.
فتح الباري لابن حجر: (تستأنسوا) الاستئذان بتنحنح ونحوه.
ومن طريق مجاهد حتى تستأنسوا تتنحنحوا أو تتنخموا. ومن طريق عبد الله بن مسعود كان عبد الله إذا دخل الدار استأنس يتكلم ويرفع صوته. وعن أبي أيوب قال قلت يا رسول الله هذا السلام فما الاستئناس؟. قال يتكلم الرجل بتسبيحة أو تكبيرة ويتنحنح فيؤذن أهل البيت. ومن طريق قتادة قال: الاستئناس هو الاستئذان ثلاثا فالأولى ليسمع والثانية ليتأهبوا له والثالثة ان شاءوا أذنوا له وان شاءوا ردوا.
حتى تستأنسوا بأن تسلموا. والاستئناس في لغة اليمن الاستئذان. وأن ابن عباس كان يقرأ حتى تستأذنوا.
وفي مصحف بن مسعود حتى تستأذنوا.
التبويب الموضوعي للأحاديث: عن أبي سورة عن أبي أيوب الأنصاري قال قلنا: يا رسول الله هذا السلام فما الاستئذان قال يتكلم الرجل تسبيحة وتكبيرة وتحميدة ويتنحنح ويؤذن أهل البيت.

صحيح مسلم: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: كنت جالسا بالمدينة في مجلس الأنصار. فأتانا أبو موسى فزعا أو مذعورا. قلنا: ما شأنك؟ قال: إن عمر أرسل إلي أن آتيه. فأتيت بابه فسلمت ثلاثا فلم يرد علي. فرجعت فقال: ما منعك أن تأتينا؟ فقلت: إني أتيت. فسلمت على بابك ثلاثا. فلم يردوا علي. فرجعت. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له، فليرجع). فقال عمر: أقم عليه البينة. وإلا أوجعتك.
))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: لا تدخلوا بيوت النبي الا ان يؤذن لكم
ان تبدوا شيئا او تخفوه
لا جناح عليهن في ابائهن ولا ابنائهن
**********************************
= وهذا أدب أدب الله به الثقلاء.
= وقال عمر وافقت ربي في ثلاث: في مقام إبراهيم وفي الحجاب وفي أسارى بدر.
= وهذا باطل لأن الحجاب نزل يوم البناء بزينب.
= إضافة البيوت إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) إضافة ملك وإضافة البيوت إلى الأزواج إضافة محل
= وقد حكى هذا القول عن بعض فضلاء الصحابة وحاشاهم عن مثله والكذب في نقله وإنما يليق مثل هذا القول بالمنافقين الجهال.
= فدلته أسماء بنت عميس على سترها في النعش في القبة وأعلمته أنها رأت ذلك في بلاد الحبشة فصنعه عمر. وروي أن ذلك صنع في جنازة فاطمة بنت النبي (صلى الله عليه وسلم).
= قال الزجاج: العم والخال ربما يصفان المرأة لولديهما، فإن المرأة تحل لابن العم وابن الخال فكره لهما الرؤية.
= (لا أغني عنكم) أي بمجرد نفسي من غير ما يكرمني الله تعالى به أو كان قبل علمه بأنه يشفع. ولما خفي طريق الجمع على بعضهم تأوله بأن معناه أن أمته تنسب له يوم القيامة بخلاف أمم الأنبياء.

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا [الأحزاب: 53]}}.
تفسير القرطبي: (لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ): فيه ست عشرة مسألة:
الأولى: (لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم) معنى إلا: بأن يؤذن لكم.
(إلى طعام غير ناظرين إناه) تضمنت الآية قصتين: إحداهما الأدب في أمر الطعام والجلوس والثانية أمر الحجاب.
سببها أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لما تزوج زينب بنت جحش امرأة زيد أولم عليها فدعا الناس فلما طعموا جلس طوائف منهم يتحدثون في بيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وزوجته مولية وجهها إلى الحائط فثقلوا على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال أنس: فما أدري أأنا أخبرت النبي (صلى الله عليه وسلم) أن القوم قد خرجوا أو أخبرني قال: فانطلق حتى دخل البيت فذهبت أدخل معه فألقى الستر بيني وبينه ونزل الحجاب قال: ووعظ القوم بما وعظوا به وأنزل الله عز وجل يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلى قوله إن ذلكم كان عند الله عظيما.
نزلت في ناس من المؤمنين كانوا يتحينون طعام النبي (صلى الله عليه وسلم) فيدخلون قبل أن يدرك الطعام فيقعدون إلى أن يدرك ثم يأكلون ولا يخرجون.
وهذا أدب أدب الله به الثقلاء.

وقيل سببها أن عمر قال: يا رسول الله إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر فلو أمرتهن أن يحتجبن فنزلت الآية. وقال عمر وافقت ربي في ثلاث: في مقام إبراهيم وفي الحجاب وفي أسارى بدر. (هذا أصح ما قيل في أمر الحجاب).
عن بن مسعود: أن عمر أمر نساء النبي (صلى الله عليه وسلم) بالحجاب فقالت زينب بنت جحش: يابن الخطاب إنك تغار علينا والوحي ينزل في بيوتنا فأنزل الله تعالى: وإذا سألتموهن متاعا فسألوهن من وراء حجاب وهذا باطل لأن الحجاب نزل يوم البناء بزينب.
وكانت سيرة القوم إذا كان لهم طعام وليمة أو نحوه أن يبكر من شاء إلى الدعوة ينتظرون طبخ الطعام ونضجه وكذلك إذا فرغوا منه جلسوا كذلك فنهى الله المؤمنين عن امثال ذلك في بيت النبي (صلى الله عليه وسلم) ودخل في النهي سائر المؤمنين والتزم الناس أدب الله تعالى لهم في ذلك فمنعهم من الدخول إلا بإذن عند الأكل لا قبله لانتظار نضج الطعام.
صحيح البخارى: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لما تزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم زينب بنت جحش دعا القوم فطعموا ثم جلسوا يتحدثون وإذا هو كأنه يتهيأ للقيام فلم يقوموا فلما رأى ذلك قام فلما قام قام من قام وقعد ثلاثة نفر فجاء النبي صلى الله عليه و سلم ليدخل فإذا القوم جلوس ثم إنهم قاموا فانطلقت فجئت فأخبرت النبي صلى الله عليه و سلم أنهم قد انطلقوا فجاء حتى دخل فذهبت أدخل فألقى الحجاب بيني وبينه فأنزل الله {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي}. [ش: (فطعموا) أكلوا. (نفر) هو هنا الفرد من الرجال ويقال لجماعة الرجال من ثلاثة إلى عشرة. (فألقى الحجاب) حجبني عن زوجاته ومنعني من الدخول عليهن].

صحيح البخارى: كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يشرب عسلا عند زينب بنت جحش ويمكث عندها فواطيت أنا وحفصة على أيتنا دخل عليها فلتقل له أكلت مغافير إني أجد منك ريح مغافير قال (لا ولكني كنت أشرب عسلا عند زينب بنت جحش فلن أعود له وقد حلفت لا تخبري بذلك أحدا). [ش (فواطيت) اتفقت وأصله (فواطأت) وهو كذلك في بعض النسخ وفي بعض النسخ (فتواطأت). (مغافير) جمع مغفور وهو صمغ حلو له رائحة كريهة ينضجه شجر يسمى العرفط. (وقد حلفت) على أن لا أعود لشرب العسل عندها].
صحيح مسلم: لما انقضت عدة زينب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد "فاذكرها علي" قال: فانطلق زيد حتى أتاها وهي تخمر عجينها. قال: فلما رأيتها عظمت في صدري. حتى ما استطيع أن أنظر إليها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها. فوليتها ظهري ونكصت على عقبي. فقلت: يا زينب! أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك. قالت: ما أنا بصانعة شيئا حتى أوامر ربي. فقامت إلى مسجدها. ونزل القرآن. وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها بغير إذن. قال فقال: ولقد رأيتنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعمنا الخبز واللحم حين امتد النهار. فخرج الناس وبقي رجال يتحدثون في البيت بعد الطعام. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم واتبعته. فجعل يتتبع حجر نسائه يسلم عليهن. ويقلن: يا رسول الله! كيف وجدت أهلك؟ قال: فما أدري أنا أخبرته أن القوم قد خرجوا أو أخبرني. قال: فانطلق حتى دخل البيت. فذهبت أدخل معه فألقى الستر بيني وبينه. ونزل الحجاب. قال: ووعظ القوم بما وعظوا به.
(لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ... إلى قوله: والله لا يستحي من الحق).

الثانية: (بيوت النبي) دليل على أن البيت للرجل ويحكم له به فإن الله تعالى أضافه إليه. فإن قيل: فقد قال الله تعالى: (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا) قلنا: إضافة البيوت إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) إضافة ملك وإضافة البيوت إلى الأزواج إضافة محل بدليل أنه جعل فيها الإذن للنبي (صلى الله عليه وسلم) والإذن إنما يكون للمالك.
الثالثة: واختلف العلماء في بيوت النبي (صلى الله عليه وسلم) إذ كان يسكن فيها أهله بعد موته هل هي ملك لهن أم لا على قولين: فقالت طائفة: كانت ملكا لهن بدليل أنهن سكن فيها بعد موت النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى وفاتهن وذلك أن النبي (صلى الله عليه وسلم) وهب ذلك لهن في حياته. الثاني أن ذلك كان إسكانا كما يسكن الرجل أهله ولم يكن هبة وتمادى سكناهن بها إلى الموت.
الرابعة: (غير ناظرين إناه) أي غير منتظرين وقت نضجه. (ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا) فأكد المنع وخص وقت الدخول بأن يكون عند الإذن على جهة الأدب وحفظ الحضرة الكريمة. وتقدير الكلام: ولكن إذا دعيتم وأذن لكم في الدخول فادخلوا وإلا فنفس الدعوة لا تكون إذنا كافيا في الدخول.
الخامسة: (فإذا طعمتم فانتشروا) أمر تعالى بعد الإطعام بأن يتفرق جميعهم وينتشروا والمراد إلزام الخروج من المنزل عند انقضاء المقصود من الأكل والدليل على ذلك أن الدخول حرام وإنما جاز لأجل الأكل فإذا انقضى الأكل زال السبب المبيح وعاد التحريم إلى أصله.
السادسة: في هذه الآية دليل على أن الضيف يأكل على ملك المضيف لا على ملك نفسه لأنه قال: فإذا طعمتم فانتشروا فلم يجعل له أكثر من الأكل.

السابعة: (ولا مستأنسين لحديث) أي غير ناظرين ولا مستأنسين والمعنى المقصود: لا تمكثوا مستأنسين بالحديث كما فعل أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في وليمة زينب) إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحي منكم والله لا يستحي من الحق (أي لا يمتنع من بيانه وإظهاره ولما كان ذلك يقع من البشر لعلة الاستحياء نفى عن الله تعالى العلة الموجبة لذلك في البشر.
جاءت أم سليم إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقالت: يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):) إذا رأت الماء). صحيح البخارى
سنن الدارمي: عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم انها أخبرته: ان أم سليم أم بني أبي طلحة دخلت على رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت يا رسول الله ان الله لا يستحي من الحق أرأيت المرأة ترى في النوم ما يرى الرجل أتغتسل قال نعم فقالت عائشة فقلت أف لك أترى المرأة ذلك فالتفت إليها رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال تربت يمينك فمن أين يكون الشبه.
الثامنة: (وإذا سألتموهن متاعا) واختلف في المتاع فقيل: ما يتمتع به من العواري وقيل فتوى وقيل صحف القرآن والصواب أنه عام في جميع ما يمكن أن يطلب من المواعين وسائر المرافق للدين والدنيا. التاسعة: في هذه الآية دليل على أن الله تعالى أذن في مسألتهن من وراء حجاب في حاجة تعرض أو مسألة يستفتين فيها ويدخل في ذلك جميع النساء بالمعنى وبما تضمنته أصول الشريعة من أن المرأة كلها عورة بدنها وصوتها كما تقدم فلا يجوز كشف ذلك إلا لحاجة كالشهادة عليها أو داء يكون ببدنها أو سؤالها عما يعرض وتعين عندها.

العاشرة: استدل بعض العلماء بأخذ الناس عن أزواج النبي (صلى الله عليه وسلم) من وراء حجاب على جواز شهادة الأعمى وبأن الأعمى يطأ زوجته بمعرفته بكلامها وعلى إجازة شهادته أكثر العلماء ولم يجزها أبو حنيفة والشافعي وغيرهما قال أبو حنيفة: تجوز في الأنساب وقال الشافعي: لا تجوز إلا فيما رآه قبل ذهاب بصره.
الحادية عشرة: (ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن) يريد من الخواطر التي تعرض للرجال في أمر النساء وللنساء في أمر الرجال أي ذلك أنفى للريبة وأبعد للتهمة وأقوى في الحماية وهذا يدل على أنه لا ينبغي لأحد أن يثق بنفسه في الخلوة مع من لا تحل له فإن مجانبة ذلك أحسن لحاله وأحصن لنفسه وأتم لعصمته.
الثانية عشرة: (وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله) هذا تكرار للعلة وتأكيد لحكمها وتأكيد العلل أقوى في الأحكام.
الثالثة عشرة: (ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا) عن قتادة أن رجلا قال: لو قبض رسول الله (صلى الله عليه وسلم) تزوجت عائشة فأنزل الله تعالى: وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله. ونزلت: وأزواجه أمهاتهم. قال بن عباس قال رجل من سادات قريش من العشرة الذين كانوا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على حراء في نفسه لو توفي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لتزوجت عائشة وهي بنت عمي قال مقاتل: هو طلحة بن عبيد الله. قال بن عباس: وندم هذا الرجل على ما حدث به في نفسه فمشى إلى مكة على رجليه وحمل على عشرة أفراس في سبيل الله وأعتق رقيقا فكفر الله عنه.
قلت: وكذا حكى النحاس عن معمر أنه طلحة ولا يصح قال بن عطية: لله در بن عباس وهذا عندي لا يصح على طلحة بن عبيد الله. وقد حكى هذا القول عن بعض فضلاء الصحابة وحاشاهم عن مثله والكذب في نقله وإنما يليق مثل هذا القول بالمنافقين الجهال.

يروى أن رجلا من المنافقين قال حين تزوج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أم سلمة بعد أبي سلمة وحفصة بعد خنيس بن حذافة: ما بال محمد يتزوج نساءنا والله لو قد مات لأجلنا السهام على نسائه فنزلت الآية في هذا فحرم الله نكاح أزواجه من بعده وجعل لهن حكم الأمهات وهذا من خصائصه تمييزا لشرفه وتنبيها على مرتبته (صلى الله عليه وسلم). قال الشافعي رحمه الله: وأزواجه (صلى الله عليه وسلم) اللاتي مات عنهن لا يحل لأحد نكاحهن ومن استحل ذلك كان كافرا لقوله تعالى: وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا.
وإنما منع من التزوج بزوجاته لأنهن أزواجه في الجنة وأن المرأة في الجنة لآخر أزواجها. قال حذيفة لإمرأته: إن سرك أن تكوني زوجتي في الجنة إن جمعنا الله فيها فلا تزوجي من بعدي فإن المرأة لآخر أزواجها.
الرابعة عشرة: اختلف العلماء في أزواج النبي (صلى الله عليه وسلم) بعد موته هل بقين أزواجا أم زال النكاح بالموت وإذا زال النكاح بالموت فهل عليهن عدة أم لا فقيل: عليهن العدة لأنه توفي عنهن والعدة عبادة. وقيل: لا عدة عليهن لأنها مدة تربص لا ينتظر بها الإباحة وهو الصحيح لقوله عليه السلام: (ما تركت بعد نفقة عيالي). وروي) أهلي. وقد قال عليه السلام: (زوجاتي في الدنيا هن زوجاتي في الآخرة) وقال عليه السلام: (كل سبب ونسب ينقطع إلا سببي ونسبي فإنه باق إلى يوم القيامة).

فيض القدير للمناوى: (كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي) السبب هنا الوصلة والمودة وكل ما يتوصل به إلى الشئ عنك فهو سبب وقيل السبب يكون بالتزويج والنسب بالولادة وهذا لا يعارضه حسنه في أخبار أخر لأهل بيته على خوف الله واتقائه وتحذيرهم الدنيا وغرورها وإعلامهم بأنه لا يغني عنهم من الله شيئا لأن معناه أنه لا يملك لهم نفعا لكن الله يملكه نفعهم بالشفاعة العامة والخاصة فهو لا يملك إلا ما ملكه ربه. فقوله: (لا أغني عنكم) أي بمجرد نفسي من غير ما يكرمني الله تعالى به أو كان قبل علمه بأنه يشفع. ولما خفي طريق الجمع على بعضهم تأوله بأن معناه أن أمته تنسب له يوم القيامة بخلاف أمم الأنبياء.
السنن الكبرى للبيهقي: قال عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة الا سببي ونسبي). فاحببت ان يكون لى من رسول الله صلى الله عليه وسلم سبب ونسب. فقال على رضى الله عنه لحسن وحسين زوجا عمكما فقالا هي امرأة من النساء تختار لنفسها فقام على رضى الله عنه مغضبا فأمسك الحسن رضى الله عنه بثوبه وقال لا صبر على هجرانك يا ابتاه. قال فزوجاه.
الخامسة عشرة: (إن ذلكم كان عند الله عظيما) يعني أذية رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أو نكاح أزواجه فجعل ذلك من جملة الكبائر ولا ذنب أعظم منه.
السادسة عشرة: وسبب نزول الحجاب وقول عمر لسودة إذا خرجت وكانت امرأة طويلة: قد رأيناك يا سودة حرصا على أن ينزل الحجاب فأنزل الله آية الحجاب.
بيد أنه لما ماتت زينب بنت جحش قال: لا يشهد جنازتها إلا ذو محرم منها مراعاة للحجاب الذي نزل بسببها فدلته أسماء بنت عميس على سترها في النعش في القبة وأعلمته أنها رأت ذلك في بلاد الحبشة فصنعه عمر. وروي أن ذلك صنع في جنازة فاطمة بنت النبي (صلى الله عليه وسلم).

= {{إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [الأحزاب: 54]}}.

تفسير الطبري: {إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ} يقول تعالى ذكره: إن تظهروا بألسنتكم شيئًا أيها الناس من مراقبة النساء، أو غير ذلك مما نهاكم عنه أو أذى لرسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بقول: لأتزوجن زوجته بعد وفاته، (أَوْ تُخْفُوهُ) يقول: أو تخفوا ذلك في أنفسكم، (فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) يقول: فإن الله بكل ذلك وبغيره من أموركم وأمور غيركم، عليم لا يخفى عليه شيء، وهو يجازيكم على جميع ذلك.
تفسير القرطبي: {إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن الله كان بكل شيء عليما}: ان البارئ سبحانه وتعالى عالم بما بدا وما خفي وما كان وما لم يكن، لا يخفى عليه ماض تقضى، ولا مستقبل يأتي. وهذا على العموم تمدح به، وهو أهل المدح والحمد. والمراد به ها هنا التوبيخ والوعيد لمن تقدم التعريض به في الآية قبلها، ممن أشير إليه بقوله: "ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن"، ومن أشير إليه في قوله: "وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا" فقيل لهم في هذه الآية: إن الله تعالى يعلم ما تخفونه من هذه المعتقدات والخواطر المكروهة ويجازيكم عليها. فصارت هذه الآية منعطفة على ما قبلها مبينة لها.

= {{لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا [الأحزاب: 55]}}.

تفسير القرطبي: لما نزلت آية الحجاب قال الآباء والأبناء والأقارب لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ونحن أيضا نكلمهن من وراء حجاب؟ فنزلت هذه الآية. ولما نزلت آية الحجاب قال الآباء والأبناء والأقارب لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ونحن أيضا نكلمهن من وراء حجاب؟ فنزلت هذه الآية. وذكر الله تعالى في هذه الآية من يحل للمرأة البروز له، ولم يذكر العم والخال لأنهما يجريان مجرى الوالدين. وقد يسمى العم أبا، قال الله تعالى: "نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل" [البقرة: 133] وإسماعيل كان العم.
قال الزجاج: العم والخال ربما يصفان المرأة لولديهما، فإن المرأة تحل لابن العم وابن الخال فكره لهما الرؤية. وقد كره الشعبي وعكرمة أن تضع المرأة خمارها عند عمها أو خالها.
(واتقين الله): لما ذكر الله تعالى الرخصة في هذه الأصناف وانجزمت الإباحة، عطف بأمرهن بالتقوى عطف جملة. وهذا في غاية البلاغة والإيجاز، كأنه قال: اقتصرن على هذا واتقين الله فيه أن تتعدينه إلى غيره. وخص النساء بالذكر وعنهن في هذا الأمر، لقلة تحفظهن وكثرة استرسالهن.
))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: اذكروا نعمة الله عليكم
***************************
= أن نفرا من اليهود منهم كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وسلام بن أبي الحقيق وسلام بن مشكم وحيّي بن أخطب النضريون وهوذة بن قيس وأبو عمار من بني وائل، وهم كلهم يهود، هم الذين حزبوا الأحزاب وألبوا وجمعوا
= وقال: (باسم الله) فضرب ضربة فكسر ثلث الصخرة ثم قال: (الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام والله إني لأبصر إلى قصورها الحمراء
= تدعوني إلى خلاف محمد وأنا قد عاقدته وعاهدته، ولم أر منه إلا وفاء وصدقا، فلست بناقض ما بيني وبينه
= ومنهم من قال: يعدنا محمد أن يفتح كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه يذهب إلى الغائط!

= يا رسول الله، هذا أمر تحبه فنصنعه لك، أو شيء أمرك الله به فنسمع له ونطيع، أو أمر تصنعه لنا؟ قال: (بل أمر أصنعه لكم، والله ما أصنعه إلا أني قد رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة)
= قال: فأدعوك إلى البراز. قال: يا ابن أخي، والله ما أحب أن أقتلك لما كان بيني وبين أبيك. فقال له علّي: أنا والله أحب أن أقتلك.
= انزل إليه فاقتله؛ فقال: ما أنا بصاحب هذا يا ابنة عبدالمطلب! فأخذت عمودا ونزلت من الحصن فقتلته
= إنما أنت رجل واحد من غطفان فلو خرجت فخذلت عنا إن استطعت كان أحب إلينا من بقائك معنا فأخرج فإن الحرب خدعة
= يا معشر قريش، ليتعرف كل امرئ جليسه. قال حذيفة: فأخذت بيد جليسي وقلت: ومن أنت؟ فقال أنا فلان.
= فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا رجل يأتيني بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة)؟
= فأتاه جبريل صلى الله عليه وسلم في صورة دحية بن خليفة الكلبّي، على بغلة عليها قطيفه ديباج فقال له: يا محمد، إن كنتم قد وضعتم سلاحكم فما وضعت الملائكة سلاحها. إن الله يأمرك أن تخرج إلى بني قريظة.
= فما عنف واحدا من الفريقين. وفي هذا من الفقه تصويب المجتهدين.
= فيه نزلت: "يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم" [الأنفال: 27].
= أما إنه لو أتاني لاستغفرت له وأما إذ فعل ما فعل فلا أطلقه حتى يطلقه الله تعالى
= لقد حكمت فيهم بحكم الله تعالى من فوق سبع أرقعة

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا [الأحزاب: 9]}}.
تفسير القرطبي: (اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ): يعني غزوة الخندق والأحزاب وبني قريظة، وكانت حالا شديدة معقبة بنعمة ورخاء وغبطة، وتضمنت أحكاما كثيرة وآيات باهرات عزيزة، ونحن نذكر من ذلك في عشر مسائل:

الأولى: اختلف في أي سنة كانت: كانت في شوال من السنة الخامسة. كانت وقعة الخندق سنة أربع، وهي وبنو قريظة في يوم واحد، وبين بني قريظة والنضير أربع سنين. وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتال من المدينة، وذلك قوله تعالى: "إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر" [الأحزاب: 10]. ذلك يوم الخندق، جاءت قريش من ها هنا واليهود من ها هنا والنجدية من ها هنا. يريد مالك: إن الذين جاؤوا من فوقهم بنو قريظة، ومن أسفل منهم قريش وغطفان.
وكان سببها: أن نفرا من اليهود منهم كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وسلام بن أبي الحقيق وسلام بن مشكم وحيّي بن أخطب النضريون وهوذة بن قيس وأبو عمار من بني وائل، وهم كلهم يهود، هم الذين حزبوا الأحزاب وألبوا وجمعوا، خرجوا في نفر من بني النضير ونفر من بني وائل فأتوا مكة فدعوا إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وواعدوهم من أنفسهم بعون من انتدب إلى ذلك؛ فأجابهم أهل مكة إلى ذلك، ثم خرج اليهود المذكورون إلى غطفان فدعوهم إلى مثل ذلك فأجابوهم؛ فخرجت قريش يقودهم أبو سفيان بن حرب، وخرجت غطفان وقائدهم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري على فزارة، والحارث بن عوف المري على بني مرة، ومسعود بن رخيلة على أشجع.
فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم باجتماعهم وخروجهم شاور أصحابه، فأشار عليه سلمان بحفر الخندق فرضي رأيه. وقال المهاجرون يومئذ: سلمان منا. وقال الأنصار: سلمان منا! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سلمان منا أهل البيت). وكان الخندق أول مشهد شهده سلمان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ حر. فقال: يا رسول الله، إنا كنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا؛ فعمل المسلمون في الخندق مجتهدين، ونكص المنافقون وجعلوا يتسللون لوإذا. وكان من فرغ من المسلمين من حصته عاد إلى غيره، حتى كمل الخندق.

الثانية: مشاورة السلطان أصحابه وخاصته في أمر القتال وفيه التحصن من العدو بما أمكن من الأسباب واستعمالها. وفيه أن حفر الخندق يكون مقسوما على الناس؛ فمن فرغ منهم عاون من لم يفرغ، فالمسلمون يد على من سواهم.
صحيح ابن خزيمة: المسلمون يد على من سواهم يجير عليهم أدناهم و يرد عليهم أقصاهم و يرد سراياهم على قعدهم لا يقتل مؤمن بكافر دية الكافر نصف دية المؤمن لا جلب و لا جنب و لا تؤخذ صدقاتهم إلا في ديارهم.
الثالثة: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق عرضت لهم صخرة حالت بينهم وبين الحفر، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ المعول ووضع رداءه ناحية الخندق وقال: "وتمت كلمة ربك صدقا" [الأنعام: 115] الآية؛ فندر ثلث الحجر وسلمان الفارسي قائم ينظر، فبرق مع ضربة رسول الله صلى الله عليه وسلم برقة، ثم ضرب الثانية وقال: "وتمت" [الأنعام: 115] الآية؛ فندر الثلث الآخر؛ فبرقت برقة فرآها سلمان، ثم ضرب الثالثة وقال: "وتمت كلمة ربك صدقا" الآية؛ فندر الثلث الباقي، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ رداءه وجلس.

قال سلمان: يا رسول الله، رأيتك حين ضربت! ما تضرب ضربة إلا كانت معها برقة؟ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رأيت ذلك يا سلمان)؟ فقال: أي والذي بعثك بالحق يا رسول الله! قال: (فإني حين ضربت الضربة الأولى رفعت لي مدائن كسرى وما حولها ومدائن كثيرة حتى رأيتها بعيني - قال له من حضره من أصحابه: يا رسول الله، ادع الله أن يفتحها علينا ويغنمنا ذراريهم ويخرب بأيدينا بلادهم؛ فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم - ثم ضربت الضربة الثانية فرفعت لي مدائن قيصر وما حولها حتى رأيتها بعيني - قالوا: يا رسول الله، ادع الله تعالى أن يفتحها علينا ويغنمنا ذراريهم ويخرب بأيدينا بلادهم؛ فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم - ثم ضرب الضربة الثالثة فرفعت لي مدائن الحبشة وما حولها من القرى حتى رأيتها بعيني - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: دعوا الحبشة ما ودعوكم واتركوا الترك ما تركوكم).
سنن النسائي الكبرى: لما أمر النبي صلى الله عليه و سلم بحفر الخندق عرضت لهم صخرة حالت بينهم وبين الحفر فقام النبي صلى الله عليه و سلم وأخذ المعول ووضع رداءه ناحية الخندق وضرب وقال تمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم فندر ثلث الحجر وسلمان الفارسي قائم ينظر فبرق مع ضربة رسول الله صلى الله عليه و سلم برقة ...

وعن البراء قال: لما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحفر الخندق عرض لنا صخرة لا تأخذ فيها المعاول، فاشتكينا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقى ثوبه وأخذ المعول وقال: (باسم الله) فضرب ضربة فكسر ثلث الصخرة ثم قال: (الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام والله إني لأبصر إلى قصورها الحمراء الآن من مكاني هذا) قال: ثم ضرب أخرى وقال: (باسم الله) فكسر ثلثا آخر ثم قال: (الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض). ثم ضرب الثالثة وقال: (باسم الله) فقطع الحجر وقال: (الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن والله إني لأبصر باب صنعاء).

الرابعة: فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حفر الخندق أقبلت قريش في نحو عشرة آلاف بمن معهم من كنانة وأهل تهامة، وأقبلت غطفان بمن معها من أهل نجد حتى نزلوا إلى جانب أحد، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون حتى نزلوا بظهر سلع في ثلاثة آلاف وضربوا عسكرهم والخندق بينهم وبين المشركين، واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم. وخرج عدو الله حيّي بن أخطب النضري حتى أتى كعب بن أسد القرظي، وكان صاحب عقد بني قريظة ورئيسهم، وكان قد وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاهده؛ فلما سمع كعب بن أسد حيي بن أخطب أغلق دونه باب حصنه وأبى أن يفتح له؛ فقال له: افتح لي يا أخي؛ فقال له: لا أفتح لك، فإنك رجل مشؤوم، تدعوني إلى خلاف محمد وأنا قد عاقدته وعاهدته، ولم أر منه إلا وفاء وصدقا، فلست بناقض ما بيني وبينه. فقال حيّي: افتح لي حتى أكلمك وأنصرف عنك؛ فقال: لا أفعل؛ فقال: إنما تخاف أن آكل معك جشيشتك؛ فغضب كعب وفتح له؛ فقال: يا كعب! إنما جئتك بعّز الدهر، جئتك بقريش وسادتها، وغطفان وقادتها؛ قد تعاقدوا على أن يستأصلوا محمدا ومن معه؛ فقال له كعب: جئتني والله بذل الدهر وبجهام لا غيث فيه! ويحك يا حيّي؟ دعني فلست بفاعل ما تدعوني إليه؛ فلم يزل حيّي بكعب يعده ويغره حتى رجع إليه وعاقده على خذلان محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأن يسير معهم، وقال له حيّي بن أخطب: إن انصرفت قريش وغطفان دخلت عندك بمن معي من اليهود. فلما انتهى خبر كعب وحيّي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعث سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج، وسيد الأوس سعد بن معاذ، وبعث معهما عبدالله بن رواحة وخوات بن جبير، وقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انطلقوا إلى بني قريظة فإن كان ما قيل لنا حقا فالحنوا لنا لحنا ولا تفتوا في أعضاد الناس.

وإن كان كذبا فاجهروا به للناس) فانطلقوا حتى أتوهم فوجدوهم على أخبث ما قيل لهم عنهم، ونالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: لا عهد له عندنا؛ فشاتمهم سعد بن معاذ وشاتموه؛ وكانت فيه حّدة فقال له سعد بن عبادة: دع عنك مشاتمتهم، فالذي بيننا وبينهم أكثر من ذلك، ثم أقبل سعد وسعد حتى أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم في جماعة المسلمين فقالا: عضل والقارة - يعرضان بغدر عضل والقارة بأصحاب الرجيع خبيب وأصحابه - فقال النبّي صلى الله عليه وسلم. (أبشروا يا معشر المسلمين) وعظم عند ذلك البلاء واشتد الخوف، وأتى المسلمين عدوهم من فوقهم؛ يعني من فوق الوادي من قبل المشرق، ومن أسفل منهم من بطن الوادي من قبل المغرب، حتى ظنوا بالله الظنونا؛ وأظهر المنافقون كثيرا مما كانوا يسرون، فمنهم من قال: إن بيوتنا عورة، فلننصرف إليها، فإنا نخاف عليها.
ومنهم من قال: يعدنا محمد أن يفتح كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه يذهب إلى الغائط! فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام المشركون بضعا وعشرين ليلة قريبا من شهر لم يكن بينهم حرب إلا الرمي بالنبل والحصى. فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه اشتد على المسلمين البلاء بعث إلى عيينة بن حصن الفزاري، وإلى الحارث بن عوف المري، وهما قائدا غطفان، فأعطاهما ثلث ثمار المدينة لينصرفا بمن معهما من غطفان ويخذلان قريشا ويرجعا بقومهما عنهم. وكانت هذه المقالة مراوضة ولم تكن عقدا؛ فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهما أنهما قد أنابا ورضيا أتى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فذكر ذلك لهما واستشارهما فقالا: يا رسول الله، هذا أمر تحبه فنصنعه لك، أو شيء أمرك الله به فنسمع له ونطيع، أو أمر تصنعه لنا؟ قال: (بل أمر أصنعه لكم، والله ما أصنعه إلا أني قد رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة).

فقال له سعد بن معاذ: يا رسول الله، والله لقد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان، لا نعبد الله ولا نعرفه، وما طمعوا قط أن ينالوا منا ثمرة إلا شراء أو قرى، فحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك نعطيهم أموالنا! والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم!! فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وقال: (أنتم وذاك). وقال لعيينة والحارث: (انصرفا فليس لكما عندنا إلا السيف). وتناول سعد الصحيفة وليس فيها شهادة فمحاها.
الخامسة: فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون على حالهم، والمشركون يحاصرونهم ولا قتال بينهم؛ إلا أن فوارس من قريش منهم عمرو بن عبد ود العامري من بني عامر بن لؤي، وعكرمة بن أبي جهل، وهبيرة بن أبي وهب، وضرار بن الخطاب الفهري، وكانوا فرسان قريش وشجعانهم، أقبلوا حتى وقفوا على الخندق، فلما رأوه قالوا: إن هذه لمكيدة، ما كانت العرب تكيدها. ثم تيمموا مكانا ضيقا من الخندق، فضربوا خيلهم فاقتحمت بهم، وجاوزوا الخندق وصاروا بين الخندق وبين سلع، وخرج علي بن أبي طالب في نفر من المسلمين حتى أخذوا عليهم الثغرة التي اقتحموا منها، وأقبلت الفرسان نحوهم، وكان عمرو بن عبد ود أثبتته الجراح يوم بدر فلم يشهد أحدا، وأراد يوم الخندق أن يرى مكانه، فلما وقف هو وخيله؛ نادى: من يبارز؟ فبرز له علّي بن أبي طالب وقال له: يا عمرو، إنك عاهدت الله فيما بلغنا أنك لا تدعى إلى إحدى خلتين إلا أخذت إحداهما؟ قال نعم. قال: فإني أدعوك إلى الله والإسلام. قال: لا حاجة لي بذلك. قال: فأدعوك إلى البراز. قال: يا ابن أخي، والله ما أحب أن أقتلك لما كان بيني وبين أبيك. فقال له علّي: أنا والله أحب أن أقتلك.

فحمي عمرو بن عبد ود ونزل عن فرسه، فعقره وصار نحو علّي، فتنازلا وتجاولا وثار النقع بينهما حتى حال دونهما، فما انجلى النقع حتى رئي علّي على صدر عمرو يقطع رأسه، فلما رأى أصحابه أنه قد قتله علّي اقتحموا بخيلهم الثغرة منهزمين هاربين.
ورمي يومئذ سعد بن معاذ بسهم فقطع منه الأكحل. واختلف فيمن رماه؛ فقيل: رماه حبان بن قيس ابن العرقة، أحد بني عامر بن لؤي، فلما أصابه قال له: خذها وأنا ابن العرقة. فقال له سعد: عّرق الله وجهك في النار.
(شجاعة السيدة صفية): قالت صفية بنت عبدالمطلب رضي الله عنها: كنا يوم الأحزاب في حصن حسان بن ثابت، وحسان معنا في النساء والصبيان، والنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في نحر العدّو لا يستطيعون الانصراف إلينا، فإذا يهودي يدور، فقلت لحسان: انزل إليه فاقتله؛ فقال: ما أنا بصاحب هذا يا ابنة عبدالمطلب! فأخذت عمودا ونزلت من الحصن فقتلته، فقلت: يا حسان، انزل فاسلبه، فلم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل. فقال: ما لي بسلبه حاجة يا ابنة عبدالمطلب! قال: فنزلت فسلبته.

السادسة: وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نعيم بن مسعود بن عامر الأشجعّي فقال: يا رسول الله، إني قد أسلمت ولم يعلم قومي بإسلامي، فمرني بما شئت؛ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما أنت رجل واحد من غطفان فلو خرجت فخذلت عنا إن استطعت كان أحب إلينا من بقائك معنا فأخرج فإن الحرب خدعة).

فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة - وكان ينادمهم في الجاهلية - فقال: يا بني قريظة، قد عرفتم ودي إياكم، وخاصة ما بيني وبينكم؛ قالوا: قل فلست عندنا بمتهم؛ فقال لهم: إن قريشا وغطفان ليسوا كأنتم، البلد بلدكم، فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم، وإن قريشا وغطفان قد جاؤوا لحرب محمد وأصحابه، وقد ظاهرتموهم عليه فإن رأوا نهزة أصابوها، وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل، ولا طاقة لكم به، فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهنا. ثم خرج حتى أتى قريشا فقال لهم: قد عرفتم ودي لكم معشر قريش، وفراقي محمدا، وقد بلغني أمر أرى من الحق أن أبلغكموه ونصحا لكم، فاكتموا علّي؛ قالوا نفعل؛ قال: تعلمون أن معشر يهود، قد ندموا على ما كان من خذلانهم محمدا، وقد أرسلوا إليه: إنا قد ندمنا على ما فعلنا، فهل يرضيك أن نأخذ من قريش وغطفان رجالا من أشرافهم فنعطيكهم فتضرب أعناقهم، ثم نكون معك على ما بقي منهم حتى نستأصلهم. ثم أتى غطفان فقال مثل ذلك. فلما كان ليلة السبت وكان ذلك من صنع الله عز وجل لرسوله والمؤمنين، أرسل أبو سفيان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان يقول لهم: إنا لسنا بدار مقام، قد هلك الخف والحافر، فاغدوا صبيحة غد للقتال حتى نناجز محمدا؛ فأرسلوا إليهم: إن اليوم يوم السبت، وقد علمتم ما نال منا من تعّدى في السبت، ومع ذلك فلا نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا؛ فلما رجع الرسول بذلك قالوا: صدقنا والله نعيم بن مسعود؛ فردوا إليهم الرسل وقالوا: والله لا نعطيكم رهنا أبدأ فاخرجوا معنا إن شئتم وإلا فلا عهد بيننا وبينكم.
فقال بنو قريظة: صدق والله نعيم بن مسعود. وخذل الله بينهم، واختلفت كلمتهم، وبعث الله عليهم ريحا عاصفا في ليال شديدة البرد؛ فجعلت الريح تقلب آنيتهم وتكفأ قدورهم.

السابعة: فلما اتصل برسول الله صلى الله عليه وسلم اختلاف أمرهم، بعث حذيفة بن اليمان ليأتيه بخبرهم، فأتاهم واستتر في غمارهم، وسمع أبا سفيان يقول: يا معشر قريش، ليتعرف كل امرئ جليسه. قال حذيفة: فأخذت بيد جليسي وقلت: ومن أنت؟ فقال أنا فلان. ثم قال أبو سفيان: ويلكم يا معشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام، ولقد هلك الكراع والخف وأخلفتنا بنو قريظة، ولقينا من هذه الريح ما ترون، ما يستمسك لنا بناء، ولا تثبت لنا قدر، ولا تقوم لنا نار، فارتحلوا فإني مرتحل؛ ووثب على جمله فما حل عقال يده إلا وهو قائم. قال حذيفة: ولولا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لي إذ بعثني، قال لي: (مر إلى القوم فاعلم ما هم عليه ولا تحدث شيئا) - لقتلته بسهم؛ ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند رحيلهم، فوجدته قائما يصلي في مرط لبعض نسائه مراجل فأخبرته فحمد الله. (المراجل ضرب من وشي اليمن).

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا رجل يأتيني بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة)؟ فسكتنا فلم يجبه منا أحد، ثم قال: (ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة)؟ فسكتنا فلم يجبه أحد. فقال: (قم يا حذيفة فأتنا بخبر القوم) فلم أجد بدا إذ دعاني باسمي أن أقوم. قال: (اذهب فأتني بخبر القوم ولا تذعرهم علّي) قال: فلما وليت من عنده جعلت كأنما أمشي في حمام حتى أتيتهم، فرأيت أبا سفيان يصلي ظهره بالنار، فوضعت سهما في كبد القوس فأردت أن أرميه، فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ولا تذعرهم علّي) ولو رميته لأصبته: فرجعت وأنا أمشي في مثل الحمام، فلما أتيته فأخبرته بخبر القوم وفرغت قررت، فألبسني رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها، فلم أزل نائما حتى أصبحت، فلما أصبحت قال: (قم يا نومان). ولما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذهب الأحزاب، رجع إلى المدينة ووضع المسلمون سلاحهم، فأتاه جبريل صلى الله عليه وسلم في صورة دحية بن خليفة الكلبّي، على بغلة عليها قطيفه ديباج فقال له: يا محمد، إن كنتم قد وضعتم سلاحكم فما وضعت الملائكة سلاحها. إن الله يأمرك أن تخرج إلى بني قريظة، وإني متقدم إليهم فمزلزل بهم حصونهم.
الثامنة: فامر رسول الله مناديا فنادى: لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة؛ فتخوف ناس فوت الوقت فصلوا دون بني قريظة. وقال آخرون: لا نصلّي العصر إلا حيث أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن فاتنا الوقت. قال: فما عنف واحدا من الفريقين. وفي هذا من الفقه تصويب المجتهدين.
وكان سعد بن معاذ إذ أصابه السهم دعا ربه فقال: اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش فأبقني لها؛ فإنه لا قوم أحب أن أجاهدكم من قوم كذبوا رسولك وأخرجوه. اللهم وإن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعلها لي شهادة، ولا تمتني حتى تقر عيني في بني قريظة.

وأن سعد بن معاذ مر بعائشة رضي الله عنها ونساء معها في الأطم فقالت عائشة رضي الله عنها: لست أخاف أن يصاب سعد اليوم إلا في أطرافه؛ فأصيب في أكحله.
وقالت عائشة رضي الله عنها: ما رأيت رجلا أجمل من سعد بن معاذ حاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأصيب في أكحله ثم قال: اللهم إن كان حرب قريظة لم يبق منه شيء فاقبضني إليك، وإن كان قد بقيت منه بقية فأبقني حتى أجاهد مع رسولك أعداءه؛ فلما حكم في بني قريظة توفي؛ ففرح الناس وقالوا: نرجو أن يكون قد استجيبت دعوته.
التاسعة: ولما خرج المسلمون إلى بني قريظة أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية علّي بن أبي طالب، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، ونهض علّي وطائفة معه حتى أتوا بني قريظة ونازلوهم، فسمعوا سب الرسول صلى الله عليه وسلم، فانصرف علّي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: يا رسول الله، لا تبلغ إليهم، وعرض له. فقال له: (أظنك سمعت منهم شتمي. لو رأوني لكفوا عن ذلك) ونهض إليهم فلما رأوه أمسكوا. فقال لهم: (نقضتم العهد يا إخوة القرود أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته) فقالوا: ما كنت جاهلا يا محمد فلا تجهل علينا؛ ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاصرهم بضعا وعشرين ليلة. وعرض عليهم سيدهم كعب ثلاث خصال ليختاروا أيها شاؤوا: إما أن يسلموا ويتبعوا محمدا على ما جاء به فيسلموا. قال: وتحرزوا أموالكم ونساءكم وأبناءكم، فوالله إنكم لتعلمون أنه الذي تجدونه مكتوبا في كتابكم. وإما أن يقتلوا أبناءهم ونساءهم ثم يتقدموا؛ فيقاتلون حتى يموتوا من آخرهم. وإما أن يبيتوا المسلمين ليلة السبت في حين طمأنينتهم فيقتلوهم قتلا. فقالوا له: أما الإسلام فلا نسلم ولا نخالف حكم التوراة، وأما قتل أبنائنا ونسائنا فما جزاؤهم المساكين منا أن نقتلهم، ونحن لا نتعّدى في السبت.

ثم بعثوا إلى أبي لبابة، وكانوا حلفاء بني عمرو بن عوف وسائر الأوس، فأتاهم فجمعوا إليه أبناءهم ونساءهم ورجالهم وقالوا له: يا أبا لبابة، أترى أن ننزل على حكم محمد؟ فقال نعم، - وأشار بيده إلى حلقه - إنه الذبح إن فعلتم. ثم ندم أبو لبابة في الحين، وعلم أنه خان الله ورسوله، وأنه أمر لا يستره الله عليه عن نبيه صلى الله عليه وسلم. فانطلق إلى المدينة ولم يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فربط نفسه في سارية وأقسم ألا يبرح من مكانه حتى يتوب الله عليه فكانت امرأته تحله لوقت كل صلاة.
فيه نزلت: "يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم" [الأنفال: 27]. وأقسم ألا يدخل أرض بني قريظة أبدا مكانا أصاب فيه الذنب. فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم من فعل أبي لبابة قال:
(أما إنه لو أتاني لاستغفرت له وأما إذ فعل ما فعل فلا أطلقه حتى يطلقه الله تعالى). فأنزل الله تعالى في أمر أبي لبابة: {{وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102) خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [التوبة: 102، 103]}}.
فلما نزل فيه القرآن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإطلاقه، فلما أصبح بنو قريظة نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتواثب الأوس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله، وقد علمت أنهم حلفاؤنا، وقد أسعفت عبدالله بن أبي ابن سلول في بني النضير حلفاء الخزرج، فلا يكن حظنا أوكس وأنقص عندك من حظ غيرنا، فهم موالينا. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الأوس ألا ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم - قالوا بلى. قال -: فذلك إلى سعد بن معاذ).

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ضرب له خيمة في المسجد، ليعوده من قريب في مرضه من جرحه الذي أصابه في الخندق. فحكم فيهم بأن تقتل المقاتلة، وتسبى الذرية والنساء، وتقسم أموالهم. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد حكمت فيهم بحكم الله تعالى من فوق سبع أرقعة). وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجوا إلى موضع بسوق المدينة فخندق بها خنادق، ثم أمر عليه السلام فضربت أعناقهم في تلك الخنادق، وقتل يومئذ حيّي بن أخطب وكعب بن أسد، وكانا رأس القوم، وكانوا من الستمائة إلى السبعمائة. وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل كل من أنبت منهم وترك من لم ينبت.
العاشرة: وقسم صلى الله عليه وسلم أموال بني قريظة فأسهم للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهما. وقد قيل: للفارس سهمان وللراجل سهم. وكانت الخيل للمسلمين يومئذ ستة وثلاثين فرسا. ووقع للنبي صلى الله عليه وسلم من سبيهم ريحانة بنت عمرو بن جنافة أحد بني عمرو بن قريظة، فلم تزل عنده إلى أن مات صلى الله عليه وسلم. وقيل: إن غنيمة قريظة هي أول غنيمة قسم فيها للفارس والراجل، وأول غنيمة جعل فيها الخمس. بذلك تكون غنيمة قريظة أول غنيمة جرى فيها الخمس بعد نزول قوله: "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول" [الأنفال: 41].
وكان فتح قريظة في آخر ذي القعدة وأول ذي الحجة من السنة الخامسة من الهجرة. فلما تم أمر بني قريظة أجيبت دعوة الرجل الفاضل الصالح سعد بن معاذ، فانفجر جرحه، وانفتح عرقه، فجرى دمه ومات رضي الله عنه. وهو الذي أتى الحديث فيه: (اهتز لموته عرش الرحمن) يعني سكان العرش من الملائكة فرحوا بقدوم روحه واهتزوا له.
حدثني يحيى بن سعيد قال: لقد نزل لموت سعد بن معاذ سبعون ألف ملك، ما نزلوا إلى الأرض قبلها. قال مالك: ولم يستشهد يوم الخندق من المسلمين إلا أربعة أو خمسة.

صحيح مسلم: (باب غزوة الأحزاب): كنا عند حذيفة فقال رجل: لو أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلت معه وأبليت. فقال حذيفة: أنت كنت تفعل ذلك؟ لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب. وأخذتنا ريح شديدة وقر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألا رجل يأتيني بخبر القوم، جعله الله معي يوم القيامة؟) فسكتنا. فلم يجبه منا أحد. ثم قال (ألا برجل يأتينا بخبر القوم، جعله الله معي يوم القيامة؟) فسكتنا. فلم يجبه منا أحد. ثم قال (ألا برجل يأتينا بخبر القوم، جعله الله معي يوم القيامة؟) فسكتنا. فلم يجبه منا أحد. فقال (قم. يا حذيفة! فأتنا بخبر القوم) فلم أجد بدا، إذ دعاني باسمي، أن أقوم. قال (اذهب. فأتني بخبر القوم. ولا تذعرهم علي) فلما وليت من عنده جعلت كأنما أمشي في حمام. حتى أتيتهم. فرأيت أبا سفيان يصلى ظهره بالنار. فوضعت سهما في كبد القوس. فأردت أن أرميه. فذكرت قول رسول الله (ولا تذعرهم علي) ولو رميته لأصبته. فرجعت وأنا أمشي في مثل الحمام. فلما أتيته فأخبرته بخبر القوم، وفرغت، قررت. فألبسني رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها. فلم أزل نائما حتى أصبحت. فلما أصبحت قال (قم. يا نومان!).
وعن سهل بن سعد قال: جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نحفر الخندق، وننقل التراب على أكتافنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اللهم! لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للمهاجرين والأنصار).

سنن النسائي الكبرى: لما أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يحفر الخندق عرض لنا فيه حجر لا يأخذ فيه المعول فاشتكينا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم فألقى ثوبه وأخذ المعول وقال بسم الله فضرب ضربة فكسر ثلث الصخرة قال الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام والله إني لأبصر قصورها الحمر الآن من مكاني هذا قال ثم ضرب أخرى وقال بسم الله وكسر ثلثا آخر وقال الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض الآن ثم ضرب ثالثة وقال بسم الله فقطع الحجر قال الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن والله إني لأبصر باب صنعاء.

التبويب الموضوعي للأحاديث: عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال جاء الحارث الغطفاني الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد شاطرنا تمر المدينة قال حتى استأمر السعود فبعث الى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وسعد بن الربيع وسعد بن خيثمة وسعد بن مسعود رحمهم الله فقال اني قد علمت أن العرب قد رمتكم عن قوس واحدة وإن الحارث يسألكم أن تشاطروه تمر المدينة فإن أردتم أن تدفعوا إليه عامكم هذا حتى تنظروا في أمركم بعد قالوا يا رسول الله أوحي من السماء فالتسليم لأمر الله أو عن رأيك أو هواك فرأينا تبع لهواك ورأيك فإن كنت إنما تريد الابقاء علينا فوالله لقد رأيتنا واياهم على سواء ما ينالون منا تمرة الا بشرى أو قرى.

صحيح البخارى: قال علي رضي الله عنه: إذا حدثكم عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فلأن أخر من السماء أحب إلي من أكذب عليه وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خدعة سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول (يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم فأينما لقيتوهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة). [ش: (خدعة) بفتح الخاء وكسرها وضمها أي تمويه وإخفاء وتلون وتكون بالتورية والتعريض وخلف الوعد والكذب والاقتصار على التورية أو التعريض أفضل والمراد أنه يلتزم ما سمعه في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وإن حدث من عنده فإنه يجتهد برأيه ويلون في الكلام ما شاء ليقنع سامعه وليس المراد أنه يخادع في حديثه حاشاه رضي الله عنه. (حدثاء الأسنان) جمع حديث السن وهو الصغير. (سفهاء الأحلام) ضعفاء العقول والسفهاء جمع سفيه وهو الطائش خفيف العقل. (من قول خير البرية) أي من خير ما تقوله البرية أو هو القرآن والسنة والبرية الخلق. (يمرقون) يخرجون. (الرمية) الصيد المرمي. (لا يجاوز إيمانهم حناجرهم) أي لا يصل إلى قلوبهم والحناجر جمع حنجرة وهي رأس الحلقوم الذي يرى من خارج الحلق].

صحيح مسلم: عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، قال: كنا عند حذيفة. فقال رجل: لو أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلت معه وأبليت. فقال حذيفة: أنت كنت تفعل ذلك؟ لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب. وأخذتنا ريح شديدة وقر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألا رجل يأتيني بخبر القوم، جعله الله معي يوم القيامة؟) فسكتنا. فلم يجبه منا أحد. ثم قال (ألا برجل يأتينا بخبر القوم، جعله الله معي يوم القيامة؟) فسكتنا. فلم يجبه منا أحد. ثم قال (ألا برجل يأتينا بخبر القوم، جعله الله معي يوم القيامة؟) فسكتنا. فلم يجبه منا أحد. فقال (قم. يا حذيفة! فأتنا بخبر القوم) فلم أجد بدا، إذ دعاني باسمي، أن أقوم. قال (اذهب. فأتني بخبر القوم. ولا تذعرهم علي) فلما وليت من عنده جعلت كأنما أمشي في حمام. حتى أتيتهم. فرأيت أبا سفيان يصلى ظهره بالنار. فوضعت سهما في كبد القوس. فأردت أن أرميه. فذكرت قول رسول الله (ولا تذعرهم علي) ولو رميته لأصبته. فرجعت وأنا أمشي في مثل الحمام. فلما أتيته فأخبرته بخبر القوم، وفرغت، قررت. فألبسني رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها. فلم أزل نائما حتى أصبحت. فلما أصبحت قال (قم. يا نومان!).

صحيح مسلم: نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ. فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد. فأتاه على حمار. فلما دنا قريبا من المسجد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصار (قوموا إلى سيدكم) (أو خيركم). ثم قال (إن هؤلاء نزلوا على حكمك) قال: تقتل مقاتلتهم. وتسبي ذريتهم. قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم (قضيت بحكم الله) وربما قال (قضيت بحكم الملك) ولم يذكر ابن المثنى: وربما قال (قضيت بحكم الملك).
وعن شعبة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لقد حكمت فيهم بحكم الله). وقال مرة: (لقد حكمت بحكم الملك).
)))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))

وقفة مع: ان الله وملائكنه يصلون علي النبي
هو الذى يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم
تحيتهم يوم يلقونه سلام
*********************************
= فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بئس الخطيب أنت، قل ومن يعصى الله ورسوله). - لأنه ليس لأحد أن يجمع ذكر الله تعالى مع غيره في ضمير. - أن مثل هذا الضمير قد تكرر في الأحاديث الصحيحة من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله: (أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما).
= إن البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي
= ثم يختم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإن الله تعالى يقبل الصلاتين وهو أكرم من أن يرد ما بينهما.
= واختلف العلماء في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة:
= وأن بني إسرائيل سألوا موسى عليه السلام: أيصلي ربك جل وعز؟ فأعظم ذلك، فأوحى الله جل وعز: "إن صلاتي بأن رحمتي سبقت غضبي".
= يا جبريل أيصلي ربك جل ذكره وتعالى جده قال نعم قلت ما صلاته قال سبوح قدوس سبقت رحمتي غضبي سبقت رحمتي غضبي

= {{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56]}}.
تفسير القرطبي: {إن الله وملائكته يصلون على النبي}: هذه الآية شرف الله بها رسوله عليه السلام حياته وموته، وذكر منزلته منه، وطهر بها سوء فعل من استصحب في جهته فكرة سوء، أو في أمر زوجاته ونحو ذلك. والصلاة من الله رحمته ورضوانه، ومن الملائكة الدعاء والاستغفار، ومن لأمة الدعاء والتعظيم لأمره.

مسألة: واختلف العلماء في الضمير في قوله: "يصلون" فقالت فرقة: الضمير فيه لله والملائكة، وهذا قول من الله تعالى شرف به ملائكته، فلا يصحبه الاعتراض الذي جاء في قول الخطيب: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بئس الخطيب أنت، قل ومن يعصى الله ورسوله). لأنه ليس لأحد أن يجمع ذكر الله تعالى مع غيره في ضمير. وقالت فرقة: ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم (بئس الخطيب أنت) لهذا المعنى، وإنما قال لأن الخطيب وقف على ومن يعصهما، وسكت سكتة. وعن عدي بن حاتم أن خطيبا خطب عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من يطع الله ورسول ومن يعصهما. فقال: (قم - أو اذهب - بئس الخطيب أنت). إلا أنه يحتمل أن يكون لما خطأه في وقفه وقال له: (بئس الخطيب) أصلح له بعد ذلك جميع كلامه، فقال: (قل ومن يعص الله ورسول).
صحيح مسلم: أن رجلا خطب عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد. ومن يعصهما فقد غوى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بئس الخطيب أنت. قل: ومن يعص الله ورسوله".
شرح النووي على مسلم: فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم بئس الخطيب أنت قل: (ومن يعص الله ورسوله فقد غوى). قال القاضي وجماعة من العلماء إنما أنكر عليه لتشريكه في الضمير المقتضى للتسوية وأمره بالعطف تعظيما لله تعالى بتقديم اسمه كما قال صلى الله عليه و سلم في الحديث الآخر: (لا يقل أحدكم ما شاء الله وشاء فلان ولكن ليقل ما شاء الله ثم شاء فلان). والصواب أن سبب النهي أن الخطب شأنها البسط والايضاح واجتناب الاشارات والرموز ولهذا ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا ليفهم وأما قول الأوليين فيضعف بأشياء منها أن مثل هذا الضمير قد تكرر في الأحاديث الصحيحة من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله: (أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما).

قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه) أمر الله تعالى عباده بالصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم دون أنبيائه تشريفا له، ولا خلاف في أن الصلاة عليه فرض في العمر مرة، وفي كل حين من الواجبات وجوب السنن المؤكدة التي لا يسع تركها ولا يغفلها إلا من لا خير فيه. الزمخشري: فإن قلت الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم واجبة أم مندوب إليها؟ قلت: بل واجبة. وقد اختلفوا في حال وجوبها، فمنهم من أوجبها كلما جرى ذكره.
وفي الحديث: (من ذكرت عنده فلم يصل علي فدخل النار فأبعده الله).
صحيح كنوز السنة النبوية: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتاني جبريل فقال يا محمد من أدرك أحد والديه فمات فدخل النار فأبعده الله، قل آمين، فقلت آمين قال يا محمد من أدرك شهر رمضان فمات فلم يغفر له فأدخل النار فأبعده الله قل آمين فقلت آمين قال ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فمات فدخل النار فأبعده الله قل آمين فقلت آمين) صحيح (طبراني وابن حبان).
صحيح ابن حبان: عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: (إن البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي).

واختلفت الآثار في صفة الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم:
عن أبي مسعود الأنصاري قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مجلس سعد بن عبادة، فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله، فكيف نصلي عليك؟ قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى، تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال رسول الله صلى: (قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد والسلام كما قد علمتم).

وعن كعب بن عجرة قال: لما نزل قوله: تعالى: "يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما" جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هذا السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة؟ فقال: (قل الهم صل على محمد. وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد).
التبويب الموضوعي للأحاديث: عن بن مسعود أنه كان يقول اللهم اجعل صلواتك ورحمتك علي سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبين محمد عبدك ورسولك إمام الخير وقائد الخير ورسول الرحمة اللهم ابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأولون والآخرون اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
شعب الإيمان: عدن في يدي علي بن أبي طالب و قال لي: عدهن في يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: عدهن في يدي جبريل عليه السلام و قال جبريل هكذا انزلت من عند رب العزة: اللهم صل على محمد و آل محمد كما صليت على إبراهيم و على آل إبراهيم إنك حميد مجيد
اللهم بارك على محمد و على آل محمد كما باركت على إبراهيم و على آل إبراهيم إنك حميد مجيد
اللهم و ترحم على محمد و على آل محمد كما ترحمت على إبراهيم و على آل إبراهيم إنك حميد مجيد
اللهم و تحنن على محمد و على آل محمد كما تحننت على إبراهيم و على آل إبراهيم إنك حميد مجيد
اللهم و سلم على محمد و على آل محمد كما سلمت على إبراهيم و على آل إبراهيم إنك حميد مجيد

فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:
**************************************

ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا). وقال سهل بن عبدالله: الصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم أفضل العبادات، لأن الله تعالى تولاها هو وملائكه، ثم أمر بها المؤمنين، وسائر العبادات ليس كذلك.
قال أبو سليمان الداراني: من أراد أن يسأل الله حاجة فليبدأ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يسأل الله حاجته، ثم يختم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإن الله تعالى يقبل الصلاتين وهو أكرم من أن يرد ما بينهما.
وعن عمر بن الخطاب رضي عنه أنه قال: الدعاء يحجب دون السماء حتى يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا جاءت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم رفع الدعاء.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من صلى علي وسلم علي في كتاب لم تزل الملائكة يصلون عليه ما دام اسمي في ذلك الكتاب). كنز العمال

واختلف العلماء في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة:
************************************************
فالذي عليه الجم الغفير والجمهور الكثير: أن ذلك من سنن الصلاة ومستحباتها. قال ابن المنذر: يستحب ألا يصلي أحد صلاة إلا صلى الله عليه وسلم فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن ترك ذلك تارك فصلاته مجزية في مذاهب مالك وأهل المدينة وسفيان الثوري.
عن مالك وسفيان أنها في التشهد الأخير مستحبة، وأن تاركها في التشهد مسيء.
وشذ الشافعي فأوجب على تاركها في الصلاة الإعادة.
قال الشافعي إذا لم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير بعد التشهد وقبل التسليم أعاد الصلاة. قال: وإن صلى الله عليه وسلم عليه قبل ذلك لم تجزه.
قوله تعالى: "وسلموا تسليما": نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم فأمر الله أصحابه أن يسلموا عليه. وكذلك من بعدهم امروا أن يسلموا عليه عند حضورهم قبره وعند ذكره.

فعن عبدالله بن أبي طلحة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ذات يوم والبشر يرى في وجهه، فقلت: إنا لنرى البشرى في وجهك! فقال: (إنه أتاني الملك فقال يا محمد إن ربك يقول أما يرضيك إنه لا يصلي عليك أحد إلا صليت عليه عشرا ولا يسلم عليك أحد إلا سلمت عليه عشرا). سنن النسائي الكبرى.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {{(إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام). صحيح ابن حبان - سنن الدارمي}}.

= {{هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا [الأحزاب: 43]}}.
قوله تعالى: "هو الذي يصلي عليكم" قال ابن عباس: لما نزل"إن الله وملائكته يصلون على النبي" [الأحزاب: 56] قال المهاجرون والأنصار: هذا لك يا رسول الله خاصة، وليس لنا فيه شيء، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قلت: وهذه نعمة من الله تعالى على هذه الأمة من أكبر النعم، ودليل على فضلها على سائر الأمم. وقد قال: "كنتم خير أمة أخرجت للناس" [آل عمران: 110]. والصلاة من الله على العبد هي رحمته له وبركته لديه. وصلاة الملائكة: دعاؤهم للمؤمنين واستغفارهم لهم، كما قال: "ويستغفرون للذين آمنوا" [غافر: 7].
وأن بني إسرائيل سألوا موسى عليه السلام: أيصلي ربك جل وعز؟ فأعظم ذلك، فأوحى الله جل وعز: "إن صلاتي بأن رحمتي سبقت غضبي".
المعجم الصغير
الطبراني: عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم قلت: يا جبريل أيصلي ربك جل ذكره وتعالى جده قال نعم قلت ما صلاته قال سبوح قدوس سبقت رحمتي غضبي سبقت رحمتي غضبي لم يروه عن الأعمش إلا أبو مسلم تفرد به الجعفي.
صحيح البخارى: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول (إن الله كتب كتابا قبل أن يخلق الخلق إن رحمتي سبقت غضبي فهو مكتوب عنده فوق العرش).

وقال ابن عطية: وروت فرقة أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: يا رسول الله، كيف صلاة الله على عباده. قال: (سبوح قدوس - رحمتي سبقت غضبي). واختلف في تأويل هذا القول، فقيل: إنه كلمة من كلام الله تعالى وهي صلاته على عباده. وقيل سبوح قدوس من كلام محمد صلى الله عليه وسلم وقدمه بين يدي نطقه باللفظ الذي هو صلاة الله وهو (رحمتي سبقت غضبي) من حيث فهم من السائل أنه توهم في صلاة الله على عباده وجها لا يليق بالله عز وجل، فقدم التنزيه والتعظيم بين يدي إخباره. "ليخرجكم من الظلمات إلى النور" أي من الضلالة إلى الهدى. ومعنى هذا التثبيت على الهداية، لأنهم كانوا في وقت الخطاب على الهداية. "وكان بالمؤمنين رحيما" أخبر تعالى برحمته بالمؤمنين تأنيسا لهم فقال: "وكان بالمؤمنين رحيما".
شعب الإيمان: قال موسى عليه السلام: يا رب ما الشكر الذي ينبغي علي؟ فأوحى الله عز و جل إليه: أن لا يزال لسانك رطبا من ذكري قال: يا رب إني أكون على حال أجلك أن أذكرك فيها قال: و ما هي قال: أكون جنبا أو على غائط أو إذا بلت قال: يا رب فما أقول؟ قال: سبحانك و بحمدك جنبني الأذى سبحانك و بحمدك قني الأذى.

= {{تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا [الأحزاب: 44]}}.

{تحيتهم يوم يلقونه}: اختلف في الضمير الذي في "يلقونه" على من يعود، فقيل على الله تعالى، أي كان بالمؤمنين رحيما، فهو يؤمنهم من عذاب الله يوم القيامة وفي ذلك اليوم يلقونه. و"تحيتهم" أي تحية بعضهم لبعض. "سلام" أي سلامة من عذاب الله. وقيل: هذه التحية من الله تعالى، المعنى: فيسلمهم من الآفات، أو يبشرهم بالأمن من المخافات "يوم يلقونه" أي يوم القيامة بعد دخول الجنة. قال معناه الزجاج، واستشهد بقوله جل وعز: "وتحيتهم فيها سلام" [يونس: 10]. وقيل: "يوم يلقونه" أي يوم: يلقون ملك الموت، وقد ورد أنه لا يقبض روح مؤمن إلا سلم عليه. وعن البراء بن عازب قال: "تحيتهم يوم يلقونه سلام" فيسلم ملك الموت على المؤمن عند قبض روحه، فلا يقبض روحه حتى يسلم عليه.
))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: لا تكونوا كالذين اذوا موسي
*****************************
= أن أذيتهم محمدا عليه السلام قولهم: زيد بن محمد
= كان بنو إسرائيل يغتسلون عراة وكان موسى عليه السلام يتستر كثيرا ويخفي بدنه فقال قوم هو آدر وأبرص
= فإن قيل: كيف نادى موسى عليه السلام الحجر نداء من يعقل؟

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا [الأحزاب: 69]}}.
تفسير القرطبي: لما ذكر الله تعالى المنافقين والكفار الذين آذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، حذر المؤمنين من التعرض للإيذاء، ونهاهم عن التشبه ببني إسرائيل في أذيتهم نبيهم موسى.
واختلف الناس فيما أوذي به محمد صلى الله عليه وسلم وموسى:
******************************************

أن أذيتهم محمدا عليه السلام قولهم: زيد بن محمد. وأذيته أنه صلى الله عليه وسلم قسم قسما فقال رجل من الأنصار: إن هذه القسمة ما أريد بها وجه الله، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فغضب وقال: (رحم الله اخي موسي لقد أوذي لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر.
وأما أذية موسى صلى الله عليه وسلم فقال ابن عباس وجماعة: هي ما تضمنه حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه قال: (كان بنو إسرائيل يغتسلون عراة وكان موسى عليه السلام يتستر كثيرا ويخفي بدنه فقال قوم هو آدر وأبرص أو به آفة، فانطلق ذات يوم يغتسل في عين بأرض الشام وجعل ثيابه على صخرة ففر الحجر بثيابه واتبعه موسى عريانا يقول ثوبي حجر ثوبي حجر حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل فنظروا إليه وهو من أحسنهم خلقا وأعدلهم صورة وليس به الذي قالوا فهو قوله تبارك "فبرأه الله مما قالوا". (أخرجه البخاري).
ولفظ مسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى سوأة بعض وكان موسى عليه السلام يغتسل وحده فقالوا والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه آدر قال فذهب يوما يغتسل فوضع ثوبه على حجر ففر الحجر بثوبه قال فجمح موسى عليه السلام بإثره يقول ثوبي حجر ثوبي حجر حتى نظرت بنو إسرائيل إلى سوأة موسى وقالوا والله ما بموسى من بأس فقام الحجر حتى نظر إليه قال فأخذ ثوبه فطفق بالحجر ضربا) قال أبو هريرة: والله إنه بالحجر ندب ستة أو سبعة ضرب موسى بالحجر.

وآذوا موسى بأن قالوا: قتل هارون؛ وذلك أن موسى وهرون خرجا من فحص التيه إلى جبل فمات هارون فيه، فجاء موسى فقالت بنو إسرائيل لموسى: أنت قتلته وكان ألين لنا منك وأشد حبا. فأذوه بذلك فأمر الله تعالى الملائكة فحملته حتى طافوا به في بني إسرائيل، ورأوا آية عظيمة دلتهم على صدق موسى، ولم يكن فيه أثر القتل. ومات هارون قبل موسى في التيه، ومات موسى قبل انقضاء مدة التيه بشهرين. وعن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: أن الله تعالى أحيا هارون فأخبرهم أنه لم يقتله، ثم مات. وقيل إن أذية موسى عليه السلام رميهم إياه بالسحر والجنون. والصحيح الأول. ويحتمل أن فعلوا كل ذلك فبرأه الله من جميع ذلك.

((مسألة)): في وضع موسى عليه السلام ثوبه على الحجر ودخول في الماء عريانا دليل على جواز ذلك، وهو مذهب الجمهور. ومنعه ابن أبي ليلى واحتج بحديث لم يصح؛ وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تدخلوا الماء إلا بمئزر فإن للماء عامرا). قال القاضي عياض: وهو ضعيف عند أهل العلم.
قلت: أما إنه يستحب التستر: فأن الحسن بن علي دخل غديرا وعليه برد له متوشحا به، فلما خرج قيل له، قال: إنما تسترت ممن يراني ولا أراه؛ يعني من ربي والملائكة.
فإن قيل: كيف نادى موسى عليه السلام الحجر نداء من يعقل؟ قيل: لأنه صدر عن الحجر فعل من يعقل. و"حجر" منادى مفرد محذوف حرف النداء، كما قال تعالى: "يوسف أعرض عن هذا" [يوسف: 9]. و"ثوبي": أعطني ثوبي، أو اترك ثوبي.

(وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا): أي كلمه تكليما. والصواب: وكان عبدا لله وجيها. وذلك أن "وجيها" يكون عند أهل الدنيا وعند أهل، زمانه وعند أهل الآخرة. "وكان عند الله وجيها" استحق الشرف وأعظم الرفعة.
))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: ان جاءكم فاسق بنبا فتبينوا
لا يسخر قوم من قوم عسي ان يكونوا خيرا منهم

اجتنبوا كثيرا من الظن ان بعض الظن اثم
*********************************
= في هذه الآية دليل على قبول خبر الواحد إذا كان عدلا، لأنه إنما أمر فيها بالتثبت عند نقل خبر الفاسق.
= ومن العجب أن يجوز الشافعي ونظراؤه إمامة الفاسق. ومن لا يؤتمن على حبة مال كيف يصح أن يؤتمن على قنطار دين.
= وفي الآية دليل على فساد قول: إن المسلمين كلهم عدول حتى تثبت الجرحة، لأن الله تعالى أمر بالتثبت
= إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعرض القراءة على جبريل صلى الله عليه وسلم في كل سنة، فلما كانت السنة التي قبض فيها عرضه عليه مرتين
= ثم وجدنا أهل القراء قد اختلفوا في أشياء مما يقرءون القرآن عليها مما هي في الخط مؤتلفة، وفي ألفاظهم بها مختلفة:
= نزلت في
= (القراءات المتعددة)
= إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر
= (ولا تنابزوا بالألقاب)
= ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم لقب عمر بالفاروق، وأبا بكر بالصديق، وعثمان بذي النورين، وخزيمة بذي الشهادتين، وأبا هريرة بذي الشمالين وبذي اليدين.
= ولقد لقب أبو بكر بالعتيق والصديق، وعمر بالفاروق، وحمزة بأسد الله، وخالد بسيف الله.
= وعن الحسن: كنا في زمن الظن بالناس فيه حرام، وأنت اليوم في زمن اعمل واسكت وظن في الناس ما شئت.
= أرى أنا قد أتينا ما نهى الله عنه، قال الله تعالى: "ولا تجسسوا" وقد تجسسنا، فانصرف عمر وتركهم.
= حدث عمر بن الخطاب أن أبا محجن الثقفي يشرب الخمر مع أصحاب له في بيته، فانطلق عمر حتى دخل عليه، فإذا ليس عنده إلا رجل، فقال أبو محجن: إن هذا لا يحل لك قد نهاك الله عن التجسس، فخرج عمر وتركه.
= فأما الغيبة فهو أن تقول في أخيك ما هو فيه. وأما الإفك فأن تقول فيه ما بلغك عنه. وأما البهتان فأن تقول فيه ما ليس فيه.
= وليس من هذا الباب غيبة الفاسق المعلن به المجاهر
= ثلاثة ليس لهم حرمة: صاحب الهوي، والفاسق المعان، والإمام الجائر.

= إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني أنا وولدي، فآخذ من غير علمه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [نعم فخذي].
= طلاق فاطمة بنت قيس أخت الضحاك
= قضية هند وابي سفيان:
= اذكروا الفاجر بما فيه يحذره الناس ولا غيبة لفاسق
= من كانت لأخيه عنده مظلمة من عرض أو مال فليتحلله
= وكان يحب موافقة أهل الكتاب
= من لم يدع قول الزور والعمل به (الغاية البعد عن المحرماات)
= ضرورة البعد عن الغيبة والبهتان
= الوصية بعدم تتبع عورات المسلمين والبعد عن الطيرة والظن والحسد إياكم والظن
= إذا كان أحدكم مادحا صاحبه لا محالة، فليقل: أحسب فلانا
= ثلاث يصفين لك من ود أخيك - وثلاث من الغي
= إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم
= تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين، ويوم الخميس
= أول خلع كان في الإسلام امرأة ثابت بن قيس

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [الحجرات: 6]}}.
تفسير القرطبي: "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا": هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث الوليد بن عقبة مصدقا إلى بني المصطلق، فلما أبصروه أقبلوا نحوه فهابهم - لإحنة كانت بينه وبينهم - فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أنهم قد ارتدوا عن الإسلام. فبعث نبي الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد وأمره أن يتثبت ولا يعجل، فانطلق خالد حتى أتاهم ليلا، فبعث عيونه فلما جاؤوا أخبروا خالدا أنهم متمسكون بالإسلام، وسمعوا أذانهم وصلاتهم، فلما أصبحوا أتاهم خالد ورأى صحة ما ذكروه، فعاد إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فنزلت هذه الآية، فكان يقول نبي الله صلى الله عليه وسلم: [التأني من الله والعجلة من الشيطان].

صحيح كنوز السنة النبوية: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (التأني من الله والعجلةُ من الشيطان، وما أحدٌ أكثرُ معاذير من الله، وما من شيء أحبُ إلى الله من الحمد).

وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه إلى بني المصطلق بعد إسلامهم، فلما سمعوا به ركبوا إليه، فلما سمع بهم خافهم، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أن القوم قد هموا بقتله، ومنعوا صدقاتهم. فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بغزوهم، فبينما هم كذلك إذ قدم وفدهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، سمعنا برسولك فخرجنا إليه لنكرمه، ونؤدي إليه ما قبلنا من الصدقة، فاستمر راجعا، وبلغنا أنه يزعم لرسول الله أنا خرجنا لنقاتله، والله ما خرجنا لذلك، فأنزل الله تعالى هذه الآية. وسمي الوليد فاسقا أي كاذبا.
((الفاسق الكذاب. هو المعلن بالذنب. هوالذي لا يستحي من الله.))
وقرأ حمزة والكسائي "فتثبتوا" من التثبت. الباقون "فتبينوا" من التبيين. (القراءات المتعددة)
"أن تصيبوا قوما" أي لئلا تصيبوا. "بجهالة" أي بخطأ. "فتصبحوا على ما فعلتم نادمين" على العجلة وترك التأني.

في هذه الآية دليل على قبول خبر الواحد إذا كان عدلا، لأنه إنما أمر فيها بالتثبت عند نقل خبر الفاسق. ومن ثبت فسقه بطل قوله في الأخبار إجماعا، لأن الخبر أمانة والفسق قرينة يبطلها. وقد استئنى الإجماع من جملة ذلك ما يتعلق بالدعوى والجحود، وإثبات حق مقصود على الغير، مثل أن يقول: هذا عبدي، فإنه يقبل قوله. وإذا قال: قد أنفذ فلان هذا لك هدية، فإنه يقبل ذلك. وكذلك إذا أقر لغيره بحق على نفسه فلا يبطل إجماعا.
وأما في الإنشاء على غيره: لا يكون وليا في النكاج. وقال أبو حنيفة ومالك: يكون وليا، لأنه يلي مالها فيلي بضعها. وهو وإن كان فاسقا في دينه إلا أن غيرته موفرة وبها يحمي الحريم، وقد يبذل المال ويصون الحرمة، وإذا ولي المال فالنكاج أولى.

قال ابن العربي: ومن العجب أن يجوز الشافعي ونظراؤه إمامة الفاسق. ومن لا يؤتمن على حبة مال كيف يصح أن يؤتمن على قنطار دين. وهذا إنما كان أصله أن الولاة الذين كانوا يصلون بالناس لما فسدت أديانهم ولم يمكن ترك الصلاة وراءهم، ولا استطيعت إزالتهم صلي معهم ووراءهم، كما قال عثمان: الصلاة أحسن ما يفعل الناس، فإذا أحسنوا فأحسن، وإذا أساؤوا فآجتنب إساءتهم. ثم كان من الناس من إذا صلى معهم تقية أعادوا الصلاة لله، ومنهم من كان يجعلها صلاته. ويوجوب الإعادة أقول، فلا ينبغي لأحد أن يترك الصلاة من لا يرضى من الأئمة، ولكن يعيد سرا في نفسه، ولا يؤثر ذلك عند غيره.
وأما أحكامه إن كان واليا فينفذ منها ما وافق الحق ويرد ما خالفه، ولا ينقض حكمه الذي أمضاه بحال.
ويصح أن يكون رسولا عن غيره في قول يبلغه أو شيء يوصله، أو إذن يعلمه، إذا لم يخرج عن حق المرسل، والمبلغ، فإن تعلق به حق لغيرهما لم يقبل قوله. وهذا جائز للضرورة الداعية اليه، فإنه لو لم يتصرف بين الخلق في هذه المعاني إلا العدول لم يحصل منها شيء لعدمهم في ذلك.
وفي الآية دليل على فساد قول: إن المسلمين كلهم عدول حتى تثبت الجرحة، لأن الله تعالى أمر بالتثبت قبل القبول، ولا معنى للتثبت بعد إنفاذ الحكم، فإن حكم الحاكم قبل التثبت فقد أصاب المحكوم عليه بجهالة.
فإن قضى بما يغلب على الظن لم يكن ذلك عملا بجهالة، كالقضاء بالشاهدين العدليين، وقبول قول العالم المجتهد. وإنما العمل بالجهالة قبول قول من لا يحصل غلبة الظن بقبوله.

معرفة السنن والآثار للبيهقي: قال الله جل وعز: يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا. قال الشافعي: أمر الله من يمضي أمره على أحد من عباده أن يكون متثبتا قبل أن يمضيه، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحكم خاصة أن لا يحكم الحاكم وهو غضبان؛ لأن الغضبان مخوف على أمرين: (أحدهما): قلة التثبت، (والآخر): أن الغضب قد يتغير معه العقل، ويتقدم به صاحبه على ما لم يكن يتقدم عليه لو لم يكن غضب.

مشكل الآثار للطحاوي: عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لأصحابه: «أي القراءتين ترون آخرا؟» قالوا: قراءة زيد، قال: «لا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعرض القراءة على جبريل صلى الله عليه وسلم في كل سنة، فلما كانت السنة التي قبض فيها عرضه عليه مرتين، فشهده ابن مسعود، وكانت قراءة عبد الله آخرا».
قال: ثم وجدنا أهل القراء قد اختلفوا في أشياء مما يقرءون القرآن عليها مما هي في الخط مؤتلفة، وفي ألفاظهم بها مختلفة: (القراءات المتعددة)
منها قوله عز وجل: إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا. وفي قراءة غيره منهم: (فتثبتوا).
ومنها قوله عز وجل: يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا، وفي قراءة غيره: (فتثبتوا). ومنها قوله تعالى: والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا، وفي قراءة غيره منهم: (لنثوينهم من الجنة غرفا).
ومنها قوله تعالى: (وانظر إلى العظام كيف ننشرها) وفي قراءة غيره منهم: ننشزها.

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الحجرات: 11]}}.

تفسير القرطبي: " لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم " قيل عند الله. وقيل "خيرا منهم" أي معتقدا وأسلم باطنا. والسخرية الاستهزاء. وسخرت منه وسخرت به، وضحكت منه وضحكت به، وهزئت منه وهزئت به. والاسم السخرية والسخري، وقرئ بهما قوله تعالى: "ليتخذ بعضهم بعضا سخريا" [الزخرف:]. وفلان سخرة، يتسخر في العمل. يقال: خادم سخرة. ورجل سخرة أيضا يسخر منه. وسخرة (بفتح الخاء) يسخرمن الناس.
واختلف في سبب نزولها: نزلت في ثابت بن قيس بن شماس كان في أذنه وقر، فإذا سبقوه الى مجلس النبي صلى الله عليه وسلم أوسعوا له إذا أتى حتى يجلس إلى جنبه ليسمع ما يقول، فأقبل ذات يوم وقد فاتته من صلاة الفجر ركعة مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم أخذ أصحابه مجالسهم منه، فربض كل رجل منهم بمجلسه، وعضوا فيه فلا يكاد يوسع أحد لأحد حتى يظل الرجل لا يجد مجلسا فيظل قائما، فلما انصرف ثابت من الصلاة تخطي رقاب الناس ويقول: تفسحوا تفسحوا، ففسحوا له حتى انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبينه وبينه رجل فقال له: تفسح. فقال له الرجل: قد وجدت مجلسا فأجلس فجلس ثابت من خلفه مغضبا، ثم قال: من هذا؟ قالوا فلان، فقال ثابت: ابن فلانة يعيره بها، يعني أما له في الجاهلية، فاستحيا الرجل، فنزلت.
وقال الضحاك: نزلت في وفد بني تميم استهزؤوا بفقراء الصحابة، مثل عمار وخباب وابن فهيرة وبلال وصهيب وسلمان وسالم مولى أبي حذيفة وغيرهم، لما رأوا من رثاثة حالهم، فنزلت في الذين آمنوا منهم. وقال مجاهد: هو سخرية الغني من الفقير. وقال ابن زيد: لا يسخر من ستر الله عليه ذنوبه ممن كشفه الله، فلعل إظهار ذنوبه في الدنيا خير له في الآخرة. وقيل: نزلت في عكرمة بن أبي جهل حين قدم المدينة مسلما، وكان المسلمون إذا رأوه قالوا ابن فرعون هذه الأمة. فشكا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت.

وبالجملة فينبغي ألا يجتريء أحد على الاستهزاء بمن يقتحمه بعينه إذا رءاه رث الحال أو ذا عاهة في بدنه أو غير لبيق في محادثته، فلعله أخلص ضميرا وأنقى قلبا ممن هو على ضد صفته، فيظلم نفسه بتحقير من وقره الله، والاستهزاء بمن عظمه الله.
قوله تعالى: "ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن" أفرد النساء بالذكر لأن السخرية منهن أكثر.
قال المفسرون: نزلت في امرأتين من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم سخرتا من أم سلمة، وذلك أنها ربطت خصريها بسبيبة - وهو ثوب أبيض، وسدلت طرفيها خلفها فكانت تجرها، فقالت عائشة لحفصة رضي الله عنهما: انظري ما تجر خلفها كأنه لسان كلب، فهذه كانت سخريتهما.
وقال أنس وابن زيد: نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وسلم، عيرن أم سلمة بالقصر. وقيل: نزلت في عائشة، أشارت بيدها إلى أم سلمة، يا نبي الله إنها لقصيرة. وقال عكرمة عن ابن عباس: إن صفية بنت حيي بن أخطب أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن النساء يعيرنني، ويقلن لي يا يهودية بنت يهوديين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هلا قلت إن أبي هارون وإن عمي موسى وإن زوجي محمد). فأنزل الله هذه الآية.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم]. وهذا حديث عظيم يترتب عليه ألا يقطع بعيب أحد لما يرى عليه من صور أعمال الطاعة أو المخالفة، فلعل من يحافظ على الأعمال الظاهرة يعلم الله من قلبه وصفا مذموما لا تصح معه تلك الأعمال. ولعل من رأينا عليه تفريطا أو معصية يعلم الله من قلبه وصفا محمودا يغفر له بسببه. فالأعمال أمارات ظنية لا أدلة قطعية. ويترتب عليها عدم الغلو في تعظيم من رأينا عليه أفعالا صالحة، وعدم الاحتقار لمسلم رأينا عليه أفعالا سيئة. بل تحتقر وتذم تلك الحالة السيئة، لا تلك الذات المسيئة.

(ولا تلمزوا أنفسكم) اللمز: العيب: "ومنهم من يلمزك في الصدقات" [التوبة: 58]. وقال الطبري: اللمز باليد والعين واللسان والإشارة. والهمز لا يكون إلا باللسان. وهذه الآية مثل قوله تعالى: "ولا تقتلوا أنفسكم" [النساء: 9] أي لا يقتل بعضكم بعضا، لأن المؤمنين كنفس واحدة، فكأنه بقتل أخيه قاتل نفسه. وكقوله تعالى: "فسلموا على أنفسكم" [النور: 61] يعني يسلم بعضكم على بعض. والمعنى: لا يعب بعضكم بعضا. وقال ابن عباس: لا يطعن بعضكم على بعض. وقال الضحاك: لا يلعن بعضكم بعضا.
"أنفسكم" تنبيه على أن العاقل لا يعيب نفسه، فلا ينبغي أن يعيب غيره لأنه كنفسه، قال صلى الله عليه وسلم: [المؤمنون كجسد واحد إن اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى].
(ولا تنابزوا بالألقاب)
وتنابزوا بالألقاب: أي لقب بعضهم بعضا. كان الرجل منا يكون له الاسمين والثلاثة فيدعي ببعضها فعسى أن يكره، فنزلت هذه الآية: "ولا تنابزوا بالألقاب".
وكان الرجل يعير بعد إسلامه بكفره يا يهودي يا نصراني، فنزلت. وقال قتادة: هو قول الرجل للرجل يا فاسق يا منافق، وقاله مجاهد والحسن أيضا. "بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان" أي بئس أن يسمى الرجل كافرا أو زانيا بعد إسلامه وتوبته. وقيل: المعنى أن من لقب أخاه أو سخر منه فهو فاسق.
وفي الصحيح: [من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلا رجعت عليه]. فمن فعل ما نهى الله عنه من السخرية والهمز والنبز فذلك فسوق وذلك لا يجوز. وقد روي أن أبا ذر رضي الله عنه كان عند النبي صلى الله عليه وسلم فنازعه رجل فقال له أبو ذر: يا ابن اليهودية فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما ترى هاهنا أحمر وأسود ما أنت بأفضل منه) يعني بالتقوى، ونزلت: "ولا تنابزوا بالألقاب".
وقال ابن عباس: التنابز بالألقاب أن يكون الرجل قد عمل السيئات ثم تاب، فنهى الله أن يعير بما سلف.

وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من عير مؤمنا بذنب تاب منه كان حقا على الله أن يبتليه به ويفضحه فيه في الدنيا والآخرة).
(باب ما يجوز من ذكر الناس نحو قولهم الطويل والقصير لا يراد به شين الرجل) قال: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: [ما يقول ذو اليدين].
تضمنت الآية المنع من تلقيب الإنسان بما يكره، ويجوز تلقيبه بما يحب: ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم لقب عمر بالفاروق، وأبا بكر بالصديق، وعثمان بذي النورين، وخزيمة بذي الشهادتين، وأبا هريرة بذي الشمالين وبذي اليدين.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم [من حق المؤمن على المؤمن أن يسميه بأحب أسمائه إليه]. ولهذا كانت التكنية من السنة والأدب الحسن، قال عمر رضي الله عنه: أشيعوا الكني فإنها منبهة.
ولقد لقب أبو بكر بالعتيق والصديق، وعمر بالفاروق، وحمزة بأسد الله، وخالد بسيف الله.
أجل الألقاب.
وقد سئل عبدالله بن المبارك عن الرجل يقول: حُميد الطويل، وسليمان الأعمش، وحُميد الأعرج، ومروان الأصغر، فقال: إذا أردت صفته ولم ترد عيبه فلا بأس به. عن عبدالله بن سرجس قال: رأيت الأصلع - يعني عمر - يقبل الحجر. في رواية الأصيلع.
قوله تعالى: "ومن لم يتب" أي عن هذه الألقاب التي يتأذى بها السامعون. "فأولئك هم الظالمون" لأنفسهم بارتكاب هذه المناهي.

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ [الحجرات: 12]}}.

تفسير القرطبي: (اجتنبوا كثيرا من الظن) قيل: إنها نزلت في رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم اغتابا رفيقهما. وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر ضم الرجل المحتاج إلى الرجلين الموسرين فيخدمهما. فضم سلمان إلى رجلين، فتقدم سلمان إلى المنزل فغلبته عيناه فنام ولم يهيئ لهما شيئا، فجاءا فلم يجدا طعاما وإداما، فقالا له: انطلق فاطلب لنا من النبي صلى الله عليه وسلم طعاما وإداما، فذهب فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (اذهب إلى أسامة بن زيد فقل له إن كان عندك فضل من طعام فليعطك) وكان أسامة خازن النبي صلى الله عليه وسلم، فذهب إليه، فقال أسامة: ما عندي شيء، فرجع إليهما فأخبرهما، فقالا: قد كان عنده ولكنه بخل. ثم بعثا سلمان إلى طائفة من الصحابة فلم يجد عندهم شيئا، فقالا: لو بعثنا سلمان إلى بئر سُمَيحة لغار ماؤها. ثم انطلقا يتجسسان هل عند أسامة شيء، فرآهما النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (مالي أرى خضرة اللحم في أفواهكما) فقالا: يا نبي الله، والله ما أكلنا في يومنا هذا لحما ولا غيره. فقال: (ولكنكما ظلتما تأكلان لحم سلمان وأسامة) فنزلت: "يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم". أي لا تظنوا بأهل الخير سوءا إن كنتم تعلمون من ظاهر أمرهم الخير.
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تناجشوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا).

قال علماؤنا: فالظن هنا وفي الآية هو التهمة. ومحل التحذير والنهي إنما هو تهمة لا سبب لها يوجبها، كمن يتهم بالفاحشة أو بشرب الخمر مثلا ولم يظهر عليه ما يقتضي ذلك. ودليل كون الظن هنا بمعنى التهمة قوله تعالى: "ولا تجسسوا" وذلك أنه قد يقع له خاطر التهمة ابتداء ويريد أن يتجسس خبر ذلك ويبحث عنه، ويتبصر ويستمع لتحقيق ما وقع له من تلك التهمة. فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
والذي يميز الظنون التي يجب اجتنابها عما سواها، أن كل ما لم تعرف له أمارة صحيحة وسبب ظاهر كان حراما واجب الاجتناب. وذلك إذا كان المظنون به ممن شوهد منه الستر والعلاج، وأونست منه الأمانة في الظاهر، فظن الفساد به والخيانة محرم، بخلاف من أشتهره الناس بتعاطي الريب والمجاهرة بالخبائث. وعن النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله حرم من المسلم دمه وعرضه وأن يظن به ظن السوء).
وعن الحسن: كنا في زمن الظن بالناس فيه حرام، وأنت اليوم في زمن اعمل واسكت وظن في الناس ما شئت.
وللظن حالتان: الحالة الاولي: حالة تعرف وتقوى بوجه من وجوه الأدلة فيجوز الحكم بها، وأكثر أحكام الشريعة مبنية على غلبة الظن، كالقياس وخبر الواحد وغير ذلك من قيم المتلفات وأروش الجنايات.
والحالة الثانيه: أن يقع في النفس شيء من غير دلالة فلا يكون ذلك أولى من ضده، فهذا هو الشك، فلا يجوز الحكم به، وهو المنهي عنه على ما قررناه آنفا.

بحديث أبي هريرة (إياكم والظن) فإن هذا لا حجة فيه، لأن الظن في الشريعة قسمان: محمود ومذموم: فالمحمود منه ما سلم معه دين الظان والمظنون به عند بلوغه. والمذموم ضده، بدلالة قوله تعالى: "إن بعض الظن إثم"، وقوله: "لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا" [النور: 1]، وقوله: "وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا" [الفتح: 1] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا كان أحدكم مادحا أخاه فليقل أحسب كذا ولا أزكي على الله أحدا). وقال: (إذا ظننت فلا تحقق وإذا حسدت فلا تبغ وإذا تطيرت فامض).
(القراءات المتعددة)
قوله تعالى: "ولا تجسسوا": قرأ أبو رجاء "ولا تحسسوا" بالحاء. التجسس البحث عما يكتم عنك. والتحسس طلب الأخبار والبحث عنها. وقيل: إن التجسس هو البحث، ومنه قيل: رجل جاسوس إذا كان يبحث عن الأمور.
ومعنى الآية: خذوا ما ظهر ولا تتبعوا عورات المسلمين، أي لا يبحث أحدكم عن عيب أخيه حتى يطلع عليه بعد أن ستره الله. فعن معاوية قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت تفسدهم). وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإن من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته).
وقال عبدالرحمن بن عوف: حرست ليلة مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالمدينة إذ تبين لنا سراج في بيت بابه مجاف على قوم لهم أصوات مرتفعة ولغط، فقال عمر: هذا بيت ربيعة بن أمية بن خلف، وهم الآن شرب فما ترى!؟ قلت: أرى أنا قد أتينا ما نهى الله عنه، قال الله تعالى: "ولا تجسسوا" وقد تجسسنا، فانصرف عمر وتركهم.

وقال أبو قلابة: حدث عمر بن الخطاب أن أبا محجن الثقفي يشرب الخمر مع أصحاب له في بيته، فانطلق عمر حتى دخل عليه، فإذا ليس عنده إلا رجل، فقال أبو محجن: إن هذا لا يحل لك قد نهاك الله عن التجسس، فخرج عمر وتركه. وقال زيد بن أسلم: خرج عمر وعبدالرحمن يعسان، إذ تبينت لهما نار فاستأذنا ففتح الباب، فإذا رجل وامرأة تغني وعلى يد الرجل قدح، فقال عمر: وأنت بهذا يا فلان؟ فقال: وأنت بهذا يا أمير المؤمنين! قال عمر: فمن هذه منك؟ قال امرأتي، قال فما في هذا القدح؟ قال ماء زلال. ثم قال الرجل: ما بهذا أمرنا يا أمير المؤمنين قال الله تعالى: "ولا تجسسوا". قال صدقت.
وقال عمرو بن دينار: كان رجل من أهل المدينة له أخت فاشتكت، فكان يعودها فماتت فدفنها. فكان هو الذي نزل في قبرها، فسقط من كمه كيس فيه دنانير، فاستعان ببعض أهله فنبشوا قبرها فأخذ الكيس ثم قال: لأكشفن حتى أنظر ما آل حال أختي إليه، فكشف عنها فإذا القبر مشتعل نارا، فجاء إلى أمه فقال: أخبريني ما كان عمل أختي؟ فقالت: قد ماتت أختك فما سؤالك عن عملها فلم يزل بها حتى قالت له: كان من عملها أنها كانت تؤخر الصلاة عن مواقيتها، وكانت إذا نام الجيران قامت إلى بيوتهم فألقمت أذنها أبوابهم، فتجسس عليهم وتخرج أسرارهم، فقال: بهذا هلكت.
قوله تعالى: "ولا يغتب بعضكم بعضا" نهى عز وجل عن الغيبة، وهي أن تذكر الرجل بما فيه، فإن ذكرته بما ليس فيه فهو البهتان. عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أتدرون ما الغيبة)؟ قالوا: الله ورسول أعلم. قال: (ذكرك أخاك بما يكره) قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: (إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته).

والغيبة: وهي ذكر العيب بظهر الغيب. قال الحسن: الغيبة ثلاثة أوجه كلها في كتاب الله تعالى: الغيبة والإفك والبهتان. فأما الغيبة فهو أن تقول في أخيك ما هو فيه. وأما الإفك فأن تقول فيه ما بلغك عنه. وأما البهتان فأن تقول فيه ما ليس فيه.
أن الأسلمي ما عزا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشهد على نفسه بالزنى فرجمه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فسمع نبي الله صلى الله عليه وسلم رجلين من أصحابه يقول أحدهما للآخر: انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم تدعه نفسه حتى رجم رجم الكلب، فسكت عنهما. ثم سار ساعة حتى مر بجيفة حمار شائل برجله فقال: (أين فلان وفلان)؟ فقالا: نحن ذا يا رسول الله، قال: (انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار) فقالا: يا نبي الله ومن يأكل من هذا! قال: (فما نلتما من عرض أخيكما أشد من الأكل منه والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها).
"أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا" مثل الله الغيبة بأكل الميتة، لأن الميت لا يعلم بأكل لحمه كما أن الحي لا يعلم بغيبة من اغتابه. وقال ابن عباس: إنما ضرب الله هذا المثل للغيبة لأن أكل لحم الميت حرام مستقذر، وكذا الغيبة حرام في الدين وقبيح في النفوس. وقال قتادة: كما يمتنع أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا كذلك يجب أن يمتنع من غيبته حيا. وقال صلى الله عليه وسلم: (ما صام من ظل يأكل لحوم الناس). فشبه الوقيعة في الناس بأكل لحومهم. فمن تنقص مسلما أو ثلم عرضه فهو كالآكل لحمه حيا، ومن اغتابه فهو كالآكل لحمه ميتا.

عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم). وعن المستورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أكل برجل مسلم أكلة فإن الله يطعمه مثلها من جهنم ومن كسي ثوبا برجل مسلم فإن الله يكسوه مثله من جهنم ومن أقام برجل مقام سمعة ورياء فإن الله يقوم به مقام سمعة ورياء يوم القيامة). وقوله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين). وقوله للرجلين: (ما لي أرى خضرة اللحم في أفواهكما).
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كانت لأخيه عنده مظلمة في عرض أو مال فليتحلله منه من قبل أن يأتي يوم ليس هناك دينار ولا درهم يؤخذ من حسناته فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فزيد على سيئاته). وقال وسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون له دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه).
وليس من هذا الباب غيبة الفاسق المعلن به المجاهر، فإن في الخبر [من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له]. وقال صلى الله عليه وسلم: (اذكروا الفاجر بما فيه كي يحذره الناس). فالغيبة إذا في المرء الذي يستر نفسه. وروي عن الحسن أنه قال: ثلاثة ليس لهم حرمة: صاحب الهوي، والفاسق المعان، والإمام الجائر.
ومن ذلك الاستفتاء، كقول هند للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني أنا وولدي، فآخذ من غير علمه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [نعم فخذي]. فذكرته بالشح والظلم لها ولولدها، ولم يرها مغتابة، لأنه لم يغير عليها، بل أجابها عليه الصلاة والسلام بالفتيا لها.

وكقوله صلى الله عليه وسلم: [أما معاوية فصعلوك لا مال له وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه]. فهذا جائز، وكان مقصوده ألا تغتر فاطمة بنت قيس بهما.
"ميتا": ولما قررهم عز وجل بأن أحدا منهم لا يجب أكل جيفة أخيه عقب ذلك بقوله تعالى: "فكرهتموه" وفيه وجهان: أحدهما: فكرهتم أكل الميتة فكذلك فاكرهوا الغيبة. الثاني: فكرهتم أن يغتابكم الناس فاكرهوا غيبة الناس. وقال الفراء: أي فقد كرهتموه فلا تفعلوه.

طلاق فاطمة بنت قيس أخت الضحاك
***********************
المستدرك للحاكم: أن فاطمة بنت قيس أخت الضحاك بن قيس أخبرته و كانت عند رجل من بني مخزوم: و ذكر الحديث بطوله و قال في آخره: فلما انقضت عدتها خطبها أبو جهم و معاوية بن أبي سفيان فاستأمرت النبي صلى الله عليه و سلم فقال: أما معاوية فصعلوك لا مال له و أما أبو الجهم فإني أخاف عليك شقاشقه فأمرني بأسامة بن زيد فتزوجت أسامة بن زيد.
صحيح مسلم: أن فاطمة بنت قيس، أخت الضحاك بن قيس، أخبرته؛ أن أبا حفص بن المغيرة المخزومي طلقها ثلاثا. ثم انطلق إلى اليمن. فقال لها أهله: ليس لك علينا نفقة. فانطلق خالد بن الوليد في نفر. فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت ميمونة. فقالوا: إن أبا حفص طلق امرأته ثلاثا. فهل لها من نفقة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم" ليست لها نفقة. وعليها العدة". وأرسل إليها " أن لاتسبقيني بنفسك ". وأمرها أن تنتقل إلى أم شريك. ثم أرسل إليها " أن أم شريك يأتيها المهاجرون الأولون. فانطلقي إلى ابن أم مكتوم الأعمى. فإنك إذا وضعت خمارك، لم يرك " فانطلقت إليه. فلما مضت عدتها أنكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد بن حارثة.

عمدة القاري شرح صحيح البخاري: إن أبا عمرو بن حفص طلق فاطمة ثلاثا فهل لها من نفقة فقال النبي ليس لها نفقة ولا سكنى وأرسل إليها أن تنتقل إلى أم شريك ثم أرسل إليها أن أم شريك يأتيها المهاجرون الأولون فانتقلى إلى ابن أم مكتوم فإنك إذا وضعت خمارك لم يرك.
ثم العلماء اختلفوا في هذا الباب في فصلين: الأول أن المطلقة ثلاثا لا تجب لها النفقة ولا السكنى عند قوم إذا لم تكن حاملا. وقال قوم لها النفقة والسكنى حاملا أو غير حامل.
وقال قوم لها السكنى بكل حال والنفقة إذا كانت حاملا.
عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة وهمت أو نسيت وكان عمر يجعل لها النفقة والسكنى. قال الله تعالى: (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة). لا ندري أحفظت أو لا. قال عمر لها إن جئت بشاهدين يشهدان أنهما سمعاه من رسول الله وإلا لم نترك كتاب الله لقول امرأة.
الفصل الثاني: في حكم خروج المبتوتة بالطلاق من بيتها في عدتها فمنعت من ذلك طائفة. وقالوا تعتد في بيت زوجها حيث طلقها. وكانوا يرون أن لا تبيت المبتوتة والمتوفى عنها زوجها إلا في بيتها وفيه قول آخر أن المبتوتة تعتد حيث شاءت.
وكان مالك يقول المتوفى عنها زوجها تزور وتقيم إلى قدر ما يهدأ الناس بعد العشاء ثم تنقلب إلى بيتها. وقال أبو حنيفة تخرج المتوفى عنها نهارا ولا تبيت إلا في بيتها ولا تخرج المطلقة ليلا ولا نهارا.
قال محمد لا تخرج المطلقة ولا المتوفى عنها زوجها ليلا ولا نهارا في العدة وقام الإجماع على أن الرجعية تستحق السكنى والنفقة إذ حكمها حكم الزوجات في جميع أمورها. وقوله تعالى: (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة).
بداية المجتهد ونهاية المقتصد: واختلفوا في سكنى المبتوتة ونفقتها إذا لم تكن حاملا على ثلاثة أقوال:

أحدها: أن لها السكنى والنفقة. ووجوب السكنى لها بعموم قوله تعالى {أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم} وصاروا إلى وجوب النفقة لها لكون النفقة تابعة لوجوب الإسكان في الرجعية وفي الحامل وفي نفس الزوجية. وبالجملة فحيثما وجبت السكنى في الشرع وجبت النفقة.
والثاني: أنه لا سكنى لها ولا نفقة. فاستدل من لم يوجب لها نفقة ولا سكنى بحديث فاطمة بنت قيس أنها قالت "طلقني زوجي ثلاثا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجعل لي سكنى ولا نفقة". وبحديث "إنما السكنى والنفقة لمن لزوجها عليها الرجعة".
والثالث: أن لها السكنى ولا نفقة لها. لقول الرسول "ليس لك عليه نفقة" وأمرها أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم ولم يذكر فيها إسقاط السكنى، فبقي على عمومه في قوله تعالى {أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم} وعللوا أمره عليه الصلاة والسلام بأن تعتد في بيت ابن أم مكتوم بأنه كان في لسانها بذاء.

قضية هند وابي سفيان:
********************
صحيح البخارى: عن عائشة رضي الله عنها:: قالت هند أم معاوية لرسول الله صلى الله عليه و سلم إن أبا سفيان رجل شحيح فهل علي جناح أن آخذ ماله سرا؟. قال (خذي أنت وبنوك ما يكفيك بالمعروف). [ش (شحيح) بخيل مع الحرص. (جناح) إثم. (سرا) أي دون علمه وإذنه. (بالمعروف) حسب عادة الناس في نفقة أمثالك وأمثال أولادك].

شرح النووي على مسلم: (يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني إلا ما أخذت من ماله بغير علمه فهل علي في ذلك من جناح فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك) في هذا الحديث فوائد منها: 1 - وجوب نفقة الزوجة ومنها. 2 - وجوب نفقة الأولاد الفقراء الصغار ومنها 3 - أن النفقة مقدرة بالكفاية لا بالأمداد ومذهب أصحابنا أن نفقة القريب مقدرة بالكفاية كما هو ظاهر هذا الحديث ونفقة الزوجة مقدرة بالأمداد على الموسر كل يوم مدان وعلىلمعسر مد وعلى المتوسط مد ونصف وهذا الحديث يرد على أصحابنا ومنها. 4 - جواز سماع كلام الأجنبية عند الافتاء والحكم وكذا ما في معناه ومنها. 5 - جواز ذكر الإنسان بما يكرهه إذا كان للاستفتاء والشكوى ونحوهما ومنها 6 - أن من له على غيره حق وهو عاجز عن استيفائه يجوز له أن يأخذ من ماله قدر حقه بغير إذنه وهذا مذهبنا ومنع ذلك) ومنها. 7 - جواز إطلاق الفتوى ويكون المراد تعليقها بثبوت ما يقوله المستفتي ولا يحتاج المفتي أن يقول إن ثبت كان الحكم كذا وكذا بل يجوز له الاطلاق كما أطلق النبي صلى الله عليه و سلم فإن قال ذلك فلا بأس ومنها. 8 - أن للمرأة مدخلا في كفالة أولادها والأنفاق عليهم من مال أبيهم قال أصحابنا إذا امتنع الأب من الانفاق على الولد الصغير أو كان غائبا أذن القاضي لأمه في الأخذ من آل الأب أو الاستقراض عليه والانفاق على الصغير بشرط أهليتها وهل لها الاستقلال بالأخذ من ماله بغير اذن القاضي فيه وجهان مبنيان على وجهين لأصحابنا في أن إذن النبي صلى الله عليه و سلم لهند امرأة أبي سفيان كان إفتاء أم قضاء والأصح أنه كان إفتاء وأن هذا يجري في كل امرأة أشبهتها فيجوز والثاني كان قضاء فلا يجوز لغيرها إلا بإذن القاضي والله أعلم ومنها. 9 - اعتماد العرف في الأمور التي ليس فيها تحديد شرعي ومنها.

10 - جواز خروج المزوجة من بيتها لحاجتها إذا أذن لها زوجها في ذلك أو علمت رضاه به واستدل به جماعات من أصحابنا وغيرهم على جواز القضاء على الغائب. قال أبو حنيفة وسائر الكوفيين لا يقضي عليه بشيء. وقال الشافعي يقضي عليه في حقوق الآدميين ولا يقضي في حدود الله تعالى. ولا يصح الاستدلال بهذا الحديث للمسئلة لأن هذه القضية كانت بمكة وكان أبو سفيان حاضرا بها وشرط القضاء على الغائب أن يكون غائبا عن البلد أو مستترا لا يقدر عليه أو متعذرا.

جامع الأحاديث: أَتَرْعَونَ عن ذكر الفاجر متى يعرفه الناس اذكروا الفاجر بما فيه يحذره الناس.
عون المعبود للابادي: ورد في الحديث: (اذكروا الفاجر بما فيه يحذره الناس ولا غيبة لفاسق).

من كانت لأخيه عنده مظلمة من عرض أو مال فليتحلله
************************************
كنز العمال: "من كانت لأخيه عنده مظلمة من عرض أو مال فليتحلله اليوم قبل أن يؤخذ منه يوم لا دينار ولا درهم، فإن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له عمل أخذ من سيئآت صاحبه، فجعلت عليه".
عمدة القاري شرح صحيح البخاري: (مظلمة من عرض أو مال فليتحلله): قوله فليتحلله: معناه يستوهبه ويقطع دعواه عنه لأن ما حرم الله من الغيبة لا يمكن تحليله. جاء رجل إلى ابن سيرين فقال اجعلني في حل فقد اغتبتك فقال إني لا أحل ما حرم الله تعالى ولكن ما كان من قبلنا فأنت في حل. ويقال معنى فليتحلله إذا سأله أن يجعله في حل يقال تحللته واستحللته. قوله: (قبل أن لا يكون دينار ولا درهم) يعني يوم القيامة. قوله: (إن كان له عمل صالح إلى آخره) معنى أخذ الحسنات والسيئات أن يجعل ثوابها لصاحب المظلمة ويجعل على الظالم عقوبة سيئاته.

وكان يحب موافقة أهل الكتاب
*********************

سنن الدارقطني: سمع أبا هريرة يقول: جاء الأسلمي نبي الله صلى الله عليه و سلم فشهد على نفسه أنه أصاب امرأة حراما أربع مرات كل ذلك يعرض عنه فأقبل في الخامسة فقال كلمة أنكتها قال نعم قال حتى غاب ذلك منها كما يغيب المرود في المكحلة والرشاء في البئر قال نعم قال هل تدري ما الزنى قال نعم أتيت منها حراما ما يأتي الرجل من امرأته حلالا قال فما تريد بهذا القول قال أريد أن تطهرني فأمر به النبي صلى الله عليه و سلم فرجم فسمع النبي صلى الله عليه و سلم رجلين من أصحابه يقول أحدهما لصاحبه أنظر إلى هذا الذي ستر الله عليه ولم تدعه نفسه حتى رجم رجم الكلاب فسكت النبي صلى الله عليه و سلم ثم سار ساعة حتى مر بجيفة حمار شائل برجله فقال أين فلان وفلان قالا نحن ذان يا رسول الله قال انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار قالا يا نبي الله غفر الله لك من يأكل من هذا قال ما نلتما من عرض أخيكما آنفا أشد من أكل الميتة والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها.
شرح عمدة الأحكام للمنجد: (الحكمة من شرعية الحدود): اولا: والحدود جعلها الله تعالى تطهيراً للعباد، وإقامتها فيه مصلحة كبيرة، وهذه المصلحة هي أمن الناس على محارمهم، وأمنهم على دمائهم وعلى أموالهم وعلى أعراضهم وعلى أديانهم. والعقوبة في الزنا هي: إن كان محصناً يرجم حتى يموت، وإن كان غير محصن يجلد مائة جلدة، ويغرب سنة عن بلده، والحكمة في ذلك: أولاً: الزجر عن هذا الذنب الكبير، والتحذير من سوء مغبته، فإنه من أكبر الذنوب.
ثانياً: الحرص على حفظ أعراض الناس وحفظ أنسابهم؛ لأنه إذا فشا الزنا اختلطت الأنساب، وفسدت الأعراض، وذهبت الغيرة والحماسة، والإنسان مأمور بأن يكون غيوراً على محارمه؛ لأنه إذا لم يكن كذلك وكان يقر الخنا في أهله لقب بالديوث، وفي الحديث: (لا يدخل الجنة ديوث)، وهو الذي يقر الخنا في أهله.

وإذا كان هناك من يقيم الحدود ومن يأخذ الحقوق أمن الناس، وأمنت البلاد واطمأنت، وأمن الناس على محارمهم، وصار المذنب أو العاصي يخاف على نفسه من مثل هذه العقوبة، ويفكر ويقول: ما فائدة من هذا الذنب الذي أقترفه؟ أصبر على نفسي وأصبر على قمع شهوتي ولا أتعرض للعذاب، ولا أتعرض للأذى، ولا أعرض نفسي لأن أقتل قتلاً شنيعاً، ونحو ذلك.
وقالوا: الحكمة في شرعية الرجم أنه لما عدل عن الحلال، وتلذذ جسمه كله بهذا الحرام الذي هو فعل هذه الفاحشة ناسب أن يُرجم، وأن يُؤلم جسده كله.
وأما كيفية الرجم فقيل: إنه يحفر له حفرة قدر ذراع أو نحوه، ثم يوقف فيها، وتربط يده من خلفه، ثم يأخذون حجارة ملء الكف، ثم يقذفونه بها، ويرمونه مع رأسه ومع بطنه ومع ظهره ومع عضديه ومع فخذيه، إلى أن تذلقه الحجارة وينصرع ويموت.
صحيح البخارى: سألت عبد الله بن أبي أوفى: هل رجم رسول الله صلى الله عليه و سلم؟ قال نعم قلت قبل سورة النور أم بعد؟ قال لا أدري. [ش: (قبل سورة النور) أي قبل نزول الآيات التي في سورة النور والتي تبين عقوبة الجلد للزاني. قال العيني قد وقع الدليل على أن الرجم وقع بعد سورة النور لأن نزولها كان في قصة الإفك واختلف هل كان سنة أربع أو خمس أو ست والرجم كان بعد ذلك وقد حضره أبو هريرة رضي الله عنه. وإنما أسلم سنة سبع].
فتح الباري لابن حجر: (قبل سورة النور أم بعد): وفائدة هذا السؤال أن الرجم ان كان وقع قبلها فيمكن أن يدعي نسخه بالتنصيص فيها على أن حد الزاني الجلد وان كان وقع بعدها فيمكن أن يستدل به على نسخ الجلد في حق المحصن.

ان نسخ الكتاب بالسنة فيه خلاف, وأجيب بأن الممنوع نسخ الكتاب بالسنة إذا جاءت من طريق الآحاد وأما السنة المشهورة فلا وأيضا فلا نسخ وانما هو مخصص بغير المحصن. وقد قام الدليل على أن الرجم وقع بعد سورة النور لأن نزولها كان في قصة الإفك وأختلف هل كان سنة أربع أو خمس أو ست على ما تقدم بيانه والرجم كان بعد ذلك فقد حضره أبو هريرة وانما أسلم سنة سبع وبن عباس إنما جاء مع أمه إلى المدينة سنة تسع.
صحيح البخارى: كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء. ثم فرق رسول الله صلى الله عليه و سلم رأسه. [ش: يحب موافقة أهل الكتاب) لأنهم أقرب إلى الحق من المشركين عبدة الأوثان وهذا فيما لابد فيه من موافقة أحد الفريقين أما ما أمكن فيه مخالفة الجميع فالمطلوب مخالفتهم فيه كما ثبت في أحاديث كثيرة الأمر بمخالفة أهل الكتاب والنهي عن اتباع طريقتهم].
فتح الباري لابن حجر: (وكان يحب موافقة أهل الكتاب) أي حيث كان عباد الأوثان كثيرين. قوله فيما لم يؤمر فيه بشيء أي فيما لم يخالف شرعه لأن أهل الكتاب في زمانه كانوا متمسكين ببقايا من شرائع الرسل فكانت موافقتهم أحب إليه من موافقة عباد الأوثان فلما أسلم غالب عباد الأوثان أحب صلى الله عليه و سلم حينئذ مخالفة أهل الكتاب واستدل به على أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يجيء في شرعنا ما يخالفه.
وأن الذي كان صلى الله عليه و سلم يفعله إنما هو لأجل استئلافهم فلما لم ينجع فيهم أحب مخالفتهم فكانت مستحبة لا واجبة عليه.

من لم يدع قول الزور والعمل به (الغاية البعد عن المحرماات)
******************************************

صحيح البخارى: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه). [ش (الزور) الكذب والميل عن الحق والعمل بالباطل والتهمة. (العمل به) العمل بمقتضاه مما نهى الله عنه. (فليس لله حاجة) أي إن الله تعالى لا يلتفت إلى صيامه ولا يقبله].
كنز العمال: ما صام من ظل يأكل لحوم الناس.
عمدة القاري شرح صحيح البخاري: من لم يدع قول الزور والعمل به الذي هو من أكبر الكبائر وهو متلبس به فماذا يصنع بصومه وذلك كما يقال أفعال البر يفعلها البر والفاجر ولا يجتنب النواهي إلا صديق.
شرح سنن ابن ماجه: المقصود من إيجاب الصوم ومشروعيته ليس نفس الجوع والعطش بل ما يتبعه من كسر الشهوات وإطفاء نائرة الغضب وتطويع النفس الامارة للنفس المطمئنة فإذا لم يحصل له شيء من ذلك ولم يكن له من صيامه الا الجوع والعطش لم يبال الله تعالى بصومه ولم ينظر اليه نظر قبول. وقوله فلا حاجة لله مجاز عن عدم الالتفات له والقبول بنفي السبب وإرادة المسبب.
فالصوم ليس غاية قي ذاته بل وسيلة الي طهر النفس, والبعد بها عن الرزائل, وكذا كافة العبادات.

ضرورة البعد عن الغيبة والبهتان
************************
صحيح مسلم: عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "أتدرون ما الغيبة؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم. قال "ذكرك أخاك بما يكره" قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال "إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبته. وإن لم يكن فيه، فقد بهته".
شرح النووي على مسلم: (الغيبة ذكرك أخاك بما يكره قيل أفرأيت ان كان في أخي ما أقول قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فقد بهته) البهتان وهو الباطل والغيبة ذكر الانسان في غيبته بما يكره واصل البهت أن يقال له الباطل في وجهه وهما حرامان.

ولكن تباح الغيبة لغرض شرعي وذلك لستة أسباب: أحدها: التظلم فيجوز للمظلوم أن يتظلم الي السلطان والقاضي وغيرهما ممن له ولاية أو قدرة علي انصافه من ظالمه فيقول ظلمني فلان أو فعل بي كذا.
الثاني: الاستغاثة على تغيير المنكر ورد العاصي إلى الصواب فيقول لمن يرجو قدرته فلان يعمل كذا فازجره عنه.
الثالث: الاستفتاء بأن يقول للمفتي ظلمني فلان أو أبي أو أخي أو زوجي بكذا فهل له ذلك وما طريقي في الخلاص منه ودفع ظلمه عني ونحو ذلك فهذا جائز للحاجة والاجود أن يقول في رجل أو زوج أو والد وولد كان من أمره كذا ومع ذلك فالتعيين جائز لحديث هند وقولها أن أبا سفيان رجل شحيح.
الرابع: تحذير المسلمين من الشر وذلك من وجوه منها جرح المجروحين من الرواة والشهود والمصنفين وذلك جائز بالاجماع بل واجب صونا للشريعة ومنها الاخبار بعيبه عند المشاورة في مواصلته ومنها اذا رأيت من يشتري شيئا معيبا أو عبدا سارقا أو زانيا أو شاربا أو نحو ذلك تذكره للمشتري اذا لم يعلمه نصيحة لا بقصد الايذاء والافساد ومنها اذا رأيت متفقها يتردد إلى فاسق أو مبتدع يأخذ عنه علما وخفت عليه ضرره فعليك نصيحته ببيان حاله قاصدا النصيحة ومنها أن يكون له ولاية لا يقوم بها على وجهها لعدم أهليته أو لفسقه فيذكره لمن له عليه ولاية ليستدل به على حاله فلا يغتر به ويلزم الاستقامة.
الخامس: أن يكون مجاهرا بفسقه أو بدعته كالخمر ومصادرة الناس وجباية المكوس وتولي الامور الباطلة فيجوز ذكره بما يجاهر به ولا يجوز بغيره الا بسبب آخر.
السادس: التعريف فاذا كان معروفا بلقب كالاعمش والاعرج والازرق والقصير والاعمى والاقطع ونحوها جاز تعريفه به ويحرم ذكره به تنقصا ولو أمكن التعريف بغيره كان أولى.

الوصية بعدم تتبع عورات المسلمين والبعد عن الطيرة والظن والحسد إياكم والظن
و (ولا تنابزوا بالألقاب)
*****************************************************

شعب الإيمان: عن أبي برزة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان في قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتكم فإنه من يتبع عورات المسلمين يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضح وهو في بيته
عون المعبود للابادي: (يتبع الله عورته) ذكره على سبيل المشاكلة أي يكشف عيوبه وهذا في الآخرة. وقيل معناه يجازيه بسوء صنيعه (يفضحه) من فضح كمنع أي يكشف مساويه (في بيته) أي ولو كان في بيته مخفيا من الناس.
مشكل الآثار للطحاوي: أن رسول الله عليه السلام قال: «إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم»
صحيح ابن حبان: عن معاوية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: (إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم) قال: يقول أبو الدرداء كلمة سمعها معاوية من رسول الله صلى الله عليه و سلم نفعه الله بها.
فتح الباري لابن حجر: عن النبي صلى الله عليه و سلم ثلاثة لا يسلم منهن أحد الطيرة والظن والحسد فإذا تطيرت فلا ترجع وإذا حسدت فلا تبغ وإذا ظننت فلا تحقق. وعن أبي هريرة رفعه: إذا تطيرتم فامضوا وعلى الله فتوكلوا. وعن أبي الدرداء رفعه: لن ينال الدرجات العلاء من تكهن أو استقسم أو رجع من سفر تطيرا.
وعن بن مسعود رفعه: الطيرة شرك وما منا الا تطير ولكن الله يذهبه بالتوكل.
وإنما جعل ذلك شركا لاعتقادهم أن ذلك يجلب نفعا أو يدفع ضرا فكأنهم أشركوه مع الله تعالى. وقوله ولكن الله يذهبه بالتوكل إشارة إلى أن من وقع له ذلك فسلم لله ولم يعبأ بالطيرة أنه لا يؤاخذ بما عرض له من ذلك. وأخرج البيهقي في الشعب من حديث عبد الله بن عمرو موقوفا من عرض له من هذه الطيرة شيء فليقل
صحيح البخارى: قال أبو هريرة يأثر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تباغضوا وكونوا إخوانا ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك).

عمدة القاري شرح صحيح البخاري: وأن صفية بنت حيي أنت النبي فقالت إن النساء يعيرنني ويقلن يا يهودية بنت يهوديين فقال هلا قلت إن أبي هارون وعمي موسى وإن زوجي محمد فنزلت هذه الآية قوله ولا تلمزوا أنفسهكم للمز الطعن والضرب باللسان ومعناه لا تفعلوا ما تلمزون به لأن من فعل ما استحق به اللمز فقد لمن نفسه حقيقة قوله ولا تنابزوا بالألقاب التنابز بالألقاب التداعي بها تفاعل من نبزه والنبز اللقب السوء ولما قدم النبي المدينة وجدهم بألقاب يدعون بها فجعل الرجل يدعو الرجل بلقبه فقيل يا رسول الله إنهم يكرهون هذا فنزلت ولا تنابزوا بالألقاب واللقب المنهي عنه هو اللقب السوء وأما اللقب الذي فيه التنويه بالحسن فلا بأس به كما قيل لأبي بكر عتيق ولعمر فاروق ولعثمان ذو النورين ولعلي أبو تراب ولخالد سيف الله ونحو ذلك قوله بئس الإسم الفسوق أي بئس الإسم أن يقال يا يهودي يا نصراني وقد آمن وهو معنى قوله تعالى بعد الإيمان قوله ومن لم يتب أي من التنابز فأولئك هم الظالمون أي الضارون لأنفسهم بمعصيتهم.
شرح سنن ابن ماجه: (ولا تنابزوا بالألقاب) أي لا يدعى الرجل بالكفر بعد الإسلام. قال الحسن كان اليهودي والنصراني يسلم فيقال بعد إسلامه يا يهودي يا نصراني فنهوا عن ذلك. وقال البيضاوي أي ان لا يدع بعضكم بعضا باللقب السؤ فإن النهي مختص باللقب السوء عرفا. وروى ان الآية نزلت في صفية بنت حيي اتت رسول الله فقالت ان النساء يقلن لي يا يهودية بنت يهوديين فقال لها هل ما قلت ان أبي هارون وعمي موسى وزوجي محمد صلى الله عليه و سلم.

إذا كان أحدكم مادحا صاحبه لا محالة، فليقل: أحسب فلانا
****************************************

صحيح مسلم: عن عبدالرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه، قال: مدح رجل رجلا، عند النبي صلى الله عليه وسلم قال، فقال "ويحك! قطعت عنق صاحبك. قطعت عنق صاحبك" مرارا " إذا كان أحدكم مادحا صاحبه لا محالة، فليقل: أحسب فلانا. والله حسيبه. ولا أزكي على الله أحدا. أحسبه، إن كان يعلم ذاك، كذا وكذا".
شرح النووي على مسلم: (قطعت عنق صاحبك) وفى رواية قطعتم ظهر الرجل معناه أهلكتموه وهذه استعارة من قطع العنق الذى هو القتل لاشتراكهما فى الهلاك لكن هلاك هذا الممدوح فى دينه وقد يكون من جهة الدنيا لما يشتبه عليه من حاله بالإعجاب.
عون المعبود للابادي: (قطعت عنق صاحبك) أي أهلكته لأن من يقطع عنقه يهلك. قال النووي لكن هلاك هذا الممدوح في دينه وقد يكون من جهة الدنيا لما يشتبه عليه من حاله بالإعجاب.
والمعنى أن المدح الذي يريد المادح أن يقول في حق الممدوح فلا يقطع في حقه بل يقول إني أظنه كذا وكذا.

ثلاث يصفين لك من ود أخيك - وثلاث من الغي
*********************************
شعب الإيمان: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثلاث يصفين لك من ود أخيك: أن تسلم عليه إذا لقيت و توسع له في المجلس و تدعوه بأحب أسمائه إليه وثلاث من الغي: تجد على الناس فيما تأتي و ترى من الناس ما يخفى عليك من نفسك و أن تؤذي جليسك فيما لا يعنيك.
فيض القدير للمناوى: (ثلاث يصفين لك ود أخيك) في الإسلام (تسلم عليه إذا لقيته) في نحو طريق (وتوسع له في المجلس) إذا قدم عليك وأنت جالس فيه (وتدعوه بأحب الأسماء إليه) من اسم أو كنية أو لقب.
وثلاث من البغي تجد على الناس فيما تأتي وترى من الناس ما يخفى عليك من نفسك وتؤذي جليسك فيما لا يعنيك.

إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم
****************************
صحيح مسلم: عن أبي هريرة. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم. ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم".

فيض القدير للمناوى: (إن الله لا ينظر إلى صوركم) أي لا يجازيكم على ظاهرها (ولا إلى أموالكم) الخالية من الخيرات أي لا يثيبكم عليها ولا يقربكم منه (ولكن إنما ينظر إلى قلوبكم) التي هي محل التقوى وأوعية الجواهر وكنوز المعرفة (وأعمالكم). (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا) [الكهف: 11] فمعنى النظر هنا الإحسان والرحمة والعطف ومعنى نفيه نفي ذلك فعبر عن الكائن عند النظر بالنظر مجازا وذلك لأن النظر في الشاهد دليل المحبة وترك النظر دليل البغض والكراهية وميل الناس إلى الصور المعجبة والأموال الفائقة والله منزه عن ذلك فجعل نظره إلى ما هو السر والب وهو القلب والعمل.
والجمال قسمان: ظاهري وباطني, كجمال علم وعقل وكرم وهذا هو محل نظر الله من غيره، وموضع محبته فيرى صاحب الجمال الباطني فيكسوه من الجمال والمهابة والحلاوة بحسب ما اكتسبت روحه من تلك الصفات فإن المؤمن يعطي حلاوة ومهابة بحسب إيمانه فمن رآه هابه ومن خالطه أحبه وإن كان أسود مشوها وهذا أمر مشهود للعيان.
(تنبيه) قال الغزالي قد أبان هذا الحديث أن محل القلب موضع الرب فيا عجبا ممن يهتم بوجهه الذي هو نظر الخلق فيغسله وينظفه من القذر والدنس ويزينه بما أمكن لئلا يطلع فيه مخلوق على عيب ولا يهتم بقلبه الذي هو محل نظر الخالق فيطهره ويزينه لئلا يطلع ربه على دنس أو غيره فيه.

صحيح الترغيب والترهيب: وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره التقوى ههنا التقوى ههنا التقوى ههنا ويشير إلى صدره بحسب امرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله.

صحيح مسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين، ويوم الخميس. فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا. إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء. فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا. أنظروا هذين حتى يصطلحا. أنظروا هذين حتى يصطلحا".
شرح النووي على مسلم: (تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس) معنى فتحها كثرة الصفح والغفران ورفع المنازل واعطاء الثواب الجزيل.
قال القاضي ويحتمل أن يكون على ظاهره وأن فتح أبوابها علامة لذلك قوله صلى الله عليه و سلم (اركوا هذين حتى يصطلحا. (اركوا) هو بالراء الساكنة وضم الكاف والهمزة في أوله همزة وصل: أي أخروا.
ومن قولهم أركيت الامر اذا أخرته. والشحناء العداوة كأنه شحن بغضا له. وأنظروا هذين: أخروهما حتى يفيئا أي يرجعا إلى الصلح والمودة.

أول خلع كان في الإسلام امرأة ثابت بن قيس
*****************************
صحيح البخارى: جاءت امرأة ثابت بن قيس بن شماس إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقالت يا رسول الله ما أنقم على ثابت في دين ولا خلق إلا أني أخاف الكفر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم (فتردين عليه حديقته). قالت نعم فردت عليه وأمره ففارقها.
فتح الباري لابن حجر: عن بن عباس أول خلع كان في الإسلام امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه و سلم فقالت يا رسول الله لا يجتمع رأسي ورأس ثابت أبدا إني رفعت جانب الخباء فرأيته أقبل في عدة فإذا هو أشدهم سوادا وأقصرهم قامة وأقبحهم وجها فقال اتردين عليه حديقته قالت نعم وأن شاء زدته ففرق بينهما.

وهي كانت تعرف أن ذلك حرام لكن خشيت أن تحملها شدة البغض على الوقوع فيه ويحتمل أن تريد بالكفر كفران العشير إذ هو تقصير المرأة في حق الزوج. والمعنى أخاف على نفسي في الإسلام ما ينافي حكمة من نشوز وفرك وغيره مما يتوقع من الشابة الجميلة المبغضة لزوجها إذا كان بالضد منها فأطلقت على ما ينافي مقتضى الإسلام الكفر ويحتمل أن يكون في كلامها إضمار أي إكراه لوازم الكفر من المعاداة والشقاق والخصومة.

شعب الإيمان: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: مثل المؤمنين في تراحمهم و توادهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالحمى و السهر.
)))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: لم تقولون ما لا تفعلون
هل ادلكم علي تجارة تنجيكم من عذاب اليم
*****************************
= ليس هناك نسخ نصوص ايات قرانية بعد النزول, ولكن النسخ نسخ احكام

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ [الصف: 2]}}.
سورة الصف مدنية في قول الجميع. وقيل: وعن ابن عباس إنها مكية.
تفسير القرطبي: "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون": عن أبي سلمة عن عبدالله بن سلام قال: قعدنا نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتذاكرنا فقلنا: لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله تعالى لعملناه؛ فأنزل الله تعالى: "سبح لله ما قي السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم" .... حتى ختمها. قال عبدالله: فقرأها علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ختمها. وعن عبدالله بن رواحة: لو علمنا أحب الأعمال إلى الله لعملناه؛ فلما نزل الجهاد كرهوه.

وقال المؤمنون يا رسول الله، لو نعلم أحب الأعمال إلى الله لسارعنا إليها؛ فنزلت "هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم" [الصف: 10] فمكثوا زمانا يقولون: لو نعلم ما هي لاشتريناها بالأموال والأنفس والأهلين؛ فدلهم الله تعالى عليها بقول: "تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم" [الصف: 11] الآية. فابتلوا يوم أحد ففروا؛ فنزلت تعيرهم بترك الوفاء.
وقال محمد بن كعب: لما أخبر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بثواب شهداء بدر قالت الصحابة: اللهم أشهد! لئن لقينا قتالا لنفرغن فيه وسعنا؛ ففروا يوم أحد فعيرهم الله بذلك. وقال قتادة والضحاك: نزلت في قوم كانوا يقولون: نحن جاهدنا وأبلينا ولم يفعلوا. وقال صهيب: كان رجل قد آذى المسلمين يوم بدر وأنكاهم فقتلته. فقال رجل يا نبي الله، إني قتلت فلانا، ففرح النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
فقال عمر بن الخطاب وعبدالرحمن بن عوف: يا صهيب، أما أخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنك قتلت فلانا! فإن فلانا انتحل قتله؛ فأخبره فقال: (أكذلك يا أبا يحيى)؟ قال نعم، والله يا رسول الله؛ فنزلت الآية في المنتحل. وقال ابن زيد: نزلت في المنافقين؛ كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه: إن خرجتم وقاتلتم خرجنا معكم وقاتلنا؛ فلما خرجوا نكصوا عنهم وتخلفوا. هذه الآية توجب على كل من ألزم نفسه عملا فيه طاعة أن يفي بها.
عن أبي موسى أنه بعث إلى قراء أهل البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرؤوا القرآن؛ فقال: أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم، فاتلوه ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم.

ليس هناك نسخ نصوص ايات قرانية بعد النزول, ولكن النسخ نسخ احكام:
*************************************************

{{وإنا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة بـ "براءة" فأنسيتها؛ غير أني قد حفظت منها "لو كان لابن آدم واديان من مال لأبتغى واديا ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب"}}.
وكنا نقرأ سورة كنا نشبهها بإحدى المسبحات فأنسيتها؛ غير أني حفظت منها: "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون" فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة.

قال النخعي: ثلاث آيات منعتني أن أقص على الناس "أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم" [البقرة: 44]، "وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه" [هود: 88]، "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون".
"لم تقولون ما لا تفعلون" استفهام على جهة الإنكار والتوبيخ، على أن يقول الإنسان عن نفسه من الخير ما لا يفعله. أما في الماضي فيكون كذبا، وأما في المستقبل فيكون خلفا، وكلاهما مذموم. وتأول سفيان بن عيينة قوله تعالى: "لم تقولون ما لا تفعلون" أي لم تقولون ما ليس الأمر فيه إليكم، فلا تدرون هل تفعلون أو لا تفعلون. فعلى هذا يكون الكلام محمولا على ظاهره في إنكار القول. "كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون".

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الصف: 10]}}.
{{تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الصف: 11]}}.
{{يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [الصف: 12]}}.
تفسير القرطبي:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما يجد الشهيد من القتل إلا كما يجد أحدكم من القرحة).

عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا قال: يا رسول الله، ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ قال: (كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة).
= من قتل من المسلمين يوم أحد: منهم حمزة واليمان والنضر بن أنس ومصعب بن عمير.
وعن قتادة قال: ما نعلم حيا من أحياء العرب أكثر شهيدا أعز يوم القيامة من الأنصار أنه قتل منهم يوم أحد سبعون، ويوم بئر معونة سبعون، ويوم اليمامة سبعون.
وقال أنس: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعلي بن أبي طالب وبه نيف وستون جراحة من طعنة وضربة ورمية، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يمسحها وهي تلتئم بإذن الله تعالى كأن لم تكن.

تفسير الطبري: (تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) ولم يقل: أن تؤمنوا، لأن العرب إذا فسرت الاسم بفعل تثبت في تفسيره أن أحيانًا، وتطرحها أحيانًا، فتقول للرجل: هل لك في خير تقوم بنا إلى فلان فنعوده؟ هل لك في خير أن تقوم إلى فلان فنعوده؟، بأن وبطرحها.

صحيح البخارى: {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون. كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون. إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص} (الصف 2 - 4). [ش (إنما. .) أي تقاتلون وأنتم متلبسون بأعمالكم فإن كانت صالحة كافأكم الله تعالى عليها بالنصر. (كبر) عظم. (مقتا) بغضا شديدا. (صفا) صافين أنفسهم. (مرصوص) ثابت من غير فرجة بين لبناته]

صحيح مسلم: (أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال) فقام رجل فقال: يا رسول الله! أرأيت إن قتلت في سبيل الله تكفر عني خطاياي؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم. إن قتلت في سبيل الله، وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كيف قلت؟) قال: أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفر عني خطاياي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم. وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر. إلا الدين. فإن جبريل عليه السلام، قال لي ذلك).
)))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))

وقفة مع: لا تلهكم اموالكم ولا اولادكم عن ذكر الله
**********************************
= حذر المؤمنين من أخلاق المنافقين؛ أي لا تشتغلوا بأموالكم كما فعل المنافقون
= فما يوجب الزكاة؟ قال: إذا بلغ المال مائتين فصاعدا. قال: فما يوجب الحج؟ قال: الزاد والراحلة.
= والوعيد لا يدخل في المسائل المجتهد فيها ولا المختلف عليها، وإنما يدخل في المتفق عليه.
= "وأكون" عطف على "فأصدق" وهي قراءة ابن عمرو. وقرأ الباقون "وأكن"
= (والله خبير بما تعملون) من خير وشر. وقراءة العامة بالتاء: (تعملون) على الخطاب. وقرأ أبو بكر عن عاصم بالياء: (يعملون) على الخبر عمن مات وقال هذه المقالة.
= والفتنة نوعان: أحدهما: خاصة، تختص بالرجل في نفسه. والثاني: عامة، تعم الناس.
= فإذا حصل للأنسان شيء من هذه الفتن الخاصة، ثم صلى أو صام أو تصدق أو أمر بمعروف أو نهى عن منكر كان ذلك كفارةً له
= صريح الإيمان إذا أسأت أو ظلمت أحداً: عبدك أو أمتك، أو واحداً من الناس، صمت أو تصدقت وإذا أحسنت استبشرت
= ((فالفتنة الخاصة)) - ((وأماالفتن العامة))
= "تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا. فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء
= فقال يا رسول الله ما يوجب الحج قال الزاد والراحلة

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [المنافقون: 9]}}.
تفسير القرطبي: حذر المؤمنين من أخلاق المنافقين؛ أي لا تشتغلوا بأموالكم كما فعل المنافقون إذ قالوا للشح بأموالهم: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتي ينفضوا. و"عن ذكر الله" أي عن الحج والزكاة. وقيل: عن قراءة القرآن. وقيل: عن إدامة الذكر. وقيل: عن الصلوات الخمس. وقال الحسن: وعن جميع الفرائض كأنه قال عن طاعة الله.

وقيل: هو خطاب للمنافقين؛ أي آمنتم بالقول فآمنوا بالقلب. "ومن يفعل ذلك" أي من يشتغل بالمال والولد عن طاعة ربه "فأولئك هم الخاسرون".

= {{وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ [المنافقون: 10]}}.
تفسير القرطبي: (وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت) يدل على وجوب تعجيل أداء الزكاة، ولا يجوز تأخيرها أصلا. وكذلك سائر العبادات إذا تعين وقتها. "فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين" سأل الرجعة إلى الدنيا ليعمل صالحا.
وعن ابن عباس قال: من كان له مال يبلغه حج بيت ربه أو تجب عليه فيه زكاة فلم يفعل، سأل الرجعة عند الموت. فقال رجل: يا ابن عباس، اتق الله، إنما سأل الرجعة الكفار. فقال: سأتلوا عليك بذلك قرانا: "يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون. وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين إلى قوله والله خبير بما تعملون". قال: فما يوجب الزكاة؟ قال: إذا بلغ المال مائتين فصاعدا. قال: فما يوجب الحج؟ قال: الزاد والراحلة.

قال ابن العربي: أخذ ابن عباس بعموم الآية في إنفاق الواجب خاصة دون النفل؛ فأما تفسيره بالزكاة فصحيح كله عموما وتقديرا بالمائتين. وأما القول في الحج ففيه إشكال؛ لأنا إن قلنا: إن الحج على التراخي ففي المعصية في الموت قبل الحج خلاف بين العلماء؛ فلا تخرج الآية عليه. وإن قلنا: إن الحج على الفور فالآية في العموم صحيح؛ لأن من وجب عليه الحج فلم يؤده لقي من الله ما يود أنه رجع ليأتي بما ترك من العبادات. وأما تقدير الأمر بالزاد والراحلة ففي ذلك خلاف مشهور بين العلماء. وليس لكلام ابن عباس فيه مدخل؛ لأجل أن الرجعة والوعيد لا يدخل في المسائل المجتهد فيها ولا المختلف عليها، وإنما يدخل في المتفق عليه. والصحيح تناوله للواجب من الإنفاق كيف تصرف بالإجماع أو بنص القرآن؛ لأجل أن ما عدا ذلك لا يتطرق إليه تحقيق الوعيد.
قوله تعالى: "لولا" أي هلا؛ فيكون استفهاما. وقيل: "لا" صلة؛ فيكون الكلام بمعنى التمني. "فأصدق" "وأكون" عطف على "فأصدق" وهي قراءة ابن عمرو. وقرأ الباقون "وأكن" بالجزم عطفا على موضع الفاء؛ لأن قوله: "فأصدق" لو لم تكن الفاء لكان مجزوما؛ أي أصدق. ومثله: "من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم" [الأعراف: 186] فيمن جزم.
قال ابن عباس: هذه الآية أشد على أهل التوحيد؛ لأنه لا يتمنى الرجوع في الدنيا أو التأخير فيها أحد له عند الله خير في الآخرة. قلت: إلا الشهيد فإنه يتمنى الرجوع حتى يقتل، لما يرى من الكرامة.
(والله خبير بما تعملون) من خير وشر. وقراءة العامة بالتاء: (تعملون) على الخطاب. وقرأ أبو بكر عن عاصم بالياء: (يعملون) على الخبر عمن مات وقال هذه المقالة.

لا تلهكم اموالكم
**************

سنن الترمذى: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: من كان له مال يبلغه حج بيت ربه أو تجب عليه فيه الزكاة فلم يفعل سأل الرجعة عند الموت فقال رجل يا ابن عباس اتق الله إنما سأل الرجعة الكفار؟ قال سأتلو عليك بذلك قرآنا {يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله} {وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت} إلى قوله {والله خبير بما تعملون} قال فما يوجب الزكاة؟ قال إذاب بلغ المال مائتي درهم فصاعدا قال فما وجب الحج؟ قال الزاد والبعير.
شعب الإيمان: {يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم و لا أولادكم عن ذكر الله} قال: هي الصلاة المكتوبة.

فتح الباري لابن رجب: والفتنة نوعان: أحدهما: خاصة، تختص بالرجل في نفسه. والثاني: عامة، تعم الناس.
((فالفتنة الخاصة)):
*********************
ابتلاء الرجل في خاصة نفسه بأهله وماله وولده وجاره، وقد قال [تعالى]: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن: 15]؛ فإن ذلك غالباً يلهي عن طلب الآخرة والاستعداد لها، ويشغل عن ذلك.
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر، ورأى الحسن والحسين يمشيان ويعثران

وهما صغيران، نزل فحملهما، ثم قال: ((صدق الله ورسوله، {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} إني رأيت هذين الغلامين يمشيان ويعثران فلم أصبر)). وقد ذم الله تعالى من ألهاه ماله وولده عن ذكره، فقال: {لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون: 9]. فظهر بهذا: أن الأنسان يبتلى بماله وولده وأهله وبجاره المجاور له، ويفتتن بذلك، فتارةً يلهيه الاشتغال به عما ينفعه في آخرته، وتارةً تحمله محبته على أن يفعل لأجله بعض ما لا يحبه الله، وتارةً يقصر في حقه الواجب عليه، وتارةً يظلمه ويأتي إليه ما يكرهه الله من قول أو فعل، فيسأل عنه ويطالب به.
فإذا حصل للأنسان شيء من هذه الفتن الخاصة، ثم صلى أو صام أو تصدق أو أمر بمعروف أو نهى عن منكر كان ذلك كفارةً له، وإذا كان الأنسان تسوؤه سيئته، ويعمل لأجلها عملاً صالحاً كان ذلك دليلاً على إيمانه. وعن رجل سأل النبي - صلى الله عليه وسلم -: ما الإيمان يا رسول الله؟ قال: ((أن تؤمن بالله ورسوله))، فأعادها ثلاثا، فقال له في الثالثة: ((أتحب أن أخبرك ما صريح الإيمان؟)) فقال: ذلك الذي أردت. فقال: ((إن صريح الإيمان إذا أسأت أو ظلمت أحداً: عبدك أو أمتك، أو واحداً من الناس، صمت أو تصدقت وإذا أحسنت استبشرت)).
((وأماالفتن العامة)):
****************
فهي التي تموج موج البحر، وتضطرب، ويتبع بعضها بعضاً كأمواج البحر، فكان أولهما فتنة قتل عثمان - رضي الله عنه-، وما نشأ منها من افتراق قلوب المسلمين، وتشعب أهوائهم وتكفير بعضهم بعضاً، وسفك بعضهم دماء بعض، وكان الباب المغلق الذي بين الناس وبين الفتن عمر- رضي الله عنه -، وكان قتل عمر كسراً لذلك الباب، فلذلك لم يغلق ذلك الباب بعده أبداً.

وكان حذيفة أكثر الناس سؤالاً للنبي - صلى الله عليه وسلم - عن الفتن، وأكثر الناس علماً بها، فكان عنده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - علم بالفتن العامة والخاصة، وهو حدث عمر تفاصيل الفتن العامة، وبالباب الذي بين الناس وبينها، وأنه هو عمر، ولهذا قال: إني حدثته حديثاً ليس بالأغاليط، والأغاليط:
هي التي يغالط بها، واحدها: أغلوطة ومغلطة، والمعنى: أنه حدثه حديثاً حقاً، ليس فيه مرية، ولا إيهام.
وقد كانت الصحابة تعرف في زمان عمر أن بقاء عمر أمان للناس من الفتن.
وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمى عمر: غلق الفتنة، وقال: ((لا يزال بينكم وبين الفتنة باب شديد الغلق ما عاش هذا بين أظهركم)).

صحيح مسلم: عن حذيفة؛ قال: كنا عند عمر. فقال: أيكم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الفتن؟ فقال قوم: نحن سمعناه. فقال: لعلكم تعنون فتنة الرجل في أهله وجاره؟ قالوا: أجل. قال: تلك تكفرها الصلاة والصيام والصدقة. ولكن أيكم سمع النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الفتن التي تموج موج البحر. قال حذيفة: فأسكت القوم. فقلت: أنا. قال: أنت، لله أبوك! قال حذيفة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا. فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء. وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء. حتى تصير على قلبين، على أبيض مثل الصفا. فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض. والآخر أسود مربادا، كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا. إلا ما أشرب من مراه".
قال حذيفة: وحدثته؛ أن بينك وبينها بابا مغلقا يوشك أن يكسر. قال عمر: أكسرا، لا أبا لك! فلو أنه فتح لعله كان يعاد. قلت: لا. بل يكسر. وحدثته؛ أن ذلك الباب رجل يقتل أو يموت. حديثا ليس بالأغاليط.
((ما أسود مربادا؟ قال: شدة البياض في سواد. قال، قلت: فما الكوز مجخيا؟ قال: منكوسا)).

صحيح ابن ماجة: عن ابن عمر قال قام رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله ما يوجب الحج قال الزاد والراحلة. قال يا رسول الله فما الحاج قال الشعث التفل. وقام آخر فقال يا رسول الله ما الحج قال العج والثج. (العج العجيج بالتلبية والثج نحر البدن).
فقه السنة للسيد سابق: لايجاب الحج الزاد والراحلة لمن نأت داره فمن لم يجد زادا ولا راحلة فلا حج عليه. قال ابن تيمية: فهذه الاحاديث - مسندة من طرق حسان، ومرسلة، وموقوفة - تدل على أن مناط الوجوب الزاد والراحلة، مع علم النبي صلى الله عليه وسلم أن كثيرا من الناس يقدرون على المشي. وأيضا فإن الله قال: في الحج: " من استطاع إليه سبيلا " إما أن يعني القدرة المعتبره في جميع العبادات - وهو مطلق المكنة - أو قدرا زائدا على ذلك، فإن كان المعتبر الاول لم تحتج إلى هذا التقييد، كما لم يحتج إليه في آية الصوم والصلاة فعلم أن المعتبر قدر زائدا على ذلك، وليس هو إلا المال.

صريح الايمان
***************
صحيح مسلم: جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به. قال: "وقد وجدتموه؟ " قالوا: نعم. قال" ذاك صريح الإيمان".
صحيح ابن حبان: عن أبي هريرة أنهم قالوا: يا رسول الله إنا لنجد في أنفسنا شيئا لأن يكون أحدنا حممة أحب إليه من أن يتكلم به قال: (ذاك محض الإيمان). قال أبو حاتم رضي الله عنه: إذا وجد المسلم في قلبه أو خطر بباله من الأشياء التي لا يحل له النطق بها من كيفية الباري جل وعلا أو ما يشبه هذه فرد ذلك على قلبه بالإيمان الصحيح وترك العزم على شيء منها كان رده إياها من الإيمان بل هو من صريح الإيمان لا أن خطرات مثلها من الإيمان.
فتح الباري لابن حجر: لا يجد العبد صريح الإيمان حتى يحب لله ويبغض لله.

لا يزال الشيطان يأتي أحدكم فيقول من خلق كذا من خلق كذا حتى يقول من خلق الله فإذا وجد ذلك أحدكم فليقل آمنت بالله. وفي رواية/ (ذاك صريح الإيمان).
شرح النووي على مسلم: (باب بيان الوسوسة فى الايمان وما يقوله من وجدها): جاء ناس من أصحاب النبى صلى الله عليه و سلم فسألوه انا نجد فى أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به قال وقد وجدتموه قالوا نعم قال ذاك صريح الايمان). وفى الرواية (سئل النبى صلى الله عليه و سلم عن الوسوسة فقال تلك محض الايمان). وفى الحديث الآخر (لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا خلق الله الخلق فمن خلق الله فمن وجد من ذلك شيئا فليقل آمنت بالله). وفى الرواية الاخرى (فليقل آمنت بالله ورسله). وفى الرواية الاخرى (يأتى الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا وكذا حتى يقول له من خلق ربك فاذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته).
أما معانى الأحاديث وفقهها: فقوله صلى الله عليه و سلم ذلك صريح الايمان ومحض الايمان معناه استعظامكم الكلام به هو صريح الايمان فان استعظام هذا وشدة الخوف منه ومن النطق به فضلا عن اعتقاده انما يكون لمن استكمل الايمان استكمالا محققا وانتفت عنه الريبة والشكوك. والشيطان انما يوسوس لمن أيس من اغوائه فينكد عليه بالوسوسة لعجزه عن اغوائه وأما الكافر فانه يأتيه من حيث شاء ولا يقتصر فى حقه على الوسوسة بل يتلاعب به كيف أراد.
وأن الخواطر على قسمين: فأما التى ليست بمستقرة ولا اجتلبتها شبهة طرأت فهي التى تدفع بالاعراض عنها وعلى هذا يحمل الحديث وعلى مثلها ينطلق اسم الوسوسة فكأنه لما كان أمرا طارئا بغير أصل دفع بغير نظر فى دليل اذلا أصل له ينظر فيه.
وأما الخواطر المستقرة التى أوجبتها الشبهة فانها لا تدفع الا بالاستدلال والنظر فى ابطالها.

شعب الإيمان: عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن.

وقيل للقمان أي الناس أغنى قال: من رضي بما أعطى قيل: فأي الناس خير؟ قال: الغني قيل: غنى المال؟ قال: لا ولكن الذي إذا طلب عنده خير وجد قيل: فأي الناس شر؟ قال: الذي لا يبالي أن يراه الناس مسيئا.
فتح الباري لابن رجب: ((أتحب أن أخبرك ما صريح الإيمان؟)) فقال: ذلك الذي أردت. فقال: ((إن صريح الإيمان إذا أسأت أو ظلمت أحداً: عبدك أو أمتك، أو واحداً من الناس، صمت أو تصدقت وإذا أحسنت استبشرت)).

مشكاة المصابيح: وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: " المؤمنون في الدنيا على ثلاثة أجزاء: الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذي يأمنه الناس على الناس على أموالهم وأنفسهم ثم الذي إذا أشرف على طمع تركه لله عز و جل ".

صحيح ابن خزيمة: عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: إن في الجنة لغرفا يرى ظهورها من بطونها و بطونها من ظهورها فقام أعرابي فقال: يا رسول الله لمن هي؟ قال: هي لمن قال طيب الكلام و أطعم الطعام و أدام الصيام و قام لله بالليل و الناس نيام.
شعب الإيمان: عن عمرو بن عنبسة قال أتيت النبي صلى الله عليه و سلم فقلت: ما الإسلام؟ قال: طيب الكلام و إطعام و الطعام قال: قلت: ما الإيمان؟ قال: الصبر و السماحة قلت: أي الإسلام أفضل؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه و يده قال: قلت: أي الإيمان أفضل؟ قال: الخلق الحسن.
))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: كونوا انصار الله
*********************
= قراة: (كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ - وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع "أنصارا لله" بالتنوين).
= وسماهم قتادة: أبا بكر وعمر وعلي وطلحة والزبير وسعد بن مالك وأبا عبيدة - واسمه عامر - وعثمان بن مظعون وحمزة بن عبدالمطلب؛ ولم يذكر سعيدا فيهم، وذكر جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين

= والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا فيكسر الصليب
= لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى ابن مريم. وصاحب جريج. وكان جريج رجلا عابدا
= ينزل حاكما بهذه الشريعة لا ينزل نبيا برسالة مستقلة وشريعة ناسخة بل هو حاكم من حكام هذه الامة
= كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبيه بأصبعه حين يولد غير عيسى بن مريم
= لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى ابن مريم. وصاحب جريج. وكان جريج رجلا عابدا
= لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق
= لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل ويتقارب الزمان وتظهر الفتن
= "لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله، الله".
= لا تقوم الساعة حتى يكثر الهرج
= لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه
= تعرض الفتن على القلوب عرض الحصير فأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء وأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء
= يكفرها الصلاة والصيام والصدقة

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ [الصف: 14]}}.
= قراة: (كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ - وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع "أنصارا لله" بالتنوين).

تفسير القرطبي: (كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ): أي كونوا حواريي نبيكم ليظهركم الله على من خالفكم كما أظهر حواريي عيسى على من خالفهم.

وقيل: في الكلام إضمار: أي قل لهم يا محمد كونوا أنصار الله. وقيل: هو ابتداء خطاب من الله؛ أي كونوا أنصارا كما فعل أصحاب عيسى فكانوا بحمد الله أنصارا وكانوا حواريين. والحواريون خواص الرسل. قال معمر: كان ذلك بحمد الله؛ أي نصروه وهم سبعون رجلا، وهم الذين بايعوه ليلة العقبة. وقيل: هم من قريش. وسماهم قتادة: أبا بكر وعمر وعلي وطلحة والزبير وسعد بن مالك وأبا عبيدة - واسمه عامر - وعثمان بن مظعون وحمزة بن عبدالمطلب؛ ولم يذكر سعيدا فيهم، وذكر جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين.
(كما قال عيسى ابن مريم للحواريين): وهم أصفياؤه اثنا عشر رجلا. وهم أول من آمن به من بني إسرائيل. وقال مقاتل: قال الله لعيسى إذا دخلت القرية فأت النهر الذي عليه القصارون فاسألهم النصرة، فأتاهم عيسى وقال: من أنصاري إلى الله؟ قالوا: نحن ننصرك. فصدقوه ونصروه. وقيل: أي من أنصاري فيما يقرب إلى الله. "قال الحواريون نحن أنصار الله".
(فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة) والطائفتان في زمن عيسى افترقوا بعد رفعه إلى السماء.
(فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين): فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم الذين كفروا بعيسى. (فأصبحوا ظاهرين) أي غالبين. قال ابن عباس: أيد الله الذين آمنوا في زمن عيسى بإظهار محمد على دين الكفار. وقال مجاهد: أيدوا في زمانهم على من كفر بعيسى. وقيل أيدنا الآن المسلمين على الفرقتين الضالتين، من قال كان الله فارتفع، ومن قال كان ابن الله فرفعه الله إليه؛ لأن عيسى ابن مريم لم يقاتل أحدا ولم يكن في دين أصحابه بعده قتال.
(فأصبحوا ظاهرين) غالبين بالحجة والبرهان؛ لأنهم قالوا فيما روي: ألستم تعلمون أن عيسى كان ينام والله لا ينام، وأن عيسى كان يأكل والله تعالى لا يأكل!.

وقيل: نزلت هذه الآية في رسل عيسى عليه الصلاة والسلام وكان الذي بعثهم عيسى من الحواريين والأتباع فطرس وبولس إلى رومية، واندراييس ومشى إلى الأرض التي يأكل أهلها الناس. وتوماس إلى أرض بابل من أرض المشرق. وفيلبس إلى قرطاجنة وهي أفريقية. ويحنس إلى دقسوس قرية أهل الكهف. ويعقوبس إلى أورشليم وهي بيت المقدس، وابن تلما إلى العرابية وهي أرض الحجاز. وسيمن إلى أرض البربر. ويهودا وبردس إلى الإسكندرية وما حولها. فأيدهم الله بالحجة. "فأصبحوا ظاهرين" أي عالين؛ من قولك: ظهرت على الحائط أي علوت عليه.

صحيح البخارى: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم (والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد). [ش: (ليوشكن) ليقربن وليسرعن. (مقسطا) عادلا. (يضع الجزية) يرفعها ولا يقبل من الناس إلا الإسلام وإلا قتلهم. (يفيض) يكثر ويستغني كل واحد من الناس بما في يده].
فتح الباري لابن حجر: فيكسر الصليب ويقتل الخنزير أي يبطل دين النصرانية بأن يكسر الصليب حقيقة ويبطل ما تزعمه النصارى من تعظيمه ويستفاد منه تحريم اقتناء الخنزير وتحريم أكله وأنه نجس لأن الشيء المنتفع به لا يشرع إتلافه وقد تقدم ذكر شيء من ذلك في أواخر البيوع ووقع للطبراني في الأوسط من طريق أبي صالح عن أبي هريرة فيكسر الصليب ويقتل الخنزير.
شرح النووي على مسلم: (حكما) أى ينزل حاكما بهذه الشريعة لا ينزل نبيا برسالة مستقلة وشريعة ناسخة بل هو حاكم من حكام هذه الامة والمقسط العادل يقال أقسط يقسط اقساطا فهو مقسط اذا عدل والقسط بكسر القاف العدل وقسط يقسط قسطا بفتح القاف فهو قاسط اذا جار وقوله صلى الله عليه و سلم (فيكسر الصليب) معناه يكسره حقيقة ويبطل ما يزعمه النصارى من تعظيمه وفيه دليل على تغيير المنكرات والآت الباطل وقتل الخنزير من هذا القبيل.

(ويضع الجزية) فالصواب فى معناه أنه لا يقبلها ولا يقبل من الكفار الا الاسلام ومن بذل منهم الجزية لم يكف عنه بها بل لا يقبل الا الاسلام أو القتل.
(ويفيض المال) ومعناه يكثر وتنزل البركات وتكثر الخيرات بسبب العدل
وعدم التظالم وتقىء الأرض أفلاذ كبدها. وتقل أيضا الرغبات لقصر الآمال وعلمهم بقرب الساعة فان عيسى صلى الله عليه و سلم علم من أعلام الساعة.
(حتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها) فمعناه والله اعلم أن الناس تكثر رغبتهم فى الصلاة وسائر الطاعات لقصر آمالهم وعلمهم بقرب القيامة وقلة رغبتهم فى الدنيا لعدم الحاجة اليها. وأن أجرها خير لمصليها من صدقته بالدنيا وما فيها لفيض المال حينئذ وهوانه وقلة الشح وقلة الحاجة إليه للنفقة فى الجهاد.

صحيح البخارى: قال النبي صلى الله عليه و سلم (كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبيه بإصبعه حين يولد غير عيسى ابن مريم ذهب يطعن فطعن في الحجاب). [ش: (يطعن) يضرب. (الحجاب) الجلدة التي فيها الجنين وتسمى المشيمة. وقيل الحجاب الثوب الذي يلف فيه المولود]
فتح الباري لابن حجر: كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبيه بأصبعه حين يولد غير عيسى بن مريم ذهب يطعن فطعن في الحجاب أي في المشيمة التي فيها الولد. وهذا الطعن من الشيطان هو ابتداء التسليط فحفظ الله مريم وابنها منه ببركة دعوة أمها حيث قالت إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ولم يكن لمريم ذرية غير عيسى. قوله: (فيستهل صارخا من مس الشيطان) من نخسه الشيطان أي سبب صراخ الصبي أول ما يولد الألم من مس الشيطان إياه والاستهلال الصياح.

صحيح مسلم: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى ابن مريم. وصاحب جريج. وكان جريج رجلا عابدا. فاتخذ صومعة. فكان فيها. فأتته أمه وهو يصلي. فقالت: يا جريج! فقال: يا رب! أمي وصلاتي. فأقبل على صلاته. فانصرفت. فلما كان من الغد أتته وهو يصلي. فقالت: يا جريج! فقال: يا رب! أمي وصلاتي. فأقبل على صلاته. فانصرفت. فلما كان من الغد أتته وهو يصلي. فقالت: يا جريج! فقال: أي رب! أمي وصلاتي. فأقبل على صلاته. فقالت: اللهم! لا تمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات. فتذاكر بنو إسرائيل جريجا وعبادته. وكانت امرأة بغي يتمثل بحسنها. فقالت: إن شئتم لأفتننه لكم. قال فتعرضت له فلم يلتفت إليها. فأتت راعيا كان يأوي إلى صومعته فأمكنته من نفسها. فوقع عليها. فحملت. فلما ولدت. قالت: هو من جريج. فأتوه فاستنزلوه وهدموا صومعته وجعلوا يضربونه. فقال: ما شأنكم؟ قالوا: زنيت بهذه البغي. فولدت منك. فقال: أين الصبي؟ فجاءوا به. فقال: دعوني حتى أصلي. فصلى. فلما انصرف أتى الصبي فطعن في بطنه. وقال: يا غلام! من أبوك؟ قال: فلان الراعي. قال فأقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به. وقالوا: نبني لك صومعتك من ذهب. قال: لا. أعيدوها من طين كما كانت. ففعلوا.

صحيح مسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق، أم بدابق. فيخرج إليهم جيش من المدينة. من خيار أهل الأرض يومئذ. فإذا تصادفوا قالت الروم: خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم. فيقول المسلمون: لا. والله! لا نخلي بينكم وبين إخواننا. فيقاتلونهم. فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبدا. ويقتل ثلثهم، أفضل الشهداء عند الله. ويفتتح الثلث. لا يفتنون أبدا. فيفتتحون قسطنطينية. فبينما هم يقتسمون الغنائم، قد علقوا سيوفهم بالزيتون، إذ صاح فيهم الشيطان: إن المسيح قد خلفكم في أهليكم. فيخرجون. وذلك باطل. فإذا جاءوا الشام خرج. فبينما هم يعدون للقتال، يسوون الصفوف، إذ أقيمت الصلاة. فينزل عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم. فأمهم. فإذا رآه عدو الله، ذاب كما يذوب الملح في الماء. فلو تركه لانذاب حتى يهلك. ولكن يقتله الله بيده. فيريهم دمه في حربته".
صحيح البخارى: (لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل ويتقارب الزمان وتظهر الفتن ويكثر الهرج وهو القتل حتى يكثر فيكم المال فيفيض). [ش: (يقبض) بموت العلماء. (الزلازل) جمع زلزلة وهي حركة الأرض واضطرابها. (يتقارب الزمان) تقل بركته وتذهب فائدته وقيل غير ذلك. (فيفيض) فيكثر حتى يفضل منه بأيدي مالكيه ما لا حاجة لهم به وينتشر حتى يعم الناس جميعا].
صحيح مسلم: رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله، الله".
وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا تقوم الساعة حتى يكثر الهرج" قالوا: وما الهرج؟ يا رسول الله! قال "القتل. القتل".
وعن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه".

مسند أحمد بن حنبل: عن حذيفة إنه قدم من عند عمر قال لما جلسنا إليه أمس سأل أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم أيكم سمع قول رسول الله صلى الله عليه و سلم في الفتن؟.
فقالوا نحن سمعناه قال لعلكم تعنون فتنة الرجل في أهله وماله قالوا أجل قال لست عن تلك أسأل تلك يكفرها الصلاة والصيام والصدقة.
ولكن أيكم سمع قول رسول الله صلى الله عليه و سلم في الفتن التي تموج موج البحر قال فأمسك القوم وظننت إنه إياي يريد قلت أنا قال لي أنت لله أبوك قال قلت: تعرض الفتن على القلوب عرض الحصير فأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء وأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء حتى يصير القلب على قلبين أبيض مثل الصفا لا يضره فتنة ما دامت السماوات والأرض والآخر أسود مربد كالكوز مجخيا وأمال كفه لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما اشرب من هواه.
فتح الباري لابن حجر: (يكفرها الصلاة والصيام والصدقة) الصوم كفارة. وأن الصوم لا يظهر فتكتبه الحفظه كما تكتب سائر الأعمال. قال الله: الإخلاص سر من سري استودعته قلب من أحب لا يطلع عليه ملك فيكتبه ولا شيطان فيفسده. والمراد بالصيام هنا صيام من سلم صيامه من المعاصي قولا وفعلا.
والصوم على أربعة أنواع:
********************
صيام العوام وهو الصوم عن الأكل والشرب والجماع. وصيام خواص العوام وهو هذا مع اجتناب المحرمات من قول أو فعل. وصيام الخواص وهو الصوم عن غير ذكر الله وعبادته. وصيام خواص الخواص وهو الصوم عن غير الله فلا فطر لهم إلى يوم القيامة.
)))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم
انما اموالكم واولادكم فتنة
**************************************
= ونزلت سورة "التغابن" كلها بمكة إلا هؤلاء الآيات: "يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم"

= فنزلت: "يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم" الآية كلها بالمدينة في عوف بن مالك الأشجعي
= وقعود الشيطان يكون بوجهين: أحدهما: يكون بالوسوسة. والثاني: بأن يحمل على ما يريد من ذلك الزوج والولد والصاحب
= وفي حكمة عيسى عليه السلام: من اتخذ أهلا ومالا وولدا كان للدنيا عبدا.
= والحذر على النفس يكون بوجهين: إما لضرر في البدن، وإما لضرر في الدين. وضرر البدن يتعلق بالدنيا، وضرر الدين يتعلق بالآخرة
= والآية عامة في كل معصية يرتكبها الإنسان بسبب الأهل والولد. وخصوص السبب لا يمنع عموم الحكم
= ولكن ليقل: اللهم إني أعوذ بك من مضلات الفتن
لا تعقد قلبك مع المال لأنه فيء ذاهب، ولا مع النساء لأنها اليوم معك وغدا مع غيرك، ولا مع السلطان لأنه اليوم لك وغدا لغيرك
= إن قال قائل: هذه الآية تدل على جواز الدعاء بالولد، والله سبحانه وتعالى قد حذرنا من آفات الأموال والأولاد، ونبه على المفاسد الناشئة من ذلك
= إن الشيطان قعد لابن آدم بطريق الإسلام فقال له: تسلم وتذر دينك ودين آبائك فعصاه فأسلم فغفر له
= من آمن بالله وبرسوله وأقام الصلاة وصام رمضان كان حقا على الله أن يدخله الجنة جاهد في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها
= فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس.
= تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش طوبى
= من كان لأخيه شي ء من عرضه أو شي ء، فليتحلل منه اليوم قبل أن لا يكون دينار و لا درهم
= باب من فضائل أنس بن مالك رضي الله عنه

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التغابن: 14]}}.

تفسير القرطبي: (إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم) نزلت هذه الآية بالمدينة في عوف بن مالك الأشجعي؛ شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم جفاء أهله وولده؛ فنزلت.
ونزلت سورة "التغابن" كلها بمكة إلا هؤلاء الآيات: "يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم" نزلت في عوف بن مالك الأشجعي كان ذا أهل وولد، وكان إذا أراد الغزو بكوا إليه ورققوه فقالوا: إلى من تدعنا؟ فيرق فيقيم؛ فنزلت: "يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم" الآية كلها بالمدينة في عوف بن مالك الأشجعي. وبقية الآيات إلى آخر السورة بالمدينة.
قال القاضي أبو بكر بن العربي: هذا يبين وجه العداوة؛ فان العدو لم يكن عدوا لذاته وإنما كان عدوا بفعله. فإذا فعل الزوج والولد فعل العدو كان عدوا، ولا فعل أقبح من الحيلولة بين العبد وبين الطاعة.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الشيطان قعد لابن آدم في طريق الإيمان فقال له أتؤمن وتذر دينك ودين آبائك فخالفه فآمن ثم قعد له على طريق الهجرة فقال له أتهاجر وتترك مالك وأهلك فخالفه فهاجر ثم قعد له على طريق الجهاد فقال له أتجاهد فتقتل نفسك فتنكح نساؤك ويقسم مالك فخالفه فجاهد فقتل، فحق على الله أن يدخله الجنة). وقعود الشيطان يكون بوجهين: أحدهما: يكون بالوسوسة. والثاني: بأن يحمل على ما يريد من ذلك الزوج والولد والصاحب؛ قال الله تعالى: "وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم" [فصلت: 5].
وفي حكمة عيسى عليه السلام: من اتخذ أهلا ومالا وولدا كان للدنيا عبدا.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم تعس عبد الخميصة تعس عبد القطيفة تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش). ولا دناءة أعظم من عبادة الدينار والدرهم، ولا همة أخس من همة ترتفع بثوب جديد. كما أن الرجل يكون له ولده وزوجه عدوا كذلك المرأة يكون لها زوجها وولدها عدوا بهذا المعنى بعينه. وعموم قوله: "من أزواجكم" يدخل فيه الذكر والأنثى لدخولهما في كل آية.
(فاحذروهم) معناه على أنفسكم. والحذر على النفس يكون بوجهين: إما لضرر في البدن، وإما لضرر في الدين. وضرر البدن يتعلق بالدنيا، وضرر الدين يتعلق بالآخرة. فحذر الله سبحانه العبد من ذلك وأنذره به. (((وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم) عن عكرمة في قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم" قال: كان الرجل يريد أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيقول له أهله: أين تذهب وتدعنا؟ قال: فإذا أسلم وفقه قال: لأرجعن إلى الذين كانوا ينهون عن هذا الأمر، فلأفعلن ولأفعلن؛ قال: فأنزل الله عز وجل: "وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم". وقال مجاهد في قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم" قال: ما عادوهم في الدنيا ولكن حملتهم مودتهم على أن أخذوا لهم الحرام فاعطوه إياهم. والآية عامة في كل معصية يرتكبها الإنسان بسبب الأهل والولد. وخصوص السبب لا يمنع عموم الحكم.

(المال والبنون زينة الحياة الدنيا) وإنما كان المال والبنون زينة الحياة الدنيا لأن في المال جمالا ونفعا، وفي البنين قوة ودفعا، فصارا زينة الحياة الدنيا، لكن معه قرينة الصفة للمال والبنين؛ لأن المعنى: المال والبنون زينة هذه الحياة المحتقرة فلا تتبعوها نفوسكم. وهو رد على عيينة بن حصن وأمثاله لما افتخروا بالغنى والشرف، فأخبر تعالى أن ما كان من زينة الحياة الدنيا فهو غرور يمر ولا يبقى، كالهشيم حين ذرته الريح؛ إنما يبقى ما كان من زاد القبر وعدد الآخرة.
وكان يقال: لا تعقد قلبك مع المال لأنه فيء ذاهب، ولا مع النساء لأنها اليوم معك وغدا مع غيرك، ولا مع السلطان لأنه اليوم لك وغدا لغيرك. ويكفي قي هذا قول الله تعالى: "إنما أموالكم وأولادكم فتنة" [التغابن:

(كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب) [آل عمران: 7] فلما رأى خارق العادة استحكم طمعه في إجابة دعوته؛ فقال تعالى: "هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة" [آل عمران: 8].

إن قال قائل: هذه الآية تدل على جواز الدعاء بالولد، والله سبحانه وتعالى قد حذرنا من آفات الأموال والأولاد، ونبه على المفاسد الناشئة من ذلك؛ فقال: "إنما أموالكم وأولادكم فتنة" [التغابن: 15]. قال: "إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم" [التغابن: 14]. فالجواب أن الدعاء بالولد معلوم من الكتاب والسنة حسب ما تقدم في "آل عمران" بيانه. ثم إن زكريا عليه السلام تحرز فقال: (ذرية طيبة) وقال: "واجعله رب رضيا". والولد إذا كان بهذه الصفة نفع أبويه في الدنيا والآخرة، وخرج من حد العداوة والفتنة إلى حد المسرة والنعمة. وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم لأنس خادمه فقال: (اللهم أكثر مال وولده وبارك له فيما أعطيته) فدعا له بالبركة تحرزا مما يؤدي إليه الإكثار من الهلكة. وهكذا فليتضرع العبد إلى مولاه في هداية ولده، ونجاته في أولاه وأخراه اقتداء بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام والفضلاء.

= {{إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ [التغابن: 15]}}.
تفسير القرطبي: (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) أي بلاء واختبار يحملكم على كسب المحرم ومنع حق الله تعالى فلا تطيعوهم في معصية الله. وفي الحديث: (يؤتى برجل يوم القيامة فيقال أكل عياله حسناته). وعن بعض السلف: العيال سوس الطاعات. وقال القتيبي: "فتنة" أي إغرام؛ يقال: فتن الرجل بالمرأة أي شغف بها. وقيل: "فتنة" محنة.
وقال ابن مسعود: لا يقولن أحدكم اللهم اعصمني من الفتنة؛ فإنه ليس أحد منكم يرجع إلى مال وأهل وولد إلا وهو مشتمل على فتنة؛ ولكن ليقل: اللهم إني أعوذ بك من مضلات الفتن. وقال الحسن في قوله تعالى: "إن من أزواجكم": أدخل "من" للتبعيض؛ لأن كلهم ليسوا بأعداء.
(إنما أموالكم وأولادكم فتنة) لأنهما لا يخلوان من الفتنة واشتغال القلب بهما.

عن عبدالله بن بريدة عن أبيه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب؛ فجاء الحسن والحسين - عليهما السلام - وعليهما قميصان أحمران، يمشيان ويعثران؛ فنزل صلى الله عليه وسلم فحملهما بين يديه، ثم قال: (صدق الله عز وجل إنما أموالكم وأولادكم فتنة. نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما) ثم أخذ في خطبته.
(والله عنده أجر عظيم) يعني الجنة، فهي الغاية، ولا أجر أعظم منها. عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يقول لأهل الجنة يا أهل الجنة فيقولون لبيك ربنا وسعديك فيقول هل رضيتم فيقولون وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك فيقول ألا أعطيكم أفضل من ذلك قالوا يا رب وأي شيء أفضل من ذلك فيقول أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا). ولا شك في أن الرضا غاية الآمال.

صحيح ابن حبان: عن سبرة بن أبي فاكه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: إن الشيطان قعد لابن آدم بطريق الإسلام فقال له: تسلم وتذر دينك ودين آبائك فعصاه فأسلم فغفر له فقعد له بطريق الهجرة فقال له: تهاجر وتذر أرضك وسماءك فعصاه فهاجر فقعد له بطريق الجهاد فقال له: تجاهد وهو جهد النفس والمال فتقاتل فتقتل فتنكح المرأة ويقسم المال فعصاه فجاهد فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (فمن فعل ذلك فمات كان حقا على الله أن يدخله الجنة أو قتل كان حقا على الله أن يدخله الجنة وإن غرق كان حقا على الله أن يدخله الجنة أو وقصته دابة كان حقا على الله أن يدخله الجنة).

عمدة القاري شرح صحيح البخاري: عن (أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله من آمن بالله وبرسوله وأقام الصلاة وصام رمضان كان حقا على الله أن يدخله الجنة جاهد في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها فقالوا يا رسول الله أفلا نبشر الناس قال إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلاى الجنة أراه قال وفوقه عرش الرحمان تفجر أنهار الجنة.
وعن معاذ بن جبل أن رسول الله قال من صام رمضان وصلى الصلوات وحج البيت لا أدري أذكر الزكاة أم لا إلا كان حقا على الله أن يغفر له إن هاجر في سبيل الله أو مكث بأرضه التي ولد بها قال معاذ ألا أخبر بها الناس فقال رسول الله ذر الناس يعملون فإن في الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض والفردوس أعلى الجنة وأوسطها وفوق ذلك عرش الرحمن ومنها تفجر أنهار الجنة فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس.
صحيح البخارى: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (من آمن بالله وبرسوله وأقام الصلاة وصام رمضان كان حقا على الله أن يدخله الجنة جاهد في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها). فقالوا يا رسول الله أفلا نبشر الناس؟ قال (إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض فإذا سالتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة - أراه - فوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة). قال محمد بن فليح عن أبيه (وفوقه عرش الرحمن). [ش: (الفردوس) هو البستان الذي يجمع ما في البساتين كلها من شجر وزهر ونبات. (أوسط الجنة) أفضلها وخيرها. (أراه) أظنه وهذا من كلام يحيى بن صالح شيخ البخاري أي أظنه قال (فوقه. .) (تفجر) تنشق].

وعن أنس قال: كانت ناقة لرسول الله صلى الله عليه و سلم تسمى العضباء وكانت لا تسبق فجاء أعرابي على قعود له فسبقها فاشتد ذلك على المسلمين وقالوا سبقت العضباء فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم (إن حقا على الله أن لا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه).

صحيح البخارى: عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال (تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه مغبرة قدماه إن كان في الحراسة كان في الحراسة وإن كان في الساقة كان في الساقة إن استأذن لم يؤذن له وإن شفع لم يشفع). وقال {تعسا} كأنه يقول فأتعسهم الله. {طوبى} فعلى من كل شيء طيب وهي ياء حولت إلى الواو وهي من يطيب. [ش: (تعس) سقط على وجهه أو شقي وهلك. (عبد الدينار) مجاز عن الحرص عليه وتحمل الذلة من أجله فمن بالغ في طلب شيء وانصرف عمله كله إليه صار كالعابد له. (القطيفة) دثار مخمل والدثار ما يلبس فوق الشعار والشعار ما لامس الجسد من الثياب. (الخميصة) كساء أسود مربع له خطوط. (أعطي) من المال. (رضي) عن الله تعالى وعمل العمل الصالح. (انتكس) انقلب على رأسه وهو دعاء عليه بالخيبة والخسران. (شيك) أصابته شوكة. (فلا انتقش) فلا قدر على إخراجها بالمنقاش ولا خرجت والمراد إذا أصيب بأقل أذى فلا وجد معينا على الخلاص منه. (طوبى) من الطيب أي كانت له حياة طيبة وجزاء طيب. (بعنان) لجام. (أشعث) متفرق الشعر غير مسرح. (إن كان في الحراسة) جعل في مقدمة الجيش ليحرسه من العدو. (كان في الحراسة) قام بها راضيا. (الساقة) مؤخرة الجيش. (تعسا) اللفظ من / محمد 8 /. (طوبى) اللفظ من / الرعد 29 /. وقيل هو اسم للجنة]

فتح الباري لابن حجر: تعس ضد سعد تقول تعس فلان أي شقي وقيل معنى التعس الكب على الوجه قال الخليل التعس أن يعثر فلا يفيق من عثرته وقيل التعس الشر وقيل البعد وقيل الهلاك وقيل التعس أن يخر على وجهه والنكس أن يخر على رأسه وقيل تعس أخطأ حجته وبغيته. وانتكس: أي عاوده المرض وقيل إذا سقط اشتغل بسقطته حتى يسقط أخرى. وروى انتكش: وفسره بالرجوع وجعله دعاء له لا عليه والأول أولى. (وإذا شيك فلا انتقش شيك) والمعنى إذا أصابته الشوكة فلا وجد من يخرجها منه بالمنقاش. تقول نقشت الشوك إذا استخرجته.

القاموس الفقهي: ((العفو)) ويطلق على العفو عن مظلمة، و في الحديث: «من كان لأخيه شي ء من عرضه أو شي ء، فليتحلل منه اليوم قبل أن لا يكون دينار و لا درهم» [البخاري «المظالم» ص 10]. ويطلق على جعل المطلقة ثلاثا حلالا لمطلقها بالزواج بها. و يطلق على تحليل الذبيحة: أى بالذبح. و يطلق على الدخول في المسابقة و الرهان حتى يجعل العوض حلالا.
المعجم الوسيط: ((الصفح) (استصفح) فلانا طلب منه الصفح و فلانا ذنبه استغفر إياه. و (الصفح) العفو.

صحيح البخارى: عن قتادة قال سمعت أنسا قال: قالت أم سليم للنبي صلى الله عليه و سلم أنس خادمك قال (اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته).
شرح النووي على مسلم: (باب من فضائل أنس بن مالك رضي الله عنه): قال صلى الله عليه و سلم في دعائه لأنس بن مالك رضي الله عنه: (اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته).

وذكر في الرواية الاخرى: (كثر ماله وولده) هذا من أعلام نبوته صلى الله عليه و سلم في إجابة دعائه وفيه فضائل لانس وفيه دليل لمن يفضل الغني على الفقر. فقد دعا له النبي صلى الله عليه و سلم بأن يبارك له فيه ومتى بورك فيه لم يكن فيه فتنة ولم يحصل بسببه ضرر ولا تقصير في حق ولا غير ذلك من الآفات التي تتطرق إلى سائر الاغنياء بخلاف غيره وفيه هذا الأدب البديع وهو أنه إذا دعا بشئ له تعلق بالدنيا ينبغي أن يضم إلى دعائه طلب البركة فيه والصيانة ونحوهما وكان أنس وولده رحمة وخيرا ونفعا بلا ضرر بسبب دعاء رسول الله صلى الله عليه و سلم. قوله (وإن ولدي وولد ولدي ليتعادون على نحو المائة اليوم) معناه ويبلغ عددهم نحو المائة.
))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: قوا انفسكم واهليكم نارا
**************************
= أوصوا أنفسكم وأهليكم بتقوى الله وأدبوهم
= يا فتى قل لا إله إلا الله فقالها فبشره بالجنة فقال أصحابه: يا رسول الله أمن بيننا
= الراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما قام عليه وما هو تحت نظره
= والتأديب يلزم من وجهين: أحدهما ما لزم الوالد للولد في صغره. والثاني ما لزم الإنسان في نفسه عند كبره
= فإن حسن الأدب يرفع العبد المملوك إلى رتبة الملوك
= وجمع بين الأمر بالصلاة والتفرق بينهم في المضاجع في الطفولية تأديبا ومحافظة لأمر الله
= يستحب جعل الوتر آخر الليل سواء كان للإنسان تهجد أم لا إذا وثق بالاستيقاظ آخر الليل
= أيقظوا صواحب الحجر جمع حجرة وهي البيوت أراد أزواجه أن يوقظهن للصلاة في تلك الليلة رجاء بركتها ولئلا يكن من الغافلين فيها
= هذه خطبة عمر بن الخطاب يوم الجابية
= هو في ضحضاح من نار ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار
= ما بين منكبي الواحد منهم مسيرة سنة

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم: 6]}}.
تفسير القرطبي: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا) فيه مسألة واحدة وهي الأمر بوقاية الإنسان نفسه وأهله النار. قال الضحاك: معناه قوا أنفسكم وأهلوكم نارا. وعن ابن عباس: قوا أنفسكم وأمروا أهليكم بالذكر والدعاء حتى يقيهم الله بكم. وقال علي رضي الله عنه: قوا أنفسكم بأفعالكم وقوا أهليكم بوصيتكم.
فعلى الرجل أن يصلح نفسه بالطاعة، ويصلح أهله إصلاح الراعي للرعية. فأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالإمام الذي على الناس راع وهو مسؤول عنهم والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم). يأمرهم وينهاهم.
لما قال: "قوا أنفسكم" دخل فيه الأولاد؛ لأن الولد بعض منه. كما دخل في قوله تعالى: "ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم" [النور: 61] فلم يفردوا بالذكر إفراد سائر القرابات. فيعلمه الحلال والحرام، ويجنبه المعاصي والآثام، إلى غير ذلك من الأحكام. وقال عليه السلام: (حق الولد على الوالد أن يحسن اسمه ويعلمه الكتابة ويزوجه إذا بلغ). وقال عليه السلام: (ما نحل والد ولدا أفضل من أدب حسن). وعن النبي صلى الله عليه وسلم (مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع). وفي رواية (مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين فإذا بلغ عشر سنين فأضربوه عليها). وكذلك يخبر أهله بوقت الصلاة ووجوب الصيام ووجوب الفطر إذا وجب؛ مستندا في ذلك إلى رؤية الهلال.

فأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوتر يقول: (قومي فأوتري يا عائشة). وروي أنه قال: (رحم الله امرأ قام من الليل فصلى فأيقظ أهله فإن لم تقم رش وجهها بالماء. رحم الله امرأة قامت من الليل تصلى وأيقظت زوجها فإذا لم يقم رشت على وجهه من الماء). وقوله صلي الله عليه وسلم: (أيقظوا صواحب الحجر). ويدخل هذا في عموم قوله تعالى: "وتعاونوا على البر والتقوى" [المائدة:]. وأن عمر رضي الله عنه قال لما نزلت هذه الآية: يا رسول الله، نقي أنفسنا، فكيف لنا بأهلينا؟. فقال: (تنهونهم عما نهاكم الله وتأمرونهم بما أمر الله). وقال مقاتل: ذلك حق عليه في نفسه وولده وأهله وعبيده وإمائه. فعلينا تعليم أولادنا وأهلينا الدين والخير، وما لا يستغنى عنه من الأدب. وهو قوله تعالى: "وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها" [طه: 1]. وقوله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: "وأنذر عشيرتك الأقربين". [الشعراء: 14]. وفي الحديث: (مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع).
(وقودها الناس والحجارة): والوقود (بالفتح): الحطب. وبالضم: التوقد. و"الناس" عموم، ومعناه الخصوص فيمن سبق عليه القضاء أنه يكون حطبا لها، أجارنا الله منها. "والحجارة" هي حجارة الكبريت الأسود. وخصت بذلك لأنها تزيد على جميع الأحجار بخمسة أنواع من العذاب: سرعة الاتقاد، نتن الرائحة، كثرة الدخان، شدة الالتصاق بالأبدان، قوة حرها إذا حميت.

وعليه فتكون الحجارة والناس وقودا للنار وذكر ذلك تعظيما للنار أنها تحرق الحجارة مع إحراقها للناس. وعلى التأويل الأول يكونون معذبين بالنار والحجارة. وقد جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كل مؤذ في النار). وفي تأويله وجهان: أحدهما - أن كل من آذى الناس في الدنيا عذبه الله في الآخرة بالنار. الثاني - أن كل ما يؤذي الناس في الدنيا من السباع والهوام وغيرها في النار معد لعقوبة أهل النار. وذهب بعض أهل التأويل إلى أن هذه النار المخصوصة بالحجارة هي نار الكافرين خاصة.
وعن العباس بن عبدالمطلب قال قلت: يا رسول الله، إن أبا طالب كان يحوطك وينصرك، فهل نفعه ذلك؟ قال: (نعم وجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح - في رواية - ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار).
(عليها ملائكة غلاظ شداد) يعني الملائكة الزبانية غلاط القلوب لا يرحمون إذا استرحموا خلقوا من الغضب، وحبب إليهم عذاب الخلق كما حبب لبني آدم أكل الطعام والشراب.
(شداد) أي شداد الأبدان. وقيل: غلاظ الأقوال شداد الأفعال. وقيل غلاظ في أخذهم أهل النار شداد عليهم. وقيل: أراد بالغلاظ ضخامة أجسامهم، وبالشدة القوة. قال ابن عباس: ما بين منكبي الواحد منهم مسيرة سنة، وقوة الواحد منهم أن يضرب بالمقمع فيدفع بتلك الضربة سبعين ألف إنسان في قعر جهنم. وذكر ابن وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خزنة جهنم: (ما بين منكبي أحدهم كما بين المشرق والمغرب).
(لا يعصون الله ما أمرهم) أي لا يخالفونه في أمره من زيادة أو نقصان.
(ويفعلون ما يؤمرون) أي في وقته، فلا يؤخرونه ولا يقدمونه. وقيل أي لذتهم في أمتثال أمر الله؛ كما أن سرور أهل الجنة في الكون في الجنة.

صحيح البخارى: وقال مجاهد {قوا أنفسكم وأهليكم} / 6 / أوصوا أنفسكم وأهليكم بتقوى الله وأدبوهم.

باب {قوا أنفسكم وأهيلكم نارا}: وعن نافع عن عبد الله: قال النبي صلى الله عليه و سلم (كلكم راع وكلكم مسؤول فالإمام راع وهو مسؤول والرجل راع على أهله وهو مسؤول والمرأة راعية على بيت زوجها وهي مسؤولة والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول).
المستدرك للحاكم: لما أنزل الله عز و جل على نبيه صلى الله عليه و سلم {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم و أهليكم نارا} تلاها رسول الله صلى الله عليه و سلم على أصحابه ذات ليلة أو قال يوم فخر فتى مغشيا عليه فوضع النبي صلى الله عليه و سلم يده على فؤاده فإذا هو يتحرك فقال: يا فتى قل لا إله إلا الله فقالها فبشره بالجنة فقال أصحابه: يا رسول الله أمن بيننا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: أما سمعتم قول الله عز و جل {ذلك لمن خاف مقامي و خاف و عيد}. وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: في قوله عز و جل: {قوا أنفسكم و أهليكم نارا} قال: علموا أنفسكم و أهليكم الخير. شعب الإيمان: {قوا أنفسكم و أهليكم نارا وقودها الناس و الحجارة} فأمر بالتقوى و هي أن يقي المخاطبون أنفسهم من نار جهنم بفعل ما أمر الله به و ترك ما نهى الله عنه و معنى {اتقون} اتقوا عذابي و مؤاخذتي و قال النبي صلى الله عليه و سلم: اتقوا النار و لو بشق تمرة.

صحيح البخارى: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته الإمام راع ومسؤول عن رعيته والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته). قال وحسبت أن قد قال (والرجل راع في مال أبيه ومسؤول عن رعيته وكلكم راع ومسؤول عن رعيته). [ش. (راع) يقوم بتدبير من تحت يده وسياستهم في الدنيا. (مسؤول عن رعيته) مطالب ومحاسب عن قيامه بشؤون من تحت رعايته وفي كنفه في الدنيا ويوم القيامة. (أهله) زوجته وأولاده ومن تحت رعايته وتجب عليه نفقتهم].

شرح النووي على مسلم: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) قال العلماء الراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما قام عليه وما هو تحت نظره ففيه أن كل من كان تحت نظره شيء فهو مطالب بالعدل فيه والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقاته.
فتح الباري لابن حجر: عن بن عمر والراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما اؤتمن على حفظه فهو مطلوب بالعدل فيه والقيام بمصالحه.

شعب الإيمان: عن ابن عباس أنهم قالوا يا رسول الله قد علمنا ما حق الوالد على الولد فما حق الولد على الوالد؟ قال: أن يحسن اسمه ويحسن أدبه.
وعن أبي سليمان مولى أبي رافع عن أبي رافع قال قلت يا رسول الله أللولد علينا حق كحقنا عليهم قال: نعم حق الولد على الوالد أن يعلمه الكتابة و السباحة والرمي وأن يؤديه طيبا.
فيض القدير للمناوى: (حق الولد على الوالد أن يحسن اسمه) فلا يسميه باسم مستكره كحرب ومرة وحزن. أمر الأمة بتحسين الأسماء وفيه تنبيه على أن الأفعال ينبغي أن تكون مناسبة للأسماء لأنها قوالبها دالة عليها لا جرم اقتضت الحكمة الربانية أن يكون بينهما تناسب وارتباط وتأثير الأسماء في المسميات والمسميات في الأسماء.
(ويحسن أدبه) والتأديب يلزم من وجهين: أحدهما ما لزم الوالد للولد في صغره. والثاني ما لزم الإنسان في نفسه عند كبره. فالأول يأخذ ولده بمبادئ الآداب ليأنس بها وينشأ عليها فيسهل عليه قبولها عند الكبر قال الحكماء: بادروا بتأديب الأطفال قبل تراكم الإشتغال وتفرق البال. والثاني أدبان أدب مواضعة واصطلاح وأدب رياضة واصطلاح.

سنن الترمذي: حدثنا ايوب بن موسى عن أبيه عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ما نحل والد ولدا من نحل أفضل من أدب حسن.

تحفة الأحوذي للمباركفوري: (ما نحل) أي ما أعطى والد ولدا (من نحل) أي عطية أو إعطاء ففي النهاية النحل العطية والهبة ابتداء من غير عوض ولا استحقاق يقال نحله ينحله نحلا بالضم والنحلة بالكسر العطية (أفضل من أدب حسن) أي من تعليمه ذلك ومن تأديبه بنحو توبيخ وتهديد وضرب على فعل الحسن وتجنب القبيح فإن حسن الأدب يرفع العبد المملوك إلى رتبة الملوك

سنن الدارقطني: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: مرو صبيانكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع وإذا زوج أحدكم عبده أمته أو أجيره فلا ينظر إلى ما دون السرة وفوق الركبة فإن ما تحت السرة إلى الركبة من العورة
صحيح أبي داود: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع.
سبل السلام للصنعاني: والنبي صلى الله عليه وسلم قال مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم على تركها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع والله يقول: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} فإذا كانت الأم تتركه في المكتب أو تعلمه القرآن والصبي يؤثر اللعب ومعاشرة أقرانه وأبوه يمكنه من ذلك فإنها أحق به ولا تخيير ولا قرعة وكذلك العكس.

فيض القدير للمناوى: (مروا) وجوبا (أولادكم) وفي رواية أبناءكم. (بالصلاة) المكتوبة (وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين) يعني إذا بلغ أولادكم سبعا فأمروهم بأداء الصلاة ليعتادوها ويأنسوا بها فإذا بلغوا عشرا فاضربوهم على تركها قال ابن عبد السلام: أمر للأولياء والصبي غير مخاطب إذ الأمر بالأمر بالشئ ليس أمرا بذلك الشئ (وفرقوا بينهم في المضاجع) أي فرقوا بين أولادكم في مضاجعهم التي ينامون فيها إذا بلغوا عشرا حذرا من غوائل الشهوة وإن كن أخواته. وجمع بين الأمر بالصلاة والتفرق بينهم في المضاجع في الطفولية تأديبا ومحافظة لأمر الله كله وتعليما لهم والمعاشرة بين الخلق وأن لا يقفوا مواقف التهم فيجتنبوا المحارم.

صحيح مسلم: عن عائشة. قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل. فإذا أوتر قال "قومي، فأوتري. يا عائشة! ".
وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان يصلي صلاته بالليل وهي معترضة بين يديه. فإذا بقي الوتر أيقظها فأوترت.
شرح النووي على مسلم: كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي من الليل فإذا أوتر قال قومي فأوتري يا عائشة. وفي الرواية الأخرى إذا بقي الوتر أيقظها فأوترت. فأنه يستحب جعل الوتر آخر الليل سواء كان للإنسان تهجد أم لا إذا وثق بالاستيقاظ آخر الليل إما بنفسه وأما بإيقاظ غيره وأن الأمر بالنوم على وتر إنما هو في حق من لم يثق في الاستقاظ. وأنه يدخل وقته بالفراغ من صلاة العشاء ويمتد إلى طلوع الفجر.

صحيح ابن حبان: عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات ليلة: (سبحان الله ماذا أنزل من الفتن؟ وماذا فتح من الخزائن؟ أيقظوا صواحب الحجر فرب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة).
تنوير الحوالك للسيوطي: أيقظوا صواحب الحجر جمع حجرة وهي البيوت أراد أزواجه أن يوقظهن للصلاة في تلك الليلة رجاء بركتها ولئلا يكن من الغافلين فيها.

كنز العمال: هذه خطبة عمر بن الخطاب يوم الجابية: "أيها الناس إني والله ما آمركم إلا بما آمركم الله به، ولا أنهاكم إلا عما نهاكم الله عنه، فأجملوا في الطلب، فو الذي نفس أبي القاسم بيده: إن أحدكم ليطلبه رزقه كما يطلبه أجله، فإن تعسر عليكم شيء منه فاطلبوه بطاعة الله عز وجل".
فإني أوصيكم بتقوى الله الذي يبقى ويفنى ما سواه، الذي بطاعته يكرم أولياؤه، وبمعصيته يضل أعداؤه، فليس لهالك هلك معذرة في فعل ضلالة حسبها هدى، ولا في ترك حق حسبه ضلالة، وإن أحق ما تعاهد الراعي من رعيته أن يتعاهدهم بما لله عليه من وظائف دينهم الذي هداهم الله له، وإنما علينا أن نأمركم بما أمركم الله به من طاعته وننهاكم عما نهاكم الله عنه من معصيته، وأن نقيم فيكم أمر الله عز وجل في قريب الناس وبعيدهم، ولا نبالي على من مال الحق، وقد علمت أن أقواما يتمنون في دينهم فيقولون: نحن نصلي مع المصلين، ونجاهد مع المجاهدين، وننتحل الهجرة، وكل ذلك يفعله أقوام لا يحملونه بحقه، وإن الإيمان ليس بالتحلي، وإن للصلاة وقتا اشترطه الله فلا تصلح إلا به.

صحيح البخارى: حدثنا العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه: قال للنبي صلى الله عليه و سلم ما أغنيت عن عمك فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال (هو في ضحضاح من نار ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار). [ش: (ما أغنيت) ماذا نفعته وأي شيء دفعته عنه. (عمك) أبي طالب. (يحوطك) يصونك ويدافع عنك. (ضحضاح) هو الموضع القريب القعر والمعنى أنه خفف عنه شيء من العذاب. (الدرك) طبق من أطباق جهنم وأسفل كل شيء ذي عمق ويقال لما انخفض درك كما يقال لما ارتفع درج].

عمدة القاري شرح صحيح البخاري: يحوطك من حاطه إذا حفظه ورعاه. قوله: (في ضحضاح) القريب القعر أي رقيق خفيف ويقال الضحضاح من النار ومن الماء ومن كل شيء وهو القليل الرقيق منه. قوله: (لكان في الدرك الأسفل) وهي الطبقة السفلى من أطباق جهنم وقيل الدرك الأسفل توابيت من نار تطبق عليهم وقال ابن مسعود توابيت من حديد تغلق عليهم.
))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: توبوا الي الله توبة نصوحا
*****************************
= (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله) أمر بالتوبة وهي فرض على الأعيان في كل الأحوال وكل الأزمان.
= وأصل التوبة النصوح من الخلوص. يقال: هذا عسل ناصح إذا خلص من الشمع
= أن التائب من الذنب لا يعذب وان اجتناب الكبائر يكفر الصغائر
= والمستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه.
= = لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن

= {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [التحريم: 8]}}.

تفسير القرطبي: (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله) أمر بالتوبة وهي فرض على الأعيان في كل الأحوال وكل الأزمان. "توبة نصوحا" اختلفت عبارة العلماء وأرباب القلوب في التوبة النصوح على ثلاثة وعشرين قولا فقيل: هي التي لا عودة بعدها كما لا يعود اللبن إلى الضرع. وقيل الصادقة الناصحة. وقيل الخالصة النصوح أن يبغض الذنب الذي أحبه ويستغفر منه إذا ذكره. وقيل: هي التي لا يثق بقبولها ويكون على وجل منها. وقيل: هي التي لا يحتاج معها إلى توبة. وقيل: التوبة النصوح الندم بالقلب، والاستغفار باللسان، والإقلاع عن الذنب، والاطمئنان على أنه لا يعود.
وقال سعيد بن جبير: هي التوبة المقبولة؛ ولا تقبل ما لم يكن فيها ثلاثة شروط: خوف ألا تقبل، ورجاء أن تقبل، وإدمان الطاعات. وقال سعيد بن المسيب: توبة تنصحون بها أنفسكم. وقال القرظي: يجمعها أربعة أشياء: الاستغفار باللسان، وإقلاع بالأبدان، وإضمار ترك العود بالجنان، ومهاجرة سيء الخلان. وقال سفيان الثوري: علامة التوبة النصوح أربعة: القلة والعلة والذلة والغربة. وقال الفضيل بن عياض: هو أن يكون الذنب بين عينيه، فلا يزال كأنه ينظر إليه. وعن ابن السماك: أن تنصب الذنب الذي أقللت فيه الحياء من الله أمام عينك وتستعد لمنتظرك. وقال أبو بكر الوراق: هو أن تضيق عليك الأرض بما رحبت، وتضيق عليك نفسك؛ كالثلاثة الذين خلفوا. وقيل: التوبة النصوح هي رد المظالم، واستحلال الخصوم، وإدمان الطاعات.
وأصل التوبة النصوح من الخلوص. يقال: هذا عسل ناصح إذا خلص من الشمع. وقيل: هي مأخوذة من النصاحة وهي الخياطة. وفي أخذها منها وجهان: أحدهما: لأنها توبة قد أحكمت طاعته وأوثقتها كما يحكم الخياط الثوب بخياطته ويوثقه. والثاني: لأنها قد جمعت بينه وبين أولياء الله وألصقته بهم؛ كما يجمع الخياط الثوب ويلصق بعضه ببعض. "نصوحا" أي توبة بالغة في النصح. وتوبة نصح لأنفسكم.

قال العلماء: الذنب الذي تكون منه التوبة لا يخلو، إما أن يكون حقا لله أو للآدميين. فإن كان حقا لله كترك صلاة فإن التوبة لا تصح منه حتى ينضم إلى الندم قضاء ما فات منها. وهكذا إن كان ترك صوم أو تفريطا في الزكاة. وإن كان ذلك قتل نفس بغير حق فأن يمكن من القصاص إن كان عليه وكان مطلوبا به. وإن كان قذفا يوجب الحد فيبذل ظهره للجلد إن كان مطلوبا به. فإن عفي عنه كفاه الندم والعزم على ترك العود بالإخلاص. وكذلك إن عفي عنه في القتل بمال فعليه أن يؤديه إن كان واجدا له، قال الله تعالى: "فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان" [البقرة: 178].
وإن كان ذلك حدا من حدود الله كائنا ما كان فإنه إذا تاب إلى الله تعالى بالندم الصحيح سقط عنه. وقد نص الله تعالى على سقوط الحد عن المحاربين إذا تابوا قبل القدرة عليهم. وفي ذلك دليل على أنها لا تسقط عنهم إذا تابوا بعد القدرة عليهم؛ حسب ما تقدم بيانه. وكذلك الشراب والسراق والزناة إذا أصلحوا وتابوا وعرف ذلك منهم، ثم رفعوا إلى الإمام فلا ينبغي له أن يحدهم. وإن رفعوا إليه فقالوا: تبنا، لم يتركوا، وهم في هذه الحالة كالمحاربين إذا غلبوا. فإن كان الذنب من مظالم العباد فلا تصح التوبة منه إلا برده إلى صاحبه والخروج عنه - عينا كان أو غيره - إن كان قادرا عليه، فإن لم يكن قادرا فالعزم أن يؤديه إذا قدر في أعجل وقت وأسرعه. وإن كان أضر بواحد من المسلمين وذلك الواحد لا يشعر به أو لا يدري من أين أتى، فإنه يزيل ذلك الضرر عنه، ثم يسأله أن يعفو عنه ويستغفر له، فإذا عفا عنه فقد سقط الذنب عنه.
"عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم": عسى من الله واجبة. وهو معنى قوله عليه السلام: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له).

قوله تعالى: "ويدخلكم" كأنه قيل: توبوا يوجب تكفير سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار. "يوم لا يخزي الله النبي" ومعنى "يخزي" هنا يعذب، أي لا يعذبه ولا يعذب الذين آمنوا معه. "نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم". "يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير" قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما: هذا دعاء المؤمنين حين أطفأ الله نور المنافقين.

تفسير الطبري: يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله (تُوبُوا إِلَى اللَّهِ) يقول: ارجعوا من ذنوبكم إلى طاعة الله، وإلى ما يرضيه عنكم (تَوْبَةً نَصُوحًا) يقول: رجوعا لا تعودون فيها أبدا.
عن النعمان بن بشير، قال: سُئل عمر عن التوبة النصوح، قال: التوبة النصوح: أن يتوب الرجل من العمل السيئ، ثم لا يعود إليه أبدًا. وأن تتوب من الذنب ثم لا تعود فيه، أو لا تريد أن تعود. ويذنب الذنب ثم لا يرجع فيه. والتوبة النصوح الصادقة، يعلم أنها صدق ندامة على خطيئته، وحبّ الرجوع إلى طاعته، فهذا النصوح.
واختلفت القرّاء في قراءة (تَوْبَةً نَصُوحًا): فقرأته عامة قرّاء الأمصار خلا عاصم (نَصُوحًا) بفتح النون على أنه من نعت التوبة وصفتها.
وقرأه (نُصْوحًا) بضمّ النون، بمعنى المصدر من قولهم: نصح فلان لفلان نُصُوحًا.
وأولى القراءتين بالصواب في ذلك قراءة من قرأ بفتح النون على الصفة للتوبة لإجماع الحجة على ذلك.
(عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) يقول: عسى ربكم أيها المؤمنون أن يمحو سيئات أعمالكم التي سلفت منكم (وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ) يقول: وأن يدخلكم بساتين تجري من تحت أشجارها الأنهار (يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ) محمدًا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم (وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) يقول: يسعى نورهم أمامهم (وَبِأَيْمَانِهِمْ) يقول: وبأيمانهم كتابهم.

وعن ابن عباس قوله: (يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) ... إلى قوله: (وَبِأَيْمَانِهِمْ) يأخذون كتابهم فيه البشرى (يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لِنَا) يقول جلّ ثناؤه مخبرًا عن قول المؤمنين يوم القيامة: يقولون ربنا أتمم لنا نورنا، يسألون ربهم أن يبقي لهم نورهم، فلا يطفئه حتى يجوزوا الصراط، وذلك حين يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا (انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ).

شعب الإيمان: عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له والمستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه ومن آذى مسلما كان عليه من الإثم كذا وكذا ذكر شيئا.
فتح الباري لابن حجر: أن التائب من الذنب لا يعذب وان اجتناب الكبائر يكفر الصغائر.
التائب من الذنب كمن لا ذنب له والمستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه.
فقه السنة للسيد سابق: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " التائب من الذنب كمن لاذنب له " ومن لا ذنب له لاحد عليه، وقال في ماعز لما أخبر بهربه " هلاتركتموه يتوب فيتوب الله عليه "؟!.
فيض القدير للمناوى: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) لأن التائب حبيب الله و (إن الله يحب التوابين). وهو سبحانه لا يعذب حبيبه بل يغفر له ويستره ويسامحه (وإذا أحب الله عبدا لم يضره ذنب) لأن المحب يستر الحبيب فإن بدا منه شين غفره فإذا أحب عبدا فأذنب ستره فصار كمن لا ذنب له فالذنب يدنس العبد والرجوع إلى الله يطهره وهو التوبة فرجعته إليه تصيره في محل القرب.

صحيح مسلم: عن أبي سعيد وأبي هريرة. قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله يمهل. حتى إذا ذهب ثلث الليل نزل إلى السماء الدنيا. فيقول: هل من مستغفر! هل من تائب! هل من سائل! هل من داع! حتى ينفجر الفجر".

معرفة السنن والآثار للبيهقي: وفي قصة المتلاعنين، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لاعن بينهما وهي حامل، وكان يقول في بعض هذه الروايات: «الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما من تائب» فلما تلاعنا حكم على الصادق والكاذب حكما واحدا فأخرجهما من الحد وقال: «إن جاءت به كذا فلا أراه إلا قد صدق» فجاءت به على النعت المكروه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية ابن عباس: «لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن».
فأخبر بصفتين في إحداهما دلالة صدق الزوج، وفي الأخرى دلالة كذبه، فجاءت دلالة صدق الزوج فلم يستعمل عليها الدلالة، وأنفذ عليها ظاهر حكم الله، ولو جاءت دلالة كذب الزوج لكان لا يستعمل الدلالة أيضا وينفذ ظاهر حكم الله، لكنه صلى الله عليه وسلم والله أعلم ذكر عليه الأشياء الدالة على صدق أحدهما حتى إذا لم يكن حجة أقوى منها يستدل بها في إلحاق الولد بأحد المتلاعنين عند الاشتباه، وأخبر بأنه إنما منعه من استعمالها ها هنا ما هو أقوى منها، وهو حكم الله باللعان لا أنها لو أتت به على الصفة الأولى كان يلحقه بالزوج.
)))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))

***************************************************
)))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
القسم الثاني: لفظ عبادي في القران يستوجب الفهم
***********************************
المحتوى العام للملف: (المصنف: صبحي محمود عميره)
= واذا سالك عبادي عني فاني قريب - ان عبادي ليس لك عليهم سلطان - نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم
= ان الارض يرثها عبادى الصالحون - انه كان فريق من عبادى - يا عبادي الذين امنوا ان ارضي واسعة
= قل يا عبادي الذين اسرفوا علي انفسهم - صفات وسلوك واقوال عباد الرحمن
= الصابرين والصادقين والقانتين - ما يحبه الله سبحانه وتعالي من المؤمنين
= مالا يحبه الله ولا يرضاه من عباده
))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: واذا سالك عبادي عني فاني قريب
*****************************
= واختلف في سبب نزول (وإذا سألك): فقال مقاتل: إن عمر رضي اللّه عنه واقع امرأته بعد ما صلى العشاء فندم على ذلك وبكى
= (فإني قريب): أي بالإجابة. وقيل بالعلم. وقيل: قريب من أوليائي بالإفضال والإنعام.
= الدعاء هو العبادة قال ربكم ادعوني أستجب لكم
= وكان خالد الربعي يقول: عجبت لهذه الأمة في "ادعوني أستجب لكم" [غافر: 60] أمرهم بالدعاء ووعدهم بالإجابة، وليس بينهما شرط. (فههنا شرط). أجيب إن شئت، كما قال: "فيكشف ما تدعون إليه إن شاء"
= إن اللّه يجيب كل الدعاء، فإما أن تظهر الإجابة في الدنيا، وإما أن يكفر عنه، وإما أن يدخر له في الآخرة
= ويمنع من إجابة الدعاء أيضا أكل الحرام وما كان في معناه
= فإن إجابة الدعاء لا بد لها من شروط في الداعي وفي الدعاء وفي الشيء المدعو به
= وقال سهل بن عبدالله التستري: شروط الدعاء سبعة

= ولا يقل الداعي: اللهم أعطني إن شئت، اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، بل يعري سؤاله ودعاءه من لفظ المشيئة، ويسأل سؤال من يعلم أنه لا يفعل إلا أن يشاء
= لا يمنعن أحدا من الدعاء ما يعلمه من نفسه فإن اللّه قد أجاب دعاء شر الخلق إبليس
= وللدعاء أوقات وأحوال يكون الغالب فيها الإجابة
= من سره أن يستجيب الله تعالى له عند الشدائد والكرب فليكثر الدعاء في الرخاء
= من فتح له في الدعاء منكم فتحت له أبواب الجنة
= ما سئل الله أحب إليه من أن يسأل العافية
= إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث إما أن يعجل له دعوته وإما أن يدخرها له في الآخرة وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها
= لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم
= كما ورد أن بين دعاء موسى وهارون على فرعون وبين الإجابة أربعين سنة
= أيها الناس! إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا
=: ما بالنا ندعو فلا يُستجاب لنا؟ قال: لأنكم عرفتم الله فلم تطيعوه، وعرفتم الرسول فلم تتّبعوا سُنّته
= إذا دعا أحدكم فليعزم المسألة ولا يقولن اللهم إن شئت فأعطني فإنه لا مستكره له

= {{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة: 186]}}.
تفسير القرطبي: (وإذا سألك): المعنى وإذا سألوك عن المعبود فأخبرهم أنه قريب يثيب على الطاعة ويجيب الداعي، ويعلم ما يفعله العبد من صوم وصلاة وغير ذلك.

واختلف في سبب نزول (وإذا سألك): فقال مقاتل: إن عمر رضي اللّه عنه واقع امرأته بعد ما صلى العشاء فندم على ذلك وبكى، وجاء إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأخبره بذلك ورجع مغتما، وكان ذلك قبل نزول الرخصة، فنزلت هذه الآية: "إذا سألك عبادي عني فإني قريب". وقيل: لما وجب عليهم في الابتداء ترك الأكل بعد النوم فأكل بعضهم ثم ندم، فنزلت هذه الآية في قبول التوبة ونسخ ذلك الحكم. وعن ابن عباس قال: قالت اليهود كيف يسمع ربنا دعاءنا، وأنت تزعم أن بيننا وبين السماء خمسمائة عام، وغلظ كل سماء مثل ذلك؟ فنزلت هذه الآية. وقال الحسن: سببها أن قوما قالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم: أقريب ربنا فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟ فنزلت. وقال عطاء: لما نزلت: "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم" [غافر: 60] قال قوم: في أي ساعة ندعوه؟ فنزلت.
(فإني قريب): أي بالإجابة. وقيل بالعلم. وقيل: قريب من أوليائي بالإفضال والإنعام.
(أجيب دعوة الداعي إذا دعان): أي أقبل عبادة من عبدني، فالدعاء بمعنى العبادة، والإجابة بمعنى القبول. فعن النعمان بن بشير عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (الدعاء هو العبادة قال ربكم ادعوني أستجب لكم) فسمي الدعاء عبادة، ومنه قوله تعالى: "إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين" [غافر: 60] أي دعائي. فأمر تعالى بالدعاء وحض عليه وسماه عبادة، ووعد بأن يستجيب لهم.
وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (أعطيت أمتي ثلاثا لم تعط إلا الأنبياء كان اللّه إذا بعث نبيا قال ادعني أستجب لك وقال لهذه الأمة ادعوني أستجب لكم وكان اللّه إذا بعث النبي قال له ما جعل عليك في الدين من حرج وقال لهذه الأمة ما جعل عليكم في الدين من حرج وكان اللّه إذا بعث النبي جعله شهيدا على قومه وجعل هذه الأمة شهداء على الناس).

وكان خالد الربعي يقول: عجبت لهذه الأمة في "ادعوني أستجب لكم" [غافر: 60] أمرهم بالدعاء ووعدهم بالإجابة، وليس بينهما شرط. قال له قائل: مثل ماذا؟ قال مثل قوله: "وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات" [البقرة: 5] فههنا شرط، وقوله: "وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق" [يونس:] فليس فيه شرط العمل، ومثل قوله: "فادعوا الله مخلصين له الدين" [غافر: 14] فههنا شرط، وقوله: "ادعوني أستجب لكم" ليس فيه شرط. وكانت الأمم تفزع إلى أنبيائها في حوائجهم حتى تسأل الأنبياء لهم ذلك.
فإن قيل: فما للداعي قد يدعو فلا يجاب؟ فالجواب أن يعلم أن قوله الحق في الآيتين "أجيب" "أستجب" لا يقتضي الاستجابة مطلقا لكل داع على التفصيل، ولا بكل مطلوب على التفصيل، فقد قال ربنا تبارك وتعالى في آية أخرى: "ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين" [الأعراف: 55] وكل مصر على كبيرة عالما بها أو جاهلا فهو معتد، وقد أخبر أنه لا يحب المعتدين فكيف يستجيب له.
وقال بعض العلماء: أجيب إن شئت، كما قال: "فيكشف ما تدعون إليه إن شاء" [الأنعام: 41] فيكون هذا من باب المطلق والمقيد. وقد دعا النبي صلى اللّه عليه وسلم في ثلاث فأعطي اثنتين ومنع واحدة.
وقيل: إنما مقصود هذا الإخبار تعريف جميع المؤمنين أن هذا وصف ربهم سبحانه أن يجيب دعاء الداعين في الجملة، وأنه قريب من العبد يسمع دعاءه ويعلم اضطراره فيجيبه بما شاء وكيف شاء "ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له" [الأحقاف: 5] الآية. وقد يجيب السيد عبده والوالد ولده ثم لا يعطيه سؤله. فالإجابة كانت حاصلة لا محالة عند وجود الدعوة، لأن أجيب وأستجب خبر لا ينسخ فيصير المخبر كذابا. وروى ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (من فتح له في الدعاء فتحت له أبواب الإجابة). وأوحى اللّه تعالى إلى داود: أن قل للظلمة من عبادي لا يدعوني فإني أوجبت على نفسي أن أجيب من دعاني وإني إذا أجبت الظلمة لعنتهم.

وقال قوم: إن اللّه يجيب كل الدعاء، فإما أن تظهر الإجابة في الدنيا، وإما أن يكفر عنه، وإما أن يدخر له في الآخرة، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه اللّه بها إحدى ثلاث إما أن يعجل له دعوته وإما أن يدخر له وإما أن يكف عنه من السوء بمثلها). قالوا: إذن نكثر؟ قال: (لله أكثر). وقال ابن عباس: كل عبد دعا استجيب له، فإن كان الذي يدعو به رزقا له في الدنيا أعطيه، وإن لم يكن رزقا له في الدنيا ذخر له.
وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: (لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل - قيل: يا رسول اللّه، ما الاستعجال؟ قال - يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجيب لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء). أن رسول اللّه صلى اللّه عيه وسلم قال: (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول دعوت فلم يستجب لي). قال علماؤنا رحمة اللّه عليهم: يحتمل قوله (يستجاب لأحدكم) الإخبار عن وجوب وقوع الإجابة، والإخبار عن جواز وقوعها، فإذا كان بمعنى الإخبار عن الوجوب والوقوع فإن الإجابة تكون بمعنى الثلاثة الأشياء المتقدمة. فإذا قال: قد دعوت فلم يستجب لي، بطل وقوع أحد هذه الثلاثة الأشياء وعري الدعاء من جميعها. وإن كان بمعنى جواز الإجابة فإن الإجابة حينئذ تكون بفعل ما دعا به خاصة، ويمنع من ذلك قول الداعي: قد دعوت فلم يستجب لي، لأن ذلك من باب القنوط وضعف اليقين والسخط.
قلت: ويمنع من إجابة الدعاء أيضا أكل الحرام وما كان في معناه، قال صلى اللّه عليه وسلم: (الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنَّى يستجاب لذلك) وهذا استفهام على جهة الاستبعاد من قبول دعاء من هذه صفته.
فإن إجابة الدعاء لا بد لها من شروط في الداعي وفي الدعاء وفي الشيء المدعو به:

****************************************************
فمن شرط الداعي: أن يكون عالما بأن لا قادر على حاجته إلا اللّه، وأن الوسائط في قبضته ومسخرة بتسخيره، وأن يدعو بنية صادقة وحضور قلب، فإن اللّه لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه، وأن يكون مجتنبا لأكل الحرام، وألا يمل من الدعاء.
ومن شرط المدعو فيه: أن يكون من الأمور الجائزة الطلب والفعل شرعا، كما قال: (ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم) فيدخل في الإثم كل ما يأثم به من الذنوب، ويدخل في الرحم جميع حقوق المسلمين ومظالمهم. وقال سهل بن عبدالله التستري: شروط الدعاء سبعة:
**********************************
أولها التضرع والخوف والرجاء والمداومة والخشوع والعموم وأكل الحلال. وقال ابن عطاء: إن للدعاء أركانا وأجنحة وأسبابا وأوقاتا، فإن وافق أركانه قوي، وإن وافق أجنحته طار في السماء، وإن وافق مواقيته فاز، وإن وافق أسبابه أنجح. فأركانه حضور القلب والرأفة والاستكانة والخشوع، وأجنحته الصدق، ومواقيته الأسحار، وأسبابه الصلاة على محمد صلى اللّه عليه وسلم. وقيل: شرائطه أربع: أولها حفظ القلب عند الوحدة، وحفظ اللسان مع الخلق، وحفظ العين عن النظر إلى ما لا يحل، وحفظ البطن من الحرام.
وقيل لإبراهيم بن أدهم: ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا؟ قال: لأنكم عرفتم اللّه فلم تطيعوه، وعرفتم الرسول فلم تتبعوا سنته، وعرفتم القرآن فلم تعملوا به، وأكلتم نعم اللّه فلم تؤدوا شكرها، وعرفتم الجنة فلم تطلبوها، وعرفتم النار فلم تهربوا منها، وعرفتم الشيطان فلم تحاربوه ووافقتموه، وعرفتم الموت فلم تستعدوا له، ودفنتم الأموات فلم تعتبروا، وتركتم عيوبكم واشتغلتم بعيوب الناس.

قال علي رضي اللّه عنه لنوف البكالي: يا نوف، إن اللّه أوحى إلى داود أن مر بني إسرائيل ألا يدخلوا بيتا من بيوتي إلا بقلوب طاهرة، وأبصار خاشعة، وأيد نقية، فإني لا أستجيب لأحد منهم، ما دام لأحد من خلقي مظلمة. يا نوف، لا تكونن شاعرا ولا عريفا ولا شرطيا ولا جابيا ولا عشارا، فإن داود قام في ساعة من الليل فقال: إنها ساعة لا يدعو عبد إلا استجيب له فيها، إلا أن يكون عريفا أو شرطيا أو جابيا أو عشارا، أو صاحب عرطبة، وهي الطنبور، أو صاحب كوبة، وهي الطبل.
ولا يقل الداعي: اللهم أعطني إن شئت، اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، بل يعري سؤاله ودعاءه من لفظ المشيئة، ويسأل سؤال من يعلم أنه لا يفعل إلا أن يشاء.
فإن قوله: "إن شئت" نوع من الاستغناء عن مغفرته وعطائه ورحمته، كقول القائل: إن شئت أن تعطيني كذا فافعل، لا يستعمل هذا إلا مع الغني عنه، وأما المضطر إليه فإنه يعزم في مسألته ويسأل سؤال فقير مضطر إلى ما سأله. قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (إذا دعا أحدكم فليعزم المسألة ولا يقولن اللهم إن شئت فأعطني فإنه لا مستكره له). قوله (فليعزم المسألة) دليل على أنه ينبغي للمؤمن أن يجتهد في الدعاء ويكون على رجاء من الإجابة، ولا يقنط من رحمة اللّه، لأنه يدعو كريما.
قال سفيان بن عيينة: لا يمنعن أحدا من الدعاء ما يعلمه من نفسه فإن اللّه قد أجاب دعاء شر الخلق إبليس، قال: رب فأنظرني إلى يوم يبعثون، قال فإنك من المنظرين.
وللدعاء أوقات وأحوال يكون الغالب فيها الإجابة:
********************************
وذلك كالسحر ووقت الفطر، وما بين الأذان والإقامة، وما بين الظهر والعصر في يوم الأربعاء، وأوقات الاضطرار وحالة السفر والمرض، وعند نزول المطر والصف في سبيل اللّه.
فان أم الدرداء: يا شهر، ألا تجد القشعريرة؟ قلت نعم. قالت: فادع اللّه فإن الدعاء مستجاب عند ذلك.

وقال جابر بن عبدالله: دعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في مسجد الفتح ثلاثا يوم الاثنين ويوم الثلاثاء فاستجيب له يوم الأربعاء بين الصلاتين فعرفت السرور في وجهه. قال جابر: ما نزل بي أمر مهم غليظ إلا توخيت تلك الساعة فأدعو فيها فأعرف الإجابة.
(فليستجيبوا لي): فليدعوا لي. وقال ابن عطية: المعنى فليطلبوا أن أجيبهم.
وهذا هو باب استفعل أي طلب الشيء إلا ما شذ مثل استغنى اللّه. وقال مجاهد: المعنى فليجيبوا إليّ فيما دعوتهم إليه من الإيمان، أي الطاعة والعمل.
(وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون): والرشاد خلاف الغي.

صحيح ابن حبان: عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (الدعاء هو العبادة) ثم قرأ الآية {ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين}.
فقه السنة للسيد سابق: عن النعمان بن بشير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الدعاء هو العبادة، ثم قرأ: (ادعوني أستجب لكم، إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين). وأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه: أين ربنا؟ فأنزل الله: " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ". وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ليس شئ أكرم على الله من الدعاء ". وأنه صلوات الله عليه وسلامه قال: " من سره أن يستجيب الله تعالى له عند الشدائد والكرب فليكثر الدعاء في الرخاء ".
عون المعبود للابادي: (الدعاء هو العبادة) أي هو العبادة الحقيقية التي تستأهل أن تسمى عبادة لدلالته على الإقبال على الله والإعراض عما سواه بحيث لا يرجو ولا يخاف إلا إياه قائما بوجوب العبودية معترفا بحق الربوبية عالما بنعمة الإيجاد طالبا لمدد الإمداد على وفق المراد وتوفيق الإسعاد.

فيض القدير للمناوى: (الدعاء هو العبادة) أن العبادة ليست غير الدعاء والمعنى من هو أعظم العبادة فهو كخبر الحج عرفة أي ركنه الأكبر وذلك لدلالته على أن فاعله يقبل بوجهه إلى الله معرضا عما سواه ولأنه مأمور به وفعل المأمور به عبادة وسماه عبادة ليخضع الداعي ويظهر ذلته ومسكنته وافتقاره إذ العبادة ذل وخضوع ومسكنة قال الحكيم: كانت الأمم الماضية ترفع حوائجها إلى الأنبياء فيرفعونها إلى الله فلما جاءت هذه الأمة أذن لهم في دعائه لكرامتها عليه.

المستدرك للحاكم: عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: من فتح له في الدعاء منكم فتحت له أبواب الجنة و لا يسأل الله عبد شيئا أحب إليه من أن يسأل العافية.
شرح مسند أبي حنيفة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس المؤمن) أي لا ينبغي للمؤمن الكامل (أن يذل نفسه) أي يجعله ذليلا فيما يكون على ضعف طاقته (قيل: يا رسول الله: وكيف يذل نفسه)؟ أي وكيف يتصور أن يذلها مع كل أحد يريد أن يعزها (قال: يعترض من البلاء ما لا يطيق) أي على تحمله بل ينبغي له أن يطلب العافية في الدين والدنيا والآخرة. فقد ورد: " ما سئل الله أحب إليه من أن يسأل العافية ". فعن أنس أنه عليه الصلاة والسلام مر بقوم مبتلين فقال: " أما كان هؤلاء يسألون الله العافية ".

صحيح الترغيب والترهيب: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث إما أن يعجل له دعوته وإما أن يدخرها له في الآخرة وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها.
صحيح مسلم: عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال "لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم. ما لم يستعجل". قيل: يا رسول الله! ما الاستعجال؟ قال "يقول: قد دعوت، وقد دعوت، فلم أر يستجيب لي. فيستحسر عند ذلك، ويدع الدعاء".

عون المعبود للابادي: (فيقول) الداعي (قد دعوت) أي مرة بعد أخرى يعني مرات كثيرة أو طلبت شيئا وطلبت آخر فلم يستجب لي وهو إما استبطاء أو إظهار يأس وكلاهما مذموم. أما الأول فلأن الإجابة لها وقت معين كما ورد أن بين دعاء موسى وهارون على فرعون وبين الإجابة أربعين سنة. وأما القنوط فلا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون مع أن الإجابة على أنواع منها تحصيل عين المطلوب في الوقت المطلوب ومنها ادخاره ليوم يكون أحوج إلى ثوابه ومنها وجوده في وقت آخر لحكمة اقتضت تأخيره ومنها دفع شر بدله.

صحيح مسلم: عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس! إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا. وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين. فقال: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم}. [23 / المؤمنون/ الآية 51] وقال: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم} [2 / البقرة / الآية 172] ". ثم ذكر الرجل يطيل السفر. أشعث أغبر. يمد يديه إلى السماء. يا رب! يا رب! ومطعمة حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام. فأنى يستجاب لذلك؟ ".

تحفة الأحوذي للمباركفوري: وغذي بالحرام بعد قوله ومطعمه حرام إما لأنه لا يلزم من كون المطعم حراما التغذية به وإما تنبيها به على استواء حاليه أعني كونه منفقا في حال كبره ومنفقا عليه في حال صغره في وصول الحرام إلى باطنه فأشار بقوله مطعمه حرام إلى حال كبره وبقوله وغذي بالحرام إلى حال صغره وهذا دال على أن لا ترتيب في الواو. فلاشارة إلى أن عدم إجابة الدعوة إنما هو لكونه مصرا على تلبس الحرام. فأنى يستجاب لذلك أي من أين يستجاب لمن هذه صفته وكيف يستجاب له؟. وفي الحديث الحث على الإنفاق من الحلال والنهي عن الإنفاق من غيره, وفيه أن المشروب والمأكول والملبوس ونحوها ينبغي أن يكون حلالا خالصا لا شبهة فيه وأن من أراد الدعاء كان أولى بالاعتناء بذلك من غيره.

الحاوى في اتفسير القران للقماش: وقيل لإبراهيم بن أدْهم: ما بالنا ندعو فلا يُستجاب لنا؟ قال: لأنكم عرفتم الله فلم تطيعوه، وعرفتم الرسول فلم تتّبعوا سُنّته، وعرفتم القرآن فلم تعملوا به، وأكلتم نِعم الله فلم تؤدّوا شكرها، وعرفتم الجنة فلم تطلبوها، وعرفتم النار فلم تهربوا منها، وعرفتم الشيطان فلم تحاربوه ووافقتموه، وعرفتم الموت فلم تستعدّوا له، ودفنتم الأموات فلم تعتبروا، وتركتم عيوبكم واشتغلتم بعيوب الناس. قال عليّ رضي الله عنه لنَوْف البِكَالِيّ: يا نَوْف، إن الله أوحى إلى داود أن مُرْ بني إسرائيل ألاّ يدخلوا بيتاً من بيوتي إلا بقلوب طاهرة، وأبصار خاشعة، وأيدٍ نقيّة؛ فإني لا أستجيب لأحد منهم، ما دام لأحد من خلقي مظلمة. يا نوف، لا تكونن شاعراً ولا عَرِيفاً ولا شرطياً ولا جابياً ولا عَشّاراً، فإن داود قام في ساعة من الليل فقال: إنها ساعة لا يدعو عبد إلاّ استجيب له فيها، إلا أن يكون عَرِيفاً أو شرطيًّا أو جابياً أو عَشَاراً، أو صاحب عَرْطَبَة، وهي الطُّنبور، أو صاحب كُوبة، وهي الطبل.

صحيح البخارى: عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم (إذا دعا أحدكم فليعزم المسألة ولا يقولن اللهم إن شئت فأعطني فإنه لا مستكره له). [ش: (فليعزم المسألة) فليجزم بسؤاله وليجتهد وليلح به ولا يعلقه بالمشيئة , (لا مستكره له) لا مكره لله تعالى على أمر إذا لم يرده].
فتح الباري لابن حجر: (قوله باب ليعزم المسألة فإنه لا مكره له): المراد بالمسألة الدعاء والضميران لله تعالى أو الأول ضمير الشأن والثاني لله تعالى جزما. فليعزم المسألة: الدعاء. ومعنى الأمر بالعزم الجد فيه وان يجزم بوقوع مطلوبه ولا يعلق ذلك بمشيئة الله تعالى وان كان مأمورا في جميع ما يريد فعله ان يعلقه بمشيئة الله تعالى وقيل معنى العزم ان يحسن الظن بالله في الإجابة. ولا يقولن اللهم ان شئت فاعطني, اللهم اغفر لي ان شئت اللهم ارحمني ان شئت.
))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: ان عبادي ليس لك عليهم سلطان
******************************
= لعل قائلا يقول: قد أخبر الله عن صفة آدم وحواء عليهما السلام بقوله: "فأزلهما الشيطان"
= كما فعل الشيطان ببلال، إذ أتاه يهديه كما يهدي الصبي حتى نام، ونام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فلم يستيقظوا حتى طلعت الشمس
= وهذه الآية (إلا من اتبعك من الغاوين) والتي قبلها دليل على جواز استثناء القليل من الكثير والكثير من القليل
= ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان. فيستهل صارخا من نخسة الشيطان. إلا ابن مريم وأمه
= صياح المولود حين يقع نزغة من الشيطان
= راى عيسى رجلا يسرق فقال له عيسى سرقت قال كلا والذي لا اله الا هو فقال عيسى آمنت بالله وكذبت نفسي
= إنا نجد في أنفسنا الشيء ما نحب أن نتكلم به فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: أو قد وجدتموه؟ قالوا: نعم قال: ذلك صريح الإيمان

= (هذا خلق الله الخلق، فمن خلق الله؟) فمن وجد من ذلك شيئا، فليقل: آمنت بالله
= رحم الله يوسف لولا الكلمة التي قالها: اذكرني عند ربك ما لبث في السجن ما لبث

= {{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ [الحجر: 42]}}.
= {{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا [الإسراء: 65]}}.
تفسير القرطبي: فقد حفظ الله المؤمنين من كيد الشيطان فقال: (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان): يعني على قلوبهم. أي في أن يلقيهم في ذنب يمنعهم عفوي ويضيقه عليهم. وهؤلاء الذين هداهم الله واجتباهم واختارهم واصطفاهم.
لعل قائلا يقول: قد أخبر الله عن صفة آدم وحواء عليهما السلام بقوله: "فأزلهما الشيطان" [البقرة: 6]، وعن جملة من أصحاب نبيه بقوله: "إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا" [آل عمران: 155] فالجواب ما ذكر، وهو أنه ليس له سلطان على قلوبهم، ولا موضع إيمانهم، ولا يلقيهم في ذنب يؤول إلى عدم القبول، بل تزيله التوبة وتمحوه الأوبة. "ليس لك عليهم سلطان" يحتمل أن يكون خاصا فيمن حفظه الله، ويحتمل أن يكون في أكثر الأوقات والأحوال، وقد يكون في تسلطه تفريج كربة وإزالة غمة.
كما فعل الشيطان ببلال، إذ أتاه يهديه كما يهدي الصبي حتى نام، ونام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فلم يستيقظوا حتى طلعت الشمس، وفزعوا وقالوا: ما كفارة ما صنعنا بتفريطنا في صلاتنا؟ فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس في النوم تفريط) ففرج عنهم.
(إلا من اتبعك من الغاوين) أي الضالين المشركين. أي سلطانه على هؤلاء؛ دليله "إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون" [النحل: 100].

وهذه الآية (إلا من اتبعك من الغاوين) والتي قبلها دليل على جواز استثناء القليل من الكثير والكثير من القليل؛ مثل أن يقول: عشرة إلا درهما. أو يقول: عشرة إلا تسعة. وقال أحمد بن حنبل: لا يجوز أن يستثنى إلا قدر النصف فما دونه. وأما استثناء الأكثر من الجملة فلا يصح. ودليلنا هذه الآية، فإن فيها استثتاء "الغاوين" من العباد والعباد من الغاوين، وذلك يدل على أن استثناء الأقل من الجملة واستثناء الأكثر من الجملة جائز.
{إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا} "إن عبادي ليس لك عليهم سلطان" قال ابن عباس: هم المؤمنون. وقد تقدم الكلام فيه. "وكفى بربك وكيلا" أي عاصما من القبول من إبليس، وحافظا من كيده وسوء مكره.
وقد أخبر الله تعالى أن أنبياءه وأولياءه ليس للشيطان عليهم سبيل فقال: "إن عبادي ليس لك عليهم سلطان" [الحجر: 4] وقال اللعين: إلا عبادك منهم المخلصين، وإذا لم يكن له عليهم سلطنة فكيف يشككهم، وإنما سأل أن يشاهد كيفية جمع أجزاء الموتى بعد تفريقها وإيصال الأعصاب والجلود بعد تمزيقها، فأراد أن يترقى من علم اليقين إلى علم اليقين، فقوله: "أرني كيف" طلب مشاهدة الكيفية.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان فيستهل صارخا من نخسة الشيطان إلا ابن مريم وأمه) ثم قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: "وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم". قال علماؤنا: فأفاد هذا الحديث أن الله تعالى استجاب دعاء أم مريم، فإن الشيطان ينخس جميع ولد آدم حتى الأنبياء والأولياء إلا مريم وابنها. قال قتادة: كل مولود يطعن الشيطان في جنبه حين يولد غير عيسى وأمه جعل بينهما حجاب فأصابت الطعنة الحجاب ولم ينفذ لها منه شيء.

فكم تعرض الشيطان للأنبياء والأولياء بأنواع الإفساد والإغواء ومع ذلك فعصمهم الله مما يرومه الشيطان، كما قال تعالى: "إن عبادي ليس لك عليهم سلطان" [الحجر: 4]. هذا مع أن كل واحد من بني آدم قد وكل به قرينه من الشياطين؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فمريم وابنها وإن عصما من نخسه فلم يعصما من ملازمته لها ومقارنته.

تفسير القرطبي: فقالوا: يا رسول الله، إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به. قال: "أو قد وجدتموه"؟ قالوا: نعم. قال: (ذلك صريح الإيمان) رغما للشيطان حسب ما نطق به القرآن في قوله: "إن عبادي ليس لك عليهم سلطان" [الحجر: 4]. فالخواطر التي ليست بمستقرة ولا اجتلبتها الشبهة فهي التي تدفع بالإعراض عنها؛ وعلى مثلها يطلق اسم الوسوسة.

(فأنساه الشيطان ذكر ربه) الضمير في "فأنساه" فيه قولان:
أحدهما: أنه عائد إلى يوسف عليه السلام، أي أنساه الشيطان ذكر الله عز وجل؛ وذلك أنه لما قال يوسف لساقي الملك - حين علم أنه سينجو ويعود إلى حالته الأولى مع الملك - "اذكرني عند ربك" نسي في ذلك الوقت أن يشكو إلى الله ويستغيث به، وجنح إلى الاعتصام بمخلوق؛ فعقب باللبث. وروى ان جبريل علي يوسف على يوسف النبي عليه السلام في السجن فعرفه يوسف، فقال: يا أخا المنذرين! مالي أراك بين الخاطئين؟! فقال جبريل عليه السلام: يا طاهر ابن الطاهرين! يقرئك السلام رب العالمين ويقول: أما استحيت إذ استغثت بالآدميين؟! وعزتي! لألبثنك في السجن بضع سنين؛ فقال: يا جبريل! أهو عني راض؟ قال: نعم! قال: لا أبالي الساعة.

وروي أن جبريل عليه السلام جاءه فعاتبه عن الله تعالى في ذلك وطول سجنه، وقال له: يا يوسف! من خلصك من القتل من أيدي أخوتك؟! قال: الله تعالى، قال: فمن أخرجك من الجب؟ قال: الله تعالى قال: فمن عصمك من الفاحشة؟ قال: الله تعالى، قال: فمن صرف عنك كيد النساء؟ قال: الله تعالى، قال: فكيف وثقت بمخلوق وتركت ربك فلم تسأله؟! قال: يا رب كلمة زلت مني! أسألك يا إله إبراهيم وإسحاق والشيخ يعقوب عليهم السلام أن ترحمني؛ فقال له جبريل: فإن عقوبتك أن تلبث في السجن بضع سنين.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رحم الله يوسف لولا الكلمة التي قال: "اذكرني عند ربك" ما لبث في السجن بضع سنين). وقال ابن عباس: عوقب يوسف بطول الحبس بضع سنين لما قال للذي نجا منهما "اذكرني عند ربك" ولو ذكر يوسف ربه لخلصه.

صحيح مسلم: عن سعيد، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان. فيستهل صارخا من نخسة الشيطان. إلا ابن مريم وأمه". ثم قال أبو هريرة: اقرؤا إن شئتم: {وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم} [3/ آل عمران /36].
شرح النووي على مسلم: ما من مولود يولد الا نخسه الشيطان فيستهل صارخا من نخسة الشيطان الا بن مريم وامه) هذه فضيلة ظاهرة وظاهر الحديث اختصاصها بعيسى وامه. واختار القاضي عياض ان جميع الانبياء يتشاركون فيها. قوله صلى الله عليه و سلم (صياح المولود حين يقع نزغة من الشيطان) أي حين يسقط من بطن امه ومعنى نزغة نخسة وطعنة.
قال صلى الله عليه و سلم (راى عيسى رجلا يسرق فقال له عيسى سرقت قال كلا والذي لا اله الا هو فقال عيسى آمنت بالله وكذبت نفسي) قال القاضي ظاهر الكلام صدقت من حلف بالله تعالى وكذبت ما ظهر لي من ظاهر سرقته فلعله اخذ ماله فيه حق او باذن صاحبه او لم يقصد الغصب والاستيلاء او ظهر له من مديده انه اخذ شيئا فلما حلف له أسقط ظنه ورجع عنه.

شعب الإيمان: عن أبي هريرة قال: جاء ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا يا رسول الله إنا نجد في أنفسنا الشيء ما نحب أن نتكلم به فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: أو قد وجدتموه؟ قالوا: نعم قال: ذلك صريح الإيمان.
شرح النووي على مسلم: ذلك صريح الايمان ومحض الايمان معناه استعظامكم الكلام به هو صريح الايمان فان استعظام هذا وشدة الخوف منه ومن النطق به فضلا عن اعتقاده انما يكون لمن استكمل الايمان استكمالا محققا وانتفت عنه الريبة والشكوك.
فقه السنة للسيد سابق: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: (هذا خلق الله الخلق، فمن خلق الله؟) فمن وجد من ذلك شيئا، فليقل: آمنت بالله.

صحيح ابن حبان: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (رحم الله يوسف لولا الكلمة التي قالها: اذكرني عند ربك ما لبث في السجن ما لبث ورحم الله لوطا إن كان ليأوي إلى ركن شديد إذ قال لقومه: لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد قال: فما بعث الله نبيا بعده إلا في ثروة من قومه).
))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم
*****************************
= (أتضحكون وبين أيديكم الجنة والنار) فشق ذلك عليهم فنزلت الآية
= إني لما خرجت جاءني جبريل فقال يا محمد لم تقنط عبادي من رحمتي
= فالقنوط إياس، والرجاء إهمال، وخير الأمور أوساطها
= قرأت جميع القرآن من أوله إلى آخره فلم أر آية أحسن وأرجى من قوله
= لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من جنته أحد
= أمر بأن يكون الإنسان في حالة ترقب وتخوف وتأميل لله عز وجل، حتى يكون الرجاء والخوف للإنسان كالجناحين للطائر يحملانه في طريق استقامته

= والخوف: الانزعاج لما لا يؤمن من المضار. والطمع: توقع المحبوب
= لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة، ما طمع بجنته أحد
= فلما مات الرجل فعلوا ما أمرهم. فأمر الله البر فجمع ما فيه. وأمر البحر فجمع ما فيه. ثم قال: لم فعلت هذا؟ قال: من خشيتك يا رب! وأنت أعلم. فغفر الله له".
= ثم قال من شدة الفرح: اللهم! أنت عبدي وأنا ربك. أخطأ من شدة الفرح
= (سددوا) يريد به: كونوا مسددين والتسديد لزوم طريقة النبي صلى الله عليه و سلم واتباع سنته

= {{نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الحجر: 49]}}.
تفسير القرطبي: هذه الآية وزان قوله عليه السلام: (لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من رحمته أحد). وهكذا ينبغي للإنسان أن يذكر نفسه وغيره فيخوف ويرجى، ويكون الخوف في الصحة أغلب عليه منه في المرض. أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على الصحابة وهم يضحكون فقال: (أتضحكون وبين أيديكم الجنة والنار) فشق ذلك عليهم فنزلت الآية.
وعن ابن عمر قال: اطلع علينا النبي صلى الله عليه وسلم من الباب الذي يدخل منه بنو شيبة ونحن نضحك فقال: (مالكم تضحكون لا أراكم تضحكون) ثم أدبر حتى إذا كان عند الحجر رجع القهقري فقال لنا: إني لما خرجت جاءني جبريل فقال يا محمد لم تقنط عبادي من رحمتي (نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم. وأن عذابي هو العذاب الأليم). فالقنوط إياس، والرجاء إهمال، وخير الأمور أوساطها.

وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه: قرأت جميع القرآن من أوله إلى آخره فلم أر آية أحسن وأرجى من قوله تعالى: "نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم" [الحجر: 49].

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: قرأت القرآن من أوله إلى آخره فلم أر آية أحسن وأرجى من قوله تعالى: "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم" [الزمر: 5].
قلت: وقرأت القرآن من أوله إلى آخره فلم أر آية أحسن وأرجى من قوله تعالى: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون" [الأنعام: 8].

"نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم. وأن عذابي هو العذاب الأليم" [الحجر: 49، 50]. وقال: "غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول" [غافر:]. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من جنته أحد).

"وادعوه خوفا وطمعا" أمر بأن يكون الإنسان في حالة ترقب وتخوف وتأميل لله عز وجل، حتى يكون الرجاء والخوف للإنسان كالجناحين للطائر يحملانه في طريق استقامته، وإن انفرد أحدهما هلك الإنسان، قال الله تعالى: "نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم. وأن عذابي هو العذاب الأليم" [الحجر: 49،50]. فرجى وخوف. فيدعو الإنسان خوفا من عقابه وطمعا في ثوابه؛ قال الله تعالى: "ويدعوننا رغبا ورهبا" [الأنبياء: 90]. والخوف: الانزعاج لما لا يؤمن من المضار. والطمع: توقع المحبوب؛ قال القشيري. وقال بعض أهل العلم: ينبغي أن يغلب الخوف الرجاء طول الحياة، فإذا جاء الموت غلب الرجاء. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله).

صحيح مسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة، ما طمع بجنته أحد. ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة، ما قنط من جنته أحد".

وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "قال رجل، لم يعمل حسنة قط، لأهله: إذا مات فحرقوه. ثم اذروا نصفه في البر ونصفه في البحر. فوالله! لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين. فلما مات الرجل فعلوا ما أمرهم. فأمر الله البر فجمع ما فيه. وأمر البحر فجمع ما فيه. ثم قال: لم فعلت هذا؟ قال: من خشيتك يا رب! وأنت أعلم. فغفر الله له".
شرح النووي على مسلم: (من خشيتك يا رب وأنت أعلم فغفر له) اختلف العلماء فى تأويل هذا الحديث:
فقالت طائفة لايصح حمل هذا على أنه أراد نفى قدرة الله فان الشاك فى قدرة الله تعالى كافر وقد قال فى آخر الحديث أنه أنما فعل هذا من خشية الله تعالى والكافر لا يخشى الله تعالى ولا يغفر له قال هؤلاء فيكون له تأويلان أحدهما أن معناه لئن قدر على العذاب أى قضاه.
ولكن قاله هذا الرجل وهو غير ضابط لكلامه ولا قاصد لحقيقة معناه ومعتقد لها بل قاله فى حالة غلب عليه فيها الدهش والخوف وشدة الجزع بحيث ذهب تيقظه وتدبر ما يقوله فصار فى معنى الغافل والناسى وهذه الحالة لايؤاخذ فيها وهو نحو قول القائل الآخر الذى غلب عليه الفرح حين وجد راحلته أنت عبدى وأنا ربك فلم يكفر بذلك الدهش والغلبة والسهو.
وقالت طائفة هذا من مجاز كلام العرب وبديع استعمالها يسمونه مزج الشك باليقين كقوله تعالى وانا أواياكم لعلى هدى فصورته صورة شك والمراد به اليقين.
وقالت طائفة هذا الرجل جهل صفة من صفات الله تعالى, فلا يكفر بجهل الصفة ولا يخرج به عن اسم الايمان بخلاف حجدها.
صحيح مسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لله أشد فرحا بتوبة عبده، حين يتوب إليه، من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة. فانفلتت منه. وعليها طعامه وشرابه. فأيس منها. فأتى شجرة. فاضطجع في ظلها. قد أيس من راحلته. فبينا هو كذلك إذا هو بها، قائمة عنده. فأخذ بخطامها. ثم قال من شدة الفرح: اللهم! أنت عبدي وأنا ربك. أخطأ من شدة الفرح".

صحيح ابن حبان: قال ابو هريرة: مر رسول الله صلى الله عليه و سلم على رهط من أصحابه وهم يضحكون فقا ل: (لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا) فأتاه جبريل فقال: إن الله يقول لك: لم تقنط عبادي؟ قال: فرجع إليهم فقال: (سددوا وقاربوا وأبشروا). (سددوا) يريد به: كونوا مسددين والتسديد لزوم طريقة النبي صلى الله عليه و سلم واتباع سنته و (وقاربوا) يريد به: لا تحملوا على الأنفس من التشديد ما لا تطيقون وأبشروا فإن لكم الجنة إذا لزمتم طريقتي في التسديد وقاربتم في الإعمال.
فتح الباري لابن حجر: معنى الأمر بالسداد والمقاربة أنه صلى الله عليه و سلم أشار بذلك إلى أنه بعث ميسرا مسهلا فأمر أمته بأن يقتصدوا في الأمور لأن ذلك يقتضي الإستدامة.
))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: ان الارض يرثها عبادى الصالحون
********************************
= "الزبور" زبور داود، و"الذكر" توراة موسى عليه السلام.
= وأكثر المفسرين على أن المراد بالعباد الصالحين أمة محمد صلى الله عليه وسلم
= أعطيت مكان التوراة السبع الطوال، وأعطيت مكان الزبور المئين، وأعطيت مكان الإنجيل المثاني، وفضلت بالمفصل
= أعلمك سورة لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها؟
= الزبور مائة وخمسون سورة كلها مواعظ وثناء ليس فيه حلال ولا حرام ولا فرائض ولا حدود بل كان اعتماده على التوراة

= {{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ [الأنبياء: 105]}}.
تفسير القرطبي: "ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين" أي مع أمة محمد صلى الله عليه وسلم بدليل قوله: "أن الأرض يرثها عبادي الصالحون" [الأنبياء: 105] يريد أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

(ولقد كتبنا في الزبور): الزبور والكتاب واحد؛ ولذلك جاز أن يقال للتوراة والإنجيل زبور. وقال سعيد بن جبير: "الزبور" التوراة والإنجيل والقرآن. (من بعد الذكر) الذي في السماء. (آأن الأرض) أرض الجنة. (يرثها عبادي الصالحون).
"الزبور" زبور داود، و"الذكر" توراة موسى عليه السلام.
"الزبور" كتب الأنبياء عليهم السلام، و"الذكر" أم الكتاب الذي عند الله في السماء.
"الزبور" الكتب التي أنزلها الله من بعد موسى على أنبيائه، و"الذكر" التوراة المنزلة على موسى.
(أن الأرض يرثها عبادي الصالحون):أحسن ما قيل فيه أنه يراد بها أرض الجنة. لأن الأرض في الدنيا قال قد يرثها الصالحون وغيرهم. ودليل هذا التأويل قوله تعالى: "وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض" [الزمر: 74].
وعن ابن عباس أنها الأرض المقدسة. وأنها أرض الأمم الكافرة ترثها أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالفتوح.
وأكثر المفسرين على أن المراد بالعباد الصالحين أمة محمد صلى الله عليه وسلم. وقيل: إن في القرآن "لبلاغا لقوم عابدين" قال أبو هريرة: هم أهل الصلوات الخمس. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: "عابدين" مطيعين. والعابد المتذلل الخاضع.
وقال القشيري: ولا يبعد أن يدخل فيه كل عاقل؛ لأنه من حيث الفطرة متذلل للخالق، وهو بحيث لو تأمل القرآن واستعمله لأوصله ذلك إلى الجنة. وقال ابن عباس أيضا: هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذين يصلون الصلوات الخمس ويصومون شهر رمضان. وهذا هو القول الأولي بعينه.

تفسير الطبرى: {أن الأرض يرثها عبادي الصالحون}: اختلف أهل التأويل في المعنى بالزبور والذكر في هذا الموضع، فقال بعضهم: عني بالزبور: كتب الأنبياء كلها التي أنزلها الله عليهم، وعني بالذكر: أم الكتاب التي عنده في السماء.
{ولقد كتبنا في الزبور} قال: قرأها الأعمش: "الزبر" قال: الزبور، والتوراة، والإنجيل، والقرآن؛ {من بعد الذكر} قال: الذكر الذي في السماء.

الزبور: الكتب التي أنزلت على الأنبياء. والذكر: أم الكتاب الذي تكتب فيه الأشياء قبل ذلك.
(أن الأرض يرثها عبادي الصالحون): أن أرض الجنة يرثها عبادي العاملون بطاعته المنتهون إلى أمره ونهيه من عباده، دون العاملين بمعصيته منهم المؤثرين طاعة الشيطان على طاعته.
وقد أخبر سبحانه في التوراة والزبور وسابق علمه قبل أن تكون السماوات والأرض، أن يورث أمة محمد صلى الله عليه وسلم الأرض ويدخلهم الجنة، وهم الصالحون.
قال: هي الأرض التي تجتمع إليها أرواح المؤمنين حتى يكون البعث.
وقيل: هي الأرض يورثها الله المؤمنين في الدنيا.
وقال آخرون: عني بذلك بنو إسرائيل؛ وذلك أن الله وعدهم ذلك فوفى لهم به. واستشهد لقوله ذلك بقول الله: {وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها}. [الأعراف: 137].
وقيل: {أن الأرض يرثها عبادي الصالحون} أنها أرض الأمم الكافرة، ترثها أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

المستدرك للحاكم: {و لقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر} قال: في زبور داود من بعد ذكر موسى أن الأرض يرثها عبادي الصالحون قال: الجنة. صحيح كنوز السنة النبوية: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أعطيت مكان التوراة السبع الطوال، وأعطيت مكان الزبور المئين، وأعطيت مكان الإنجيل المثاني، وفضلت بالمفصل).
صحيح ابن حبان: عن أبي هريرة: عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: (خفف على داود القراءة فكان يأمر بدابته أن تسرج فيفرغ من قراءة الزبور قبل أن تسرج دابته).

سنن الترمذي: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج على أبي بن كعب فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا أبي وهو يصلي فالتفت أبي ولم يجبه وصلى أبي فخفف ثم انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال السلام عليك يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم وعليك السلام ما منعك يا أبي أن تجيبني إذ دعوتك فقال يا رسول الله إني كنت في الصلاة قال أفلم تجد فيما أوحي إلي {استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} قال بلى ولا أعود إن شاء الله قال تحب أن أعلمك سورة لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها؟ قال نعم يا رسول الله قال رسول الله صلى الله عليه و سلم كيف تقرأ في الصلاة؟ قال فقرأ أم القرآن فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم والذي نفسي بيده ما أنزلت في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها وإنها سبع من الثماني والقرآن العظيم الذي أعطيته فتح الباري لابن حجر: (باب قول الله تعالى وآتينا داود زبورا): المراد بالقرآن القراءة وكل شيء جمعته فقد قرأته. والمراد الزبور وقيل التوراة. وقراءة كل نبي تطلق على كتابه الذي أوحى إليه وإنما سماه قرآنا للإشارة إلى وقوع المعجزة به كوقوع المعجزة بالقرآن. وإنما ترددوا بين الزبور والتوراة لأن الزبور كله مواعظ وكانوا يتلقون الأحكام من التوراة.
قال قتادة كنا نتحدث أن الزبور مائة وخمسون سورة كلها مواعظ وثناء ليس فيه حلال ولا حرام ولا فرائض ولا حدود بل كان اعتماده على التوراة.
))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: انه كان فريق من عبادى
فاتخذتموهم سخريا
اني جزيتهم اليوم
******************************
= تقرأ بالضم وهي قراءة نافع. وكسر الباقون.
= هم بلال وخباب وصهيب، وفلان وفلان من ضعفاء المسلمين؛ كان أبو جهل وأصحابه يهزؤون بهم.

= التحذير من السخرية والاستهزاء بالضعفاء والمساكين والاحتقار لهم
= إن رجلا يأتيكم من اليمن يقال له أويس
= لا تظهر الشماتة بأخيك فيرحمه الله ويبتليك

= {{إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ [المؤمنون: 109]}}.
تفسير القرطبي: (إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا): قال مجاهد: هم بلال وخباب وصهيب، وفلان وفلان من ضعفاء المسلمين؛ كان أبو جهل وأصحابه يهزؤون بهم.
(فاتخذتموهم سخريا): سخريا: تقرأ بالضم وهي قراءة نافع. وكسر الباقون. فجعل المكسورة من جهة التهزؤ، والمضمومة من جهة السخرة. هما لغتان بمعنى واحد.
وأن الكسر بمعنى الاستهزاء والسخرية بالقول، والضم بمعنى التسخير والاستبعاد بالفعل.
ويستفاد من هذا: التحذير من السخرية والاستهزاء بالضعفاء والمساكين والاحتقار لهم، والإزراء عليهم والاشتغال بهم فيما لا يغني، وأن ذلك مبعد من الله عز وجل.

= {{فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ [المؤمنون: 110]}}.
= {{إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ [المؤمنون: 111]}}.

تفسير الطبرى: {كان فريق من عبادي} يقول: كانت جماعة من عبادي، وهم أهل الإيمان بالله، يقولون في الدنيا: {ربنا آمنا} بك وبرسلك، وما جاؤوا به من عندك. {فاغفر لنا ذنوبنا وارحمنا} وأنت خير من رحم أهل البلاء، فلا تعذبنا بعذابك.
{فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون} فاتخذتم أيها القائلون لربهم {ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين} في الدنيا، القائلين فيها {ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين} سخريا.

إني جزيتهم اليوم الفوز بالجنة. وقد يحتمل النصب من وجه آخر، وهو أن يكون موجها معناه إلى: إني جزيتهم اليوم بما صبروا، لأنهم هم الفائزون بما صبروا في الدنيا على ما لقوا في ذات الله.

صحيح مسلم: (باب من فضائل أويس القرني): أن أهل الكوفة وفدوا إلى عمر. وفيهم رجل ممن كان يسخر بأويس. فقال عمر: هل ههنا أحد من القرنيين؟ فجاء ذلك الرجل. فقال عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال "إن رجلا يأتيكم من اليمن يقال له أويس. لا يدع باليمن غير أم له. قد كان به بياض. فدعا الله فأذهبه عنه. إلا موضع الدينار أو الدرهم. فمن لقيه منكم فليستغفر لكم".
شعب الإيمان: عن أم عبد الله بنت خالد بن معدان عن أبيها أنها سمعته يقول أن الذين يسخرون من الناس في الدنيا يقال لهم يوم القيامة ادخلوا الجنة فإذا أتوا أبوابها ودنوا يقال لهم يسخر بكم كما كنتم تسخرون بالناس.
شرح النووي على مسلم: وهو أويس بن عامر ويقال أويس بن عمرو قالوا وكنيته أبو عمرو. قال القائل قتل بصفين وهو القرني من بني قرن. وفيهم رجل يسخر بأويس اي يحتقره ويستهزئ به وهذا دليل على أنه يخفي حاله ويكتم السر الذي بينه وبين الله عزوجل ولا يظهر منه شئ يدل لذلك وهذه طريق العارفين وخواص الاولياء رضي الله.
وقوله صلى الله عليه و سلم (فمن لقيه منكم فليستغفر لكم) , وقال لعمر فان استطعت أن يستغفر لك فافعل هذه منقبة ظاهرة لأويس رضي الله عنه وفيه استحباب طلب الدعاء والاستغفار من أهل الصلاح وإن كان الطالب أفضل منهم قوله صلى الله عليه و سلم (إن خير التابعين رجل يقال له أويس إلى آخره).

شعب الإيمان: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: لا تظهر الشماتة بأخيك فيرحمه الله ويبتليك.

شرح سنن ابن ماجه: لا تظهر الشماتة لاخيك فيعافيه الله ويبتليك ففيه عقوبة من جهتين الابتلاء بتلك البلية ثم اظهاره بين الناس وان ستره على نفسه وقد جرب هذا الأمر مرارا نجانا الله تعالى وجميع المسلمين عن هذه البلية العظيمة إنجاح.
فيض القدير للمناوى: (لا تظهر الشماتة لأخيك) بأخيك: وهي الفرح ببلية من تعاديه أو يعاديك (فيرحمه الله) رغما لأنفك وفي رواية فيعافيه الله (ويبتليك) حيث زكيت نفسك ورفعت منزلتك وشمخت بأنفك وشمت به. وأن في الشماتة بالعدو غاية الضرر فالحذر الحذر.
)))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: يا عبادي الذين امنوا ان ارضي واسعة
**********************************
= إن الأرض التي فيها الظلم والمنكر يلزم الهجرة عنها إلى بلد حق, فهاجروا وجاهدوا
= فأخلصوا لي عبادتكم وطاعتكم، ولا تطيعوا في معصيتي أحدا
= النبي صلى الله عليه وسلم قال: سافروا تصحوا وترزقوا
= البلاد بلاد الله والعباد عباد الله فحيثما أصبت خيرا فأقم

= {{يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ [العنكبوت: 56]}}.
صحيح أبي داود: عن عروة قال أشهد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قضى أن الأرض أرض الله والعباد عباد الله ومن أحيا مواتا فهو أحق به جاءنا بهذا عن النبي صلى الله عليه و سلم الذين جاءوا بالصلوات عنه.
سنن الدارقطني: عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: البلاد بلاد الله والعباد عباد الله ومن أحيى من موات الأرض شيئا فهو له وليس لعرق ظالم حق.

تفسير القرطبي: (يا عباديَ الذين آمنوا إن أرضي واسعة): هذه الآية نزلت في تحريض المؤمنين الذين كانوا بمكة على الهجرة فأخبرهم الله تعالى بسعة أرضه وأن البقاء في بقعة على أذى الكفار ليس بصواب بل الصواب أن يتلمس عبادة الله في أرضه مع صالحي عباده. أي إن كنتم في ضيق من إظهار الإيمان بها فهاجروا إلى المدينة فإنها واسعة؛ لإظهار التوحيد بها.
(إن أرضي واسعة): إن الأرض التي فيها الظلم والمنكر يلزم الهجرة عنها إلى بلد حق, فهاجروا وجاهدوا.
(فإياي فاعبدون): أي فاعبدوا إياي, فإن ضاق بكم موضع فإياي فاعبدوني في غيره؛ لأن أرضي واسعة.

تفسير الطبرى: يقول تعالى ذكره للمؤمنين به من عباده: يا عبادي الذين وحدوني وآمنوا بي وبرسولي محمد صلى الله عليه وسلم {إن أرضي واسعة} إذا عمل فيها بالمعاصي، فاخرج منها.
واختلف أهل التأويل في المعنى الذي أريد من الخبر عن سعة الأرض، فقال بعضهم: أريد بذلك أنها لم تضق عليكم فتقيموا بموضع منها لا يحل لكم المقام فيه، ولكن إذا عمل بمكان منها بمعاصي الله فلم تقدروا على تغييره، فاهربوا منه.
وذلك أن الأرض إذا وصفها بسعة، فالغالب من وصفه إياها بذلك، أنها لا تضيق جميعها على من ضاق عليه منها موضع، لا أنه وصفها بكثرة الخير والخصب.
وقوله: {فإياي فاعبدون} يقول: فأخلصوا لي عبادتكم وطاعتكم، ولا تطيعوا في معصيتي أحدا.
الدر المنثور للسيوطي: عن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"البلاد بلاد الله، والعباد عباد الله، فحيثما أصبت خيرا فأقم".
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"سافروا تصحوا وتغنموا".
السنن الكبرى للبيهقي: النبي صلى الله عليه وسلم قال: سافروا تصحوا وترزقوا. وعن ابن عمر رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سافروا تصحوا وتغنموا.

فتح الباري لابن حجر: سافروا تصحوا فإنه لا يلزم من الصحة بالسفر لما فيه من الرياضة أن لا يكون قطعة من العذاب لما فيه من المشقة فصار كالدواء المر المعقب للصحة وإن كان في تناوله الكراهة.

مسند أحمد بن حنبل: عن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: البلاد بلاد الله والعباد عباد الله فحيثما أصبت خيرا فأقم.
كنز العمال: البلاد بلاد الله والعباد عباد الله، فحيثما أصبت خيرا فأقم.
فيض القدير للمناوى: (البلاد بلاد الله والعباد عباد الله فحيثما أصبت خيرا فأقم) وهذا معنى قوله: (يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون). وظاهره أنه لا فضل للزوم الوطن والإقامة به على الإقامة بغيره لكن الأولى بالمريد أن يلازم مكانه إذا لم يكن قصده من السفر استفادة علم مهما سلم له حاله في وطنه وإلا فليطلب موضعا أقرب إلى الخمول وأسلم للدين وأفرغ للقلب وأيسر للعبادة فهو أفضل.
ومعنى الآية أنه إذا لم يتسهل له العبادة في بلد هو فيه ولم يتمشى أمر دينه كما يجب فليهاجر لبلد آخر يقدر أنه فيه أسلم قلبا وأصح دينا وأكثر عبادة وأحسن خشوعا.
))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: وقليل من عبادى الشكور
لئن شكرتم لازيدنكم
*************************
= اللهم اجعلني من القليل؛ فقال عمر: ما هذا الدعاء؟ فقال الرجل: أردت قوله تعالى "وقليل من عبادي الشكور". فقال عمر رضي الله عنه: كل الناس أعلم منك يا عمر!.
= أنه ما شبع قط، فقيل له في ذلك فقال: أخاف إن شبعت أن أنسى الجياع. وهذا من الشكر ومن القليل.= من وسع عليه دنياه فلم يعلم أنه قد مكر به فهو مخدوع عن عقله
= ففيه تنبيه أن توفيه شكر الله صعب؛ ولذلك لم يثن بالشكر من أوليائه إلا على اثنين: قال في إبراهيم عليه السلام: {شاكرا لأنعمه}
= بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخره فشكر الله له فغفر له

= ولكن رضا الله جل وعلا - بعمل العبد - عنه يكون شكرا من الله جل وعلا على ذلك الفعل.
= (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ):وكان ابن مسعود يقرأ: "وإذ قال ربكم" والمعنى واحد.
= لا يرزق الله عبدا الشكر فيحرمه الزيادة لأن الله عز و جل يقول: {لئن شكرتم لأزيدنكم}.

= {{وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ [سبأ: 13]}}.
تفسير القرطبي: (إن الإنسان لكفور) أي لجحود لما ظهر من الآيات الدالة على قدرته ووحدانيته. قال ابن عباس: يريد الأسود بن عبد الأسد وأبا جهل بن هشام والعاص بن هشام وجماعة من المشركين. وقيل: إنما قال ذلك لأن الغالب على الإنسان كفر النعم؛ كما قال تعالى: "وقليل من عبادي الشكور".
(وقليل من عبادي الشكور): يحتمل أن يكون، مخاطبة لآل داود، ويحتمل أن يكون مخاطبة لمحمد صلى الله الله عليه وسلم. قال ابن عطية: وعلى كل وجه ففيه تنبيه وتحريض. وسمع عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه رجلا يقول: اللهم اجعلني من القليل؛ فقال عمر: ما هذا الدعاء؟ فقال الرجل: أردت قوله تعالى "وقليل من عبادي الشكور". فقال عمر رضي الله عنه: كل الناس أعلم منك يا عمر!. وروي أن سليمان عليه السلام كان يأكل الشعير ويطعم أهله الخشكار ويطعم المساكين الدرمك. وقد قيل: إنه كان يأكل الرماد ويتوسده، والأول أصح، إذ الرماد ليس بقوت. وروي أنه ما شبع قط، فقيل له في ذلك فقال: أخاف إن شبعت أن أنسى الجياع. وهذا من الشكر ومن القليل.
قاموس القران الوجوه: الشكر بمعنى التوحيد قوله سبحانه في سورة آل عمران " وسيجزي الله الشاكرين ": يعني الموحدين. وقوله تعالى في سورة الأنعام " أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ". يعني بالموحدين كقوله سبحانه في سورة إبراهيم " لئن شكرتم لأزيدنكم " يقول لئن وحدتم.
الثاني: الشكر شكر النعمة: قوله تعالى في سورة البقرة " واشكروا الله " وفيها " واشكروا لي " وفي سورة النحل " اشكروا نعمة الله ".

مفردات الفاظ القران: والقيام بحقوق الصبر أيسر من القيام بحقوق الشكر فصارت المنحة أعظم البلاءين، وبهذا النظر قال عمر: (بلينا بالضراء فصبرنا وبلينا بالسراء فلم نشكر) ,
ولهذا قال أمير المؤمنين: من وسع عليه دنياه فلم يعلم أنه قد مكر به فهو مخدوع عن عقله.
الشكر: تصور النعمة وإظهارها، قيل: وهو مقلوب عن الكشر، أي: الكشف، ويضاده الكفر، وهو: نسيان النعمة، وسترها، ودابة شكور: مظهرة بسمنها إسداء صاحبها إليها، وقيل: أصله من عين شكرى، أي: ممتلئة، فالشكر على هذا هو الامتلاء من ذكر المنعم عليه. والشكر ثلاثة أضرب:
شكر القلب، وهو تصور النعمة.
وشكر اللسان، وهو الثناء على المنعم.
وشكر سائر الجوارح، وهو مكافأة النعمة بقدر استحقاقه.
فنبه على التزام الأنواع الثلاثة من الشكر بالقلب واللسان وسائر الجوارح: قال: {اشكر لي ولوالديك} [لقمان/ 14]، {وسنجزي الشاكرين} [آل عمران/145]، {ومن شكر فإنما يشكر لنفسه} [النمل/40]، وقوله: {وقليل من عبادي الشكور} [سبأ/13]، ففيه تنبيه أن توفيه شكر الله صعب؛ ولذلك لم يثن بالشكر من أوليائه إلا على اثنين: قال في إبراهيم عليه السلام: {شاكرا لأنعمه} [النحل/121]، وقال في نوح: {إنه كان عبدا شكورا} [الإسراء/3.

صحيح مسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "عجبا لأمر المؤمن. إن أمره كله خير. وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن. إن أصابته سراء شكر. فكان خيرا له. وإن أصابته ضراء صبر. فكان خيرا له". صحيح ابن حبان: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (الطاعم الشاكر بمنزلة الصائم الصابر).
قال أبو حاتم: شكر الطاعم الذي يقوم بإزاء أجر الصائم الصابر: هو أن يطعم المسلم ثم لا يعصي باريه يقويه ويتم شكره بإتيان طاعاته بجوارحه لأن الصائم قرن به الصبر لصبره عن المحظورات وكذلك قرن بالطاعم الشكر فيجب أن يكون هذا الشكر الذي يقوم بإزاء ذلك الصبر يقاربه أو يشاركه وهو ترك المحظورات.

صحيح البخارى: عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال (بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخره فشكر الله له فغفر له).
صحيح ابن حبان: قال أبو حاتم: الله جل وعلا أجل من أن يشكر عبيدة إذ هو البادىء بالإحسان إليهم والمتفضل بإتمامهم عليهم ولكن رضا الله جل وعلا - بعمل العبد - عنه يكون شكرا من الله جل وعلا على ذلك الفعل.

= {{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم: 7]}}.
تفسير القرطبي: "وإذ تأذن ربكم" قيل: هو من قول موسى لقومه. وقيل: هو من قول الله؛ أي واذكر يا محمد إذ قال ربك كذا. و"تأذن" وأذن بمعنى أعلم.
(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ):وكان ابن مسعود يقرأ: "وإذ قال ربكم" والمعنى واحد.
"لئن شكرتم لأزيدنكم" أي لئن شكرتم إنعامي لأزيدنكم من فضلي. الحسن: لئن شكرتم نعمتي لأزيدنكم من طاعتي. ابن عباس: لئن وحدتم وأطعتم لأزيدنكم من الثواب.
والآية نص في أن الشكر سبب المزيد. وسئل بعض الصلحاء عن الشكر لله فقال: ألا تتقوى بنعمه على معاصيه. وحكي عن داود عليه السلام أنه قال: أي رب كيف أشكرك، وشكري لك نعمة مجددة منك علي. قال: يا داود الآن شكرتني. قلت: فحقيقة الشكر على هذا الاعتراف بالنعمة للمنعم. وألا يصرفها في غير طاعته.

شعب الإيمان: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: لا يرزق الله عبدا الشكر فيحرمه الزيادة لأن الله عز و جل يقول: {لئن شكرتم لأزيدنكم}.
وفي الحديث المرفوع: ما أعطى أحد أربعة فمنع أربعة: ما أعطى أحد الشكر فمنع الزيادة لأن الله تعالى يقول: {لئن شكرتم لأزيدنكم}.
و ما أعطى أحد الدعاء فمنع الإجابة لأن الله يقول: {ادعوني أستجب لكم}.
و ما أعطى أحد الاستغفار ثم منع المغفرة لأن الله عز و جل يقول: {استغفروا ربكم إنه كان غفارا}.

و ما أعطى أحد التوبة فمنع التقبل لأن الله عز و جل يقول: {و هو الذي يقبل التوبة عن عباده}.
)))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: قل يا عبادي الذين اسرفوا علي انفسهم
********************************
= أتى وحشي إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال: يا محمد أتيتك مستجيرا فأجرني حتى أسمع كلام الله
= فالتائب مغفور له ذنوبه جميعا يدل على ذلك "وإني لغفار لمن تاب"
= ما في القرآن آية أوسع من هذه الآية: "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله
= من السعادة أن يطيل الله عمر المرء في الطاعة ويرزقه الإنابة، وإن من الشقاوة أن يعمل المرء ويعجب بعمله
= قال زيد بن ثابت: نزلت سورة "النساء "بعد "الفرقان "بستة أشهر.
= ما في القرآن آية أحب إلي من هذه الآية "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء "
= = يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله
= هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول لا إله إلا الله
= مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ
= إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر
= وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللهُ الْجَنَّةَ عَلى مَا كَانَ مِنَ الْعَمَل.
= فَأَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدِهِ وَهُوَ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ بِي مِنْ النَّار

= {{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر: 53]}}.

تفسير القرطبي: (قل يا عبادي الذين اسرفوا علي انفسهم): إنها نزلت في قوم من المسلمين أسرفوا على أنفسهم في العبادة، وخافوا ألا يتقبل منهم لذنوب سبقت لهم في الجاهلية. وقال ابن عباس أيضا وعطاء نزلت في وحشي قاتل حمزة؛ لأنه ظن أن الله لا يقبل إسلامه.
وعن ابن عباس قال: أتى وحشي إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال: يا محمد أتيتك مستجيرا فأجرني حتى أسمع كلام الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قد كنت أحب أن أراك على غير جوار فأما إذ أتيتني مستجيرا فأنت في جواري حتى تسمع كلام الله) قال: فإني أشركت بالله وقتلت النفس التي حرم الله وزنيت، هل يقبل الله منى توبة؟ فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلت: "والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون" [الفرقان: 68] إلى آخر الآية فتلاها عليه؛ فقال أرى شرطا فلعلي لا أعمل صالحا.
أنا في جوارك حتى أسمع كلام الله. فنزلت: "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" [النساء: 48] فدعا به فتلا عليه؛ قال: فلعلي ممن لا يشاء أنا في جوارك حتى أسمع كلام الله. (فنزلت: "يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله" فقال: نعم الآن لا أرى شرطا. فأسلم).
فعن أسماء أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ: "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا ولا يبالي إنه هو الغفور الرحيم". وفي مصحف ابن مسعود "إن الله يغفر الذنوب جميعا لمن يشاء". قال أبو جعفر النحاس: وهاتان القراءتان على التفسير، أي يغفر الله لمن يشاء. فالتائب مغفور له ذنوبه جميعا يدل على ذلك "وإني لغفار لمن تاب" [طه: 8].
وقال علي بن أبي طالب: ما في القرآن آية أوسع من هذه الآية: "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله".

فرد عليه ابن عباس وقال أرجى آية في القرآن قوله تعالى: "وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم" [الرعد: 6].
عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من السعادة أن يطيل الله عمر المرء في الطاعة ويرزقه الإنابة، وإن من الشقاوة أن يعمل المرء ويعجب بعمله).
(إن الله لا يغفر أن يشرك به): روي أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا: "إن الله يغفر الذنوب جميعا " [الزمر: 5] فقال له رجل: يا رسول الله والشرك! فنزل "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء". وهذا من المحكم المتفق عليه الذي لا اختلاف فيه بين الأمة. "ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء "من المتشابه الذي قد تكلم العلماء فيه.
فقال الطبري: قد أبانت هذه الآية أن كل صاحب كبيرة ففي مشيئة الله تعالى إن شاء عفا عنه ذنبه، وإن شاء عاقبه عليه ما لم تكن كبيرته شركا بالله تعالى. وقال بعضهم: قد بين الله تعالى ذلك بقول: "إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم " [النساء: 1] فاعلم أنه يشاء أن يغفر الصغائر لمن اجتنب الكبائر ولا يغفرها لمن أتى الكبائر.
قال زيد بن ثابت: نزلت سورة "النساء "بعد "الفرقان "بستة أشهر.
عن علي بن أبي طالب قال: ما في القرآن آية أحب إلي من هذه الآية "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ".

صحيح البخارى: عن أنس رضي الله عنه قال: كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه و سلم فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه و سلم يعوده فقعد عند رأسه فقال له (أسلم). فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له أطع أبا القاسم صلى الله عليه و سلم فأسلم فخرج النبي صلى الله عليه و سلم وهو يقول (الحمد لله الذي أنقذه من النار). عمدة القاري شرح صحيح البخاري: كان غلام يهودي يخدم النبي فمرض فأتاه النبي يعوده فقعد عند رأسه فقال له أسلم فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له أطع أبا القاسم فأسلم فخرج النبي وهو يقول الحمد لله الذي أنقذه من النار.

فقال له أسلم حيث عرض النبي الإسلام على الغلام اليهودي الذي كان يخدمه وكان اسمه عبد القدوس. قوله: (يعوده) أي يزوره. قوله: (فقعد عند رأسه) ويروى فقعد عنده. قوله: (فأسلم) قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله. قوله: (أنقذه من النار) أي خلصه ونجاه من النار. وفي رواية: أنقذه بي من النار.
فإن قلت ما الحكمة في دعائه إليه بحضرة أبيه؟. قلت: لأن الله تعالى أخذ عليه فرض التبليغ لعباده ولا يخاف في الله لومة لائم. وفيه تعذيب من لم يسلم إذا عقل الكفر لقوله الحمد لله الذي أنقذه من النار وفيه جواز عيادة أهل الذمة ولا سيما إذا كان الذمي جارا له لأن فيه إظهار محاسن الإسلام وزيادة التآلف بهم ليرغبوا في الإسلام.
مسند الصحابة في الكتب التسعة: عن أَنَسٍ أَنَّ غُلَامًا مِنْ الْيَهُودِ كَانَ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ وَهُوَ بِالْمَوْتِ فَدَعَاهُ إِلَى الْإِسْلَامِ فَنَظَرَ الْغُلَامُ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ فَأَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدِهِ وَهُوَ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ بِي مِنْ النَّار. ِ

صحيح البخارى: أنه لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه و سلم فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أمية بن المغيرة قال: رسول الله صلى الله عليه و سلم لأبي طالب (يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله). فقال أبو جهل وعبد الله بن أمية يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب فلم يزل رسول الله صلى الله عليه و سلم يعرضها عليه ويعودان بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول لا إله إلا الله. فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم (أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك). فأنزل الله تعالى فيه: {{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}} [التوبة: 113]}}. [ش (أشهد لك بها) أحاجج لك بها وأدافع عنك. (أترغب عن ملة) أتعرض عن طريقة. (أنه عنك) أنه عن الاستغفار لك .. أي ثبت لهم أنهم من أهل النار بموتهم على الكفر والشرك].

صحيح الترمذي: عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر.
العرف الشذي للكشميري: (يقبل التوبة العبد ما لم يغرغر) قالت العلماء: إن التوبة عن الكفر حالة الغرغرة غير مقبولة، والتوبة عن المعاصي مقبولة.

ما تفق عليه الشيخان: عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللهُ الْجَنَّةَ عَلى مَا كَانَ مِنَ الْعَمَل.
)))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))

وقفة مع: صفات وسلوك واقوال عباد الرحمن
أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا [الفرقان: 75]
خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا [الفرقان: 76]
**************************************************
= وشَقِّ الصَّدْرِ النبي وَغَسْلِ الْقَلْبِ بَعْدَ اسْتِخْرَاجِ حَظِّ الشَّيْطَانِ مِنْهُ
= فمن أطاع الله وعبده وشغل سمعه وبصره ولسانه وقلبه بما أمره فهو الذي يستحق اسم العبودية
= والقصد والتؤدة وحسن السمت من أخلاق النبوة
= وتحذير للنبي صلى الله عليه وسلم عن العجلة وعدم التؤدة لئلا يقع فيما لا ينبغي
= وروي في صفته صلى الله عليه وسلم أنه كان: إذا زال زال تقلعا، ويخطو تكفؤا
= ةد ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق أن يتصدق بجميع ماله؛ لأن ذلك وسط بنسبة جلده وصبره في الدين، ومنع غيره من ذلك
= قراءات قرانية: (ولم يقتروا): قرأ حمزة "يقتروا" ((بفتح الياء وضم التاء))
= يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما. فلا تظالموا
= قال الله عز وجل: إذا هم عبدي بحسنة ولم يعملها كتبتها له حسنة
= من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج" ثلاثا، غير تمام. فقيل لأبي هريرة: إنا نكون وراء الأمام. فقال: اقرأ بها في نفسك
= وأم القرآن اسم الفاتحة وسميت أم القرآن لأنها فاتحته كما سميت مكة أم القرى لأنها أصلها
= قراءة الفاتحة واجبة عند الشافعي على الإمام والمأموم والمنفرد ومما يؤيد وجوبها على المأموم قول أبي هريرة اقرأ بها في نفسك فمعناه اقرأها سرا بحيث تسمع نفسك.
= واتفقوا على أن الجنب لو تدبر القرآن بقلبه من غير حركة لسانه لا يكون قارئا مرتكبا لقراءة الجنب المحرمة
= فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر
= كنت أداين الناس فآمر فتياني أن ينظروا المعسر ويتجوزوا عن الموسر

= أنت سيدنا قال: "السيد الله". قالوا: وأفضلنا فضلاً، وأعظمنا طَولاً. قال: فقال: " قولوا بقولكم، ولا يستجرينكم الشيطان
= وعن جابر أن عمر كان يقول أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا يعني بلالا
= إنما أضاف المرض إليه سبحانه وتعالى والمراد العبد تشريفا للعبد وتقريبا له
= وقال تعالى: (ولذكر الله أكبر) أي أكبر العبادات.
= من تقرب مني شبرا تقربت إليه ذراعا يعني بالمغفرة والرحمة
= (اللهم أنت عبدي وانا ربك): أخطأ من شدة الفرح قال عياض فيه ان ما قاله الإنسان من مثل هذا في حال دهشته وذهوله لا يؤاخذ به.
= وحد التوبة الرجوع عن الذنب والعزم ان لا يعود إليه والاقلاع عنه والاستغفار.

وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ: [الفرقان: 63 - 76]
= (الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا): بالحلم والسكينة والوقار غير مستكبرين، ولا متجبرين، ولا ساعين فيها بالفساد ومعاصي الله).
= (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا): الذين يبيتون لربهم يصلون لله، يراوحون بين سجود في صلاتهم وقيام. وقوله: {وقياما} جمع قائم، كما الصيام جمع صائم.
= (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا): إن عذاب جهنم كان غراما ملحا دائما لازما غير مفارق من عذب به من الكفار، ومهلكا له. وإن الله سأل الكفار عن نعمه، فلم يردوها إليه، فأغرمهم، فأدخلهم النار.

= (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا): وكما قال جل ثناؤه لمحمد صلى الله عليه وسلم: {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا} [الإسراء: 29] وذلك هو ما حده صلى الله عليه وسلم فيما دون ذلك على قدر المال واحتماله. والإسراف ما كان من نفقة في معصية الله، وإن قلت. قال: وإياها عني الله، وسماها إسرافا قالوا: والإقتار المنع من حق الله.
= (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ): سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أي العمل شر؟ قال: "أن تجعل لله ندا وهو خلقك، وأن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك، وأن تزني بجارتك". والذين لا يعبدون مع الله إلها آخر، فيشركون في عبادتهم إياه، ولكنهم يخلصون له العبادة ويفردونه بالطاعة.
{ولا يقتلون النفس التي حرم الله} قتلها. {إلا بالحق} إما بكفر بالله بعد إسلامها، أو زنا بعد إحصانها، أو قتل نفس، فتقتل بها. {ولا يزنون} فيأتون ما حرم الله عليهم إتيانه من الفروج.= (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا): الزور: الشرك. والزور قولهم لآلهتهم، وتعظيمهم إياها. والزور هو الغناء. {والذين لا يشهدون الزور} قال: لا يسمعون الغناء. واللغو ما كانوا فيه من الباطل. وأمرهم إذا مروا باللغو الذي هو شرك، أن يقاتلوا أمراءه، وإذا مروا باللغو، الذي هو معصية لله أن يغيروه.

= (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا): والذين إذا ذكرهم مذكر بحجج الله، لم يكونوا صما لا يسمعون، وعميا لا يبصرونها. ولكنهم يقاظ القلوب، فهماء العقول، يفهمون عن الله ما يذكرهم به، ويفهمون عنه ما ينبههم عليه، فيوعون مواعظه آذانا سمعته، وقلوبا وعته.
= (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا): سمعت كثيرا سأل الحسن، قال: يا أبا سعيد، قول الله {هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين} في الدنيا والآخرة، قال: لا بل في الدنيا، قال: وما ذاك؟ قال: المؤمن يرى زوجته وولده يطيعون الله. وإنما قرة أعينهم أن يروهم يعملون بطاعة الله.

غرائب القران ورغائب الفرقان: عباد الرحمن: جمع عبد أو عابد
تفسير المنار: وشَقِّ الصَّدْرِ النبي وَغَسْلِ الْقَلْبِ بَعْدَ اسْتِخْرَاجِ حَظِّ الشَّيْطَانِ مِنْهُ: وَلَعَلَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِلشَّيْطَانِ نَصِيبٌ مِنْ قَلْبِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا بِالْوَسْوَسَةِ. قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَيْطَانِهِ: إِلَّا أَنَّ اللهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ. وَفِي رِوَايَةٍ: فَلَا يَأْمُرُ إِلَّا بِخَيْرٍ.

(الذين يمشون على الأرض هونا): لما ذكر جهالات المشركين وطعنهم في القرآن والنبوة ذكر عباده المؤمنين أيضا وذكر صفاتهم، وأضافهم إلى عبوديته تشريفا لهم، كما قال: "سبحان الذي أسرى بعبده" [الإسراء: 1]. فمن أطاع الله وعبده وشغل سمعه وبصره ولسانه وقلبه بما أمره فهو الذي يستحق اسم العبودية. وعباد الرحمن هم الذين يمشون على الأرض مدة حياتهم وتصرفاتهم لا سيما والانتقال في الأرض؛ وهو معاشرة الناس وخلطتهم.

(هونا): وهو من السكينة والوقار. يمشون على الأرض حلماء متواضعين، يمشون في اقتصاد. والقصد والتؤدة وحسن السمت من أخلاق النبوة. وقال صلى الله عليه وسلم: (أيها الناس عليكم بالسكينة فإن البر ليس في الإيضاع).
الإيضاع للإبل والإيجاف للخيل. (أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا قدم من سفر فنظر إلى جدرات المدينة أوضع راحلته وإن كان على دابة جرها من جنبها). الإيضاع: حث الدابة على سرعة السير.
((والقصد هو الإرادة. وقوله سبحانه إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام الآية هذا ابتداء دعاء إلى عبادة الله عز و جل وتوحيده وذكر بعض الناس أن الحكمة في خلق الله تعالى هذه الأشياء في مدة محدودة ممتدة وفي القدرة أن يقول لها كن فتكون إنما هي ليعلم عباده التؤدة والتماهل في الأمور. وتحذير للنبي صلى الله عليه وسلم عن العجلة وعدم التؤدة لئلا يقع فيما لا ينبغي.
وروي في صفته صلى الله عليه وسلم أنه كان: إذا زال زال تقلعا، ويخطو تكفؤا، ويمشي هونا، ذريع المشية إذا مشى كأنما ينحط من صبب. ((التقلع، رفع الرجل بقوة والتكفؤ: الميل إلى سنن المشي وقصده. والهون الرفق والوقار. والذريع الواسع الخطا؛ أي أن مشيه كان يرفع فيه رجله بسرعة ويمد خطوه؛ خلاف مشية المختال، ويقصد سمته؛ وكل ذلك برفق وتثبت دون عجلة)). كما قال: كأنما ينحط مكن صبب.
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسرع جبلة لا تكلفا, وسرعة المشي تذهب بهاء الوجه: يريد الإسراع الحثيث لأنه يخل بالوقار؛ والخير في التوسط.

وقال زيد بن أسلم: كنت أسأل عن تفسير قوله تعالى: "الذين يمشون على الأرض هونا" فما وجدت من ذلك شفاء، فرأيت في المنام من جاءني فقال لى: هم الذين لا يريدون أن يفسدوا في الأرض. قال القشيري؛ وقيل لا يمشون لإفساد ومعصية، بل في طاعة الله والأمور المباحة من غير هوك. وقد قال الله تعالى: "ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور" [لقمان: 18]. وقال ابن عباس: بالطاعة والمعروف والتواضع. الحسن: حلماء إن جهل عليهم لم يجهلوا. وقيل: لا يتكبرون على الناس.
(وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما): أي صوابا؛ فسلاما معنى قولهم لا لفظه. ألا ترى أن الله تعالى لما أراد ذكر اللفظ قاله بعينه فقال، مخبرا عن الملائكة: "سلام عليكم بما صبرتم" [الرعد: 4] "سلام عليكم طبتم" [الزمر: 7] وقيل: دعوا له؛ والمعنى سلمت سلاما. " قالوا سلاما": أي لنا ديننا ولكم دينكم "سلام عليكم" أي أمنا لكم منا فإنا لا نحاربكم، ولا نسابكم.

(والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما): وقال ابن عباس: من صلى ركعتين أو أكثر بعد العشاء فقد بات لله ساجدا وقائما. وقال الكلبي: من أقام ركعتين بعد المغرب وأربعا بعد العشاء فقد بات ساجدا وقائما.

(والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم): أي هم مع طاعتهم مشفقون خائفون وجلون من عذاب الله. يقولون ذلك في سجودهم وقيامهم. "إن عذابها كان غراما" أي لازما دائما غير مفارق. ومنه سمي الغريم لملازمته. وقال الحسن: قد علموا أن كل غريم يفارق غريمه إلا غريم جهنم. وقال الزجاج: الغرام أشد العذاب. وقال ابن زيد: الغرام الشر. وقال أبو عبيدة: الهلاك. والمعنى واحد. وقال محمد بن كعب: طالبهم الله تعالى بثمن النعيم في الدنيا فلم يأتوا به، فأغرمهم ثمنها بإدخالهم النار.

(والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا): اختلف المفسرون في تأويل هذه الآية: فقال النحاس: معناه أن من أنفق في غير طاعة الله فهو الإسراف، ومن أمسك عن طاعة الله عز وجل فهو الإقتار، ومن أنفق، في طاعة الله تعالى فهو القوام. وقال ابن عاس: من أنفق مائة ألف في حق فليس بسرف، ومن أنفق درهما في غير حقه فهو سرف، ومن منع من حق عليه فقد قتر. وقال عون بن عبدالله: الإسراف أن تنفق مال غيرك. والنفقة في معصية أمر قد حظرت الشريعة قليله وكثيره وكذلك التعدي على مال الغير، وهؤلاء الموصوفون منزهون عن ذلك، وإنما التأديب في هذه الآية هو في نفقة الطاعات في المباحات، فأدب الشرع فيها ألا يفرط الإنسان حتى يضيع حقا آخر أو عيالا ونحو هذا، وألا يضيق أيضا ويقتر حتى يجيع العيال ويفرط في الشح، والحسن في ذلك هو القوام، أي العدل، والقوام في كل واحد بحسب عياله وحاله، وخفة ظهره وصبره وجلده على الكسب، أو ضد هذه الخصال، وخير الأمور أوساطها.
ةد ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق أن يتصدق بجميع ماله؛ لأن ذلك وسط بنسبة جلده وصبره في الدين، ومنع غيره من ذلك.
وقال عمر بن الخطاب: كفى بالمرء سرفا ألا يشتهي شيئا إلا اشتراه فأكله. وفي سنن ابن ماجة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من السرف أن تأكل كل ما اشتهيت) وقال أبو عبيدة: لم يزيدوا على المعروف ولم يبخلوا. كقوله تعالى: "ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط" [الإسراء: 9].
شرح سنن ابن ماجه: ان من السرف: السرف الصرف في غير المحل غير مرضاة الله تعالى والوعيد ثابت في حقه في التنزيل انه لا يحب المسرفين.

فيض القدير للمناوى: (إن من السرف) أي مجاوزة الحد المرضي وفي رواية من الإسراف (أن تأكل كل ما اشتهيت) لأن النفس إذا اعتادت ذلك من صاحبها شرهت ونزقت من رتبة لأخرى فلا يقدر بعد ذلك على كفها فيقع في أعلى مراتب السرف المذموم قال الحجة وأكلتان في يوم سرف وأكلة في يومين تقتير وأكلة في يوم هو المحمود.

قراءات قرانية: (ولم يقتروا): قرأ حمزة "يقتروا" ((بفتح الياء وضم التاء))، وهي قراءة حسنة؛ من قتر يقتر.
وقرأ أبو عمرو: ((بفتح الياء وكسر التاء)). وقرأ أهل المدينة: ((بضم الياء وكسر التاء)).
وإن كان فتح الياء أصح وأقرب متناولا، وأشهر وأعرف.
وقرأ أبو عمرو قواما" ((بفتح القاف)) يعني عدلا. وقرأ حسان بن عبدالرحمن: ((قواما)) بكسر القاف؛ أي مبلغا وسدادا وملاك حال. والقوام بكسر القاف، ما يدوم عليه الأمر ويستقر.

(والذين لا يدعون مع الله إلها آخر) إخراج لعباده المؤمنين من صفات الكفرة في عبادتهم الأوثان، وقتلهم النفس بوأد البنات؛ وغير ذلك من الظلم والاغتيال، والغارات، ومن الزنى الذي كان عندهم مباحا.
حديث عبدالله بن مسعود قال قلت: يا رسول الله، أي الذنب أكبر عند الله؟ قال: (أن تدعو لله ندا وهو خلقك) قال: ثم أي؟ قال: (أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم) قال: ثم أي؟ قال: (أن تزاني حليلة جارك) فأنزل الله تعالى تصديقها: "والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن يفعل ذلك يلق أثاما". والأثام في كلام العرب العقاب.
عن ابن عباس: أن ناسا من أهل الشرك قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا؛ فأتوا محمدا صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن، وهو يخبرنا بأن لما عملنا كفارة، فنزلت: "والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما". ونزل: "يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم" [الزمر: 5] الآية.

(والذين لا يشهدون الزور): أي لا يحضرون الكذب والباطل ولا يشاهدونه. والزور كل باطل زور وزخرف، وأعظمه الشرك وتعظيم الأنداد. وأنه أعياد المشركين. ولعب كان في الجاهلية يسمى بالزور. والغناء. والكذب. والمعنى لا يشهدون بالزور، من الشهادة لا من المشاهدة. قال ابن العربي: أما القول بأنه الكذب فصحيح، لأن كل ذلك إلى الكذب يرجع، وأما من قال إنه لعب كان في الجاهلية فإنه يحرم ذلك إذا كان فيه قمار أو جهالة، أو أمر يعود إلى الكفر، وأما القول بأنه الغناء فليس ينتهي إلى هذا الحد.
قلت: من الغناء ما ينتهي سماعه إلى التحريم، وذلك كالأشعار التي توصف فيها الصور المستحسنات والخمر وغير ذلك مما يحرك الطباع ومخرجها عن الاعتدال، أو يثير كامنا من حب اللهو.

(وإذا مروا باللغو مروا كراما): اللغو، وهو كل سقط من قول أو فعل؛ فيدخل فيه الغناء واللهو وغير ذلك مما قاربه، وتدخل فيه سفه المشركين وأذاهم المؤمنين وذكر النساء وغير ذلك من المنكر.
وقال الحسن: اللغو المعاصي كلها. و"كراما" معناه معرضين منكرين لا يرضونه، ولا يمالئون عليه، ولا يجالسون أهله. أي مروا مر الكرام الذين لا يدخلون في الباطل.
وروي أن عبدالله بن مسعود سمع غناء فأسرع وذهب، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (لقد أصبح ابن أم عبد كريما). وقيل: من المرور باللغو كريما أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.

(والذين إذا ذكروا بآيات ربهم): أي إذا قرئ عليهم القرآن ذكروا آخرتهم ومعادهم ولم يتغافلوا حتى يكونوا بمنزلة من لا يسمع. (لم يخروا عليها صما وعميانا) أن يخروا صما وعميانا هي صفة الكفار، وهي عبارة عن إعراضهم. فكأن المستمع للذكر قائم القناة قويم الأمر، فإذا أعرض وضل كان ذلك خرورا، وهو السقوط على غير نظام وترتيب.

قال بعضهم: إن من سمع رجلا يقرأ سجدة يسجد معه؛ لأنه قد سمع آيات الله تتلى عليه. قال ابن العربي: وهذا لا يلزم إلا القارئ وحده، وأما غيره فلا يلزمه ذلك إلا في مسألة واحدة؛ وهو أن الرجل إذا تلا القرآن وقرأ السجدة فإن كان الذي جلس معه جلس ليسمعه فليسجد معه، وإن لم يلتزم السماع معه فلا سجود عليه.

(والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين): أي مطيعين لك. وفيه جواز الدعاء بالولد. والذرية تكون واحدا وجمعا. فكونها للواحد قوله: "رب هب لي من لدنك ذرية طيبة" "فهب لي من لدنك وليا" [مريم: 5] وكونها للجمع "ذرية ضعافا" [النساء: 9].
وذلك أن الإنسان إذا بورك له في ماله وولده قرت عينه بأهله وعياله، حتى إذا كانت عنده زوجة اجتمعت له فيها أمانيه من جمال وعفة ونظر وحوطة أو كانت عنده ذرية محافظون على الطاعة، معاونون له على وظائف الدين والدنيا، لم يلتفت إلى زوج أحد ولا إلى ولده، فتسكن عينه عن الملاحظة، ولا تمتد عينه إلى ما ترى؛ فذلك حين قرة العين، وسكون النفس.

(واجعلنا للمتقين إماما) أي قدوة يقتدى بنا في الخير، وهذا لا يكون إلا أن يكون الداعي متقيا قدوة؛ وهذا هو قصد الداعي. وفي الموطأ: (إنكم أيها الرهط أئمة يقتدى بكم) فكان ابن عمر يقول في دعائه: اللهم اجعلنا من أئمة المتقين. والإمامة بالدعاء لا بالدعوى، يعني بتوفيق الله وتيسيره ومنته لا بما يدعيه كل أحد لنفسه. وقال إبراهيم النخعي: لم يطلبوا الرياسة بل بأن يكونوا قدوة في الدين. وقال ابن عباس: اجعلنا أئمة هدى، كما قال تعالى: "وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا" [السجدة: 4].
ويكون فيه دليل على أن طلب الرياسة في الدين ندب.

(أولئك يجزون الغرفة بما صبروا): وأوصافهم من التحلي والتخلي؛ وهي إحدى عشرة: التواضع، والحلم، والتهجد، والخوف، وترك الإسراف والإقتار، والنزاهة عن الشرك، والزنى والقتل، والتوبة وتجنب الكذب، والعفو عن المسيء، وقبول المواعظ، والابتهال إلى الله.
و (الغرفة): الدرجة الرفيعة وهي أعلى منازل الجنة وأفضلها كما أن الغرفة أعلى مساكن الدنيا. والغرفة الجنة.
(بما صبروا): أي بصبرهم على أمر ربهم: وطاعة نبيهم عليه أفضل الصلاة والسلام. وبما صبروا على الفقر والفاقة في الدنيا. وبما صبروا عن الشهوات.

(ويلقون فيها تحية وسلاما): والتحية من الله والسلام من الملائكة. وقيل: التحية البقاء الدائم والملك العظيم؛ والأظهر أنهما بمعنى واحد، وأنهما من قبل الله تعالى؛ دليله قوله تعالى: "تحيتهم يوم يلقونه سلام" [الأحزاب: 44].

صحيح البخارى: عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي؟ فيقولون تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون). [ش: (يتعاقبون فيكم) تأتي طائفة بعد الأخرى. (يعرج) يصعد إلى السماء. (فيسألهم وهو أعلم بهم) أي فيسأل الله تعالى الملائكة عن حال المصلين وهو أعلم بحالهم والحكمة من سؤالهم إظهار شهادتهم لبني آدم بالخير]

صحيح مسلم: عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال "يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما. فلا تظالموا. يا عبادي! كلكم ضال إلا من هديته. فاستهدوني أهدكم. يا عبادي! كلكم جائع إلا من أطعمته. فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي! كلكم عار إلا من كسوته. فاستكسوني أكسكم. يا عبادي! إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا. فاستغفروني أغفر لكم. يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني. ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم. كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم. ما زاد ذلك في ملكي شيئا. يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم. وإنسكم وجنكم. كانوا على أفجر قلب رجل واحد. ما نقص ذلك من ملكي شيئا. يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم. وإنسكم وجنكم. قاموا في صعيد واحد فسألوني. فأعطيت كل إنسان مسألته. ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر. يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم. ثم أوفيكم إياها. فمن وجد خيرا فليحمد الله. ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه".
شرح النووي على مسلم: (اني حرمت الظلم على نفسي) قال العلماء معناه تقدست عنه وتعاليت والظلم مستحيل في حق الله سبحانه وتعالى كيف يجاوز سبحانه حدا وليس فوقه من يطيعه وكيف يتصرف في غير ملك والعالم كله في ملكه وسلطانه.
واصل التحريم في اللغة المنع فسمي تقدسه عن الظلم تحريما لمشابهته للممنوع في اصل عدم الشئ قوله تعالى (وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا) أي لا تتظالموا والمراد لا يظلم بعضكم بعضا وهذا توكيد لقوله تعالى يا عبادي وجعلته بينكم محرما وزيادة تغليظ في تحريمه قوله تعالى (كلكم ضال إلا من هديته)

وظاهر هذا انهم خلقوا على الضلال إلا من هداه الله تعالى وفي الحديث المشهور كل مولود يولد على الفطرة قال فقد يكون المراد بالاول وصفهم بما كانوا عليه قبل مبعث النبي صلى الله عليه و سلم وانهم لو تركوا وما في طباعهم من ايثار الشهوات والراحة واهمال النظر لضلوا.
سبل السلام للصنعاني: قال الرب تبارك وتعالى: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي" وأخبرنا بأنه لا يفعله في كتابه بقوله: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا". والتحريم لغة المنع عن الشيء وشرعا ما يستحق فاعله العقاب وهذا غير صحيح إرادته في حقه تعالى بل المراد به أنه تعالى منزه متقدس عن الظلم وأطلق عليه لفظ التحريم لمشابهته الممنوع بجامع عدم الشيء والظلم مستحيل في حقه تعالى لأن الظلم في عرف اللغة التصرف غي غير الملك أو مجاوزة الحد وكلاهما محال في حقه تعالى لأنه المالك للعالم كله المتصرف بسلطانه في دقه وجله وقوله فلا تظالموا تأكيد لقوله وجعلته بينكم محرما والظلم قبيح عقلا أقره الشارع وزاده قبحا وتوعد عليه بالعذاب وقد خاب من حمل ظلما وغيرها.

صحيح مسلم: عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: "قال الله عز وجل: إذا هم عبدي بحسنة ولم يعملها كتبتها له حسنة. فإن عملها كتبتها عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف. وإذا هم بسيئة ولم يعملها لم أكتبها عليه. فإن عملها كتبتها سيئة واحدة".

فيض القدير للمناوى: (قال الله تعالى إذا هم عبدي بحسنة) أي أرادها مصمما عليها عازما على فعلها (ولم يعملها) لأمر عاقه عنها (كتبت له حسنة) أي كتبت الحسنة التي هم بها ولم يعملها كتابة واحدة لأن الهم سببها وسبب الخير خير فوقع حسنة موقع المصدر (فإن عملها كتبتها له عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف وإذا هم بسيئة ولم يعملها لم أكتبها عليه) أي إن تركها خوفا منه تعالى ومراقبة له بدليل زيادة مسلم إنما تركها من جرائي أي من أجلي وإن تركها لأمر آخر صده عنها فلا (فإن عملها كتبتها سيئة واحدة) أي كتبت له السيئة كتابة واحدة عملا بالفضل في جانبي الخير والشر ولم يقل له مؤكدا لها لعدم الاعتناء بها المفاد من الحصر في قوله: (ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها).

صحيح مسلم: عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم" من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج" ثلاثا، غير تمام. فقيل لأبي هريرة: إنا نكون وراء الأمام. فقال: اقرأ بها في نفسك، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: قسمت الصلاة بين وبين عبدي نصفين. ولعبدي ما سأل. فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله تعالى: حمدني عبدي. وإذا قال؛ الرحمن الرحيم. قال الله تعالى؛ أثنى علي عبدي. وإذا قال مالك يوم الدين. قال: مجدني عبدي (وقال مرة: فوض إلى عبدي) فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين. قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل. فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين. قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل.
شرح النووي على مسلم: الخداج النقصان يقال خدجت الناقة إذا ألقت ولدها قبل أوان النتاج. وأم القرآن اسم الفاتحة وسميت أم القرآن لأنها فاتحته كما سميت مكة أم القرى لأنها أصلها.

شرح النووي على مسلم: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (لا يجزى صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب) وأما حديث اقرأ ما تيسر فمحمول على الفاتحة فإنها متيسرة أو على ما زاد على الفاتحة بعدها أو على من عجز عن الفاتحة.
وأن قراءة الفاتحة واجبة عند الشافعي على الإمام والمأموم والمنفرد ومما يؤيد وجوبها على المأموم قول أبي هريرة اقرأ بها في نفسك فمعناه اقرأها سرا بحيث تسمع نفسك.
واتفقوا على أن الجنب لو تدبر القرآن بقلبه من غير حركة لسانه لا يكون قارئا مرتكبا لقراءة الجنب المحرمة
(باب حجة من قال البسملة آية من اول كل سورة سوى براءة) فيه انس رضي الله عنه قال (بينا رسول الله صلى الله عليه و سلم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسما فقلنا ما أضحكك يا رسول الله قال أنزلت علي آنفا سورة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر ثم قال أتدرون ما الكوثر فقلنا الله ورسوله أعلم قال فإنه نهر وعدنيه ربي عز و جل عليه خير كثير هو حوض يرد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد النجوم فيختلج العبد منهم فأقول رب إنه من أمتي فيقال ما تدري ما أحدثوا بعدك).

صحيح مسلم: عن حذيفة. قال: أتى الله بعبد من عباده، آتاه الله مالا. فقال له: ماذا عملت في الدنيا؟ (قال: ولا يكتمون الله حديثا) قال: يا رب! آتيتني مالك. فكنت أبايع الناس. وكان من خلقي الجواز. فكنت أتيسر على الموسر وأنظر المعسر. فقال الله: أنا أحق بذا منك. تجاوزوا عن عبدي).
شرح النووي على مسلم: (كنت أداين الناس فآمر فتياني أن ينظروا المعسر ويتجوزوا عن الموسر) قال الله تجوزوا عنه. وفي رواية كنت أقبل الميسور وأتجاوز عن المعسور. وفي رواية كنت أنظر المعسر وأتجوز في السكة او في النقد. وفي رواية وكان من خلقي الجواز فكنت أتيسر على الموسر وأنظر المعسر.

والتجاوز والتجوز معناهما المسامحة في الاقتضاء والاستيفاء وقبول ما فيه نقص يسير كما قال وأتجوز في السكة وفي هذه الأحاديث فضل إنظار المعسر والوضع عنه إما كل الدين وإما بعضه من كثير أو قليل وفضل المسامحة في الاقتضاء وفي الاستيفاء سواء استوفى من موسر أو معسر وفضل الوضع من الدين وأنه لا يحتقر شيء من أفعال الخير فلعله سبب السعادة والرحمة.

صحيح مسلم: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم "لا يقولن أحدكم: عبدي فكلكم عبيدالله. ولكن ليقل: فتاي ولا يقل العبد: ربي. ولكن ليقل: سيدي ".
شرح النووي على مسلم: ولا يقل العبد لسيده مولاي فان مولاكم الله. وفي رواية لا يقولن أحدكم اسق ربك أو أطعم ربك وضئ ربك ولا يقل أحدكم ربي وليقل سيدي ومولاي ولا يقل أحدكم عبدي أمتي وليقل فتاي فتاتي غلامي. قال العلماء مقصود الأحاديث شيئان أحدهما نهى المملوك أن يقول لسيده ربي لأن الربوبية انما حقيقتها لله تعالى لأن الرب هو المالك أو القائم بالشئ ولا يوجد حقيقة هذا إلا في الله تعالى فان قيل فقد قال النبي صلى الله عليه و سلم في أشراط الساعة أن تلد الامة ربتها أو ربها فالجواب من وجهين أحدهما أن الحديث الثاني لبيان الجواز وأن النهي في الأول للأدب وكراهة التنزيه لا للتحريم والثاني أن المراد النهي عن الاكثار من استعمال هذه اللفظة واتخاذها عادة شائعة ولم ينه عن اطلاقها في نادر من الأحوال. ولا نهي في قول المملوك سيدي لقوله صلى الله عليه و سلم ليقل سيدي لأن لفظة السيد غير مختصة بالله تعالى اختصاص الرب ولا مستعملة فيه كاستعمالها.

وعن مالك أنه كره الدعاء بسيدي ولم يأت تسمية الله تعالى بالسيد في القرآن ولا في حديث متواتر وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم إن ابني هذا سيد وقوموا إلى سيدكم يعني سعد بن معاذ وفي الحديث الآخر اسمعوا ما يقول سيدكم يعني سعد بن عبادة فليس في قول العبد سيدي اشكال ولا لبس لأنه يستعمله غير العبد والأمة.
صحيح الأدب المفرد للبخاري: عن مطرف قال: قال أبي: انطلقت في وفد بني عامر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: أنت سيدنا قال: "السيد الله". قالوا: وأفضلنا فضلاً، وأعظمنا طَولاً. قال: فقال: " قولوا بقولكم، ولا يستجرينكم الشيطان"
عون المعبود للابادي: (فقال السيد الله) أي هو الحقيق بهذا الاسم. أي الذي يملك نواصي الخلق ويتولاهم هو الله سبحانه. قال النبي: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر) أي لا أقول افتخارا بل تحدثا بنعمة الله. وعن جابر أن عمر كان يقول أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا يعني بلالا. وهو بالنسبة إلى بلال تواضع.

صحيح مسلم: عن أبي هريرة. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله عز وجل يقول، يوم القيامة: يا ابن آدم! مرضت فلم تعدني. قال: يا رب! كيف أعودك؟ وأنت رب العالمين. قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده. أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟ يا ابن آدم! استطعمتك فلم تطعمني. قال: يا رب! وكيف أطعمك؟ وأنت رب العالمين. قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه؟ أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟ يا ابن آدم! استسقيتك فلم تسقني. قال: يا رب! كيف أسقيك؟ وأنت رب العالمين. قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه. أما أنك لو سقيته وجدت ذلك عندي".
شرح النووي على مسلم: قال العلماء إنما أضاف المرض إليه سبحانه وتعالى والمراد العبد تشريفا للعبد وتقريبا له قالوا ومعنى وجدتني عنده أي وجدت ثوابي وكرامتي ويدل عليه قوله تعالى في تمام الحديث لو أطعمته لوجدت ذلك عندي لو أسقيته لوجدت ذلك عندي أي ثوابه

فيض القدير للمناوى: (لوجدتني عنده) أي وجدت ثوابي وكرامتي في عيادته.

صحيح مسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي. وأنا معه حين يذكرني. إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي. وإن ذكرني في ملإ، ذكرته في ملإ هم خير منهم. وإن تقرب مني شبرا، تقربت إليه ذرعا. وإن تقرب إلي ذراعا، تقربت منه باعا. وإن أتاني يمشي، أتيته هرولة".
فتح الباري لابن حجر: (فان ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي): أي ان ذكرني بالتنزيه والتقديس سرا ذكرته بالثواب والرحمة سرا مثل قوله تعالى: اذكروني أذكركم) ومعناه اذكروني بالتعظيم أذكركم بالانعام.
وقال تعالى: (ولذكر الله أكبر) أي أكبر العبادات. فمن ذكرالله وهو خائف آمنه أو مستوحش آنسه قال تعالى: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب). قوله: (وان ذكرني في ملأ) أي جماعة ذكرته في ملأ خير منهم قال بعض أهل العلم يستفاد منه ان الذكر الخفي أفضل من الذكر الجهري والتقدير ان ذكرني في نفسه ذكرته بثواب لا أطلع عليه أحدا وان ذكرني جهرا ذكرته بثواب أطلع عليه الملأ الأعلى.

صحيح مسلم: عن أنس بن مالك، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "قال الله عز وجل: إذا تقرب عبدي مني شبرا، تقربت منه ذراعا. وإذا تقرب مني ذراعا، تقربت منه باعا. أو بوعا. وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة".
تحفة الأحوذي للمباركفوري: من تقرب مني شبرا تقربت إليه ذراعا يعني بالمغفرة والرحمة

شرح السيوطي على مسلم: أنا عند ظن عبدي بي قيل معناه بالغفران له إذا استغفر والقبول إذا تاب والإجابة إذا دعا والكفاية إذا طلب الكفاية. وقيل المراد به الرجاء وتأميل العفو وأنا معه حين يذكرني أي معه بالرحمة والتوفيق والهداية والرعاية والإعانة ذكرته في نفسي أي في ذاتي ويجوز أن يكون المراد في غيبي إذا ذكرني خاليا أثبته بما لا يطلع عليه أحد وإن تقرب مني شبرا أي بالطاعة تقربت إليه ذراعا أي بالرحمة والتوفيق وإن أتاني يمشي أسرع في طاعتي أتيته هرولة أي صببت عليه الرحمة وسبقته بها.

صحيح مسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لله أشد فرحا بتوبة عبده، حين يتوب إليه، من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة. فانفلتت منه. وعليها طعامه وشرابه. فأيس منها. فأتى شجرة. فاضطجع في ظلها. قد أيس من راحلته. فبينا هو كذلك إذا هو بها، قائمة عنده. فأخذ بخطامها. ثم قال من شدة الفرح: اللهم! أنت عبدي وأنا ربك. أخطأ من شدة الفرح".
فتح الباري لابن حجر: (اللهم أنت عبدي وانا ربك): أخطأ من شدة الفرح قال عياض فيه ان ما قاله الإنسان من مثل هذا في حال دهشته وذهوله لا يؤاخذ به.

صحيح مسلم: عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما يحكي عن ربه عز وجل قال "أذنب عبد ذنبا. فقال: اللهم! اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا، فعلم أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب. فقال: أي رب! اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبا. فعلم أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب فقال: أي رب! اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا. فعلم أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب. اعمل ما شئت فقد غفرت لك".

فتح الباري لابن حجر: (اعمل ما شئت فقد غفرت لك): ان المصر على المعصية في مشيئة الله تعالى ان شاء عذبه وان شاء غفر له مغلبا الحسنة التي جاء بها وهي اعتقاده ان له ربا خالقا يعذبه ويغفر له واستغفاره إياه على ذلك يدل عليه قوله من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ولا حسنة أعظم من التوحيد فان قيل ان استغفاره ربه توبة منه قلنا ليس الاستغفار أكثر من طلب المغفرة وقد يطلبها المصر والتائب. وحد التوبة الرجوع عن الذنب والعزم ان لا يعود إليه والاقلاع عنه والاستغفار.
وشروط التوبة ثلاثة: الاقلاع والندم والعزم على ان لا يعود. ويكفي في التوبة تحقق الندم على وقوعه منه فإنه يستلزم الاقلاع عنه والعزم على عدم العود فهما ناشئان عن الندم لا أصلان معه.
والحديث يدل عظيم فائدة الاستغفار وعلى عظيم فضل الله وسعة رحمته وحلمه وكرمه لكن هذا الاستغفار هو الذي ثبت معناه في القلب مقارنا للسان لينحل به عقد الاصرار ويحصل معه الندم فهو ترجمة للتوبة ويشهد له حديث: (خياركم كل مفتن تواب) ومعناه الذي يتكرر منه الذنب والتوبة فكلما وقع في الذنب عاد إلى التوبة لا من قال استغفر الله بلسانه وقلبه مصر على تلك المعصية فهذا الذي استغفاره يحتاج إلى الاستغفار.
وحديث (التائب من الذنب كمن لا ذنب له والمستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه).
شرح النووي على مسلم: وهذه الأحاديث ظاهرة في الدلالة لها وأنه لو تكرر الذنب مائة مرة أو ألف مرة أو أكثر وتاب في كل مرة قبلت توبته وسقطت ذنوبه ولو تاب عن الجميع توبة واحدة بعد جميعها صحت توبته. قوله عز و جل للذي تكرر ذنبه: (اعمل ما شئت فقد غفرت لك) معناه ما دمت تذنب ثم تتوب غفرت لك. وهذا جار على القاعدة التي ذكرناها قوله صلى الله عليه وسلم) إن الله عز و جل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيءالليل حتى تطلع الشمس من مغربها) ولا يختص قبولها بوقت.
))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))

وقفة مع: ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم
فالايمان عمل وليس ادعاء
************************************
= والاية تحتوى علي أوصاف الكملة من المؤمنين ذكرها الله ليستبق إليها أهل التوحيد حتى يكونوا في أعلى مرتبة.
= أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم
= أعمال البِرِّ يعملُها البرُّ والفاجرُ، وأمَّا المعاصي، فلا يتركها إلاَّ صِدِّيق
= وقد سئل عمرُ عن قومٍ يشتهون المعصية ولا يعملون بها فقال: أولئِكَ قومٌ امتحنَ الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرةٌ وأجرٌ عظيم.

= {{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة: 111]}}.
تفسير القرطبي: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم):
************************************
قيل: هذا تمثيل. نزلت هذه الآية في بيعة العقبة الكبرى، وهي التي أناف فيها رجال الأنصار على السبعين، وكان أصغرهم سنا عقبة بن عمرو؛ وذلك أنهم اجتمعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عند العقبة، فقال عبدالله بن رواحة للنبي صلى الله عليه وسلم: اشترط لربك ولنفسك ما شئت؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم). قالوا: فإذا فعلنا ذلك فما لنا؟ قال: (الجنة) قالوا: ربح البيع، لا نقيل ولا نستقيل؛ فنزلت: "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة" الآية.

(فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به): أي أظهروا السرور بذلك. والبشارة إظهار السرور في البشرة.
وقال الحسن: والله ما على الأرض مؤمن إلا يدخل في هذه البيعة. (وذلك هو الفوز العظيم): أي الظفر بالجنة والخلود فيها.

اذا فمن هم المؤمنون وما هي اخلاقهم وسجاياهم؟.
)))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
= {{التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [التوبة: 112]}}.
تفسير القرطبي:
التائبون: هم الراجعون عن الحالة المذمومة في معصية الله إلى الحالة المحمودة في طاعة الله. والتائب هو الراجع. والراجع إلى الطاعة هو أفضل من الراجع عن المعصية لجمعه بين الأمرين.
العابدون: أي المطيعون الذين قصدوا بطاعتهم الله سبحانه.
الحامدون: أي الراضون بقضائه المصرفون نعمته في طاعته، الذين يحمدون الله على كل حال.
السائحون: الصائمون ومنه قوله تعالى: "عابدات سائحات" [التحريم: 5]. وإنما قيل للصائم سائح لأنه يترك اللذات كلها من المطعم والمشرب والمنكح. عن عائشة أنها قالت: سياحة هذه الأمة الصيام. ورواه أبو هريرة مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (سياحة أمتي الصيام). وقال عطاء: السائحون المجاهدون. وأن رجلا استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في السياحة فقال: (إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله). وقيل: السائحون المهاجرون قاله عبدالرحمن بن زيد. وقيل: هم الذين يسافرون لطلب الحديث والعلم. وقيل: هم الجائلون بأفكارهم في توحيد ربهم وملكوته وما خلق من العبر والعلامات الدالة على توحيده وتعظيمه.

ويدل على صحة هذه الأقوال فإن السياحة أصلها الذهاب على وجه الأرض كما يسيح الماء؛ فالصائم مستمر على الطاعة في ترك ما يتركه من الطعام وغيره فهو بمنزلة السائح. والمتفكرون تجول قلوبهم فيما ذكروا. وفي الحديث: (إن لله ملائكة سياحين مشائين في الآفاق يبلغونني صلاة أمتي).
الراكعون الساجدون: يعني في الصلاة المكتوبة وغيرها.
الآمرون بالمعروف: أي بالسنة، وقيل: بالإيمان.
والناهون عن المنكر: قيل: عن البدعة. وقيل: عن الكفر. وقيل: هو عموم في كل معروف ومنكر.
والحافظون لحدود الله: أي القائمون بما أمر به والمنتهون عما نهى عنه.
والاية تحتوى علي أوصاف الكملة من المؤمنين ذكرها الله ليستبق إليها أهل التوحيد حتى يكونوا في أعلى مرتبة.

صحيح البخارى: [ش: {التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله}. (التائبون) التاركون للذنوب والفواحش. (السائحون) الصائمون وقيل هم المهاجرون في طلب العلم أو الدعوة إلى الله عز و جل. (الحافظون لحدود الله) العاملون بالأحكام التي أمر الله تعالى بها].

سنن الدارمي: حدثني أبو سلمة: ان النبي صلى الله عليه و سلم سئل عن الأمر يحدث ليس في كتاب ولا سنة فقال ينظر فيه العابدون من المؤمنين. (إسناده صحيح وهو مرسل).

جامع العلوم والحكم: فال صلى الله عليه وسلم: ((إذا نهيتُكم عن شيءٍ، فاجتنبوه وإذا أمرتُكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم)) قال هذا يؤخذ منه أنَّ النَّهيَّ أشدُّ من الأمر؛ لأنَّ النَّهيَّ لم يُرَخَّصْ في ارتكاب شيء منه، والأمر قُيِّدَ بحسب الاستطاعة.
قال بعضهم: أعمال البِرِّ يعملُها البرُّ والفاجرُ، وأمَّا المعاصي، فلا يتركها إلاَّ صِدِّيق.
ورُوي عن أبي هريرة، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال له: اتَّق المحارم تَكُن أعبدَ الناس.

وقالت عائشة رضي الله عنها: من سرَّه أنْ يسبق الدائبَ المجتهدَ، فليكفَّ عن الذنوب.
وقال الحسن: ما عُبِّدَ العابدون بشيءٍ أفضلَ من ترك ما نهاهم الله عنه.
وقال ميمون بن مِهران: ذكرُ اللهِ باللسان حسن، وأفضلُ منه أنْ يذكر الله العبدُ عندَ المعصية فيمسِكَ عنها.
وقال عمر بنُ عبد العزيز: ليست التقوى قيامَ الليل، وصِيام النهار، والتخليطَ فيما بَيْنَ ذلك، ولكن التقوى أداءُ ما افترض الله، وترك ما حرَّم الله، فإنْ كان مع ذلك عملٌ، فهو خير إلى خير. ووددتُ أني لا أصلي غيرَ الصَّلوات الخمس سوى الوتر، وأنْ أؤدِّي الزكاة، ولا أتصدَّق بعدها بدرهم، وأنْ أصومَ رمضان ولا أصوم بعده يوماً أبداً، وأنْ أحجَّ حجة الإسلام ثم لا أحجَّ بعدها أبداً، ثم أعمد إلى فضل قوتي، فأجعله فيما حرَّم الله عليَّ، فأمسك عنه.
إنَّما قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا نهيتُكم عن شيءٍ فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)) لأنَّ امتثالَ الأمر لا يحصلُ إلاّ بعمل، والعملُ يتوقَّفُ وجودُه على شروط وأسباب، وبعضها قد لا يُستطاع، فلذلك قيَّده بالاستطاعة، كما قيد الله الأمر بالتقوى بالاستطاعة، قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}. وقال في الحجّ: {وَلله عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}.
وأما النهيُّ: فالمطلوب عدمُه، وذلك هو الأصل، فالمقصود استمرار العدم الأصلي، وذلك ممكن، وليس فيه ما لا يُستطاع. وهذا أيضاً فيه نظر: فإنَّ الداعي إلى فعل المعاصي قد يكون قوياً، لا صبر معه للعبد على الامتناع مع فعل المعصية مع القدرة عليها، فيحتاج الكفُّ عنها حينئذٍ إلى مجاهدةٍ شديدةٍ، ربما كانت أشقَّ على النفوس من مجرَّدِ مجاهدة النفس على فعل الطاعة، ولهذا يُوجَدُ كثيراً من يجتهد فيفعل الطاعات، ولا يقوى على ترك المحرمات.

وقد سئل عمرُ عن قومٍ يشتهون المعصية ولا يعملون بها فقال: أولئِكَ قومٌ امتحنَ الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرةٌ وأجرٌ عظيم.

شعب الإيمان: صلى الله عليه و سلم: ليس في الصوم رياء. لان الأعمال كلها لا تكون إلا بالحركات إلا الصوم خاصته فإنما هي بالنية التي قد خفيت على الناس فإذا نواها فكيف يكون ها هنا رياء؟. ولأن الصوم هو الصبر يصبر الإنسان عن المطعم و المشرب و النكاح ثم قرأ: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}. فثواب الصوم ليس له حساب يعلم من كثرته. والسائحون الصائمون فالصائم بمنزلة السائح.
)))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: الصابرين والصادقين والقانتين
******************************
= فإنهم يصلون ويستغفرون ولا تناقض
= ينزل الله عز وجل إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يمضي ثلث الليل الأول فيقول أنا الملك أنا الملك من ذا الذي يدعوني فأستجيب له
= ثم يأمر مناديا فيقول هل من داع يستجاب له هل من مستغر يغفر له هل من سائل يعطى
= إن الله يقول إني لأهم بعذاب أهل الأرض فإذا نظرت إلى عمار بيوتي
= والمختار من لفظ الاستغفار:
= فخصَّ الله الذنوبَ بالمغفرة، والسيئاتِ بالتَّكفير
= إن صليت الضحى ركعتين لم تكتب من الغافلين
= لولا شيوخ ركع وأطفال رضع وبهائم رتع لصب عليكم العذاب صبا

= {{الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران: 16]}}.
= {{الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ [آل عمران: 17]}}.
تفسير القرطبي: (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا):
(الصابرين): يعني عن المعاصي والشهوات، وقيل: على الطاعات.
(والصادقين): أي في الأفعال والأقوال.
(والقانتين): الطائعين.

(والمنفقين): يعني في سبيل الله. وقد تقدم في البقرة هذه المعاني على الكمال. ففسر تعالى في هذه الآية أحوال المتقين الموعودين بالجنات.
(والمستغفرين بالأسحار): فقال أنس بن مالك: هم السائلون المغفرة. قتادة: المصلون.
فإنهم يصلون ويستغفرون ولا تناقض. وخص السحر بالذكر لأنه مظان القبول ووقت إجابة الدعاء. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في تفسير قوله تعالى مخبرا عن يعقوب عليه السلام لبنيه: "سوف أستغفر لكم ربي" [يوسف: 98]: (أنه أخر ذلك إلى السحر).
وسأل النبي صلى الله عليه وسلم جبريل (أي الليل أسمع)؟ فقال: (لا أدري غير أن العرش يهتز عند السحر). والسحر من حين يدبر الليل إلى أن يطلع الفجر الثاني، وقيل: السحر هو سدس الليل الآخر.
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ينزل الله عز وجل إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يمضي ثلث الليل الأول فيقول أنا الملك أنا الملك من ذا الذي يدعوني فأستجيب له من ذا الذي يسألني فأعطيه من ذا الذي يستغفرني فأغفر له فلا يزال كذلك حتى يطلع الفجر) في رواية "حتى ينفجر الصبح".
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل يمهل حتى يمضي شطر الليل الأول ثم يأمر مناديا فيقول هل من داع يستجاب له هل من مستغر يغفر له هل من سائل يعطى).
((مسألة)): الاستغفار مندوب إليه، وقد أثنى الله تعالى على المستغفرين فقال: وبالأسحار هم يستغفرون. وقال أنس بن مالك: أمرنا أن نستغفر بالسحر سبعين استغفارة. وقال سفيان الثوري: بلغني أنه إذا كان أول الليل نادى مناد ليقِم القانتون فيقومون كذلك يصلون إلى السحر، فإذا كان عند السحر نادى مناد: أين المستغفرون فيستغفر أولئك، ويقوم آخرون فيصلون فيلحقون بهم. فإذا طلع الفجر نادى مناد: ألا ليقم الغافلون فيقومون من فرشهم كالموتى نشروا من قبورهم.

عن أنس سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله يقول إني لأهم بعذاب أهل الأرض فإذا نظرت إلى عمار بيوتي وإلى المتحابين في وإلى المتهجدين والمستغفرين بالأسحار صرفت عنهم العذاب بهم).
قال مكحول: إذا كان في أمة خمسة عشر رجلا يستغفرون الله كل يوم خمسا وعشرين مرة لم يؤاخذ الله تلك الأمة بعذاب العامة. وقال لقمان لابنه: (يا بني لا يكن الديك أكيس منك، ينادي بالأسحار وأنت نائم).
والمختار من لفظ الاستغفار:
*******************
1 - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سيد الاستغفار أن تقول اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت - قال - ومن قالها من النهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات من ليله قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة).
2 - وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد علي بن أبي طالب رضي الله عنه ثم قال: (ألا أعلمك كلمات تقولهن لو كانت ذنوبك كمدب النمل - أو كمدب الذر - لغفرها الله لك على أنه مغفور لك: اللهم لا إله إلا أنت سبحانك عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت).

جامع العلوم والحكم: {فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا} فخصَّ الله الذنوبَ بالمغفرة، والسيئاتِ بالتَّكفير. فقد يقال: السيئات تخصُّ الصغائرَ، والذنوبُ يرادُ بها الكبائر، فالسيئاتُ تكفر؛ لأنَّ الله جعل لها كفاراتٍ في الدنيا شرعية وقدرية، والذنوب تحتاجُ إلى مغفرة تقي صاحبَها مِنْ شرِّها والمغفرة والتكفير متقاربان، فإنَّ المغفرة قد قيل: إنَّها ستْرُ الذُّنوب، وقيل: وقاية شرِّ الذنب مع ستره، ولهذا يسمَّى ما ستر الرأسَ ووقاه في الحرب مِغْفَراً، ولا يُسمَّى كلُّ ساترٍ للرأس مغفراً، وقد أخبر الله عَنِ الملائكة أنَّهم يدعون للمؤمنين التائبين بالمغفرة ووقايةِ السيئات والتكفير مِنْ هذا الجنس؛ لأنَّ أصل الكفر السترُ والتغطيةُ أيضاً.
وقد فرَّق بعضُ المتأخرين بينهما بأنَّ التكفير محوُ أثر الذَّنب، حتَّى كأنَّه لم يكن، والمغفرة تتضمن - مع ذلك - إفضالَ اللهِ على العبد وإكرامه.

سبل السلام للصنعاني: عن ابن عمر، قال: "قلت لأبي ذر: يا عماه أوصني، قال: سألتني عما سألت عنه رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، فقال: إن صليت الضحى ركعتين لم تكتب من الغافلين، وإن صليت أربعاً كتبت من العابدين، وإن صليت ستاً لم يلحقك ذنب، وإن صليت ثمانياً كتبت من القانتين، وإن صليت ثنتي عشرة بني لك بيت في الجنة".
عون المعبود للابادي: (من القانتين) يرد بمعان متعددة كالطاعة والخشوع والصلاة والدعاء والعبادة والقيام والسكوت فيصرف في كل واحد من هذه المعاني.

صحيح ابن حبان: حدثني أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: (إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه ينزل الله جل وعلا إلى سماء الدنيا فيقول: من ذا الذي يسألني فأعطيه؟ من ذا الذي يدعوني أستجيب له؟ من ذا الذي يسترزقني أرزقه؟ من ذا الذي يستغفرني أغفر له حتى ينفجر الصبح).

صحيح البخارى: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له). [ش: (ينزل ربنا) هذا النزول من المتشابه الذي يفوض علم حقيقته إلى الله تعالى أو المراد ينزل أمره ورحمته ولطفه ومغفرته أو المراد تنزل الملائكته بأمر منه. (السماء الدنيا) الأولى وسميت الدنيا لقربها من أهل الأرض].
صحيح مسلم: عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ينزل الله إلى السماء الدنيا كل ليلة. حين يمضي ثلث الليل الأول. فيقول: أنا الملك. أنا الملك. من ذا الذي يدعوني فأستجيب له! من ذا الذي يسألني فأعطيه! من ذا الذي يستغفرني فأغفر له! فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر".
شرح النووي على مسلم: أحاديث الصفات وفيه مذهبان مشهوران للعلماء:
أحدهما وهو مذهب جمهور السلف وبعض المتكلمين أنه يؤمن بأنها حق على ما يليق بالله تعالى وأن ظاهرها المتعارف في حقنا غير مراد ولا يتكلم في تأويلها مع اعتقاد تنزيه الله تعالى عن صفات المخلوق وعن الانتقال والحركات وسائر سمات الخلق.
والثاني عن مالك أنها تتأول على ما يليق بها بحسب مواطنها.

فيض القدير للمناوى: (فإذا نظرت إلى عمار بيوتي) أي عمار المساجد التي هي بيوت الله بالذكر والتلاوة والصلاة وأنواع العبادة (والمتحابين في) أي لأجلي لا لغرض دنيوي (والمستغفرين بالأسحار) أي الطالبين من الله المغفرة فيها (صرفت عذابي عنهم) أي عن أهل الأرض إكراما لهؤلاء. (لولا شيوخ ركع وأطفال رضع وبهائم رتع لصب عليكم العذاب صبا).
))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: ما يحبه الله سبحانه وتعالي من المؤمنين
***********************************

= هل أخذت طريقا ذا شوك؟ قال: نعم: قال فما عملت فيه؟ قال: تشمرت وحذرت، قال: فذاك التقوى
= ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خير له من زوجة صالحة
= تحب الله بقلبك كله، وتعمل بكدحك وقوتك ما استطعت، وترحم ابن جنسك كما ترحم نفسك
= ولكن تقوى الله، ترك ما حرم الله، وأداء ما افترض الله، فمن رزق بعد ذلك خيرا فهو خير إلى خير.
= لا تحاسدوا. ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض
= أما المحسن فكالغائب يقدم على أهله وأما المسيء فكالآبق يقدم على مولاه
= ارفع إلينا حوائجك قال تنجيني من النار وتدخلني الجنة قال له سليمان ليس ذاك إلي
= وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا
= وهذا الامر تغير في زماننا لان اسلوب الحرب وعدتة تغيرت عن ايام الرسول صلي الله عليه وسلم. وعدة الحرب ليست من الامور التشريعية التوقيفية.
= ألكما ولد فقال أحدهما: لي غلام و قال الآخر: لي جارية قال: فأنكحوا الغلام الجارية و أنفقوا على أنفسكم منه و تصدقوا
= هذا جبريل جاء يعلم الناس دينهم
= يكفرن العشير ويكفرن الإحسان لو أحسنت إلى أحداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئا قالت ما رأيت منك خيرا قط
= وقيل إن الوزغة كانت يوم رمى إبراهيم عليه السلام في النار تضرم النار عليه بنفخها والحيوانات كلها تتسبب في طفئها
= من ابتلي من البنات بشيء، فأحسن إليهن، كن له سترا من النار
= فجرح بوجهه فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم: (تعال فاستقد) فقال: قد عفوت يا رسول الله.
= أنت أعلم من كان له ذمتنا، فدمه كدمنا وديته كديتنا. وأن النبي صلى الله عليه وسلم قتل مؤمنا بكافر.

ما يحبه الله سبحانه وتعالي من المؤمنين بنص القران الكريم:
*****************************************
1 - (يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) - 2 - (يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)
3 - (يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) - 4 - (يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)

5 - (يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) - 6 - (يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ)

1 - (يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)
تفسير القرطبي: (ما تدور عليه التقوى): (فإن الله يحب المتقين): وسأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه أُبيا عن التقوى، فقال: هل أخذت طريقا ذا شوك؟ قال: نعم: قال فما عملت فيه؟ قال: تشمرت وحذرت، قال: فذاك التقوى. والتقوى فيها جماع الخير كله، وهي وصية الله في الأولين والآخرين، وهي خير ما يستفيده الإنسان. فعن أبى أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: (ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خير له من زوجة صالحة إن أمرها أطاعته وإن نظر إليها سرته وإن أقسم عليها أبرته وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله).الدر المنثور للسيوطي: التقوى العمل بطاعة الله على نور من الله رجاء رجمة الله، والتقوى ترك معاصي الله على نور من الله مخافة عذاب الله. وعن أبي الدرداء قال: تمام التقوى أن يتقي العبد الله، حتى يتقيه من مثقال ذرة، وحتى يترك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراما. يكون حجابا بينه وبين الحرام.

وأخرج أحمد في الزهد عن سعيد بن أبي سعيد المقبري قال: بلغنا أن رجلا جاء إلى عيسى فقال: يا معلم الخير كيف أكون تقيا لله كما ينبغي له؟ قال: بيسير من الأمر. تحب الله بقلبك كله، وتعمل بكدحك وقوتك ما استطعت، وترحم ابن جنسك كما ترحم نفسك. قال: من ابن جنسي يا معلم الخير؟ قال: ولد آدم كلهم، وما لا تحب أن يؤتى إليك فلا تأته إلى أحد فأنت تقي لله حقا. وعن إياس بن معاوية قال: رأس التقوى ومعظمه أن لا تعبد شيئا دون الله، ثم تتفاض الناس بالتقى والنهى. وعن عون بن عبد الله قال: فواتح التقوى حسن النية، وخواتمها التوفيق، والعبد فيما بين ذلك، بين هلكات وشبهات، ونفس تحطب على سلوها، وعدو مكيد غير غافل ولا عاجز. وعن عمر بن عبد العزيز قال: ليس تقوى الله بصيام النهار، ولا بقيام الليل، والتخليط فيما بين ذلك، ولكن تقوى الله، ترك ما حرم الله، وأداء ما افترض الله، فمن رزق بعد ذلك خيرا فهو خير إلى خير.
صحيح مسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تحاسدوا. ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض. وكونوا، عباد الله! إخوانا. المسلم أخو المسلم. لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره. التقوى ههنا" ويشير إلى صدره ثلاث مرات "بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. كل المسلم على المسلم حرام. دمه وماله وعرضه".
صحيح ابن خزيمة: عن أنس قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال: يا رسول الله إني أريد سفرا فزودني قال: زودك الله التقوى قال: زدني قال: و غفر ذنبك قال: زدني بأبي أنت و أمي قال: و يسر لك حيث ما كنت.
فتح الباري لابن حجر: عن أبي الدرداء قال تمام التقوى أن تتقي الله حتى تترك ما ترى أنه حلال خشية أن يكون حراما.

شرح النووي على مسلم: أن الاعمال الظاهرة لا يحصل بها التقوى وانما تحصل بما يقع في القلب من عظمة الله تعالى وخشيته ومراقبته ومعنى نظرالله هنا مجازاته ومحاسبته أي انما يكون ذلك على مافي القلب دون الصور الظاهرة ونظر الله رؤيته محيط بكل شئ.
القاموس الفقهي: (تقاة يتقيه): و التقاة، و التقية، و التقوى، و التقى، و الاتقاء كلها بمعنى واحد في استعمال أهل اللغة.
أما في اصطلاح الفقهاء: فإن التقوى و التقى خصا باتقاء العبد للّه بامتثال أمره و اجتناب نهيه و الخوف من ارتكاب ما لا يرضاه، لأن ذلك هو الذي يقي من غضبه و عذابه.
و أما التقاة، و التقية فقد خصتا في الاصطلاح: باتقاء العباد بعضهم بعضا.

2 - (يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)
تفسير القرطبي: (إن الله يحب المحسنين): أي في الإنفاق في الطاعة، وأحسنوا الظن بالله في إخلافه عليكم. وقيل: "أحسنوا" في أعمالكم بامتثال الطاعات.
أخبرنا الضحاك بن موسى قال مر سليمان بن عبدالملك بالمدينة وهو يريد مكة فأقام بها أياما فقال هل بالمدينة أحد أدرك أحدا من أصحاب النبي قالوا له أبو حازم فأرسل إليه فلما دخل عليه قال له: يا أبا حازم ما هذا الجفاء قال أبو حازم يا أمير المؤمنين وأي جفاء رأيت مني، قال أتاني وجوه أهل المدينة ولم تأتني قال يا أمير المؤمنين أعيذك بالله أن تقول ما لم يكن ما عرفتني قبل هذا اليوم ولا أنا رأيتك. قال سليمان يا أبا حازم ما لنا نكره الموت قال لأنكم أخربتم الآخرة وعمرتم الدنيا فكرهتم أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب، قال أصبت يا أبا حازم فكيف القدوم غدا على الله تعالى، قال أما المحسن فكالغائب يقدم على أهله وأما المسيء فكالآبق يقدم على مولاه فبكى سليمان وقال ليت شعري ما لنا عند الله قال اعرض عملك على كتاب الله قال وأي مكان أجده قال "إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم".

قال سليمان فأين رحمة الله يا أبا حازم؟ قال أبو حازم رحمة الله قريب من المحسنين قال له سليمان يا أبا حازم فأي عباد الله أكرم؟ قال أولو المروءة والنهى قال له سليمان فأي الأعمال أفضل قال أبو حازم أداء الفرائض مع اجتناب المحارم قال سليمان: فأي الدعاء أسمع قال دعاء المحسن إليه للمحسن، فقال أي الصدقة أفضل قال للسائل البائس وجهد المقل ليس فيها منٌ ولا أذى قال: فأي القول أعدل قال: قول الحق عند من تخافه أو ترجوه قال فأي المؤمنين أكيس قال رجل عمل بطاعة الله ودل الناس عليها، قال: فأي المؤمنين أحمق قال رجل انحط في هوى أخيه وهو ظالم فباع آخرته بدنيا غيره قال له سليمان أصبت فما قولك فيما نحن فيه قال يا أمير المؤمنين أوتعفيني قال له سليمان لا ولكن نصيحة تلقيها إلي، قال يا أمير المؤمنين إن آباءك قهروا الناس بالسيف وأخذوا هذا الملك عنوة على غير مشورة من المسلمين ولا رضاهم حتى قتلوا منهم مقتلة عظيمة فقد ارتحلوا عنها فلو شعرت ما قالوه وما قيل لهم فقال له رجل من جلسائه بئس ما قلت يا أبا حازم، قال أبو حازم كذبت إن الله أخذ ميثاق العلماء ليبينه للناس ولا يكتمونه قال له سليمان فكيف لنا أن نصلح قال: تدعون الصلف وتتمسكون بالمروءة وتقسمون بالسوية قال له سليمان فكيف لنا بالمأخذ به قال أبو حازم تأخذه من حله وتضعه في أهله.

قال له سليمان هل لك يا أبا حازم أن تصحبنا فتصيب منا ونصيب منك. قال أعوذ بالله قال له سليمان ولم ذاك قال أخشى أن أركن إليكم شيئا قليلا فيذيقني الله ضعف الحياة وضعف الممات. قال له سليمان ارفع إلينا حوائجك قال تنجيني من النار وتدخلني الجنة قال له سليمان ليس ذاك إلي قال أبو حازم فما لي إليك حاجة غيرها قال فادع لي قال أبو حازم اللهم إن كان سليمان وليك فيسره لخير الدنيا والآخرة وإن كان عدوك فخذ بناصيته إلى ما تحب وترضى. قال له سليمان قط قال أبو حازم قد أوجزت وأكثرت إن كنت من أهله وإن لم تكن من أهله فما ينبغي أن أرمي عن قوس ليس لها وتر.
وروي عن ميمون بن مهران أن جاريته جاءت ذات يوم بصحفة فيها مرقة حارة، وعنده أضياف فعثرت فصبت المرقة عليه، فأراد ميمون أن يضربها، فقالت الجارية: يا مولاي، استعمل قوله تعالى: "والكاظمين الغيظ" قال لها: قد فعلت. فقالت: اعمل بما بعده "والعافين عن الناس". فقال: قد عفوت عنك. فقالت الجارية: "والله يحب المحسنين". قال ميمون: قد أحسنت إليك، فأنت حرة لوجه الله تعالى.
(والله يحب المحسنين): أي يثيبهم على إحسانهم. قال سري السقطي: الإحسان أن تحسن وقت الإمكان، فليس كل وقت يمكنك الإحسان.
(إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين): دليل على أن المتقي المحسن أفضل من المتقي المؤمن الذي عمل الصالحات؛ فضله بأجر الإحسان.
الدر المنثور للسيوطي: {وأحسنوا إن الله يحب المحسنين} قال: أحسنوا الظن بالله.
{والله يحب المحسنين} بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عند ذلك: "هؤلاء في أمتي قليل إلا من عصمه الله، وقد كانوا كثيرا في الأمم التي مضت".

3 - (يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)

تفسير القرطبي: (والله يحب الصابرين): يعني الصابرين على الجهاد. "كل من الصابرين" أي على أمر الله والقيام بطاعته واجتناب معاصيه. ووصف الله تعالى جزاء الأعمال وجعل لها نهاية وحدا فقال: "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها" [الأنعام 160] وجعل جزاء الصدقة في سبيل الله فوق هذا فقال: "مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة" [البقرة: 61]. وجعل أجر الصابرين بغير حساب ومدح أهله فقال "إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب" [الزمر: 10].
(وبشر الصابرين): أي بالثواب على الصبر. والصبر أصله الحبس، وثوابه غير مقدر، وقد تقدم. لكن لا يكون ذلك إلا بالصبر عند الصدمة الأولى، كما روى البخاري عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الصبر عند الصدمة الأولى).

4 - (يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)
تفسير القرطبي: (إن الله يحب المقسطين): أي العادلين المحقين. قال صلى الله عليه وسلم: (إن المقسطين يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا). وقال: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته والرجل راع على أهله وهو مسؤول عنهم والمرأة راعية على بيت زوجها وهي مسؤولة عنه والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته). فكل هؤلاء رعاة: وحكاما على مراتبهم، وكذلك العالم الحاكم؛ لأنه إذا أفتى حكم وقضى وفصل بين الحلال والحرام، والفرض والندب، والصحة والفساد، فجميع ذلك أمانة تؤدى وحكم يرضى.

الدر المنثور للسيوطي: {إن الله يحب المقسطين}: عن ابن عمر وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المقسطون عند الله يوم القيامة على منابر من نور على يمين العرش الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا". وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن المقسطين في الدنيا على منابر من لؤلؤ يوم القيامة بين يدي الرحمن بما أقسطوا في الدنيا".
معن عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت مثل ما رغبت عنه في هذه الآية {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما}.
وعن فهيد بن مطرف الغفاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله سائل إن عدا علي عاد فأمره أن ينهاه ثلاث مرات، قال: فإن لم ينته فأمره بقتاله، قال: فكيف بنا؟ قال: إن قتلك فأنت في الجنة، وإن قتلته فهو في النار.

5 - (يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)
تفسير القرطبي: (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين): اختلف فيه، فقيل: التوابون من الذنوب والشرك. والمتطهرون أي بالماء من الجنابة والأحداث. وقال مجاهد: من الذنوب، ومن إتيان النساء في أدبارهن. وقيل: المتطهرون الذين لم يذنبوا. فإن قيل: كيف قدم بالذكر الذي أذنب على من لم يذنب، قيل: قدمه لئلا يقنط التائب من الرحمة ولا يعجب المتطهر بنفسه، كما ذكر في آية أخرى: "فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات".
الدر المنثور للسيوطي: {إن الله يحب التوابين} من الذنوب {ويحب المتطهرين} بالماء.
{إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} قال: التوبة من الذنوب، والتطهر من الشرك.
وعن مجاهد قال: من أتى امرأته في دبرها فليس من المتطهرين.
وعن أبي العالية: أن رأى رجلا يتوضأ، فلما فرغ قال: اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين. قال: إن الطهور بالماء حسن، ولكنهم المتطهرون من الذنوب.

وعن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من توضأ فأحسن الوضوء، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين، فتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء".
عن علي بن أبي طالب أنه كان إذا فرغ من وضوئه قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، رب اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين.

6 - (يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)
تفسير القرطبي: (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا) أي يصفون أنفسهم صفا. "كأنهم بنيان مرصوص" قال الفراء: مرصوص بالرصاص. وقال المبرد: هو من رصصت البناء إذا لاءمت بينه وقاربت حتى يصير كقطعة واحدة. وقيل: هو من الرصيص وهو انضمام الأسنان بعضها إلى بعض. والتراص التلاصق؛ ومنه وتراصوا في الصف.
ومعنى الآية: يحب من يثبت في الجهاد في سبيل الله ويلزم مكانه كثبوت البناء. وقال سعيد بن جبير: هذا تعليم من الله تعالى للمؤمنين كيف يكونون عند قتال عدوهم.
وقد استدل بعض أهل التأويل بهذا على أن قتال الراجل أفضل من قتال الفارس، لأن الفرسان لا يصطفون على هذه الصفة. المهدوي: وذلك غير مستقيم، لما جاء في فضل الفارس في الأجر والغنيمة. ولا يخرج الفرسان من معنى الآية؛ لأن معناه الثبات.
وهذا الامر تغير في زماننا لان اسلوب الحرب وعدتة تغيرت عن ايام الرسول صلي الله عليه وسلم. وعدة الحرب ليست من الامور التشريعية التوقيفية.

= وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا
صحيح البخارى: (أقرضوا الله) أنفقوا المال تطوعا في سبل الخير.

سنن الدارمي: عن معاذ بن جبل قال: لا يدع الله العباد يوم القيامة يوم يقوم الناس لرب العالمين حتى يسألهم عن أربع عما أفنوا فيه أعمارهم وعما أبلوا فيه أجسادهم وعما كسبوا وفيما أنفقوا أموالهم وعما عملوا فيما علموا. المستدرك للحاكم: لما مات أبو عبيدة بن الجراح قام معاذ في الناس فقال: يا أيها الناس توبوا إلى الله من ذنوبكم توبة نصوحا فإن عبد الله لا يلقى الله تائبا من ذنبه إلا كان حقا على الله أن يغفر له ثم قال: إنكم أيها الناس قد فجعتم برجل و الله ما أزعم أني رأيت من عباد الله عبدا قط أقل غمزا و لا أبر صدرا و لا أبعد غائلة و لا أشد حبا للعاقبة و لا أنصح للعامة منه فترحموا عليه رحمه الله ثم أصحروا للصلاة عليه فو الله لا يلي عليكم مثله أبدا فاجتمع الناس و أخرج أبو عبيدة و تقدم معاذ فصلى عليه حتى إذا أتى به قبره دخل قبره معاذ بن جبل و عمرو بن العاص و الضحاك بن قيس فلما وضعوه في لحده و خرجوا فشنوا عليه التراب فقال معاذ بن جبل: يا أبا عبيدة لأثنين عليك و لا أقول باطلا أخاف أن يلحقني بها من الله مقت كنت والله من الذاكرين الله كثيرا و من الذين يمشون على الأرض هونا و إذا خاطبهم الجاهلون قالوا: سلاما و من الذين إذا أنفقوا لم يسرفوا و لم يقتروا و كان بين ذلك قواما و كنت و الله من المخبتين المتواضعين الذي يرحمون اليتيم و المسكين و يبغضون الخائنين المتكبرين.
شعب الإيمان: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: اشترى رجل من رجل عقارا فوجد الرجل الذي اشترى العقار في عقاره جرة فيها ذهب فقال للبائع ـ و في رواية الفقيه ـ فقال له الذي اشترى العقار خذ ذهبك مني أنا اشتريت منك الأرض و لم أتبع منك الذهب و قال الذي شرى الأرض إنما بعتك الأرض و ما فيها فتحاكما إلى رجل فقال الذي تحاكما إليه: ألكما ولد فقال أحدهما: لي غلام و قال الآخر: لي جارية قال: فأنكحوا الغلام الجارية و أنفقوا على أنفسكم منه و تصدقوا.

{والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما} فاشتملت هذه الآيات كلها على الأمر بالاقتصاد والنهي عن الإسراف وذلك موافق للنهي عن الإسراف في الأكل والشرب لأن الله عز و جل يقول: {كلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين}. وحد السرف في الأكل أن يجاوز الشبع ويثقل البدن حتى لا يمكن معه أداء واجب ولا قضاء حق.
ومما يدخل في جملة التبذير والإسراف أن لا يبالي الواحد فيما يشتري ويبيع كأن يغبن أو يغبن فيبيع بوكس و يشتري بفضل وبسط الكلام فيه إلى أن حكي عن ابن عباس أنه قال: في قوله الله عز و جل: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل}.

صحيح مسلم: (باب الحث في الإنفاق، وكراهة الإحصاء): عن فاطمة بنت المنذر، عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها. قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنفقى (أو انضحي، أو انفحي) ولا تحصي، فيحصي الله عليك".
شرح النووي على مسلم: (انفقي وانفحي وانضحي) ومعنى انفحي وانضحي اعطي والنفح والنضح العطاء ويطلق النضح أيضا على الصب فلعله المراد هنا ويكون أبلغ من النفح قوله صلى الله عليه و سلم (انفحي وانضحي وانفقي ولا تحصي فيحصي الله عليك ولا توعي فيوعي الله عليك) معناه الحث على النفقة في الطاعة والنهي عن الامساك والبخل وعن ادخار المال في الوعاء.

صحيح البخارى: كان النبي صلى الله عليه و سلم بارزا يوما للناس فأتاه جبريل:
قال ما الإحسان؟ قال (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك). قال متى الساعة؟ قال (ما المسؤول عنها بأعلم من السائل وسأخبرك عن أشراطها إذا ولدت الأمة ربها وإذا تطاول رعاة الإبل البهم في البنيان في خمس لا يعلمهن إلا الله). ثم تلا النبي صلى الله عليه و سلم {إن الله عنده علم الساعة} الآية ثم أدبر فقال (ردوه) فلم يروا شيئا فقال (هذا جبريل جاء يعلم الناس دينهم)

شرح مسند أبي حنيفة: (قال: " ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ") أي كل مسؤول عنها عاجز من جوابه كالسائل عنها، فإنه سبحانه استأثر بعلمها، فلا يعلمها إلا هو، (ولكن لها أشراطا) هي علامات تدل على قربها.
فيض القدير للمناوى: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل لأن مراده هنا أنه ليس بينه وبين الساعة نبي كما ليس بين السبابة والوسطى أصبع ولا يلزم منه علم وقتها بعينه لكن سياقه يفيد قربها وأن أشراطها متتابعة وقال الكرماني: لا معارضة بين هذا وبين خبر إن الله عنده علم الساعة لأن علم قربها لا يستلزم علم وقت مجيئها عينا.
صحيح البخارى: وأريت النار فلم أر منظرا كاليوم قط أفظع ورأيت أكثر أهلها النساء. قالوا بم يا رسول الله؟ قال (بكفرهن). قيل يكفرن بالله؟. قال (يكفرن العشير ويكفرن الإحسان لو أحسنت إلى أحداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئا قالت ما رأيت منك خيرا قط).
فتح الباري لابن حجر: يكفرن العشير أي الزوج مأخوذ من المعاشرة وكل معاشر عشير وعشيرة الرجل بنو أبيه الأدنين.
شرح عمدة الأحكام للمنجد: و (كفر العشير) أي: كفر الزوج، يعني: أنهن يكفرن إحسان الزوج إليهن، ومثل ذلك في بعض الأحاديث بقوله: (لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئاً قالت: ما رأيت منك خيراً قط).

صحيح مسلم: عن شداد بن أوس. قال: ثنتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال (إن الله كتب الإحسان على كل شيء. فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة. وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح. وليحد أحدكم شفرته. فليرح ذبيحته).

تحفة الأحوذي للمباركفوري: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء) أي إلى كل شيء أو على بمعنى في أي أمركم بالإحسان في كل شيء والمراد منه العموم الشامل للإنسان حيا وميتا. عون المعبود للابادي: إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة أو يكون معللا بالمبادرة إلى الخير فيندرج في قوله تعالى فاستبقوا الخيرات وعلى كلا التعليلين يكون الحية أولى بذلك والعقرب لعظم مفسدتهما.
وقال في موضع آخر الأجر في التكاليف على قدر النصب إذا اتحد النوع احترازا عن اختلافه كالتصدق بكل مال الإنسان وشذ عن هذه القاعدة قوله صلى الله عليه و سلم في الوزغة من قتلها في المرة الأولى فله مائة حسنة ومن قتلها في الثانية فله سبعون حسنة فقد صار كلما كثرت المشقة قل الأجر والسبب في ذلك أن الأجر إنما هو مترتب على تفاوت المصالح لا على تفاوت المشاق لأن الله سبحانه وتعالى لم يطلب من عباده المشقة والعناء وإنما طلب جلب المصالح ودفع المفاسد وإنما قال أفضل العبادة أحمزها أي أشقها وأجرك على قدر نصبك لأن الفعل إذا لم يكن شاقا كان حظ النفس فيه كثيرا فيقل الإخلاص فإذا كثرت المشقة كان ذلك دليلا على أنه جعل خالصا لله عز و جل فالثواب في الحقيقة مرتب على مراتب الإخلاص لا على مراتب المشقة
وقيل إن الوزغة كانت يوم رمى إبراهيم عليه السلام في النار تضرم النار عليه بنفخها والحيوانات كلها تتسبب في طفئها .. (الوزغ ومفردها وزغة): أبو بريص أو البرص، فصيلة من الحيوانات الزاحفة الصغيرة من رتبة الحرشفيات. الأبراص جلودها رقيقة ومرقطة، ألوانها بين الأحمر والأخضر اوالبني الفاتح والداكن، وبعض أنواعها، تستطيع تغيير ألوانها بغرض التمويه، كما تفعل الحرباء.).

صحيح مسلم: وأن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: جاءتني امرأة، ومعها ابنتان لها. فسألتني فلم تجد عندي شيئا غير تمرة واحدة. فأعطيتها إياها. فأخذتها فقسمتها بين ابنتيها. ولم تأكل منها شيئا. ثم قامت فخرجت وابنتاها. فدخل علي النبي صلى الله عليه وسلم فحدثته حديثها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم "من ابتلي من البنات بشيء، فأحسن إليهن، كن له سترا من النار".
شعب الإيمان: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: لا يكون لأحد ثلاث بنات أو ابنتان أو أختان فيتقي الله فيهن و يحسن إليهن إلا دخل الجنة تابه خالد بن عبد الله و جرير عن سهيل و في حديث خالد فأدبهن و زوجهن وأحسن إليهن فله الجنة.
شرح السيوطي على مسلم: (من ابتلي من البنات بشيء): قال النووي إنما سماه ابتلاء لأن الناس يكرهونهن في العادة. وانما سماه ابتلاء لان الناس يكرهونهن في العادة قال الله تعالى واذا بشر احدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم.

= الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ
صحيح مسلم: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(ما نقصت صدقة من مال.
وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا.
وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله).

تفسير القرطبي: {الذين ينفقون في السراء والضراء}: قوله تعالى: "الذين ينفقون" هذا من صفة المتقين الذين أعدت لهم الجنة، وظاهر الآية أنها مدح بفعل المندوب إليه. و"السراء" اليسر "والضراء" العسر. وقال الضحاك: السراء والضراء الرخاء والشدة. ويقال في حال الصحة والمرض. وقيل: في السراء في الحياة، وفي الضراء يعني يوصي بعد الموت. وقيل: في السراء في العرس والولائم، وفي الضراء في النوائب والمآتم. وقيل: في السراء النفقة التي تسركم؛ مثل النفقة على الأولاد والقرابات، والضراء على الأعداء. ويقال: في السراء ما يضيف به الفتى ويهدى إليه. والضراء ما ينفقه على أهل الضر ويتصدق به عليهم.
قوله تعالى: "والكاظمين الغيظ" وكظم الغيظ رده في الجوف؛ يقال: كظم غيظه أي سكت عليه ولم يظهره مع قدرته على إيقاعه بعدوه.

كنز العمال: عن عمر قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما عندي شيء، ولكن استقرض حتى يأتينا شيء فنعطيك، فقال عمر: يا رسول الله هذا أعطيته ما عندك فما كلفك ما لا تقدر عليه، فكره النبي صلى الله عليه وسلم قول عمر حتى عرف في وجهه، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أنفق ولا تخف من ذي العرش إقلالا، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعرف في وجهه البشر لقول الأنصاري.
فيض القدير للمناوى: (وكان لا يأتيه أحد إلا وعده وأنجز له إن كان عنده) وإلا أمر بالاستدانة عليه. وأن رجلا جاءه فسأله أن يعطيه فقال: ما عندي شئ ولكن ابتع علي، فإذا جاءنا شئ قضيته فقال عمر: يا رسول الله قد أعطيته فما كلفك الله ما لا نقدر عليه فكره قول عمر، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أنفق ولا تخش من ذي العرش إقلالا، فتبسم فرحا بقول الأنصاري أي وعرف في وجهه البشر ثم قال: بهذا أمرت.

سنن الترمذي: عن أسماء بنت أبي بكر قالت: قلت يا رسول الله ليس لي من بيتي إلا ما أدخل علي الزبير افأعطي؟ قال نعم ولا توكي فيوكى عليك يقول لا تحصي فيحصى عليك.
صحيح أبي داود: عن أسماء بنت أبي بكر قالت قلت يا رسول الله ما لي شيء إلا ما أدخل علي الزبير بيته أفأعطي منه قال أعطي ولا توكي فيوكى عليك.
عون المعبود للابادي: ولا توكي أي لا تدخري والإيكاء شد رأس الوعاء بالوكاء وهو الرباط الذي يربط به يقول لا تمنعي ما في يدك فتنقطع مادة الرزق عليك.
وفيه وجه آخر أن صاحب البيت إذا أدخل الشيء بيته كان ذلك في العرف مفوضا إلى ربة المنزل فهي تنفق منه قدر الحاجة في الوقت وربما تدخر منه الشيء لغابر الزمان فكأنه قال إذا كان الشيء مفوضا إليك موكولا إلى تدبيرك فاقتصري على قدر الحاجة للنفقة وتصدقي بالباقي منه ولا تدخريه.

صحيح مسلم: عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا. وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله".
صحيح ابن حبان: عن عبد الله بن عباس أنه قال: يا رسول الله ما أسأل الله؟ قال: (سل الله العفو والعافية) ثم قال: ما أسأل الله؟ قال: (سل الله العفو والعافية).
معرفة السنن والآثار للبيهقي: عن عائشة، مرفوعا: (ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن وجد ثم للمسلم مخرجا، فخلوا سبيله، فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة).

شرح النووي على مسلم: (وما زادالله عبدا بعفو إلا عزا) فيه ايضا وجهان احدهما أنه على ظاهره وأن من عرف بالعفو والصفح ساد وعظم في القلوب وزاد عزه واكرامه والثاني أن المراد أجره في الآخرة وعزه هناك قوله صلى الله عليه و سلم (وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله) فيه ايضا وجهان احدهما يرفعه في الدنيا ويثبت له بتواضعه في القلوب منزلة ويرفعه الله عند الناس ويجل مكانه والثاني أن المراد ثوابه في الآخرة ورفعه فيها بتواضعه في الدنيا.
صحيح ابن حبان: عن أبي سعيد الخدري قال: بينما رسول الله صلى الله عليه و سلم يقسم شيئا أقبل رجل فأكب عليه فطعنه رسول الله صلى الله عليه و سلم بعرجون معه فجرح بوجهه فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم: (تعال فاستقد) فقال: قد عفوت يا رسول الله.
سنن الدارمي: عن أبيه وائل بن حجر قال: شهدت النبي صلى الله عليه و سلم حين أوتي بالرجل القاتل يقاد في نسعة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لولي المقتول أتعفو قال لا قال فتأخذ الدية قال لا قال فتقتله قال نعم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم انك ان عفوت عنه فإنه يبوء بإثمك وإثم صاحبك قال فتركه قال فأنا رأيته يجر نسعته قد عفا عنه.
معرفة السنن والآثار للبيهقي: عن أبي الجنوب الأسدي، قال: أتي علي بن أبي طالب برجل من المسلمين قتل رجلا من أهل الذمة، قال: فقامت عليه البينة، فأمر بقتله، فجاء أخوه، فقال: قد عفوت، قال: فلعلهم هددوك أو فرقوك وفزعوك؟ قال: لا، ولكن قتله لا يرد علي أخي، وعوضوني فرضيت، قال: أنت أعلم من كان له ذمتنا، فدمه كدمنا وديته كديتنا. وأن النبي صلى الله عليه وسلم قتل مؤمنا بكافر.

صحيح ابن حبان: عن جابر بن عبد الله قال: قاتل رسول الله صلى الله عليه و سلم محارب خصفة بنخل فرأوا من المسلمين غرة فجاء رجل منهم يقال له: عوف بن الحارث أو غورث بن الحارث حتى قام على رأس رسول الله صلى الله عليه و سلم بالسيف فقال: من يمنعك مني؟ قال: (الله) قال: فسقط السيف من يده فأخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم السيف فقال له: (من يمنعك مني؟) قال: كن خيرا مني قال: (تشهد أن لا إله إلا الله؟) قال: لا ولكن أعاهدك على أن لا أقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك قال: فخلى سبيله فجاء إلى أصحابه فقال: جئتكم من عند خير الناس.
))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))))
وقفة مع: مالا يحبه الله ولا يرضاه من عباده
******************************
= فدعا بماء فتوضأ ثم رفع يديه فقال (اللهم اغفر لعبيد أبي عامر) ورأيت بياض إبطيه
= إن الناس إذا رأوا الظالم ولم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده
= فنصيب الإنسان عمره وعمله الصالح فيها
= إن الله يمهل الظالم حتى إذا أخذه لم ينفلت
= تبسمت من عدو الله إبليس أنه لما علم أن الله تعالى قد استجاب لي في أمتي أهوى يدعو بالويل و الثبور و يحثو التراب على رأسه
= أتاني جبريل فأخبرني أنه من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة
= قلت و إن زنى و إن سرق قال: و إن زنى و إن سرق على رغم أنف أبي ذر.
= وأمر بالمعروف و إنه عن المنكر فإن لم تطق ذلك فكف لسانك إلا من خير.
= من اقتطع شبرا من الأرض ظلما، طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين
= يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما. فلا تظالموا
= اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة
= هل تدرون مما أضحك؟ " قال قلنا: الله ورسوله أعلم. قال "من مخاطبة العبد ربه. يقول: يا رب! ألم تجرني من الظلم؟
= ايات ومسائل مفهوم الربا

= وآيات الربا أيضا من أواخر ما نزل من القرآن
= النجاة في ثلاثة: أكل الحلال، وأداء الفرائض، والاقتداء بالنبي صلى اللّه عليه وسلم
= فقلنا: يا نبي الله ألا نقضيها لوقتها من الغد؟ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (أينهاكم الله عن الربا ويقبله منكم
= الربا ربوان: ربا حلال وربا حرام. فأما الربا الحلال فهو الذي يهدى، يلتمس ما هو أفضل منه
= إني لا أستجيب لك ولا لمن معك لأن فيهم رجلا نماما، قد أصر على النميمة). فقال موسى: (يا رب من هو حتى نخرجه من بيننا
= آياتان من كتاب الله تستحقان التفكر والتعقل لنصل الي المعني الحقيقي
= أن عمر، رفعت إليه امرأة ولدت لستة أشهر فأمر برجمها، فأتي علي في ذلك فقال: «لا رجم عليها»
= من فرق بين ثلاث فرق الله بينه وبين رحمته يوم القيامة
= وما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن
= فلما قفى دعاه فقال صلى الله عليه و سلم: (إن أبي وأباك في النار).
= وأن أهل الفترة موقوفون إلى الامتحان بين يدي الملك الديان
= أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي
= كان ان النبي صلى الله عليه و سلم يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة
= اللهم! إني أول من أحيا أمرك إذا أماتوه
= فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر
= أنا محمد. وأنا أحمد. وأنا الماحي الذي يمحى بي الكفر
= جعل الله المؤمنين صنفين؛ صنف يعفون عن الظالم فبدأ بذكرهم
= كنا إذا جهل علينا حلمنا وإذا ظلمنا صبرنا وإذا سيء إلينا عفونا
= فجعلت تدعو عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبخي عنه بدعائك
= كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة
= خذي من ماله بالمعروف، ما يكفيك ويكفي بنيك
= فجاءت أم أيمن فجعلت الثوب في عنقي وقالت: والله لا يعطيكهن وقد أعطانيهن قال نبي الله صلى الله عليه و سلم
= لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة خردل من كبر
*****************************************

محتوى الملف: (المصنف: صبحي محمود عميره)
= إِنَّ اللَّهَ: لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ - لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ - لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ - لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ
لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ - لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ - لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا - لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا
لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ - لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ - لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ - لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ

= {{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [البقرة: 190]}}.
= {{لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [المائدة: 87]}}.
= {{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [الأعراف: 55]}}.
تفسير القرطبي: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}: فيه ثلاث مسائل:
الأولى: {وَقَاتِلُوا} هذه الآية أول آية نزلت في الأمر بالقتال، ولا خلاف في أن القتال كان محظورا قبل الهجرة بقوله: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [فصلت: 34] وقوله: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ} [المائدة: 13] وقوله: {وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً} [المزمل: 10] وقوله: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية: 22] وما كان مثله مما نزل بمكة. فلما هاجر إلى المدينة أمر بالقتال فنزل: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ}.
وروي عن أبي بكر الصديق أن أول آية نزلت في القتال: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} [الحج: 39].

وأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج مع أصحابه إلى مكة للعمرة، فلما نزل الحديبية بقرب مكة - والحديبية اسم بئر، فسمي ذلك الموضع باسم تلك البئر - فصده المشركون عن البيت، وأقام بالحديبية شهرا، فصالحوه على أن يرجع من عامه ذلك كما جاء، على أن تخلى له مكة في العام المستقبل ثلاثة أيام، وصالحوه على ألا يكون بينهم قتال عشر سنين، ورجع إلى المدينة. فلما كان من قابل تجهز لعمرة القضاء، وخاف المسلمون غدر الكفار وكرهوا القتال في الحرم وفي الشهر الحرام، فنزلت هذه الآية، أي يحل لكم القتال إن قاتلكم الكفار.

تفسير القرطبي: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}: فيه ثلاث مسائل:
الأولى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ} هذا أمر بالدعاء وتعبد به. ثم قرن جل وعز بالأمر صفات تحسن معه، وهي الخشوع والاستكانة والتضرع. ومعنى {خُفْيَةً} أي سرا في النفس ليبعد عن الرياء؛ وبذلك أثنى على نبيه زكريا عليه السلام إذ قال مخبرا عنه: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً} [مريم: 3]. ونحوه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "خير الذكر الخفي وخير الرزق ما يكفي". والشريعة مقررة أن السر فيما لم يعترض من أعمال البر أعظم أجرا من الجهر. قال الحسن بن أبي الحسن: لقد أدركنا أقواما ما كان على الأرض عمل يقدرون على أن يكون سرا فيكون جهرا أبدا. ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء فلا يسمع لهم صوت، إن هو إلا الهمس بينهم وبين ربهم. وعن أبي موسى قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر - وفي رواية في غزاة - فجعل الناس يجهرون بالتكبير - وفي رواية فجعل رجل كلما علا ثنية قال: لا إله إلا الله - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس أربعوا على أنفسكم إنكم لستم تدعون أصم ولا غائبا إنكم تدعون سميعا قريبا وهو معكم".
الثانية: واختلف العلماء في رفع اليدين في الدعاء:

فكرهه طائفة: ورأى شريح رجلا رافعا يديه فقال: من تتناول بهما، لا أم لك! وقال مسروق لقوم رفعوا أيديهم: قطعها الله. واختاروا إذا دعا الله في حاجة أن يشير بأصبعه السبابة. ويقولون: ذلك الإخلاص. وكان قتادة يشير بأصبعه ولا يرفع يديه.
واجازه جماعة من الصحابة والتابعين: وقال أبو موسى الأشعري: دعا النبي صلى الله عليه وسلم ثم رفع يديه ورأيت بياض إبطيه. وقال ابن عمر: رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال: "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد". وعن عمر بن الخطاب قال: لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين، وهم ألف وأصحابه ثلثمائة وسبعة عشر رجلا، فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة مادا يديه، فجعل يهتف بربه. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع يديه لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه. وعن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن ربكم حيي كريم يستحيي من عبده أن يرفع يديه إليه فيردهما صفرا أو قال خائبتين".
الثالثة: {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} يريد في الدعاء. والمعتدي هو المجاوز للحد ومرتكب الحظر. وقد يتفاضل بحسب ما اعتدى فيه. والاعتداء في الدعاء على وجوه: منها الجهر الكثير والصياح. ومنها أن يدعو الإنسان في أن تكون له منزلة نبي. ومنها أن يدعو طالبا معصية.

صحيح البخارى: لما فرغ النبي صلى الله عليه و سلم من حنين بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس فلقي دريد بن الصمة فقتل دريد وهزم الله أصحابه قال أبو موسى وبعثني مع أبي عامر فرمي أبو عامر في ركبته رماه جشمي بسهم فأثبته في ركبته فانتهيت إليه فقلت يا عم من رماك؟ فأشار إلى أبي موسى فقال ذاك قاتلي الذي رماني فقصدت له فلحقته فلما رآني ولى فاتبعته وجعلت أقول له ألا تستحي ألا تثبت فكف فاختلفنا ضربتين بالسيف فقتلته ثم قلت لأبي عامر قتل الله صاحبك قال فانزع هذا السهم فنزعته فنزا منه الماء قال با ابن أخي أقرئ النبي صلى الله عليه و سلم السلام وقل له استعفر لي. واستخلفني أبو عامر على الناس فمكث يسيرا ثم مات فرجعت.
فدخلت على النبي صلى الله عليه و سلم في بيته على سرير مرمل وعليه فراش قد أثر رمال السرير بظهره وجنبيه فأخبرته بخبرنا وخبر أبي عامر وقال قل له استغفر لي. فدعا بماء فتوضأ ثم رفع يديه فقال (اللهم اغفر لعبيد أبي عامر) ورأيت بياض إبطيه. ثم قال (اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك من الناس). فقلت ولي فاستغفر فقال (اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما).
1 - وقال أبو موسى الأشعري دعا النبي صلى الله عليه و سلم ثم رفع يديه ورأيت بياض إبطيه.
2 - وقال ابن عمر رفع النبي صلى الله عليه و سلم يديه وقال (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد).
3 - وعن يحيى بن سعيد وشريك سمعا أنسا عن النبي صلى الله عليه و سلم رفع يديه حتى رأيت بياض إبطيه.

صحيح البخارى: كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لنا شيء فقلنا ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب، ثم قرأ علينا: {يا أيها الذين أمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا أن الله لا يحب المعتدين}.

فتح الباري لابن حجر: (الا نستخصي): أي الا نستدعي من يفعل بنا الخصاء أو نعالج ذلك بأنفسنا. فنهانا عن ذلك وهو نهى تحريم بلا خلاف في بني آدم. وذلك ان الخصاء فيه من المفاسد منها: تعذيب النفس والتشويه مع إدخال الضرر الذي قد يفضي إلى الهلاك وفيه إبطال معنى الرجولية وتغيير خلق الله وكفر النعمة لأن خلق الشخص رجلا من النعم العظيمة فإذا أزال ذلك فقد تشبه بالمرأة واختار النقص على الكمال.
وقال القرطبي: الخصاء في غير بني آدم ممنوع في الحيوان الا لمنفعة حاصلة في ذلك كتطييب اللحم أو قطع ضرر عنه. وقال النووي يحرم خصاء الحيوان غير المأكول مطلقا وأما المأكول فيجوز في صغيره دون كبيره.

سنن الترمذى: أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إني إذا أصبت اللحم انتشرت للنساء وأخذتني شهوتي فحرمت علي اللحم، فأنزل الله: (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم، ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين، وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا).
مستد الامام احمد: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنه سيكون قوم يعتدون في الدعاء وقرأ هذه الآية: (ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين) وإن حسبك أن تقول: اللهم إني أسألك الجنة وما قرب اليها من قول أو عمل وأعوذ بك من النار وما قرب اليها من قول أو عمل.

= {{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ. وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ [البقرة: 204 - 205]}}.

= {{كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ [المائدة: 64]}}.

= {{وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ [القصص: 77]}}.

تفسير القرطبي: (والله لا يحب الفساد): الفساد هو الخراب. وقال عطاء: إن رجلا يقال له عطاء بن منبه أحرم في جبة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزعها. قال قتادة: قلت لعطاء: إنا كنا نسمع أن يشقها، فقال عطاء: إن الله لا يحب الفساد. والآية بعمومها تعم كل فساد كان في أرض أو مال أو دين. قيل: معنى لا يحب الفساد أي لا يحبه من أهل الصلاح، أولا يحبه دينا. ويحتمل أن يكون المعنى لا يأمر به. قال رسول الله: (إن الناس إذا رأوا الظالم ولم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده).

(ولا تبغ الفساد في الأرض): أي لا تعمل بالمعاصي "إن الله لا يحب المفسدين".
(إن الله لا يحب الفرحين) أي الباغين.
(وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة): أي أطلب فيما أعطاك الله من الدنيا الدار الآخرة وهي الجنة؛ فإن من حق المؤمن أن يصرف الدنيا فيما ينفعه في الآخرة لا في التجبر والبغي (ولا تنس نصيبك من الدنيا):
لا تضيع عمرك في ألا تعمل عملا صالحا في دنياك؛ إذ الآخرة إنما يعمل لها، فنصيب الإنسان عمره وعمله الصالح فيها. ولا تضيع حظك من دنياك في تمتعك بالحلال وطلبك إياه. قال ابن عمر: احرث لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا. وعن الحسن: قدم الفضل، وأمسك ما يبلغ. وقال مالك: هو الأكل والشرب بلا سرف.

صحيح ابن حبان: قرأ أبو بكر الصديق هذه الآية: {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} قال: إن الناس يضعون هذه الآية على غير موضعها ألا وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: (إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه - أو قال: المنكر فلم يغيروه - عمهم الله بعقابة)
وعن النبي صلى الله عليه و سلم قال: (إن الله يمهل الظالم حتى إذا أخذه لم ينفلت) ثم تلا: {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد}.
المستدرك للحاكم: عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: في قوله عز و جل: {فمنهم ظالم لنفسه و منهم مقتصد و منهم سابق بالخيرات} قال: السابق و المقصد يدخلان الجنة بغير حساب و الظالم لنفسه يحاسب حسابا يسيرا ثم يدخل الجنة.
شعب الإيمان: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دعا عشية عرفة لأمته بالمغفرة و الرحمة فأكثر الدعاء فأوحى الله إليه أني قد فعلت إلا الظلم بعضهم بعضا و أما ذنوبهم فيما بينهم و بيني قد غفرتها. فقال: يا رب إنك قادر على أن تثيب هذا المظلوم خيرا من مظلمته و تغفر لهذا الظالم فلم يجبه تلك العشية فلما كان غداة المزدلفة أعاد الدعاء فأجابه أني قد غفرت لهم. فتبسم رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له بعض أصحابه يا رسول الله تبسمت في ساعة لم تكن تتبسم فيها قال: تبسمت من عدو الله إبليس أنه لما علم أن الله تعالى قد استجاب لي في أمتي أهوى يدعو بالويل و الثبور و يحثو التراب على رأسه.
قال الله عز و جل: {و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء} و ظلم بعضهم بعضا دون الشرك.
عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: أتاني جبريل فأخبرني أنه من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة قال: قلت يا رسول الله و إن زنى و إن سرق قال: و إن زنى و إن سرق. قلت و إن زنى و إن سرق قال: و إن زنى و إن سرق على رغم أنف أبي ذر.

وجاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال: يا رسول الله علمني عملا يدخلني الجنة قال: لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسئلة أعتق النسمة و فك الرقبة. قال: أوليستا واحدا؟ قال: لا عتق النسمة أن تنفرد بعتقها و فك الرقبة في ثمنها و المنحة الوكوف أظنه قال: والفيء على ذي الرحم الظالم فإن لم تطق ذلك فأطعم الجائع واسق الظمآن وأمر بالمعروف و إنه عن المنكر فإن لم تطق ذلك فكف لسانك إلا من خير.

صحيح مسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من اقتطع شبرا من الأرض ظلما، طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين).
شرح النووي على مسلم: من أخذ شبرا من الأرض بغير حق طوقه الله في سبع أرضين يوم القيامة. قال العلماء هذا تصريح بأن الأرضين سبع طبقات وهو موافق لقول الله تعالى سبع سماوات ومن الأرض مثلهن وأما تأويل المماثلة على الهيئة والشكل.

صحيح مسلم: عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال "يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما. فلا تظالموا. يا عبادي! كلكم ضال إلا من هديته. فاستهدوني أهدكم. يا عبادي! كلكم جائع إلا من أطعمته. فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي! كلكم عار إلا من كسوته. فاستكسوني أكسكم. يا عبادي! إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا. فاستغفروني أغفر لكم. يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني. ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم. كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم. ما زاد ذلك في ملكي شيئا. يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم. وإنسكم وجنكم. كانوا على أفجر قلب رجل واحد. ما نقص ذلك من ملكي شيئا. يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم. وإنسكم وجنكم. قاموا في صعيد واحد فسألوني. فأعطيت كل إنسان مسألته. ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر. يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم. ثم أوفيكم إياها. فمن وجد خيرا فليحمد الله. ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه".
شرح النووي على مسلم: (ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط اذا أدخل البحر) المخيط هو الابرة. قال العلماء هذا تقريب إلى الافهام ومعناه لا ينقص شيئآ اصلا. وفي الحديث: (لا يغيضها نفقة) أي لا ينقصها نفقة لأن ما عند الله لا يدخله نقص وإنما يدخل النقص المحدود الفاني وعطاء الله تعالى من رحمته وكرمه وهما صفتان قديمتان لا يتطرق اليهما نقص فضرب المثل بالمخيط في البحر لأنه غاية ما يضرب به المثل في القلة والمقصود التقريب إلى الافهام بما شاهدوه فإن البحر من أعظم المرئيات عيانا وأكبرها والابرة من أصغر الموجودات مع أنها صقيلة لا يتعلق بها ماء.

صحيح مسلم: عن جابر بن عبدالله؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة. واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم. حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم". فتح الباري لابن حجر: الظلم يشتمل على معصيتين أخذ مال الغير بغير حق ومبارزة الرب بالمخالفة والمعصية فيه أشد من غيرها لأنه لا يقع غالبا إلا بالضعيف الذي لا يقدر على الانتصار وإنما ينشأ الظلم عن ظلمة القلب لأنه لو استنار بنور الهدى لاعتبر فإذا سعى المتقون بنورهم الذي حصل لهم بسبب التقوى اكتنفت ظلمات الظلم الظالم حيث لا يغني عنه ظلمه شيئا.
شرح النووي على مسلم: الشح أشد من البخل وأبلغ في المنع من البخل وقيل هو البخل مع الحرص. وقيل البخل في أفراد الامور والشح عام. وقيل البخل في أفراد الامور والشح بالمال والمعروف. وقيل الشح الحرص على ماليس عنده والبخل بما عنده قوله صلى الله عليه و سلم: (من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته) أي أعانه عليها. وعن أنس بن مالك قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك فقال "هل تدرون مما أضحك؟ " قال قلنا: الله ورسوله أعلم. قال "من مخاطبة العبد ربه. يقول: يا رب! ألم تجرني من الظلم؟ قال يقول: بلى. قال فيقول: فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهدا مني. قال فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا. وبالكرام الكاتبين شهودا. قال فيختم على فيه. فيقال لأركانه: انطقي. قال فتنطق بأعماله. قال ثم يخلى بينه وبين الكلام. قال فيقول: بعدا لكن وسحقا. فعنكن كنت أناضل".

ايات ومسائل مفهوم الربا (المصنف: صبحي محمود عميره)
*****************************************

= {{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة: 275]}}.
= {{يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ [البقرة: 276]}}.
= {{وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ [الروم: 39]}}.
تفسير القرطبي: سورة البقرة مدنية، نزلت في مُدَدٍ شتى. وقيل: هي أول سورة نزلت بالمدينة، إلا قوله تعالى: "واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله" [البقرة: 81] فإنه آخر آية نزلت من السماء، ونزلت يوم النحر في حجة الوداع بمنى، وآيات الربا أيضا من أواخر ما نزل من القرآن.
(حلالا طيبا): وسمي الحلال حلالا لانحلال عقدة الحظر عنه. قال سهل بن عبدالله: النجاة في ثلاثة: أكل الحلال، وأداء الفرائض، والاقتداء بالنبي صلى اللّه عليه وسلم. وقال أبو عبدالله الساجي: خمس خصال بها تمام العلم، وهي: معرفة اللّه عز وجل، ومعرفة الحق وإخلاص العمل لله، والعمل على السنة، وأكل الحلال، فإن فقدت واحدة لم يرفع العمل. قال سهل: ولا يصح أكل الحلال إلا بالعلم، ولا يكون المال حلالا حتى يصفو من ست خصال: الربا والحرام والسحت - وهو اسم مجمل - والغلول والمكروه والشبهة.

وعين الربا الذي حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (من زاد أو ازداد فقد أربى). وقد رد ابن وهب هذه المسألة على مالك وأنكرها. وزعم الأبهري أن ذلك من باب الرفق لطلب التجارة ولئلا يفوت السوق. وليس الربا إلا على من أراد أن يربي ممن يقصد إلى ذلك ويبتغيه. وأصله في قطع الذرائع.

(ويمحق الله الربا ويربي الصدقات):
(يمحق الله الربا) يعني في الآخرة. وعن ابن عباس في قوله تعالى: "يمحق الله الربا" قال: لا يقبل منه صدقة ولا حجاً ولا جهاداً ولا صلةً. والمحق: النقص والذهاب، ومنه محاق القمر وهو انتقاصه.
(ويربي الصدقات أي ينميها في الدنيا بالبركة ويكثر ثوابها بالتضعيف في الآخرة.

عن عمران بن حصين قال: سرينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة - أو قال في سرية فلما كان وقت السحر عرسنا، فما استيقظنا حتى أيقظنا حر الشمس، فجعل الرجل منا يثب فزعا دهشا، فلما استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا فارتحلنا، ثم سرنا حتى ارتفعت الشمس، فقضى القوم حوائجهم، ثم أمر بلالا فأذن فصلينا ركعتين، ثم أمره فأقام فصلينا الغداة؛ فقلنا: يا نبي الله ألا نقضيها لوقتها من الغد؟ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (أينهاكم الله عن الربا ويقبله منكم). وقال الخطابي: لا أعلم أحدا قال بهذا وجوبا، ويشبه أن يكون الأمر به استحبابا ليحرز فضيلة الوقت في القضاء. والصحيح ترك العمل لقول عليه السلام: (أينهاكم الله عن الربا ويقبله منكم).

{وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون}: الربا ربوان: ربا حلال وربا حرام. فأما الربا الحلال فهو الذي يهدى، يلتمس ما هو أفضل منه.

قال ابن عباس: "وما آتيتم من ربا" يريد هدية الرجل الشيء يرجو أن يثاب أفضل منه؛ فذلك الذي لا يربو عند الله ولا يؤجر صاحبه ولكن لا إثم عليه. قال ابن عباس وابن جبير وطاوس ومجاهد: هذه آية نزلت في هبة الثواب. قال ابن عطية: وما جرى مجراها مما يصنعه الإنسان ليجازى عليه كالسلام وغيره؛ فهو وإن كان لا إثم فيه فلا أجر فيه ولا زيادة عند الله تعالى. وقاله القاضي أبو بكر بن العربي. وفي كتاب النسائي عن عبدالرحمن بن علقمة قال: قدم وفد ثقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعهم هدية فقال: (أهدية أم صدقة فإن كانت هدية فإنما يبتغى بها وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضاء الحاجة، وإن كانت صدقة فإنما يبتغى بها وجه الله عز وجل) قالوا: لا بل هدية؛ فقبلها منهم وقعد معهم يسائلهم ويسألونه.

عن معاذ بن جبل قلت: يا رسول الله! أرأيت قول الله تعالى: "يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا" فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معاذ [بن جبل] لقد سألت عن أمر عظيم) ثم أرسل عينيه باكيا، ثم قال: (يحشر عشرة أصناف من أمتي أشتاتا قد ميزهم الله تعالى من جماعات المسلمين، وبدل صورهم، فمنهم على صورة القردة وبعضهم على صورة الخنازير وبعضهم منكسون: أرجلهم أعلاهم، ووجوههم يسحبون عليها، وبعضهم عمي يتردون، وبعضهم صم بكم لا يعقلون، وبعضهم يمضغون ألسنتهم، فهي مدلاة على صدورهم، يسيل القيح من أفواههم لعابا، يتقذرهم أهل الجمع، وبعضهم مقطعة أيديهم وأرجلهم، وبعضهم مصلبون على جذوع من النار، وبعضهم أشد نتنا من الجيف، وبعضهم ملبسون جلابيب سابغة من القطران لاصقة بجلودهم؛ فأما الذين على صورة القردة فالقتات من الناس - يعني النمام - وأما الذين على صورة الخنازير، فأهل السحت والحرام والمكس. وأما المنكسون رؤوسهم ووجوههم، فأكلة الربا، والعمي: من يجور في الحكم، والصم البكم: الذين يعجبون بأعمالهم. والذين يمضغون ألسنتهم: فالعلماء والقصاص الذين يخالف قولهم فعلهم. والمقطعة أيديهم وأرجلهم: فالذين يؤذون الجيران. والمصلبون على جذوع النار: فالسعاة بالناس إلى السلطان والذين هم أشد نتنا من الجيف فالذين يتمتعون بالشهوات واللذات، ويمنعون حق الله من أموالهم. والذين يلبسون الجلابيب: فأهل الكبر والفخر والخيلاء).

وقال كعب الأحبار: أصاب بني إسرائيل قحط، فخرج بهم موسى عليه السلام ثلاث مرات فلم يستسقوا. فقال موسى: (إلهي عبادك) فأوحى الله إليه: (إني لا أستجيب لك ولا لمن معك لأن فيهم رجلا نماما، قد أصر على النميمة). فقال موسى: (يا رب من هو حتى نخرجه من بيننا)؟ فقال: (يا موسى أنهاك عن النميمة وأكون نماما) قال: فتابوا بأجمعهم، فسقوا. والنميمة من الكبائر، لا خلاف في ذلك؛ حيت قال الفضيل بن عياض: ثلاث تهد العمل الصالح ويفطرون الصائم، وينقضن الوضوء: الغيبة، والنميمة، والكذب. وقال عطاء بن السائب: ذكرت للشعبي قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة سافك دم، ولا مشاء بنميمة، ولا تاجر يربي) فقلت: يا أبا عمرو، قرن النمام بالقاتل وآكل الربا؟ فقال: وهل تسفك الدماء، وتنتهب الأموال، وتهيج الأمور العظام، إلا من أجل النميمة.

(ويمحق الله الربا ويربي الصدقات).
{وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون}.
آياتان من كتاب الله تستحقان التفكر والتعقل لنصل الي المعني الحقيقي:
1 - الصدقة والزكاة تكون للفقير لانه في حاجة اليها لتسد خلتة وخلة اولاده, ولا تكون لغني.
2 - اما الربا فيكون مع الغني لزيادة راس مال مشروعه, ومع فقير ليرمم بيته خوفا من السقوط.
فاذا اعطي المال للغني فمن حق المعطي ان ياخذ زيادة من الاصفه شريك.
واما اذا اعطي الفقير قرضا وأخذ منه زياده (اي ربا) فان ذلك يسيء حالته السيئة سوء علي سوء, وهذا هو الربا المحرم. اذا فالربا لايكون الا باخذ زيادة من الفقير المحتاج الي المساعدة. وهذا الملمح اشار اليه حجة الاسلام الامام ابن تيمية في مجموع فتاويه, فهذا الرجل سبق عصره العقلي والبحثي للوصول الي الاراء الصحيحة والمستنبطة من القرآن والسنة واسلوب اجتهاد صحابة رسول الله لحل المستحدثه.

معرفة السنن والآثار للبيهقي: أن عمر، رفعت إليه امرأة ولدت لستة أشهر فأمر برجمها، فأتي علي في ذلك فقال: «لا رجم عليها»، فبلغ ذلك عمر، فأرسل إلى علي فسأله عن ذلك، فقال: «لا رجم عليها لأن الله تعالى يقول: والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين وقال الله تعالى: وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ستة أشهر وحولين كاملين تمام لا رجم عليها، فخلى عنها عمر. وروينا عن ابن عباس، ما دل على أن أقل الحمل ستة أشهر. وبه قال الشافعي وغيره من الفقهاء.
مشكل الآثار للطحاوي: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (إذا وضعت المرأة في تسعة أشهر كفاه من الرضاع واحد وعشرون شهرا، وإذا وضعت لسبعة أشهر كفاه من الرضاع ثلاثة وعشرون شهرا، وإذا وضعت لستة أشهر فحولان كاملان؛ لأن الله تعالى يقول: وحمله وفصاله ثلاثون شهرا).

= {{قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ [آل عمران: 32]}}.
= {{مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ}}
{{لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ [الروم:44 - 45]}}.
تفسير القرطبي: (وأطيعوا الله): يعني أطيعوا الله في الفرائض "والرسول" في السنن: وقيل: "أطيعوا الله" في تحريم الربا "والرسول" فيما بلغكم من التحريم.
واتقوا العمل الذي ينزع منكم الإيمان فتستوجبون النار؛ لأن من الذنوب ما يستوجب به صاحبه نزع الإيمان ويخاف عليه. وقد جاء في ذلك أثر: أن رجلا كان عاقا لوالديه يقال له علقمة؛ فقيل له عن [عند] الموت: قل لا إله إلا الله، فلم يقدر على ذلك حتى جاءته أمه فرضيت عنه.

(من فرق بين ثلاث فرق الله بينه وبين رحمته يوم القيامة: من قال أطيع الله ولا أطيع الرسول والله تعالى يقولك "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول" [النساء: 59]. ومن قال أقيم الصلاة ولا أوتي الزكاة والله تعالى يقول: "وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة" [البقرة: 4]. ومن فرق بين شكر الله وشكر والديه والله عز وجل يقول: "أن اشكر لي ولوالديك" [لقمان: 14]).
(فإن الله لا يحب الكافرين): أي لا يرضى فعلهم ولا يغفر لهم.

(من كفر فعليه كفره): أي جزاء كفره. (ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون): أي يوطئون لأنفسهم في الآخرة فراشا ومسكنا وقرارا بالعمل الصالح؛ ومنه: مهد الصبي. والمهاد الفراش، وقد مهدت الفراش مهدا: بسطته ووطأته. وتمهيد الأمور: تسويتها وإصلاحها. وتمهيد العذر: بسطه وقبوله. والتمهد: التمكن. عن مجاهد "فلأنفسهم يمهدون" قال: في القبر.

صحيح مسلم: عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان. من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما. وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله. وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار".
و "اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب والنياحة على الميت".

صحيح مسلم: (باب بيان نقصان الإيمان بنقص الطاعات وبيان إطلاق لفظ الكفر على غير الكفر بالله، ككفر النعمة والحقوق): عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يا معشر النساء! تصدقن وأكثرن الاستغفار. فإني رأيتكن أكثر أهل النار" فقالت امرأة منهن، جزلة: وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار. قال: "تكثرن اللعن. وتكفرن العشير. وما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن" قالت: يا رسول الله! وما نقصان العقل والدين؟ قال "أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل. فهذا نقصان العقل. وتمكث الليالي ما تصلي. وتفطر في رمضان. فهذا نقصان الدين".

صحيح مسلم: عن أنس بن مالك؛ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغير إذا طلع الفجر. وكان يستمع الأذان. فإن سمع أذانا أمسك. وإلا أغار. فسمع رجلا يقول: الله أكبر الله أكبر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "على الفطرة" ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "خرجت من النار" فنظروا فإذا هو راعي معزي.

صحيح ابن حبان: عن أنس بن مالك: أن رجلا قام إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال: أين أبي؟ قال: (في النار) فلما قفى دعاه فقال صلى الله عليه و سلم: (إن أبي وأباك في النار).
شرح النووي على مسلم: إن أبي وأباك في النار) فيه أن من مات على الكفر فهو في النار ولا تنفعه قرابة المقربين. وفيه أن من مات في الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان فهو من أهل النار وليس هذا مؤاخذة قبل بلوغ الدعوة فان هؤلاء كانت قد بلغتهم دعوة ابراهيم وغيره من الأنبياء صلوات الله تعالى وسلامه عليهم وقوله صلى الله عليه و سلم أن أبي وأباك في النار هو من حسن العشرة للتسلية بالاشتراك في المصيبة.
شرح مسند أبي حنيفة: (ومضى النبي صلى الله عليه وسلم) إلى زيارة قبر أمه، فمكث طويلا أي زمانا أو مكثا، (ثم اشتد بكاؤه حتى ظننا أنه لا يسكن) أي من البكاء، (فأقبل وهو يبكي فقال له عمر: ما أبكاك يا نبي الله بأبي أنت وأمي) أي أفديك بهما (قال: " استأذنت ربي في زيارة قبر أمي فأذن لي فاستأذنته في الشفاعة فأبى فبكيت رحمة لها) أي بمقتضى الطبيعة، (وبكى المسلمون رحمة للنبي صلى الله عليه وسلم) أي بموجب الشريعة. وهذا الحديث يبطل قول القائل: إنها من أهل الفترة وإنهم لا يعذبون في النار.

فيض القدير للمناوى: عن ابن عباس في قوله تعالى: (ولسوف يعطيك ربك فترضى): قال: من رضى محمد أن لا يدخل أحد من أهل بيته النار. وأن المراد من أهل بيته مؤمنو بني هاشم والمطلب أو فاطمة وعلي وابناهما أو زوجاته لكن تمسك المصنف بعمومه وجعله شاهدا لدخول أبويه الجنة.
وأن أهل الفترة موقوفون إلى الامتحان بين يدي الملك الديان فمن سبقت له السعادة أطاع ودخل الجنان أو الشقاوة عصى ودخل النيران قال: وفي خبر الحاكم ما يلوح أنه يرتجي لأبويه الشفاعة وليست إلا إلى التوفيق عند الامتحان للطاعة.
صحيح مسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي. كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى كل أحمر وأسود. وأحلت لي الغنائم، ولم تحل لأحد قبلي. وجعلت لي الأرض طيبة طهورا ومسجدا. فأيما رجل أدركته الصلاة صلى حيث كان. ونصرت بالرعب بين يدي مسيرة شهر. وأعطيت الشفاعة".
تحفة الأحوذي للمباركفوري: كان ان النبي صلى الله عليه و سلم يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة. قال الحافظ ولا يعترض بأن نوحا عليه السلام كان مبعوثا إلى أهل الأرض بعد الطوفان لأنه لم يبق إلا من كان مؤمنا معه وقد كان مرسلا إليهم لأن هذا العموم لم يكن في أصل بعثته وإنما اتفق بالحادث الذي وقع وهو انحصار الخلق في الموجودين بعد هلاك سائر الناس.
وأما نبينا صلى الله عليه و سلم فعموم رسالته من أصل البعثة فثبت اختصاصه بذلك وأما قول أهل الموقف لنوح كما صح في حديث الشفاعة أنت أول رسول إلى أهل الأرض فليس المراد به عموم بعثته بل إثبات أولية إرساله وعلى تقدير أن يكون مرادا فهو مخصوص بتنصيصه سبحانه وتعالى في عدة آيات على أن إرسال نوح كان إلى قومه ولم يذكر أنه أرسل إلى غيرهم (وختم بي النبيون) فلا نبي بعده صلى الله عليه و سلم.

صحيح مسلم: حدثنا أبو هريرة قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن بمنى "نحن نازلون غدا بخيف بني كنانة. حيث تقاسموا على الكفر". وذلك أن قريشا وبني كنانة تحالفت على بني هشام وبني المطلب، أن لا يناكحوهم، ولا يبايعوهم، حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
شرح النووي على مسلم: (حيث تقاسموا على الكفر) ومعنى تقاسموا على الكفر تحالفوا وتعاهدوا عليه وهو تحالفهم على إخراج النبي صلى الله عليه و سلم وبنى هاشم وبنى المطلب من مكة إلى هذا الشعب وهو خيف بني كنانة وكتبوا بينهم الصحيفة المشهورة وكتبوا فيها أنواعا من الباطل وقطيعة الرحم والكفر فأرسل الله تعالى عليها الأرضة فأكلت كل ما فيها من كفر وقطيعة رحم وباطل وتركت ما فيها من ذكر الله تعالى فأخبر جبريل النبي صلى الله عليه و سلم بذلك فأخبر به النبي صلى الله عليه و سلم عمه أبا طالب فجاء اليهم أبو طالب فأخبرهم عن النبي صلى الله عليه و سلم بذلك فوجدوه كما أخبر والقصة مشهورة قال بعض العلماء وكان نزوله صلى الله عليه و سلم هنا شكرا لله تعالى على الظهور بعد الاختفاء وعلى اظهار دين الله تعالى.

صحيح مسلم: مر على النبي صلى الله عليه وسلم بيهودي محمما مجلودا. فدعاهم صلى الله عليه وسلم فقا (هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟) قالوا: نعم. فدعا رجلا من علمائهم. فقال (أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟) قال: لا. ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك. نجده الرجم. ولكنه كثر في أشرافنا. فكنا، إذا أخذنا الشريف تركناه. وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد. قلنا: تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع. فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اللهم! إني أول من أحيا أمرك إذا أماتوه). فأمر به فرجم. فأنزل الله عز وجل: {يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر.

فقه السنة للسيد سابق: (نص خاص بحكم الرجم في التوراة): جاء في سفر التثنية: " إذا وجد رجل مضطجعا مع امرأة زوجة بعل يقتل الاثنان. الرجل المضطجع مع المرأة، والمرأة، فينزع الشر من إسرائيل. وإذا كانت فتاة عذراء مخطوبة لرجل، فوجدها رجل بالمدينة، فاضطجع معها، فأخرجوهما كليهما من المدينة وارجموهما بالحجارة، حتى يموتا، الفتاة من أجل أنها لم تصرخ في المدينة، والرجل من أجل أنه أذل امرأة صاحبه، فينزع الشر من المدينة ".

صحيح مسلم: قال ابن عباس: فلما أسروا الأسارى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر (ما ترون في هؤلاء الأسارى؟): فقال أبو بكر: يا نبي الله! هم بنو العم والعشيرة. أرى أن تأخذ منهم فدية. فتكون لنا قوة على الكفار. فعسى الله أن يهديهم للإسلام.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما ترى؟ يا ابن الخطاب؟) قلت: لا. والله! ما أرى الذي رأى أبو بكر. ولكني أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم. فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه. وتمكني من فلان (نسيبا لعمر) فأضرب عنقه. فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها.
فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر, ولم يهو ما قال عمر. فلما كان من الغد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان. قال عمر: يا رسول الله! أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك. فإن وجدت بكاء بكيت. وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أبكي للذي عرض على أصحابك من أخذهم الفداء. لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة) (شجرة قريبة من نبي الله صلى الله عليه وسلم) وأنزل الله عز وجل: {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض. إلى قوله: فكوا مما غنمتم حلالا طيبا} [8 /الأنفال /67 - 69] فأحل الله الغنيمة لهم.

صحيح مسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "أنا محمد. وأنا أحمد. وأنا الماحي الذي يمحى بي الكفر. وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على عقبي. وأنا العاقب". والعاقب الذي ليس بعده نبي.
فتح الباري لابن حجر: وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر قيل المراد إزالة ذلك من جزيرة العرب.
وإزالة الكفر بإزالة أهله.
شرح النووي على مسلم: (وأنا الماحي الذي يمحى بي الكفر) قال العلماء المراد محو الكفر من مكة والمدينة وسائر بلاد العرب ومازوى له صلى الله عليه و سلم من الارض ووعد ان يبلغه ملك امته قالوا ويحتمل ان المراد المحو العام بمعنى الظهور بالحجة والغلبة كما قال تعالى ليظهره على الدين كله.

صحيح مسلم: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيت عائشة فقال "رأس الكفر من ههنا، من حيث يطلع قرن الشيطان" يعني المشرق.
تحفة الأحوذي للمباركفوري: من حيث يطلع قرن الشيطان أو قال قرن الشمس ما لفظه وإنما أشار صلى الله عليه و سلم إلى المشرق لأن أهله يومئذ كانوا أهل كفر فأخبر أن الفتنة تكون من تلك الناحية وكذلك كانت هي وقعة الجمل ووقعة صفين ثم ظهور الخوارج في أرض نجد والعراق وما ورائها من المشرق وكانت الفتنة الكبرى التي كانت مفتاح فساد ذات البين قتل عثمان رضي الله تعالى عنه وكان صلى الله عليه و سلم يحذر من ذلك ويعلم به قبل وقوعه وذلك من دلالات نبوته صلى الله عليه و سلم.

= {{فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ
وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [آل عمران: 56 - 57]}}.

= {{إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [آل عمران: 140]}}.
= {{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [الشورى: 40]}}.

تفسير القرطبي: وقال الله عز وجل: "وجزاء سيئة سيئة مثلها" [الشورى: 40]. وقال: "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم" [البقرة: 194] والجزاء لا يكون سيئة. والقصاص لا يكون اعتداء، لأنه حق وجب. والظالمون هم على أحد التأويلين: من بدأ بقتال، وعلى التأويل الآخر: من بقي على كفر وفتنة.
(وجزاء سيئة سيئة مثلها): قال العلماء: جعل الله المؤمنين صنفين؛ صنف يعفون عن الظالم فبدأ بذكرهم في قول "وإذا ما غضبوا هم يغفرون" [الشورى: 7]. وصنف ينتصرون من ظالمهم. ثم بين حد الانتصار بقول: "وجزاء سيئة سيئة مثلها" فينتصر ممن ظلمه من غير أن يعتدي.
(والله لا يحب الظالمين): أي المشركين، أي وإن أنال الكفار من المؤمنين فهو لا يحبهم، وإن أحل ألما بالمؤمنين فإنه يحب المؤمنين.
وإذا كان يوم القيامة نادى مناد أيكم أهل الفضل؟ فيقوم ناس من الناس؛ فيقال: انطلقوا إلى الجنة فتتلقاهم الملائكة؛ فيقولون إلى أين؟ فيقولن إلى الجنة؛ قالوا قبل الحساب؟ قالوا من أنتم؟ قالوا أهل الفضل؛ قالوا وما كان فضلكم؟ قالوا كنا إذا جهل علينا حلمنا وإذا ظلمنا صبرنا وإذا سيء إلينا عفونا؛ قالوا ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين. "إنه لا يحب الظالمين" أي من بدأ بالظلم. وقيل: لا يحب من يتعدى في الاقتصاص ويجاوز الحد.

زاد المعاد لابن القيم: {واَللهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران: 57]، تنبيه لطيفٌ الموقِع جداً على كراهته وبغضه للمنافقين الذين انخَذَلُوا عن نبيه يومَ أُحُد، فلم يشهدوه، ولم يَتَّخِذْ منهم شهداء، لأنه لم يُحبهم، فأركَسَهم وردَّهُم لِيَحْرِمَهُم ما خصَّ به المؤمنين فى ذلكَ اليوم، وما أعطاهُ مَن استُشهِدَ منهم، فثبط هؤلاء الظالمين عن الأسباب التى وفق لها أولياءَهُ وحِزبه.

= {{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا [النساء: 36]}}.
تفسير القرطبي: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا): [النساء: 6]. ثم ذكر بعد الإيمان الصلاة التي هي رأس العبادات؛ ولذلك يقتل تاركها ولا يسقط فرضها.
الحاوى في اتفسير القران للقماش: ضرورة اداء الصَّلَاةَ كَيْفَمَا أَمْكَنَ، وَلَا تَسْقُطُ بِحَالٍ حَتَّى لَوْ لَمْ يَتَّفِقْ فِعْلُهَا إلَّا بِالْإِشَارَةِ بِالْعَيْنِ لَلَزِمَ فِعْلُهَا؛ كَذَلِكَ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى حَرَكَةِ سَائِرِ الْجَوَارِحِ، وَبِهَذَا الْمَعْنَى تَمَيَّزَتْ عَنْ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ؛ فَإِنَّ الْعِبَادَاتِ كُلَّهَا تَسْقُطُ بِالْأَعْذَارِ، وَيُتَرَخَّصُ فِيهَا بِالرُّخَصِ الضَّعِيفَةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ عُلَمَاؤُنَا، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ عُظْمَى: إنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ يُقْتَلُ؛ لِأَنَّهَا أَشْبَهَتْ الْإِيمَانَ الَّذِي لَا يَسْقُطُ بِحَالٍ.

صحيح البخارى: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث النفس بالنفس والثيب الزاني والمفارق لدينه التارك للجماعة)، ولم يذكر منها ترك الصلاة. فدل ذلك على أنه غير موجب للقتل. قالوا: والأدلة التي ذكرتم على قتله إنما دلت عليه بمفاهيمها أعني مفاهيم المخالفة كما تقدم إيضاحه. وحديث ابن مسعود دل على ما ذكرنا بمنطوقه والمنطوق مقدم على المفهوم. مع أن المقرر في أصول الإمام أبي حنيفة رحمه الله: أنه لا يعتبر المفهوم المعروف بدليل الخطاب الذي هو مفهوم المخالفة - وعليه فإنه لا يعترف بدلالة الأحاديث المذكورة على قتله. لأنها إنما دلت عليه بمفهوم مخالفتها، وحديث ابن مسعود دل على ذلك بمنطوقه.
منها قياسهم ترك الصلاة على ترك الصوم والحج مثلاً. فإن كل واحد منهما من داعائم الإسلام ولم يقتل تاركها، فكذلك الصلاة.
(المصنف: صبحي محمود عميره): من ترك الصلاة لا يقتل, وليس لابر ان يحاسبه. وان كنا مؤمنين حقا علينا ان ندعو له بالهداية. فالصلاة عبادة بين العبد وربه.

= {{وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا [النساء: 107]}}.
الدر المنثور للسيوطي: استودع رجل من الأنصار طعمة بن أبيرق مشربة له فيها درع فغاب، فلما قدم الأنصاري فتح مشربته فلم يجد الدرع، فسأل عنها طعمة بن أبيرق فرمى بها رجلا من اليهود يقال له زيد بن السمين، فتعلق صاحب الدرع بطعمة في درعه، فلما رأى ذلك قومه أتو النبي صلى الله عليه وسلم، فكلموه ليدرأ عنه، فهم بذلك، فأنزل الله {ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم} يعني طعمة بن أبيرق وقومه.

الحاوى في اتفسير القران للقماش: (وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ): لأن من يقدم على ذنب أو يذب عن المذنب مع علمه بما أذنب فهو خائن (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً). لأنه سرق وأودع المسروق عند غيره وحلف على براءته من فعل السرقة.
وهذه الآية عامة لا يخصصها سبب نزولها، لأنها جاءت بلفظ مطلق.
ولما سمع طعيمة ما أنزل فيه لحق بمكة مرتدا وعدا على الحجاج بن علاط فنقب بيته فسقط عليه حجر من الحائط وأخرجوه من مكة، فلقي ركبا وقال لهم أنا ابن سبيل منقطع، فحملوه حتى إذا جن الليل سرقهم وهرب، فأدركوه ورموه بالحجارة حتى مات.
(وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ} أي لا تكن يا محمد مدافعاً عن الخائنين واستغفر الله إن كان هذا الخاطر قد جال برأسك بأن ترفع رأس مسلم على يهودي؛ لأن الحق أولى من المسلم؛ فما دام هو قبل أن يخون فلا تجادل عنه، ولماذا طلب بنو ظفر التغاضي عن جريمة مسلم وإلصاقها بيهودي؟ أيستخفون من الناس ولا يستخفون من الله؟ وافرض أن هذه برأتهم عند الناس. أتبرئهم عند الله؟.

= {{لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا [النساء: 148]}}.
تفسير القرطبي: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول): وتم الكلام. ثم قال عز وجل: (إلا من ظلم) أي لكن من ظلم فله أن يقول ظلمني فلان.

وقراءة الجمهور "ظلم" بضم الظاء وكسر اللام؛ ويجوز إسكانها. ومن قرأ "ظلم" بفتح الظاء وفتح اللام. والمعنى لا يحب الله أن يجهر أحد بالسوء من القول إلا من ظلم فلا يكره له الجهر به. ثم اختلفوا في كيفية الجهر بالسوء وما هو المباح من ذلك: هو الرجل يظلم الرجل فلا يدع عليه، ولكن ليقل: اللهم أعني عليه، اللهم استخرج حقي، اللهم حل بينه وبين ما يريد من ظلمي. فهذا دعاء في المدافعة وهي أقل منازل السوء. وقال ابن عباس: المباح لمن ظلم أن يدعو على من ظلمه، وإن صبر فهو خير له؛ فهذا إطلاق في نوع الدعاء على الظالم. وقال مجاهد: نزلت في الضيافة فرخص له أن يقول فيه.
الدر المنثور للسيوطي: {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول ... } قال: لا يحب الله أن يدعو أحد على أحد إلا أن يكون مظلوما، فإنه رخص له أن يدعو على من ظلمه، وأن يصبر فهو خير له.
وعن عائشة أنه سرق لها شيء، فجعلت تدعو عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبخي عنه بدعائك". وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من دعا على من ظلمه فقد انتصر".

صحيح الترغيب والترهيب: وعن عائشة رضي الله عنها أنها سرق لها شيء فجعلت تدعو عليه فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسبخي عنه. ومعنى لا تسبخي عنه أي لا تخففي عنه العقوبة وتنقصي أجرك في الآخرة بدعائك عليه.
سبل السلام للصنعاني: عن عطاء عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها وقد دعت على سارق سرقها ملحفة "لا تسبخي عنه بدعائك عليه" ومعناه لا تخففي عنه الإثم الذي يستحقه بالسرقة وهذا يدل على أن الظالم يخفف عنه بدعاء المظلوم عليه.
وعن عمر بن عبد العزيز أنه قال بلغني أن الرجل ليظلم مظلمة فلا يزال المظلوم يشتم الظالم وينتقصه حتى يستوفي حقه ويكون للظالم الفضل عليه,

وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من دعا على من ظلمه فقد انتصر" فإن قيل قد مدح الله المنتصر من البغي ومدح العافي عن الجرم: فالجواب أن الأول محمول على ما إذا كان الباغي وقحا ذا جرأة وفجور. والثاني على من وقع منه ذلك نادرا فتقال عثرته بالعفو عنه.
وقال الواحدي إن كان الانتصار لأجل الدين فهو محمود وإن كان لأجل النفس فهو مباح لا يحمد عليه. واختلف العلماء في التحليل من الظلامة على ثلاثة أقوال: كان ابن المسيب لا يحلل أحدا من عرض ولا مال وكان سليمان بن يسار وابن سيرين يحللان منهما ورأى مالك التحليل من العرض دون المال
تسبخي عنه بدعائك عليه أي لا تخففي عنه الإثم الذي استحقه بالسرقة. ومن هذا سبائخ القطن وهي القطع المتطايرة عند الندف.
لسان العرب: (سبخ) التَّسْبِيخُ التخفيف وفي الدعاء سَبَّخَ اللهُ عنك الشِّدّة وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أَن سارقاً سرق من بيت عائشة رضي الله عنها شيئاً فدعت عليه فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم لا تُسَبِّخِي عنه بدعائك عليه أَي لا تُخَفِّفي عنه إِثمه الذي استحقه بالسرقة بدعائك عليه يريد أَن السارق إِذا دعا عليه المسروق منه خفف ذلك عنه. ويقال اللهم سَبِّخْ عني الحُمَّى أَي خَفِّفْها وسُلَّها.

= {{وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأنعام: 141]}}.
= {{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف: 31]}}.

= {{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [الأعراف: 32]}}.
تفسير القرطبي: هذه الآية قيل فيها إنها نزلت بالمدينة. هذه السورة مكية. نسخت الزكاة كل صدقة في القرآن.
(كلوا من ثمره إذا أثمر): واستدلوا على أنه لا يحتسب بالمأكول قبل الحصاد بهذه الآية. واحتجوا بقوله عليه السلام: (إذا خرصتم فدعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع). وما أكلت الدواب والبقر منه عند الدرس لم يحسب منه شيء على صاحبه عند مالك وغيره.
(وآتوا حقه يوم حصاده): هي الزكاة المفروضة، العشر ونصف العشر. وهو حق في المال سوى الزكاة، أمر الله به ندبا. قال مجاهد: إذا حصدت فحضرك المساكين فاطرح لهم من السنبل، وإذا جذذت فألق لهم من الشماريخ، وإذا درسته ودسته وذريته فاطرح لهم منه، وإذا عرفت كيله فأخرج منه زكاته.
والقول الثالث هو منسوخ بالزكاة؛ لأن هذه السورة مكية وآية الزكاة لم تنزل إلا بالمدينة: "خذ من أموالهم صدقة" [التوبة: 10]، "وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة" [البقرة: 4]. وقال سفيان: سألت السدي عن هذه الآية فقال. نسخها العشر ونصف العشر.
وقال بعضهم: وعليه ترك ما أخطأه الحاصدون. وكان بعض العباد يتحرون أقواتهم من هذا. وروي أنه نهي عن الحصاد بالليل. فقيل: إنه لما ينقطع عن المساكين في ذلك من الرفق.
الدر المنثور للسيوطي: عن سعيد بن جبير {وآتوا حقه يوم حصاده} قال: كان هذا قبل أن تنزل الزكاة، الرجل يعطي من زرعه، ويعلف الدابة، ويعطي اليتامى والمساكين، ويعطى الضغث.

وإذا حصدت فحضرك المساكين فاطرح لهم من السنبل، فإذا طيبته وكرسته فحضرك المساكين فاطرح لهم منه، فإذا دسته وذريته فحضرك المساكين فاطرح لهم منه، فإذا ذريته وجمعته وعرفت كيله فاعزل زكاته، وإذا بلغ النخل فحضرك المساكين فاطرح لهم من التفاريق والبسر، فإذا جددته فحضرك المساكين فاطرح لهم منه، فإذا جمعته وعرفت كيله فاعزل زكاته.

تفسير القرطبي: (يا بني آدم): هو خطاب لجميع العالم، وإن كان المقصود بها من كان يطوف من العرب بالبيت عريانا؛ فإنه عام في كل مسجد للصلاة. لأن العبرة للعموم لا للسبب. ومن العلماء من أنكر أن يكون المراد به الطواف؛ لأن الطواف لا يكون إلا في مسجد واحد، والذي يعم كل مسجد هو الصلاة. وهذا قول من خفي عليه مقاصد الشريعة.
وكانت العرب تطوف بالبيت عراة إلا الحمس، والحمس قريش وما ولدت، كانوا يطوفون بالبيت عراة إلا أن تعطيهم الحمس ثيابا فيعطي الرجال الرجال والنساء النساء. وكانت الحمس لا يخرجون من المزدلفة، وكان الناس كلهم يقفون بعرفات. ويقولون نحن أهل الحرم، فلا ينبغي لأحد من العرب أن يطوف إلا في ثيابنا، ولا يأكل إذا دخل أرضنا إلا من طعامنا. فمن لم يكن له من العرب صديق بمكة يعيره ثوبا ولا يسار يستأجره به كان بين أحد أمرين: إما أن يطوف بالبيت عريانا، وإما أن يطوف في ثيابه؛ فإذا فرغ من طوافه ألقى ثوبه عنه فلم يمسه أحد. وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ذات يوم: (خذوا زينة الصلاة) قيل: وما زينة الصلاة؟ قال: (البسوا نعالكم فصلوا فيها).
دلت الآية على وجوب ستر العورة. وذهب جمهور أهل العلم إلى أنها فرض من فروض الصلاة. وإذا قلنا إن ستر العورة فرض في الصلاة فسقط ثوب إمام فانكشف دبره وهو راكع فرفع رأسه فغطاه أجزأه.

صحيح البخارى: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده} (الأعراف 32).

وقال النبي صلى الله عليه و سلم (كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة). وقال ابن عباس كل ما شئت والبس واشرب ما شئت ما أخطأتك اثنتان سرف أو مخيلة. [ش (إسراف) هو تجاوز الحد في كل فعل أو قول واستعماله في الإنفاق أشهر من غيره وهو فيه الإنفاق زائدا عما ينبغي ويليق. (مخيلة) من الخيلاء وهو التكبر. (ما شئت) مما أحله الله تعالى. (أخطأتك. .) تجاوزتك ولم تحصل منك].
صحيح مسلم: دخلت هند بنت عتبة، امرأة أبي سفيان، على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت: يا رسول الله! إن أبا سفيان رجل شحيح. لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني. إلا ما أخذت من ماله بغير علمه. فهل علي في ذلك من جناح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خذي من ماله بالمعروف، ما يكفيك ويكفي بنيك).

شعب الإيمان: أن النبي صلى الله عليه و سلم مر بسعد و هو يتوضأ ما هذا السرف يا سعد قال: و في الوضوء إسراف قال: نعم و إن كنت على نهر جار.
وعن سعيد بن جبير في قوله عز و جل: {ما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين} في غير إسراف ولا تقتير. وقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم لرسول الله صلى الله عليه و سلم ما نفقتنا على أهالينا قال: ما أنفقتم على أهليكم في غير إسراف ولا تقتير فهو في سبيل الله.
وعن الحارث عن علي قال: ما أنفقت على نفسك وأهل بيتك في غير سرف ولا تبذير وما تصدقت فلك وما أنفقت رياء أو سمعة فذلك حظ الشيطان.,

= {{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ [الأنفال: 58]}}.

تفسير القرطبي: (وإما تخافن من قوم خيانة): أي غشا ونقضا للعهد. وهذه الآية نزلت في بني قريظة وبني النضير. والذي يظهر في ألفاظ القرآن أن أم بني قريظة انقضى عند قول "فشرد بهم من خلفهم" ثم ابتدأ تبارك وتعالى في هذه الآية بأمره فيما يصنعه في المستقبل مع من يخاف منه خيانة، فتترتب فيهم هذه الآية. وبنو قريظة لم يكونوا في حد من تخاف خيانته، وإنما كانت خيانتهم ظاهرة مشهورة.
قال ابن العربي: فإن قيل كيف يجوز نقض العهد مع خوف الخيانة، والخوف ظن لا يقين معه، فكيف يسقط يقين العهد مع ظن الخيانة. فالجواب من وجهين: أحدهما - أن الخوف قد يأتي بمعنى اليقين، كما قد يأتي الرجاء بمعنى العلم، قال الله تعالى: "ما لكم لا ترجون لله وقارا" [نوح: 1]. الثاني - إذا ظهرت آثار الخيانة وثبتت دلائلها، وجب نبذ العهد لئلا يوقع التمادي عليه في الهلكة، وجاز إسقاط اليقين هنا ضرورة.
وأما إذا علم اليقين فيستغنى عن نبذ العهد إليهم، وقد سار النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة عام الفتح، لما إذا اشتهر منهم نقض العهد من غير أن ينبذ إليهم عهدهم.
وقال الأزهري: معناه إذا عاهدت قوما فعلمت منهم النقض بالعهد فلا توقع بهم سابقا إلى النقض حتى تلقي إليهم أنك قد نقضت العهد والمواعدة، فيكونوا في علم النقض مستويين، ثم أوقع بهم. قال النحاس: هذا من معجز ما جاء في القرآن مما لا يوجد في الكلام مثله على اختصاره وكثرة معانيه. والمعنى: وإما تخافن من قوم بينك وبينهم عهد خيانة فأنبذ إليهم العهد، أي قل لهم قد نبذت إليكم عهدكم، وأنا مقاتلكم، ليعلموا ذلك فيكونوا معك في العلم سواء، ولا تقاتلهم وبينك وبينهم عهد وهم يثقون بك، فيكون ذلك خيانة وغدرا. ثم بين هذا بقوله: "إن الله لا يحب الخائنين".

ما ذكره الأزهري والنحاس من إنباذ العهد مع العلم بنقضه يرده فعل النبي صلى الله عليه وسلم في فتح مكة، فإنهم لما نقضوا لم يوجه إليهم بل قال: (اللهم اقطع خبري عنهم) وغزاهم.
وكان بين معاوية والروم عهد وكان يسير نحو بلادهم ليقرب حتى إذا انقضى العهد غزاهم، فجاءه رجل على فرس أو برذون وهو يقول: الله أكبر، الله أكبر، وفاء لا غدر، فنظروا فإذا هو عمرو بن عنبسة، فأرسل إليه معاوية فسأل فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشد عقدة ولا يحلها حتى ينقضي أمدها أو ينبذ إليهم على سواء) فرجع معاوية بالناس. والسواء: المساواة والاعتدال.
وعن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لكل غادر لواء يوم القيامة يرفع له بقدر غدره ألا ولا غادر أعظم غدرا من أمير عامة). قال علماؤنا رحمة الله عليهم: إنما كان الغدر في حق الإمام أعظم وأفحش منه في غيره لما في ذلك من المفسدة، فإنما إذا غدروا وعلم ذلك منهم ولم ينبذوا بالعهد لم يأمنهم العدو على عهد ولا صلح، فتشتد شوكته ويعظم ضرره، ويكون ذلك منفرا عن الدخول في الدين، وموجبا لذم أئمة المسلمين.
فأما إذا لم يكن للعدو عهد فينبغي أن يتحيل عليه بكل حيلة، وتدار عليه كل خديعة. وعليه يحمل قوله صلى الله عليه وسلم: (الحرب خدعة).

صحيح البخارى: عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما رجع يوم الخندق ووضع السلاح واغتسل فأتاه جبريل وقد عصب رأسه الغبار فقال وضعت السلاح فوالله ما وضعته. فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم (فأين). قال ها هنا وأومأ إلى بني قريظة. قالت فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم.

صحيح مسلم: عن ابن عمر: أن يهود بني النضير وقريظة حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير، وأقر قريظة ومن عليهم. حتى حاربت قريظة بعد ذلك. فقتل رجالهم. وقسم نسائهم وأولادهم وأموالهم بين المسلمين. إلا أن بعضهم لحقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فآمنهم وأسلموا. وأجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود المدينة كلهم: بني قينقاع (وهم قوم عبدالله بن سلام). ويهود بني حارثة. وكل يهودي كان بالمدينة.
صحيح ابن حبان: عن أنس: أن الرجل كان يجعل للنبي صلى الله عليه و سلم النخلات من أرضه حتى فتحت عليه قريظة والنضير فجعل بعد ذلك يرد ما كان أعطاه. قال أنس: وإن أهلي أمروني أن آتي النبي صلى الله عليه و سلم فأسأله ما كان أعطاه أو بعضه وكان نبي الله صلى الله عليه و سلم قد أعطاه أم أيمن فأتيت النبي صلى الله عليه و سلم فأعطانيهن فجاءت أم أيمن فجعلت الثوب في عنقي وقالت: والله لا يعطيكهن وقد أعطانيهن قال نبي الله صلى الله عليه و سلم: (يا أم أيمن اتركي ولك كذا وكذا) فتقول: كلا والذي لا إله إلا هو حتى أعطاها عشرة أمثاله أو قريبا من عشرة أمثاله.

معرفة السنن والآثار للبيهقي: (إن الله لا يحب الخائنين): قال الشافعي: نزلت في أهل هدنة بلغ النبي صلى الله عليه وسلم عنهم شيء استدل به على خيانتهم فإذا جاءت دلالة على أن لم يوف أهل الهدنة بجميع ما عاهدهم عليه فله أن ينبذ إليهم، ومن قلت له أن ينبذ إليه فعليه أن يلحقه بمأمنه، ثم له أن يحاربه كما يحارب من لا هدنة له. (الهُدْنَة: الصُّلْح والمُوادَعَة بيْن المُسْلمين والكُفَّار، وبَيْن كُلِّ مُتَحارِبَيْن).

= {{لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ [النحل: 23]}}.

تفسير القرطبي: (إنه لا يحب المستكبرين): أي لا يثيبهم ولا يثني عليهم. وعن الحسن بن علي أنه مر بمساكين قد قدموا كسرا بينهم وهم يأكلون فقالوا: الغذاء يا أبا عبدالله، فنزل وجلس معهم وقال: "إنه لا يحب المستكبرين" فلما فرغ قال: قد أجبتكم فأجيبوني؛ فقاموا معه إلى منزله فأطعمهم وسقاهم وأعطاهم وانصرفوا.
قال العلماء. وكل ذنب يمكن التستر منه وإخفاؤه إلا الكبر؛ فإنه فسق يلزمه الإعلان، وهو أصل العصيان كله. وفي الحديث: (إن المستكبرين يحشرون أمثال الذر يوم القيامة يطؤهم الناس بأقدامهم لتكبرهم). أو كما قال صلى الله عليه وسلم: (تصغر لهم أجسامهم في المحشر حتى يضرهم صغرها وتعظم لهم في النار حتى يضرهم عظمها).

مشكاة المصابيح: عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: " يحشر المتكبرون أمثال الذر يوم القيامة في صور الرجال يغشاهم الذل من كل مكان يساقون إلى سجن في جهنم يسمى: بولس تعلوهم نار الأنيار يسقون من عصارة أهل النار طينة الخبال.
صحيح ابن حبان: عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة خردل من كبر ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان). قال أبو حاتم: في هذا الخبر معنيان اثنان:
أحدهما: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة خردل من كبر): أراد به جنة عالية يدخلها غير المتكبرين. وقوله: (ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان) أراد به نارا سافلة يدخلها غير المسلمين.
والمعنى الثاني: لا يدخل الجنة أصلا من كان في قلبه مثقال حبة خردل من كبر أراد بالكبر: الشرك إذ المشرك لا يدخل جنة من الجنان أصلا. وقوله: (لا يدخل النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان) أراد به على سبيل الخلود حتى يصح المعنيان معا.

صحيح مسلم: عن عبدالله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر" قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة. قال: (إن الله جميل يحب الجمال. الكبر بطر الحق وغمط الناس).
شرح السيوطي على مسلم: (بطر الحق) دفعه وإنكاره ترفعا وتجبرا. (وغمط الناس) احتقارهم.
فيض القدير للمناوى: (الكبر من بطر الحق) أي دفعه وأنكره وترفع عن قبوله. (وغمط الناس) وفي رواية (غمص الناس). وقوله غمص الناس أي ازدراهم واحتقرهم وهم عباد الله أمثاله أو خير منه وبطر الحق رده وقال القاضي: البطر الحيرة والمعنى التحير في الحق والتردد فيه أو معناه التكبر عن الحق وعدم الالتفات إليه أو معناه إبطاله وتضييعه من قولهم ذهب دم فلان بطرا أي هدرا وغمط الناس احتقارهم والتهاون بحقوقهم والمتكبر منازع لله في صفته الذاتية التي لا يستحقها غيره فمن نازعه إياه فالنار مثواه فعقوبة المتكبر في الدنيا المقت من أولياء الله والذلة بين عباد الله.

 

 تم الكتاب بحمد الله تعالي راجيا من الله ان ينفع المسلمين به, وهذا جهدى: فان كان صوابا فبضل الله سبحانه وتعالي, وان كان فيه خطأ, فارجو من الله الصفح لاني لم اتعدم ذلك .... والعز والرفعة للاسلام.
الاحد 28 يوليو 2013 م الموافق 19 من رمضان 1434 هجرية
صبحي محمود عميره )

 

======

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تعَرَّف على الإســلام د. منقذ بن محمود السقار

هدية إلى كل باحث عن الحق من غير المسلمين تعَرَّف على الإســلام د. منقذ بن محمود السقار مقدمة الحمد لله والصلاة والسلام على رسل ا...