تحميلات المصحف بكل صيغه

تحميلات

صفة صلاة النبي{ص}تحقيق الشيخ الألباني

صفة صلاة النبي{ص}تحقيق الشيخ الألباني

https://alnukhbhtattalak.blogspot.com/ صفة صلاة النبي{ص}

الجمعة، 22 أبريل 2022

التوبة من المعاصي والذنوب المؤلف مصطفى شيخ أبو رفعة

 

التوبة من المعاصي والذنوب لمصطفى شيخ أبو رفعة
 

الافتتاحية

قال تعالى: }قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ{ [الزمر: 53].

اللهم إنا نسألك توبة صادقة.. وإنابة كاملة .. وعملا متقبلا يا رب العالمين. 

* * *

الإهـداء

إلى روح والدي العلامة/ الشيخ إبراهيم حقي. تغمده الله بواسع رحمته، وأسكنه الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا ..

وإلى أخي سماحة الشيخ الفاضل/ خاشع حقي الداعية الإسلامي.

اللهم أطل حياته على طاعتك، واحمه من كل مكروه.. وأحسن عمله في دينه ودنياه وإلى من يبحث عن السعادة في الدارين. وإلى من يرغب أن ينور الله قلبه بنور الإيمان، أهدي إلى الجميع هذا الجهد المتواضع..

والله ولي التوفيق والسداد.

توبة وندامة 

أنا العبد الذي كسب الذنوب

 

وصدته الأماني أن يتوبا

أنا العبد الذي أضحى حزينا

 

على زلاته قلقا كئيبا

أنا العبد الذي سطرت عليه

 

صحائف لم يخف فيها الرقيبا

أنا العبد المسيء عصيت سراً

 

فمالي الآن لا أبدي النحيبا

أنا العبد المفرط ضاع عمري

 

فلم أرع الشبيبة والمشيبا

أنا العبد الغريق بلج بحر

 

أصيح لربما ألقى مجيبا

أنا العبد السقيم من الخطايا

 

وقد أقبلت ألتمس الطبيبا

أنا العبد المخلف عن أناس

 

حووا من كل معروف نصيبا

أنا العبد الشريد ظلمت نفسي

 

وقد وافيت بابكمو منيبا

أنا العبد الفقير مددت كفي

 

إليكم فادفعوا عني الخطوبا

أنا الغدار كم عاهدت عهدا

 

وكنت على الوفاء به كذوبا

أنا المقطوع فارحمني وصلني

 

ويسر منك لي فرجا قريبا

أنا المضطر أرجو منك عفواً

 

ومن يرجو رضاك فلن يخيبا


المقدمـة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير –سبحانه وتعالى- يقبل التوبة من عباده ويعفو عن كثير. ويفرح بعودة عبده العاصي إليه بالليل أو بالنهار. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله. بلغ الرسالة وأدى الأمانة فكان خير من بلغ عن ربه عز وجل وصلى الله وسلم... أما بعد:

فإن كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون. فالتوبة والاستغفار سبيل المؤمن لمرضاته سبحانه وتعالى. فباب التوبة مفتوح لا يغلق أمام أحد إلا حين تبلغ الروح الحلقوم أو تطلع الشمس من مغربها.

ولقد يسر الله أمر التوبة، وفتح أبوابها لمن أرادها. فهو عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل. وباب التوبة مفتوح للكفار والمشركين والمرتدين والمنافقين والظالمين والعصاة والمقصرين.

التوبة إلى الله جل وعلا من أجل العبادات وأحبها إليه، ومن أوسع الطرق إلى رحمته وجنته وعطائه، ورضوانه؛ لأنها توجب الذل والخضوع والانكسار بين يدي الله سبحانه، والاعتراف بالذنب والتقصير في جنب الرب تبارك وتعالى، ففيها تظهر ملامح العبودية في أسمى صورها، وبها ينزل الإنسان منزلته التي خلقه الله عليها من النقص والضعف والتفريط والخطأ والجهل والظلم فهي اعتراف بنقص العقل وضعف النفس وإقرار بالكمال لله وحده لا شريك له.

لذلك فإنها منزلة لم يستغن عنها الأنبياء المرسلون، ولا العباد الصالحون، ولا الأولياء المقربون، فهي بمثابة الروح للجسد، لذلك قال تعالى مخاطبا عباده المؤمنين: }وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{([1]).

أخي الكريم: تذكر أنك إنسان، وأن الإنسان معرض للخطأ والعصيان، واقتراف الزلات والسيئات، وركوب المعاصي والخطيئات. فلا أحد معصوم من الخلق إلا من عصمه الله في تبليغ وحيه ورسالته. لذا فإنه لا محيد لك عن الخطأ، ولا حيلة من الزلل والعطب. فاعلم حفظك الله أن التوبة من الذنوب هي حياة النفوس والقلوب، بل هي طريق السعادة. وإن الله عز وجل يفرح بتوبة عبده فرحا أكيدا ويقبل منه أعذاره وانكساره، ويكره له تماديه وإصراره. قال تعالى: }وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ{([2]).

فمن أراد الرجوع إلى الطريق المستقيم فلا عليه إلا أن يبادر بالتوبة، ويقلع عن الذنوب من قبل أن يأتي يوم يحال فيه بينه وبينها، فيتحسر على ما فرط، ويضيق ذرعا بما وصل إليه من واقع مرير. فليشمر المسلم عن ساعد الجد وليتُبْ إلى الله بلسانه ويعزم بقلبه محققا مدلول التوبة بالإيمان والعمل صالح. علّ الله يُقيل عثرته، ويقبل أوْبَته ويغفر ذنبه.

اللهم إنا نسألك أن توفقنا للتوبة والإنابة، وأن تفتح لأدعيتنا أبواب الإجابة، ونسأل الله أن يتقبل عملنا هذا وغيره من الأعمال الصالحة خالصة لوجهه الكريم إنه سميع مجيب للدعاء. وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


التوبة من البيان الإلهي

وقال تعالى: }فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ{([3]).

من رحمة الله ولطفه بآدم وذريته أن علمه كلمات يستوجب بها الرحمة والغفران، وهي كلمات الاعتراف بالذنب وإعلان التوبة وطلب العفو، وفي هذا فضل الاستغفار، وأن الذنب قد تكون فيه مصالح عظيمة للعبد ـ إذا تاب وأناب ـ من الانكسار والندم والاجتهاد في الطاعة والبكاء والخوف والتواضع لعباد الله.

وقال تعالى: }إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ{([4]).

إلا الذين رجعوا عما اقترفوا، وتابوا عما أسرفوا، وندموا وأقلعوا واعتذروا إلى ربهم وأصلحوا ما سبق أن أفسدوه، وأظهروا ما كتموه، فهؤلاء يقبل الله توبتهم، ويغسل حوبتهم، ويغفر زلتهم؛ لأنه تواب يرجع على عباده بالعفو إذا تابوا، وبالإحسان إذا أنابوا؛ ولأنه رحيم لا يؤاخذ بذنب غفره لصاحبه، بل يحسن إليه ويتغمده برحمته.

وقال تعالى: }إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ{([5]).

فهو سبحانه يحب التائب من الأوزار، والمتطهر من الأقذار: لأن الذنب دنس على النفس، والقذر رجس على الجسم ونجس، فطهارة الأرواح والأجسام بترك الأقذار والآثام.

وقال تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ{([6]).

إن اليهود الذين كفروا بعيسى بعد أن آمنوا بموسى ثم ازدادوا طغيانا وعتوا فكفروا بمحمد r هؤلاء زادوا شرا إلى شر، وفجورا إلى فجور، هؤلاء الخونة المعرضون الناكثون لعهد الله لا يقبل الله سبحانه وتعالى توبتهم؛ لأنهم لا يتوبون إلا عند الموت ولا يغفر ذنوبهم، ولا يتجاوز عنهم؛ لأنهم ضلوا وأضلوا، وصدوا عن سبيل الله –عز وجل- وأغرقوا في الكفر وأمعنوا في الضلال وأكثروا من الفساد.

وقال تعالى: }إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا{([7]).

التوبة الصحيحة المتقبلة التي يتوب الله على أصحابها هي التي تحصل من قوم ارتكبوا المعصية عن سفه وجهالة، ثم شعر أحدهم بالذنب والندم والأسف والانكسار، فعاد إلى ربه سبحانه وتعالى وأناب وأقلع وانخلع من ذنبه واعتذر إلى ربه، لا كالذي يرتكب الأخطاء عن عمد إلى ربه تعالى بعدما ارتكب الذنب عن سفاهة وجهل، وأناب وصدق فإن الله سبحانه وتعالى يغفر ذنبه، ويستر عيبه، ويبدل سيئاته حسنات، ويكرم مثواه، لأن الله سبحانه وتعالى عليم بمن صدق في توبته وعاد إلى مولاه بإخلاص، وهو حكيم –سبحانه وتعالى- يضع كل شيء موضعه، لا يعذب غير من يستحق العذاب، يعطي كل إنسان ما يستحقه من ثواب أو عقاب بحكمة متناهية، وقدرة فائقة.

وقال تعالى: }وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا{([8]).

والتوبة المتقبَلة الصحيحة لا تُعطَى لمن أسرف في الإجرام، واستمر على الآثام، وارتكب المحارم بعمد، وقصّر واستهزأ بوعد الله سبحانه وتعالى ووعيده فإذا فاجأه الموت وأخذ يعتذر وأخذ يتنصل من ذنوبه، هذا ليس ممن يستحق التوبة؛ لأنه أسرَّ واستكبر وتجرأ على محارم الله عز وجل وسوّف بالتوبة وأخَّر الإنابة وكذلك لا يُتاب على من مات كافرا، بل هو خالد مخلد في النار، فإن الله لا يقبل من كافر عملا ولا شفاعة، ولا يدفع عنه العذاب يوم القيامة دافع، هؤلاء أعد الله سبحانه وتعالى لهم العذاب الأليم الموجع، والنكال الدائم، والعقاب المقيم.

وقال تعالى: }وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ{([9]).

ظن اليهود أن الله سبحانه وتعالى لن يعاقبهم على ما فعلوا، فاستحبوا العمى على الهدى، وصموا عند سماع الحق، ثم تاب الله عليهم لعلهم أن يراجعوا أنفسهم ويعودوا إلى ربهم، فعادوا إلى جرائمهم وبغيهم من جديد، فازدادوا عمى عن الحق، وصمما عن سماع الرشد، وهذا فعل الكثير منهم، وأما القليل منهم فمهتد، والله لا تخفى عليه خافية من أعمالهم ولا مما أسروه واقترفوه، وسوف يجازيهم بسوء صنيعهم، وقبح فعلهم.

قال تعالى: }أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ{([10]).

ألم يعلم هؤلاء التائبون أن الله يتوب على من تاب ويرحم من أناب، فيغفر زلاتهم ويتقبل صدقاتهم؛ لأنه كثير الغفران لمن هجر المعصية وأقبل إلى الطاعة وندم على الذنب، رحيم بمن صدق في توبته، فلا يؤاخذه بما سلف ولا يعذبه بما اقترف.

وقال تعالى: }التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ{([11]).

هؤلاء الأبرار المجاهدون الذين وعدهم ربهم بالجنة هم التائبون من الذنوب ما ظهر منها وما بطن، المخلصون الطاعة لربهم، الحامدون الله في السراء والضراء، الصائمون أو المتفكرون في خلق الله، المداومون على الصلاة، المكثرون من نوافلها، الآمرون بما يحبه الله ورسوله r الناهون عما يكرهه الله ورسوله r، القائمون بحفظ الشرائع والتزام الأحكام وترك النواهي، وبشر –أيها الرسول- المؤمنين بجنات النعيم جزاء أعمالهم الصالحة.

وقال تعالى: }وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى{([12]).

والله كثير الغفران لمن صدق في توبته من ذنبه، وصدق بما جاء عند الله وعمل الأعمال الصالحة المشروعة، ثم اهتدى إلى سلوك الطريق المستقيم، واستقام على الحق.

وقال تعالى: }وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{([13]).

عودوا أيها المؤمنون إلى طاعة الله بامتثال أمره واجتناب نهيه، وتحلوا بالخصال الحميدة والخلال المجيدة، واجتنبوا أفعال الجاهلية من الرذيلة والفاحشة والمنكر، عسى أن تنالوا رضوان الله وجنته ويتغمدكم برحمته.

وقال تعالى: }قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ{([14]).

قل –أيها النبي- لعباد الله الذي أكثروا من الذنوب وأسرفوا في المعاصي: لا تيأسوا من رحمة الله لكثرة آثامكم وعظيم ذنوبكم، فإن رحمة الله واسعة، وجوده عظيم، وهو –سبحانه- يغفر كل الذنوب ويعفو عن جميع السيئات لمن تاب إليه وندم على ما فعل، بل يفرح الله بتوبته ويبدل سيئاته حسنات، ولو لم تكن التوبة أحب شيء إليه ما ابتلى بالذنب أعز الناس عليه وهو آدم –عليه السلام- فالله كثير الغفران للعبد مهما اقترف من الآثام، تواب يعود بفضله وستره وعفوه على عباده رحيم بتلطف إليهم بإيصال أنواع المحابّ بأحسن الأسباب، ويصرف عنهم المكاره، فحري بالمسلم أن يفرح بهذه الآية وأن يحسن الظن بربه، ولا ييأس من روح الله، ولا يقنط من رحمة مولاه، بل مهما فعل من الذنوب واقترف من المعاصي فليتب وليعد إلى ربه وليستغفر إلهه و خالقه، فهنيئا للتائبين وقرة عين للمنيبين بهذا الفضل العظيم والثواب الكريم، ويا بشرى للموحدين بهذا النداء من الرحمن الرحيم، ويا سعادة العباد بهذا الكرم والجود من الواحد الأحد، فنسأله –سبحانه- بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يتوب علينا وأن يغفر ذنوبنا، وهذه أرجى آية في القرآن عند الكثير.

وعودوا إلى ربكم بالاستغفار والتوبة والندم وانقادوا لأمره واخضعوا لحكمه قبل أن يقع بكم عذابه ويدرككم عقابه ولا يدفع عنكم أحد بأس الله فلا راد لقضائه جل في علاه.

وقال تعالى: }وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ{([15]).

والله تعالى هو الذي يتوب على من تاب وعاد إليه وأناب فيقبل حسناته ويعفو عن سيئاته، والله يعلم ما يعمل العباد من خير وشر، لا يغيب عنه شيء، وسوف يحاسبهم على ذلك.

وقال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{([16]).

أيها المؤمنون: توبوا من كل ذنب توبة لا رجوع بعدها للمعاصي خالصة لوجه الله، عسى ربكم أن يغفر لكم السيئات، ويمحو الخطيئات، ويدخلكم الجنات التي أنهارها من تحت أشجارها، ونورها ملء قصورها في يوم القيامة الذي لا يخزي فيه الله نبيه ولا عباده الصالحين، ولا يفضحهم ولا يعذبهم، بل يسعدهم ويثيبهم ويعلي شأنهم، نورهم يسعى أمامهم، وفي أيمانهم يدعون ربهم بدوام هذا النور حتى يتم المرور على الصراط إلى دار الحبور، مع غفران الذنوب، وستر العيوب، ورضوان علام الغيوب؛ لأن الله على كل شيء قدير، غلب أمره على غيره، ونفذ حكمه بما أراد، لا يرده راد.

التوبة من البيان النبوي

عن أنس بن مالك –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله r: «لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك. إذ هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح»([17]).

وعن أنس بن مالك –رضي الله عنه- أن النبي r قال: «كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون»([18]).

وعن أبي هريرة –رضي الله عنه- عن النبي r قال: «لو أخطأتم حتى تبلغ خطاياكم السماء، ثم تبتم لتاب عليكم»([19]).

وعن عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله r: «التوبة من الذنب أن يتوب منه ثم لا يعود فيه»([20]).

وعن أبي موسى الأشعري –رضي الله عنه- عن النبي r قال: «إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها»([21]).

وعن الأغر –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله r: «يا أيها الناس توبوا إلى الله. فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرة»([22]).

وعن ابن عمر –رضي الله عنهما- عن النبي r قال: «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر»([23]).

وعن جابر بن عبد الله –رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله r: «لا تمنوا الموت، فإن هول المطلع شديد، وإن من السعادة أن يطول عمر العبد ويرزقه الله الإنابة»([24]).

وعن عائشة أم المؤمنين –رضي الله عنها- قالت: قال لي رسول الله r: «يا عائشة، إن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله، فإن التوبة من الذنب، الندم والاستغفار»([25]).


التوبـة

التوبة في اللغة:

التوبة بفتح التاء وسكون الواو –مأخوذة من "توب" التاء والواو والباء كلمة واحدة تدل على الرجوع، يقال تاب وأناب إذا رجع عن ذنبه([26]). والتوبة هي الرجوع إلى الله، بحل عقدة الإصرار عن القلب. والتوبة الرجوع من الذنب، يقال تاب إلى الله تعالى يتوب توبا وتوبة ومتابا: أي رجع وأناب عن المعصية إلى الله، ويقال أيضا: تاب العبد أي عاد إلى الله ورجع وأناب، وتاب الله عليه: أي عاد عليه بالمغفرة. قال تعالى: }وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا{([27]). أي عودوا إلى طاعته وأنيبو إليه، والله تعالى من أسمائه الحسنى "التواب". والتوب والتوبة معناهما واحد، والمراد: ترك الذنب على أجمل الوجوه، وهو أبلغ وجوه الاعتذار.


التوبة في الاصطلاح الشرعي:

بمعنى الرجوع من البعد عن الله إلى القرب إليه سبحانه وتعالى، وهو عبارة عن ندم. والندم هو توجع القلب، وعلامته طول الحزن والبكاء على ما مضى، والعزم على أن لا يعود إليه ولا إلى أمثاله والإقلاع عن الذنب، والندم على ما بدر في الماضي، والعزم على عدم إتيانه في المستقبل، ويجب على الإنسان أن يتوب من جميع الذنوب. وترك الذنب مخافة الله، واستشعار قبحه، وندم على المعصية من حيث هي معصية، والعزيمة على ألا يعود إليها إذا قدر عليها، وتدارك ما أمكنة أن يتدارك من الأعمال بالإعادة. وعرفها الإمام الحسن البصري –رحمه الله- قال: "التوبة النصوح هي الندم بالقلب والاستغفار باللسان، والترك بالجوارح، والإضمار أن لا يعود".

التوبة في الرؤية([28]):

تدل على النجاة من السجن. وتدل على نيل ملك، وإصابة شرف وبركة بعد احتمال بلية. ومن رأى في منامه أنه أقلع عن الفسق، فإنه يبتلى ببلاء ثم يتوب، ويملك ملكا، وينال بركة وشرفا. ومن تاب في منامه عن ذنب لا يعلمه من نفسه ربما يخشى عليه من الوقوع فيه، ولكن عاقبته إلى خير. والتوبة للكافر إسلامه .. والله أعلم.


أنواع المعاصي([29])

حدثنا عبد الله قال: حدثنا إسحاق بن إسماعيل قال: حدثنا جرير، عن ليث عن عطاء عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله r يقول: «إذا ضن الناس بالدينار والدرهم، وتبايعوا بالعينة، واتبعوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد، أدخل الله تعالى ذلاً لا ينزعه عنهم حتى يراجعوا دينهم»([30]).

حدثنا عبد الله قال: علي بن الجعد قال: حدثنا شعبة، عن أبي قيس قال: سمعت هزيل بن شرحبيل يحدث عن عبد الله بن مسعود قال: لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس: من لا يعرف معروفا، ولا ينكر منكرا. يتهارجون([31]) كما تتهارج البهائم في الطريق. تمر المرأة بالرجل في الطريق، فيقضي حاجته منها، ثم يرجع إلى أصحابه، فيضحك إليهم ويضحكون إليه، كرجراجة الماء الخبيث الذي لا يطعم.

العصاة على ثلاثة أقسام:

القسم الأول: عصاة مؤمنون اقترفوا الذنوب بجهالة من الجهالات النفسية التي أضعفت إرادتهم، ثم تابوا من قريب وأصلحوا أنفسهم، وهؤلاء قد وعدهم الله بالتوبة.

القسم الثاني: عصاة خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا، واعترفوا بذنوبهم دون توبة أو استقامة، وهؤلاء ليس لهم وعد من الله بالتوبة عليهم، ولكن الله جعل لهم رجاء بذلك.

القسم الثالث: عصاة أسرفوا في المعصية، ولم يتوبوا أو يعترفوا بذنوبهم، وهؤلاء أملهم في التوبة ضعيف وتوقع العقوبة عليهم أرجح.

يقول الإمام الغزالي –رحمه الله: "إن التوبة تتحقق بثلاثة أمور":

أولها: العلم وهو الإيمان واليقين بأن الذنوب سموم مهلكة، وكذلك معرفة ضرر الذنوب وأنها حجاب بين العبد وربه.

ثانيها: الحال؛ بحيث يؤدي العلم إلى حالة أخرى تسمى إرادة تبعث الألم والندم في قلب المذنب، ينتج عنها إرادة الإقلاع عن الذنب. وفي قوله r: «الندم توبة»([32]).

ثالثها: الفعل؛ حيث يكون من نتيجة الندم والعزم على ترك الذنوب، والتعويض عن الماضي بفعل ما يجبر من الصالحات.

آثار المعاصي([33]):

قال ابن القيم –رحمه الله: وللمعاصي من الآثار المضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة ما لا يعلمه إلا الله. فمنها أنها مدد من الإنسان يمد به عدوه عليه وجيش يقويه به على حربه. ومن عقوباتها أنها تخون العبد أحوج ما يكون إلى نفسه. ومنها أنها تُجرِّئُ العبد على من لم يكن يجترئ عليه، ومنها الطبع على القلب إذا تكاثرت حتى يصبر صاحب الذنب من الغافلين، كما قال بعض السلف في قوله تعالى: }كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ{([34]) هو الذنب بعد الذنب، وقال: هو الذنب على الذنب حتى يعمى القلب وأصل هذا أن القلب يصدأ من المعصية فإذا زادت غلب الصدأ حتى يصبر رانا ثم يغلب حتى يصير طبعا وقفلا وختما فيصير القلب في غشاوة وغلاف.

ومنها إفساد العقل: فإن العقل نور والمعصية تطفئ نور العقل.

ومنها: أن العبد لا يزال يرتكب الذنوب حتى تهون عليه وتصغر في قلبه.

ومنها: أن ينسلخ من القلب استقباحها فتصير له عادة.

ومنها: أن المعاصي تزرع أمثالها ويولد بعضها بعضا.

ومنها: ظلمة يجدها في قلبه يحس بها كما يحس بظلمة الليل.

ومنها: أن المعاصي توهن القلب والبدن: أما وهنها للقلب فأمر ظاهر بل لا تزال توهنه حتى تزيل حياته بالكلية. وأما وهنها للبدن فإن المؤمن قوته في قلبه وكلما قوي قلبه قوي بدنه.

ومنها أن المعاصي تمحق بركة العمر؛ إذ أن المعاصي كلها شرور. وهذا ما يفرح العدو ويسيء الصديق.

ومنها: تعسير أموره فلا يتوجه لأمر إلا يجده مغلقا دونه أو متعسرا عليه ومنها: الوحشة التي تحصل بينه وبين الناس ولاسيما أهل الخير.

ومنها حرمان دعوة الرسول r ودعوة الملائكة للذين تابوا.

ومنها: أن الذنوب تدخل العبد تحت لعنة رسول الله r.

ومنها: أنها تحدث في الأرض أنواعا من الفساد في المياه والهواء والزروع والثمار والمساكن.

ومنها: أنها تطفئ من القلب نار الغيرة.

ومنها: ذهاب الحياء الذي هو مادة حياة القلب.

ومنها: أنها تضعف في القلب تعظيم الرب، وتضعف وقاره في قلب العبد.

ومنها: أنها تستدعي نسيان الله لعبده البركة.

ومنها: أنها تخرج العبد من دائرة الإحسان وتمنعه ثواب المحسنين.

ومنها: أنها تضعف سير القلب إلى الله والدار الآخرة.

ومنها: أنها تصرف القلب عن صحته واستقامته.

ومنها: أنها تعمي بصيرة القلب، وتطمس نوره وتسد طرق العلم.

ومنها: أنها تصغر النفس وتحقرها وتقمعها عن الخير.

ومنها: أن العاصي في أسر شيطانه وسجن شهواته.

ومنها: سقوط الجاه والمنزلة والكرامة عند الله وعند خلقه.

ومنها: أنها توجب القطيعة بين العبد وبين ربه.

ومنها: أنها تسلب صاحبها أسماء المدح والشرف.

ومنها: أنها تجعل صاحبها من السفلة.

أخي القارئ: إن تأثير الذنوب في القلب كتأثير الأمراض في الأبدان، بل الذنوب أمراض القلوب وداؤها، ولا دواء لها إلا بتركها. فأي عقل لمن آثر لذة ساعة أو يوم أو دهر ثم تنقضي كأنها حلم، على هذا النعيم المقيم والفوز العظيم؟ بل هو سعادة الدنيا والآخرة.

ولولا العقل الذي تقوم عليه به الحجة لكان بمنزلة المجانين، بل قد يكون المجانين أحسن حالا منه وأسلم عاقبة.

وأما تأثيرها في نقصان العقل المعيشي فلولا الاشتراك في هذا النقصان لظهر لمطيعنا نقصان عقل عاصينا، ولكن الجائحة عامة، والجنون فنون.

ويا عجبا! لو صحت العقول لعلمت أن الطريق الذي تحصل به اللذة والفرحة والسرور وطيب العيش إنما هو في رضاه والنعيم كله في رضاه، والألم والعذاب كله في سخطه وغضبه.

ففي رضاه قرة العيون، وسرور النفوس، وحياة القلوب، ولذة الأزواج، وطيب الحياة، ولذة العيش وأطيب النعيم من له وزن منه مثقال ذرة بنعيم الدنيا لم تف به، بل إذا حصل للقلب من ذلك أيسر نصيب لم يرض بالدنيا وما فيها عوضا منه. كما أن المعاصي لها تأثير عظيم على المجتمعات والأمم ومن ذلك على سبيل المثال ما يلي([35]):

إهلاك الأمم بسبب المعاصي؛ لاشك أن جميع  الأضرار في الدنيا والآخرة تحصل بسبب المعاصي:

- فما الذي أخرج الأبوين من الجنة، دار اللذة والنعيم والبهجة والسرور إلى دار الآلام والأحزان والمطالب؟

- وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء وطرده ولعنه ومسخ ظاهره وباطنه، فجعل صورته أقبح صورة وأشنعها وباطنه أقبح من صورته وأشنع، وبدل بالقرب بعدا، وبالرحمة لعنة، وبالجمال قبحا، وبالجنة نارا تلظى، وبالإيمان كفرا؟

- وما الذي أغرق أهل الأرض كلهم حتى علا الماء فوق رؤوس الجبال؟

- وما الذي سلط الريح على قوم عاد، حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض كأنهم أعجاز نخل خاوية، ودمرت ما عليه من ديارهم وحروثهم وزروعهم ودوابهم، حتى صاروا عبرة للأمم إلى يوم القيامة.

- وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم وماتوا عن آخرهم؟

- وما الذي رفع قرى قوم لوط حتى سمعت الملائكة نباح كلابهم، ثم قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها، فأهلكهم جميعا. ثم أتبعهم حجارة من السماء أمطرها عليهم، فجمع عليهم من العقوبة ما لم يجمع على أمة غيرهم، ولإخوانهم أمثالها، وما هي من الظالمين ببعيد؟

- وما الذي أغرق فرعون وقومه في البحر، ثم نقلت أرواحهم إلى جهنم، فالأجساد للغرق والأرواح للحرق؟

- وما الذي خسف بقارون وداره وماله وأهله؟

- وما الذي أهلك القرون من بعد نوح بأنواع العقوبات ودمرها تدميرا؟

- وما الذي أهلك قوم صاحب يس بالصيحة حتى خمدوا عن أخرهم؟

لا شك أن الذي أصاب هؤلاء جميعا وأهلكهم هي ذنوبهم! فالمعاصي مواريث الأمم الظالمة، فليحذر المسلم أن يرث المعاصي عن الظالمين، فإن اللوطية ميراث عن قوم لوط، وأخذ الحق بالزائد ودفعه بالناقص ميراث عن قوم شعيب، والعلو في الأرض بالفساد ميراث عن قوم فرعون، والتكبر والتحبر ميراث عن قوم هود، وغير ذلك.

المعاصي تؤثر حتى على الدواب والأشجار والأرض وعلى المخلوقات تسبب عذاب القبر، وعذاب يوم القيامة، وعذاب النار، نعوذ بالله من ذلك. المعاصي بريد الكفر، كما أن القبلة بريد الجماع.

المعاصي قبيحة وبعضها أقبح من بعض؛ فإن الزنا من أقبح الذنوب، فإنه يفسد الفراش، ويضر الأنساب وهو بالجارة أقبح؛ فقد ثبت في الصحيحين من حديث ابن مسعود –رضي الله عنه- قال: قلت يا رسول الله أي الذنوب أعظم قال: «أن تجعل لله ندا وهو خلقك». قلت: ثم أي؟ قال: «أن تقتل ولدك من أجل أن يطعم معك»، قلت: ثم أي؟ قال: «أن تزني بحليلة جارك».

إذاً كيف ترضى لنفسك السباحة في بحر الدنيا من غير قميص النجاة؟ وكيف ترضون لأنفسكم الغوص في المعاصي من غير استغفار أو توبة؟ لا أظن أن أحدنا يقر له قرار أو يهدأ له بال، إذا علم أن خلفه الموت وسكراته، والقبر وآلامه، والبعث وأهواله، والحشر ومآله، والميزان ودقته، والحساب وشدته، والصراط وعراقيله، والنار وحرها. قال تعالى: }يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ{([36]).


أقسام الذنوب([37]):

والذنوب التي دون الشرك قسمان:

القسم الأول: ذنوب تتعلق بحق الله تعالى.

القسم الثاني: ذنوب تتعلق بحقوق الآدميين.

فالقسم الأول نوعان:

* النوع الأول:

أن يكون الذنب بترك واجب يمكن استدراكه كالصلوات والصيام والحج. فلا بد في هذه الحقوق من التوبة مع القضاء حيث قدر على ذلك وأمكنه، وفي بعض الذنوب التوبة مع الكفارة، كالحنث في الأيمان، والظِهار وغير ذلك.

* أما النوع الثاني:

أن تكون بسبب جهل وعدم معرفة الله كما ينبغي، وتحليل ما أحله، وتحريم ما حرمه، ونحو ذلك. فهذا النوع تجزئ فيه التوبة فقط، ثم إن كان الذنب مما يوجب الكفر فلا بد من الإتيان بالشهادتين، وإثبات ما أنكر، وإنكار ما كان قد اعتقد مما يوجب الكفر. وإن كان بسبب جهل أو إعراض فلا بد فيه أن يطلب العلم ويتعلم من أمر دينه ما يعصمه ويحصنه من الوقوع في الذنب مرة أخرى.

أما القسم الثاني:

أن تكون الذنوب بسبب حق يتعلق بآدمي وهي نوعان:

* النوع الأول:

أن ينجبر الحق بمثله من الأموال والجراحات، وقيم المتلفات والسرقات والمغصوبات .. إلخ. فلا بد في هذا النوع من رد كل مظلمة لأهلها، ورد كل حق لمستحقه من مال ونحوه، إن كان موجودا، أو ورد مثله إن كان معدوما أو مستهلكا، لأنه محض حق فيجب أداؤه إلى صاحبه، فإن لم يجد أهلها تصدق بها عنهم، وتمكين ذي القصاص منه على الوجه المشروع. فإن لم يفعل برد المظالم إلى أهلها، واقتصر على التوبة فقط وندم وأقلع وعزم ألا يعود، فقد تصح توبته فيما بينه وبين الله، وتبقى في ذمته مظلمة الآدمي، ومطالبته على حالها، ومن لم يجد السبيل لإخراج ما عليه لإعسار فعفو الله مأمول. وفضله مبذول، فكم ضمن من التبعات، وبدل من السيئات.

* النوع الثاني:

أن لا ينجبر الحق بمثله، بل جزاؤه من غير جنسه، كالقذف فحده الجلد، والزنا إذا ثبت فحده الرجم أو الجلد.

أما الغيبة والنميمة ففاعلها مذنب ومستحق للعذاب إن لم يستحل من اغتابه([38]) واقتراف مثل هذه الذنوب ما دامت مستورة بين العبد وبين ربه لم يطلع عليها أحد، تكون توبته بالندم عليها والإقلاع عن فعلها وكثرة الاستغفار للمغتاب ونحوه، وتكذيب نفسه مما قذف به، وكثرة الإحسان لمن أفسد عليه زوجته وزنى بها، فيدعو الله لصاحب الحق ويستغفر له، ويذكر المغتاب والمقذوف في مواضع غيبته وقذفه بضد ما ذكره به من الغيبة، فيبدل غيبته بمدحه والثناء عليه، وذكر محاسنه، ويبدل قذفه بذكر عفته وإحصانه، ويستغفر له بقدر ما اغتاب به .. والله أعلم.

صفات الذنوب:

ذكر الإمام الغزالي –رحمه الله- أربع أنواع من الصفات تثير الذنوب وهي:

1- صفات ربانية: وينشأ عنها ذنوب؛ كالكبر والاستعلاء، وحب المدح والثناء.

2- صفات شيطانية: وينشأ عنها ذنوب؛ كالحسد والبغي والخداع المكر والغش والنفاق.

3- صفات بهيمية: وتظهر في الاستجابة لشهوات النفس والبطن والغرائز؛ كالزنا والشذوذ الجنسي والسرقة.

4- صفات سبعية: وينشأ عنها ذنوب؛ كالحقد والغصب والعدوان والقتل والضرب([39]).

ومما يجدر ذكره هنا ما يرتكبه كثير من الناس من أخطاء في باب التوبة وهي التي تدفع العصاة منهم إلى التسويف في التوبة أو الصد عنها، أو تعود ببعض التائبين إلى السقوط مرة أخرى في حبائل الأهواء والشهوات. حيث تحصل بعض الأخطاء. ومن هذه الأخطاء ما يلي([40]):

1- تأجيل التوبة: وذلك بتأخيرها، والتسويف فيها إلى الكبر، أو إلى ما بعد الزواج، ونحو ذلك والواجب هو المبادرة إليها: لأن الأعمار غير مضمونة، وزيادة المعاصي وتراكمها سبب في تحولها إلى طبع وعادة.

2- الغفلة عن التوبة: فبعض العصاة يغفل عن التوبة من الذنوب بسبب ضعف تدينه، أو إعجابه بنفسه وعمله. أو جهله بالحكم الشرعي، أو انشغاله بالدنيا عن الآخرة. وأن هدي النبي r دوام الاستغفار ومواصلة التوبة.

3- الخوف من الرجوع في الذنوب: حيث يسوف بعض العصاة في ترك المعاصي والتوبة منها، مخافة الرجوع في الذنوب مرة أخرى وهذه من حيل الشيطان على الإنسان ونزغاته، حتى يصرفه عن التوبة والرجوع عن الذنوب والمعاصي.

4- الهمز واللمز: فبعض العصاة يترك التوبة مخافة من لمز الناس وحديثهم ومقارنتهم بين وضعه بعد التوبة وما كان عليه حاله في السابق، وهذا من الأخطاء الكبيرة؛ لأن خوف الله وخشيته مقدم على الخوف من الآخرين. وكل ما يلاقيه التائب في طريقه إنما هو ابتلاء وامتحان ومأجور عليه إن شاء الله.

5- الجاه والمكانة الاجتماعية: حيث يفضل بعض العصاة البقاء في بعض الوظائف والمناصب التي تجر ذنوبا، أو الحصول على الحظوة عند بعض الوجهاء، على الاستقامة والإنابة والتوبة إلى ربه عز وجل وهذا نقص في ديانة الإنسان، ومروءته، وخطأ فادح يؤدي بصاحبه إلى الخسران والندم بعد فوات الأوان، فهذه الأمور كلها من متاع الدنيا الزائل، ولا يبقى للإنسان إلا ما قدمه من عمل يوصله إلى النعيم، ويكون حجابا بينه وبين الوقوع في الجحيم.

6- التسويف بمغفرة الله ورحمته: فبعض العصاة يترك التوبة ويتمادى في اقتراف الذنوب بحجة سعة مغفرة الله ويقول إن الله غفور رحيم، أو اغترار بإمهال الله لبعض المفسدين. وهذا خطأ جسيم، وجهل عظيم بأحكام التوبة؛ لأن الله عز وجل غفور رحيم لعباده التائبين، الذين يعملون الذنوب بجهالة ثم يعودون من قريب، ولكن الله شديد العقاب، لمن أصر على الذنوب وعاند وكابر.

7- اليأس من رحمة الله: حيث يشعر بعض المسرفين في المعاصي بالقنوط من رحمة الله ومغفرته، ويعتقدون أن الشقاوة قد كتبت عليه، أو يحتج بعضهم بالقدر فيقول إن الله قد قدر صلاح العباد وفسادهم، وليس لي إلا ما قدر لي. وهذا كله جهل كبير، وضلال في العقيدة، ومن أوهام الشيطان وتلبيسه. فباب التوبة مفتوح للعبد حتى حضور الموت، واليأس والقنوط من رحمة الله من الكبائر، وأعظم إثما من اقتراف الذنوب.

8- توبة الكذابين: وذلك أن بعض الناس يتوقف عن العصيان لوقت قصير، بسبب مرض أو موقف معين. ولكن لا يلبث أن يعود إليه مرة أخرى وهؤلاء لم يتوبوا توبة نصوحا، بل لقد أمِنُوا مكر وسيطرت عليهم الشهوات، وتمكنت منهم المعاصي، فلا فكاك لهم منها، إلا أن يأذن الله لهم بذلك.

بكى سفيان الثوري –رحمه الله- ذات ليلة إلى الصباح فلما أصبح قيل له: أكلُّ هذا خوفا من الذنوب؟ فأخذ تبنة من الأرض وقال: الذنوب أهون من هذه وإنما أبكي خوفا من سوء الخاتمة.


أسئلة وأجوبة

إمهال العصاة([41]):

سؤال: ما الحكمة في إمهال الله تعالى العصاة؟

الجواب: قيل ليُرِى العباد أن العفو والإحسان أحب إليه من الأخذ والانتقام، وليعلموا غاية شفقته وبره وكرمه. والله حليم صبور يمهل عباده العصاة حتى يتوبوا، }وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ{([42]).

ذنوب العباد:

سؤال: لم قدر الله الذنوب على العباد؟

الجواب: قيل: لئلا يعجبوا بأنفسهم وأيضا: ليرغم إبليس؛ لأن الصياد إذا اصطاد وذهب من الشبكة ما اصطاده، كان غمه أكثر مما لم يصده وأيضا: لسروره r بشفاعته، وأيضا قال يحيى بن معاذ الرازي: أوقعهم أي ألقاهم في الذنوب ليعرفهم فاقتهم إليه، ثم أنجاهم ليعرفهم كرامته عليهم.

الرد على احتجاج العاصي بقوله: ربنا يهديني([43]):

سؤال: ماذا نقول ندعوه إلى التوبة والرجوع إلى الله فيقول: إن الله لم يكتب لي الهداية، والثاني يقول: إن الله يهدي من يشاء؟

جواب: أما الأول فإنه يقول: (إن الله لم يكتب لي الهداية). وبكل بساطة نقول: أطلعت الغيب أم اتخذت عند الله عهدا؟ فإن قال: نعم، فنقول إذن كفرت، لأنك ادعيت علم الغيب، وإن قال:لا، فنقول: غلبت، إذا كنت لم تطلع إن الله لم يكتب الهداية فاهتد، فالله ما منعك من الهداية، بل دعاك إليها ورغبك فيها، وحذرك من الضلالة ونهاك عنها، ولم يشأ الله عز وجل أن يدع عباده على ضلالة أبدا، قال تعالى: }يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ{([44]). فتب إلى الله، والله عز وجل أشد فرحا بتوبتك من رجل ضلت راحلته وعليها طعامه وشرابه وآيس منها ونام تحت شجرة ينتظر الموت، فاستيقظ فإذا بخطام ناقته متعلقا بالشجرة. فأخذ بخطام الناقة وقال: "اللهم أنت عبدي وأنا ربك" متفق عليه. أخطأ من شدة الفرح، فكان يريد أن يقول: "اللهم أنت ربي وأنا عبدك".

وأما الثاني: الذي يقول إن الله يهدي من يشاء، فإذا كان الله يهدي من يشاء، فهذه حجة عليك، فاهتد حتى تكون ممن شاء الله هدايته، والحقيقة أن هذا الجواب من العاصي هو لدفع الحجة بالنسبة لنا، ولن ينفعه ذلك عند الله؛ لأن الله عز وجل يقول: }سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ{([45])([46]).

كيف يتخلص الإنسان من قسوة القلب؟

سؤال: كيف يتخلص الإنسان من قسوة القلب وما هي أسبابها؟

الجواب: أسباب قسوة القلب الذنوب والمعاصي وكثرة الغفلة وصحبة الغافلين والفساق كل هذه الخلال من أسباب قسوة القلب ومن لين القلوب وصفاتها وطمأنينتها طاعة الله جل وعلا، وصحبة الأخيار، وحفظ الوقت بالذكر وقراءة القرآن والاستغفار، ومن حفظ وقته بذكر الله، وقراءة القرآن، وصحبة الأخيار، والبعد عن صحبة الغافلين والأشرار، يطيب قلبه ويلين. قال تعالى }أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ{([47])([48]).


حقيقة التوبة

تذكر يا عبد الله أن الذنوب هي سبب هلاك العبد وخسارته، فعواقبها في الدنيا واضحة مثل: القلق والحيرة، والضنك، والاضطراب في حياته، وضيق وعذاب ولعنة من الله وعقابه. فالتوبة شعور وجداني بالندم على ما وقع. وتوجه إلى الله فيما بقي. وكف عن الذنب وعمل صالح يحقق التوبة بالفعل كما يحققها الكف بالترك. فهي فعل وجودي يتضمن إقبال التائب على ربه وإنابته إليه. والتزام طاعته، من ترك الذنب تركا مجردا ولم يرجع منه إلى ما يحبه الله تعالى لم يكن تائبا. إلا إذا رجع وأقبل وأناب إلى الله عز وجل، وحل عقد الإصرار، وأثبت معنى التوبة في الجنان قبل التلفظ باللسان، وأدام الفكر فيما ذكره الله تعالى من تفاصيل الجنة ووعد به المطيعين، وما وصفه من عذاب النار وتوعَّد به العاصين، وواظب على ذلك حتى يقوى خوفه ورجاؤه. فيدعو الله تعالى رغبا ورهبا أن يقبل توبته. ويغسل حوبته، ويحط عنه خطاياه. وبهذا يكون قد حقق مدلول التوبة بالرجوع عما يكرهه الله إلى ما يحبه ويرضاه، بأن يتوب من الذنب ثم لا يعود إليه كما لا يعود اللبن إلى الضرع، ويندم بقلبه ويستغفر بلسانه، ويمسك ببدنه.

فعواقب الذنوب في الآخرة لا تخفى على مسلم عاقل. قال تعالى: }كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ{([49]). قال أبو عبيدة والأخفش: أي لفي حبس وضيق شديد([50]) وقال  سبحانه }وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى{([51]).

فالذنوب سبب للنكد وضيق العيش في الدنيا والآخرة لذلك كانت التوبة سبيلا قويما لتفريج الهموم وطمأنينة النفس. وراحة البال في الدنيا والنجاة يوم الحساب.

فضل التوبة([52])

أخي القارئ .. أختي القارئة: إن فضل التوبة عند الله عظيم، وإن ثوابها جزيل كريم فهي تجُبُّ ما قبلها من الخطايا والسيئات، وترفع لصاحبها الدرجات وتكون سببا لحصول رضي الله ومحبته. قال الله تعالى }إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ{([53]).

عن أبي نجيد عمران بن الحصين الخزاعي –رضي الله عنهما- أن امرأة من جهينة أتت رسول الله r وهي حبلى من الزنى. فقالت يا رسول الله أصبت حدا فأقمه عليّ، فدعا نبي الله r وليها فقال: «أحسن إليها فإذا وضعت فأتني» ففعل فأمر بها نبي الله r. فشدت عليها ثيابها، ثم أمر بها فرجمت، ثم صلى عليها، فقال له عمر: تصلي عليها يا رسول الله وقد زنت؟ قال: «لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها لله عز وجل»([54])؟! ففي هذا الحديث دلالة على عظم قدر التوبة عند الله جل وعلا. ولولا ذلك لما صلى r على تلك المرأة. ولما أخبر أن توبتها تسع سبعين من أهل المدينة. فتفكر فيما أسرفت على نفسك من الذنوب والخطايا، وتذكر ما جنته يدك ورجلك، وسمعك، وبصرك من السيئات والآثام، وأحْدِثْ لذلك توبة نصوحا، وحاسب نفسك اليوم فإنه أهون عليك من أن تحاسب نفسك غدا.

قال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ{([55]). إذاًً قدِّم لنفسك توبة مرجوة قبل الممات وقبل حبس الألسن، بادر بها قبل غلق النفوس. فإنها ذخر وغنم للمنيب المحسن.

قال عمر بن الخطاب –رضي الله عنه-: "حاسِبوا أنفسكم قبل أن تحاسَبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غدا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية.

شروط التوبة

التوبة إلى الله تعالى من أعظم الحسنات؛ لأنها تزيل العوائق التي تقوم بين العبد وبين ربه. تلك العوائق الكامنة في النفس من شهواتها ونزواتها. فالتوبة تملأ النفس بالأمل، وتقود القلب إلى مصدر النور. فلن تكون التوبة صحيحة مقبولة حتى تتحقق فيها شروط تثبت صدق التائب في توبته.

قال العلماء: التوبة واجبة من كل ذنب؛ فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمي فلها ثلاثة شروط.

الشرط الأول: أن يقلع عن المعصية.

الشرط الثاني: أن يندم على فعلها.

الشرط الثالث: أن يعزم ألا يعود إليها أبدا.

فإن فقد أحد الشروط لم تصح توبته، وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فشروطها ثلاثة:

1- أن يبرأ من حق صاحبها فإن كانت مالا أو نحوه رده إليه.

2- وإن كان حد قذف ونحوه مكَّنه منه أو طلب عفوه.

3- وإن كان غيبة استحلها منه.

ويجب أن يتوب من جميع الذنوب. فإن تاب من بعضها صحت توبته عند أهل الحق من ذلك الذنب وبقي عليه الباقي([56]) فالله عز وجل لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصا له وحده مبتغى به وجهُه، وموافقا أمره باتباع رسوله r. فلا بد أن يكون العمل خالصا إلى الله تعالى صوابا. أي موافقا للسنة؛ إذ قد يكون العمل صوابا ولا يكون خالصا، فلا يقبل، وقد يكون خالصا ولا يكون صوابا فلا يقبل أيضا. وكان من دعاء بن الخطاب –رضي الله عنه- "اللهم اجعل عملي كله صالحا، واجعله لوجهك خالصا، ولا تجعل لأحد فيه شيئا".

أخي القارئ: بعد أن عرفنا الشروط لا بد من معرفة علامات قبولها، كما ذكرها الشيخ محمد بن عثيمين –رحمه الله:

1- انشراح الصدر والطمأنينة.

2- سهولة الطاعة على الإنسان.

3- محبة الخير وكراهية الشر.

أخي القارئ: إن النفس المشغولة بلذة المعصية قلما تخلص عمل الخير فليجاهد التائب نفسه لاقتلاع جذور الشر من قلبه، حتى يصبح نقيا خالصا صافيا، تصدر عنه أعمال الخير بنية صالحة مقبولة عند الله. فإن كانت المعصية بفعل محرم تركه في الحال، وإن كانت بترك واجب فعله في الحال، ـ إن كان مما يمكن قضاؤه ـ . وإن كانت مما يتعلق بحقوق الخلق تخلص منها وأداها إلى أهلها أو استحلهم منها.

فلن تكون التوبة صحيحة حتى يكون نادما آسفا حزينا على ما بدر منه من المعاصي. ندما ، ويجب الانكسار بين يدي الله عز وجل، والإنابة إليه من هنا فلا يعد تائبا ونادما ذلك الذي يتحدث بمعاصيه السابقة التي قارفها يفتخر بذلك ويتباهى به، بل هذا من المجاهرة التي قال عنها رسول الله r: «كل أمتي معافى إلا المجاهرون»([57])([58]).

فالتائب يتوب من الذنب وهو يحدث نفسه ألا يعود في المستقبل، والقصد لتدارك ما فات وإصلاح ما يأتي، ودوام الطاعة ودوام ترك المعصية إلى الموت. وإذا وصل العبد إلى هذه الدرجة من العزم الجازم فلا يضر توبته لله مرة أخرى إن ندم وأسف وسارع إلى التوبة. قال r: «أذنب عبد ذنبا فقال: اللهم اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي، فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ الذنب، ثم عاد، فأذنب فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك»([59]). ومعنى قوله فقد غفرت لك أي ما دمت تذنب ثم تتوب غفرت لك.

بهذا يتضح أن التوبة كل متكامل يفقد خصائصه كلها حين يفقد أحد أجزائه. كالمركب يفقد خواصه كلها إذا فقد أحد عناصره. فمن أتى بشرط وأغفل آخر، لا يُعتد بتوبته ما لم يحقق بقية الشروط.

باب التوبة مفتوح

يقول ابن القيم –رحمه الله-: إذا أراد الله بعبده خيرا  فتح له أبواب التوبة والندم والانكسار والذل والافتقار والاستعانة به وصدق اللجأ إليه ودوام التضرع والدعاء والتقرب إليه بما أمكن من الحسنات؛ ما تكون تلك السيئة به سبب رحمته حتى يقول عدو الله يا ليتني تركته ولم أوقعه. وهذا معنى قول بعض السلف: إن العبد ليعمل الذنب يدخل به الجنة، ويعمل الحسنة يدخل بها النار قالوا: كيف؟ قال: يعمل الذنب فلا يزال نصب عينيه خائفا منه مشفقا وجلا باكيا نادما مستحيا من ربه تعالى ناكس الرأس بين يديه منكسر القلب له فيكون ذلك الذنب أنفع له من طاعات كثيرة بما ترتب عليه من هذه الأمور التي بها سعادة العبد وفلاحه حتى يكون ذلك الذنب سبب دخول الجنة([60]).

فقد فتح الله سبحانه وتعالى بجوده وكرمه باب التوبة، حيث أمر بها وحضَّ عليها، ووعد بقبولها، سواء كانت من الكفار أو المشركين، أو المنافقين أو المرتدين، أو الطغاة، أو الملاحدة، أو الظالمين، أو العصاة المقصرين ومن خلال ما يلي يُبيَّن لنا شيء من فضل الله –عز وجل- في فتح باب التوبة([61]):

1- أن الله عز وجل أمر بالتوبة قال: }وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ{([62]). قال ابن كثير –رحمه الله- في تفسير هذه الآية: أي ارجعوا إلى الله واستسلموا له. وبادروا بالتوبة والعمل الصالح قبل حلول النقمة.

2- إن الله وعد بقبول التوبة –مهما عظمت الذنوب قال: }وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ{([63]).

3- إن الله حذر من القنوط من رحمته: قال: }قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ{([64]).

قال ابن كثير –رحمه الله- قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس –رضي الله عنهما- في هذه الآية: قال: قد دعا الله تعالى إلى مغفرته من زعم أن المسيح هو الله، ومن زعم أن المسيح هو ابن الله، ومن زعم أن عزيزا ابن الله، ومن زعم أن الله فقير، ومن زعم أنه يدَ الله مغلولة، ومن زعم أن الله ثالث ثلاثة، يقول الله تعالى لهؤلاء: }أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ{([65]). قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- في الآية: ـ آية الزمر ـ المقصود بها النهي عن القنوط من رحمة الله تعالى ـ وإن عظمت الذنوب وكثرت ـ فلا يحل لأحد أن يقنط من رحمة الله، ولا أن يُقنِّط الناس من رحمته. لذا قال بعض السلف، وإن الفقيه كل الفقيه الذي لا يُؤَيِّس الناس من رحمة الله ولا يجُرِّئهُم على معاصي الله.

4- إن الله يبسط يده بالليل، ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار، ليتوب مسيء الليل: قال r: «إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها»([66]).

5- إن الله رتب الثواب الجزيل على التوبة ووعد من تاب بالخير الكثير.

وقال بعض الحكماء: "المعصية بعد المعصية عقاب المعصية، والحسنة بعد الحسنة ثواب الحسنة، وربما كان العقاب العاجل معنويا. وقال بعض أحبار بني إسرائيل: يا رب: كم أعصيك، ولا تعاقبني. فقيل له: كم أعاقبك وأنت لا تدري ، أليس قد حرمتك حلاوة مناجاتي؟

قال ابن الجوزي –رحمه الله-: "الواجب على العاقل أن يحذر مغبة المعاصي، فإن نارها تحت الرماد، وربما تأخرت العقوبة، وربما جاءت مستعجلة.

6- اليأس من رحمة الله: فمن الناس من إذا أسرف على نفسه بالمعاصي، أو تاب مرة أو أكثر فعاد إلى الذنب مرة أخرى –أيس من رحمة الله، وظن أنه ممن كتب عليهم الشقاوة، فاستمر في الذنوب وترك التوبة إلى غير رجعة، وهذا ذنب عظيم، وقد يكون أعظم من مجرد الذنب الأول الذي ارتكبه؛ لأنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون. فليجدد التوبة، وليجاهد نفسه في ذات الله حتى يأتيه اليقين.

7- اليأس من توبة العصاة: فمن الناس من يكون في خير ونصح وحب للإصلاح. فتراه يحرص على دعوة العصاة أيا كانت معاصيهم، فإذا رأى من أحدهم إعراضا من النصح، وصدودا عن الخير، وتماديا في الغواية –أيس من هدايته، وأقصر عن نصحه، وربما جزم بأن الله لن يغفر له، ولن يهديه سواء السبيل. ثم كم من الناس من يتمادون في الغواية والإجرام، حتى يظن أنهم يموتون على ذلك. ثم يتداركهم الرحمن الرحيم بنفحة من نفحاته، فإذا هم من الأبرار الأخيار.

فالأمة التي تعود إلى طريق الرشاد، وتصدق في التوبة والإنابة إلى رب العباد –يفتح الله لها- ويرفع من شأنها، ويعيدها إلى عزنها ومجدها وينقذها من وهدتها التي انحدرت إليها، وينجيها من الخطوب التي تحيط بها، نتيجة الذنوب التي ارتكبتها، والمنكرات التي أشاعتها من ربا ومجون، وفسق وشرك وبدع وحكم بغير ما أنزل الله، وموالاة لأعداء الله، وتقصير في تبليغ دعوة الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونحو ذلك مما هو مؤذن بالعقوبة وحلول اللعنة.

فإذا تابت إلى ربها متعها الله بالحياة السعيدة، وجعل لها الصولة والدولة، ورزقها الأمن والأمان، ومكن لها في الأرض قال تعالى: }وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ{([67]).

أخي القارئ: الأعمال تطوى والأيام تنقضي، والعمر قصير، والأجل قريب، ولا يدري ابن آدم متى يأتيه الموت. قال الشاعر:

أشاب الصغير وأفنى الكبير  الكبير

 

مرور الليالي وكر العشي العشي

إذا ليلة هرمت أختها

 

أتى بعد ذلك يوم فتي

 

نروح ونغدو لحاجاتنا

 

وحاجات من عاش لا تنقضي تنقضي

فالتوبة واجبة على الفور من جميع الذنوب، كبيرها وصغيرها، قال الإمام النووي –رحمه الله-: "واتفقوا على أن التوبة من جميع المعاصي واجبة على الفور، ولا يجوز تأخيرها سواء كانت المعصية صغيرة أو كبيرة".


وقت التوبة

التوبة مقام ينبغي أن يستصحبه العبد من أول ما يدخل فيه إلى آخر عمره، وعموم الناس محتاجون إلى التوبة دائما وعلى الخلق جميعا أن يتوبوا وأن يستديموا عليها، قال الله تعالى: }وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{([68]).

فالتوبة واجبة وجوبا مطلقا مدى العمر([69]). ووقتها مدة العمر. وهي غاية كل مؤمن، وقد قال الله تعالى لأفضل الأنبياء محمد r: }لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ{([70]).

والعبد محتاج إلى التوبة والاستغفار مطلقا في كل وقت وحين، فإذا كان النبي r قد أمر أن يختم أعماله بالتوبة والاستغفار في قوله تعالى: }إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا{([71]).

فغير النبي r أحوج إلى هذا منه، فليجمع العبد همته وعزمه، وليحاسب نفسه، وليتب إلى الله حتى الممات. وما من عبد إلا وقد اقترف ذنبا وفعل إثما. «وكل بن آدم خطاء»([72]).

فقد أقسم إبليس بعزة الله تعالى –أنه لا يفارق ابن آدم بالغواية والإضلال ما دام روحه في جسده.

عن أبي سعيد –رضي الله عنه- عن النبي r قال: «قال إبليس: يا رب وعزتك لا أزال أغويهم ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال الله عز وجل. وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني»([73]). فباب التوبة مفتوح يثوب إليه الشاردون.

فيستردون أنفسهم من تيه الضلال، ويعملون عملا صالحا إن قدر لهم امتداد في العمر، قبل أن يأتي يوم لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن أمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيرا. فمتى حشرجت الروح في الحلق، وعاين ملك الموت. وضاق بها الصدر، وبلغت الروح الحلقوم، وغرغرت النفس في الحلق فلا توبة ويبدأ وقت التوبة عندما يستشعر القلب جلال ربه وعظمة خالقه، فيعلن التوبة بالرجوع إلى الله تعالى بسلوك صراطه المستقيم الذي نصبه لعباده موصلا إلى رضوانه، وأمرهم بسلوكه بقوله تعالى: }وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{([74]).

فيتوب قبل أن يتبين له الموت أو المرض وينشئ بتوبته صلاحا في القلب، وصلاحا في الحياة ما دام مكلفا، فالرجاء حينئذ باق ويصح منه الندم والعزم على ترك الفعل، وهذا هو المقصود بقوله تعالى: }إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا{([75]).

أي الذين يرتكبون الذنوب ويضلون طريق الهدى عن جهالة، طال أمد ذلك أم قصر، ما دامت تلك الجهالة لا تستمر حتى تبلغ الروح الحلقوم. إذاً فهي موافقة لمحلها.

قال رسول الله r: «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر»([76]). فلا يجوز تضييع الوقت بالاشتغال بالمعصية أو اللغو أو الإعراض عن واجب أو فرض.

عن صفوان بن عسال قال: قال رسول الله r: «إن من قبل مغرب الشمس بابا مفتوحا عرضه سبعون سنة فلا يزال ذلك الباب مفتوحا للتوبة حتى تطلع الشمس من نحوه، فإذا طلعت من نحوه، لم ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا»([77]).

وقال ابن هبيرة: "النفس المؤمنة إن لم تكسب في إيمانها خيرا حتى طلعت الشمس من مغربها لم ينفعها ما تكسبه.

فعليك المبادرة إلى التوبة قبل الفوات. والحذرَ الحذرَ من فعل السيئات قبل أن يقول المذنب: }حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ{([78]).

 

 

 

 

* * *


قبول التوبة

والتوبة المقبولة من الله تنقسم إلى قسمين([79]):

أولا: توفيقه لعبده أن يتوب. كما قال تعالى: }ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا{([80]).

أي وفقهم للتوبة ليتوبوا.

ثانيا: قبولها منه. كما قال تعالى: }وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى{([81]). ويجمعها قوله تعالى: }وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ{([82]).

وهي من العبد: الرجوع والإنابة إلى الله عز وجل، والإخلاص له مع الإقلاع عن المعصية والندم على فعلها، والعزم على عدم العودة إليها، وأن تكون في وقتها المناسب.

قال r: «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر»([83]). وبلوغ الروح الحلقوم يعاين ما يصير إليه من رحمة أو هوان ولا ينفع حينئذ توبة، ولا إيمان كما قال الله في محكم البيان: }فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ{([84]). وقال تعالى: }وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ{([85]).

وعن أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه- عن النبي r: قال: «إن الشيطان قال: وعزتك يا رب لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم. قال الرب عز وجل: وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني»([86]).

وإذا كانت التوبة تقبل قبل حضور الموت ولو بزمن قليل، فقبولها قبله من باب أولى. قال تعالى: }وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ{([87]). وقال تعالى: }وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ{([88]). وقال تعالى: }وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ{([89]). وقال تعالى: }وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ{([90]).

وعن معاذ بن جبل –رضي الله عنه- قال: كنت رديف النبي r على حمار فقال: «يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله»؟ قلت الله ورسوله أعلم. قال: «حق الله على العباد ألا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئا»([91]).

فهو سبحانه الذي منّ على من شاء من عباده، فوفقهم للعمل. ومنّ الدين عليهم بقبوله منهم وأثابتهم عليه، ولهذا يسمي سبحانه جزاء الأعمال وثوابها أجرا قال تعالى: }وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ{([92]).

وكما يسمي سبحانه الصدقة قرضا. قال تعالى: }إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا{([93]). تفضلا منه وامتنانا وإحسانا، وأنه سبحانه ألزم نفسه بالثواب لمن عمل صالحا ولقد أحسن القائل.

ما للعباد عليه حق واجب

 

كلا ولا عمل لديه ضائع

إن عذبوا فبعدله أو نعموا

 

فبفضله وهو الكريم الواسع

فالعمل الصالح إنما هو سبب لدخول الجنة، ودخولها إنما هو برحمة الله، الذي كتب على نفسه الرحمة شرعا وسمعا، ولهذا قال r: «لن يدخل أحدكم الجنة بعمله». قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل»([94]).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله: "كل مؤمن لا بد له من التوبة ولا يكمل أحد إلا بها" وقال أيضا: "وليست التوبة نقصا، بل هي من أفضل الكمالات، والله قد أخبر عن عامة الأنبياء بالتوبة والاستغفار، عن آدم ونوح وإبراهيم وموسى وغيرهم" وقد قيل: "رب معصية أورثت ذلا وانكسارا خير من طاعة أورثت عزا واستكبارا" فكل عامل للسوء فإنما يعمله بجهالة وسفه وعدم رشد، وأن كل ذنب عصي الله به فهو جهالة، سواء كان فاعله عالما أو جاهلا، ذاكرا أو ناسيا، متعمدا أو مخطئا، مختارا أو مكرها. لقوله تعالى: }لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ{([95]).

وقال ابن تيمية: فمن عصى الله فهو جاهل أيا كان، ومن أطاعه فهو عالم، ولهذا قال تعالى: }إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ{([96]). فكل عالم يخشاه، فمن لم يخش الله فليس من العلماء، بل من الجهال. قال ابن مسعود: كفى بخشية الله علما، وكفى بالاغترار به جهلا. وقال رجل للشعبي: أيها العالم. فقال: إنما العالم من يخشى الله.

فعليك يا عبد الله المبادرة إلى التوبة لقوله: }ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ{([97]). أي: قبل حضور الموت. وإذا كان الإنسان لا يدري متى يحضره الموت، ويفجؤه الأجل، فالواجب عليه قبل الموت التوبة حتى لا يأتيه الموت على غرة، وهو مقيم على المعصية.

قال رسول الله r لعبد الله بن عمر –رضي الله عنهما: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل».

أخي القارئ .. أختي القارئة: قبول التوبة، أو ردها خاضع لأمر الله ومشيئته، ولكن من شروطها، ـ سبق وذكرنا قبولها على وجه العموم ـ : أن يقلع العاصي عن المعصية، أن يندم على فعلها، وأن يعزم ألا يعود إليها. ويزاد في حقوق الآدميين، فعليه أن يؤدي لصاحب الحق حقه، أو نظير حقه، ويحصل على مسامحته له من دون إكراه بردها إليهم وطلب العفو والصفح منهم. إذاً قدم لنفسك توبة مرجوة قبل الممات وقبل حبس الألسن بادر بها قبل غلق النفوس فإنها ذخر وغُنْم للمنيب المحسن.


أمور تعين على التوبة والاستمرار عليها

1- إخلاص النية لله تعالى في التوبة وجميع الأعمال الأخرى.

2- أن يجتهد التائب قدر المستطاع في عمل أعمال صالحة تثبته – بعد توفيق الله على الخير.

3- أن يستشعر قبح وفداحة الذنب أو الذنوب التي ارتكبها، وضررها عليه في الدنيا والآخرة.

4- أن يبتعد عن المكان الذي كانت تمارس فيه المعصية.

5- إتلاف الأدوات المحرمة التي كان يعمل بها المعصية. أو كل ما يذكره بتلك المعصية.

6- أن بجد لنفسه رفقة صالحة تعينه على الخير، وألا يجالس رفقاء السوء الذين كانوا يعملون المعاصي معه.

7- أن يداوم على قراءة آيات التخويف للمذنبين في القرآن الكريم والسنة المطهرة. لتزجره عن الرغبة في العودة للغفلة وكذلك آيات قبول التوبة والترغيب بها.

8- أن يتذكر أن العقوبة المعجلة قد تأتيه في أي وقت.

9- أن يداوم على ذكر الله سبحانه وتعالى.


علامات صدق التائب

لا يعتبر مجرد التلفظ بالتوبة دليلا على الصدق فيها، ما لم يأت التائب بعلامات تكون ترجمة عملية للتوبة. ومن العلامات الدالة على صدق التائب([98]).

1- الإقلاع الفعلي عن الذنب، والأخذ في مقابله من أعمال الطاعة، وهذا دليل حساسية القلب وانتفاضه وشعوره بالإثم، ورغبته في التوبة.

2- العزم والقصد لتدارك ما فات، وإصلاح ما يأتي، فإن كان الماضي تفريطا في عبادة قضاها، أو مظلمة أداها، أو خطيئة لا توجب غرامة حَزِنَ إذْ تعاطاها، وهذا دليل على تعظيم الله في قلبه واشتداد خوفه منه ورجائه إياه، وطمعه فيما عنده.

3- أن تضيق الأرض عليه كما ضاقت على كعب بن مالك وصاحبيه([99]) فيستولى عليه الحزن والبكاء، فيشغله عن اللهو والضحك.

4- أن تكون الحالة بعد التوبة خيرا مما كان قبلها. قال الله تعالى: }فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ{([100]).

5- أن لا يأمن مكر الله طرفة عين فقال تعالى: }وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ{([101]).

فيصحبه الخوف طيلة حياته، ويستمر على ذلك حتى يسمع قول الرسول لقبض روحه: }إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ{([102]).

6- أن يتألم ويندم ويأسف على ما فرط منه، وخوفا من سوء عاقبة.

7- أن يذكر دائما سرعة لقاء ربه ويترقب في كل لحظة نزول الموت به وأنه أقرب إليه من شراك نعله. قال رسول الله r: «الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك»([103]).

8- ومن أقوى علامات صدقه في التوبة: محبة الله ورسوله ومحبة المؤمنين فيه والإتيان من العمل بما تقتضيه هذه المحبة.

التوبة التامة

توبة يجمع العبد فيها كل عزمه وإرادته، مبادرا به عازما على المضي فيها إلى آخر عمره، مقلعا عن الذنب وهو يحدث نفسه ألا يعود إليه، كما لا يعود اللبن إلى الضرع.

توبة تبدأ بالندم، وتنتهي بالعمل الصالح والطاعة وتظل تذكر القلب بعدها، وتخلصه من رواسب المعاصي وعكارها، وتحضه على ألا يعود إلى الذنب أبدا، وأن تكون لله، لا حفظا للصحة أو المال، أو حرصا على حظ من متاع الدنيا، أو خوفا من عقاب أحد، أو سطوة قانون، أو عدم وجود ما يعينه على المعصية، لكنه يهجر الذنب كي لا يُغضب الله ورسوله.

ثم اعلم أن على كل عضو من أعضاء الإنسان توبة: فتوبة العين كفها عن النظر إلى المحارم، وتوبة اليد كفها عن تناول المحرم، وتوبة السمع كفه عن سماع المحرم، وتوبة الفرج كفه عن الزنا .. وهكذا.

وأن يستدرك العبد ما فاته، فيؤدي كل فرض ضيعه، ويريد إلى كل ذي حق حقه من المظالم، ويشغل البدن الذي استعمله في السحت والحرام بطاعة الله تعالى وامتثال أوامره والتغذي بالحلال، والبعد عن مواطن الشبهات والحرام.

 

 

* * *


التوبة النصوح([104])

أما التوبة النصوح فقد عرفها ابن كثير –رحمه الله تعالى- بقوله: "توبة صادقة جازمة تمحو ما قبلها من السيئات وتلم شعث التائب وتجمعه وتكفه عما كان يتعاطاه من الدناءات».

ثمار التوبة

وثمار التوبة يتذوق حلاوتها من عرف حقيقة التوبة وتعبَّد الله بها، فهي سبب كل خير وفلاح وسبب طمأنينة النفس، واستكانة الروح، وطرب القلب، ونشوته، وفرحته، فإن الله جل وعلا يحب التائب ويفرح بتوبته، ويورثه في قلبه حلاوة، وسعادة وفرحا، ومن أهم ثمار التوبة([105]):

1- رضي الله تبارك وتعالى: التائب إلى الله سبحانه محبوب عند الله، مؤيد بعونه، مصان محفوظ من كل سوء وبلية، تتنزل عليه الرحمات، وتتغشاه البركات، وتستجاب له الدعوات. قال تعالى في الحديث القدسي: «فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني أعطيته، ولئن استعاذني لأعيذنه»([106]).

2- طمأنينة النفس: إن ضرر المعاصي على الأزواج والنفوس أخطر من ضرر الأمراض على الأجساد. بل إن ضرر المعصية يشمل الروح والبدن. فترى العاصي قد اجتمعت عليه أنواع الهموم والغموم، وألوان الوساوس والهواجس، فلا تجده إلا قلقا فزعا خائفا، وما ذلك إلا بسبب ما اقترفه من المعاصي والخطيئات، لذلك كانت التوبة طمأنينة للنفس، وسعادة للقلب، قال الإمام الحسن البصري –رحمه الله-: "الحسنة نور في القلب وقوة في البدن، والسيئة ظلمة في القلب ووهن في البدن، فالتوبة دواء لأمراض النفس والبدن تقتضي الصبر ومطالعة الثواب من عند الله. فهي دواء يصقل القلوب ويجلي عنها أسباب الضيق والضنك وهو الران. قال تعالى: }كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ{([107]) والقلوب إذا أزيل عنها الران أصبحت خفيفة مرحة لا تعرف اليأس ولا يصيبها النكد.

3- اجتناب سخط الله عز وجل: إن التوبة وقاية من عذاب الله وعقابه، ذلك لأن الذنوب موجبة للسخط والنكال، والتوبة ماحية للذنوب ناسخة لها. قال تعالى عن يونس –عليه السلام- }فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ{([108]) وإنما كان تسبيح يونس: }لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ{([109]).

فتفكر وفقك الله في أن الذنوب تنقضي لذاتها وتبقى تبعاتها، وأن التوبة هي فصل ما بين العبد وبين العقاب. فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- عن النبي r قال: «إن الله يغار وإن المؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم عليه»([110]).

فتذكر – يا عبد الله- أنك بشر، وأن أحكام البشرية جارية عليك من السهو والغفلة والنسيان والخطأ وغلبة الطبع. وهذا يقتضي أن تكون ملازما للتوبة في كل حين لأنها تجير ما بدر منك من زلل وما اقترفته من قبيح العمل.


فوائد التوبة([111])

اعلم يا عبد الله: أن للتوبة فوائد عظيمة وكثيرة ويكفي التائب أن يكون عند الله من أهل العدالة لقوله تعالى: }وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ{([112]). فيعرف الشيء بنقيضه، ونقيض الظلم العدالة وهي صفة التائبين ومن هذه الفوائد ما يلي:

1- سلاح خلقي: وهي من الأسلحة الإيمانية، بل هي سلاح فتاك إذا استعمله الإنسان في حق نفسه فإنه يغير طبيعة حياته. لهذا قال الكاتب الهولندي (فرانزستال) في مقال له نشر في المجلة الإسلامية التي تصدرها الجمعية الإسلامية في وولنج بإنجلترا "إن التوبة في الإسلام هي وسيلة تغير الأفراد أنفسهم، وهي سلاح خلقي عظيم، ففيها الندم والتغير والتحول".

2- احترام الذات: إن من أجمل فوائد التوبة أن يحترم الإنسان ذاته وكيانه. بعد أن كان يحتقرها ويكرهها، حين كانت ساقطة من عينيه أثناء المعصية. أما بعد التوبة فإن الواقع النفسي يختلف؛ حيث يحب التائب نفسه ويحترمها، ويكون ذلك بيان الأمور التالية:

- إن التوبة تفتح الأمل أمام الإنسان القلِق الذي حطمته ذنوبه وآثامه؛ حيث يجعله الأمل بعد التوبة يشعر براحة نفسية.

- إن التوبة تؤدي بصاحبها إلى احترام ذاته بعدما كان يعلن الحرب عليها ويحتقرها بسبب الآثام.

- إن التوبة تدفع صاحبها إلى التحرر من الشعور بالذنب والخوف.

3- البركة بالعمل والرقة بالقلب: أخي التائب إن للتوبة آثارا في القلب، ولهذا أخبر ابن قيم الجوزية "إن التوبة توجب على التائب: المحبة والرقة واللطف، وشكر الله وحمده والرضا عنه وعبوديات أخرى. فإذا تاب إلى الله توبته, فيترتب له على ذلك القبول أنواع من النعم التي لا يهتدي العبد لتفاصيلها، بل لا يزال يتقلب في بركاتها وآثارها ما لم ينقضها ويفسدها.

4- تبديل السيئات: لقوله تعالى }إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا{([113]) وهذه أعظم الفوائد التي ترغب التائب في أن يتوب في كل لحظة من حياته، فتجُبُّ التوبة ما قبلها من السيئات، ويكون المرء دائما كما ولدته أمه طاهرا نقيا، بعد إعلان التوبة الصادقة.

من هم التائبون؟

هم الذين إذا فعلوا سيئة أو فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله، فندموا وتابوا وآمنوا، ورجعوا إلى الله من قريب، واستغفروا لذنوبهم، ولم يستمروا على ما فعلوا من المعصية غير مقلعين عنها، وعزموا أن لا يعودوا إليها أبدا. وأتبعوا توبتهم الأعمال الصالحة.

- التائب: صادق العبارة جم المشاعر، جياش الفؤاد. مشبوب الضمير.

- التائب: منكسر القلب، غزير الدمعة، حي الوجدان، قلق الأحشاء.

- التائب: بين الرجاء والخوف، والسلامة والعطب والنجاة والهلاك.

- التائب في قلبه حرقة، وفي وجدانه لوعة، وفي وجهه أسى، وفي دمعه أسرار.

- التائب: له في كل واقعة عبرة، فالحمام إذا غرد بكى، والطير إذا صاح ناح، والبلبل إذا شدا تذكر، والبرق إذا لمع اهتز.

قال عمر بن الخطاب –رضي الله عنه-: "اجلسوا إلى التوابين فإنهم أرق أفئدة فكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون" وقد جعل الله تعالى باب التوبة مفتوحا على مصراعيه. ولن يغلقه حتى تطلع الشمس من مغربها.

وقال أبو يزيد البسطامي –رحمه الله-: علامات التائب خمس: إذا ذكر نفسه افتقر، وإذا ذكر ذنبه استغفر، وإذا ذكر الدنيا اعتبر، وإذا ذكر الآخرة استبشر، وإذا ذكر المولى افتخر.

 

قال أحد الشعراء:

إلهي تبت عما كان مني

 

فكفر سيئاتي وارض عني

وعاملني بلطفك يا إلهي

 

ولا تقطع لأجل الذنب مني

وكن يوم القيامة لي معينا

 

وأحسن بي كما أحسنت ظني

التائب يناجي ربه

يتقلب التائب([114]) في الليل الداجي يبكي ويناجي, فيقال له: مالك أطلعنا فسترنا، وعرفنا فعذرنا، وعلمنا فحملنا، وقدرنا فغفرنا!

قال التائب: يا رب أذنبت: قال الرب: وأنا غفرت، قال التائب: ذنوبي تجل عن الإحصاء، قال الرب: ولو بلغت عنان السماء. قال التائب: يا رب أهلكتني السيئات، قال الرب: إن الحسنات يذهبن السيئات.

قال التائب: يا رب تسامحنا على ما فات أما تحاسبنا على تلك الزلات؟ فقال الرب: بل أبدل السيئات حسنات. قال التائب: لا أكرم منك أحد، قال الله: أنا الصمد! }قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ{([115]).

أيها التائب: أبشر فإن تذكرك لذنبك طاعة منك لربك، كلما احترق قلبك بنار الندم، ذابت جبال الخطايا والهم، كلما أطار الهم نومك وكدر الحزن يومك غسلت سيئاتك ومحوت خطيئاتك، التائب حبيب الله وصديق عباده، وضيف رحمته، ووافد جنته، ومستحق كرامته، وحائز قربه.

التائب يحبه المرسلون لأنه صدق قيلهم، واتبع سبيلهم، واقتفى دليلهم، والتائب تحبه الملائكة، لأنهم يستغفرون له، ويفرحون بطاعته، ويحبون توبته، والتائب يحبه المؤمنون، لأنه أعانهم على نفسه، وجاهد معهم شيطانه، وأرضى إلههم وإلهه.

دمع التائب على صدق صاحبه برهان وعلى صحة توبته سلطان أيها التائب: الآن عرفت فالزم، ووصلت فاسلم، وحصلت فاغنم، فتقدم ولا تحجم، الباب أمامك مفتوح، والعطاء من ربك ممنوح، والكرم منه يغدو ويروح.

والله والله ما أبكي على طلل

 

 

أقفى وأفقر من أهل وسكان

ولا بكيت على واد الغضا سحرا

 

 

أو خيمة بين روض الطلح والبان

وما ذرفت دموعي في الهوى سفها

 

 

لفيء خل ولا تذكار جيران

لكن لذكر ذنوب ليتها محيت

 

 

بعفو رب وغفران وإحسان




 


الاستقامة بعد التوبة

الشيخ سيد قطب –رحمه الله- يعالج قضية الاستقامة بعد التوبة. وكيفية سد الفراغ الشيطاني في النفس بعوض إيمان عملي بقوله:

"فالتوبة تبدأ بالندم والإقلاع عن المعصية، وتنتهي بالعمل الصالح الذي يثبت أن التوبة صحيحة وأنها جدية، وهو في الوقت ذاته ينشئ التعويض الإيجابي في النفس بالإقلاع عن المعصية، فالمعصية عمل وحركة، يجب ملء فراغها بعمل مضاد وحركة، وإلا حنت النفس إلى الخطيئة بتأثير الفراغ الذي تحسنه بعد الإقلاع»([116]).

ويقول الأستاذ الفاضل/ محمد خير رمضان يوسف في كتابه: (لا سلام مع الشيطان وأعوانه، يعني لا سلام مع الشر وأهله، ولا سلام مع الباطل ومعتنقيه، ولا سلام مع النفس الأمارة بالسوء)([117]).

أخي القارئ .. أختي القارئة: عقلكم يحثكم على التوبة، وهواكم يمنعكم، والحرب بينهما، فلو جهزتهم جيش عزم فر العدو، تنوون قيام الليل، فتنامون، وتحضرون المجالس فلا تبكون، كم تقولون ما السبب: }قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ{([118]).

عصيتم بالنهار، فنمتم بالليل، أكلتم الحرام، فأظلم القلب، لما فتح باب الوصول للمقبولين، طردتم.

من أحب تصفية الأحوال فليجتهد في تصفية الأعمال، قال تعالى: }وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا{([119]).

قال أبو سليمان الدراني –رحمه الله: "من صفى صفي له، ومن كدر كدر عليه، ومن أحسن في ليله كوفئ في نهاره، ومن أحسن في نهاره كوفئ في ليله".

فالتوبة –التوبة([120]). من استقام بعد توبته، رزقه الله جناته، واعلم- وفقك الله- أن للذنوب أثرا عظيما على الخاتمة، فإذا أردت حسن الخاتمة, فعليك بترك الذنوب, وإليك أخي التائب مثالان على ذلك:

المثال الأول: في أحد الأيام وصلت للموسيقار المشهور "بيتهوفن" هدية من "نبيذ الراين"، وكان في سكرات موته، فعلق عليها قائلا: "وا أسفاه، لقد وصلت متأخرة. ثم قبض من ساعته، فانظر يا أخي إلى حال الموسيقار وهو ينازع الموت، وما هي الكلمات التي رددها، واسأل نفسك لماذا كانت خاتمته سيئة؟

المثال الثاني: الإمام المقدسي الزاهد ابن قدامة الحنبلي –رحمه الله- فقد كان لا يكاد يسمع دعاء إلا حفظه ودعا به، ولا يسمع ذكر صلاة إلا صلاها، ولا يسمع حديثا إلا عمل به وكان لا يترك قيام الليل من وقت شبابه، وقلل الأكل في مرضه قبل موته حتى عاد كالعود. ومات وهو عاقد على أصابعه يسبح.

تفكر –أخي القارئ .. أخي التائب- فما قاله السلف- رضوان الله عليهم: "ضاحك معترف بذنبه خير من باك مُدِلٍّ على ربه. وباك نادم على ذنبه، خير من ضاحك معترف بلهوه" فاختر أخي المغادر مع أي الفريقين تكون؟ واختر أخي المغادر مع أي المؤمنين تريد؟

 

 

 

* * *

 


هل العودة إلى الذنب مفسدة للتوبة منه([121]

بمعنى أن الشخص إذا تاب من ذنب، ثم عاد إليه، هل يعود إثم هذا الذنب عليه؛ لأنه رجع إليه؟

تفصيل هذه المسألة لفضيلة الشيخ صالح بن غانم السدلان على النحو التالي:

1- إذا تاب واستمر على توبته، وكانت التوبة مستوفية للشروط، خالية من الموانع، فهذه توبة صحيحة لا خلاف فيها بإجماع العلماء.

2- أن يتوب من الذنب، ثم يعود إليه، ثم يتوب منه، ثم يعود إليه, فإذا كانت كل توبة مستوفية شروطها فإن كل توبة صحيحة.

3- أن يتوب من الذنب، ثم يعود إليه، ويموت على ذلك، فهل يؤخذ بالأول والثاني، أم يؤخذ بالثاني، وأما الأول فقد جبته التوبة، ورفع عنه الإثم؟

دعاء التوبة

عن أبي الدرداء –رضي الله عنه- أن النبي r قال: «كل شيء يتكلم به ابن آدم مكتوب عليه، فإذا أخطأ خطيئة أو أذنب ذنبا فأحب أن يتوب إلى الله فليمد يديه إلى الله –عز وجل- ثم يقول: (اللهم إني أتوب إليك منها لا أرجع إليها أبدا، فإنه يغفر له ما لم يرجع في عمله ذلك»)([122]).

عن أبي بكر الصديق –رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله r يقول: «ما من رجل يذنب ذنبا، ثم يقوم فيتطهر، ثم يصلي، ثم يستغفر الله إلا غفر له». ثم قرأ هذه الآية: }وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ{([123]).

والحديث رواه أبو داود رقم (1521) باب (من جاء في الصلاة عند التوبة والترمذي وقال: حديث حسن.

قصص في فضل التوبة

أول تائب إلى الله

إنه آدم –عليه السلام- خلقه الله من تراب ثم جعله طينا، ثم صار الطين حمأ مسنونا، ثم تركه حتى كان صلصالا كالفخار، ثم نفخ فيه من روحه، فصارا إنسانا. قال r: «لما نفخ في آدم، فبلغ الروح رأسه عطس، فقال الحمد لله رب العالمين، فقال له تبارك وتعالى: يرحمك الله»([124]).

وكان إبليس - عليه اللعنة - يطوف حوله وهو لا يزال حمأ مسنونا لما ينفخ فيه الروح بعد وذلك قبل أن يطرد الجنة فحسده.

قال r: «لما خلق الله آدم تركه ما شاء أن يدعه، فجعل إبليس يطيف به، فلما رآه أجوف عرف أنه لا يتمالك»([125]).

وكان رب العزة قبل خلق آدم –عليه السلام- قد أخبر الملائكة بذلك وأمرهم أن يسجدوا له بعد أن نفخ فيه من روحه }إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ{([126]).

فسجد الملائكة كلهم لآدم –عليه السلام- طاعة لأمر الله، وكان إبليس حاضرا وشاهدا, فلم يسجد حسدا وحقدا على آدم الذي كرمه الله على خلقه: }فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ * قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ * قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ * قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ{([127]).

ورفض إبليس السجود لآدم استكبارا منه، فكان من الكافرين، وكان جزاؤه الطرد من رحمة الله، ثم الخلود هو وأتباعه في نار جهنم.

وأسكن الله آدم –عليه السلام- وزوجته حواء التي خلقت منه في الجنة: }وَيَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ{([128]).

ثم حذر المولى –عز وجل- آدم وحواء من إبليس وعدائه لهما: }فَقُلْنَا يَا آَدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى * إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى{([129]).

وكان على آدم وحواء أن يأكلا من كل شجر الجنة إلا شجرة واحدة وبعد فترة من سكنى آدم وحواء الجنة، استطاع الشيطان أن يصل إليهما بوسوسته، فقال لآدم: }فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى{([130]). وظل إبليس يوسوس لآدم وحواء بأن يأكلا من الشجرة التي أمرهما ربهما ألا يأكلا منها حتى نسي آدم –عليه السلام- تحذير ربه وأكل هو وزوجته منها.

قال تعالى: }فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ{([131]).

فلما عصى آدم وزوجه أمر ربهما وأكلا من الشجرة, بدت لهما عوراتهما، فأخذا من ورق الجنة كي يسترا تلك العورة وعملا إزارا، واختبأ آدم حياء من ربه، فناداه ربه: أفرارا مني يا آدم؟

قال: بل حياء منك يا رب مما جئت به.

وأدرك آدم –عليه السلام- خطأه فبادر بالتوبة إلى الله، فقال هو وزوجه: }قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ{([132]).

وكانت تلك الكلمات هي أول دعاء واستغفار لآدم ثم من ذريته من بعده، إنها أول توبة من أول تائب إلى الله، وبالفعل قبل الله عز وجل توبته لكنه أهبطه إلى الأرض كي يعيش فيها هو وذريته من بعده: }فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ{([133])([134]).

وعن الحسن أنه قال: لما تاب الله على آدم –عليه السلام- هنأته الملائكة، فهبط عليه جبرائيل وميكائيل وقالا: يا آدم قرت عينك بتوبة الله عليك؟

قال آدم: فأين مقامي بعد التوبة؟

فأوحى الله تعالى إليه: ورثت ذريتك التعب والنصب، وورثتهم التوبة، فمن دعا منهم لبيته ما لبيتك، ومن سألني المغفرة لم أبخل عليه .. وأحشر التائبين من القبور مستبشرين ضاحكين، ودعاؤهم مستجاب.

 

 

* * *


حوار مع دمعة

بكيت يوما من كثرة ذنوبي، وقلة حسناتي، فانحدرت دمعة من عيني وقالت: ما بك يا عبد الله؟

قلت: ومن أنت؟

قالت: أنا دمعة.

قلت: وما الذي أخرجك؟

قالت: حرارة قلبك.

قلت مستغربا: حرارة قلبي؟ وما الذي أشعل قلبي نارا؟

قالت: الذنوب والمعاصي.

قلت: وهل يؤثر الذنب في حرارة القلب؟

قالت: نعم .. ألم تقرأ دعاء النبي r: «اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد». فكلما أذنب العبد اشتغل القلب نارا، ولا يطفئ النار إلا الماء البارد والثلج.

قلت: صدقت .. فإني أشعر بالقلق والضيق وأظنها من حرقة القلب بكثرة المعاصي.

قالت: نعم .. فإن للمعصية شؤما على صاحبها، فتب إلى الله يا عبد الله.

قلت: أريد أسألك سؤالا.

قالت: تفضل.

قلت: إنني أجد قسوة في قلبي، فكيف خرجت منه؟

قالت: إنه داعي الفطرة يا عبد الله. وإن الناس اليوم تحجرت قلوبهم فلم تكد ترى قلبا نقيا دائم الاتصال بالله إلا ما ندر.

قلت: وما السبب يا دمعتي؟

قالت: حب الدنيا والتعلق بها؛ فالناس كلهم منكبون عليها إلا من رحم ربي، ومثل الدنيا كالحية تعجبك نعومتها وتقتلك بسمها، والناس يتمتعون بنعومتها ولا ينظرون إلى السم القاتل بها.

قلت: وماذا تقصدين بالسم؟

قالت: الذنوب والمعاصي، فإن الذنوب سموم القلوب, فلا بد من إخراجها وإلا مات القلب.

قلت: وكيف نطهر قلوبنا من السموم؟

قالت: بالتوبات الدورية إلى الله تعالى، وبالسفر إلى ديار "التوبة والتائبين" عن طريق "قطار المسافرين"([135]).

إن رجعت إلينا قبلناك

روي أنه كان في بني إسرائيل شاب قد عبد الله عشرين سنة، ثم عصاه عشرين سنة، ثم نظر في المرآة فرأى الشيب في لحيته، فقال إلهي أطعتك عشرين وعصيتك عشرين سنة فإن رجعت إليك تقبلني؟ فسمع هاتفا من وراء البيت وهو يقول: "أحببتنا فأحببناك، وتركتنا فتركناك، وعصيتنا فأمهلناك، فإن رجعت إلينا قبلناك".

هل من توبة؟

عن أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه- أن النبي r قال: «كان في بني إسرائيل رجل قتل تسعة وتسعين إنسانا ثم خرج يسأل فأتى راهبا فسأله. فقال: هل من توبة؟ قال: لا .. فقتله، فجعل يسأل، فقال له رجل: ائتِ مكانَ كذا وكذا، فأدركه الموت. فنأى بصدره نحوها فاختصمت فيه ملائكته الرحمة وملائكة العذاب، فأوحى الله إلى هذه أن تقاربي، وأوحى إلى هذه أن تباعدي، وقال: قيسوا ما بينهما فوجد إلى هذا أقرب بشبر فغفر له»([136]).

يتوب كل مرة ثم يرجع إلى الفساد!!

روي أن رجلا في بني إسرائيل يقال له نصوح كان يتوب في كل مرة، ثم يرجع إلى الفساد قال: فندم مرة على قبيح صنعه، فخرج إلى الصحراء ومزق قميصه ووضع التراب على رأسه يقول: إلهي كم مرة أتوب وأعود, فإن لم تعصمني أعود وأعود, فسمع قائلا إن أنت تعود إلى المعصية وتعود وتعود فأنا أعود إلى الرحمة وأعود وأعود. قال تعالى: }وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا{.

وهذه القصة تنطبق على حديث ما رواه الإمامان البخاري ومسلم عن أبي هريرة –رضي الله عنه- عن النبي r أنه قال: «أذنب عبد ذنبا فقال: اللهم اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي، فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، أعمل ما شئت فقد عفرت لك».

وهو الموافق لسماحة دين الإسلام لما فيه من الترغيب للتائبين والمقبلين على الاستقامة.

توبة فضيل بن عياض

روي أن فضيل بن عياض كان يقطع الطريق، فكان جالسا في الكهف وهو يقرأ القرآن، وأصحابه قطعوا القافلة وهم يقسمون الأموال, فخرج من وسطها كيس مكتوب فيه آية الكرسي فأخذه من الوسط. وقال اطلبوا صاحب هذا المال. فجاء ورد الكيس إليه. فقال له أصحابه: ألم يكن في وسط هذه الأموال صاحب سواه, فلمَ رددته؟!. فقال: خفت لو شيئا من فضل القرآن وآية الكرسي, يعتقد أنه لا ينفع فيرجع. وبال ذلك إلي وخلاصي من التلصص، أقرب من خلاصي أن يفسد اعتقاد الرجل في آية الكرسي من كتاب الله تعالى, فبعد أيام ذهب يقطع قافلة. فكان في القافلة من يقرأ وهو قوله: }أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ{([137]) فسمع فضيل فقال: قد حان وتجاوز الآن, فنزل عن دابته وخلع ثياب الجفاء ولبس ثياب الوفاء وتاب إلى الله عز وجل، فرجع وآواه الليل إلى خربة, فإذا فيها رفقة, فقال بعضهم: نرتحل. وقال بعضهم: حتى نصبح فإن فضيلا على الطريق يقطع علينا، لأن الفضيل كان قاطع طريق.

فتاب الفضيل وأمنهم، وأصبح شيخ الحرم المكي ومن أكابر العباد الصلحاء.

فيا فوز من بادر وصدق في توبته ولم يعد إلى معصيته فيكون بذلك ممن قال الله فيهم: }إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا{([138]).

هو الذي يقبل التوبة

روي أن نصر السمرقندي قال: إن الإمام الزاهد أبا عبد الله كان يمشي في زمرة من أصحابه, فبلغ السير بهم إلى قوم جالسين يشربون الخمر، فأراد أصحابه أن ينكروه عليهم ويمنعوهم عن تلك الحالة. فقال أبو عبد الله: دعوني حتى أمنعهم أنا بنفسي وأعلمهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثم دنا إليهم وقال السلام عليكم.

فقالوا: وعليكم السلام.

فقال أحدهم ووضع قدحا في كف الشيخ فأخذ القدح منه. وقال: يا فتيان إن من عادتكم أن تذكروا أخباركم عند شرب الخمر وإني أريد أن أذكر ما لا بد منه. فقيل الأمر إليك.

فقال: إخواني نذكر يوماً تحمل فيه إلى القبور أجسادنا، وترفع إلى السماء أرواحنا، ويقسم في الدور ميراثنا، ونذكر يوما ينادي بنا: أنتم جمعتم الدنيا أم الدنيا جمعتكم، أنتم قبلتم الدنيا أم الدنيا قبلتكم، أنتم تركتم الدنيا أم الدنيا تركتكم ونذكر يوما نوضع على سرير الغرباء وينادي بنا أين نفوسكم القوية ما أضعفكم أين لسانكم الذلق ما أسكتكم؟!

أين أحباؤكم الكثرة ما أوحشكم؟! ونذكر من يركب مركوب الضعفاء يحمل بأربعة أنفس فينادي الواحد منا: يا إخوتاه، ويا أهل بيتاه، ويا حملة نعشاه لا تغرنكم الحياة الدنيا كما غرتني ولا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي، ونذكر قول القبر لنا أنا بيت الظلمة، أنا بيت الوحشة أنسيت وحشتي أم نسيت ظلمتي؟ وتذكر يوما فيه تبيض وجوه وتسود وجوه، ولا ندري من أيهما نحن ونذكر يوماً قال الله عز وجل: }فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ{([139]).

ونذكر يوماً. قال الله عز وجل: }وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ{. ونذكر يوما. قال الله تعالى: }فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ{([140]).

فلما بلغ هذا الموضع من الموعظة والمعرفة. قام أولئك القوم والشباب، وكسروا ما كان بين أيديهم من آلات الفسق والخمور, وتابوا إلى الله عز وجل وأحسنوا توبتهم, قال تعالى: }وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ{([141]).

قصة رجل من كبار المذنبين([142])

حكي عن مالك بن دينار قال: رأيت بالبصرة قوما يحملون جنازة وليس معهم ممن يشيع الجنازة، فسألهم عنه؟ قالوا: هذا رجل من كبار المذنبين.

قال: فصليت عليه وأنزلته في قبره ثم انصرفت إلى الظل فنمت، فرأيت ملكين قد نزلا من السماء فشقا قبره، ونزل أحدهما إليه وقال لصاحبه: اكتبه من أهل النار، فما فيه جارحة سلمت من المعاصي والأوزار، فقال له صاحبه: لا تعجل عليه اختبر عينيه، قال: قد اختبرتها، فوجدتهما مملوءتين بالنظر إلى محارم الله، فاختبر سمعه، قال: اختبرته فوجدته مملوءا بسماع الفواحش والمنكرات والأغاني، قال: فاختبر لسانه، قال: اختبرته فاختبر يديه، قال: قد اختبرتهما فوجدتهما مملوءتين بتناول الحرام وما لا يمل من الشهوات واللذات، قال: فاختبر رجليه، قال: قد اختبرتهما فوجدتهما مملوءتين بالسعي في النجسات فنزل إليه الملك الثاني وأقام عنده ساعة وقال: يا أخي قد اختبرت قلبه فوجدته مملوء إيمان فاكتبه مرحوما سعيدا.

فضل الله تعالى يستغرق ما عليه من الذنوب والخطايا، فهذا وإن حصل بسبب الإيمان، لكنه قليل: }فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ{([143]).

عبدي بين ثلاث خلال

عن مكحول أنه قال: بلغني أن إبراهيم –عليه السلام- لما عرج ملكوت السموات، أبصر على صاحب كبيرة فدعا عليه، فأهلكه الله, ثم نظر فإذا عبد يسرف، فدعا عليه، فأهلكه الله تعالى، فقال الله جل وعلا: "يا إبراهيم دع عنك عبادي، فإن عبدي بين ثلاث خلال: بين أن يتوب فأتوب عليه، وبين أن أستخرج له ذرية تعبدني، وبين أن يغلب عليه الشقاء فمن ورائه جهنم، أما علمت أن من أسمائي "الصبور"؟

لا أخيب عبدا اتَّكل عليَّ

قال سيدنا موسى –عليه السلام-: يا رب إذا سألك عبدك الطائع ماذا تقول له؟

قال: أقول لبيك.

قال: فالزاهد؟

قال: أقول لبيك؟

قال: فالصائم؟

قال: أقول لبيك؟

قال فالعاصي؟

قال: أقول: لبيك .. لبيك .. لبيك.. كل واحد من هؤلاء يتوكل على عمله، والعاصي، يتكل على رحمتي، وأنا لا أخيب عبدا اتكل عليَّ، لأني قلت: }وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ{([144]).


إنا لله وإنا إليه راجعون([145])

عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: خرجت ذات ليلة بعدما صليت العشاء مع رسول الله r. فإذا أنا بامرأة منتقبة، قائمة على الطريق، فقالت: يا أبا هريرة: إني قد ارتكبت ذنبا عظيما, فهل من توبة؟

فقلت: وما ذنبك؟

فقلت: إني زنيت وقتلت ولدي من الزنا.

فقلت لها: هلكت وأهلكت، والله مالك توبة.

قال: فشهقت شهقة، وخرت مغشيا عليها، ومضيت وقلت في نفسي (أفتي، ورسول الله بين أظهرنا)؟

فلما أصبحت، غدوت إلى رسول الله r فقلت: يا رسول الله: إن امرأة استفتتني البارحة في كذا وكذا، وإني أفتيتها بكذا وكذا، فقال رسول الله r: «إنا لله وإنا إليه راجعون، أنت والله يا أبا هريرة هلكت وأهلكت، أين كنت يا أبا هريرة، من هذه الآية: }وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا{([146])».

قال أبو هريرة –رضي الله عنه- فخرجت من عند رسول الله r وأنا أعدو في سكك المدينة وأقول: "من يدلني على امرأة استفتتني البارحة في كذا وكذا، والصبيان يقولون: جن أبو هريرة، حتى إذا كان الليل، لقيتها في ذلك الموطن، فأعلمتها بقول رسول الله r. وأن لها التوبة، فشهقت شهقة من السرور، وقالت: إن لي حديقة، وهي صدقة للمساكين كفارة لذنبي.

درجة محبة الله

سئل الإمام الشافعي –رحمه الله: أيهما أفضل: الكافر إذا أسلم؟ أم العاصي إذا تاب؟

قال الإمام: العاصي إذا تاب؛ لأن الكافر إذا أسلم ينتقل من درجة الجهل بالله إلى درجة العلم بالله. أما العاصي إذا تاب فينتقل من درجة العلم بالله إلى درجة محبة الله.


توبة شاب مسرف على نفسه

على يد إبراهيم بن أدهم([147])

وروي أن رجلا جاء إلى إبراهيم بن أدهم فقال له: يا أبا إسحاق: إني مسرف على نفسي، فأعرض عليّ ما يكون لها زاجرا ومستنقذا لقلبي.

قال: إن قبلت خمس خصال وقدرت عليها لم تضرك معصية، ولم توبقك –لم تهلك- لذة.

قال: هات يا أبا إسحاق.

قال: أما الأولى: فإذا أردت أن تعصي الله عز وجل فلا تأكل رزقه، قال: فمن أين أكل وكل ما في الأرض من رزقه؟

قال له: يا هذا: أفيحسن أن تأكل رزقه وتعصيه؟

قال: لا. هات الثانية.

قال: وإذا أردت أن تعصيه فلا تسكن شيئا من بلاده، قال الرجل: هذه أعظم من الأولى.

يا هذا: إذا كان المشرق والمغرب وما بينهما له، فأين أسكن؟

قال: يا هذا: أفيحسن أن تأكل رزقه وتسكن بلاده وتعصيه؟

قال: لا. هات الثالثة.

قال: إذا أردت أن تعصيه، وأنت تحت رزقه وفي بلاده، فانظر موضعا لا يراك فيه مبارزا له فأعصه فيه.

قال: إبراهيم: كيف هذا وهو مطلع ما في السرائر؟

قال: يا هذا: أفيحسن أن تأكل رزقه وتسكن بلاده وتعصيه وهو يرى ما تجاهره به؟

قال: لا. هات الرابعة.

قال: إذا جاءك ملك الموت ليقبض روحك فقل له: أخرني حتى أتوب توبة نصوحا وأعمل الله صالحا.

قال: لا يقبل مني.

قال: يا هذا فأنت إذا لم تقدر أن تدفع عنك الموت لتتوب، وتعلم أنه إذا جاء لم يكن له تأخير، فكيف ترجو وجه الخلاص؟

قال: هات الخامسة؟

قال: إذا جاءتك الزبانية يوم القيامة ليأخذوك إلى النار فلا تذهب معهم.

قال: لا يدعونني ولا يقبلون مني.

قال: فكيف ترجو النجاة إذا؟

قال له: يا إبراهيم: حَسبي حسبي! أنا أستغفر وأتوب إليه، ولزمه في العبادة حتى فرق الموت بينهما.


الأمة المحمدية على درجات ثلاث

يعامل الله الأمة المحمدية على درجات ثلاث: أهل العفو وأهل المغفرة وأهل الرحمة: أهل العفو هم الذين يدخلون الجنة بغير حساب، وإمامهم الصديق أبو بكر –رضي الله عنه- وأما أهل المغفرة فهم الذين كانت لهم هفوات وماتوا من غير توبة، يستلمون الكتاب بأيمانهم ويفتحونه فإذا النور، فتبيض وجوههم، فيطالعون الكتاب فيجدون بعض الهفوات فيظنون الهلاك، فيخاطبهم الحق في سرهم: سترتها عليكم في الدنيا واليوم أغفرها لكم ولا أبالي. أما أهل الرحمة فهم الذين لهم ذنوب كثيرة فيرحمهم الله بسبب أفعال صالحة عملوا بها في الدنيا.

ففي اليوم من ثقلت حسناته عن سيئاته بحسنة واحدة دخل الجنة، ومن ثقلت سيئاته عن حسناته بسيئة واحدة دخل النار، ومن تساوت حسناته وسيئاته فأمره إلى الله. فيؤتى برجل ليس له إلا حسنة واحدة، فيجد رجلا آخر يبحث عن حسنة واحدة ليتمم حسناته ليدخل الجنة فيعطيها له ويقول له: خذها فإني هالكٌ هالك. فيقول الله له: خذ بيد أخيك فادخل الجنة. وأعلى درجات الغفران هي العفو، لذا نجد في القرآن أن العفو سبق المغفرة والرحمة في قوله تعالى: }وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ{([148]).

قصة ماعز الأسلمي([149])

وهي عند أبي داود من طريق نعيم بن هزال قال: "كان ماعز بن مالك يتيما في حجر أبي، فأصاب جارية من الحي فقال له أبي: ائت رسول الله r فأخبره بما صنعت لعله يستغفر لك ورجاء أن يكون لك مخرجا، فأتاه فقال: يا رسول الله إني زنيت، فأقم عليَّ كتاب الله، وفي لفظ البخاري من حديث أبي هريرة "فناداه يا رسول الله إني زنيت، يريد نفسه، فأعرض عنه النبي r فتنحى لشق وجهه الذي أعرض قبله، فقال يا رسول الله إني زنيت، فأعرض عنه فجاء لشق وجه النبي r الذي أعرض عنه، فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه النبي r فقال: «أبك جنون»؟ قال: لا يا رسول الله، فقال: «أحصنت»؟ قال: نعم يا رسول الله، قال: «اذهبوا فارجموه».

وفي حديث ابن عباس عند البخاري أيضا أن رسول الله r قال له: «لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت»، وفي رواية هريرة المذكورة أن النبي r سأله باللفظ الصريح الذي معناه الجماع (...؟) قال: نعم، قال: «حتى غاب ذلك منك في ذلك منها»؟ قال: نعم، قال: «كما يغيب المرود في المكحلة والرشاء في البتر»؟ قال: نعم، قال: «أتدري ما الزنا»؟ قال: نعم أتيت منها حراما ما يأتي الرجل من امرأته حلالا، قال: «فماذا تريد بهذا القول»؟ تطهرني، فأمر به فرجم.

وعند أبي داود من حديث جابر بن عبد الله قال: كنت فيمن رجم الرجل، إنا لما خرجنا به فرجمناه فوجد مس الحجارة صرخ بنا: يا قوم ردوني إلى رسول الله فإن قومي قتلوني وغروني من نفسي وأخبروني أن رسول الله غير قاتلي، فلم ننزع عنه حتى قتلناه، فلما رجعنا إلى رسول الله r وأخبرناه قال r: «فهلا تركتموه وجئتموني به» ليتثبت رسول الله r، فأما لترك حد فلا.

وفي رواية له أيضا عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: فأمر به رسول الله r  فرجم، فسمع النبي r رجلين من أصحابه يقول أحدهما لصاحبه: أنظر إلى هذا الذي ستر الله عليه، فلم تدعه نفسه حتى رُجم رَجم الكلب، فسكت عنهما r ثم سار ساعة حتى مر بجيفة حمار شائل برجله، فقال: «أين فلان وفلان»؟ فقالا: نحن ذان يا رسول الله، فقال: «انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار» فقالا: يا نبي الله من يأكل هذا، قال: «فما نلتما من عرض أخيكما آنفا أشد من أكل منه، والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها».

الله أكبر, ما أجمل التوبة الصادقة النصوح ولو كان ثمنها قتل النفس، وإنها للحظات ثم ينغمس في أنهار الجنة، وصحيح أن الرجم عذاب ولكنه يطهر كما قال ماعز للنبي r: "فطهرني" فالتطهير في الدنيا يقي عذاب الآخرة: }وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ{([150]).

جاء في حديث عبادة بن الصامت عن النبي r: «ومن أصاب من ذلك شيئا – أي: من السرقة والزنا والقتل وغيره – فعوقب به- أي: في الدنيا- فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله عليه فهو إلى الله إن شاء غفر له وإن شاء عذبه»([151]). فهل يدري من مات, ولم يُحَدّ إلى أي مشيئة سيصير؟

 

 

* * *


نصيحة والد لولده

اعلم أن من تكفر في الدنيا قبل أن يوجد رأى مدة طويلة، فإذا تفكر فيها بعد أن يخرج منها رأى مدة طويلة وعلم أن اللبث في القبور طويل، فإذا تفكر في يوم القيامة علم أنه خمسون ألف سنة. فإذا تفكر في اللبث في الجنة أو النار علم أنه لا نهاية له. فإذا عاد إلى النظر في مقدار بقائه في الدنيا فرضنا ستين سنة مثلا فإنه يمضي منها ثلاثون سنة في النوم، ونحو من خمس عشرة في الصبا. فإذا حسب الباقي كان أكثر الشهوات والمطاعم والمكاسب.

فإذا خلص ما للآخرة وجد فيه من الرياء والغفلة كثيرا، فبماذا تشتري الحياة الأبدية وإنما الثمن هذه الساعات.

فانتبه يا بني لنفسك، واندم على ماضي من تفريطك واجتهد في لحاق الكاملين ما دام في الوقت سعة. واسق غصنك، ما دامت فيه رطوبة، واذكر ساعتك التي ضاعت فكف بها عظة.

وقد كان السلم الصالح –رحمهم الله- يحبون جمع كل فضيلة، ويبكون على فوات واحدة منها.

قال إبراهيم بن أدهم –رحمه الله- دخلنا على عابد مريض، وهو ينظر إلى رجليه ويبكي، فقلنا: مالك تبكي؟

فقال: ما أغبرتا في سبيل الله. وبكى آخر فقالوا: ما يبكيك؟

فقال: عليّ يوم مضى ما صمته، وعلىّ ليلة ذهبت ما قمتها.

واعلم يا بني أن الأيام تبسط ساعات، والساعات تبسط أنفاسا، وكل نفس خزانة، فاحذر أن يذهب نفس بغير شيء، فترى في القيامة خزانة فارغة فتندم ولا يفعك الندم.


موعظة للإمام علي بن أبي طالب إلى

ولده الحسين – رضي الله عنهما

كتب علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- إلى ولده الحسين: من عبد الله علي أمير المؤمنين؛ الوالد الفاني الذام للدنيا الساكن مساكن الموتى. إلى الولد؛ المؤمل ما لا يدرك، السالك سبيل من قد هلك، عرضة الأقسام ورهينة الأيام وأسير المنايا وقرين الرزايا وصريع الشهوات، ونصب الآفات وخليفة الأموات.

يا بني: إن بقيت أو فنيت فإني أوصيك بتقوى الله عز وجل، وعمارة قلبك بذكره، والاعتصام بحبله فإن الله يقول: }وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ{([152]).

وأي سبب –يا بني- أوثق من سبب بينك وبين الله عز وجل. أحيي قلبك بالموعظة ونوره بالحكمة وقوه بالزهد وذللـه بالموت وقرره بالفناء وحذره صولة الدهر وتقلب الليالي. واعرض عليه أخبار الماضين وسر في ديارهم وآثارهم، فانظر ما فعلوا وأين حلوا فإنك تجدهم قد انتقلوا من دار الغرور ونزلوا دار الغربة. ووصيته طويلة اكتفيت إلى هنا.


قصة الغامدية([153])

روى مسلم في صحيحه عن بريدة أن امرأة تسمى الغامدية جاءت إلى رسول الله r فقالت: يا رسول الله: إني زنيت فطهرني فردها رسول الله r: فلما كان الغد قالت: يا رسول الله لم تردني؟ لعلك تردني كما رددت ماعزا؟ فوالله إني لحبلى، فقال: «إمَّالًا([154]) فاذهبي حتى تلدي» فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة قالت: هذا قد ولدته، قال: «اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه» فلما فطمته أتت بالصبي في كسرة خبز فقالت: هذا يا نبي الله قد فطمته وقد أكل الطعام؟ فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين ثم أمر بها  فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها، فيقبل خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها فنضخ الدم على وجه خالد فسبها، فسمع نبي الله r سبه إياها فقال: «مهلا يا خالد، فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس([155]) لغفر له» ثم أمر بها فصُليّ عليها ودفنت([156]).

أيها المسرف على نفسك: أما آن لك أن تتوب فيتوب عليك غفار الذنوب؟

قال تعالى: }قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آَيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ{([157]).

الله أرحم بعباده

روي أن أحد الصالحين كان يسير في بعض الطرقات فرأى بابا قد فتح وخرج منه صبي يستغيث ويبكي وأمه خلفه تطرده حتى خرج، فأغلقت الباب في وجهه، ودخلت فذهب الصبي غير بعيد وقف مُفكرًا فلم يجد له مأوى غير البيت الذي أخرج منه ولا من يؤويه غير والدته، فرجع مكسور القلب حزينا فوجد الباب مغلقا فتوسده ووضع خده على عتبة الباب، ونام ودموعه على خديه، فخرجت أمه بعد حين، فلما رأته على تلك الحال لم تملك أن رمت نفسها عليه والتزمته تقبله وتبكي، وتقول: يا ولدي أين ذهبت عني ومن يؤويك سواي، ألم أقل لك لا تخالفني ولا تحملي على عقوبتك بخلاف ما جبلني الله عليه من الرحمة بك والشفقة عليك ثم أخذته ودخلت!!

ولكن رسول الله r يقول: «الله أرحم بعباده من هذه بولدها»([158]).

وأين تقع رحمة الوالدة من رحمة الله التي وسعت كل شيء، والله يفرح إذا تاب العبد إليه، ولن نعدم خيرا من رب يفرح «لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه – من رجل كان في سفر في فلاة من الأرض، نزل منزلا وبه مهلكة ومعه راحلته عليها طعامه وشرابه، فأوى إلى ظل شجرة فوضع رأسه فنام نومة تحتها، فاستيقظ وقد ذهبت راحلته فطلبها فأتى شرفا فصعد عليه فلم ير شيئا، ثم أتى آخر فأشرف فلم ير شيئا حتى إذا اشتد عليه الحر والعطش قال: أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت، فأتى شجر فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك رفع رأسه فإذا راحلته قائمة عنده، تجر خطامها، عليها زاده: طعامه وشرابه، فأخذ بخطامها، فالله أشد فرحا بتوبة المؤمن من هذا براحلته وزاده»([159]).


الأقوال والآثار في التوبة

- قال يحيى بن معاذ –رحمه الله: "الذي حجب الناس عن التوبة طول الأمل. وعلامة التائب؛ إسبال الدمعة، وحب الخلوة، والمحاسبة للنفس عند كل همة".

- وقال محمد بن كعب القرظي: "التوبة يجمعها أربعة أشياء: الاستغفار باللسان، والإقلاع بالأبدان، وإضمار ترك العود بالجنان، ومهاجرة سيء الإخوان".

- وقال أحدهم: "علامة التوبة: الخروج من الجهل، والندم على الذنب، والتجافي عن الشهوة، وترك الكذب والانتهاء عن سوء الخلق".

- وقال علي بن أبي طالب –رضي الله عنه-: "عجبا لمن يهلك ومعه النجاة، قيل له: وما هي؟ قال: التوبة والاستغفار".

- وقال أبو بكر الواسطي –رحمه الله: "التأني في كل شيء حسن إلا في ثلاث خصال: عند وقت الصلاة، وعند دفن الميت، والتوبة عند المعصية".

- وقال مجاهد –رحمه الله: "من لمن يتب إذا أمسى، وأصبح، فهو عن الظالمين".

- وقال الحسن البصري –رحمه الله: "من أراد التوبة فليخرج من المظالم، وليدع مخالطة الناس، وإلا لم ينل ما يريد".

- وقال شقيق البلخي –رحمه الله: "علامة التوبة: البكاء على ما سلف، والخوف من الوقوع في الذنب، وهجران إخوان السوء، وملازمة الأخيار".

- وقال الحسن البصري –رحمه الله-: "إن المؤمن قوام على نفسه يحاسب نفسه لله عز وجل، وإنما خف الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة".

- وقيل: "ما أراد الله من الناس إلا خصلتين: أن يقروا له بالنعم فيزيدهم، وبالذنوب فيغفرها لهم".

- وقيل: "التوبة خلع الثوب الدنس، وقطع العرق النجس".

- وروي أن داود –عليه السلام([160])- قال: "يا رب: إن عبادك يعصونك ولا يبالون. فقال الله تعالى: يا داود إني عاملتهم بأربع خصال: أولها: لم أظهر أسرارهم، والثاني: لم أفضحهم، والثالث: أكرمتهم بكرامتي بعد جفائهم. والرابع: أني أقبل توبتهم إذا تابوا".

- وفي بعض كتب الله تعالى: "الزلة مع العذر، أحب إلي من الطاعة مع العجب. قيل: كما كان لآدم –عليه السلام- ولإبليس – عليه اللعنة".

- وروي أن إبليس لما لعن، وأجيب سؤاله في النظرة([161]) قال: وعزتك لأخرجت من ولد آدم ما دام الروح فيه. فقال جل جلاله: وعزتي لا أغلقت عنه باب التوبة ما دام الروح فيه".

- قيل لحاتم الأصم: مالنا نستمع ولا ننتفع؟ قال: بخلال خمسة فيكم: ما أنعم الله عليكم لم تشكروا، وما علمتم من العلم لم تعلموا، وبمن صحبتم من الأخيار لم تقتدوا، وفيما دفنتم من الأموات لم تعتبروا، وعما أذنبتم إليه لم تتوبوا.

- وعن أبي نصر الحدادي صاحب البساطين أنه قال: يقول الجوزجاني: أصل التوبة خمسة أشياء: الندامة بالقلب مع الاستغفار باللسان، وإصلاح الأمور في موافقة القرآن، ومجاهدة النفس في مرضاة الرحمن، ومفارقة الإخوان الذين هم حزب الشيطان، والخوف الدائم على ما مضى من العصيان.

- وقال ابن عطاء: التوبة توبتان: توبة الإنابة، وتوبة الاستجابة. فتوبة الإنابة، أن يتوب العبد خوفا من عقوبته، توبة الاستجابة أن يتوب حياء من كرمه.

- وقال السري: السقطي –رحمه الله: التوبة على أربع دعائم: استغفار باللسان، وندم بالقلب، وترك بالجوارح، وإضمار أن لا يعود.

- وقال يحيى بن معاذ: علامة صدق التوبة ثلاث أشياء: قلة الطعام، وقلة المنام، وقلة الكلام.

- وعن أبي عثمان أنه قال: قال شاه، إذا صحح العبد مقام التوبة نقل إلى مقام الخوف، ثم إلى مقام الرجاء، ثم إلى مقام الصالحين، ثم إلى مقام المريدين، ثم إلى مقام المطيعين، ثم إلى مقام المحبين، ثم إلى مقام المشتاقين، ثم إلى مقام الأولياء، ثم إلى مقام المقربين.

- وعن بعض الحكماء أنه قال: "أصدق الناس القائم على توبته، وأكذب الناس العائد في ذنبه، وأجهل الناس الفاخر بحسناته، وأعلم الناس أخوفهم لله".

- وحكي أن رجلا تاب في مشيبه، فقيل له: أبطأت، وأسرعت، يعني: أبطأت حين أخرت التوبة، وأسرعت حيث تبت قبل الموت.

إلهي تبت عما كان مني

 

فكفر سيئاتي وارض  عني

وعاملني بلطفك يا إلهي

 

ولا تقطع لأجل الذنب مني

وكن يوم القيامة لي معيناً

 

وأحسن بي كما أحسنت ظني

- وقال بعض المفسرين: الذنوب كلها على ثلاثة أوجه: ذنب بينك وبين الحق، وذنب بينك وبين الخلق، وذنب في ترك الأوامر. فالتوبة في الكل الرجوع من الكل، والتضرع والابتهال، وتقديم أمر الله، حتى يأتيك اليقين.

- وقال بعضهم: "نوم التائب قليل، ونجواه مع الحق طويل، وبدنه مع حياء التقصير عليل، وأنيسه ملك جليل".

- وفي الزبور([162]): "وأوحى الله تعالى إلى داود –عليه السلام-: أنا الله معطي كل سائل، وغافر كل مستغفر، وصريخ كل مستصرخ، وكاشف كل مكروب، ومحب كل تائب. فأحب التائبين. وبشر المحسنين، وأنذر الخاطئين. قال –عليه الصلاة والسلام: «لو عملتم بالخطايا حتى تبلغ السماء، ثم تبتم تاب الله عليكم»([163]).

- قال أبو طالب المكي –رحمه الله: "لقد حصرت الذنوب من أقوال الصحابة فوجدتها أربعة في القلب وهي: الإشراك بالله، والإصرار على المعصية، والقنوط من رحمة الله، والأمن من مكر الله .. وأربعة في اللسان وهي: شهادة الزور، وقذف المحصنات، واليمين الغموس، والسحر([164]). وثلاثة في البطن وهي: شرب الخمر، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا. واثنين في الفرج: الزنا واللواط، واثنين في اليدين: وهما القتل والسرقة. وواحدًا في الرجلين وهو: الفرار من الزحف وواحدًا يتعلق بجميع الجسد وهو عقوق الوالدين".

- قال عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه: "التوبة النصوح أن يتوب ثم لا يعود، وقال أيضا: باب التوبة مفتوح، وهي مقبولة من كل أحد إلا من ثلاثة: إبليس رأس الكفرة، وقابيل بن آدم رأس الخطائين، ومن قتل نبيا من الأنبياء".

- وقال ذو النون المصري: "توبة العوام من الذنوب، وتوبة الخواص من الغفلة".

- وقال لقمان الحكيم لابنه وهو يعظه: "لا تؤخر التوبة فإن الموت يأتي بغتة".

- روى أبو سعيد الخدري –رضي الله عنه- أن سيدنا محمدًا r قال: «قال إبليس أي رب لا أزال أغوي بني آدم ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال الرب عز وجل: لا أزال أغفر لهم ما استغفروني»([165]).

- وقال قتادة –رحمه الله: "القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم. أما داؤكم فالذنوب، وأما دواؤكم فالاستغفار".

- وقال الفضيل –رحمه الله: "الاستغفار بلا إقلاع توبة الكذَّابين".

- وقال أبو حامد الغزالي – رحمه الله: "حقيقة التوبة الرجوع إلى الله بالتزام فعل ما يحب، وترك ما يكره، فهي رجوع من مكروه إلى محبوب، فالرجوع إلى المحبوب جزء مسماها، والرجوع عن المكروه الجزء الآخر".

رأيت الذنوب تميت القلوب

 

وقد يورث الذل إدمانها

وترك الذنوب حياة القلوب

 

وخير لنفسك عصيانها

 

* * *

 


فتاوى مهمة للتائبين([166])

وإليك أيها العائد إلى الله ما عله يشفي الغليل.

س1: إنني في الذنب فأتوب منه، ثم تغلبني نفسي الأمارة بالسوء فأعود إليه! فهل تبطل توبتي الأولى ويبقى عليّ إثم الذنب الأول وما بعده؟

ج1: أكثر العلماء أنه لا يشترط في صحة التوبة ألا يعود إلى الذنب، وإنما صحة التوبة تتوقف على الإقلاع عن الذنب، والندم عليه، والعزم الجازم على ترك معاودته، فإن عاوده يصبح حينئذ كمن عمل معصية جديدة تلزمه توبة جديدة منها وتوبته الأولى صحيحة.

س2: هل تصح التوبة من ذنب وأنا مصر على ذنب آخر؟

ج2: تصح التوبة من ذنب ولو أصر على ذنب آخر، إذا لم يكن من النوع نفسه، ولا يتعلق بالذنب الأول. فمثلا لو تاب من الربا ولم يتب من شرب الخمر فتوبته من الربا صحيحة، والعكس كذلك. أما إذا تاب من ربا الفضل وأصر على ربا النسيئة فلا تقبل توبته حينئذ. وكذلك من تاب من تناول الحشيشة وأصر على شرب الخمر أو العكس، وكذلك من تاب عن الزنا بامرأة وهو مصر على الزنا بغيرها فهؤلاء توبتهم غير صحيحة، وغاية ما فعلوه أنهم عدلوا عن نوع من الذنب إلى نوع آخر منه .. (راجع المدارج).

س3: تركت حقوقا لله في الماضي من صلوات لم أؤدها وصيام تركته وزكاة منعتها، فماذا أفعل الآن؟

ج3: أما تارك الصلاة فالراجح أنه لا يلزمه القضاء لأنه فات وقتها. ولا يمكن استدراكه ويعوضه بكثرة التوبة والاستغفار، والإكثار من النوافل لعل الله أن يتجاوز عنه. أما تارك الصيام فإن كان مسلما وقت تركه للصيام، فإنه يجب عليه القضاء مع إطعام مسكين على كل يوم أخره من رمضان حتى دخل رمضان الذي بعده، من غير عذر وهذه كفارة عن التأخير، وهي واحدة لا تتضاعف ولو توالت أشهر رمضان .. مثال: رجل ترك 3 أيام من رمضان سنة 1400هـ و5 أيام من رمضان سنة 1401هـ تهاونا. وبعد سنين تاب إلى الله، فإنه يلزمه قضاء الصيام ثمانية أيام، وإطعام مسكين عن كل يوم من الأيام الثمانية. مثال آخر: امرأة بلغت عام 1400هـ وخجلت من إخبار أهليها، فصامت أيام عادتها الثمانية (مثلا) ولم تقضها، ثم تابت إلى الله الآن فعليها الحكم السابق نفسه. وينبغي أن يعلم أن هناك فرقا بين ترك الصلاة وترك الصيام ذكره أهل العلم على أن هناك من العلماء من يرى عدم القضاء على من ترك الصيام متعمدًا دون عذر. وأما تارك الزكاة فيجب عليه إخراجها وهي حق لله من جهة. وحق للفقير من جهة أخرى. (المزيد راجع مدارج السالكين 1/383).

س4: إذا كانت السيئة في حق آدمي فكيف تكون التوبة؟

ج4: الأصل في هذا حديث رسول الله r: « من كانت لأخيه عنده مظلمة، من عرض أو مال، فليتحلله اليوم قبل أن يؤخذ منه يوم لا دينار ولا درهم، فإن كان له عمل صالح أُخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له عمل أُخذ من سيئات صاحبه، فجعلت عليه»([167]). فيخرج التائب من هذه المظالم إما بأدائها إلى أصحابها وإما باستحلالها منهم وطلب مسامحتهم، فإن سامحوه وإلا ردها.

س5: وقعت في غيبة شخص أو أشخاص، وقذفت آخرين بأمور هم بريئون منها فهل يشترط إخبارهم بذلك مع طلب المسامحة، وإذا كان لا يشترط فكيف أتوب؟!

ج5: المسألة هنا تعتمد على تقدير المصالح والمفاسد. فإن كان إذا أخبرهم بما اغتابهم أو قذفهم لا يغضبون منه ولا يزدادون عليه حنقا وغما، صارحهم وطلب منهم المسامحة ولو بعبارات عامة، كأن يقول إني أخطأت في حقك في الماضي، أو ظلمت بكلام، وإني تبت إلى الله فسامحني، دون أن يفصل فلا بأس بهذا.

وإن كان إذا أخبرهم بما اغتابهم أو قذفهم حنقوا عليه وازدادوا غما وغيظا – ربما يكون هذا هو الغالب- أو أنه إذا أخبرهم بعبارات عامة لم يرضوا إلا بالتفاصيل التي إذا سمعوها زادوا كراهية له، فإنه حينئذ لا يجب عليه إخبارهم أصلا لأن الشريعة لا تأمر بزيادة المفاسد، وإخبار شخص بأمور كان مستريحا قبل سماعها على وجه يسبب البغضاء ينافي مقصد الشريعة في تأليف القلوب والتحاب بين المسلمين، وربما يكون الإخبار لعداوة لا يصفو بعدها قلب المغتاب أبدا لمن اغتابه، وفي هذه الحالة يكفي في التوبة أمور منها:

1- الندم وطلب المغفرة من الله مع التأمل في شناعة هذه الجريمة واعتقاد تحريمها.

2- أن يكذب نفسه عند من سمع الغيبة، أو القذف ويبرئ المقذوف.

3- أن يثني بالخير على من اغتابه في المجالس التي ظلمه فيها، ويذكر محاسنه.

4- أن يدافع عمن اغتابه، ويرد عنه إذا أراد أحد أن يسيء إليه.

5- أن يستغفر له بظهر الغيب (المدارج1/291)، والمغني مع الشرح (12/78).

ولاحظ أيها الأخ المسلم، الفرق بين الحقوق المالية وجنايات الأبدان، وبين الغيبة والنميمة، فالحقوق المالية يستفيد أهلها إذا أخبروا بها، وردت إليهم، ويسرون بذلك، ولذلك لا يجوز كتمها بخلاف الحقوق التي في جانب العرض، والتي قد لا تزيد من يخبر بها إلا ضررًا وتهييجًا.

س6: كيف يتوب القاتل المتعمد؟

ج6: القاتل المتعمد عليه ثلاث حقوق: حق لله، وحق للقتيل، وحق للورثة. فحق الله لا يُقضى إلا بالتوبة. وحق الورثة أن يسلم نفسه إليهم ليأخذوا حقهم، إما بالقصاص أو بالدية أو العفو. ويبقى حق القتيل الذي لا يمكن الوفاء به في الدنيا، وهنا قال أهل العلم إذا حسنت توبة القاتل، فإن الله يرفع عنه حق القتيل ويعوض القتيل يوم القيامة خيرا من عنده عز وجل، وهذا أحس الأقوال (المدارج 1/299).

س7: كيف يتوب السارق؟

ج7: إذا كان الشيء عنده الآن رده إلى أصحابه. وإن تلف أو نقصت قيمته بالاستعمال أو الزمن وجب عليه أن يعوضهم عن ذلك، إلا إذا سامحوه فالحمد لله.

س8: أشعر بالحرج الشديد إذا واجهت من سرقت منهم، ولا أستطيع أن أصارحهم، ولا أن أطلب منهم المسامحة فكيف أفعل؟

ج8: لا حرج عليك في البحث عن طريق تتفادى فيه هذا الإحراج الذي لا تستطيع موجهته، كأن ترسل حقوقهم مع شخص آخر، وتطلب عدم ذكر اسمك، أو بالبريد، أو تضعها خفية عندهم، وتقول هذه حقوق لكم عند شخص، وهو لا يريد ذكر اسمه، والمهم رجوع الحق إلى أصحابه.

س9: كنت أسرق من جيب أبي خفية، وأريد الآن أن أتوب ولا أعلم كم سرقت بالضبط، وأنا محرج من مواجهته؟

ج9: عليك أن تقدر ما سرقته بما يغلب على ظنك أنه هو أو أكثر منه، ولا بأس أن تعيده إلى أبيك خفية كما أخذته خفية.

س10: سرقت أموالا من أناس وتبت إلى الله، ولا أعرف عناوينهم؟ وآخر يقول أخذت من شركة أموالا خلسة، وقد أنهت عملها وغادرت البلد؟ وثالث يقول سرقت من محل تجاري سلعا، وتغير مكانه ولا أعرف صاحبه؟

ج10: عليك بالبحث عنهم على قدر طاقتك ووسعك، فإذا وجدتهم فأدفعها إليهم والحمد لله، وإذا مات صاحب المال فتعطي لورثته، وإن لم تجدهم على الرغم من البحث الجاد فتصدق بهذه الأموال بالنيابة عنهم، وأنوها لهم ولو كانوا كفارا لأن الله يعطيهم في الدنيا ولا يعطيهم في الآخرة.

ويشبه هذه المسألة ما ذكره ابن القيم –رحمه الله- في "المدارج 1/388" أن رجلا في جيش المسلمين غل (سرق) من الغنيمة، ثم تاب بعد زمن فجاء غلة إلا أمير الجيش فأبى أن يقبله منه، وقال كيف لي بإيصاله إلى الجيش (وقد تفرقوا)! فأتى (هذا التائب) حجاج بن الشاعر (يستفتيه) فقال له (حجاج) يا هذا إن الله يعلم الجيش وأسماءهم وأنسابهم فأدفع خمسة إلى صاحب الخمس وتصدق بالباقي عنهم، فإن الله يوصل ذلك إليهم ففعل فلما أخبر معاوية قال لأن أكون أفتيك بذلك أحب إلى من نصف ملكي، وهناك فتوى مشابهة لشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله- قريبة من هذه في قصص مذكورة في المدارج.

س11: غصبت مالا لأيتام، وتاجرت به وربحت، ونما المال أضعافا وخفت من الله وندمت فكيف أتوب؟

ج11: للعلماء في هذه المسألة أقوال أوسطها وأعدلها أنك ترد رأس المال الأصلي للأيتام، زائد نصف الأرباح، فتكون كأنك وإياهم شركاء في الربح مع إعادة الأصل إليهم. وهذه رواية عن الإمام أحمد، وهو رأي شيخ الإسلام ابن تيمية وترجيح تلميذه ابن القيم –رحمه الله- (المدارج 1/392) وكذلك لو غصبت سائمة من إبل أو غنم فنتجت أولادا فهي ونصف أولادها للمالك الأصلي، فإن ماتت أعطي قيمتها مع نصف النتائج إلى مالكها.

س12: رجل يعمل في الشحن الجوي وتتخلف عندهم بضائع أخذ منها مسجلا خلسة وبعد سنوات تاب فهل يرجع المسجل نفسه أو قيمته أو شبيها به، علما بأن هذا النوع قد انتهى من السوق.

ج12: يرجع المسجل نفسه زائداً عليه ما نقص من قيمته لقاء الاستعمال أو تقادم الزمن، وذلك بطريقة مناسبة دون أن يؤذي نفسه، فإن تعذر، تصدق بقيمته نيابة عن صاحبه الأصلي.

س13: كان عندي أموال من الربا ولكني أنفقتها كلها، ولم يبق عندي منها شيء، وأنا الآن تائب فماذا يلزمني؟

ج13: لا يلزمك إلا التوبة إلى الله عز وجل توبة نصوحا والربا خطير، ولم يؤذن الله بحرب أحد في القرآن الكريم إلا أهل الربا وما دامت الأموال الربوية قد ذهبت كلها، فليس عليك من جهتها شيء الآن.

س14: اشتريت سيارة بمال بعضه حلال وبعضه حرام، وهي موجودة عندي الآن فكيف أفعل؟

ج14: من اشترى شيئا لا يتجزأ كالبيت أو السيارة بمال بعضه حلال وبعضه حرام فيكفيه أن يخرج ما يقابل الحرام من ماله الآخر ويتصدق به تطيبا لتلك الممتلكات، فإن كان هذا الجزء من المال الحرام هو حق للآخرين وجب رد مثله إليهم على التفصيل السابق.

س15: ماذا يفعل بالمال الذي ربحه من تجارة الدخان، وكذلك إذا اختلط بأمواله الأخرى الحلال؟

ج15: من تاجر بالمحرمات كبيع آلات اللهو والأشرطة المحرمة والدخان وهو يعلم حكمها ثم تاب يصرف أرباح هذه التجارة المحرمة في وجوه الخير تخلصا لا صدقة؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا. وإذا اختلط هذا المال الحرام بأموال أخرى حلال كصاحب البقالة الذي يبيع الدخان مع السلع المباحة، فإنه يقدر هذا المال الحرام تقديرا باجتهاده، ويخرجه بحيث يغلب على ظنه أنه نقى أمواله من الكسب الحرام، والله يعوضه خيرا وهو الواسع الكريم. وعلى وجه العموم فإن من لديه أموالا من كسب حرام، وأراد أن يتوب فإن كان:

1- كافرا عند كسبها فلا يلزم عند التوبة بإخراجها؛ لأن رسول الله r لم يلزم الصحابة بإخراج ما لديهم من الأموال المحرمة لما أسلموا.

2- وأما إن كان عند كسبه للحرام مسلما عالما بالتحريم فإنه يخرج ما لديه من الحرام إذا تاب.

س16: شخص يأخذ الرشاوي، ثم هداه الله إلى الاستقامة، فماذا يعمل بالأموال التي أخذها من الرشوة؟

ج16: هذا الشخص لا يخلو من حالتين:

1- إما أن يكون أخذ الرشوة من صاحب حق مظلوم اضطر أن يدفع الرشوة ليحصل على حقه؛ لأنه لم يكن له سبيل للوصول إلى حقه إلى بالرشوة، فهنا يجب على هذا التائب أن يرد المال إلى الراشي صاحب الحق لأنه في حكم المال المغصوب ولأنه ألجأه إلى دفعه بالإكراه.

2- أن يكون أخذ الرشوة من راش ظالم تحصل عن طريق الرشوة على أشياء ليست من حقه، فهذا لا يرجع إليه ما أخذه منه، وإنما يتخلص التائب من هذا المال الحرام في وجوه الخير كإعطائه للفقراء مثلا. كما يتوب مما تسبب فيه من صرف الحق عن أهله.

س17: الشخص الذي يعمل في أعمال محرمة، أو يقدم خدمات محرمة، ويأخذ مقابلا أو أجرة على ذلك إذا تاب إلى الله وعنده هذا المال الحرام فإنه يتخلص منه ولا يعيده إلى من أخذه منه.

فالزانية التي أخذت مالا على الزنا لا تعيده إلى الزاني إذا تابت. والمعنى الذي أخذ أموالا على الغناء المحرم لا يعيده إلى أصحاب الحفلة إذا تاب. وبائع الخمر أو المخدرات لا يعيدها إلى من اشتروا منه إذا تاب. وشاهد الزور الذي أخذ مقابلا لا يعيد المال إلى من استخدمه لشهادة الزور وهكذا. والسبب أنه إذا أرجع المال الحرام للعاصي الذي دفعه فإنه يكون قد جمع له بين العوض الحرام والمعوض الحرام، ويكون قد أعانه على معصية الله ولذلك يكتفي بالتخلص منه، هذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وترجيح تلميذه ابن القيم، كما في "المدارج 1-3901".

س18: هناك أمر يقلقني ويسبب لي إرهاقا وأرقا، وهو أني وقعت في الفاحشة مع امرأة فكيف أتوب، وهل يجوز لي الزواج منها لستر القضية؟ وآخر يسأل أنه وقع في الفاحشة في الخارج، وأن المرأة حملت منه فهل يكون هذا ولده، وهل يجب عليه إرسال نفقة الولد؟

ج18: لقد كثرت الأسئلة عن الموضوعات المتعلقة بالفواحش كثرة تجعل من الواجب على المسلمين جميعا إعادة النظر في أوضاعهم وإصلاحها على هدي الكتاب والسنة وخصوصا في مسائل غض البصر وتحريم الخلوة، وعدم مصافحة المرأة الأجنبية والالتزام بالحجاب الشرعي الكامل وخطورة الاختلاط، وعدم السفر إلى بلاد الكفار والاعتناء بالبيت المسلم والأسرة المسلمة والزواج المبكر وتذليل صعوباته. أما بالنسبة إلى السؤال فمن فعل الفاحشة فلا يخلو من حالتين:

1- إما أنه زنى بالمرأة اغتصابا وإكراها فهذا عليه أن يدفع لها مهرا مثلها، عوضا عما ألحق بها من الضرر، مع توبته إلى الله توبة نصوحا، وإقامة الحد عليه إذا وصل أمره إلى الإمام، أو من ينوب عنه كالقاضي ونحوه. (انظر المدرج 1/366).

2- أن يكون قد زنا بها برضاها، فهذا لا يجب عليه إلا التوبة، ولا يلحق به الولد مطلقا ولا تجب عليه النفقة؛ لأن الولد جاء من سفاح ومثل هذا ينسب لأمه، ولا يجوز إلحاقه بنسب الزاني. ولا يجوز للتائب الزواج منها لستر القضية والله يقول: }الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ{([168]). ولا يجوز العقد على امرأة لا يدري أهي حامل أم لا. أما إذا تاب هو وتابت المرأة توبة صادقة وتبين براءة رحمها، فإنه يجوز له حينئذ أن يتزوج منها، ويبدأ معها حياة جديدة يحبها الله.

س19: لقد حصل والعياذ بالله أني ارتكبت الفاحشة، وعقدت على المرأة الزانية، وقد صار لنا سنوات وقد تبنا أنا وهي إلى الله توبة صادقة فماذا يجب عليَّ؟

ج19: ما دامت التوبة قد صحت من الطرفين فعليكما إعادة العقد بشروطه الشرعية من الولي والشاهدين، ولا يلزم أن يكون ذلك في المحكمة بل لو حصل في البيت لكان كافيا.

س20: امرأة تقول إنها تزوجت من رجل صالح وقد فعلت أمورا لا ترضي الله قبل زواجها، وضميرها يؤنبها الآن، وتسأل هي يجب عليها إخبار زوجها بما حصل منها في الماضي؟

ج20: لا يحل على أي من الزوجين إخبار الآخر بما فعل في الماضي من المنكرات، ومن ابتلى بشيء من هذه القاذورات فليستر بستر الله ويكفيه التوبة النصوح. وأما من تزوج بكرا ثم تبين له عند الدخول بها أنها ليست بكرا كذلك لفاحشة ارتكابها في الماضي، فإنه يحق له أخذ المهر الذي أعطاها ويفارقها، وإن رأى أنها تابت فستر عليها وأبقاها فله الأجر والمثوبة من الله.

س21: ماذا يجب على التائب من فاحشة اللواط؟

ج21؟ الواجب على الفاعل والمفعول به التوبة إلى الله توبة عظيمة، فإنه لا يعلم أن الله أنزل أنواعاً من العذاب بأمة كما أنزل بقوم لوط لشناعة جريمتهم فإنه:

1- أخذ أبصارهم فصاروا عميانا، يتخبطون كما قال تعالى: }فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ{([169]).

2- أرسل عليهم الصيحة.

3- قلب ديارهم، فجعل عاليها سافلها.

4- أمطرهم بحجارة من سجيل منضود، فأهلكهم عن بكرة أبيهم.

ولذلك كان الحد الذي يقام على مرتكب هذه الفاحشة القتل محصنا أو غير محصن، كما قال r: «من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به»([170]).

س22: تبت إلى الله ولدي أشياء محرمة كأدوات موسيقية وأشرطة وأفلام، فهل يجوز لي بيعها خصوصا وأنها تساوي مبلغا كبيرا؟

ج22: لا يجوز بيع المحرمات وثمن بيعها حرام، قال r: «إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه»([171]). وكل ما تعلم أن غيرك سيستخدمه في الحرام فلا يجوز لك بيعه إياه؛ لأن الله نهى عن ذلك فقالِ: }وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ{. ومهما خسرت من مال الدنيا فما عند الله خير وأبقى، وهو يعوضك بمنه وفضله وكرمه.

س23: كنت إنسانا ضالا أنشر الأفكار العلمانية، وأكتب القصص والمقالات الإلحادية، وأستخدم شعري في نشر الإباحية والفسوق، وقد تداركني الله برحمته، فأخرجني من الظلمات إلى النور وهداني فكيف أتوب؟

ج23: هذه والله النعمة الكبرى والمنة العظمى، وهي الهداية فاحمد الله عليها، واسأل الله الثبات والمزيد من فضله. أما من كان يستخدم لسانه وقلمه في حرب الإسلام ونشر العقائد المنحرفة أو البدع المضلة والفجور والفسق فإنه يجب عليه الآتي:

أولا: أن يعلن توبته منها جميعا، ويظهر تراجعه على الملأ بكل وسيلة وسبيل يستطيعه حتى يعذر فيمن أضلهم، ويبين الباطل الذي كان عليه لئلا يغتر من تأثر به من قبل، ويتتبع الشبهات التي أثارها والأخطاء التي وقع فيها فيرد عليها، ويتبرأ مما قال وهذا التبيين واجب من واجبات التوبة، قال تعالى: }إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ{([172]).

ثانيا: أن يسخر قلمه ولسانه في نشر الإسلام، ويوظف طاقته وقدراته في نصر دين الله، وتعليم الناس الحق والدعوة إليه.

ثالثا: أن يستخدم هذه الطاقات في الرد على أعداء الله وفضحهم وفضح مخططاهم، كما كان يناصرهم من قبل ويفند مزاعم أعداء الإسلام، ويكون سيفا لأهل الحق على أهل الباطل، وكذلك كل من اقنع شخصا ًولو في مجلس خاص بأمر محرم كجواز الربا، وأنه فوائد مباحة، فإنه ينبغي عليه أن يعود ويبين له كما أضله حتى يكفر عن خطيئته والله الهادي.

فيا عبد الله فتح الله باب التوبة فهلا ولجت «إن للتوبة بابا عرض ما بين مصراعيه ما بين المشرق والمغرب». وفي رواية «عرضه مسيرة سبعين عاما، لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها»([173]).

ونادى الله «يا عبادي إنكم تخطئون الليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم»([174]). فهلا استغفرت. والله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، والله يحب الاعتذار فهلا أقبلت.

فلله ما أحلى قول التائب، أسألك بعزك وذلي إلا رحمتني. أسألك بقوتك وضعفي، وبغناك عن فقري إليك هذه ناصيتي الكاذبة الخاطئة بين يديك، عبيدك سواي كثير وليس لي سيد سواك لا ملجأ ولا منجي منك إلا إليك، أسألك مسألة المسكين، وابتهل إليك ابتهال الخاضع الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضرير، سؤال من خضعت لك رقبته، ورغم لك أنفه وفاضت له عيناه وذل لك قلبه.


مناجـاة

قالت المحدثة الجليلة شهدة الإبرية – رحمها الله: سمعت القاضي الإمام أبا المعالي عزيزي بن عبد الملك شيذلة من لفظه يقول: اللهم، يا واسع المغفرة، ويا باسط اليدين بالرحمة، افعل بي ما أنت أهله.

إلهي، أذنبت في بعض الأوقات، وآمنت بك في كل الأوقات؛ فكيف يغلب بعض عمري مذنبا جميع عمري مؤمنا.

إلهي، لو سألتني حسناتي لجعلتها لك مع شدة حاجتي إليها، وأنا عبد؛ فكيف لا أرجوك أن تهب لي سيئاتي مع غناك عنها وأنت ربٌّ. فيا من أعطاها خير ما في خزائنه وهو الإيمان به قبل السؤال؛ لا تمنعنا أوسع ما في خزائنك وهو العفو مع السؤال.

إلهي، حجتي حاجتي، وعدتي فاقتي، فارحمني.

إلهي، كيف أمتنع بالذنب مع الدعاء ولا أراك تمتنع مع الذنب مع العطاء، فإن غفرت فخير راحم أنت، وإن عذبت فغير ظالم أنت.

إلهي أسألك تذللا؛ فأعطني تفضلا([175]).


الخاتمـة

وفي الختام تقدم أيها التائب، وتقدمي أيتها التائبة خطوات، لكنها خطوات في طريق الخير، وليست خطوات في طريق الشر. فقد حذرنا ربنا –تبارك وتعالى- منها وبين لنا أنها خطوات الشيطان فقال: }وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ{([176]).

واحذر أن تعتمد على سعة رحمة الله فتترك التوبة، فربما داهمك الأجل وأنت على معصية، أو ربما حلت بك مصيبة وأنت على معصية، فقد قال سبحانه وتعالى: }نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ{([177]).

وقال r: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله: ألا وهي القلب»([178]).

اللهم وفقنا للتوبة النصوح وتقبل منا إنك أنت السميع العليم.

حفظني الله وإياكم من كل سوء، ووفقنا لكل خير وثبتنا على طاعته إلى أن نلقاه، إنه خير مسؤول وهو العزيز الغفور. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .. والحمد لله رب العالمين.

أخوكم في الله

مصطفى حقي أبو رفعة


أهم المصادر

1- القرآن الكريم.

2- كتب أحاديث الرسول rز

3- تهذيب خالصة الحقائق ونصاب غاية الدقائق، محمود بن أحمد الفارياني، هذبه وخرج أحاديثه، محمد خير رمضان يوسف. مجلد أول، ط1، 1421هـ- 2000م، دار ابن حزم، بيروت.

4- المنتقى من الفوائد الإيمانية، ط1، 1424هـ، دار طويق للنشر والتوزيع، الرياض.

5- 150 قصة للتائبين، منصور عبد الحكيم، ط1، 2005م، دار الكتاب العربي، دمشق، القاهرة.

6- قطار المستغفرين إلى ديار التائبين، جاسم بن محمد بن المطوع، تقديم جاسم بن محمد المهلهل الياسين ط2، 1412هـ -1992م، دار الوفاء مصر.

7- نور الهدى وظلمات الضلال في ضوء الكتاب والسنة، د. سعيد بن علي ابن رهف القحطاني، ط3، 14247هـ، الناشر نفسه.

8- موارد الظمآن لدروس الزمان، الشيخ عبد العزيز المحمد السلمان.

9- التوبة وظيفة العمر، محمد بن إبراهيم الحمد، ط1، 1421هـ-2000م، دار ابن خزيمة للنشر والتوزيع، الرياض.

10- التوبة حقيقتها –ثمارها، دار ابن خزيمة للنشر والتوزيع، ط1، 1421هـ -2000م، الرياض.

11- التوبة إلى الله –الشيخ الدكتور/ صالح بن غانم السدلان، ط5، 1418هـ، دار بلنسية للنشر والتوزيع، الرياض.

12- التوبة والمواعظ والرقائق، محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، ط1، 1425هـ -2005م.

13- الموسوعة الجامعة في الأخلاق والآداب، مجلد أول، إعداد سعود بن عبد الله الحزيمي، ط1-2005م، دار الفجر للنشر والتوزيع، القاهرة.

14- التوبة وشروطها وممن يتقبل ومتى، أد. سليمان بن إبراهيم بن عبد الله اللاحم، ط1، 1424هـ، دار العاصمة للنشر والتوزيع، الرياض.

15- دليل السائلين، أنس إسماعيل أبو داود، ط1، 1416هـ، 1996م، الناشر نفسه، جدة.

16- مختصر رونق المجالس، للعلامة عثمان بن يحيى الميري، ط1، 1405هـ -1985م، دار الإيمان، دمشق.

17- ولا تقربوا الفواحش، جمال عبد الرحمن إسماعيل، وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، ط1، 1423هـ، السعودية.

18- نفائس الكلام من أفواه السلف الكرام، مصطفى حقي، ط1، 1425هـ 2004م، دار الشريف. الرياض.

19- العقوبات الإلهية للأفراد والجماعات والأمم، ابن أبي الدنيا، تحقيق محمد خير رمضان يوسف، ط1، 1416هـ- 1996م، دار ابن حزم، بيروت.

20- ضحايا الحب، د. عائض القرني، ط5، 1427هـ- 2006م –مكتبة العبيكان –الرياض.

21- الفقه الميسر، أبو طلحة محمد يونس عبد الستار، ط2، 1421هـ، المدينة المنورة.

22- جبال الذنوب وسيل الغفران، الشيخ أبو طلحة محمد يونس بن عبد الستار، ط4، 1420ه، مكة المكرمة.

23- التفسير الميسر، الدكتور عائض القرني، الطبعة الأولى 1427هـ -2006م، مكتبة العبيكان –الرياض.

24- كشف الأسرار عما خفي عن الأفكار، العلامة شهاب الدين أحمد بن عماد القفهسي، تحقيق: محمد خير رمضان يوسف، الطبعة الأولى، 1426هـ -2005م، دار ابن حزم، بيروت.

25- 100 فائدة وفائدة، محمد خير رمضان يوسف، الطبعة الأولى، 1427هـ -2006، دار ابن حزم –بيروت.


 

 

الفهرس

 

الافتتاحية  5

الإهـداء  6

توبة وندامة  7

المقدمـة  8

التوبة من البيان الإلهي  11

التوبة من البيان النبوي  18

التوبـة  20

أنواع المعاصي  22

أقسام الذنوب:  30

صفات الذنوب:  32

أسئلة وأجوبة  36

إمهال العصاة:  36

ذنوب العباد:  36

كيف يتخلص الإنسان من قسوة القلب؟  38

حقيقة التوبة  39

فضل التوبة  40

شروط التوبة  41

باب التوبة مفتوح  45

وقت التوبة  50

قبول التوبة  54

أمور تعين على التوبة والاستمرار عليها 59

علامات صدق التائب   60

التوبة التامة  61

التوبة النصوح  63

ثمار التوبة  63

فوائد التوبة  66

من هم التائبون؟  67

التائب يناجي ربه  69

الاستقامة بعد التوبة  71

هل العودة إلى الذنب مفسدة للتوبة منه؟  74

دعاء التوبة  74

قصص في فضل التوبة  75

أول تائب إلى الله    75

حوار مع دمعة  80

إن رجعت إلينا قبلناك   81

هل من توبة؟  82

يتوب كل مرة ثم يرجع إلى الفساد!! 82

توبة فضيل بن عياض    83

هو الذي يقبل التوبة  84

قصة رجل من كبار المذنبين   86

عبدي بين ثلاث خلال  87

لا أخيب عبدا اتَّكل عليَّ  88

إنا لله وإنا إليه راجعون  89

درجة محبة الله    90

توبة شاب مسرف على نفسه  91

على يد إبراهيم بن أدهم  91

الأمة المحمدية على درجات ثلاث  93

قصة ماعز الأسلمي  94

نصيحة والد لولده 97

موعظة للإمام علي بن أبي طالب إلى   99

ولده الحسين – رضي الله عنهما 99

قصة الغامدية  100

الله أرحم بعباده 101

الأقوال والآثار في التوبة  103

فتاوى مهمة للتائبين   109

مناجـاة  124

الخاتمـة  125

أهم المصادر 126

الفهرس   129

 

* * *

 




([1]) سورة النور: 31.
([2]) سورة الشورى: 25.
([3]) سورة البقرة: 37.
([4]) سورة البقرة: 160.
([5]) سورة البقرة: 222.
([6]) سورة آل عمران: 90.
([7]) سورة النساء: 17.
([8]) سورة النساء: 18.
([9]) سورة المائدة: 71.
([10]) سورة التوبة: 104.
([11]) سورة التوبة: 112.
([12]) سورة طه: 82.
([13]) سورة النور: 31.
([14]) سورة الزمر: 53-54.
([15]) سورة الشورى: 25.
([16]) سورة التحريم: 8.
([17]) رواه مسلم.
([18]) رواه الترمذي وابن ماجة وأحمد والدرامي.
([19]) رواه ابن ماجة.
([20]) رواه أحمد.
([21]) رواه مسلم وأحمد.
([22]) رواه مسلم وأحمد.
([23]) رواه الترمذي وأحمد.
([24]) رواه أحمد.
([25]) رواه أحمد.
([26]) معجم مقاييس اللغة لابن فارس، ج1، 357.
([27]) سورة النور: 31.
([28]) تعطير الأنام في تعبير المنام، الشيخ عبد الغني النابلسي، دار المعرفة، ص73، ط3، 1415هـ- 1994م، بيروت، لبنان.
([29]) العقوبات الإلهية للأفراد والجماعات والأمم/ ابن الدنيا، تحقيق محمد رمضان يوسف، ص203، ط1، 1416هـ -1996م، دار ابن حزم، بيروت.
([30]) رواه الإمام أحمد في المسند، 2/4 رقم: 4824. وأبو نعيم في الحلية.
([31]) الهرج، الفتنة والاختلاط.
([32]) رواه ابن ماجه.
([33]) موارد الظمآن لدروس الزمان، الشيخ عبد العزيز المحمد السلمان، ص32، ط26، 1420هـ، طبع على نفقة جماعة من المحبين للخير.
([34]) سورة المطففين: 14.
([35]) نور الهدى وظلمات الضلال في ضوء الكتاب والسنة، د. سعيد بن علي بن رهف القحطاني، ص365، ط3، 1424هـ الناشر نفسه.
([36]) سورة ق: 30.
([37]) التوبة إلى الله، الدكتور/ صالح السدلان، ص133 ط5، 1418هـ، دار بلنسية، الرياض.
([38]) المشروع للتائب من الغيبة والنميمة أن يستحل ممن اغتابه أو نم عليه، فإذا لم يمكنه ذلك أو ترتب عليه مفسدة، فإنه يستغفر ويدعو له. ويذكره بالخير في المواضع التي اغتابه أو نم عليه فيها.
([39]) الموسوعة الجامعة في الأخلاق والآداب، مجلد أول، ص423، ط1، 2005م، إعداد سعود بن عبد الله الخزيمي. دار الفجر، القاهرة.
([40]) مصدر سابق، نقلت هذه الفقرة حرفيا فقط للتوضيح.
([41]) كشف الأسرار عما خفي عن الأفكار، العلامة شهاب الدين احمد بن عماد الأقفهسي، تحقيق محمد خير رمضان يوسف، ص70، ط1، 1426هـ - 2005م دار ابن حزم.
([42]) سورة النحل: 61.
([43]) فتاوى البلد الحرام، تقديم الشيخ سعد بن عبد الله البريك، إعداد خالد الجريسي، ص 1088، ط1، 1420هـ -1999م.
([44]) سورة النساء: 26.
([45]) سورة الأنعام: 148.
([46]) من فتاوى الشيخ ابن عثيمين، ج2، ص964.
([47]) سورة الرعد: 28.
([48]) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، ج5، ص244، الشيخ ابن باز.
([49]) سورة المطففين: 7.
([50]) فتح القدير للشوكاني، 5/399.
([51]) سورة طه: 124.
([52]) التوبة حقيقتها –ثمارها، دار ابن خزيمة، ص10،ط1، 1421هـ -2000م، الرياض.
([53]) سورة البقرة: 222.
([54]) رواه مسلم، 1696.
([55]) سورة الحشر: 18.
([56]) من كلام الإمام النووي –رحمه الله.
([57]) رواه البخاري.
([58]) التوبة إلى الله، د. صالح غانم السدلان، ص22، ط4، 1418هـ ، دار بلنسية،الرياض.
([59]) رواه البخاري 7507 ومسلم 2758 وانظر لشرحه فتح الباري 13/471.
([60]) موارد الظمأن لدروس الزمان، الشيخ عبد العزيز المحمد السلمان،ص46، ج1.
([61]) التوبة وظيفة العمر، محمد إبراهيم الحمد، ص23، ط1، 1421هـ -2000م، دار ابن خزيمة -الرياض.
([62]) سورة الزمر: 54.
([63]) سورة الشورى: 25.
([64]) سورة الزمر: 53.
([65]) سورة المائدة: 74.
([66]) رواه مسلم، 2759.
([67]) سورة النور: 55.
([68]) سورة النور: 31.
([69]) التوبة إلى الله، د. صالح السدلانن ص26، ط5، 1418هـ دار بلنسية للنشر والتوزيع -الرياض.
([70]) سورة التوبة: 117.
([71]) سورة النصر.
([72]) رواه الترمذي.
([73]) رواه الإمام أحمد في المسند.
([74]) سورة الأنعام: 153.
([75]) سورة النساء: 17.
([76]) رواه الترمذي عن ابن عمر وحسنه ورواه غيره.
([77]) رواه ابن ماجة 4070 في الفتن باب طلوع الشمس من مغربها.
([78]) سورة المؤمنون: 99-100.
([79]) التوبة وشروطها وممن تقبل ومتى؟، د. سليمان إبراهيم اللاحم، ص6، ط1، 1424هـ، دار العاصمة للنشر والتوزيع -الرياض.
([80]) سورة التوبة: 118.
([81]) سورة طه: 82.
([82]) سورة البقرة: 160.
([83]) أخرجه من حديث ابن عمر الترمذي في الدعوات وابن ماجه في الزهد وغيرهم.
([84]) سورة غافر: 85.
([85]) سورة النساء: 18.
([86]) أخرجه أحمد وصححه الألباني في الأحاديث الصحيحة.
([87]) سورة الأعراف: 156.
([88]) سورة الشورى: 25.
([89]) سورة طه: 82.
([90]) سورة الروم: 47.
([91]) أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه.
([92]) سورة آل عمران: 179.
([93]) سورة الحديد: 18.
([94]) أخرجه البخاري وابن ماجة من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه.
([95]) سورة النساء17.
([96]) سورة فاطر 28.
([97]) سورة النساء 17.
([98]) التوبة إلى الله، ص58.
([99]) انظر قصته في الصحيحين، صحيح البخاري، 4156، كتاب المغازي.
([100]) سورة البقرة: 37.
([101]) سورة المعارج: 27-28.
([102]) سورة فصلت: 30.
([103]) رواه البخاري.
([104]) لا بأس طهور إن شاء الله، عبد العزيز محمد بن عبد الله السدحان، تقديم مفتي عام المملكة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، ص10، ط1، 1426هـ -2005م، دار العاصمة -الرياض.
([105]) التوبة حقيقتها ثمارها، دار ابن خزيمة، ص12، ط1، 1421هـ-2000م، الرياض.
([106]) رواه البخاري.
([107]) سورة المطففين: 14.
([108]) سورة الصافات: 143-144.
([109]) سورة الأنبياء: 87.
([110]) رواه مسلم.
([111]) المنتقى من الفوائد الإيمانية، مصطفى حقي، ص30، ط1، 1424هـ-2003م، دار طويق، الرياض.
([112]) سورة الحجرات: 11.
([113]) سورة الفرقان: 70.
([114]) ضحايا الحب للدكتور عائض القرني، ص51، ط5، 1427هـ- 2006 مكتبة العبيكان، الرياض.
([115]) سورة الزمر: 53.
([116]) قطار المستغفرين إلى ديار التائبين، جاسم بن محمد بن بدر المطوع، ص108، ط2، 1412هـ 1992م، دار الوفاء -مصر.
([117]) هكذا قلت، محمد خير رمضان يوسف، ص76، ط1، 1426هـ -2005م، دار ابن حزم، بيروت.
([118]) سورة آل عمران: 165.
([119]) سورة الجن: 16.
([120]) تابع كلام الشيخ قطب –رحمه الله.
([121]) التوبة إلى الله، ص67.
([122]) أخرجه الحاكم في المستدرك.
([123]) سورة آل عمران: 135-136.
([124]) أخرجه ابن حبان في صحيحه.
([125]) رواه أحمد في المسند ومسلم أيضا.
([126]) سورة ص: 71-72.
([127]) سورة الحجر: 30-35.
([128]) سورة الأعراف: 19.
([129]) سورة طه: 117-119.
([130]) سورة طه: 120.
([131]) سورة الأعراف: 20-22.
([132]) سورة الأعراف: 23.
([133]) سورة البقرة: 37-38.
([134]) 150 قصة للتائبين، منصور بالحكيم، ص9، ط1، 2005م، الكتاب العربي، دمشق، القاهرة.
([135]) قطار المستغفرين إلى ديار التائبين، جاسم بن محمد بن بدر المطوع، تقديم: جاسم بن محمد المهلهل الياسين، ط2، 1412هـ - 19992م، دار الوفاء، مصر.
([136]) رواه البخاري.
([137]) سورة الحديد: 16.
([138]) سورة النساء: 17.
([139]) سورة الحاقة: 19-33.
([140]) سورة الأنبياء: 47.
([141]) سورة الشورى: 7.
([142]) جبال الذنوب وسيل الغفران، أبو طلحة محمد يونس عبد الستار ص192، ط4، الناشر نفسه، مكة المكرمة.
([143]) سورة الأعراف: 99.
([144]) سورة الطلاق: 3.
([145]) دليل السائلين، أنس إسماعيل أبو داود، ص135، ط1، 1416هـ -1996، جدة، الناشر نفسه.
([146]) سورة الفرقان: 68-70.
([147]) جبال الذنوب وسيل الغفران، أبو طلحة محمد يونس بن عبد الستار، ص177. ط4، 1420هـ، مطابع التوحيد، مكة المكرمة.
([148]) سورة البقرة: 286.
([149]) ولا تقربوا الفواحش، جمال عبد الرحمن إسماعيل، ص47، ط1، 1423هـ وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، السعودية.
([150]) سورة القلم: 33.
([151]) رواه البخاري ومسلم وأحمد.
([152]) سورة آل عمران: 103.
([153]) ولا تقربوا الفواحش، جمال عبد الرحمن إسماعيل، وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، ص51، ط1، 1423هـ، الرياض.
([154]) إمالا: معناه إذا أبيت أن تستري على نفسك وتتوبي وترجعي عن قولك فاذهبي حتى تلدي، فترجمين بعد ذلك.
([155]) صاحب مكس: قال ابن الأثير: المكس: الضريبة التي يأخذها الماكس وهو العشار، والمماكسة في البيع: انتقاص الثمن واستحطاطه، النهاية في غريب الحديث.
([156]) رواه مسلم وأصحاب السنن.
([157]) سورة الزمر: 53-59.
([158]) رواه مسلم.
([159]) السياق مجموع من روايات صحيحة. انظر ترتيب صحيح الجامع 4/368.
([160]) تهذيب خالصة الحقائق ونصاب غاية الدقائق، محمود بن أحمد الفارياني –هذبه وخرج أحاديثه، محمد خير رمضان يوسف، مجلد أول، ص306، ط1، 1421هـ -2000م.
([161]) يعني أن ينظر إلى يوم الدين.
([162]) مصدر سابق، ص313، مجلد أول.
([163]) رواه الحاكم في المستدرك وحسنه الألباني.
([164]) السحر لا يقتصر على اللسان، بل تشترك الجوارح في عمله.
([165]) أخرجه أحمد والحاكم.
([166]) عنوان الكتاب: أريد أن أتوب .. ولكن. للشيخ محمد صالح المنجد، دار الوطن، ص39 الطبعة الأولى، 1410هـ -الرياض.
([167]) رواه البخاري.
([168]) سورة النور: 3.
([169]) سورة القمر: 37.
([170]) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وصححه الألباني (إرواء الغليل: 2350).
([171]) رواه أبو داود وهو حديث صحيح.
([172]) سورة البقرة: 160.
([173]) رواه الطبراني في الكبير (صحيح الجامع 2177).
([174]) رواه مسلم.
([175]) 100 فائدة وفائدة، محمد خير رمضان يوسف، ص109، ط1، 1427هـ -2006م، دار ابن حزم بيروت.
([176]) سورة البقرة: 168.
([177]) سورة الحجر: 49-50.
([178]) صحيح مسلم.

=============

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تعَرَّف على الإســلام د. منقذ بن محمود السقار

هدية إلى كل باحث عن الحق من غير المسلمين تعَرَّف على الإســلام د. منقذ بن محمود السقار مقدمة الحمد لله والصلاة والسلام على رسل ا...